مقالات

(مركز أوال) يوثق الذاكرة الخليجية

أردناها شاهدة على وجودنا حيث ما كان، وكيف ما كان، حيث كان في الهامش أو في السلطة، وفي الحاشية أو في المتن، وكيف كان ظالماً أو مظلوماً.. ليست مهمة الأرشيف أن يجمل الحقيقة، بقدر ما مهمته حفظها وقولها دون أن ينتظر قبولاً أو استحساناً من أحد”*.

“من دون وثائق ينتفي وجود المرء”، ورواية الوجود لا تحفظها إلا الوثائق.. باكراً التفت “مركز أوال للدراسات والتوثيق” إلى المعركة المفتوحة بين الوجود والعدم. الرؤية التي حملت على إنشاء المركز تقول إن التاريخ لا يصادره ممتلكو القوة، ولا يستفرد به كتبة السلطة، التاريخ أكبر من أي لحظة، ومن يحتفظ به يملك الاعتراف بالوجود. وفي وثائق التاريخ لا وجود لــ “ربما”، إما “الوجود” ودونه العدم.

ومنذ ولادته في لندن عام 2012، قرر “مركز أوال للدراسات والتوثيق” أن يواجه معركة مصادرة التاريخ، للانتصار لحقيقة الوجود. في إحدى إصداراته، يقول المركز إنّ العدم يظل “يلاحق الوجود، والغلبة تكون لمن يملك الأرشيف حياً ناطقاً.. هكذا يتحقق لوجود الإنسان الانتصار في الحياة”.

ومنذ لحظاته الأولى إلى اليوم، كان مسار العمل والإصدارات واضح الرؤية، محدد الهدف. يعود اسم “أوال” إلى فترة تاريخية معروفة شهدتها البحرين إبان الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين. الإسم نفسه يوثق هذه الفترة التاريخية، وفي العنوان نفسه يحضر التوثيق جنباً إلى جنب مع الدراسات، تأكيداً على رؤيته، وتصريحاً عن الحقل الذي يشغل المركز ويؤطر مجال نشاطه وفعالياته وإنتاجاته.

والمركز مؤسسة بحرينية أنشئت في لندن في شباط/ فبراير من العام 2012، أخذ على عاتقه تحرير الذاكرة الخليجية. أبرز اشتغالاته تمثلت في حفظ الذاكرة البحرينية وتوثيق الأحداث التي عاشتها منطقة الخليج عموماً، وقد توزعت أعمال المركز على قسمين: قسم يُعني بالأرشيف والتوثيق، وآخر انصبت جهوده على إنجاز مشروع ضخم يهتم بترجمة أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية، وإلى جانب ذلك يُصدر “أوال” مجموعة من الكتب التي أتت في سياق حفظ الذاكرة، وإعادتها إلى الضوء.

في منشور له كتب المركز: “ندرك أن ما من سلطة سياسية دون سيطرة على الأرشيف ورسالتنا في مركز أوال للدراسات والتوثيق هي العمل على تحرير الأرشيف من السيطرة وتسهيل عملية الوصول إليه”.

شكلت أحداث المنطقة منذ ما بعد “الربيع العربي” يقظة لدى القيمين على المركز. في وقت كانت تشهد المنطقة معارك مستعرة  لمصادرة الحاضر والتاريخ، وتدمير للتراث الثقافي للبشرية، قرر مركز أوال للدراسات والتوثيق أن يتحدى العدم وأن يقف في مواجهة الساعين إلى تكريسه، انتصاراً لذاكرة شبه الجزيرة العربية.

لماذا الأرشيف؟

تستعيد “أرشيفو” عبارة كوجيتو ديكارت الشهيرة: “أنا أفكر إذن أنا موجود”، تتصرف بها لتقول: “لدي أرشيف إذن أنا موجود”. ومن دونه ينتفي الوجود.

منذ العام 2015، قرر مركز أوال للدراسات والتوثيق أن يحتفل سنوياً بيوم الأرشيف العالمي في 9 يونيو. في العام الماضي أطلق المركز بالمناسبة (محرك بحث أرشيف أوال)، ليكون إحدى أدوات النضال من أجل حفظ بيانات الوجود.

في الإطار نفسه، أصدر المركز “سلسلة أبحاث في تاريخ البحرين”  تناولت 7 إصدارات، وكل إصداراتها اشتغلت في توثيق الذاكرة البحرينية (تاريخ البحرين وقراها وأعلامها وأدبائها، إضافة إلى الحركة العملية فيها). ويعمل المركز اليوم على إصدار ثامن ضمن السلسلة نفسها يتناول توثيق “هجرة البحارنة”.

ولأن “ما مضى هو في المقدّمة”، سعى المركز إلى تقليب صور التاريخ ليعيد قراءة الحاضر، يشخص في هذه الاستعادة الواقع، ويفهم خلفيات أزماته، ويسترجع وجهه الذي سرقته الصراعات، وغيرت معالمه سطوة السلطة، ونزاعات السياسة.

عام 2015، أصدر المركز كتاب “نصوص متوحشة – التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية” للباحث البحريني علي أحمد الديري. في قراءته لتجارب تاريخية، ذهب الديري إلى تفكيك نصوص التوحش في التراث الإسلامي، ليبيّن أن التكفير وليد الصراعات السياسية، وسلاحها الفتاك، وأن النصوص التوحش لم تكن إلا إحدى إفرازات هذه الصراعات. وفي العام 2017 صدر عن المركز كتاب آخر للباحث نفسه:”إله التوحش التكفير والسياسة الوهابية”، لاحق فيه الديري التوحش في تجربة  تاريخية أخرى، توقف فيها عند مؤسس الوهابية محمد بن عبدالوهاب. ومجدداً ثبّت الديري فرضيته التي تقول إن “التكفير مشروع قتل يمليه صراع سياسي”.

ولأن الماضي مرآة الحاضر، جاء إصدار “داعش من النجدي إلى البغدادي – نوستالجيا الخلافة” في أبريل 2015، عاد فيه الباحث السعودي فؤاد إبراهيم إلى جذور داعش ليبيّن أن التنظيم يأتي كوراث تاريخي لتعاليم محمد بن عبدالوهاب “والمتناسلين منه مثل جيش إخوان من طاع الله الذي أنشأه عبد العزيز بن سعود (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ثم قضى عليه بعد تحقيق حلمه بإقامة دولة باسمه”.

اهتم مركز أوال بتوثيق الذاكرة البحرينية. عام 2016، طبع المركز كتاب عالم الأنثربولوجية اللبناني فواد اسحاق خوري “القبيلة والدولة في البحرين تطور نظام السلطة وممارستها”. الكتاب الممنوع من التداول في البحرين أعاده أوال للضوء، كونه يوثق واقع حكم القبيلة في البحرين. في دراسته للواقع البحريني وجد خوري أن القبيلة الحاكمة في البحرين تمكنت أن ترواغ حركات الإصلاح والتحول نحو نظام الدولة، لتبقى الدولة محكومة بأعراف قبيلة آل خليفة ومصالحها.

وفي أواخر 2015، صدر عن المركز  الترجمة العربية لكتاب “صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج” للمحلل السياسي المتخصص في شؤون البحرين، جستن غينغلر. وُصف الكتاب بأنه الأكثر جرأة في استقصاء وتفسير الواقع السياسي المتأزّم في البحرين ودول الخليج العربية، إذ بيَّن أن  الصراع في البحرين سياسي بحت، رغم محاولة الطبقة الحاكمة الزج به في خانة الصراع الديني الطائفي.

هكذا كان المركز يستعيد الحقيقة المختطفة، والذاكرة التي يُعمل على مصادرتها، وانتاجها مجدداً لتقدم روايات تحيل الحقائق التاريخية إلى عدم.

وذهب مركز أوال إلى توثيق الذاكرة الحديثة للبحرين في مجموعة إصدارات، تناولت الأزمة السياسية وإفرازاتها وخلفياتها التي تشهدها البحرين منذ العام 2011 إلى اليوم. ( “سيرة الاحتجاج السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة2001 – 2011″، و”جدار الصمت: انهيار السلطة مدخل توثيقي لثورة 14 فبراير البحرينية” للكاتب البحريني عباس المرشد).

الذاكرة الخليجية عموماً حضرت أيضاً في إصدارات المركز. “ما بعد الشيوخ الانهيار المقبل للممالك الخليجية”، كتاب أصدر ترجمته العربية أوال. تنبأ الأكاديمي البريطاني كريستوفر ديفيدسون، من خلاله بانهيار وشيك للممالك الخليجية، على ضوء نشوء “الدول البوليسية” في عصر تكنولوجيا الاتصالات، وفي زمن انخفاض أسعار النفط.

مطلع العام 2017، أصدر “مركز أوال للدراسات والتوثيق” كتاب  “سعادة السفير محمد جواد ظريف”، وهو الكتاب الذي ظل ممنوعاً من النشر حتى نهاية عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، والذي يوثق الكثير من الأحداث التاريخية من رجل ساهم في صناعتها أو كان على تماس معها.

وآخر إصدارات المركز كان “شعر البحرين” للباحثة البحرينية أنيسة المنصور، التي أطلت من خلاله على بيئة الشعر البحراني، وعلى ما قدمته البحرين من عطاء شعري في الفترة الممتدة بين القرن السابع عشر إلى الثلث الأول من القرن العشرين.

على سكة واحدة تأتي إصدارات “مركز أوال للدراسات والتوثيق”، لا شيء كان بعيداً عن الأهداف: توثيق الذاكرة وتحرير الذاكرة.

في إحدى إصداراته، يستحضر المركز تجربة أرجينتينية، يُعرف المركز بما يُسمى “رابطة جدات ساحة مايو” التي عملت على توثيق بيانات جميع المفقودين إبان الديكتاتوريات السياسية. لاحقاً أثمرت جهود الجدات، وثقت الرابطة معاناة المفقودين والمختطفين، وشكل نشاطها سبباً في خروج مطالبات لمحاكمة المسؤولين عن ذلك. بالنسبة لأوال كانت تجربة الجدات تتماثل وعبارة الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخي: “في هذا البلد لدينا حق مصون في الأمل”. العبارة نفسها يستحضرها “أوال”، ليكون للذاكرة حق مصون بالأمل أن لا تصادر الذاكرة، ولا يحيل أهل السطوة وجودها إلى عدم.

 * من افتتاحية الإصدار الأول لمجلة “أرشيفو” الفصلية الصادرة عن مركز أوال للدارسات والتوثيق

كتاب “نصوص متوحشة” لعلي الديري

هناك اليوم في العالم الإسلامي عشرات وربما مئات الجماعات الدينية المتطرفة، التي تُمارس العنف والقتل بصورة عنيفة جدا، وتستخدم أبشع الطرق في قتل مخالفيها. وهذه الجماعات تدافع عن نفسها بأنها تستند في ممارساتها إلى فتاوى دينية يعترف بها جميع المسلمين، وكتباً فقهية يرجع إليها علماء المسلمين وفقهائهم، ولذا فإنها تدّعي دائما في بياناتها، وخطاباتها، ومنشوراتها، بأنها تمثل الإسلام الحقيقي، ولها ردود كثيرة على الفقهاء والمفتين الرسميين في الدول العربية، والمؤسسات الرسمية الدينية الإسلامية، مثل كتاب ” المجن في الرد على بشير بن حسن ” “للجهادي” البحريني تركي البنعلي، وكتاب ” الأقوال المهدية إلى العمليات الاستشهادية ” له أيضا، وكتاب ” مالك بن نبي في الميزان ” لأبو المنذر الساعدي ، و” أعذار المتقاعسين ” ليحيي اليحيى، ورسائل جهيمان العتيبي، وغيرها،وقد رأينا جميعا الفيلم الذي أذاعه تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) بعد إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا في 3 / فبراير / 2015،حيث ظهر احد مقاتلي التنظيم وهو يتلو بياناً مطولا قال فيه أنهم يستندون إلى فتوى لابن تيمية ( 661- 728 ) حول جواز الإعدام حرقاً باعتباره ” زجرا لهم عن العدوان، فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع”. ومن جانب آخر، فإن كثيرا من العلماء والمرجعيات الدينية الرسمية تنكرعلاقة هذه الجماعات بالدين؛ وتقول بأنها جماعات سياسية، وتقف وراءها أجهزة استخبارات عالمية وصهيونية لتشويه صورة الإسلام، وتمزيق الدول الإسلامية إلى دويلات طائفية، كما فعلت داعش في سورية والعراق، وتستدل على رأيها بآياتٍ قُرآنية تُحرم قتل النفس المحرمة إلا بالحق، ولذا نجد صمتا يسود موقف العديد من المؤسسات الفقهية الإسلامية عن جرائم التنظيمات المتطرفة بحجة أنها غير إسلامية، وكذلك،لم تصدر أي نقدٍ لطروحات هذه التنظيمات، أو ردا على ادعاءاتها، رغم الجرائم البشعة التي ارتكبتها في العديد من الدول العربية، ربما خوفا من أن يطال النقد ” نصوصا مقدسة “.

في هذا الكتاب ” نصوص متوحشة، التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية ” الذي صدر طبعته الأولى عن مركز أول للدراسات والتوثيق ببيروت سنة 2016، يحاول الباحث البحريني الدكتور علي أحمد الديري قراءة سرديات التكفير في سياقها السياسي. حيث يقول: ” أسعى في هذا المجال إلى قراءة نصوص ليس كاجتهادات فقهية أو عقائدية بل كمشاريع سياسية أو مرتبطة بالسياسة، كما هو الأمر مع كتاب الغزالي (فضائح الباطنية) الذي كتبه برسم السياسة السلجوقية في حربها ضد الفاطميين”.(1)، ويناقش المؤلف في هذا الكتاب نصوص التوحش ” في ثلاث بيئات سياسية، استخدمت التكفير ضد أعدائها: بيئة السلطة السلجوقية (القرن الخامس الهجري)، من خلال نصوص الغزالي، وبيئة سلطة الموحدين (القرن السادس الهجري) من خلال نصوص ابن تومرت، وبيئة سلطة المماليك (القرن الثامن الهجري) من خلال نصوص ابن  تيمية” (2). ويقول المؤلف في مقدمة كتابه ” كما لا توجد جريمة من غير مجرم، ولا فساد من غير مفسد، فإنه لا يوجد توحش من غير وحش، والوحش هو هذه النصوص ومدارسها التي تبيح القتل وتأمر بالقتل من دون رادع نقدي، أو قراءة تاريخية أو قطيعة معرفية”. (3)

لقد وضع الديري ثلاثة شروط لتعريف نصوص التوحش وهي:

الشرط الأول: أن يكون النص آمرا بالقتل المادي، وليس مكفراً فقط للمسلم الذي يقر بالشهادتين،

والشرط الثاني: أن يكون النص فتوى أو حكماً منتجاً من فقيه وليس مجرد حديث يُروى،

والشرط الثالث: أن يكون النص ضمن فضاء سلطة سياسية تمثل قوة قائمة بالفعل”(4).

ويرى المؤلف بأن النصوص المتوحشة ” أنتجت في سياقات تاريخية سياسية كانت تتصارع حول شرعية الخليفة، كما عن إعادة إحيائها من جديد في العصر الحديث فرضتها ظروف سياسية أيضا”. (5)

ابتدأ الديري مقاربته النقدية لنصوص التوحش بنقد نصوص الغزالي في كتابه ” فضائح الباطنية ” للإمام الغزالي، ويرى الكاتب أن الكتاب ظهر في سياق الصراع السياسي الذي كان قائما آنذاك بين الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الفاطمية في القاهرة، واتخذ أشكالا متعددة، مثل: إنكار النسب العلوي للخلفاء الفاطميين، واتهامهم بالكفر والمروق من الدين والإلحاد، حيث يقول الغزالي  ” والقول الوجيز فيه أن يُسلك بهم مسلك المرتدين في النظر في الدم والمال والنكاح والذبيحة ونفوذ الأقضية وقضاء العبادات” (6)، ولم يقتصر الغزالي على الحكم بكفرهم فقط، وإنما أفتى بقتلهم وسفك دماءهم أيضا، حيث قال: ” نغتالهم ونسفك دماءهم، فانهم مهما اشتغلوا بالقتال جاز قتلهم. وان كانوا من الفرقة الأولى التي لم يحكم فيهم بالكفر، فهم عند القتال يلتحقون باهل البغي، والباغي يقتل” (7). كما لم تقتصر وظيفة الكتاب في تكفير الفاطميين فقط، وإنما تثبيت شرعية الخلفاء العباسيين أيضا، واعتبارهم خلفاء الله في أرضه وحجته على عباده،حيث كتب الغزالي فصلا بأكمله بعنوان  (في إقامة البراهين الشرعية على أن الإمام القائم بالحق الواجب على الخلق طاعته في عصرنا هذا هو الإمام المستظهر بالله، حرس الله ظلاله)، وقال فيه عن الخليفة المستظهر العباسي: ” وأنه يجب على كافة علماء الدهر الفتوى، وعلى البت والقطع، بوجوب طاعته على الخلق ونفوذ اقضيته بمنهج الحق، وصحة توليته للولاة وتقليده للقضاة، وبراءة ذمة المكلفين عند صرف حقوق الله تعالى إليه، وأنه خليفة الله على الخلق، وأن طاعته على كافة الخلق فرض”(8). ومن الملاحظ أن هذا الكتاب المليء بالعنف يناقض تماما الكتب التي ألفها الغزالي بعد عزلته الروحية التي استمرت خمسة عشر عاما تقريبا، ألّفَ خلالها عدة كتب مهمة تعتبر من المراجع المهمة في التراث الروحي للمسلمين، ولها أهميتها عند أهل التصوف والعرفان، وأبرزها كتاب ” إحياء علوم الدين “، وكتاب ” المنقذ من الضلال”، مما يؤكد السياق السياسي الذي ألف فيه الغزالي كتابه ” فضائح الباطنية”. وأن الغرض من تأليفه كان غرضا سياسيا وهو توظيفه في سياق الصراع الذي كان يدور آنذاك بين الدولتين العباسية والفاطمية.

ثم عرج الديري إلى نقد نصوص الفقيه المغربي ابن تومرت ( 473-524 )، وابن تومرت ينتمي إلى المدرسة السنية الأشعرية، وبالتالي فهو يتوافق كلاميا مع الإمام الغزالي، فكلاهما أشعريان، وقد تتلمذ ابن تومرت عند أئمة الاشعرية في المشرق، فهو يعتبر من تلاميذ المدرسة النظامية التي أسسها الوزير السلجوقي نظام الملك لتعزيز مدرسة الأشعرية ضد المدرسة الفاطمية الإسماعيلية التي كانت تهدد المشرق الإسلامي في تلك الفترة فكريا وعسكريا، ولكن الفرق بينهما أن النصوص المتوحشة للغزالي كانت موجهة للإسماعيلية الفاطمية، بينما كان عدو ابن تومرت هم المرابطون الذين كانوا يدينون بالمذهب المالكي في الفروع، بينما كانوا في الأصول يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى، يقول الديري ” توافر لابن تومرت الركن الأول بناء الدولة، فهو ابن عشيرة ( هرغه ) التي تنتمي إلى قبيلة (المصمودة ) البربرية ، هو يحتاج الآن لبلورة عقيدة صلبة تنظم قوة قبيلته لبناء دولة قوية” (9)وهذه العقيدة وجدها في المذهب الأشعري.

ألف ابن تومرت في العقيدة كتابه ” العقيدة المرشدة ” الذي اعتبره بمثابة دستور للموحدين حيث قدم فيه مبادئ ” الإسلام الصحيح ” حسب المعتقد الأشعري، عقيدة الدولة الموحدية. كما ألف ابن تومرت كتابا آخر بعنوان ” أعز ما يطلب ” ويحتوي على آراء ابن تومرت وتعاليمه في المسائل الإيمانية المختلفة، خاصة في الرد على ” المجسمة “، يقول الديري: ” في هذا الكتاب سنعثر على نصوص التكفير والتوحش، وعلى المنهاج الذي وضعه للدولة الموحدية في طريقة تعاملها مع المختلفين معها، وسنجد شرعنة القتل وسفك الدماء الذي اتبعته الدولة الموحدية ضد خصومها” (10). وينقل الديري نصا خطيرا من الكتاب المذكور ويحمل طابعا سياسيا وأيديولوجيا واضحا ضد دولة المرابطين، يقول النص : ” أمر رسول الله ” ص ” بمخالفة أهل الباطل في زيهم وأفعالهم، وجميع أمورهم، وفي اخبار كثيرة قال: ” خالفوا اليهود، خالفوا المشركين، خالفوا المجوس” وكذلك المجسمون، الكفار، وهم يتشبهون بالنساء في تغطية الوجوه بالتلثم والتنقيب، ويتشبه نساؤهم بالرجال في الكشف عن الوجوه، بلا تلثم، ولا تنقيب، والتشبه بهم حرام” (11)، طبعا النص موجه الى المرابطون الذين يتهمهم ابن تومرت بالتجسيم، كما ان المرابطون المغاربة يغطون وجوهم، حتى أصبحت الى اليوم جزءا من ثقافتهم.

ثم أستعرضه الديري النصوص المتوحشة للفقيه الحنبلي ابن تيمية والتكفير المملوكي على اعتباره الفترة التي عاش فيها ابن تيمية، في ظل الصراع بين المماليك من جهة وبين التتار أو المغول من جهة أخرى،حيث خاض الرجل حربا شرسة ضد الأشاعرة والشيعة الإمامية والعلويين وغيرهم من الطوائف الإسلامية، حيث يعتقد ابن تيمية أن الذي يمثل أهل السنة هو الإمام احمد بن حنبل وليس أبو الحسن الأشعري كما يرى غالبية المسلمين “، ومن أبرز الكتب التي الفها ابن تيمية في تأصيل مذهب الإمام احمد والرد على مذهب الأشاعرة هو كتاب ” العقيدة الواسطية “، وكتاب ” العقيدة الحموية “، ولكن هذه العقيدة  لم تصبح دستورا لأي دولة، حتى جاء محمد بن عبدالوهاب في القرن واستطاع بالتحالف مع محمد بن سعود ان يجعلها دستورا للدولة السعودية ولا تزال كذلك حتى اليوم.

ولقد لعب ابن تيمية دورا خطيرا في إعطاء السلطان الملك الناصر بن قلاوون ملك المماليك فتوى شرعية في جواز مقاتلة وقتل الشيعة في كسروان بالشام في سنة 1305، التي قام بها 50 ألف جندي وتعرف باسم (فتوح كسروان)، وقد اصدر ابن تيمية فتوى أشاد فيها بهذا الملكالذي قام بهذه المذبحة حيث قال فيها : ” وتحقق في ولايته خبر الصادق المصدوق أفضل الأولين والآخرين، الذي أخبر فيه عن تجديد الدين في رؤوسه المئين”، وقال أيضا : ” وذلك أن السلطان أتم الله نعمته حصل للأمة بمن ولايته، وحسن نيته، وصحة إسلامه وعقيدته، وبركة إيمانه ومعرفته، وفضل همته وشجاعته، وثمرة تعظيمه للدين وشرعته، ونتيجة اتباعه لكتاب الله وحكمته، ما هو شبيه بما كان يجري في أيام الخلفاء الراشدين، وما كان يقصده أكابر الأئمة العادلين ، من جهاد أعداء الله المارقين من الدين” (12) . كما أفتى ابن تيمية للمماليك بقتال التتار الذي كانوا مسلمين وقدم تبريرا غريبا لجواز قتالهم بقوله: ” فهؤلاء القوم المسؤول عنهم عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين وعلى قوم منتسب إلى الإسلام – وهم جمهور العسكر – ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم ويعظمون الرسول وليس فيهم من يصلي إلا قليلاً جداً وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة والمسلم عندهم أعظم من غيره “. (مجموع الفتاوى ج 28 ص 505).(13) إذاً، فإن ابن تيمية أفتى للمماليك بقتال الشيعة في كسروان بحجة أنهم كفار، وموالاتهم – حسب زعمه – للصليبيين، وأفتى لهم بجواز قتال التتار المسلمين بسبب امتناعهم الالتزام بشرائع الله، ولكن، السياسة كانت حاضرة في هذه النصوص المتوحشة.

من يقرأ كتب الجدل المذهبي طوال التاريخ الإسلامي يجد أن النصوص المتوحشة حاضرة فيها بقوة، وهذه النصوص تُوظف دائما في الصراعات السياسية. وكما أنها كانت حاضرة في الخلاف السياسي بين الفاطميين والعباسيين، وفي الحرب بين المماليك والتتار، وفي حروب ابن تومرت ضد المرابطين، فإنها حاضرة اليوم بقوة أيضا في الصراع في سورية والعراق واليمن، وستختفي عندما يتفق الفرقاء على إنهاء النزاع، ثم تعود مجددا في مكان آخر. ما لم يتم نقد هذه النصوص وتفكيكها وقراءتها ضمن سياقها التاريخي والمذهبي.

صالح البلوشي

رابط الموضوع الأصلي

محمد جواد ظريف… لقطة مقرّبة

عبد الرحمن جاسم

من الطبيعي أن يحظى كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف» (دار أوال) بكل هذه الضجّة. كيف لا والرجل هو وزيرُ الخارجية الأشهر عالمياً ــ لربّما ــ خلال الأعوام العشرة الماضية؟ يأتي وزير الخارجية الإيراني الحالي (وسفير/ ممثل إيران لدى «الأمم المتحدة» منذ عام 2002 إلى 2007) محمّد جواد ظريف بخلفيةٍ لا مثيل لها: قاهر الأميركيين في معركتهم الدبلوماسية مع بلاده؛ وصاحب الصورة الشهيرة والضحكة العارمة أمام وسائل الإعلام بقدّها وقديدها. الخارج عن معتاد الدبلوماسية العالمية بضحكته الشهيرة، لا ريب أنه يعدّ واحداً من أشهر رجال القرن الحالي، حيث لا يمكن لأحد نسيان اسم وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران.

الرجل المتواضع، المتقن بمهارة للغة الإنكليزية، وُصِف يوماً بأنّه «أنجح دبلوماسي حظيت به إيران منذ الثورة، والرجل الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يتحدّث إلى جون كيري في يوم، ثم إلى علي خامنئي في اليوم التالي، وأن يقنع كلاً منهما بأن يشاركه وجهة نظره» (الكلام لكريم سجادبور المحلل في معهد «كارنغي للسلام الدولي»). هذا الأمر عينه يوجد على مقدّمة كتاب «الدبلوماسية» لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي أرسل له الكتاب موقّعاً بإهداء «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف». ترجم محمد العطّار الكتاب إلى اللغة العربية بعد حصوله على اهتمامٍ محلي إيراني واسع، ما أدى إلى طباعته سبع مراتٍ متتالية (بلغته الأصلية الفارسية).

يأتي «سعادة السفير» أشبه بمقابلةٍ طويلةٍ على شكل «أسئلةٍ» و«أجوبةٍ» بين مُحاوِرٍ (هو محمد مهدي راجي ضمن دراسة أعدّت للماجستير) ومُحاور اعتاد أن يكون في قلب الحدث السياسي حاملاً منطق السياسي المحنّك والدبلوماسي في آنٍ معاً.

تشرح مقدّمة الناشر (أي دار أوال) أنَّ النص بين دفتي الكتاب هو ما قاله «السفير» بين عامي 2010 و2012، مؤكدين: «أنه يكتسب أهمية كبرى بعد توليه وزارة الخارجية وبعد النجاح الذي حققه الملف النوي الإيراني في عهده، ولأنه كان حاضراً في كثير من الأحداث والاستحقاقات، ما أعطاه الأهلية الكافية لتولي عملية تفاوضٍ بهذا الحجم». ويثير المترجم في مقدّمته أسئلة حول بعض الأمور التي لم يتطرّق إليها السفير (والكتاب حكماً) كالربيع العربي أو الشأن الداخلي الإيراني، أو حتى علاقاته الخاصة ببعض أركان النظام الحاكم في الجمهورية آنذاك.

الكتاب الذي لخّص أكثر من أربعين ساعةً من اللقاءات بين المتحاورين، قدّم تقريباً شخصية الرجل القادم من العاصمة طهران، والمولود في 8 كانون الثاني (يناير) 1960، لعائلةٍ «ثرية» (إذ يشير في الكتاب إلى أنَّ والدته ابنة لتاجرٍ كبيرٍ معروف ووالده تاجرٌ معروفٌ كذلك). درس ظريف في المدرسة العلوية الخاصة، وصولاً إلى خروجه من إيران وهو لا يزال في 17 من عمره، حيث درس في «مدرسة درو» التحضيرية في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، ثم في جامعة المدينة نفسها ليحصل على ليسانس العلاقات الدولية (1981) ثم الماجستير (1982)، ثم الدراسات العليا من «كلية جوزيف كوربل» (من جامعة دنفر في كولورادو)، ليتبعها بماجستير ثانٍ (1984) ثم الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة (1988).

ما لا يعرفه كثيرون عن الرجل أنه من أوائل من عملوا في البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، إذ قضى ما لا يقل عن 25 عاماً في أروقتها (دخلها بدايةً – وبعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرةً عام 1979 ـــ وهو لا يزال طالباً في الدكتوراه في «جامعة دنفر»، ثم لاحقاً موظفاً محلياً في البعثة الإيرانية هناك)، أي أنّه كان يعرف «كيفية» الحراك بداخلها قبل وصوله إلى رئاسة البعثة. لقد تشرّب كل وسائلها وطرقها و«دهاليزها» قبل أن يحقق انتصاراته المبهرة لاحقاً. يفصّل «السفير» إنجازاته في الشأن الدبلوماسي، فيتحدث عن واحدٍ من أهمها: «لم يكن ثمة شك في أن العراق هو من بدأ الحرب، ولكن كان من الواجب أن تؤيد الأمم المتحدة هذا الأمر، وهو أمر صعب بحسب الظروف آنذاك. ولهذا كان عملاً شاقاً بذلنا فيه الكثير من الجهد. إن أحد أفضل أوسمة الشرف في حياتي هو تمكني من إنجاز هذا الأمر، وأفضل نجاح سياسي للجمهورية الإسلامية في الحرب، هو الحصول على تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة يصف فيه العراق رسمياً بأنه المسؤول عن الاعتداء على إيران» (في إشارة طبعاً إلى الحرب العراقية الإيرانية). يتميز الكتاب بنوعٍ من المباشرة والبساطة الشديدة وإن ظهرت مهارات السفير الدبلوماسية المختلفة، التي تروي العديد من التفاصيل الحميمة في حياته.

في الإطار عينه، برزت آراء ظريف السياسية واضحةً في الكتاب، إذ يشير مثلاً: «لو لم تكن العلاقة الإيرانية – الأميركية بهذا الشكل، لم تكن تركيا لتبرز في العالم الإسلامي كنموذج جيد للحكم»، مؤكداً أن «راية الرئيس محمد خاتمي» التي «أراد رفعها في العالم الإسلامي، أي راية الاعتدال، راية الحوار، راية المخالفة العقلانية ضد إسرائيل، والاستقلال عن أميركا، أصبحت اليوم في يد تركيا»، مشيراً إلى الفارق الكبير بين حركة خاتمي التي يصفها بأنّها «مبدئية» وبين حركة تركيا التي يجد أنّها «سياسية».
إنه كتاب مليء بتفاصيل داخلية وحميمة ليس فقط حول رمز من رموز السياسة الخارجية لبلاده، بل حول مفاصل في الحياة السياسية والدبلوماسية، سواء في إيران أو في العالم بأسره.

 

كلمات

العدد ٣١٢٥ السبت ١١ آذار ٢٠١٧

التوحش المقدس

التوحش المقدس: حين يصبح تكفير الناس أمرًا طبيعيًا كالعبادة

بقلم علي عبد الأمير:

يرى مؤرخون وباحثون أن ربع القرن الماضي هو “عصر الصحوة الإسلامية”، مثلما يرى غيرهم أنّه عصر الصراع الإسلامي الطائفي السنّي-الشيعي، بل يذهب بعضهم إلى أكثر من هذا، فيقول إنه عصر الوحشية التي وجدت في بعض النصوص الإسلامية شكلا ومضمونا لها.

ومن بين أصحاب الرأي الثالث، يأتي الباحث والكاتب البحريني علي الديري، الذي يوفر لنا عبر كتابيه “نصوص متوحشة” و”إله التوحش”، فرصة لمعاينة التفسيرات الدينية لمشاريع سياسية أو مرتبطة بالسياسة، وتصل حد إفناء الآخر المختلف. أي أننا نحصل على معادل ديني للعمل السياسي في عصر “الصحوة الإسلامية”. فإذا كان هناك وصف “الخائن” جاهزا لتصفية الخصوم في الأنظمة الدكتاتورية التي سادت في منطقتنا ضمن “عصر التحرر الوطني”، فإن وصف “الكافر” جاء ليصبح المعادل الموضوعي وبما يتوافق مع سيادة الخطاب الإسلامي وتحوله إلى الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

تكفير من؟

وعلى غير ما يذهب إليه القول الشائع إنّ التنظيمات الإسلامية المسلحة لا تمثل جوهر الدين بل تشوه قيمه، يرى الديري أن تلك التنظيمات تأتي اتصالا جوهريا بتراثنا الإسلامي، وليست نتاجا لـ”الجهل والتطرف التكفيري”.

ومن هذا التراث الإسلامي ما يمثله فكر أبي حامد الغزالي الحافل بـ”نصوص التوحش،” والمشغول بقضية تكفير الباطنية وباقي الفرق الشيعية، ووجوب سفك دمائهم، بمقابل “التسنّن المستقيم الصحيح الذي على الجميع أن يلتزم به”، وهذا مبدأ جوهري التزم به “داعش” ومشتقاته، وصار نص التكفير – التوحش عند الغزالي، منهلا ما لبث الفقيه المغربي ابن تومرت (1077-1130) أن نهل منه عبر المدارس حيث شرعنة القتل وسفك دماء كل من يختلف عن الدولة الموحدية التي صار فقيهها الأول.

وثالث من يتعرض إليهم الديري من فقهاء التوحش الإسلامي ومنتجي التكفير، هو ابن تيمية.

ومن نصوص التوحش التي كتبها ابن تيمية، فتوى أرسلها إلى سلطان الممالك الناصر بن قلاوون، وفرت الإطار الديني لتنفيذ مذبحة كسروان التي قام بها 50 ألف جندي من المماليك ضد الشيعة، وهو ما صار لاحقا سياقا لإصدار لوائح اتهام سياسي ضد الخصوم السياسيين والعقائديين في البلدان الإسلامية، منذ القرن الرابع عشر الميلادي حتى اليوم.

من هو إله التوحش؟

كتاب الديري الثاني حمل عنوان “إله التوحّش” الذي التهم قلب الإسلام والمسلمين اليوم، كونه حوّل الإسلام إلى “أيديولوجيا أحادية صلبة ومبدأ شمولياً يُقتل كل مَن يخالفه”.

الإله بهذا المفهوم المتوحش لـ(التوحيد) كما يلفت الديري “صار عدواً للبشر أو مثيرا للعداوة بين البشر، وهذا ما يشير إليه عنوان كتابي”.

ويسعى الديري إلى إثبات أن الوهابية وضعت عشرة نقائض للإسلام، و “في كل ناقض تفاصيل يكمن فيها شيطان التكفير والقتل، من يختلفون معك هم ليسوا من صنف الأخ لك في الدين أو النظير لك في الخلق، بل هم من صنف النقيض، كل الشياطين في تفاصيل هذه النواقض العشرة هم نقيض لك، عليك أن تتبرأ منهم وتكفرهم وتقتلهم”.

وفي باب الرد على سؤال “لماذا الوهابية؟” كمنتج للتوحش الاسلامي، يقول الديري “لأنها نجحت في أن تغزو العالم باسم التوحيد الخالص والسنة الصحيحة والسلف الصالح، لقد اخترقت العقل الإسلامي، وتمكنت من سرقة وجهه”.

وكان موقعنا وجّه للديري سؤالا “لماذا لم توسّع دائرة التطرّق لمذاهب وديانات مختلفة كي لا تنهال عليك الاتهامات بمهاجمة الإسلام فحسب؟”. فجاء جوابه على النحو التالي “هذا النوع من التوسعة يضيّع الجواب، ويريح أصحاب ظاهرة التوحش. أردت أن أضع إصبعي في عين الوحش الذي يهددني الآن. أردت أن أعري مرجعيته النصية التي يتحدث باسمها وينطق بمسلماتها. صغت فرضية ضد مسلماته التي تنص على أنّ نص التوحش نص سياسي”.

رابط الموضوع

 

الدبلوماسية الإيرانية-صدق النبوءات

«سعادة السفير»: عن الدبلوماسية الإيرانية وصدق النبوءات…

 

جنيف، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.. الساعة 3.03 صباحا

«لقد توصلنا إلى اتفاق»

تغريدة تلقاها العالم كله، السياسيون والدبلوماسيون ووسائل الإعلام من وكالات أنباء وتلفزيونات ومواقع تواصل اجتماعي، وكذلك الشعوب، بعد ترقب وتأهّب مهيبين.

كيف حصل ذلك؟

في الساعات الأولى من الصباح، اختار محمد جواد ظريف، أن يطلق نبوءته، ويزفّ للعالم، على طريقته، اتفاقاً نووياً تحقق بعد مرور ثلاثة أعوام، غير أنه لم يكن الأمر الأكثر إثارة للدّهشة من قبل دبلوماسي يجيد التواصل بمختلف آلياته، فقد سبقتها تغريدة أخرى صدمت الكثيرين: الرجل كان قد وجّه، بعد فترة من تكليفه بوزارة الخارجية الإيرانية، معايدة عبر حسابه على تويتر أيضاً. وما المانع في ذلك؟ ليس غريباً أن يستخدم وزير للخارجية موقع تويتر في 4 أيلول/ سبتمبر 2013 بعد فترة وجيزة من تسميته لهذا المنصب، ويقول فيها: «آمل أن أكون قادراً على التّواصل معكم بشكل دائم».

الذي يراقب مسيرة ظريف سيعرف أنّ تألقه لم يتوقف على هذه اللّحظات، بل برز منذ الأعوام الأولى لمسيرته الدّبلوماسية: الموظف الجديد في البعثة الدّائمة لإيران في الأمم المتحدة، في أعقاب التغييرات التي أحدثتها الثورة الإسلامية، لم يجد فارقاً في السّياسة الإيرانية، بين عهد الشاه وعهد الثّورة، إلا في ما تقدّمه البعثة الإيرانية – التي تقيم في مانهاتن، في مبنى نيوكلاسيكي أنيق، مشيّد على الطراز الفرنسي- لضيوفها: «قد لا نقدّم الشامبانيا أبداً بعد الآن في إشارة إلى الحفلات الباذخة التي كان يشهدها مقرّ البعثة في عهد الشاه ، لكننا سنعوّض لكم عنها بالطّعام الإيراني الفائق الجودة».

ما الذي ستتضمّنه لائحة التعويض التي وعد بها؟ الكثير، في الواقع. بدءاً بمظهره الخارجي، الذي حافظ فيه على قوميته الإيرانية، وبقي على الرّغم منه مُحَبباً في أروقة واشنطن، بالإضافة إلى لغة إنجليزية ذات لهجة أميركية ممتازة، حملت صوت إيران إلى الولايات المتحدة والعالم، وحسّ دبلوماسي رفيع – دفعه إلى مصافحة صدام حسين في أوج أيام الحرب الإيرانية – العراقية، وإلى مناداة وزير الخارجية الأميركي كيري بـ «جون» في اللقاء الأول الذي جمعهما في أروقة الأمم المتحدة على الرّغم من العداوة البارزة بين البلدين، وسرعة بديهة جعلت من خطاباته ومقالاته موضع اهتمام الكثيرين من سياسيين وأكاديميين وغيرهم، وليس انتهاء باتفاق نووي كان هو عرابه.

لطالما جذب الدبلوماسي الإيراني الأنظار، واعترف بمناقبه العدو قبل الصّديق. الرجل وجد فيه ثعلب الدّبلوماسية الأميركية هنري كيسنجر نداً، فأهداه كتابه «الدّبلوماسية» مُذيّلاً بعبارة «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف»، وتبعت ذلك شهادات مختلفة من خصومه السّياسيين وآخرين. حضوره وعلاقاته في الولايات المتحدة، وكذلك في الأمم المتحدة، دفعا نائب الرّئيس الأمريكي جو بايدن إلى وصفه في إحدى المرات بأنه «مدافع شرس، ولكنه عملي وحاسم» في الوقت ذاته.

غير أنّ ظريف قدّم ذلك، من دون أن يرضخ أو يساوم، لا على الكرامة، ولا على الاحترام، وهما «غير قابلين للتفاوض، وليس لهما سعر محدّد»، بل حافظ على إرادة شعبه الحرة وحقه في تقرير المصير: «لقد منّ الله علينا بإرادة حرة تمنحنا القدرة على تقرير مصيرنا».

تلك الإرادة التي ولّدت ثورة شعب، أعطته، ولشعبه، «القدرة على أن نقف مراراً في وجه الطغيان، وأن نطالب دوماً باحترام إرادتنا الحرة».

وهو يوضح جيداً في أحد خطاباته أنّ الأمر ليس «عناداً أو رفضاً لوجهة نظر الآخرين، إنما هي الإرادة الحرة المتأصّلة في تكويننا، في حمضنا النووي».

كيف يفعل «سعادة السفير» ذلك؟ كيف يحافظ على تلك الإرادة بمعزل عن كلّ التنازلات؟ الجواب بسيط: سرّه يكمن في ابتسامته. قد تظنّون أنّ الأمر سهل. لكن، لنكن واقعيين، في الكواليس التي ذكرناها، من الصعب جداً أن تحمل ابتسامة أيّ شخص معاني ابتسامة ظريف.

غنى مونس
باحثة ومترجمة من لبنان

رابط الموضوع

النسخة الإلكترونية من «رواية جَوْ»

«مرآة البحرين» تتيح للقراء النسخة الإلكترونية من «رواية جَوْ»

مرآة البحرين (خاص): تتيح «مرآة البحرين» لقرائها النسخة الإلكترونية من «رواية جَوْ» التي كتبها معتقل سياسي من داخل أحد السجون البحرينية، يروي فيها عذابات 10 مارس/آذار 2015، التي عايشها في سجن جو المركزي.

وتعرض المعتقلون في هذا السجن، الذي يقع في قرية ساحلية في البحرين تسمّى «جو»، إلى صنوف من العذابات بعد انتفاضة أعقبت إعتداء حرّاس السجن على سيدة بحرينية كانت تزور ابنها المعتقل هناك.

قرر المعتقل الذي أشير إليه باسم «جهاد»، كتابة ما جرى في 10 مارس وما أعقبها من أحداث بالإضافة إلى وصف كامل للأجواء التي يعيشها السجناء. وقال «جهاد» إنه أنهى الرواية في 84 يوماً، بأوراق مهربة و10 أقلام حصل عليها بشكل متقطع وبصعوبة شديدة.

«رواية جَوْ» الواقعة في 352 صفحة، و47 مقطعا، تكشف من الداخل ما تغصّ به السجون البحرينية من فساد إداري ومالي وانحلال أخلاقي، كما تكشف اعترافات خطيرة لضباط أردنيين استقدمتهم البحرين للعمل كحرّاس داخل السجن.

لتحميل الرواية

لطلب النسخة الورقية عبر متجر جملون 

رابط الموضوع

“سيرة الإحتجاج”

النسخة الإلكترونية من “سيرة الإحتجاج”

السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة 2001 -2011

يتيح مركز أوال للدراسات والتوثيق لقرائه النسخة الإلكترونية من كتاب “سيرة الاحتجاج” السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة 2001 -2011 للكاتب عبّاس المرشد.

في هذا الكتاب سرد الباحث عباس المرشد، بإسهاب، الكثير من الوقائع المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، تلك التي حدثت خلال عشر سنوات، منذ وصول عبد الهادي قادمًا من منفاه في الدنمارك وحتى اعتقاله والحكم عليه بالسجن المؤبد في أبريل 2011.

هذا الكتاب يوثّق بالتفصيل المقاربة والنهج الذي أخذه الخواجة، وكان من أهم نتائجه النجاح في خلق قاعدة كبيرة من العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ليس في البحرين فقط، ولكن في المنطقة ككل بفضل أسلوب التمكين الذي اعتمده كناشط رائد في هذا المجال.

 لتحميل الكتاب بصيغة PDF
لطلب النسخة الورقية عبر:
جملون
نيل وفرات
أمازون

الميادين: إله التوحش

“إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية” للباحث علي الديري

 

 

صدر أخيراً عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق» للباحث البحريني علي الديري كتاب “إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية”،مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه» الذي صدر في العام 2015.

أصدر الباحث البحريني علي الديري كتاب “إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية”، وهو بحث مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.الديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟».
وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.
وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنياً سياسياً بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.أما الكتاب الجديد “إله التوحش” فقد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.”أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية”، يقول الكتاب.
واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر هي “ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية”.ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.”
إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)”.

ما بعد الشيوخ

ما بعد الشيوخ .. تحوّلات ديمقراطية في دول الخليج؟

 

بخلاف ما قد يشي به عنوان الكتاب، لا يقصد المؤلف حدوث ثورات في الممالك الخليجية، أو اختفاء الأنظمة الحالية كلياً، وإنما انهيار شكل الحكم فيها، العشيري المطلق، وحلول نظم ديمقراطية على الطراز الغربي مكانها.

قراءة: نور بكري*

 قد يبدو الحديث عن سقوط نظام خليجي أو انهيار الحكم في ممالك الشيوخ خلال عامين، أشبه بضرب من التنبؤ، على بعد أيام من حلول سنة جديدة، ولكن أستاذ التاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، كريستوفر ديفيدسون، يحرص في مقدمة كتابه “ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية” (مركز أول للدراسات، الطبعة الرابعة، 2015)، على التّأكيد أنه لا يهدف إلى تأدية دور كرة بلورية تتنبأ بالمستقبل.

ديفيدسون، وهو متخصّص في دراسات الشرق الأوسط في جامعة درهام في المملكة المتّحدة، يرصد العام 2018 موعداً لانهيار الممالك الخليجية، ويبدو على يقين من حدوث تغييرات مهمة جداً فيها. وبعد حوالى 4 سنوات على الإصدار الأول لكتابه باللغة الإنكليزية، يوضح أن الكثير من المتغيرات حصلت في البلاد العربية في أعقاب ما سمّي بـ”الربيع العربي”، ولكنه يؤكد أن الكثير من النقاشات التي طرحها في بداية العام 2013 أثبتت اليوم صحتها.

انخفاض أسعار النفط، وأزمات الائتمان، والتلاعب بالممتلكات، والحملات الإرهابية والطائفية المتفشية، كلها أحداث ساهمت في تعزيز رؤيته، ومنحته القوة الداعمة لإنهاء مخطوطته، كما يقول.

لم يكن المؤلّف بعيداً عن أجواء الممالك الخليجية، إذ عاش سنوات في مدينة رأس الخيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان مهتماً بدراسة سياسة القبائل، والدين الإسلامي، واللّغة العربية. ولعلّ توقعه بالكارثة المالية الاقتصادية الَّتي ضربت مدينة دبي في العام 2009، قبل وقوعها بأشهر عدة، يمنح توقعه الراهن زخماً أكبر، وربما مصداقية لدى جمهور واسع من القراء.

صاحب كتاب “الإمارات العربية المتحدة: دراسة في الاستمرار والبقاء”، أراد من إصداره الأخير إيصال أفكار الكتاب إلى شريحة أكبر وأكثر نقدًا من القراء. ولعله أول عمل أكاديمي يتوقّع انهيار الأنظمة السياسية الملكية في الخليج، ما جعله فعلاً أحد أكثر المؤلّفات البحثية إثارة للجدل في العالم، إذ صنّف على رأس قائمة مجلة “فورين بوليسي” لأفضل 20 كتاباً عن الشرق الأوسط في العام 2012، كما حظي بإقبال عربي واسع، فنفدت جميع نسخه في غضون شهر من إصداره بالعربية، وفي الوقت نفسه، أثار جدلاً واسعاً بعد تساؤل نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، ضاحي خلفان، عن دور المعارضة البحرينية في تمويله، والادعاء أنه مليء بالشتم والسبب والغيرة والحسد.

الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عن مطبعة “هيرست”، ومن ثم مطبعة جامعة “أكسفورد”، كُتبت عنه الكثير من المراجعات والمقالات في الصحف الدولية والعربية، مثل صحيفة “الإيكونومست”، وصحيفة “الإندبندنت”، و”الغارديان”، واقتُبِسَت بعض أقسام الكتاب، ونشرتها مجلتا “فورين أفيرز” و”فورين بوليسي”، كما جاء في مقدمته.

قد يوحي عنوان الكتاب للقارئ أنه أمام رواية محتملة من وجهة نظر المؤلف عن سقوط الأنظمة الخليجية للدول الست؛ البحرين، السعودية، الإمارات، عمان، قطر، الكويت، على غرار ما حدث في تونس ومصر وليبيا، ولكنّ ديفيدسون يبدو أكثر واقعية في طرحه، حين يشير إلى أنّ مشايخ الخليج قد لا يواجهون مصير معمر القذافي في ليبيا أو حسني مبارك في مصر. صحيح أنه لا يعتقد أن هذه الدول مختلفة بشكل جوهري عن غيرها، لكنه يتحدث هنا عن عامل النفط وعوامل أخرى سمحت بتمدد فترة السقوط المتوقع.

بخلاف ما قد يشي به العنوان المباشر للكتاب، لا يقصد المؤلف حدوث ثورات في الممالك الخليجية، أو اختفاء الأنظمة الحالية كلياً، وإنما انهيار شكل الحكم فيها، العشيري المطلق، وحلول نظم ديمقراطية على الطراز الغربي مكانها، وحصول تحركات لانتخاب رؤساء حكومات، وحصر صلاحيات الشيوخ، كما صرّح في أكثر من مقابلة ومقالة. ففي رأيه، سيتعذّر على مشايخ الخليج الدفاع عن أنظمة حكمهم القائمة منذ سنوات طويلة، ذلك أنهم اشتروا الوقت والمحتجين في غير دولة بأموال النفط، ولكن هذه الأنظمة قد تتفكّك في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون، فالظروف التي كانت الدول العربية تمرّ بها، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، ليست بعيدة اليوم عن الممالك الخليجية، والمال الذي يعد الركيزة الأساس لبقائها، آخذ في النفاد، كما الوقت، ولن تدوم الثروات الهائلة لفترة أطول.

“تنبؤ” ديفيدسون يأتي حاسماً، انطلاقاً من اعتقاده بأنّ النفط والغاز سينضبان لا محالة. وعندها، لن تتمكن دول الخليج من استثمار الأموال في استمالة المواطنين، فالبلاد التي تنتج نحو 19 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي في النفط الخام، ونحو 8 في المئة من الإجمالي العالمي من الغاز الطبيعي، كانت تعتمد على هذين المصدرين في تنمية المسارات الاقتصادية فيها، ثمّ عملت على تنويع قواعدها الاقتصادية، للتخفيف من شدة تعرّضها لتقلبات أسواق النفط الدولية، ولخلق فرص توظيف للكثافة السكانية المتسارعة النمو، وتذليل الضغوطات المتزايدة، كما يقول. ولكن جهودها في هذا السياق، لم تصل غالباً إلى نتيجة، “في ظل اندفاع الممالك الخليجية كافة تقريباً إلى نقطة يتجاوز فيها إنفاق حكوماتها العائدات النفطية المتدنية”.

الإنفاق الحكومي الذي بات حالياً يسبب ضغوطاً على الممالك الخليجية، كان أحد أسباب بقائها حتى اليوم. ففي رأي ديفيدسون، لا يزال توزيع الدولة للثروة يشكل الدعامة الأساسية لبقاء الحكم الملكي، ويرى في هذا السياق أن سخاء هذه الدول الريعية الحديثة، وفّر للأسر الحاكمة والحكومات فيها “شرعية باعثة على السعادة”، مستمدة من الرفاه الاقتصادي وتوفير الرعاية الاجتماعية، ويتأتى معظمها من عائدات الامتيازات النفطية في المنطقة، أو من الإيجارات التي ولّدتها أنشطة ما بعد النفط.

هذا الأسلوب المعتمد لتخدير الشعب، وضمان قدر معيّن من القبول السياسي لديه، يتوقع ديفيدسون أن يترك أثراً عميقاً ونهائياً، بعد أن تفقد معظم الممالك قدرتها على زيادة الرواتب، ويضطر كثير منها إلى خفض المعونات المالية وغيرها، في ظل تراجع احتياطات النفط والغاز، وارتفاع أنماط الاستهلاك المحلي للطاقة فيها، والازدياد السريع في عدد السكان.

كما أن “دول الرفاهية”، وبعد جفاف مصادر التمويل، ستواجه معضلة في استراتيجيتها الخارجية التي تقوم على بناء قدرات دفاعية عسكرية، والإنفاق الكبير على الأسلحة الغربية، وتوزيع بعض الموارد على الدول المجاورة الأقل حظاً على شكل معونات أو أعمال خيرية، وتمويل المتاحف والجامعات والمشاريع الثقافية في الخارج، وغيرها مما يصنفه ضمن السياسات الخارجية المتبعة للحفاظ على البقاء.

وعلى الرغم من مساهمة الاستراتيجيات الداخلية والخارجية المتبعة لكسب الشعبية بين الناس، في استقرار تلك الدول نسبياً، فإن الخبير في شؤون السياسة والتنمية في الممالك الخليجية، يرصد نقاط ضعف عديدة تقوض دعائم الحكم الخليجية، فلا تزال معظم هذه البلاد غير قادرة على مواجهة “البطالة الطوعية” المتفاقمة، بعدما فقدت قدرتها على تحفيز مواطنيها على الحصول على عمل والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني.

اجتماعياً، يشير ديفيدسون إلى عوامل عدة قد تطعن في شرعية الممالك لدى مواطنيها، فتنويع القواعد الاقتصادية، دفع البلاد إلى التركيز على المستثمرين الأجانب أو السياح المغتربين، ما ولد إحباطاً واستياءً وسخطاً لدى بعض الفئات الشعبية، الذين باتوا يعتقدون أن الأسر الحاكمة لا تقوم بما يكفي للحفاظ على قيمهم وتقاليدهم الاجتماعية ودينهم، مع بروز مظاهر الاحتفال المبالغ فيه في الاحتفالات غير الإسلامية، وتهميش المناسبات الإسلامية في أحيانٍ كثيرة، والسماح باستيراد الخمور واستهلاكها…

على الصعيد السياسي، يحمّل ديفيدسون غياب أي معنى للأمن الجماعي، أو غياب التعاون الرئيس بين الممالك الخليجية في بعض الحالات، وتفاقم الخلافات فيما بينها، وزراً إضافياً قد يقود إلى تفاقم الفجوات الدبلوماسية، واندلاع العنف، والتدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى، قد يتعداه إلى مرحلة تقوم فيها الدولة بالتحريض على انقلابات عسكرية وتمويلها في محاولة لإعادة هيكلة القوى المجاورة، وفقاً لقوله.

ويعتبر الباحث البريطاني أنّ السياسة التي تنتهجها دول الخليج، في مواجهة المواطنين ومظاهر الاحتجاجات على نظام الحكم، تهدد وجودها وبقاءها، في خضمّ الحملات القمعية واللجوء إلى الاعتقالات السياسية التعسفية في البحرين والكويت، وحتى في الإمارات العربية المتحدة. ويرى أنّ الأكثر خطورة في هذه الفترة، هو استراتيجية تشويه سمعة المعارضة، ذلك أنها تتفاقم، وربما تخرج عن السيطرة، في ظل تحريض كل من البحرين والمملكة العربية السعودية بشكل فاعل على النزاع الطائفي، وتزايد التمييز المذهبي على نطاق واسع، وفرض رقابة إلكترونية صارمة على المواطنين.

تفاصيل كثيرة ومعلومات وحقائق ومراجع استند إليها ديفيدسون في كتابه لدعم حججه، مقدماً صورة عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تربط الممالك الخليجية ببعض الدول الغربية، والعلاقة القائمة بين السلطات والشعب، والبنية الداخلية لهذه البلدان، فنّدها جميعاً في ستة فصولٍ، وضع فيها تصوراً لنشأة هذه الممالك ونموها واستمراريتها، بغية تحديد الضغوطات المعاصرة وإبراز سبب أهميتها في الفترة الحالية، كما يقول، ليخلص إلى نتيجة مفادها أنّ الممالك الخليجية على وشك الانهيار سريعاً، أو على الأقل انهيار معظمها في شكلها الحالي، من دون قدرتها على التعويل على دعم القوى الغربية، التي ستكون “سريعة في تبديل مواقفها والمضي قُدمًا، إذا تطلَّب الأمر ذلك”، ليُترك للشّعوب فرض وقائع مغايرة على الأرض، والمشاركة في تحديد مستقبلها ومصير ثرواتها، والتأسيس لمرحلة “ما بعد الشيوخ”.

*كاتبة لبنانية

رابط الموضوع

التكفير والسياسة الوهابية

إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية

مرآة البحرين (خاص): من منفاه بمدينة «ويندسور» الكندية، أصدر الناقد البحريني علي الديري كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»، وهو مؤلّف بحثي مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.

وصدر الكتاب عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، ودشّن في جناح المركز بمعرض بيروت الدولي للكتاب، يوم الخميس الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، وهو يأتي مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه»، الذي صدر العام الماضي لذات المؤلف.

والديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟». وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.

ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.

يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.

وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنيا سياسيا بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.

الكتاب الجديد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.

«أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية» يقول الكتاب.

واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر «هي ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية».

ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.

«إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)».

رابط الموضوع