نصوص متوحشة

كما‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬جريمة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬مجرم‭ ‬ولا‭ ‬فساد‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬مفسد،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬توحش‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬وحش،‭ ‬والوحش‭ ‬هو‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬ومدارسها‭ ‬التي‭ ‬تبيح‭ ‬القتل‭ ‬وتأمر‭ ‬بالقتل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رادع‭ ‬نقدي،‭ ‬أو‭ ‬قراءة‭ ‬تاريخية‭ ‬أو‭ ‬قطيعة‭ ‬معرفية‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أحاول‭ ‬قراءة‭ ‬نصوص‭ ‬التكفير‭ ‬قراءة‭ ‬تاريخية‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬بيئات‭ ‬سياسية‭ ‬استخدمت‭ ‬التكفير‭ ‬ضد‭ ‬أعدائها،‭ ‬بيئة‭ ‬السلطة‭ ‬السلجوقية‭ (‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نصوص‭ ‬الغزالي،‭ ‬وبيئة‭ ‬سلطة‭ ‬الموحدين‭ (‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجري‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نصوص‭ ‬ابن‭ ‬تومرت،‭ ‬وبيئة‭ ‬سلطة‭ ‬المماليك‭ (‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الهجري‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نصوص‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭.‬

لماذا‭ ‬نفتح‭ ‬نصوص‭ ‬التوحش‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬الآن؟‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬وحشًا‮»‬‭ ‬يسرق‭ ‬وجوهنا،‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬والخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمدارس‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والأئمة‭ ‬الإسلاميين‭. ‬يعتبرنا‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬أعداء‭ ‬يجب‭ ‬قتلهم‭ ‬وسبيهم،‭ ‬وينظر‭ ‬إلى‭ ‬ممارساته‭ ‬هذه‭ ‬كعبادة‭ ‬كما‭ ‬سائر‭ ‬العبادات،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬كون‭ ‬التكفير‭ ‬شعيرة‭ ‬دينية‭. ‬

لقد‭ ‬أجاب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬المسلم‭ (‬عبد‭ ‬النور‭ ‬بيدار‭) ‬إجابة‭ ‬دقيقة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬الصادم‭ ‬الذي‭ ‬وجهه‭ ‬للعالم‭ ‬الإسلامي‭: ‬‮«‬رسالة‭ ‬مفتوحة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‮»‬‭.‬

يقول‭ ‬في‭ ‬ختامها‭: ‬‮«‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬تنجب‭ ‬مستقبلًا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوحوش،‭ ‬فسأقول‭ ‬لك‭ ‬إنّ‭ ‬الأمر‭ ‬بسيط‭ ‬وصعب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بإصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬الذي‭ ‬تعطيه‭ ‬أطفالك‭ ‬برمّته،‭ ‬أن‭ ‬تصلح‭ ‬كلّ‭ ‬مدرسة‭ ‬من‭ ‬مدارسك،‭ ‬وجميع‭ ‬أمكنة‭ ‬المعرفة‭ ‬والسلطة‭.. ‬هذه‭ ‬وسيلتك‭ ‬الوحيدة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تُنجب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوحوش،‭ … ‬وحين‭ ‬انتهائك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المهمّة‭ ‬الضخمة‮…‬‭ ‬فإنّه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأيّ‭ ‬وحش‭ ‬حقير‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬لسرقة‭ ‬وجهك‮»‬‭.‬

مع‭ ‬الأسف،‭ ‬حاضرنا‭ ‬ينتج‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوحوش‭ ‬ومستقبلنا‭ ‬يعد‭ ‬بها،‭ ‬وماضينا‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬حاضرنا‭ ‬ومستقبلنا،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬يُدرّس‭ ‬نصوصه‭ ‬في‭ ‬أمكنة‭ ‬المعرفة‭ (‬المدارس‭ ‬والجامعات‭) ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وفي‭ ‬أمكنة‭ ‬السلطة‭ ‬يعقد‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬تحالفاته،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬كتب‭ ‬فتاويه‭ ‬دستورًا‭ ‬يحكم‭ ‬وفقها‭ ‬ملوك‭ ‬السلطة‭ ‬وولاة‭ ‬الأمر،‭ ‬والجماعات‭ ‬القاتلة‭. ‬

وجوهنا‭ ‬مسروقة‭ ‬ومشوهة‭ ‬وقاسية‭ ‬وقبيحة‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الوحش،‭ ‬لن‭ ‬تجدي‭ ‬معنا‭ ‬عمليات‭ ‬التجميل‭ ‬والترقيع،‭ ‬ولن‭ ‬تتمكن‭ ‬شركات‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬مهما‭ ‬ملكت‭ ‬من‭ ‬أساطين‭ ‬الإعلام‭ ‬وأساطيره،‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬صورة‭ ‬وجوهنا‭ ‬الكالحة،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬الوحش‭ ‬وتفكيك‭ ‬أدواته‭ ‬الفتّاكة‭ ‬بنا‭.‬

ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬التوحش‭ ‬لأفكك‭ ‬متفجرات‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬العابرة‭ ‬للزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬سمعت‭ ‬أصوات‭ ‬فتاويه‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬كسروان‭ (‬1303م‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬سمعتها‭ ‬وهي‭ ‬تدوي‭ ‬في‭ ‬القديح‭ (‬2015‭) ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬وسمعتها‭ (‬2015‭) ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬العنود‭ ‬بالدمام،‭ ‬والبقية‭ ‬تنتظر‭.‬

اقرأ أيضًا:

الكتاب متوفر على متجر:
– نيل وفرات (ورقي والكتروني)
– جملون
– أمازون