الدبلوماسية الإيرانية-صدق النبوءات

«سعادة السفير»: عن الدبلوماسية الإيرانية وصدق النبوءات…

 

جنيف، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.. الساعة 3.03 صباحا

«لقد توصلنا إلى اتفاق»

تغريدة تلقاها العالم كله، السياسيون والدبلوماسيون ووسائل الإعلام من وكالات أنباء وتلفزيونات ومواقع تواصل اجتماعي، وكذلك الشعوب، بعد ترقب وتأهّب مهيبين.

كيف حصل ذلك؟

في الساعات الأولى من الصباح، اختار محمد جواد ظريف، أن يطلق نبوءته، ويزفّ للعالم، على طريقته، اتفاقاً نووياً تحقق بعد مرور ثلاثة أعوام، غير أنه لم يكن الأمر الأكثر إثارة للدّهشة من قبل دبلوماسي يجيد التواصل بمختلف آلياته، فقد سبقتها تغريدة أخرى صدمت الكثيرين: الرجل كان قد وجّه، بعد فترة من تكليفه بوزارة الخارجية الإيرانية، معايدة عبر حسابه على تويتر أيضاً. وما المانع في ذلك؟ ليس غريباً أن يستخدم وزير للخارجية موقع تويتر في 4 أيلول/ سبتمبر 2013 بعد فترة وجيزة من تسميته لهذا المنصب، ويقول فيها: «آمل أن أكون قادراً على التّواصل معكم بشكل دائم».

الذي يراقب مسيرة ظريف سيعرف أنّ تألقه لم يتوقف على هذه اللّحظات، بل برز منذ الأعوام الأولى لمسيرته الدّبلوماسية: الموظف الجديد في البعثة الدّائمة لإيران في الأمم المتحدة، في أعقاب التغييرات التي أحدثتها الثورة الإسلامية، لم يجد فارقاً في السّياسة الإيرانية، بين عهد الشاه وعهد الثّورة، إلا في ما تقدّمه البعثة الإيرانية – التي تقيم في مانهاتن، في مبنى نيوكلاسيكي أنيق، مشيّد على الطراز الفرنسي- لضيوفها: «قد لا نقدّم الشامبانيا أبداً بعد الآن في إشارة إلى الحفلات الباذخة التي كان يشهدها مقرّ البعثة في عهد الشاه ، لكننا سنعوّض لكم عنها بالطّعام الإيراني الفائق الجودة».

ما الذي ستتضمّنه لائحة التعويض التي وعد بها؟ الكثير، في الواقع. بدءاً بمظهره الخارجي، الذي حافظ فيه على قوميته الإيرانية، وبقي على الرّغم منه مُحَبباً في أروقة واشنطن، بالإضافة إلى لغة إنجليزية ذات لهجة أميركية ممتازة، حملت صوت إيران إلى الولايات المتحدة والعالم، وحسّ دبلوماسي رفيع – دفعه إلى مصافحة صدام حسين في أوج أيام الحرب الإيرانية – العراقية، وإلى مناداة وزير الخارجية الأميركي كيري بـ «جون» في اللقاء الأول الذي جمعهما في أروقة الأمم المتحدة على الرّغم من العداوة البارزة بين البلدين، وسرعة بديهة جعلت من خطاباته ومقالاته موضع اهتمام الكثيرين من سياسيين وأكاديميين وغيرهم، وليس انتهاء باتفاق نووي كان هو عرابه.

لطالما جذب الدبلوماسي الإيراني الأنظار، واعترف بمناقبه العدو قبل الصّديق. الرجل وجد فيه ثعلب الدّبلوماسية الأميركية هنري كيسنجر نداً، فأهداه كتابه «الدّبلوماسية» مُذيّلاً بعبارة «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف»، وتبعت ذلك شهادات مختلفة من خصومه السّياسيين وآخرين. حضوره وعلاقاته في الولايات المتحدة، وكذلك في الأمم المتحدة، دفعا نائب الرّئيس الأمريكي جو بايدن إلى وصفه في إحدى المرات بأنه «مدافع شرس، ولكنه عملي وحاسم» في الوقت ذاته.

غير أنّ ظريف قدّم ذلك، من دون أن يرضخ أو يساوم، لا على الكرامة، ولا على الاحترام، وهما «غير قابلين للتفاوض، وليس لهما سعر محدّد»، بل حافظ على إرادة شعبه الحرة وحقه في تقرير المصير: «لقد منّ الله علينا بإرادة حرة تمنحنا القدرة على تقرير مصيرنا».

تلك الإرادة التي ولّدت ثورة شعب، أعطته، ولشعبه، «القدرة على أن نقف مراراً في وجه الطغيان، وأن نطالب دوماً باحترام إرادتنا الحرة».

وهو يوضح جيداً في أحد خطاباته أنّ الأمر ليس «عناداً أو رفضاً لوجهة نظر الآخرين، إنما هي الإرادة الحرة المتأصّلة في تكويننا، في حمضنا النووي».

كيف يفعل «سعادة السفير» ذلك؟ كيف يحافظ على تلك الإرادة بمعزل عن كلّ التنازلات؟ الجواب بسيط: سرّه يكمن في ابتسامته. قد تظنّون أنّ الأمر سهل. لكن، لنكن واقعيين، في الكواليس التي ذكرناها، من الصعب جداً أن تحمل ابتسامة أيّ شخص معاني ابتسامة ظريف.

غنى مونس
باحثة ومترجمة من لبنان

رابط الموضوع

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>