العبور نحو الدولة الحديثة (البحرين ما بين 1919 – 1939م)

التاريخ‭ ‬ليس‭ ‬سرداً،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تأمّل‭ ‬وعبرة،‭ ‬واستنطاق‭ ‬للمستقبل،‭ ‬التاريخ‭ ‬كاشف‭ ‬لآثار‭ ‬مضت،‭ ‬مخلد‭ ‬لحراك‭ ‬شعوب‭ ‬وأمم،‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬حوادث‭ ‬التاريخ‭ ‬حرّكها‭ ‬قادة‭ ‬أفذاذ،‭ ‬وأصحاب‭ ‬جرأة‭ ‬وإقدام،‭ ‬وبعضها‭ ‬كان‭ ‬محورها‭ ‬جماعات‭ ‬أبت‭ ‬إلَّا‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬بصمتها‭ ‬على‭ ‬تاريخها؛‭ ‬ليكون‭ ‬عابراً‭ ‬لأجيالها،‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬ساكن‭ ‬أو‭ ‬يتحرك‭ ‬ببطء،‭ ‬وآخر‭ ‬منه‭ ‬ثائر‭ ‬كأمواج‭ ‬البحر‭ ‬العاتية،‭ ‬سنون‭ ‬مشتعلة،‭ ‬وسنون‭ ‬ميتة،‭ ‬بعضها‭ ‬مثير‭ ‬وأخرى‭ ‬مؤلمة‭ ‬قاسية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬يحرّك‭ ‬الحدث‭ ‬ومن‭ ‬يصنعه؟

تاريخ‭ ‬البحرين،‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬شعب‭ ‬سكن‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة،‭ ‬تفاعل‭ ‬الإنسان‭ ‬البحريني‭ ‬مع‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬قدره،‭ ‬فكان‭ ‬مدّه‭ ‬وجزره،‭ ‬بمثابة‭ ‬وثوبه‭ ‬وتعثّره،‭ ‬انفتح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بمدّ‭ ‬البحر‭ ‬وسعة‭ ‬أفقه،‭ ‬تطلع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراءه،‭ ‬عَبَرَهُ‭ ‬بشقّ‭ ‬الأنفس؛‭ ‬ليرى‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬وغاص‭ ‬في‭ ‬أعماقه،‭ ‬لكي‭ ‬يعيش،‭ ‬عانق‭ ‬النخلة‭ ‬حيث‭ ‬استقى‭ ‬منها‭ ‬الاستقرار‭ ‬والعلوّ‭ ‬والشموخ‭ ‬والعزّة،‭ ‬التي‭ ‬دفع‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬الكثير‭ ‬ليبقى،‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬تاريخه،‭ ‬يطمح‭ ‬نحو‭ ‬التغيير،‭ ‬يقفز‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬جيدة‭ ‬يرويها‭ ‬بدمه‭ ‬وصبره‭.‬

1919م‭ ‬ـ‭ ‬1939م،‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬بناها‭ ‬البحريني‭ ‬لينتقل‭ ‬من‭ ‬القبيلة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة،‭ ‬وبفضل‭ ‬حراكه،‭ ‬انطلقت‭ ‬البحرين‭ ‬نحو‭ ‬الحداثة‭ ‬والتنظيم‭ ‬والتطور،‭ ‬ففي‭ ‬الجانب‭ ‬السياسي،‭ ‬انتقلت‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬القبلي‭ ‬التقليدي‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬المركزي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي،‭ ‬وتشكيل‭ ‬المجالس‭ ‬البلدية‭ ‬المنتخبة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬فترة‭ ‬سياسية‭ ‬مضطربة‭ ‬عرفت‭ ‬فيها‭ ‬البحرين‭ ‬المعارضة‭ ‬السياسية‭ ‬بشكليها‭ ‬السلمي‭ ‬والثوري‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬البحرين‭ ‬انتكاسة‭ ‬الغوص،‭ ‬بظهور‭ ‬النفط‭ ‬الذي‭ ‬غيّر‭ ‬مجرى‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تغيّر‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬العيش‭ ‬والتفكير‭ ‬الناتجين‭ ‬عن‭ ‬الوفرة‭ ‬المالية‭ ‬والتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والاحتكاك‭ ‬بالعمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالنفط‭. ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬التعليمي‭ ‬والثقافي،‭ ‬أُنشئت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬المدارس‭ ‬النظامية‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬بإدارة‭ ‬أهلية،‭ ‬ثم‭ ‬خضعت‭ ‬للحكومة،‭ ‬ومع‭ ‬النهضة‭ ‬التعليمية‭ ‬انطلقت‭ ‬الأندية‭ ‬الأدبية‭ ‬الثّقافية‭ ‬والرياضية،‭ ‬وبرزت‭ ‬الصحافة،‭ ‬والمجالس‭ ‬الأهلية،‭ ‬والمسارح‭ ‬الفنية‭.‬

وهذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬عزيزي‭ ‬القارىء،‭ ‬هو‭ ‬دراسة‭ ‬تاريخية‭ ‬للأوضاع‭ ‬السياسية،‭ ‬والثّقافية،‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬1919م‭ ‬حتى‭ ‬1939م،‭ ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين،‭ ‬وذلك‭ ‬لتشجيع‭ ‬المهتمين‭ ‬بتاريخ‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والاستقصاء‭. ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬هو‭ ‬حسّنا‭ ‬الوطني‭ ‬نحو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬حول‭ ‬تاريخ‭ ‬الوطن،‭ ‬والمساهمة‭ ‬الجادة‭ ‬في‭ ‬تزويد‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬بالدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬الحديث‭.‬

 اقرأ أيضًا:

الكتاب متوفر على متجر:
نيل وفرات (ورقي والكتروني)
جملون
أمازون