هكذا تذكر محمد جواد ظريف

هكذا تذكر محمد جواد ظريف في “سعادة السفير”

هذا الكتاب هو مذكرات محمد جواد ظريف إذ إن دراسة سيرته تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

صدر أخيراً عن مركز أوال للدراسات والتوثيق في بيروت كتاب لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بعنوان “سعادة السفير”.

هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية تهدف لذكر الجيد والسَيِّئ، وبالنتيجة الحكم على طبيعة وعاقبة صاحبه، كما أنّه ليس تاريخًا شفهيًا كما هو متعارف عليه اليوم. وعلى الرغم من احتوائه الكثير من هذين النوعين، إلّا أنّ القصد الأساس منه، هو فهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على أرضية تجربتها التاريخية، لا سيّما وأنّ العلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التاريخ المعاصر مرّت بمراحل حسّاسة وظروف صعبة، لا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية.
في تلك المرحلة، وبموازاة عزل الكثير من موظفي ودبلوماسيي نظام الشاه محمد رضا بهلوي، كان من الضروري الاستفادة من قدرات وتجربة جيل جديد من الشباب الثوري وتوظيفه بسرعة في الأجهزة التنفيذية والعلمية للنظام الحاكم الجديد.
هذا الكتاب رواية شفهية لأحد هؤلاء الشباب الثوريين الذين تشكّل سيرة حياتهم السياسية جزءًا من تاريخ الدبلوماسية الإيرانية، ويمثل التأمل في سلوكهم الحرفي أحد أفضل الطرق لفهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو محمد جواد ظريف.
حضور ظريف في الأمم المتحدة لمدة ربع قرن جعل منه شخصية دولية ممتازة. بدايةً، كان هذا الحضور في السنين الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، حينما كان طالبًا في مرحلة الدكتوراه في جامعة كولومبيا، وجامعة دنفر كموظف محلي في البعثة الإيرانية في نيويورك، حتى أصبح السفير الأول والمندوب الدائم للجمهورية الإسلامية فيها.
إن سعي ظريف الدولي لاسترجاع حقوق إيران إبّان الحرب العراقية – الإيرانية، والمناقشات المتعلقة بالقرار 598 ، وكذلك المناقشات المتعلقة بالنشاط النووي الإيراني مع الدول الغربية، وأهمية دوره في مناقشات مؤتمر بون الأول فيما يخص مستقبل أفغانستان، ثمّ العراق، قبل وبعد الغزو الأميريكي لهما؛ وعضويته في فريق الشخصيات البارزة الرفيعة المستوى للأمين العام للأمم المتحدة في مشروع حوار الحضارات، وترؤسه للعشرات من المسؤوليات الجزئية أو المصيرية دوليًا، وحضوره في المجتمع الأميركي وقدرته على التأثير على الرأي العام والإعلام فيه، جعلت القاصي والداني مقدّرًا لدوره.
لقد حاز سعي ظريف الدؤوب للدفاع عن أهداف وقيم نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقدرته على إقناع نظرائه، مرارًا على تقدير السلطات العليا، ليس في إيران وحسب، بل إنّ كثيرًا من الإعلاميين والشخصيات الدولية كانت السبّاقة في ذلك. الاحتفال المهيب لتوديعه في مقرّ الأمم المّتحدة والصف المزدحم بزائريه الأجانب شاهدان على ذلك، بل إنّ الاحتفاء به وصل إلى أن يكتب هنري كيسنجر ـ وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة الأمريكية ـ في الصفحة الأولى من كتابه «الدبلوماسية» حين إهدائه: «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف».
يُعَد هذا الحوار الذي امتدّ لأكثر من أربعين ساعة مع الدكتور محمد جواد ظريف ـ الدبلوماسي والسفير السابق لإيران في الأمم المتحدة ـ من التجارب التي لا يُحتمل تكرارها بسهولة. رواية جزئيات الدبلوماسية الإيرانية بلسان ظريف الذي  هو بلا شك أحد أبطال هذا المجال في عصره، مِصداقٌ كامل للسهل الممتنع. سهلٌ؛ لأنّ ظريف يتمتع بشخصية عطوفة، مؤدّبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرّف عليه سهلًا، لكنّه ممتنعٌ؛ لأنّ ظريف في مجال تخصصه الحرفي جاد، متابع، منظم، وملتزم بالقيم والأصول التي يعتقد بها.
أثناء الحوار، كان ظريف يتجاوب مع ما يرويه، تستشعر منه الإحساس بالأحداث، كأنّها اليوم، وليس بوصفها أحداثًا جرت منذ أمدٍ بعيد. فهو يحزن ويكتئب من تلك الأحداث التي يراها جانبت الصواب، أو أنّ النجاح فيها كان جزئيًا، ويغضب لعدم استفادة الموظفين الجُدد في وزارة الخارجية من التجارب والأخطاء التي ارتكبها السابقون. وحين يأتي الحديث عن إيران وسيادتها ونجاحه وزملائه في الدفاع عن مصالحها الوطنية، يفرح بتواضعٍ لتلك الذكرى الباعثة للافتخار والغرور. وبحسب الضرورة، وبنظرة دقيقة، يناقش وينتقد الأحداث، ومنها ـ من دون استشعار الحرج ـ ما يتعلق بسيرته أو بالجهاز الدبلوماسي، وما كان يُعتقد في بداية العمل الدولي. معظم جلسات هذا الحوار ـ عدا تلك التي كانت في جامعة آزاد الإسلامية ـ كانت في غرفته في كلية العلاقات الدولية في وزارة الخارجية؛ من شتاء العام 2010 وحتى ربيع العام 2012. واختلفت مدّة الجلسات بين أقل من ساعة وأكثر من ثلاث ساعات؛ إذ لم يكن من السهل الحصول على موافقة ظريف لهذا الحوار، حيث إنّه لم يقبل بأيّ حوار أو خطاب عام منذ رجوعه من آخر مَهمَّة سياسية في نيويورك. فقد اقتصرت محاضراته ـ في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية ـ على تحليل المواضيع والأحداث من ناحية أكاديمية. وقد اشترط لبدء الحوار عدم تناول الوثائق السريّة وأسرار النظام، وخصوصًا ما تعلق بالمناقشات المرتبطة بالشأن النووي، ولم يكن من السهل تجنّب هذه القيود. ودراسة سيرة ظريف والانتباه للجوانب الإيجابية والسلبية لعمله، تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم والتقارب والتباعد التاريخي في السياسة الخارجية والعنصر الجيوسياسي وتأثيره في القدرة الإقليمية لإيران والقراءة الثورية للأحداث الدولية والمستقاة من تعليمات التشيع والميزة الواضحة للدبلوماسيين والدبلوماسية الإيرانية عند مقارنتها بالمعايير العالمية ونظام الحوار الخاص ومستويات مختلفة من التباين والصراع حتى الاشتراك والتعاون، هي نقاط سترافق القارئ في رحلته في هذا الكتاب.

عن الكاتب