سيرة الاحتجاج: السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة 2001 – 2011

من‭ ‬بين‭ ‬الأسماء‭ ‬الكثيرة‭ ‬المنخرطة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ومنطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬يبرز‭ ‬اسم‭ ‬الحقوقي‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجة‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬الحقوقيين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬ليس‭ ‬كمناضل‭ ‬حقوقي‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬يحضر‭ ‬وبشكل‭ ‬دائم‭ ‬كمطوّر‭ ‬لمنظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬عموما،‭ ‬وفي‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭. ‬فالمكانة‭ ‬التي‭ ‬شغلها‭ ‬الخواجة،‭ ‬تُبرز‭ ‬معها‭ ‬مشروعًا‭ ‬حقوقيًّا‭ ‬متقدّمًا‭ ‬ضمن‭ ‬مشاريع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ويتكامل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬مع‭ ‬المرجعية‭ ‬الدولية‭ ‬والعالمية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بشكل‭ ‬يقطع‭ ‬صلته‭ ‬بالمرجعيات‭ ‬المحلية‭ ‬لدرجة‭ ‬تُثير‭ ‬قلق‭ ‬خصومه‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬بجانب‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬انعكس‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الجدلي‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الحقوقي‭ ‬مع‭ ‬كبرى‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬مثل‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬الخطّ‭ ‬الأمامي‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مدافعي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬إذ‭ ‬وحسب‭ ‬شهادة‭ ‬المنظمة‭ ‬نفسها‭ ‬أن‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سهلا،‭  ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يثير‭ ‬الأسئلة‭ ‬الصعبة‭ ‬حيال‭ ‬طريقة‭ ‬عملنا‭ ‬وتعاملنا‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأمور،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أكثر‭ ‬فعّالية‭ ‬مما‭ ‬كنا‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقي‭ ‬متعددًا‭ ‬في‭ ‬صوره‭ ‬ومظاهره‭ ‬متحدًا‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬وهدفه‭. ‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬التركيب‭ ‬المتداخل‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقي‭ ‬والسياسي‭ ‬موضوعا‭ ‬مثيرًا‭ ‬للجدل،‭ ‬ويفتح‭ ‬عدة‭  ‬أبواب‭ ‬مؤصدة‭ ‬وغير‭ ‬مطروقة‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الحراك‭ ‬الحقوقي‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬صغير‭ ‬مثل‭ ‬البحرين‭. ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬الخواجة‭ ‬تجربة‭ ‬مهمّة‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الحرية،‭ ‬هو‭ ‬سعيه‭ ‬الجاد‭ ‬للانتقال‭ ‬بحركة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬التوظيف‭ ‬السياسي‭ ‬والرؤية‭ ‬الفردية‭ – ‬التي‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ – ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬أكثر‭ ‬سعة‭ ‬وأشدّ‭ ‬نضجًا،‭ ‬هو‭ ‬مجال‭ ‬أنسنة‭ ‬حركة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬منحها‭ ‬كامل‭ ‬الاستقلالية‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المجال‭ ‬الطبيعي‭ ‬لحركة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬أي‭ ‬أنسنتها‭ ‬وجعلها‭ ‬حديثًا‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الشعب‭ ‬حيث‭ ‬التنظيم‭ ‬والفعالية‭ ‬والقصد‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬تكرار‭ ‬فعله‭ ‬بشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬يصل‭ ‬للغوغائية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭. ‬

انطلق‭ ‬الحراك‭ ‬الحقوقي‭ ‬الذي‭ ‬قاده‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجه‭ ‬منذ‭ ‬2001،‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬أزمة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬كنظام‭ ‬سياسي‭ ‬وبين‭ ‬المجتمع،‭ ‬وما‭ ‬تعنيه‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أطر‭ ‬استبدادية‭ ‬وسلطوية‭ ‬تتحكم‭ ‬بالمجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬معًا‭. ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الخواجة‭ ‬فإنّ‭ ‬مناهضة‭ ‬الاستبداد‭ ‬والحكم‭ ‬الأقلي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬حكم‭ ‬العصابة‮»‬‭ ‬يستوجب‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬جذرية‭ ‬لأزمة‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬قبل‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬قضية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تكريس‭ ‬الاضطهاد‭ ‬والحرمان‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬طوال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬منذ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭.‬

في‭ ‬الجانب‭ ‬الأهمّ‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬الخواجة‭ ‬نجد‭ ‬التأكيد‭ ‬الصارم‭ ‬عند‭ ‬الخواجة‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬المدخل‭ ‬الأبرز‭ ‬للانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬هو‭ ‬تمكين‭ ‬حركة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وتقوية‭ ‬روابطها‭ ‬لا‭ ‬كرافد‭ ‬أو‭ ‬مساند‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي،‭ ‬وإنما‭ ‬كشريك‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وترسيخ‭ ‬الديمقراطية‭. ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬أكّد‭ ‬عليه‭ ‬الخواجة‭ ‬كثيرًا‭ ‬وبالأخص‭ ‬عندما‭ ‬أثار‭ ‬قضية‭ ‬التصوّر‭ ‬الذهني‭ ‬المزيف‭ ‬للإمام‭ ‬الحسين‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬ليلة‭ ‬عاشر‭ ‬من‭ ‬المحرم‭ ‬‮«‬الغاية‭ ‬الأساسية‭ ‬لنشر‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬هي‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولذلك‭ ‬يتم‭ ‬تدريب‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نشر‭ ‬وتعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬تأصيل‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬المتصلة‭ ‬بعقائده‭ ‬وتاريخه‭ ‬وعاداته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتكون‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬المصلح‭ ‬والمدافع‭ ‬تحفيز‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجموعات‭ ‬على‭ ‬المبادرة‭ ‬والتحرك‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭ ‬وحقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬قيم‭ ‬ونماذج‭ ‬مستقاة‭ ‬من‭ ‬تاريخهم‭ ‬وثقافتهم،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬أصول‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬الكرامة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬والحرية‮»‬

وتعكس‭ ‬رسالته‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2005‭ ‬لرفيق‭ ‬دربه‭ ‬نبيل‭ ‬رجب‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬الناشط‭ ‬موسى‭ ‬عبد‭ ‬علي‭ ‬خلاصة‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬ثبته‭ ‬الخواجة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النشطاء‭ ‬وقضاياهم‭ ‬فيقول‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬بعثها‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬لنبيل‭ ‬رجب‭:  ‬‮«‬لأنني‭ ‬ليس‭ ‬بيدي‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الغضب‭ ‬والاحتجاج‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تعرّض‭ ‬له‭ ‬الأخ‭ ‬الشجاع‭ ‬موسى‭ ‬من‭ ‬اعتداء‭ ‬دنيء‭ ‬وجبان،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬اعتداءات‭ ‬مستمرة‭ ‬ضد‭ ‬العاطلين‭ ‬ومسيراتهم‭ ‬السلمية،‭ ‬فإنني‭ ‬سأبدأ‭ ‬منذ‭ ‬صباح‭ ‬الغد‭ ‬إضرابا‭ ‬مفتوحا‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭. ‬وإننا‭ ‬جميعا‭ ‬نعلم‭ ‬بأن‭ ‬قضية‭ ‬موسى‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬التحقيق‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬حيادي؛‭ ‬لأنّ‭ ‬المتورطين‭ ‬فيها‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬قمّة‭ ‬هرم‭ ‬السلطة،‭ ‬ولكننا‭ ‬سنقوم‭ ‬بكلّ‭ ‬ما‭ ‬نستطيعه‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬شرفنا‭ ‬وكرامتنا‭ ‬وحقوقنا‭. ‬أرجو‭ ‬إبلاغ‭ ‬الأخوة‭ ‬بأنّ‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬التحلّي‭ ‬بالصبر‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬العمل‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬السلمي‭ ‬المنظّم،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الانجرار‭ ‬لما‭ ‬تريده‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬وفوضى،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تمّ‭ ‬التعاهد‭ ‬عليه‭. ‬وكذلك‭ ‬تركيز‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬لإصلاح‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬وكشف‭ ‬ومعاقبة‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬الاعتداءات،‭ ‬وعدم‭ ‬الانشغال‭ ‬بأية‭ ‬خلافات‭ ‬جانبية‭. ‬وتضامنا‭ ‬مع‭ ‬الأخ‭ ‬موسى‭ ‬فإنني‭ ‬أنوي‭ ‬الذهاب‭ ‬لزيارته‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬سيرًا‭ ‬على‭ ‬الأقدام،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬فرصة‭ ‬بعد‭ ‬وصولي‭ ‬إلى‭ ‬البحرين،‭ ‬وهذا‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬أستطيع‭ ‬عمله‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬التقدير‭ ‬والتضامن‭. ‬الناشطون‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬روّعهم‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للأخ‭ ‬موسى،‭ ‬وهناك‭ ‬حملة‭ ‬تضامن‭ ‬سيقومون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬القريب‭ ‬العاجل،‭ ‬وهناك‭ ‬تحرك‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬أيضًا‮»‬‭.‬

تعالج‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬المناضل‭ ‬الحقوقي‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجة،‭ ‬ومشروعه‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الأطر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬والمتنوع‭. ‬ولمّا‭ ‬كانت‭ ‬السير‭ ‬الذاتية‭ ‬خالية‭ ‬المعنى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ملهمة‭ ‬وصانعة‭ ‬للأحداث،‭ ‬فإنّه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دراسة‭ ‬سيرة‭ ‬الخواجة‭ ‬معتمدة‭ ‬أساسًا‭ ‬على‭ ‬الأطروحات‭ ‬والمشاريع‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬الخواجة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬منذ‭ ‬رجوعه‭ ‬البحرين‭ ‬سنة‭ ‬2001‭. ‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬المنهجية‭ ‬اعتمدت‭ ‬الدراسة‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الخبرة‭ ‬الميدانية‭ ‬لتجربة‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقية‭ ‬مع‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬التحليل‭ ‬والتوثيق‭ ‬التاريخي،‭ ‬بهدف‭ ‬رصد‭ ‬معالم‭ ‬المشروع‭ ‬الحقوقي‭ ‬لدى‭ ‬الخواجة‭ ‬ومطابقته‭ ‬مع‭ ‬الفضاء‭ ‬العملي‭. ‬أما‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬الالتجاء‭ ‬لهذه‭ ‬المنهجية‭ ‬فهو‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬النظرية‭ ‬أو‭ ‬الخطاب‭ ‬الكلامي‭ ‬وبين‭ ‬الممارسات‭ ‬والمواقف‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تعزيزًا‭ ‬لمبدأ‭ ‬المصداقية‭ ‬والنضال‭ ‬الحقوقي‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬هي‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬مأزق‭ ‬البعد‭ ‬الفردي‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬وتحليل‭ ‬نشاط‭ ‬نشطاء‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والنظر‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬تاريخي‭ ‬واجتماعي‭ ‬يتفاعل‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المحيط‭ ‬بهم‭.‬

‭ ‬وانطلاقًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬فقد‭ ‬ركّزت‭ ‬الدراسة‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الاحتجاج‭ ‬والاستعانة‭ ‬بها‭ ‬كمحور‭ ‬أساسي‭ ‬وكفعل‭ ‬حقوقي‭ ‬يشمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الممارسات،‭ ‬ويتعلق‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المطالب‭. ‬فالملاحظ‭ ‬في‭ ‬سيرة‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقية‭ ‬أنه‭ ‬دائم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تعميق‭ ‬فعل‭ ‬الاحتجاج‭ ‬وتطويره‭ ‬ونقله‭ ‬من‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭ ‬المباشرة‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الحقوقي‭ ‬كإطار‭ ‬عام‭ ‬يدعم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬منظوره‭ ‬الخاص‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يشكل‭ ‬مفهوم‭ ‬الاحتجاج‭ ‬ركنًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التحليل‭ ‬والرصد،‭ ‬باعتباره‭ ‬أهم‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الدفع‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وتطويرها‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬مجتمع‭ ‬سياسي‭ ‬مغلق‭. ‬فالاحتجاج‭ ‬هو‭ ‬ممارسة‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية،‭ ‬لكنه‭ ‬مرتبط‭ ‬بمدى‭ ‬الوعي‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬تعامل‭ ‬الدولة‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬التاريخية‭ ‬السابقة‭ ‬تميز‭ ‬بالمنع‭ ‬والقمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬مجتمعًا‭ ‬يبدو‭ ‬بدون‭ ‬صراعات‭ ‬اجتماعية،‭ ‬فأي‭ ‬انتفاضة‭ ‬هي‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬وجود‭ ‬الصراع‭.‬

يعالج‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الفصلين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬الجوانب‭ ‬المعرفية‭ ‬والمنهجية‭ ‬لدى‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجة‭. ‬يقدم‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬المعالم‭ ‬الرئيسية‭ ‬للبيئة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬الخواجة‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬ويثبت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاريعه‭ ‬الأطر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الشعبية،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬استعراض‭ ‬العوامل‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬رؤية‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقية‭ ‬سواء‭ ‬العوامل‭ ‬المباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭. ‬كما‭ ‬يقدّم‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬سردًا‭ ‬مختصرًا‭ ‬لسيرة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬والنظر‭ ‬إليها‭ ‬كمحفزات‭ ‬لمشروع‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقي‭.‬

‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعالج‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬الأطر‭ ‬العامة‭ ‬للفكر‭ ‬الحقوقي‭ ‬عند‭ ‬الخواجة‭ ‬وآليات‭ ‬ترجمته‭ ‬عمليًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أطر‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬حقوقية‭ ‬عمل‭ ‬الخواجة‭ ‬على‭ ‬تأسيسها‭ ‬أو‭ ‬دعمها‭. ‬ويقدّم‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬رؤية‭ ‬عامة‭ ‬حول‭ ‬الأسس‭ ‬المرجعية‭ ‬الحقوقية‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجة‭ ‬في‭ ‬نشاطه‭ ‬الحقوقي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انحيازه‭ ‬لوجهات‭ ‬النظر‭ ‬المتعارضة‭ ‬داخل‭ ‬الحقل‭ ‬الحقوقي‭ ‬مثل‭ ‬العالمية‭ (‬الطبيعي،‭ ‬الكونية‭) ‬مقابل‭ ‬الخصوصية‭ (‬الثقافي،‭ ‬النسبي‭) ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجاذب‭ ‬بين‭ ‬أصالة‭ ‬الحقوق‭ ‬أو‭ ‬وضعيتها‭. ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬الثنائيات‭ ‬تعتبر‭ ‬بمثابة‭ ‬المعايير‭ ‬التي‭ ‬تؤسس‭ ‬للنشاط‭ ‬الحقوقي‭ ‬رغم‭ ‬خضوع‭ ‬أغلب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬تلك‭ ‬لما‭ ‬يعرف‭ ‬بالشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وسائر‭ ‬المعاهدات‭ ‬الحقوقية‭ ‬التي‭ ‬ناهز‭ ‬عددها‭ ‬المائة‭ ‬معاهدة‭ ‬وميثاق‭ ‬حقوقي‭. ‬ويحلل‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬منهجية‭ ‬الخواجة‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬رؤيته‭ ‬العالمية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عبر‭ ‬أربع‭ ‬آليات‭ ‬رئيسية‭ ‬اشتغل‭ ‬عليها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭. ‬

أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬فهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬دراسة‭ ‬تطبيقية‭ ‬للمفاهيم‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬الخواجة‭. ‬وسنرى‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬والذي‭ ‬يليه‭ ‬مدى‭ ‬حضور‭ ‬فكرة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتجاج‭ ‬كأساس‭ ‬نظري‭ ‬وعملي‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقي‭. ‬لذا‭ ‬سيعالج‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬الممارسة‭ ‬الحقوقية‭ ‬للاحتجاج‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رصد‭ ‬مواقف‭ ‬الخواجة‭ ‬في‭ ‬المفاصل‭ ‬الحقوقية‭ ‬الكبرى‭ ‬واستعراض‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬النضال‭ ‬الحقوقي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭. ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬فهو‭ ‬استكمال‭ ‬لتطبيق‭ ‬المباني‭ ‬النظرية‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬المؤسساتي‭ ‬حيث‭ ‬يسلط‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬إنشاء‭ ‬مركز‭ ‬البحرين‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬باعتباره‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأكثر‭ ‬نضجًا‭ ‬والأكثر‭ ‬حضورًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬حاولت‭ ‬الدراسة‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬وأهمّ‭ ‬الملفات‭ ‬الحقوقية‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬عبد‭ ‬الهادي‭ ‬الخواجة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشر،‭ ‬وهي‭ ‬ملفات‭ ‬اعتبرت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬من‭ ‬أهمّ‭ ‬وأخطر‭ ‬الملفات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ملف‭ ‬الامتيازات‭ ‬وملف‭ ‬الفقر‭ ‬وملف‭ ‬التعذيب‭ ‬والقضاء‭.‬

في‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬استعرض‭ ‬منهجية‭ ‬الخواجة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بصناعة‭ ‬النشطاء‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬التي‭ ‬اتبعها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭. ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تخصيصه‭ ‬لتتبع‭ ‬أثر‭ ‬الخواجة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬المجال‭ ‬العمومي‭ ‬وسعيه‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬المناقشات‭ ‬الحقوقية‭ ‬علنية‭ ‬وجماهيرية‭.‬

ختامًا‭ ‬لا‭ ‬تدّعي‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬إحاطتها‭ ‬بأغلب‭ ‬التفاصيل‭ ‬الخاصة‭ ‬بمشروع‭ ‬الخواجة‭ ‬الحقوقي،‭ ‬لكنها‭ ‬تحاول‭ ‬فتح‭ ‬نافذة‭ ‬ولو‭ ‬صغيرة‭ ‬لإظهار‭ ‬ذاك‭ ‬المشروع‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬آلياته‭ ‬ونتائجه‭.‬

اقرأ أيضًا:

 الكتاب متوفر على متجر:
نيل وفرات (ورقي والكتروني)
جملون
أمازون