أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية

“الممالك الخليجية في الأرشيف البريطاني خلال القرن التاسع عشر والعشرين”

نظم مركز أوال للدّراسات والتّوثيق ندوة في الدورة الـ 61 من معرض بيروت العربي الدّولي للكتاب تحت عنوان “الممالك الخليجية في الأرشيف البريطاني خلال القرن التاسع عشر والعشرين” بمناسبة الإعلان عن الإطلاق المرتقب، في شباط/ فبراير 2018، للمجلدات الستة الأولى من أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية، التي تغطي الفترة الممتدة من العام 1820 حتى العام 1942 أي ما يقرب من 120 عامًا من تاريخ البحرين في الوثائق البريطانية.

في البداية، تحدثت الإعلامية ريان شرارة، التي أدارت النّدوة، عن أهمية هذه الوثائق التي تمكن مركز أوال للدّراسات والتّوثيق من الوصول إليها بشكل رسمي والعمل على ترجمتها منذ نيسان/ أبريل 2013.

بعدها، عُرِض تقرير مصور تناول “أوال”، تلك الجزيرة القديمة التي تُعرف حاليًّا باسم البحرين، وتطرق إلى الدّور الذي يلعبه مركز أوال في حفظ الذّاكرة البحرينية ومواكبة الأحداث المستجدة.

وتحدث في النّدوة كل من الدكتور هيثم الناهي، مدير المنظمة العربية للترجمة، والدكتور جمال واكيم، وهو أستاذ محاضر في مجال العلاقات السّياسية في الجامعة اليسوعية، والدكتور علي الدّيري، وهو كاتب وباحث بحريني.

واستعرض الدكتور الناهي في مداخلته سبب تسمية أوال بالبحرين، لينتقل بعدها إلى الحديث عن أهمية الوثائق والأرشيف، ولفت إلى الصعوبة التي واجهها مركز أوال على مستوى التقنية في ترجمة هذه الوثائق، نظرًا لغياب قارئ إلكتروني OCR، يُمَكن الفريق العامل من قراءة الكلمات المكتوبة بشكل صحيح، وكذلك إلى أنّ النصوص الواردة تخللتها مفردات “شيكسبيرية” لا تُدَرّس حاليًا، مشيرًا إلى الحاجة إلى العودة إلى جذور هذه المفردات لاستنباط معانيها.

ووصف الناهي تجربة مركز أوال بأنّها أكبر من أن تكون حربًا عالمية في عملية تنوير اللّغة ووضعها في سياقها التّاريخي، بحيث نتمكن من نقلها بشكل دقيق.

أما على مستوى الترجمة، فلفت النّاهي إلى الحضور البارز لأخلاقيات المهنة، والتي امتلكها فريق العمل، لافتًا إلى أنّه كان بإمكان أي خطأ القضاء على أمة بأكملها، فالأعمال ستتداور، وسنتوارث الخطأ من جيل إلى جيل، بحيث لا يمكن تغييره.

وقال الناهي إنّ “هذه الوثائق تحمل أنثروبولوجيا حضارية جميلة تعطي تلك الفكرة النّاصعة التي تنطبع على تلك المنطقة بالبعد التاريخي والحضاري والقبلي”، لافتًا إلى أن قراءة التاريخ تُمَكننا من استشراف المستقبل.

من جانبه، استعرض الدكتور جمال واكيم بعضًا من تجربته مع علم التّاريخ في منطقة الشرق الأوسط، وتحدث عن مخاطر عدم وجود وثائق متداولة بين أيدينا كعرب عند سعينا إلى كتابة تاريخنا.

ولفت واكيم إلى أن غياب الوثيقة يجعلنا نستند في دراسة التّاريخ إلى تدوينات ومذكرات شخصية وأخبار شفهية، أي نخضع للأهواء، الأمر الذي يؤثر على الحقيقة لأنّ التاريخ لا يشكل فقط الهوية، بل منظومة التّفكير في المجتمع.

وأشار واكيم إلى أنّ تاريخ منطقة الخليج عمومًا، والبحرين خصوصًا، هو من التواريخ المظلومة في العالم العربي، مشددًا على أن المشكلة الأخطر تكمن في غياب وثائق كانت مُتاحة للباحث الغربي، متسائلًا عن سبب عدم إتاحتها للجمهور العربي، ولافتًا إلى أن القوة لا تكمن فقط في المعرفة، بل في الوعي أيضًا، وبالتّالي، كي لا يعي هذا الجمهور تاريخه، وكي لا يتمكن من صوغ حاضره ومستقبله، كان لا بد للأنظمة من تغييب هذه الوثائق.

وقال واكيم إنّه “لفهم حالة استئثار عائلة ذات تاريخ بدوي مثل آل خليفة، الذين هم جزء من قبيلة العتوب، بالسّلطة، يجب أن نعود إلى هذه الوثائق التي تبين أن استئثار قبيلة العتوب بالحكم كان بالدعم البريطاني الذي حل لعنة على منطقة الخليج”.

وتحدث في النّدوة أيضًا الكاتب والباحث البحريني الدكتور علي الديري من منفاه في كندا (إذ إنّ الحكومة البحرينية أسقطت جنسيته في كانون الثاني/ يناير 2015)، فاعتذر بادئ الأمر عن غيابه بسبب “الظروف التي تفسرها هذه الوثائق” مشيرًا إلى أنّ “هذه الظّروف شكلت هويتنا وتاريخنا ومستقبلنا كبحرينيين”، ولفت إلى وجود عدد من المفارقات منها عدم إمكانية إقامة مثل هذه النّدوة في البحرين أو في أي دولة خليجية أخرى، “فالأحداث الواردة في هذا الأرشيف ما زالت ماثلة أمامنا اليوم، ولا تريد الأنظمة مواجهتها”.

وأكد الديري أن تداول هذه الوثائق محظور في البحرين، لافتًا إلى أن أصحاب الأبحاث التي كُتِبَت في القرن العشرين اضطروا إلى الاجتزاء وتحوير الحقائق انحناء أمام رغبة السلطة السياسية التي لا ترغب بإبراز هذا التاريخ على حقيقته. 

وقال الديري إن بريطانيا ستشهد حفل إطلاق هذه الوثائق في شباط/ فبراير من العام المقبل، على الرّغم من كونها الدّولة التي استعمرت هذه الجزر.

وشدد الديري على “أننا لا نترجم فقط الأرشيف، بل اللّحظة الآنية بكل ما أصبحنا عليه”، مضيفًا أن أرشيف البحرين شكل مفتاحًا أساسيًا لفهم اللحظة التاريخية التي شهدتها البلاد في 14 شباط/ فبراير 2011، سواء للحاضر أو للأجيال في المستقبل، فكان مركز أوال للدّراسات والتوثيق، وكانت ترجمة هذه الوثائق التي تحوي إجابة عميقة على التساؤلات حول ما حدث في البحرين خلال 120 عامًا، وحول علاقة تلك الأحداث بانتفاضة العام 2011.

وفي نهاية الحفل، زار الحضور جناح مركز أوال للدّراسات والتوثيق في معرض الكتاب، وتعرفوا إلى أبرز إصداراته.