مقابلة مع وسام السبع

ثقافة النبذ والغلبة والقهر السياسي بعد 2011، أصّلت اهتمامي بالتاريخ البحريني

صدمه‭ ‬المناخ‭ ‬المعادي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مسيطراً‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬2011‭ ‬العصيبة؛‭ ‬صار‭ ‬يكرّس‭ ‬ثقافة‭ ‬النبذ‭ ‬والتجريح‭ ‬والغلبة‭ ‬والقهر‭ ‬السياسي،‭ ‬ويستخدم‭ ‬أبشع‭ ‬الأدوات‭ ‬لسحق‭ ‬الآخر‭. ‬شعر‭ ‬أن‭ ‬كيانه‭ ‬أصبح‭ ‬مهدداً‭ ‬ومحاطاً‭ ‬بالتشكيك‭ ‬في‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬والوجود‭ ‬التاريخي،‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الشرارة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الكاتب‭ ‬البحريني‭ “‬وسام‭ ‬السبع‭” ‬يؤصل‭ ‬اهتمامه‭ ‬بالتاريخ‭ ‬البحريني‭ ‬المكتوب‭ ‬أكثر،‭ ‬ويتقصى‭ ‬الذاكرة‭ ‬المطاردة‭ ‬والمطرودة‭ ‬من‭ ‬حيز‭ ‬التداول‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬أكثر،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬غيبها‭ ‬التعليم‭ ‬الرسمي‭ ‬ومحقها‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬يحتكر‭ ‬الحقائق‭. ‬

مركز‭ (‬أوال‭ ‬للدراسات‭ ‬والتوثيق‭)‬،‭ ‬حاور‭ ‬الأستاذ‭ ‬وسام‭ ‬السبع‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الوسط‭ ‬البحرينية،‭ ‬والمهتم‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والتراث‭ ‬الثقافي،‭ ‬ومؤسس‭ ‬موقع‭ (‬مرايا‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والتراث‭ ‬البحريني‭). ‬ناقشه‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬الأهلية‭ ‬والفردية‭ ‬المهتمة‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬وتراثها‭ ‬العلمي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬وعن‭ ‬أسباب‭ ‬ضعف‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يرى،‭ ‬عن‭ ‬تجربته‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وعن‭ ‬انجازاته‭ ‬المنشورة‭ ‬والمستجدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

أوال: ‬موقع‭ ‬مرايا‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والتراث‭ ‬البحريني‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬يدل‭ ‬اسمه‭ ‬هو‭ ‬موقع‭ ‬الكتروني‭ ‬معني‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين،‭ ‬أي‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تهتمون‭ ‬بجمعه‭ ‬وحفظه؟‭ ‬وهل‭ ‬مهمة‭ ‬كتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬مهمة‭ ‬رسمية‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬أم‭ ‬مهمة‭ ‬أهلية؟

وسام‭ ‬السبع:  ‬يشغل‭ ‬موقع “‭‬مرايا‭ ‬التراث” ‬المعني‭ ‬بتاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬البحرين‭ ‬وظيفتين‭ ‬رئيستين‭:‬

الأولى: ‬جمع‭ ‬وأرشفة‭ ‬كل‭ ‬المقالات‭ ‬والأبحاث،‭ ‬والتعريف‭ ‬بكل‭ ‬الجهود‭ ‬العلمية‭ ‬والبحثية‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬وتراثها‭ ‬العلمي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬موضوعًا‭ ‬لها‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أطاريح‭ ‬دكتوراه‭ ‬أو‭ ‬رسائل‭ ‬ماجستير‭ ‬أو‭ ‬المقالات‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬قضية‭ ‬او‭ ‬فكرة‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والتراث‭.‬‭ ‬

الثانية: ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬وعي‭ ‬تاريخي‭ ‬متقدم‭ ‬لدى‭ ‬البحرينيين‭ ‬ومحاولة‭ ‬تعميق‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬المغفل‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬البحرينيين‭ ‬واهتماماتهم‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بطبيعة‭ ‬الخبرة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬إفراز‭ ‬طبيعي‭ ‬للمناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬البحرينيون‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬النظامية‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالندرة‭ ‬والنقص‭ ‬الفادح‭ ‬في‭ ‬كمية‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬والمصادر‭ ‬التي‭ ‬تروي‭ ‬بأمانة‭ ‬قصة‭ ‬ماضي‭ ‬البحرين‭ ‬وتاريخها‭ ‬العريق‭ ‬وإسهامات‭ ‬علمائها‭ ‬وشعرائها‭ ‬وأناسها‭ ‬البسطاء‭ ‬وتفاصيل‭ ‬كفاحهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬ومواجهة‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬الإنسانية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬تعرضوا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭ ‬والدموية‭ ‬الرهيبة‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬البلد‭ ‬وكابدوا‭ ‬جرّاء‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬والفكرية‭.‬

تركيز‭ ‬المرايا‭ ‬إذًا‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬منصبًّا‭ ‬حول‭ ‬إعطاء‭ ‬جدارة‭ ‬أكبر‭ ‬للرواية‭ ‬المقصية‭ ‬والذاكرة‭ ‬المطاردة‭ ‬والمطرودة‭ ‬من‭ ‬حيز‭ ‬التداول‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام،‭ ‬ذاكرة‭ ‬الناس‭ ‬وقصة‭ ‬المهمشين،‭ ‬تلك‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬ينبئ‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬فعلا‭ ‬بسبب‭ ‬سيادة‭ ‬ثقافة‭ ‬تاريخية‭ ‬أُتخمنا‭ ‬بها‭ ‬عبر‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬الرسمي‭ ‬والإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬يحتكر‭ ‬الحقائق‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يسوّق‭ ‬لنفسه،‭ ‬حقائق‭ ‬اليوم‭ ‬وحقائق‭ ‬الماضي‭ ‬وحقائق‭ ‬المستقبل‭. ‬المرايا‭ ‬تريد‭ ‬منح‭ ‬اعتبار‭ ‬لهذا‭ ‬التاريخ‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه،‭ ‬التاريخ‭ ‬المبعثر‭ ‬والمفكك‭ ‬والمسافر‭ ‬إلى‭ ‬المهاجر‭ ‬البعيدة‭ ‬حيث‭ ‬وصل‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بحرينيون‭ ‬هاربون‭ ‬من‭ ‬شبح‭ ‬الموت‭ ‬أو‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬ملاذ‭ ‬آمن‭ ‬يوفر‭ ‬لهم‭ ‬حق‭ ‬العيش‭ ‬بكرامة‭ ‬موفورة،‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬تراث‭ ‬مخطوط‭ ‬يشكو‭ ‬الإهمال‭ ‬وسوء‭ ‬التقدير‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬والمنتسبين‭ ‬له،‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬الصور‭ ‬القديمة،‭ ‬وفي‭ ‬حكايات‭ ‬المغتربين‭ ‬ومرويات‭ ‬الأجداد‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬ومكاتباتهم‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يحبون‭. ‬التاريخ‭ ‬القابع‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬الوثائق‭ ‬الأجنبية‭ ‬ويُراد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬حبيساً‭ ‬أبدياً‭ ‬للأدراج‭ ‬الرطبة‭ ‬في‭ ‬أرشيفات‭ ‬الرجل‭ ‬الأبيض‭. ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬تعطينا‭ (‬الأرض‭) ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬فصوله‭ ‬وقد‭ ‬بهتت‭ ‬الألوان‭ ‬ونأت‭ ‬الصورة‭ ‬وغابت‭ ‬الملامح‭.‬

على‭ ‬أن‭ ‬المرايا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تعطي،‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬أولويةً‭ ‬للطرح‭ ‬العلمي‭ ‬المتوازن‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التعاطي‭ ‬المتحمس‭ ‬والتناول‭ ‬الارتجالي‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬نسج‭ ‬تاريخ‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬المبالغة‭ ‬واعتماد‭ ‬الخرافات‭ ‬والأساطير‭ ‬والمسائل‭ ‬الظنية‭ ‬وتوظيف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشعبية‭ ‬دون‭ ‬دليل‭ ‬علمي‭ ‬يسند‭ ‬وجاهته،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تطرحه‭ ‬المرايا‭ ‬تحاول‭ ‬تجنب‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬فخاخ‭ ‬التسطيح‭ ‬والتسويق‭ ‬لثقافة‭ ‬شعبوية‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬تدغدغ‭ ‬خيال‭ ‬المتلقي‭ ‬وتلهب‭ ‬حماسه،‭ ‬لكنها‭ ‬غير‭ ‬جديرة‭ ‬علميًا‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬المرايا‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تحتكم‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تنشره‭ ‬من‭ ‬مقالات‭ ‬وأبحاث‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬المواد‭ ‬القليلة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬مقارنة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتوفر‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬البحرينية‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬مقالات‭ ‬تاريخية‭ ‬وكم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬والتعليقات‭ ‬المثيرة‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بصورة‭ ‬ملحوظة‭ ‬في‭ ‬إبرازه‭ ‬والاهتمام‭ ‬به‭.‬

أوال:  ‬هل‭ ‬الموقع‭ ‬له‭ ‬أسرة‭ ‬تحرير‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬يكتبون‭ ‬في‭ ‬مرايا‭ ‬التراث؟

السبع: ‬ليس‭ ‬لمرايا‭ ‬التراث‭ ‬هيئة‭ ‬تحريرية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الإداري‭ ‬للكلمة؛‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الباحثين‭ ‬والكُتّاب‭ ‬والإعلاميين‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬رفد‭ ‬الموقع‭ ‬ببعض‭ ‬المقالات‭ ‬والدراسات‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬دائرة‭ ‬اهتمامات‭ ‬الموقع‭ ‬كمقالات‭ ‬الشيخ‭ ‬إسماعيل‭ ‬الكلداري‭ ‬والأستاذ‭ ‬عبد‭ ‬الخالق‭ ‬الجنبي‭ ‬والشيخ‭ ‬محمد‭ ‬عيسى‭ ‬المكباس‭ ‬والأستاذ‭ ‬علي‭ ‬السلاطنة‭ ‬والأستاذة‭ ‬رملة‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬والأستاذة‭ ‬نوال‭ ‬عبد‭ ‬الكاظم‭ ‬خفي‭ ‬وآخرين،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لمرايا‭ ‬التراث‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬والمقالات‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬ووسائط‭ ‬إعلامية‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬ومدونات‭ ‬ومواقع‭ ‬ومجلات‭ ‬وكتب‭ ‬كمقالات‭ ‬الأستاذ‭ ‬حسين‭ ‬الجمري‭ ‬والدكتور‭ ‬منصور‭ ‬محمد‭ ‬سرحان،‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬حميد‭ ‬السلمان‭ ‬وآخرين‭. ‬وبالإمكان‭ ‬ملاحظة‭ ‬كم‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬كتاباتها‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬حرصًا‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬ذاكرة‭ ‬تراكمية‭ ‬وتأسيس‭ ‬أرشيف‭ ‬يضم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُكتب‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬والتعريف‭ ‬بأبرز‭ ‬الكتب‭ ‬والدراسات‭ ‬والأطروحات‭ ‬العلمية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬والمنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

أوال: كيف‭ ‬انطلقت‭ ‬فكرة‭ ‬تأسيس‭ ‬الموقع‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬دفعتكم‭ ‬لتأسيس‭ ‬موقع‭ ‬يعنى‭ ‬بالتراث‭ ‬والتاريخ؟

السبع: ‬البداية‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬راودتي‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬مدونة‭ ‬شخصية‭ ‬تضم‭ ‬كل‭ ‬كتاباتي‭ ‬الصحافية،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬شديد‭ ‬الاعتناء‭ ‬بالموضوعات‭ ‬التاريخية‭ ‬قارئًا‭ ‬وكاتبًا،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أحرص‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬موضوع‭ ‬تاريخي‭ ‬أكتب‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬وحي‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬بدأت‭ ‬تستقر‭ ‬عندي‭ ‬فكرة‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُكتب‭ ‬وينشر‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين،‭ ‬وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬كنت‭ ‬أنشر‭ ‬هذه‭ ‬المقالات‭ ‬في‭ ‬مدونتي‭ ‬الشخصية‭ ‬ضمن‭ ‬باب‭ ‬أسميته‭ ‬تاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬يضم‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مقالاتي‭ ‬التاريخية‭ ‬مقالات‭ ‬لباحثين‭ ‬وإعلاميين‭ ‬آخرين،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كثرت‭ ‬المواضيع‭ ‬استقر‭ ‬عزمي‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تخصيص‭ ‬مدونة‭ ‬أخرى‭ ‬تهتم‭ ‬بنشر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬مع‭ ‬إجراء‭ ‬تحسينات‭ ‬وتطوير‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أقسام‭ ‬المدونة‭ ‬ونوعية‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تتيحها‭ ‬للمتصفح‭ ‬المهتم‭. ‬وهكذا‭ ‬انبثقت‭ ‬مدونة‭ ‬مرايا‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬2013‭ ‬م‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬تدشين‭ ‬مدونتي‭ ‬الشخصية‭.‬

أوال:  ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والمدونات‭ ‬التي‭ ‬تعنى‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬مثل‭ ‬مدونة‭ ‬سنوات‭ ‬الجريش‭ ‬وموقع‭ ‬تاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬البحرين‮…‬‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬موقع‭ ‬مرايا‭ ‬التراث‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬المواقع؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬تعاون‭ ‬بينكم‭ ‬وبين‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭  ‬لديها‭ ‬نفس‭ ‬أهدافكم‭ ‬؟

السبع: ‬بالطبع‭ ‬تمثل‭ ‬مدونة‭ (‬سنوات‭ ‬الجريش‭) ‬تجربة‭ ‬رائدة‭ ‬ومتقدمة‭ ‬جدًا،‭ ‬وقد‭ ‬طرحت‭ ‬نفسها‭ ‬كأول‭ ‬تجربة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬التاريخي‭ ‬المتخصص‭ ‬بالبحرين،‭ ‬وقد‭ ‬استطاع‭  ‬مؤسس‭ ‬وصاحب‭ ‬المدونة‭ ‬الاستاذ‭ ‬جاسم‭ ‬حسين‭ ‬آل‭ ‬عباس‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬الثقافي‭ ‬المتميز‭ ‬بكل‭ ‬جدارة‭ ‬وتمكن‭ ‬لعشقه‭ ‬وحماسه‭ ‬ودأبه‭ ‬وغيرته‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬وطنه‭. ‬وهذه‭ ‬جهود‭ ‬محترمة‭ ‬ومقدّرة‭ ‬تعاطى‭ ‬معها‭ ‬البحرينيون‭ ‬بكل‭ ‬محبة‭ ‬وتعطش‭ ‬لأنها‭ ‬جاءت‭ ‬تلبي‭ ‬الحاجة‭ ‬التي‭ ‬يستشعرها‭ ‬البحرينيون‭ ‬حيال‭ ‬تاريخهم‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬بلدهم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭.‬

بالطبع‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المدونات‭ ‬والحسابات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬يحدوها‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬مادة‭ ‬تاريخية‭ ‬تلبي‭ ‬الطلب‭ ‬المتنامي‭ ‬للقارئ‭ ‬البحريني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ “‬العرض‭” ‬أو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬فعلًا‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ “‬الطلب‭” ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬رغبة‭ ‬جمهور‭ ‬القراء‭ ‬بمختلف‭ ‬أعمارهم‭ ‬واهتماماتهم،‭ ‬وأعتقد‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬متواضعًا‭ ‬وبسيطًا‭ ‬فهو‭ ‬يسهم‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬الذاكرة‭ ‬التاريخية‭ ‬ويشكل‭ ‬إضافة‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬طويلًا‭ ‬من‭ ‬الإهمال‭ ‬والتنكر‭ ‬وقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لإعطائه‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬رعاية‭ ‬واهتمام‭. ‬هناك‭ ‬انتقادات‭ ‬ممكن‭ ‬توجيهها‭ ‬للكثير‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬أن‭ ‬وظيفة‭ ‬النشر‭ ‬الإعلامي‭ ‬لأي‭ ‬مادة‭ ‬تاريخية‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬النشر‭ ‬والإحجام‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬دور‭ ‬إيجابي‭ ‬ومبادر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭. ‬النشر‭ ‬يعني‭ ‬إتاحة‭ ‬مادة‭ ‬جديدة‭ ‬أمام‭ ‬الباحثين‭ ‬والقراء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬حراك‭ ‬ثقافي‭ ‬ويعطي‭ ‬لهذه‭ ‬المسائل‭ ‬زخم‭ ‬يجتذب‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬والباحثين‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬والقراء‭ ‬العاديين‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يشكل‭ ‬حالة‭ ‬إيجابية‭ ‬متقدمة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تستجلبه‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬نقاش‭ ‬وحوار‭ ‬ونقد؛‭ ‬فالمعرفة‭ ‬تتقدم‭ ‬وحركة‭ ‬الأبحاث‭ ‬تتطور‭ ‬وتزداد‭ ‬نضجًا‭ ‬بهذه‭ ‬الأمور‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬التعاون،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬تعاون‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذي‭ ‬يفترضه‭ ‬السؤال،‭ ‬لكن‭ ‬تجمعني‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والمهتمين‭ ‬لقاءات‭ ‬منتظمة‭ ‬وبرامج‭ ‬ثقافية‭ ‬ولدينا‭ ‬تواصل‭ ‬دائم،‭ ‬ويحدث‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬موضوع‭ ‬في‭ (‬مرايا‭ ‬التراث‭) ‬ثم‭ ‬يعاد‭ ‬نشره‭ ‬في‭ (‬سنوات‭ ‬الجريش‭) ‬وفي‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المهتمة‭ ‬بتاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬البحرين،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬العكس‭ ‬بالطبع،‭ ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬تجمعنا‭ ‬اهتمامات‭ ‬مشتركة‭ ‬ويحركنا‭ ‬هم‭ ‬واحد‭ ‬المساهمون‭ ‬فيه‭ ‬بايجابية‭ ‬قليلون‭ ‬والقارئون‭ ‬فيه‭ ‬كثر‭..‬

أوال: ‬تكلمت‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الصحافة‭ ‬المحلية‭ ‬ودور‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬المقالات‭ ‬والدراسات‭ ‬فماذا‭ ‬تقول‭ ‬عن‭ ‬مجموعات‭ ‬الواتساب‭ ‬الخاصة‭ ‬بالباحثين‭ ‬التاريخيين؟

السبع: ‬بالفعل‭ ‬هذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬إيجابية‭ ‬جدًا‭ ‬لها‭ ‬انعكاس‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬المهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬التاريخي‭ ‬وتتيح‭ ‬لهم‭ ‬فضاء‭ ‬رحب‭ ‬يتبادلون‭ ‬فيه‭ ‬الأفكار‭ ‬والنقاشات‭ ‬والأخبار‭ ‬عبر‭ ‬مجموعات‭ ‬الواتساب‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التعرّف‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬أسماء‭ ‬لباحثين‭ ‬ومهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬التاريخي‭ ‬البحراني،‭ ‬لقد‭ ‬استطاعت‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬أن‭ ‬تقرب‭ ‬المسافات‭ ‬وأن‭ ‬تجمع‭ ‬المهتمين‭ ‬بقضايا‭ ‬التاريخ‭ ‬والتراث‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم،‭ ‬وهذه‭ ‬وسيلة‭ ‬جديدة‭ ‬بالإمكان‭ ‬الإفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬مشاريع‭ ‬هادفة‭ ‬ونسج‭ ‬علاقات‭ ‬صداقة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬والبلدان‭ ‬ممن‭ ‬يشتركون‭ ‬في‭ ‬الهم‭ ‬التاريخي‭ ‬والبحثي‭.‬

وأنا‭ ‬أعرف،‭ ‬بل‭ ‬ومنضم،‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬بحرينية‭ ‬وأجنبية‭ ‬تضم‭ ‬باحثين‭ ‬ومهتمين‭ ‬بقضايا‭ ‬التراث‭ ‬والتاريخ‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬تحقق‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفائدة‭ ‬وتخلق‭ ‬مساحة‭ ‬إنسانية‭ ‬جميلة‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬طيف‭ ‬واسع‭ ‬ومتنوع‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يجمعهم‭ ‬هم‭ ‬مشترك‭ ‬وهواية‭ ‬واحدة‭.‬

وأملي‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬المهمة‭ ‬والنافعة‭ ‬من‭ ‬مكتسباتها‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬بحيث‭ ‬تُترجم‭ ‬عبر‭ ‬مشاريع‭ ‬عمل‭ ‬مشتركة‭ ‬أو‭ ‬أنشطة‭ ‬وبرامج‭ ‬ثقافية‭ ‬واقعية‭ ‬تلبي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الملحة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬واقع‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭. ‬

أوال: ‬لك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والإصدارات‭ ‬ككتاب‭ (‬مآذن‭ ‬ونخيل‭) ‬و‭(‬النازحون‭ ‬من‭ ‬الريف‭) ‬و‭(‬الذوق‭ ‬العرفاني‭ ‬لعلماء‭ ‬البحرين‭)…‬هل‭ ‬نترقب‭ ‬منك‭ ‬إصدارات‭ ‬جديدة‭ ‬قريبا؟

السبع: كتاب‭ (‬مآذن‭ ‬ونخيل‭) ‬هو‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬النشر،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬تضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬والبحوث‭ ‬التاريخية‭ ‬مما‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬تاريخنا‭ ‬الثقافي،‭ ‬أما‭ ‬بخصوص‭ ‬العناوين‭ ‬الأخرى‭ ‬فهي‭ ‬ملفات‭ ‬صحفية‭ ‬كتبتها‭ ‬ونشرت‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية‭.. ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالإصدارات‭ ‬فأنا‭ ‬أتهيأ‭ ‬لنشر‭ ‬ثلاثة‭ ‬كتب‭ ‬قريبًا‭ .. ‬وهي‭: (‬المدارس‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭: ‬دراسة‭ ‬تاريخية‭ ‬اجتماعية‭ ‬لواقع‭ ‬الدرس‭ ‬الشرعي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الحادي‭ ‬والثاني‭ ‬عشر‭ ‬الهجريين‭)‬،‭ ‬و‭ (‬علماء‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬أعيان‭ ‬الشيعة‭.. ‬إعداد‭ ‬ودراسة‭)‬،‭ ‬و‭ (‬محاسن‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬سلافة‭ ‬العصر‭ ‬لعلي‭ ‬خان‭ ‬المدني‭). ‬وهناك‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬نشرتُ‭ ‬أغلب‭ ‬موادها‭ ‬–ضمن‭ ‬حلقات‭- ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المحلية‭ ‬وأتحين‭ ‬الفرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬تحريرها‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لإصدارها‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬تهيأت‭ ‬الظروف‭ ‬لذلك‭.‬

أوال: ‬كتبت‭ ‬مقالات‭ ‬عديدة‭ ‬ومتنوعة،‭ ‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬التصوف‭ ‬الشيعي‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬عن‭ ‬مسؤولية‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬الآن،‭ ‬عن‭ ‬النازحين‭ ‬من‭ ‬الريف‭ ‬الكتل‭ ‬النيابية‭ ‬في‭ ‬برلمان‭ ‬197،‭ ‬عن‭ ‬التنوع‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬نعمة‭ ‬أم‭ ‬نقمة،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬أخرى،‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬تحديد‭ ‬هوية‭ ‬كتاباتك،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬عليها؟

السبع:  ‬كانت‭ ‬ميولي‭ “‬أدبية‭” ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬الكتب،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حملني‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬وعندما‭ ‬أكملت‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬اخترت‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬وعلم‭ ‬النفس،‭ ‬نظرًا‭ ‬لميلي‭ ‬الشديد‭ ‬لعلم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع،‭ ‬لم‭ ‬أحب‭ ‬الفلسفة‭ ‬يومًا،‭ ‬علاقتي‭ ‬بها‭ ‬كعلاقتي‭ ‬بالرياضيات‭ ‬مليئة‭ ‬بالريبة‭ ‬والعداء‭ ‬المستحكم‭. ‬لقد‭ ‬تشكل‭ ‬وعيي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القراءة‭ ‬الحرة،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الدراسة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬وفرت‭ ‬لي‭ ‬الأرضية‭ ‬المنهجية‭ ‬اللازمة‭ ‬للتأسيس‭ ‬العلمي،‭ ‬فإن‭ ‬المكتبة‭ ‬والكتاب‭ ‬أخذ‭ ‬بيدي‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬فكرية‭ ‬وإنسانية‭ ‬أرحب‭ ‬وأشد‭ ‬اتساعًا‭ ‬وأكثر‭ ‬تنوعًا،‭ ‬هكذا‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬محاطًا‭ ‬بكتب‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬وفي‭ ‬الأدب‭ ‬وفي‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬والتاريخ،‭ ‬وكنت‭ ‬أتنقل‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الحقول‭ ‬العلمية‭ ‬بمنتهى‭ ‬السلاسة‭ ‬كمن‭ ‬يتنقل‭ ‬بين‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬حديقة‭ ‬غنّاء‭ ‬واسعة‭ ‬الأكناف‭.‬

في‭ ‬مرحلة‭ ‬تالية‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬دخلت‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬بشكل‭ ‬جدّي‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬م،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬لها‭ – ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ – ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬وبشكل‭ ‬غير‭ ‬منتظم،‭ ‬لكن‭ ‬الصحافة‭ ‬اليومية‭ ‬لم‭ ‬تجذبني،‭ ‬الإيقاع‭ ‬السريع‭ ‬للأحداث‭ ‬يجرفني‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬شديدة‭ ‬التغير،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬مزاجي‭ ‬المولع‭ ‬بالهدوء،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬سلبت‭ ‬مني‭ ‬الصحافة‭ ‬اليومية‭ ‬رفقتي‭ ‬مع‭ ‬الكتاب،‭ ‬لذلك‭ ‬قررت‭ ‬سريعًا‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬تأطير‭ ‬علاقتي‭ ‬بالصحافة‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬علاقتي‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحدث‭ ‬اليومي،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكتابة‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬لأنها‭ ‬أكثر‭ ‬ملائمة‭ ‬لمزاجي‭ ‬الكسول‭ ‬والباحث‭ ‬دومًا‭ ‬عن‭ ‬أشياء‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الحدث‭ ‬اليومي،‭ ‬أشياء‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬قارّه‭ ‬تتعدى‭ ‬الصفة‭ ‬الآنية‭ ‬سريعة‭ ‬الذبول‭ ‬والأفول‭.‬

تجربتي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬أتاحت‭ ‬لي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬كتب،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفترات‭ ‬انشغلت‭ ‬بتوثيق‭ ‬تاريخ‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬بتلاوينها‭ ‬الفكرية‭ ‬المختلفة‭ (‬التيار‭ ‬الإسلامي،‭ ‬البعث‭ ‬العربي‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬التيار‭ ‬الشيوعي‭) ‬وقد‭ ‬أنجزت‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬درستها‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬اليوم‭ ‬كتبًا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬معينة‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬مقابلات‭ ‬صحفية‭ ‬تنشر‭ ‬معطياتها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭, ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الوطن‭ ‬البحرينية‭ ‬تحضى‭ ‬بتحفيز‭ ‬وتشجيع‭ ‬كبيرين‭ ‬من‭ ‬الصديق‭ ‬الراحل‭ ‬والناقد‭ ‬البحريني‭ ‬المعروف‭ ‬الاستاذ‭ ‬محمد‭ ‬البنكي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رئيساً‭ ‬لتحرير‭ ‬الوطن‭ ‬وقتها‭.‬

وبعد‭ ‬أحداث‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬م،‭ ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬الظروف‭ ‬العصيبة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬استجدّت‭ ‬عندي‭ ‬أولويات‭ ‬جديدة‭ ‬ترتبط‭ ‬باهتمامات‭ ‬قديمة،‭ ‬وشكل‭ ‬التاريخ‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬اشتغال‭ ‬يجب‭ ‬التركيز‭ ‬عليه،‭ ‬وكنت‭ ‬مدفوعًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بالمناخ‭ ‬المعادي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مسيطرًا‭ ‬على‭ ‬تمام‭ ‬المشهد،‭ ‬مُناخ‭ ‬كريه‭ ‬كان‭ ‬يكرس‭ ‬لثقافة‭ ‬النبذ‭ ‬والتجريح‭ ‬والغلبة‭ ‬والقهر‭ ‬السياسي‭ ‬ويستخدم‭ ‬أبشع‭ ‬الأدوات‭ ‬لسحق‭ ‬الآخر‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬ملامح‭ ‬تعكس‭ ‬حالة‭ ‬التنوع‭ ‬الديني‭ ‬والمجتمعي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الفخر‭ ‬لدى‭ ‬البحرينيين‭.‬

هزني‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬صدمني،‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬كياني‭ ‬مهدد،‭ ‬أصبحت‭ ‬محاط‭ ‬بالتشكيك،‭ ‬تشكيك‭ ‬في‭ ‬ولائي‭ ‬لوطني،‭ ‬تشكيك‭ ‬في‭ ‬وطنيتي،‭ ‬تشكيك‭ ‬في‭ ‬تاريخي‭ ‬وعراقة‭ ‬ارتباطي‭ ‬بالأرض،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬الشرارة‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬تأصيل‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬عبر‭ ‬الكلمة‭ ‬المكتوبة‭.‬

ما‭ ‬الخيط‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬كتاباتي؟‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬كينونة‭ ‬الإنسان‭ ‬وتجسد‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالحياة‭: ‬الدين‭ ‬والأدب‭ ‬والناس‭ ‬والتاريخ‭ ‬والبحرين‭ ‬والنخيل‭ ‬وكتاب‭ ‬يصدر‭ ‬هنا‭ ‬ومخطوط‭ ‬محقق‭ ‬هناك،‭ ‬أكتب‭ ‬ما‭ ‬أجد‭ ‬أنه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬أصالتي‭ ‬وثراء‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬أتوسده‭ ‬وأتكئ‭ ‬عليه‭ ‬وأهش‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الدجالين‭ ‬والكذابين‭ ‬والمدلسين‭ ‬وأعداء‭ ‬الحب‭ ‬والسلام‭ ‬ممن‭ ‬يعتاشون‭ ‬على‭ ‬التزوير‭ ‬والتسول‭.‬

أوال: كيف‭ ‬تقيّم‭ ‬واقع‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬البحرين؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬انطباعاتك‭ ‬عن‭ ‬الأنشطة‭ ‬والبرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬تولي‭ “‬التاريخ‭” ‬اهتمامًا‭ ‬ملحوظًا؟

السبع: ‬السؤال‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬مقدرتي‭ ‬على‭ ‬الإجابة‭ ‬عليه،‭ ‬لكن‭ ‬سأتحدث‭ ‬عن‭ ‬انطباعي‭ ‬عن‭ ‬الجهود‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالقضايا‭ ‬التاريخية،‭ ‬ولعل‭ (‬جمعية‭ ‬تاريخ‭ ‬وآثار‭ ‬البحرين‭) ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬وأنجح‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بالمسائل‭ ‬التاريخية‭ ‬وللدكتور‭ ‬عيسى‭ ‬أمين‭ ‬دور‭ ‬رائع‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬نشاط‭ ‬الجمعية‭ ‬وللجمعية‭ ‬موسم‭ ‬ثقافي‭ ‬سنوي‭ ‬يحاول‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬أن‭ ‬يستضيف‭ ‬ضمن‭ ‬فعالياته‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والمهتمين‭ ‬لإلقاء‭ ‬محاضرات‭ ‬ثقافية‭ ‬وتاريخية‭.‬

كما‭ ‬وأن‭ ‬الصحافة‭ ‬المحلية‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬والدراسات‭ ‬وتظهر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬مقالات‭ ‬الأستاذ‭ ‬حسين‭ ‬الجمري‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬حميد‭ ‬السلمان‭ ‬والأستاذ‭ ‬مهدي‭ ‬عبدالله‭. ‬بينما‭ ‬يفضل‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬والمهتمين‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬الفيسبوك‭ ‬والإنستغرام‭ ‬أو‭ ‬المدونات‭ ‬وهنا‭ ‬تظهر‭ ‬جهود‭ ‬الأستاذ‭ ‬جاسم‭ ‬حسين‭ ‬والشيخ‭ ‬بشار‭ ‬العالي‭ ‬والأستاذ‭ ‬توفيق‭ ‬الرياش‭ ‬والأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬عبد‭ ‬الصاحب‭ ‬والأستاذ‭ ‬حسين‭ ‬المديفع‭ ‬والأستاذ‭ ‬ميرزا‭ ‬القصاب‭ ‬وآخرين‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يلاحظ‭ ‬إجمالًا‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬المحلي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتعاطي‭ ‬مع‭ ‬حقل‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهو‭ ‬حقل‭ ‬جديد‭ ‬كليًا‭ ‬على‭ ‬البحرينيين‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأمور‭:‬

بروز‭ ‬الهاوي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬المتخصص‭: ‬إذ‭ ‬يلاحظ‭ ‬بروز‭ ‬طبقة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬الهواة‭ ‬بمتابعة‭ ‬ودراسة‭ ‬القضايا‭ ‬التاريخية‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬إيجابي‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬لأن‭ “‬الهاوي‭” ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ “‬متخصص‭” ‬غدا‭ ‬إن‭ ‬أحسن‭ ‬استغلال‭ ‬مواهبه‭ ‬وأبدى‭ ‬الجدّية‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬معارفه‭ ‬وأثبت‭ ‬كفاءته‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬وأتيحت‭ ‬له‭ ‬الفرصة‭ ‬للمشاركة‭ ‬بشكل‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬النقاشات‭ ‬والأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والتاريخية‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭.‬

الفردية‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬العمل‭ ‬المؤسسي‭: ‬لعل‭ ‬أكبر‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تحدّ‭ ‬من‭ ‬تعميق‭ ‬وتطور‭ ‬تجربة‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ “‬سيادة‭ ‬الروح‭ ‬الفردية‭” ‬في‭ ‬العمل‭ ‬البحثي‭ ‬التاريخي،‭ ‬وغياب‭ ‬مظاهر‭ ‬العمل‭ ‬كفريق‭ ‬عمل‭ ‬جماعي،‭ ‬ولدينا‭ ‬تجربتين‭ ‬ماثلتين‭ ‬تستحقان‭ ‬الإشادة‭: ‬الاولى‭ ‬تبنتها‭ ‬جمعية‭ ‬العاصمة‭ ‬للثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أصدرت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬خمسة‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬الموسوعة‭ ‬المصورة‭ ‬لتوثيق‭ ‬الحياة‭ ‬العمرانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لمدينة‭ ‬المنامة‭ “‬ملامح‭”‬،‭ ‬أما‭ ‬التجربة‭ ‬الثانية‭ ‬فتتمثل‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬سيصدر‭ ‬قريبًا‭ ‬عن‭ ‬قرية‭ ‬النويدرات‭ ‬بإشراف‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬علي‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إعداده‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬القرية‭. ‬وهذه‭ ‬تجارب‭ ‬ناجحة‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬واتخاذها‭ ‬نموذج‭ ‬لما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬المؤسس،‭ ‬وبالطبع‭ ‬أنا‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬المؤلف،‭ ‬فهناك‭ ‬باحثون‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬والمقدرة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬أعمال‭ ‬علمية‭ ‬متميزة‭ ‬وناجحة‭ ‬لكنني‭ ‬اتحدث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬إشراك‭ ‬الشباب‭ ‬المهتمين‭ ‬بقضايا‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬فرق‭ ‬عمل‭ ‬بحثية‭ ‬تذلل‭ ‬لهم‭ ‬المصاعب‭ ‬وتأخذ‭ ‬بيدهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬وبذلك‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬ايجابية‭ ‬وسريعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاطار‭.‬

الانكفاء‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬التواصل‭ ‬والانفتاح‭: ‬ويتمثل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عزوف‭ ‬الباحثين‭ ‬الجادين‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬التاريخية‭ ‬عن‭ ‬الإعلام‭ ‬والحضور‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬المحلي،‭ ‬وهذا‭ “‬الاحتجاب‭ ‬الاختياري‭” ‬للباحث‭ ‬المتخصص‭ ‬يفتح‭ ‬المجال‭ ‬واسعًا‭ ‬أمام‭ ‬تدوال‭ ‬وانتشار‭ ‬ثقافة‭ ‬تاريخية‭ “‬شعبية‭” ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬والدقة‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬مسائل‭ ‬حساسة‭ ‬كمسائل‭ ‬التاريخ‭.‬

طغيان‭ ‬الاهتمامات‭ ‬التراثية‭ ‬والفلكلورية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬دراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬الأحداث‭ ‬والمراحل‭ ‬التاريخية،‭ ‬فقد‭ ‬برز‭ ‬لدينا‭ ‬باحثون‭ ‬ومهتمون‭ ‬كثر‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬دراسة‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ظل‭ ‬مجال‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭ ‬يشكو‭ ‬الإهمال‭ ‬والضعف،‭ ‬وبقي‭ ‬عدد‭ ‬الباحثين‭ ‬فيه‭ ‬قليل‭ ‬جدًا‭.‬

كلمة‭ ‬أخيرة‭ ‬ترتبط‭ ‬بأسباب‭ ‬ضعف‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬التي‭ ‬ترجع‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬–كما‭ ‬أرى‭- ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬التراكم‭ ‬المعرفي‭ ‬للأبحاث‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وهذه‭ ‬مهمة‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الجامعات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬يتعامل‭ ‬بتقدير‭ ‬وإجلال‭ ‬لتاريخه،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬فهناك‭ ‬نقص‭ ‬فادح‭ ‬ومعيب‭ ‬جدًا‭ ‬لهذا‭ ‬التراكم‭ ‬المعرفي،‭ ‬والموضوع‭ ‬التاريخي‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬هاجسا‭ ‬فعليا‭ ‬لجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬ولا‭ ‬لغيرها‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الوطنية‭ ‬الخاصة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ “‬تاريخ‭ ‬البحرين‭” ‬بكل‭ ‬مراحله‭ ‬موضوعًا‭ ‬دراسيًا‭ ‬وحقلًا‭  ‬أثيرًا‭ ‬للبحث‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬رسائل‭ ‬الماجستير‭ ‬وأطاريح‭ ‬الدكتوراه‭.‬

السبب‭ ‬الثاني: غياب‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬التي‭ ‬ترعى‭ ‬الطاقات‭ ‬والكوادر‭ ‬الشبابية‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬ميل‭ ‬وحب‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وقدرة‭ ‬واستعداد‭ ‬ورغبة‭ ‬للتخصص‭ ‬والكتابة‭ ‬فيه،‭ ‬ناهيك‭ ‬طبعا‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬التحفيز‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوي‭ ‬للأعمال‭ ‬البحثية‭ ‬المتميزة‭.‬

إن‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬يعني‭ ‬حرمان‭ ‬أفواج‭ ‬شبابية‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والمهتمين‭ ‬لا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬التدريب‭ ‬وورش‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬تصقل‭ ‬مهاراتهم‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭.‬

السبب‭ ‬الثالث: ‬ضعف‭ ‬التواصل‭ ‬المباشر‭ ‬بين‭ ‬الباحثين‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالتاريخ‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬السلبية‭ ‬وانعدام‭ ‬الثقة،‭ ‬فمن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الجلسات‭ ‬المنتظمة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬المتخصصين‭ ‬تؤجج‭ ‬الحماس‭ ‬وتفتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬ودراسة‭ ‬وبحث‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والموضوعات‭ ‬المشتركة‭ ‬أمام‭ ‬الباحثين،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتيح‭ ‬لهم‭ ‬الفرصة‭ ‬لمعرفة‭ ‬الأعمال‭ ‬البحثية‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬كتابتها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تلافي‭ ‬إعادة‭ ‬تكرار‭ ‬الاشتغال‭ ‬بالموضوع‭ ‬الواحد،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الاقل‭ ‬توحيد‭ ‬وتنسيق‭ ‬الجهود‭ ‬وتكاملها‭.‬

لتحميل النسخة بصيغة PDF


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>