مؤسسة تجمع بين فلسفة العمل الفردي والالتزام بالرؤية المؤسسية
وسام السبع*
تبدو تجربة السيد محمود الغريفي البحراني إحدى التجارب العلمية الرائدة في مجال إحياء تراث علماء البحرين وحفظه. ليس بوصفه مؤسساً لدار حفظ التراث البحراني المعنية بنشر تراث البحرين العلمي والادبي وتحقيقه فحسب؛ بل لكونه أحد من ترجموا همومهم وتطلعاتهم المعرفية إلى واقع حي، وحركة دؤوبة ونشاط لا يفتر وفق صيغة عمل مبرمجة ومدروسة.
تستفيد هذه الحركة من إمكانات ومكتسبات العمل الجماعي، وتنفتح على كل الساحات باتساع المهجر من العراق وإيران إلى الهند وباكستان مروراً ببيروت والشام إلى مشارف القارة الأوروبية. دون أن تحدّ من القدرة على التعبير عن التوترات المعرفية الخاصة، أو تلتزم بالخط المرسوم لها سلفا في مجال لطالما عشقه السيد الغريفي في فترة مبكرة من حياته العلمية، وأبدع وسكب فيه حبراً كثيراً، وهو مجال التراجم والسير. ومؤخراً، شرع بتكريس جهوده في جمع وتحقيق التراث العلمي البحراني.
السيد محمود الغريفي أحد من سكنتهم الهموم الكبرى منذ حداثة سنّه، فشغلته هموم البحث والتأليف. وباشر حراكه الاجتماعي والديني مسنوداً بذخيرة علمية وحصيلة ثقافية هائلة امتزجت بالاستعداد الفطري والقابليات الشخصية الجمّة والطموح الجامح والمهارات الخطابية. هذا كلّه جعل من الغريفي أحد أركان العمل الديني والنشاط الثقافي في منطقته. وكانت ساحة عمله الأول في إسكان عالي بمملكة البحرين، قبل أن تتعاظم مساحات حركته إلى الإطار الدولي العابر للقارات والحدود الجغرافية للدول.
السيد محمود ابن السيد مصطفى ابن السيد حسين ابن السيد ابراهيم ابن السيد محسن ابن السيد عبدالله ابن السيد احمد ابن السيد عبدالله ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد علوي ابن السيد أحمد المقدس ابن السيد هاشم البحراني ابن السيد علوي (عتيق الحسين) ابن العلامة السيد حسين الغريفي. ولد في «النعيم» في البحرين عام 1972، ونشأ وأكمل دراسته الأكاديمية فيها إلى جانب مقدمات الدراسة الحوزوية، ثمّ هاجر إلى مدينة قم المقدسة، في العام 1986، لطلب العلم فحضر دروس البحث الخارج على أساتذتها الأعلام كالشيخ جوادي الآملي، والشيخ جعفر السبحاني وغيرهم.
نشر السيد الغريفي العديد من المقالات والدراسات في مختلف المجالات. وكان يرأس تحرير مجلة مرآة الكتب الشهرية، وهي نشرة شهرية توثيقية ترصد حركة الكتاب في الجمهورية الإسلامية، صدر منها ما يزيد على 62 عدداً.
بالإمكان تقسيم أعمال السيد الغريفي ومصنفاته إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى : التصنيف، المجموعة الثانية: الإعداد والتحقيق، والمجموعة الأخيرة الشرح والتيسير.
أولا : التصنيف
منذ بداية حياته العلمية زاول السيد محمود الغريفي الكتابة. وكانت من أوائل الكتابات التي أنجزها، وهو في حداثة سنه، كتاب صغير وضعه حول المرحوم الشاب أحمد القزاز المتوفى عام 1991م، في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ولقد وقع في يدي حينها، وقرأته وكان مخطوطاً بخط اليد. وكانت هذه من البدايات الأولى التي فتح بها السيد الغريفي عهداً جديداً من العطاء الفكري بعد أن كان على تماس مباشر مع هموم مجتمعه.
ويدخل في هذا النوع من النتاج الفكري المتعدّد الذي تركه السيد الغريفي تلك الكتابات التي تتضمن عملية الترجمة عن الفارسية وأحياناً الأوردية. كما أن الكثير من هذه الكتابات بذل فيها السيد جهداً ميدانياً التزم فيه بالمعايشة الواقعية لمجتمع بحثه، الأمر الذي جعل من بعض الكتابات أشبه بـ «ربورتاج» صحفي تتسم لغته بكثير من الحيوية والجزالة والأسلوب المشرق.
ولقد وضع السيد الغريفي العديد من المصنفات، أبرزها :
الشعائر الحسينية بين الوعي والخرافة (160 صفحة).
سيرة فقيه أهل البيت السيد الكلبايكاني (256 صفحة).
خليفة الإمام الراحل (480 صفحة).
الجهاد والسياسة في حياة الشيخ الكندي (112 صفحة).
العلامة السيد أحمد الغريفي من الولادة إلى…؟ (144 صفحة).
الآثار الدينية في المملكة الأردنية الهاشمية دليل مختصر (32 صفحة)
جعفر الطيار وشهداء مؤتة (32 صفحة).
لقد اختاره الحسين.. سيرة العلامة السيد ذيشان جوادي الرضوي الهندي (96 صفحة).
جارية الزهراء .. شهادة لا ترد.
مشهد الرؤوس.
الشيخ عيسى الطري والأهواز والثورة
بسنديدة السيرة وذكريات قرن من الثورة
الخرافة المعقولة .. إنها الهند يا زوجتي.
أنا الغريب.. ملامح الحياة في امبراطورية الدونكري العظمى
قضية العصر .. ببليوغرافيا مرجعية.
مرجعية الدفاع عن العقيدة.
مفردات وجدانية في عشق الذات الحسينية.
ثانياً : الأعمال التحقيقة
يرى السيد محمود الغريفي أن التراث البحراني له من العمق الزماني الذي يمثّل سابقيه على الكثير من أزمنة التراث الأخرى، فالتراث البحراني :
تراث كمي، وذلك لأن البحرين عريقة في العلم ولا تخلو مدينة من مدنها أو قرية من قراها أو بيت من بيوتها من واقع علمي ومخزون تراثي.
والتراث البحراني تراث كيفي، إذ ركّز علماء البحرين على جوانب مغمورة أو حجم الإنتاج فيها قليل فأثروها بالكتابات والمصنفات، كما كانت لهم السابقية في جملة من الموضوعات.
إن التراث البحراني تراث ملتزم، فلم يكن في التراث البحراني أي إسفاف بل كل النتاج المعرفي البحراني هو في خط الالتزام العلمي والخلقي.
إن التراث البحراني تراث منتج وناقل للمعرفة، فكما أبدع علماء البحرين في تقديم المفاهيم الأصيلة من منابعها الأصلية (الثقلين)، فقد كان للتراث البحراني سهم كبير في نقل المعرفة من خلال التعاطي مع نتاج الآخر، عبر شرحه والتعليق والتعقيب عليه واستنساخ الثمين منه.
ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية تجاه هذا التراث المنسي، ساهم السيد الغريفي وبشكل عملي في ترجمة هذا الهمّ إلى مشروع على الأرض. وعمل على تحقيق العديد من المصنفات العلمية لعلماء البحرين، وأصدرها تباعاً عن دار حفظ التراث البحراني، التي انطلق عملها في 11 نوفمبر 1997م ( 13 رجب 1418ه)، وجاءت معظم إصدارات الدار التحقيقية من أعماله، بالإضافة إلى التعاون مع محققين آخرين منهم الشيخ حبيب آل جميع وأحمد المرهون والشيخ علي المبارك.
ومن أبرز أعمال السيد محمود الغريفي التحقيقية :
عقد الدرر في إدخال السرور على بنت سيد البشر، للشيخ ياسين بن أحمد الصواف، 128 صفحة.
تعيين الفرقة الناجية رسالة منسوبة للشيخ إبراهيم القطيفي البحراني، 120 صفحة.
طريقة الرياضة الشرعية للشيخ أحمد البحراني.
العجائب والغرائب في أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية، للشيخ عبدالله السماهيجي.
الغدير، للشهيد الشيخ عبدالله بن عرب.
من نفحات الولاية (ديوان شعر) للسيد حسين السيد شبر.
تعيين الثقل الأكبر للشيخ مكي بن صالح البحراني.
مؤجج الأحزان أو إلتهاب نيران الأحزان في وفاة غريب خراسان، للشيخ عبدالرضا آل مكتل الأوالي.
مقتل أمير المؤمنين للشيخ حرز المشهداني.
رواية الغصب والهجوم على مولاتنا الزهراء.
من خطب شيخ الإمامية في عصره، للشيخ أحمد بن المتوج البحراني.
نظم حديث الكساء، للنابغة البحراني السيد عدنان بن السيد شبر البحراني.
صفحات حول زيارة عاشوراء، بخط العالم السيد عبدالله بن السيد أحمد الغريفي.
الصلاة والسلام على المعصومين، للسيد إبراهيم بن السيد محسن الغريفي.
الاعتبار في كربلاء، للسيد حسين بن السيد شبر البحراني.
الذخيرة في يوم المحشر، للشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي.
شرح صفات الرسول، (من أوراق) السيد علي بن السيد إبراهيم كمال الدين.
مفتاح السرور في بقرة وسيع الثغور (المشهور في البحرين برواية البكرة) لأحد أعلام البحرين في القرن الرابع عشر.
إجازة العلامة الشيخ علي البلادي للسيد مهدي الغريفي البحراني.
نظم مقتل الحسين للشيخ حسن الدمستاني.
السلافة البهية في الترجمة الميثمية، للشيخ سليمان الماحوزي.
وفاة الإمام الحسن للشيخ عبدالرضا بن المكتل الأوالي.
القادحة الدهيا في مقتل يحيى بن زكريا، للشيخ حسين العصفور.
وفاة النبي يحيى، للشيخ عبدالرضا بن المكتل الأوالي.
حرقة الحزين في تسقيط سيدة نساء العالمين، (من أوراق) طه بن يوسف صالح بن يسوف بن محمد.
نظم مقتل الزهراء للسيد حسين بن السيد الحسن الغريفي.
ثاني المصائب والشهاب الثاقب على رؤوس المناصب (في وفاة الزهراء)، للشيخ محمد بن ناصر المعلم البحراني البربوري الاحسائي.
مثير الزفرات ومجري العبرات في وفاة الزهراء، للشيخ محمد بن جعفر العكري البربوري
الدرة الغراء في وفاة السيدة الزهراء، للشيخ حسين آل عصفور.
عقود الجمان في حياة الزهراء، للشيخ جعفر أبو المكارم.
أنوار المناقب، للشيخ عبدعلي بن خلف آل عصفور.
خطبة البيان، برواية علماء البحرين.
شرح خطبة النبي لشهر رمضان للشيخ محمد علي آل عصفور.
تتمة أوراد الأبرار في شهادة الكرار للشيخ محمد بن الشيخ أحمد آل عصفور.
الرسالة الرجبية في حكم النظر إلى المرأة الأجنبية، رسالة المرجع الديني السيد عبدالله الشيرازي 48 صفحة.
وفاة فاطمة الزهراء للشيخ علي البلادي.
إلزام النواصب للشيخ مفلح الصيمري.
تتمة أمل الآمل لآل أبي شبانه.
أوراد الأبرار في مأتم الكرار، الشيخ حسن الدمستاني، 160 صفحة.
كما وأن هناك مجموعة من الكتب جاهزة للنشر وأخرى قيد الإعداد والتحقيق.
ومنذ انطلاقتها، أصدرت دار حفظ التراث البحراني مجموعة من الأثار والكتب ضمن المسلسلات التالية: الببيلوغرافيا والفهارس، التاريخ والتراجم، البحرين للناشئين، إسهامات علماء البحرين، سلسلة أعلام من البحرين، الأعمال المتفرقة، و أخيراً سلسلة من تراث البحرين.
وقد استهدف السيد محمود الغريفي من تأسيس هذه الدار:
العمل على تصنيف كتب التراث والنتاج البحراني المعاصر وفهرستها ودراستها وتسهيل الانتفاع عليها والإستفادة منها.
السعي في جمع المخطوطات والوثائق والصور والنتاجات وحفظها، وكافة ما يتعلق بالتاريخ والتراث البحراني.
العمل على إحياء التراث ونشره ضمن مسلسلات تراثية متخصصة في المجالات العلمية المتنوعة.
إظهار أثر الحركة العلمية للبلاد في مجالات اختصاصها المتنوعة في آفاقها ومناهجها ودور رجالاتها الفعال والمبدع في رفد مسيرة الأمة والمنطقة والبحرين بالعطاء العلمي والأدبي الخلاق.
تسجيل تاريخ البحرين وتدوينه بمنهجية علمية تحليلية تعتمد الموضوعية والحياد وتوثيق المعلومات ودراسة المجتمع في وقائعه وأنماطه الاجتماعية والثقافية والدينية.
كشف ونقد محاولات التزييف والتحريف والتشويه لتراث وتاريخ البحرين العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي.
التعاون والتواصل مع الشخصيات والمؤسسات العلمية والتراثية والمكتبات المتخصصة والعامة محلياً وعالميًا.
يرى السيد الغريفي أن هناك جملة من المشاكل التي مُني بها التراث البحراني. تتمثل المشكلة الأولى في ضياع التراث البحراني، فكم تبعثرت المكتبات والكتب والمخطوطات وذلك بسبب العنف الذي تعرض له البحارنة منذ القدم وحتى اليوم، فتشتّت الكتب والمكتبات بتشتت أصحابها. وإذ تقرأ في بعض الكتب، كمقدمة موسوعة الحدائق الناضرة لمفخرة البحرين الشيخ يوسف آل عصفور البحراني (قدس سره)، تجده قد أعاد كتابته عدة مرات بعد الحوادث التي وقعت عليه، أو جدنا السيد أحمد المقدس الغريفي المعروف بالحمزة والذي قتل في طريق زيارته إلى العتبات المقدسة في العراق، وسرق ما لديه من مؤلفات وكتب ولم يعرف أمرها إلى يومنا هذا. وغيرهما من الأعلام، بل ربما لا تجد عالما من علماء البحارنة إلا وتعرض لمأساة.
والمشكلة الثانية تكمن في جمود الأوساط العلمية عن إحياء التراث. فإذا كان صاحب الحق خاملا فكيف يمكن لغيره، ومع خمول البحارنة عن إحياء تراثهم، إلا أن هناك جهوداً كبيرة من غير البحارنة لإحياء التراث البحراني لعلمهم بقيمة ما لدى علماء البحرين. وفي الفترة الأخيرة، انبرت جهود مبعثرة من البحارنة لإحياء التراث البحراني، ونسأل الله أن يديمها، مع أنها حركة رتيبة وينقصها العون والمدد لكي تواصل مجهودها الثمين فكلها جهود فردية.
أما المشكلة الثالثة، بحسب الغريفي، فتتمثّل في عدم قيام مؤسسات ومراكز لحد اليوم تعنى برصد التراث البحراني وإحياءها. وما هو موجود اليوم في الساحة من جهود هي فردية للغاية وبمعنى الكلمة، وفي إطارها الخاص.
أما المشكلة الرابعة، تتعلق بدخول جهات من خارج البحارنة، وقد يكونون من أصول بحرينية، زادوا في أزمة حفظ التراث وإحيائه بلّة. وذلك، لأنهم لا يعيشون خصوصية هذا التراث حتى يجعلوا له خاصيته بل وأكثر من ذلك إذ يعمل البعض منهم على القضاء على التراث البحراني سلفا لأشياعه الذين رموا كما كبيرا من المخطوطات في الآبار أو البحر كما تحكي المصادر، ومن المؤسف أن بعض البحارنة قد حدى حدوهم.
المشكلة الخامسة والأخيرة تنحصر في حاكمية الزمان والمكان منذ وقت قديم، بحيث جعل قسما كبيراً من المخطوطات والآثار تغرق في بحر الظلم الذي شمل البحارنة ومخزوناتهم وأودى بالكثير منها.
ويضع السيد الغريفي ما يمكن تسميته بـ «خطة إنقاذ» لهذا التراث المهمل، من خلال : القيام بحملة واسعة من التوعية على الأصعدة المختلفة بتاريخ التراث البحراني وقيمته وسبل الدفاع عنه وحفظه وإحيائه، وإيجاد موقع حر وقوي ماديا ومعنويا لجمع التراث البحراني فيه والعمل على إحيائه ونشره، ووقف ما يمكن من الأوقاف داخل البحرين وخارجه لكي تسند مشروع حفظ التراث البحراني وإحياءه، وتداول التراث البحراني من خلال تصويره وأرشفته في الأقراص وكذلك تداوله في الأوساط المختلفة في أنحاء العالم، وتشجيع من يلج هذا الميدان ومساندته وتخطي عثراته، فإن هذا الأمر عائد لكل الوطن. ونبّه سماحته إلى أن من يدخل هذا الميدان عليه أن يلتزم بأمانة التراث مهما كان مخالفا لمعتقده، فإن نشر أي مخطوطة أو حفظها لا يعني تبني ما فيها، وإنما يعني حب الوطن، وحب الوطن من الإيمان.
ثالثا: الكتابات الُميسرة
حرص السيد محمود في بعض الكتابات إلى اعتماد منحى تبسيطي لبعض أطروحات رواد النهضة الاسلامية وكتابتها بلغة ميسرة تحاكي مستوى الناشئة. وكان من أبرز مؤلفاته، في هذا السياق، سلسلة «رؤى من وحي الولاية الحقة». وهي سلسلة حلقات تتناول رؤى وأفكار الإمام الخميني (قده)، صدر منها 25 حلقة في 800 صفحة. كما استهدفت بعض الإصدارات عرض كل ما يتعلق بالتاريخ البحراني وعلماء البحرين بأسلوب قصصي مصور، منها «كل يا كمي: قصة الشيخ كمال الدين ميثم البحراني؛ «أبو رمانة : قصة الشيخ عيسى الدمستاني»؛ كذلك كتاب «مؤذن الرسول (ص) والوفاء لمقام الولاية»، والذي يقع في 32 صفحة.
للمزيد راجع العدد الأول من مجلة أرشيفو