التوحش المقدس

التوحش المقدس: حين يصبح تكفير الناس أمرًا طبيعيًا كالعبادة

بقلم علي عبد الأمير:

يرى مؤرخون وباحثون أن ربع القرن الماضي هو “عصر الصحوة الإسلامية”، مثلما يرى غيرهم أنّه عصر الصراع الإسلامي الطائفي السنّي-الشيعي، بل يذهب بعضهم إلى أكثر من هذا، فيقول إنه عصر الوحشية التي وجدت في بعض النصوص الإسلامية شكلا ومضمونا لها.

ومن بين أصحاب الرأي الثالث، يأتي الباحث والكاتب البحريني علي الديري، الذي يوفر لنا عبر كتابيه “نصوص متوحشة” و”إله التوحش”، فرصة لمعاينة التفسيرات الدينية لمشاريع سياسية أو مرتبطة بالسياسة، وتصل حد إفناء الآخر المختلف. أي أننا نحصل على معادل ديني للعمل السياسي في عصر “الصحوة الإسلامية”. فإذا كان هناك وصف “الخائن” جاهزا لتصفية الخصوم في الأنظمة الدكتاتورية التي سادت في منطقتنا ضمن “عصر التحرر الوطني”، فإن وصف “الكافر” جاء ليصبح المعادل الموضوعي وبما يتوافق مع سيادة الخطاب الإسلامي وتحوله إلى الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

تكفير من؟

وعلى غير ما يذهب إليه القول الشائع إنّ التنظيمات الإسلامية المسلحة لا تمثل جوهر الدين بل تشوه قيمه، يرى الديري أن تلك التنظيمات تأتي اتصالا جوهريا بتراثنا الإسلامي، وليست نتاجا لـ”الجهل والتطرف التكفيري”.

ومن هذا التراث الإسلامي ما يمثله فكر أبي حامد الغزالي الحافل بـ”نصوص التوحش،” والمشغول بقضية تكفير الباطنية وباقي الفرق الشيعية، ووجوب سفك دمائهم، بمقابل “التسنّن المستقيم الصحيح الذي على الجميع أن يلتزم به”، وهذا مبدأ جوهري التزم به “داعش” ومشتقاته، وصار نص التكفير – التوحش عند الغزالي، منهلا ما لبث الفقيه المغربي ابن تومرت (1077-1130) أن نهل منه عبر المدارس حيث شرعنة القتل وسفك دماء كل من يختلف عن الدولة الموحدية التي صار فقيهها الأول.

وثالث من يتعرض إليهم الديري من فقهاء التوحش الإسلامي ومنتجي التكفير، هو ابن تيمية.

ومن نصوص التوحش التي كتبها ابن تيمية، فتوى أرسلها إلى سلطان الممالك الناصر بن قلاوون، وفرت الإطار الديني لتنفيذ مذبحة كسروان التي قام بها 50 ألف جندي من المماليك ضد الشيعة، وهو ما صار لاحقا سياقا لإصدار لوائح اتهام سياسي ضد الخصوم السياسيين والعقائديين في البلدان الإسلامية، منذ القرن الرابع عشر الميلادي حتى اليوم.

من هو إله التوحش؟

كتاب الديري الثاني حمل عنوان “إله التوحّش” الذي التهم قلب الإسلام والمسلمين اليوم، كونه حوّل الإسلام إلى “أيديولوجيا أحادية صلبة ومبدأ شمولياً يُقتل كل مَن يخالفه”.

الإله بهذا المفهوم المتوحش لـ(التوحيد) كما يلفت الديري “صار عدواً للبشر أو مثيرا للعداوة بين البشر، وهذا ما يشير إليه عنوان كتابي”.

ويسعى الديري إلى إثبات أن الوهابية وضعت عشرة نقائض للإسلام، و “في كل ناقض تفاصيل يكمن فيها شيطان التكفير والقتل، من يختلفون معك هم ليسوا من صنف الأخ لك في الدين أو النظير لك في الخلق، بل هم من صنف النقيض، كل الشياطين في تفاصيل هذه النواقض العشرة هم نقيض لك، عليك أن تتبرأ منهم وتكفرهم وتقتلهم”.

وفي باب الرد على سؤال “لماذا الوهابية؟” كمنتج للتوحش الاسلامي، يقول الديري “لأنها نجحت في أن تغزو العالم باسم التوحيد الخالص والسنة الصحيحة والسلف الصالح، لقد اخترقت العقل الإسلامي، وتمكنت من سرقة وجهه”.

وكان موقعنا وجّه للديري سؤالا “لماذا لم توسّع دائرة التطرّق لمذاهب وديانات مختلفة كي لا تنهال عليك الاتهامات بمهاجمة الإسلام فحسب؟”. فجاء جوابه على النحو التالي “هذا النوع من التوسعة يضيّع الجواب، ويريح أصحاب ظاهرة التوحش. أردت أن أضع إصبعي في عين الوحش الذي يهددني الآن. أردت أن أعري مرجعيته النصية التي يتحدث باسمها وينطق بمسلماتها. صغت فرضية ضد مسلماته التي تنص على أنّ نص التوحش نص سياسي”.

رابط الموضوع

 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>