إله التوحش

مثقفون يناقشون كتب الباحث البحريني علي الديري في بيروت

الميادين: نظم مركز أوال للدّراسات والتوثيق حفل توقيع لكتب الباحث والمؤلف البحريني د. علي الديري :”من هو البحريني؟” و”إله التوحش” الصادرين عن المركز، و”بلا هوية” الصادر عن مرآة البحرين، في مكتبة أنطوان في أسواق بيروت بحضور عدد من المثقفين والإعلاميين والنشطاء.

 الحفل قدمته الزميلة وفاء العم التي أشارت إلى أنّه “انطلاقًا من الأسئلة التي طرحتها أماسيل، ابنته التي لم تتجاوز الاثني عشر ربيعًا (عند كتابة “بلا هوية”)، استطاع الديري أن يحول مسألة إسقاط الجنسية إلى معالجة لقضية الهوية، من يصنعها ومن يهدمها”. ولفتت إلى أن “أماسيل أخرجت الديري من حالة المفكر إلى الأب ونقلت أسئلتها من فلسفة الكلمات ودلالاتها إلى الأب الذي يبحث عن إجابات يقدمها لابنته ولأبناء المنفيين”.

DSC_4243

وأضافت العم أن “المعضلة الأساسية التي تشهدها البحرين” تكمن في “أن تجد نفسك فجأة بلا هوية، خارج الجماعة، وخارج الوطن”، مضيفة “أن تكون بلا هوية أو أن تُنتَزَع هويتك قسرًا هي بذاتها عملية توحش، سواء كانت تصب في التوحش العقائدي أو في التوحش السّياسي اللّذين نشهدهما، والهدف دائًما هو السّلطة”.

ولفتت العم إلى أن كتب الديري شاهد على مرحلة تحول في مسيرته، من الكتابة الفكرية الجامدة إلى الكتابة الحركية، حيث يمكننا أن نلحظ تغيرًا بين ما قبل انتفاضة العام 2011 وما بعدها، وما قبل المنفى في كندا، وما بعده.

بعدها، تتالت شهادات الحضور، مع الإعلامية نور بكري التي أشارت إلى حادثة لفتتها فقالت “استخدمت مصطلح “بحراني”، باعتبارها النسبة اللغوية إلى البحرين، ولكن الدكتور الديري اعترض، وطلب تعديلها إلى “بحريني”، نظراً إلى الحساسيات التي باتت الكلمة تفرضها”.

DSC_4259

وأضافت أنّه نجد في كتاب “من هو البحريني؟”، “توضيحًا للفرق بين المصطلحين، وكيفية تغيّر دلالات كلمة “بحراني”، لتحمل مضامين سياسية وطائفية وتثير الحساسيات، بعدما كانت تشير إلى السكان الأصليين للبحرين”،  وقالت إنّ “سؤال “من هو البحريني؟”، الذي يجيب عليه الكتاب الأخير للكاتب الذي يقدم إجابات على سؤال يطرح نفسه بقوة هذه الأيام: لماذا يبدو سهلاً إسقاط الجنسية في البحرين؟”

بعدها كانت شهادة رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر درويش، الذي رأى أن “كتاب “من هو البحريني؟” هو الوسيلة التي استطاع بها الكاتب أن يصفع قرار إسقاط جنسيته”.

DSC_4269

وخلال الجلسة، وجهت الزميلة راميا ابراهيم سؤالها للكاتب د. علي الديري عن الجمهور الذي يوجه إليه هذه الكتب، وعما إذا كان متورطًا في قضية صراع سلطة؟، شارحة أن هذا السؤال بديهي ويطرح نفسه في الأزمة البحرينية بين المعارضة والسّلطة حاليًا.

DSC_4272

وأجاب الدكتور الديري بأن “هدفه الأساسي في كتبه كمن في دراسة النّصوص التي أسّست لما يمثل هذا الكل أو الأنا، أي هذا القتل وهذا التّكفير وهذا الهدر لإنسانية الإنسان وحقه في الوجود”، مضيفًا أنها “قضايا تخص الوطن، ولست أستطيع تحديد ما إذا كنت متورطًا في ذلك، غير أني أتحصن بأدوات علوم الإنسان الحديثة من السّقوط في أي فخ طائفي أو معرفي أو عرقي”، موكلًا المهمة إلى التاريخ بالقول: “وكفى بالتاريخ شاهدًا”.

من جانبه رأى الدكتور حسين رحال أنّ “المثقف الملتزم هو الذي يدافع عن قضايا شعبه، وأن صراع المعارضة البحرينية والمثقفين البحرينيين حاليًا هو من أجل البقاء على قيد الحياة والمشاركة الرمزية ضد العنف الرّمزي الذي يُمارس ضدهم، والمتمثل في النفي وإسقاط الجنسية، بعد أن مورس ضدهم العنف المادي”، لافتًا إلى أن “تجربة الديري تبرز أنه على المثقف الملتزم أن يدفع ثمن أي من التزاماته”.

DSC_4238

وأشارت الإعلامية تغريد الزناتي إلى أن هذه الكتب، لا سيما كتاب “من هو البحريني؟” دفعتها إلى التّساءل بشأن مفهوم المواطنة الفكري، لافتة إلى أن “هوية المواطن تقع بين مفهومين: مفهوم المواطنة (أين وُلدنا؟ أين نعيش؟ أين أرضنا؟ أين أهلنا؟) وبين السجلات الرسمية النائمة في أدراج مكاتب الوزارات والحكومات”. وأضافت أنّ “مفهوم المواطنة تحول في البحرين إلى سَند يمتلكه الإنسان بحسب الأفضلية، وبحسب التقلبات السياسية أو المصالح الإقتصادية. هنا مواطنون فقدوا “ورقة الهُوية” لأسبابٍ سياسية، لاختلافات في الآراء والقناعات، وبسبب ممارساتِهم الفكرية. هنا أيضاً من نال “ورقة الهُوية” نفسها لنيل حقوقٍ لم يقُم أصحابُها بواجباتهم أصلاً لاستحقاقها. وكانت الهوية هدية لهم..”

DSC_4290

وقالت نحن “نحمل مسؤولية الإضاءة على أوضاع عامة الشعب، بعيداً عن مالك القوة صاحب الجلالة، بعيداً عن القصة التي يرويها الملك بما يخدم مصالحه وسياسة بطشه”، واستشهدت بقول للكاتب في مقابلة له على قناة الميادين “التعريف القانوني ليس مكتوباً على ورق، بل هو مكتوب بالدم” لتختم “هذا هو البحريني، شخصٌ ينشد الحرية، ويوسّع مجالَها العام بسلميتِه، ويغذي أرضَها بدماء شهدائِه، ويظلُ يحلمُ بوطنٍ حرٍ ومواطنة تحفظُ كرامته”.

وأعربت الدكتورة خولة مطر عن سعادتها “للقدرة البحثية العميقة التي نجدها في كتب الدكتور علي الديري والجهد الذي يسد الفراغات الناقصة في المكتبة البحرينية”،  مضيفة أنّه “حوّل الظّروف الصعبة إلى فرصة، وهو ما نحتاجه سواء في البحرين أو في المنطقة العربية ككل”. وشدّدت على “ضرورة أن يقرأ الجميع هذا الكتاب لأنه يشكل مرحلة مهمة من تاريخ البحرين غير معروفة حتى للبحرينيين أنفسهم”، وختمت بالقول إن “مثل هذه المشاركات ستصنع رجال ونساء المستقبل الذين سيصنعون التراث الحقيقي للبحرين”.

DSC_4317

من ناحيته، لفت محمد العصفور إلى أنّ انشداده إلى الكتاب انبعث من “معالجته لهذا التزاحم على حق الوجود الذي همّش البحراني حتى أنتج سؤالاً من هو البحريني، البحريني الذي كان مكان السخرة ومكان العسف من قبل الحاكم ومن قبل محازبيه، وجعل السخرة مظهرا مِن مظاهر طبقنة المجتمع وجعل السكان الأصليين في الدرجة الأخيرة في الوطن”.

DSC_4307

واستحضر العصفور في مداخلته كتاب القبيلة والدولة في البحرين، فقال إنّ “كتاب من هو البحريني يشبه ولا يماثل كتاب القبيلة والدولة، لفؤاد إسحاق الخوري، لكن كتاب خوري كتاب اجتماعي محض، كانت أدوات صاحبه أكاديمية اجتماعية صرفة وليست أدوات متطورة كالتي نملكها اليوم. أما كتاب الدكتور الديري فينطوي على سعة في المعرفة وتنوع في الأدوات، ويقوم على قراءة علمية وثيقة لوثائق الأرشيف البريطاني”.

رابط الموضوع

في حفل أقيم بمكتبة أنطوان… الناقد البحريني علي الديري يوقع كتبه في بيروت

مرآة البحرين: أقام مركز أوال للدّراسات والتوثيق حفل توقيع لكتب الناقد والمؤلف البحريني الدكتور علي الديري، مساء يوم أمس الجمعة 9 فبراير/شباط 2018، في مكتبة أنطوان بأسواق بيروت، وذلك بحضور عدد من الإعلاميين والمثقفين والنشطاء.

ووقّع الديري خلال الحفل كتابي “من هو البحريني؟” و”إله التوحش” الصادرين عن مركز أوال، كما وقّع أيضا كتاب “بلا هوية” الصادر عن مرآة البحرين، وجميع هذه الكتب صدرت من بيروت خلال العامين الماضيين، بعد انتقال المؤلّف إلى منفاه في كندا.

حول كتاب «بلا هويّة» قالت مقدّمة الحفل الإعلامية البحرينية وفاء العم، إن الديري “استطاع أن يحوّل مسألة إسقاط الجنسية إلى معالجة لقضية الهوية، من يصنعها ومن يهدمها، انطلاقًا من الأسئلة التي طرحتها أماسيل، ابنته التي لم تتجاوز الاثني عشر ربيعًا” حينئذ. ولفتت إلى أن “أماسيل أخرجت الديري من حالة المفكر إلى الأب ونقلت أسئلتها من فلسفة الكلمات ودلالاتها إلى الأب الذي يبحث عن إجابات يقدمها لابنته ولأبناء المنفيين”.

وأضافت العم أن “المعضلة الأساسية التي تشهدها البحرين” تكمن في “أن تجد نفسك فجأة بلا هوية، خارج الجماعة، وخارج الوطن” مضيفة “أن تكون بلا هوية أو أن تُنتَزَع هويتك قسرًا هي بذاتها عملية توحش، سواء كانت تصب في التوحش العقائدي أو في التوحش السّياسي اللّذين نشهدهما، والهدف دائًما هو السّلطة”.

ولفتت العم إلى أن كتب الديري شاهد على مرحلة تحول في مسيرته، من الكتابة الفكرية الجامدة إلى الكتابة الحركية، حيث يمكننا أن نلحظ تغيرًا بين ما قبل انتفاضة العام 2011 وما بعدها، وما قبل المنفى في كندا، وما بعده.

وفي مداخلة لها عن كتاب “من هو البحريني؟”، قالت الإعلامية نور البكري إننا نجد في الكتاب “توضيحًا لافتا للفرق بين مصطلح بحريني وبحراني “وكيفية تغير دلالات كلمة “بحراني”، لتحمل مضامين سياسية وطائفية وتثير الحساسيات، بعدما كانت تشير إلى السكان الأصليين للبحرين”،  وأنّ “سؤال “من هو البحريني؟”، الذي يجيب عليه الكتاب الأخير للكاتب يقدم إجابات على سؤال يطرح نفسه بقوة هذه الأيام: لماذا يبدو سهلاً إسقاط الجنسية في البحرين؟”

وخلال الجلسة، وجهت الإعلامية راميا ابراهيم سؤالها للكاتب عن الجمهور الذي يوجه إليه هذه الكتب، وعما إذا كان متورطًا في قضية صراع سلطة؟ شارحة أن هذا السؤال بديهي ويطرح نفسه في الأزمة البحرينية بين المعارضة والسّلطة حاليًا.

وأجاب الدكتور الديري بأن “هدفه الأساسي في كتبه كمن في دراسة النّصوص التي أسّست لما يمثل هذا الكل أو الأنا.. أي هذا القتل وهذا التّكفير وهذا الهدر لإنسانية الإنسان وحقّه في الوجود” مضيفًا أنها “قضايا تخص الوطن، ولست أستطيع تحديد ما إذا كنت متورطًا في ذلك، غير أني أتحصن بأدوات علوم الإنسان الحديثة من السّقوط في أي فخ طائفي أو معرفي أو عرقي”، خاتمًا “وكفى بالتاريخ شاهدًا”.

من جانبه رأى الدكتور حسين رحال أنّ “المثقف الملتزم هو الذي يدافع عن قضايا شعبه، وأن صراع المعارضة البحرينية والمثقفين البحرينيين حاليًا هو من أجل البقاء على قيد الحياة والمشاركة ضد العنف الرّمزي الذي يُمارس ضدهم، والمتمثل في النفي وإسقاط الجنسية، بعد أن مورس ضدهم العنف المادي”، لافتًا إلى أن “تجربة الديري تبرز أنه على المثقف الملتزم أن يدفع ثمن أي من التزاماته”.

وأشارت الإعلامية تغريد الزناتي إلى أن هذه الكتب، لا سيما كتاب “من هو البحريني؟” دفعتها إلى التّساءل بشأن مفهوم المواطنة الفكري، لافتة إلى أن “هوية المواطن تقع بين مفهومين: مفهوم المواطنة (أين وُلدنا؟ أين نعيش؟ أين أرضنا؟ أين أهلنا؟) وبين السجلات الرسمية النائمة في أدراج مكاتب الوزارات والحكومات”، وأضافت أنّ “مفهوم المواطنة تحول في البحرين إلى سَند يمتلكه الإنسان بحسب الأفضلية، وبحسب التقلبات السياسية أو المصالح الاقتصادية. هنا مواطنون فقدوا “ورقة الهُوية” لأسبابٍ سياسية، لاختلافات في الآراء والقناعات، وبسبب ممارساتِهم الفكرية. هنا أيضاً من نال “ورقة الهُوية” نفسها لنيل حقوقٍ لم يقُم أصحابُها بواجباتهم أصلاً لاستحقاقها. وكانت الهوية هدية لهم..”

الزناتي استشهدت بتصريح للكاتب في مقابلة له على قناة الميادين بأن “التعريف القانوني ليس مكتوباً على ورق، بل هو مكتوب بالدم” لتختم “هذا هو البحريني، شخصٌ ينشد الحرية، ويوسّع مجالَها العام بسلميتِه، ويغذي أرضَها بدماء شهدائِه، ويظلُ يحلمُ بوطنٍ حرٍ ومواطنة تحفظُ كرامتِه”.

من جانبها أعربت الدكتورة خولة مطر عن سعادتها “للقدرة البحثية العميقة التي نجدها في كتب الدكتور علي الديري والجهد الذي يسد الفراغات الناقصة في المكتبة البحرينية”،  مضيفة أنّه “حوّل الظّروف الصعبة إلى فرصة، وهو ما نحتاجه سواء في البحرين أو في المنطقة العربية ككل”. وشدّدت على “ضرورة أن يقرأ الجميع هذا الكتاب (من هو البحريني) لأنه يشكل مرحلة مهمة من تاريخ البحرين غير معروفة حتى للبحرينيين أنفسهم”، وختمت بالقول إن “مثل هذه المشاركات ستصنع رجال ونساء المستقبل الذين سيصنعون التراث الحقيقي للبحرين”.

وتقدّم رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان، باقر درويش، بمداخلة عن كتاب “من هو البحريني” قال فيها “إنَّ إعادة كتابة الحقائق التاريخية التي تشتغل السلطة على تزويرها هي من وسائل الاحتجاج الثقافي السلمي، خصوصا وأنَّ الحكومة عمدت إلى تقويض سلطة المثقف الملتزم في البحرين”.

وأضاف “كتاب من هو البحريني هو منجز معرفي هام وأحد أفعال الاحتجاج الثقافي السلمي، وسينافس في القادم من الأيام كتاب القبيلة والدولة لفؤاد الخوري، وهو الوثيقة التي صفع بها الديري قرار إسقاط جنسيته” حسب تعبيره.

درويش تحدّث عن تجربته مع قراءة الكتاب بقوله “كنت وأنا أقرأ صفحات الكتاب أتمنى ألا تنتهي” وأردف “هذا الكتاب هو تتمة لمشروع أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية، نحن بحاجة إلى مزيد من هذه الدراسات التي تسلط الضوء المعرفي على الزوايا المسكوت عنها أو الحوادث التاريخية التي عمدت الحكومة إلى تشويهها وتزويرها”.

ولفت محمد العصفور إلى أنّ انشداده إلى الكتاب انبعث من “معالجته لهذا التزاحم على حق الوجود الذي همش البحراني حتى أنتج سؤال من هو البحريني، البحريني الذي كان مكان السخرة ومكان العسف من قبل الحاكم ومن قبل محازبيه، وجعل السخرة مظهرا مِن مظاهر طبقنة المجتمع وجعل السكان الأصليين في الدرجة الأخيرة في الوطن”.

واستحضر العصفور في مداخلته كتاب القبيلة والدولة في البحرين، فقال إنّ ” كتاب من هو البحريني يشبه ولا يماثل كتاب القبيلة والدولة، لفؤاد إسحاق الخوري، لكن كتاب خوري كتاب اجتماعي محض، كانت أدوات صاحبه أكاديمية اجتماعية صرفة وليست أدوات متطورة كالتي نملكها اليوم، أما كتاب الدكتور الديري فينطوي على سعة في المعرفة وتنوع في الأدوات، ويقوم على قراءة علمية وثيقة لوثائق الأرشيف البريطاني”.

وتلت المداخلات مجموعة من الأسئلة وجّهها المشاركون للدكتور الديري الذي وقّع كتبه  في ختام الحفل للحضور.

الدكتور علي الديري1

الدكتور علي الديري2

الدكتور علي الديري4

رابط الموضوع

التوحش المقدس

التوحش المقدس: حين يصبح تكفير الناس أمرًا طبيعيًا كالعبادة

بقلم علي عبد الأمير:

يرى مؤرخون وباحثون أن ربع القرن الماضي هو “عصر الصحوة الإسلامية”، مثلما يرى غيرهم أنّه عصر الصراع الإسلامي الطائفي السنّي-الشيعي، بل يذهب بعضهم إلى أكثر من هذا، فيقول إنه عصر الوحشية التي وجدت في بعض النصوص الإسلامية شكلا ومضمونا لها.

ومن بين أصحاب الرأي الثالث، يأتي الباحث والكاتب البحريني علي الديري، الذي يوفر لنا عبر كتابيه “نصوص متوحشة” و”إله التوحش”، فرصة لمعاينة التفسيرات الدينية لمشاريع سياسية أو مرتبطة بالسياسة، وتصل حد إفناء الآخر المختلف. أي أننا نحصل على معادل ديني للعمل السياسي في عصر “الصحوة الإسلامية”. فإذا كان هناك وصف “الخائن” جاهزا لتصفية الخصوم في الأنظمة الدكتاتورية التي سادت في منطقتنا ضمن “عصر التحرر الوطني”، فإن وصف “الكافر” جاء ليصبح المعادل الموضوعي وبما يتوافق مع سيادة الخطاب الإسلامي وتحوله إلى الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

تكفير من؟

وعلى غير ما يذهب إليه القول الشائع إنّ التنظيمات الإسلامية المسلحة لا تمثل جوهر الدين بل تشوه قيمه، يرى الديري أن تلك التنظيمات تأتي اتصالا جوهريا بتراثنا الإسلامي، وليست نتاجا لـ”الجهل والتطرف التكفيري”.

ومن هذا التراث الإسلامي ما يمثله فكر أبي حامد الغزالي الحافل بـ”نصوص التوحش،” والمشغول بقضية تكفير الباطنية وباقي الفرق الشيعية، ووجوب سفك دمائهم، بمقابل “التسنّن المستقيم الصحيح الذي على الجميع أن يلتزم به”، وهذا مبدأ جوهري التزم به “داعش” ومشتقاته، وصار نص التكفير – التوحش عند الغزالي، منهلا ما لبث الفقيه المغربي ابن تومرت (1077-1130) أن نهل منه عبر المدارس حيث شرعنة القتل وسفك دماء كل من يختلف عن الدولة الموحدية التي صار فقيهها الأول.

وثالث من يتعرض إليهم الديري من فقهاء التوحش الإسلامي ومنتجي التكفير، هو ابن تيمية.

ومن نصوص التوحش التي كتبها ابن تيمية، فتوى أرسلها إلى سلطان الممالك الناصر بن قلاوون، وفرت الإطار الديني لتنفيذ مذبحة كسروان التي قام بها 50 ألف جندي من المماليك ضد الشيعة، وهو ما صار لاحقا سياقا لإصدار لوائح اتهام سياسي ضد الخصوم السياسيين والعقائديين في البلدان الإسلامية، منذ القرن الرابع عشر الميلادي حتى اليوم.

من هو إله التوحش؟

كتاب الديري الثاني حمل عنوان “إله التوحّش” الذي التهم قلب الإسلام والمسلمين اليوم، كونه حوّل الإسلام إلى “أيديولوجيا أحادية صلبة ومبدأ شمولياً يُقتل كل مَن يخالفه”.

الإله بهذا المفهوم المتوحش لـ(التوحيد) كما يلفت الديري “صار عدواً للبشر أو مثيرا للعداوة بين البشر، وهذا ما يشير إليه عنوان كتابي”.

ويسعى الديري إلى إثبات أن الوهابية وضعت عشرة نقائض للإسلام، و “في كل ناقض تفاصيل يكمن فيها شيطان التكفير والقتل، من يختلفون معك هم ليسوا من صنف الأخ لك في الدين أو النظير لك في الخلق، بل هم من صنف النقيض، كل الشياطين في تفاصيل هذه النواقض العشرة هم نقيض لك، عليك أن تتبرأ منهم وتكفرهم وتقتلهم”.

وفي باب الرد على سؤال “لماذا الوهابية؟” كمنتج للتوحش الاسلامي، يقول الديري “لأنها نجحت في أن تغزو العالم باسم التوحيد الخالص والسنة الصحيحة والسلف الصالح، لقد اخترقت العقل الإسلامي، وتمكنت من سرقة وجهه”.

وكان موقعنا وجّه للديري سؤالا “لماذا لم توسّع دائرة التطرّق لمذاهب وديانات مختلفة كي لا تنهال عليك الاتهامات بمهاجمة الإسلام فحسب؟”. فجاء جوابه على النحو التالي “هذا النوع من التوسعة يضيّع الجواب، ويريح أصحاب ظاهرة التوحش. أردت أن أضع إصبعي في عين الوحش الذي يهددني الآن. أردت أن أعري مرجعيته النصية التي يتحدث باسمها وينطق بمسلماتها. صغت فرضية ضد مسلماته التي تنص على أنّ نص التوحش نص سياسي”.

رابط الموضوع

 

الميادين: إله التوحش

“إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية” للباحث علي الديري

 

 

صدر أخيراً عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق» للباحث البحريني علي الديري كتاب “إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية”،مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه» الذي صدر في العام 2015.

أصدر الباحث البحريني علي الديري كتاب “إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية”، وهو بحث مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.الديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟».
وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.
وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنياً سياسياً بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.أما الكتاب الجديد “إله التوحش” فقد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.”أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية”، يقول الكتاب.
واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر هي “ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية”.ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.”
إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)”.

التكفير والسياسة الوهابية

إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية

مرآة البحرين (خاص): من منفاه بمدينة «ويندسور» الكندية، أصدر الناقد البحريني علي الديري كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»، وهو مؤلّف بحثي مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.

وصدر الكتاب عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، ودشّن في جناح المركز بمعرض بيروت الدولي للكتاب، يوم الخميس الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، وهو يأتي مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه»، الذي صدر العام الماضي لذات المؤلف.

والديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟». وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.

ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.

يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.

وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنيا سياسيا بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.

الكتاب الجديد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.

«أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية» يقول الكتاب.

واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر «هي ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية».

ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.

«إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)».

رابط الموضوع

السفير: الديري في «إله التوحّش»

الديري في «إله التوحّش»: الإسلام كاستسلام لجبروت الوهابية

رحيل دندش

«إله التوحّش» كتاب جديد للدكتور علي الديري، صدر عن مركز «أوال للدراسات والتوثيق»، فيه يستكمل الديري ما بدأه في كتابه الأول «نصوص متوحشة» في ما شكّل امتداداً لهذه النصوص مع نشوء العقيدة الوهابية. يستعرض الكاتب السياق السياسي والعقائدي والفقهي للوهابية وغدوها سلطة تتحكّم في اللغة والسؤال والجواب والمعنى والتأويل، مع انعقاد الزواج المقدس بين الدعوة والدولة في اتفاق الدرعية العام 1744. يسهب الكاتب في شرح عمل محمد بن عبد الوهاب على إفراغ مفهوم التوحيد من روحانيته الدينية، وصوغه في أفق نصي وحرفي حتى أصبح أيديولوجيا أحادية صلبة ومبدأ شمولياً يُقتل كل مَن يخالفه، ويكيّف فقط وفق ما تمليه مصالح ولي الأمر السياسية، فتحوّل إسلام المرء بموجبه إلى استثناء.
شكلت العقيدة الوهابية الأساس لما نشاهده اليوم من انتشار وولادات لحركات التوحش على حد تعبير الديري، نحتاج أن نفهم بداياتها وتمأسساتها ومن هنا أهمية الكتاب. بعض الإشكاليات استرعت الاهتمام، فكان هذا الحوار:

1. من «نصوص متوحشة» إلى «إله التوحش». يبدو وكأنك تذهب إلى منطقة خطيرة، هي منطقة الألوهية، أتحدّث وفي ذهني ما حدث لناهض حتر.
ـ هذه منطقة خطيرة فعلاً، ودماء سالت فيها كثيرة، دماء علماء وفلاسفة ودماء جماعات ومذاهب دينية، وعبدالوهاب أحد الشخصيات التي أضرمت النار فيها. هذه المنطقة يلعب فيها السياسي قبل منتج النص المتوحش، ولا يستطيع النص وحده أن يكتسب صفة التوحش من دون قوة السياسي. ابن تيمية لم يجد القوة السياسية فبقي نصه معطلاً خمسة قرون. حين حمله محمد بن عبدالوهاب، كان يبحث عن قوة سياسية تفعّل هذا النص وتكسبه صفة التوحش، ووجدها في قوة محمد بن سعود.
إله التوحّش هو هذا الذي ينتج من تحالف نص التكفير وقوة السياسي. يشبه مخلوق فرانكشتاين ونموذجه الأكثر قوة مثله التقاء نص محمد بن عبد الوهاب وسيف محمد بن سعود.

2. علماً أن محمد بن عبد الوهاب يُعدّ مصلحاً دينياً يدعو للتوحيد الصحيح؟
ـ صفة المصلح تذكّرني هنا بفكرة الثورة التصحيحية في العالم العربي والأنظمة الشمولية التي تؤول إلى خراب شامل وعنف مستحكم. إن فكرة محمد بن عبدالوهاب عن التوحيد «الإله» هي مصدر عنفه الذي ينزله على المخالفين له، لقد تملكت هذه الفكرة عقله حتى صار لا يرى في الحياة غيرها، كما قال علي الوردي. لقد أصبح مشغولاً بها، كما ينشغل مريض التوحد بلعبة واحدة، ويتمركز حولها فيفقد التواصل مع الآخرين.
صار «التوحيد» في خطابه وممارساته الدينية والسياسية الجهادية «توحّداً». بمعنى فقد «التوحيد» كونه عقيدة تحرر الإنسان وتفتحه على البشر، وأصبح مرضاً يقيده ويكبله بالكراهية والعنف والتوحش. وهذا ما اختصره محمد بن عبدالوهاب في عبارته التي يكررها «إن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه». صار «التوحيد» في ممارسته الدعوية والسياسية يحدّد مَن هم الخصوم، ومَن هم مستباحو الأعراض والأموال، ومَن هم مهدورو الدم. صار الإله بهذا المفهوم المتوحش لـ «التوحيد» عدواً للبشر أو مثيراً للعداوة بين البشر، وهذا ما يشير إليه عنوان كتابي.

3. لماذا اليوم تركز اهتمامك على الوهابية، كما لو أن المشكلة مشكلة ثقافية؟ لا يمكن أن ننكر أن السعودية اليوم تخاف على كيانها من الوهابية، هي التي حرصت على ضبطها بجعلها سلطة مُبررة لها ليس إلا؟
ـ الوهابية من غير مبدأ طاعة ولي الأمر تغدو مخلوقاً يشبه مخلوق فرانشكتاين، يقتل ويدمّر ولا يمكن السيطرة عليه، ويهدّد خالقه. «السرورية» التي زاوجت بين بانطلون سيد قطب وعباءة ابن تيمية، هي أول تنظيم بهذا الانتشار يكسر مبدأ الطاعة، فأصبح بالفعل مهدّداً سلطة ولي الأمر، لذلك وصفهم الألباني بأنهم خوارج العصر، لكن خرجوا على تراث ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، الجواب لا. السعودية لا تخشى الذين يحملون هذا التراث المليء بالكراهية والعنف، لكنها تخشى من الذين يكسرون الطاعة، وجهاز «هيئة كبار العلماء» بالمملكة، هو أقرب إلى أن يكون هيئة صيانة الطاعة، فالطاعة دستور الدعوة الوهابية بالنسبة للسعودية.

4. كيف تمّت صياغة خطاب الدعوة الوهابية بما جعلها تراثاً مليئاً بالكراهية والعنف؟
ـ وضعت هذه الدعوة 10 نواقض للإسلام، وفي كل ناقض تفاصيل يكمن فيها شيطان التكفير والقتل؛ مَن يختلفون معك هم ليسوا من صنف الأخ لك في الدين أو النظير لك في الخلق، بل هم من صنف النقيض. كل الشياطين في تفاصيل هذه النواقض العشرة هم نقيض لك، عليك أن تتبرّأ منهم وتكفّرهم وتقتلهم.
ناقشت هذه النواقض في الفصل الرابع من كتابي، ووجدت أنها تمثل تشكيلة خطابية، صاغت خطاب الدولة الذي تبنّاها وصاغت شكلها وتاريخها، وصاغت المجموعات الدعوية والجهادية ومشاريعها التربوية والتبشيرية التي تفرّخت منها على مستوى العالم. الكراهية والعنف تكمن في هذه النواقض.
صارت هذه النواقض سيفاً يبرّر ما قامت به الوهابية في تاريخها، وقد نقل لنا المؤرخ الرسمي ابن غنام مجازر مروّعة يصرم (يقطع) فيها سيف التكفير النخيل ويخرب الزروع، كما فعل في منطقة «منفوحة»، ويحرق الكتب ويزيل ما يسمّيه أوثانًا ومتعبّدات وكنائس، كما فعل في القطيف.
كل هذه الممارسات مسجّلة بفخر في التاريخ الرسمي، باسم «نواقض الإسلام» ويتناسى هذا الخطاب أنه يناقض تعاليم النبي (ص) وخلفائه في الحفاظ على الزرع والنخل والرفق بالناس والمحافظة على معابدهم.
الخطاب الذي شرّع هذه الممارسات هو نفسه الذي شرّع لـ «داعش» خطف أكثر من 5000 رجل وامرأة وطفل من الطائفة الإيزيدية بعدما اجتاح مناطقهم في العراق، وقتل رجالهم واتخذ نساءهم سباياً.

5. أعطيت للفصل الرابع من كتابك عنواناً مزدوجاً (نواقض الإسلام: الاستثناء المستحيل) ماذا تعني هنا بالاستثناء المستحيل؟
ـ الرائج بين أهل السنة والجماعة «لا استثناء في الإسلام»، وهي تعادل «لا تكفير في الإسلام»، أي إننا لا نستطيع أن نستثني أحدًا نطق بالشهادتين من دائرة الإسلام. قد نستثني أحدًا في موضوع الإيمان، ولكن لا نستثني أحدًا في موضوع الإسلام. على هذه القاعدة يصبح تكفير المسلم الذي يقرّ بالشهادتين مستحيلاً، فالإسلام هو كلمة الشهادتين.
هذا الأمر لا نجده في خطاب «الوهابية»، بل نجد أن الاستثناء هو الأصل، فمَن يوصف بالمسلم (ممن ينطق بالشهادتين) هو الاستثناء، ومنطوق الخطاب الوهابي يقول إن الأصل هو أن الجميع كفار، مع أنه يدّعي أنه لا يُكفّر إلا مَن كفّره الله وكفّرته نصوص السنة والقرآن، لكن الممارسة الخطابية تؤول إلى أن الجميع يكفّرهم الله ويكفّرهم القرآن وتكفّرهم السنة إلا من شهد «أن هذا الدين الذي قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب». وهذه الشهادة حلّت محلّ «لا إله إلا الله» وحين تمكن جيش ابن سعود من المدينة ومكة أجبر علماءها على توقيع هذه الشهادة بالاسم. صار الاستثناء قاعدة في خطاب الوهابية، عبر خطاب نواقض الإسلام العشرة.
صار الإسلام ليس السلام وليس الإقرار بالشهادتين، بل هو الاستسلام والطاعة والانقياد، لجبروت القوة الوهابية ومؤسساتها. وهذا ما تعنيه وثيقة الإقرار التي أُجبر على توقيعها علماء مكة والمدينة، مذعنين منقادين مطيعين، وقُبل إسلامهم بها، والغريب أن كتب التاريخ السعودي الرسمي يحتفظ بها كإنجاز تاريخي سياسي وديني.

6. أعود لنقطة كنتَ قد ذكرتها في الكتاب وهي أن توحيد بن عبد الوهاب لم يكن تكتيكاً سياسياً، بل كان وما زال عقيدة راسخة مبدئية وهذا ما يجعل منها ثقلاً على الدولة، وذلك بعكس التوحيد التومري الذي كان تكتيكاً سياسياً أكثر منه عقيدة. هل برأيك أن الواقع الراهن قد يشكل تهديداً للثنائية الدولة والدعوة في السعودية؟
ـ قامت دولة الموحّدين قبل ستة قرون من الدعوة الوهابية، على كتاب ابن تومرت «أعز ما يطلب»، وقد كفّرت دولة المرابطين التي سبقتها، بقي الكتاب يُدرّس في مدارس الموحدين، كما هو شأن كتاب محمد بن عبدالوهاب «التوحيد»، لكن حكمة الموحدين طوت صفحة التكفير، واعتبرت الجميع مسلماً موحداً، بعدما تغلّبت سياسياً على المرابطين الذين اعتبرتهم كفاراً ومشركين.
هذه الحكمة افتقدتها الدولة السعودية، فلم توحّد مكوناتها، وبقيت تنظر إليهم بعين التكفير والشرك والشك، بل إنها وسعت صفحة التكفير بدلاً من أن تطويها، وصارت على قدر مساحة العالم، كما نشاهدها اليوم، فحيث تتمكّن الوهابية، يتمكّن التوحش.
تفكيك العلاقة بين الدعوة والدولة، يعني ضياع الدولة، وهذا ما يجعل الدولة السعودية تعتبر الدعوة الوهابية ركناً من أركانها، فهي التي تعطيها الشرعية، وتفرض لها الطاعة، وتكيّف لها أحكام الواقع والسياسية. وقد اختبرت ذلك جيداً، ويمكننا أن نتذكر هنا حرب الخليج الثانية، حين أراد تيار الصحوة تجييش الشارع وانتقاد استعانة الدولة بجيوش الغرب الكافرة، تصدّى لهم كبار علماء الوهابية، مانحين الشرعية لوجود هذه الجيوش، ومحرمين انتقاد استعانة ولي الأمر بهم، لقد حموا حرم الطاعة وأنقذوا الدولة من خطر كبير.
ما زالــت عائلة الشيخ محمد بن عبـــدالوهاب تمـسك الجهاز التشريعي للدولة، منذ زمن الدولة السعودية الأولى التي خصصت لبيت الشيخ من الغنائم ثمانين ألف ذهب، ولعائلة آل سعود ثلاثمئة ألف ذهب سنويًّا.

رابط الموضوع

الهروب من الوحش

باسمة القصاب*

أعترف أني شعرت بنوع من التثاقل، قبل البدء بقراءة كتاب الصديق علي الديري، الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق «إله التوحش.. التكفير والسياسة الوهابية» رغم إدراكي أهمية هذا الكتاب والعمق الذي يحويه. أقول تثاقلت، لأن التوحش الذي نغرق فيه، يجعلني -مثل غيري- نبحث عن كتاب نهرب به عن هذا الواقع الكريه، إلى نصّ أنيس، لعلّه يعيد لنا شيئاً من إنسانيتنا المفقودة، أو ينعش فينا حرارة الحب التي غابت عن قلوبنا وجوارحنا. وربما لأني أعتقد أن الخروج على الوجه القبيح للعالم يبدأ من إشاعة الحب، لا من إعادة نبش هذه النصوص القبيحة، كان داخلي يقول: قراءة نصوص هؤلاء المتوحشين، توحش آخر.

لكن ما إن دخلت، حتى وجدتني انزلق في قراءة سلسلة، ما يشبه رواية تاريخية مشوّقة ومتعمّقة، وإن كانت موجعة، رواية تعرض سيرة رجل وسيرة دولة، تمر عبر اتفاق تاريخي مفصلي، وقع شفاهة بين رجلين: رجل ملّة ورجل دولة. كان الأول بحاجة إلى قوة السلاح لينشر دعوته، والثاني بحاجة إلى العزّ والتمكين. هكذا أطلق رجل الدولة القوّة في يد رجل الملّة، مقابل ما وعده به الأخير “وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين”. كان ذلك اتفاق الدرعية في العام 1744م، بين الشيخ محمد عبد الوهاب، والأمير عبد العزيز بن سعود.

هذا التناول، صيغ بحسّ نقدي عميق، حسّ لا كراهية فيه، تناولٌ يتمنى تقديم مراجعة نقدية تؤسس لاستئصال هذه النصوص، التي لا ترينا غير صورة إله متوحش غريب، ودين روحه الكراهية والتقتيل.
لا يحمل هذا النقد مناكفة من ابن طائفة لطائفة أخرى، فعلي الديري الذي عُرف بمناكفته الثقافية اللاذعة لطائفته الاجتماعية ونقدها، لا يتناول في كتابه هذا طائفة تكفّر طائفة أخرى، بل (عقيدة) تكفّر المختلف وتستبيح دمه وماله وحلاله، مهما كان هذا الآخر مشتركاً معها في الطائفة نفسها، أو مختلفاً عنها في المذهب أو الدين. إنها عقيدة متطرفة عنيفة مبنية على البراءة والكفر، فمن لا يؤمن بـ(لا إله إلا الله) على طريقتها في التوحيد يُكفّر.

يأتي هذا الكتاب متقاطعاً ومتكاملاً مع كتابه «نصوص متوحشة» الذي صدر في 2015، فالديري مشغول بمحاولة فهم جذور التوحش الذي نعيشه اليوم، أو الوحش الذي سرق وجوهنا. وهو ينطلق من فرضية تقول أن خلف كل صراع عقائدي تقتيلي وتكفيري، أصل سياسي: “فتش في كل خلاف حول التوحيد وما يتصل به من صفات الألوهية عن السياق السياسي، لتفهم هذا الخلاف، وكذلك إذا أردت أن تفهم صراعات الفرق العقائدية والكلامية، فتش عن السياق السياسي”. ليس هناك أقوى من أن تضرب خصمك السياسي في عقيدته لتخرجه من الإسلام، فتشرعن قتله وتبيح التخلص منه.

يتتبع الديري في كتابه الأخير، كيف تحول كتاب دعوة هو «كتاب التوحيد»، إلى وثيقة حركة سياسية ودينية، ودستور دولة لاحقاً. وكيف صارت تلك (الدعوة) عقيدة حرب واختصام توسّع باب الشرك، وتفتح باب الكفر. كيف جُرّد مفهوم التوحيد من كل معاني الوحدة والإيمان ولم يعد يمثّل غير الخصومة والتبرؤ والتكفير والمحاربة فقط. وكيف جُرّد مفهوم الإسلام من كل معاني السلام، حتى أصبحت رسالته محصورة في الجهاد فقط. وكيف جرّد جميع المسلمين ممن هم خارج هذه (العقيدة) من الإسلام، حتى صار الاستثناء من الإسلام هو الأصل.

إنه ليس نبشاً للتاريخ، فالنبش يقتضي أن يكون المنبوش ميتاً أو منتهياً، لكننا هنا أمام حاضر له امتداد تاريخي. أمام نصوص معاشة وحيّة تعمل على تشكيل أتباعها وصياغة عقيدتهم وتوجيه تكوينهم وعلاقتهم بالآخر. نصوص لم يتم تجاوزها كتاريخ، بل ما زالت تدرس في المدارس وتنشر وتترجم وتعاد طباعتها وتوزيعها والتبشير بها والدعوة إليها في الداخل والخارج.

إنه الوجه الحقيقي الذي يلاحقني في حياتي ولا أستطيع الهروب منه مهما ذهبت إلى نصوص السلام والحب ونمت محتضنة إياها لعلها تراودني في أحلامي على هيئة حمامات سلام بيضاء.  ومهما هربت، عندما أستيقظ صباحاً، لن أرى غير جرائم الوحش وهي تزلزل أسى العالم!

*كاتبة من البحرين

رابط الموضوع

حوار حول كتاب “إله التوحش”

حوار حول كتاب “إله التوحش”: النصوص المؤسسة للوهابية والدولة السعودية هي ورشة عمل دراستي الجديدة

أجرت الحوار/ د.انتصار رضي

سبق أن تناول الباحث البحريني ” د. علي الديري ” البيئات السياسية كمدخل لتفكيك النصوص المتوحشة من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية في كتابه الذي أثار جدلا (نصوص متوحشة) الذي ستصدر طبعته الثالثة قريبا.

يعود اليوم في إصداره الجديد ( إله التوحش) ليناقش التكفير كمشروع قتل يميله صراع سياسي عبر دراسة دولة الدرعية والوهابية متناولا في ذلك سيرة مؤسسها محمد بن عبدالوهاب ودعوته وتوسعها في نجد حتى صارت دولة وسياسة وجيش وقوة! سيتعرف القارئ على سيرة محمد بن عبدالوهاب في سياقها السياسي  ونصوصه التكفيرية التي جرّدت الإنسان من إنسانيته وشرعنت الموت المستحق لمسلم مقرّ بالشهادتين لا يتوافق مع التأويل الوهابي للنصوص، التأويل الذي شرعن العنف والكراهية عبر الخطاب الوهابي  لنواقض الاسلام ونواقض الايمان!!

يقودك هذا الكتاب لمعرفة كيف ولدت من هذه الحركة حركات العنف والتوحش التي باتت  ترهب العالم ..! مع د.علي الديري وجديده  (إله التوحش):

لنبدأ من مفردة التوحش، ألا تعتقد معي أن مفردة التوحش الآن انزاح معناها من الوحشية إلى معنى آخر اشتهر بعد كتاب أبو بكر ناجي (إدارة التوحش). أليس التوحش الآن أصبح مصطلحًا يطلق على حالة الفوضى التي تعم البلدان بعد وجود فراغ في السلطة مثل ليبيا بعد القذافي والعراق بعد صدام .. حالة الفراغ السياسي تلك، التي لا يناقشها كتابك طبعا؟

الديري: التوحش ليس اسمًا أو مصطلحًا هو مفهوم، ولا أحد يملك المفاهيم، بمعنى أنه يعبر عن فكرة ولا يشير إلى جماعة أو مذهب أو شخص. ربما يكون الانثروبولوجيون أكثر من استخدم هذا المفهوم للدلالة على الجماعات غير المتحضرة، ثم تراجعوا واعتذروا لهذه الجماعات، فصاروا يسمونهم الجماعات البدائية.

التوحش مفهوم يصف الموقف العملي الذي وقع بالتاريخ والنص النظري الذي شرّع له، وأقصد هنا الموقف من الآخر المختلف معنا في المذهب أو الدين أو السياسية. لدينا في تراثنا الإسلامي نصوصٌ عقائدية وفقهية مشحونة بالتحريض والعداء والكراهية والتشريع للقتل، ولدينا تطبيقات عملية لها في التاريخ. أنا مهتم بهذه التطبيقات، وجميع النصوص التي درستها في كتابي (نصوص التوحش) وكتابي (إله التوحش) كان لها تطبيقات عملية موثقة في كتب التاريخ المعتمدة.

لماذا الوهابية؟ أليست هي موجة وفي طريقها للزوال الحتمي. ما هي الحاجة إلى كتاب إله التوحش في هذه الآونة؟

الديري: لماذا الوهابية؟ لأنها نجحت في أن تغزو العالم باسم التوحيد الخالص والسنة الصحيحة والسلف الصالح، لقد اخترقت العقل الإسلامي، وتمكنت من سرقة وجهه.

الحديث عن الوهابية اليوم بخطابها التكفيري لا يمكن فصله عن السياسة، لقد انطلقت في نقدي لنصوص التوحش وإله التوحش من فكرة مفادها أن “التكفير مشروع قتل يمليه صراع سياسي”، وأجد الوهابية نموذجًا لاختبار هذه الفكرة.

كتابي ليس دراسة عن حجم حضور الوهابية في العالم الإسلامي، لكني سأجيب عن سؤالك لأوضح أهمية دراسة الخطاب الوهابي دراسة نقدية.

لنأخذ مصر وماليزيا نموذجين لانتشار الخطاب الوهابي وتوسعه، ونشر الكراهية؛ في المشهد الماليزي، تمكنت الجامعات المدعومة بشكل مباشر من السعودية بأن تحول المذهب الشيعي الاثني عشري، إلى “ديانة محظورة” كونها “تحمل العديد من الانحرافات العقائدية المخرجة من ملة الإسلام”. في ماليزيا تكفير الشيعة يتم بقانون رسمي ماليزي. كذلك تحظر الدولة، بقرار رسمي أيضًا، استخدام لفظ الجلالة للإشارة إلى الرب عند غير المسلمين، ما أثار حملة واسعة في البلاد تحت شعار “الله للمسلمين فقط”.

في مصر دعمت المملكة الجامعات الدينية الخاصة، وفرت الدراسة المجانية لأبناء العالم الإسلامي، منحتهم شهادات عالية موازية للأزهر ومصدقة من الجهات الرسمية المصرية، سرقت أساتذة الأزهر، وصاروا يدرسون في (جامعة المدينة العالمية) لتأخذه من الأشعرية إلى عباءة محمد بن عبدالوهاب.

في السعودية نفسها الأبواب والتسهيلات مفتوحة لاستقبال أبناء العالم الإسلامي، مقابل أن يتخرجوا كدعاة لتصدير الوهابية، بموجب ذلك تمكنت الوهابية من وضع يدها على أكبر المساجد الأوروبية والأميركية، وهذه عينة من الدعاة في الغرب المتهمين بخطاب الكراهية، وكلهم خريجو الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ الداعية بلال فيلبس، الداعية أبو أسامة الذهبي، الداعية ياسر قاضي.

بعد أن ناقشت في (النصوص المتوحشة) جذور الفكر التكفيري المتمثل في آراء ابن تيمية، ثم تحدثت في (إله التوحش) عن آراء ابن عبدالوهاب كامتداد طبيعي لتلك الجذور، فهل سنرى قريبا لك كتابًا يتحدث عن (داعش)؟ وما الذي يجعل سير أصحاب الفكر المتطرف وأفكارهم ملهمًا ومولدًا لحركات لا تنتهي؟

الديري: لست مهتمًا كثيرًا بداعش، بقدر اهتمامي بتراثها المستخدم من النصوص، في (نصوص متوحشة) وفي (إله التوحش) ذهبت إلى سياق هذه النصوص السياسي والعقائدي والفقهي. تمثل هذه النصوص الأب المؤسس لما نشاهده اليوم من ولادات لا تنتهي من حركات التوحش، نحتاج إلى نقدها وكشف سياقاتها السياسية.

الأفكار والنصوص لا تموت، إنما تُستعاد وفق ما يتوافر لها من سياقات سياسية وثقافية، الأفكار التي تعطي القتل والكراهية، والأفكار التي تعطي الحياة والحب. والوهابية هي استعادة لنصوص التوحيد والتكفير عند ابن تيمية. ظنت سلطة المماليك أنها قضت على أفكار ابن تيمية، حين سجنته ولم تستجب لدعوته في استبدال الأشعرية بالسلفية على طريقته، لتكون هي عنوان أهل السنة والجماعة، وستظل هذه القضية محل نزاع سياسي وعقائدي، كما شاهدنا بعد مؤتمر غروزني “من هم أهل السنة والجماعة”.

كانت لحظة وفاة ابن تيمية، هي نفسها لحظة حياته، وقد سجل تلميذه ابن كثير شهادة حياته في نصه التاريخي الذي وصف جنازته وصفًا تختلط فيه المبالغة والتقديس بالحقيقة التاريخية، واسمحوا لي أن أتوسع قليلًا هنا لأوضح أن حياة الأفكار أخطر من حياة الأشخاص. هناك مقولة للإمام أحمد بن حنبل “بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز”، وتروى بصيغة أخرى “بيننا وبينكم شهود الجنائز”. كتب ابن كثير نص جنازة ابن تيمية على وقع هذه المقولة، ونحن في الحقيقة لا نعرف الحقيقة التاريخية لحجم الجنازة وما حدث فيها، لكننا نعرف أن وصف ابن كثير صار حقيقة تاريخية، والسلفيون لا يملون من استعادة هذا النص والاحتفاء به.

بعض التقديرات تقول إن عدد من شاركوا في الجنازة ستين ألفا إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف والنساء بخمسة عشر ألف، ويقول ابن كثير بلغ الأمر أن شرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دُفِعَ فيها خمسمائة درهم، وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير، وتضرع، وخُتِمَت له ختمات كثيرة، وتردد الناس إلى قبره أيامًا كثيرة ليلًا ونهارًا، يبيتون عنده ويصبحون، ورؤيت له منامات صالحة كثيرة ورثاه جماعة بقصائد جمة.

هكذا إذن يقدم ابن كثير شهود الجنائز وكأنها تصويت على أفكار ابن تيمية واستمرار أفكاره في الناس الذين عبروا عن حبه وتقديره بالمشاركة على هذا النحو في جنازته.

إذا كانت جنازة ابن تيمية رد اعتبار لما وقع عليه من سجن، فسيرة محمد بن عبدالوهاب كما ترويها كتب التاريخ الرسمية السعودية، تشبه السيرة النبوية، محاطة بالعناية الربانية والتوفيق.

حكاية السير بهذه الطريقة تجعلها حية ومُولدة في نفوس الأتباع، لذلك لا تموت أفكار أصحاب هذه السير.

 هل تعتقد أن تحالف ابن عبدالوهاب مع ابن سعود كان السبب الرئيس في انتشار الدعوة الوهابية، أم أن الطبيعة النجدية البدوية القاسية كانت مهيأة لهكذا فكر جاف ومتشدد؟

الديري: لولا هذا التحالف ما نجحت الدعوة، إنه اتفاق الدرعية 1744، وقد بذل محمد بن عبدالوهاب جهدًا كبيرًا، وكاد أن يموت مرات حتى نجح في الوصول إلى هذا التحالف، وهو بالمناسبة تحالف غير مكتوب، لكنه مدعم بالدم والهدم “الدم بالدم والهدم بالهدم”. يشكل هذا التحالف جزءًا أساسًا من سيرة الدعوة والدولة، وهو موضوع توسعت في عرضه في الكتاب.

هذا الاتفاق نموذج آخر على أن نصوص التوحش نتيجة تحالف السياسة والدين، وأن أفضل بيئة لإنتاج نصوص دينية متوحشة هي السياسية.

الطبيعة النجدية متنوعة وأنتجت شعراء يحتفون بالحياة ويتغزلون بالجمال ويستمتعون بالطبيعة، ويكفي أن على أرضها قصة قيس وليلى.

 على ضوء البحث العلمي والوثائق المتاحة في ما يخص سيرة ابن عبدالوهاب، كيف تقيمون علميًا ما ورد في (مذكرات الجاسوس البريطاني همفر)؟ وما مدى مصداقيتها مضمونًا ومصدرًا؟

الديري: لم يشكل مصدرًا في دراستي، ولا أجد له قيمة حقيقية، وليس لهذه المذكرات وجود في الأرشيف البريطاني، كذلك لم أعتمد كتاب “لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب” فمؤلفه مشكوك فيه ومعلوماته عن السيرة غير معتمدة.

اعتمدت في دراستي على المصادر الرسمية التي تحتفي بها الوهابية والدولة السعودية، وأهم مصدرين هما كتاب ابن غنام “روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدّد غزوات ذوي الإسلام” وكتاب ابن بشر “قصة المجد في تاريخ نجد”.

في خضم ما كتب عن الحركة الوهابية ومؤسسها والدولة السعودية الأولى، ما الذي يضيفه (إله التوحش) للقارئ خلاف ما هو متوفر من مصادر وكتب؟

الديري: لكل دراسة منظورها ومقاربتها، أنا حاولت أن أفهم كيف تتأسس دولة في القرن الثامن عشر وهو قرن الحداثة الغربية، على دعوة دينية جوهرها تكفير من يختلفون معها في مفهومها المتعصب للتوحيد، أردت أن أفهم  كيف صار رجل هذه الدعوة (محمد بن عبدالوهاب) أبًا مؤسسًا للدولة؟ كيف منح الدولة هويتها الشرعية؟ وكيف صارت الدولة بدعوته للتّوحيد الجهة الوحيدة المحُتكِرة للعنف والممارسة له في الوقت نفسه، ليس ضدّ من يخالف القانون بل ضد من يخالف معتقدها؟ هذه الأسئلة ممنوع طرحها في السعودية، ولا يمكن مقاربتها بعقل حر وفضاء مفتوح.

من جانب آخر، أردت أن أفهم كيف تولد من مفاهيم هذه الدعوة للتوحيد والهجرة والجهاد حركات عنف وتوحش تُرهب العالم، وهذه عينة من تنظيمات متطرفة، تتخذ من عنوان التوحيد اسمًا لها وتُعرّف عقيدتها ومهمتها الرسالية بالعبارات نفسها التي يستخدمها محمد بن عبدالوهاب في كتابه (التوحيد): جماعة التوحيد والجهاد (العراق)، جماعة التوحيد (ألمانيا)، جماعة التوحيد والجهاد (مصر)، التوحيد والهجرة (مصر)، التوحيد والهجرة (العراق)، حركة التوحيد والجهاد (غرب أفريقيا)، جماعة التوحيد والجهاد (بيت المقدس)، جماعة التوحيد والجهاد (المغرب الأقصى).

لو نظرنا إلى واقع المؤسسة الدينية الوهابية الحالية، هل تجدونها ملتزمة بأفكار ابن عبدالوهاب -خصوصا في ما يخص الشرك والتوحيد والغربة والهجرة والجهاد- أم أنها انحرفت تحت الضغوط الدولية وضغوط أصوات الإصلاح الداخلية؟

الديري: “طاعة ولي الأمر” تكاد تعادل فكرة الإمامة من حيث الانقياد والطاعة، وهذا ما يجعل الدعوة الوهابية كمؤسسة (هيئة كبار العلماء) أداة يمكن التحكم فيها وضبطها عبر ولي الأمر، لكن كدعوة وخطاب لا يمكن ضبطها، ويمكنها أن تنتج جماعات لا نهاية لها، كدالة رياضية لا نهائية.

هناك قائمة للتكفير وهي: عدم البراءة من الكفار، والإعجاب بتشريعاتهم، وإظهار المودة لهم، والتشبه بهم، واتباعهم، والتقرب منهم. كل عنوان في هذه القائمة يعتبر ناقضًا من نواقض الإسلام، ويُحكم عليك بالكفر حين لا تتبرأ من الكفار، أو تُعجب بهم، أو تتشبه بهم، أو تتبعهم، أو تتقرب منهم. لكن يمكن أن يتم تكييف هذه القائمة إذا ما تعلق الأمر بـ (ولي الأمر) فتصبح [هذه القائمة] مصالح مباحة، يُشرع لها ويؤصل لها، ويُكفر من يعترض عليها، وتُشرّع الحرب على من يقف ضدها، لأنها بمثابة الخروج على مصالح (ولي الأمر).

لا تُكيف هذه القائمة لإنتاج خطاب تسامح وسلام ومحبة مع الآخر، فجوهر الدعوة، قائم على التشدد والتكفير والكراهية، لكنها تكيف وفق قاعدة المخارج الشرعية لمصالح ولي الأمر السياسية، حدث هذا التكيف في حرب أفغانستان وغزو الكويت واستدعاء قوات الكفار للجزيرة العربية وعاصفة الحزم.

باعتقادك ماذا سيتعلم الشيعة من درس التوحش هذا؟ ألا يستدعي هذا البحث في الجذور العميقة للكراهية وتفكيكها سواءً أكان ذلك لدى الشيعة أو السنة؟

الديري: التوحش بالمفهوم الذي استخدمته، حالة متقدمة على حالة عدم القبول بالمختلف، والاختلاف مع الآخر أو حالة اعتبار كل دين أو مذهب أن الدين الآخر والمذهب الآخر ضالين أو خرافًا ضالة. في التوحش، نحن أمام حالة دعوة للتقتيل والاستباحة، الآخر ليس خروفًا ضالًا بل خروفًا للذبح. أنا أتحدث عن نصوص عقائدية وفقهية، تُعطي لجيش الإذن والأمر بقتل جماعة أخرى واستباحتها وسلب مالها ونسائها.

أرجو أن لا نخلط حالة التوحش بحالة التعصب وضيق الأفق، فتلك حالة أخرى، بمعنى أن كل توحش هو تعصب وانغلاق وكراهية، لكن ليس كل حالة تعصب وانغلاق توحشًا. علينا أن نميز بين الحالتين كما يميز القانون بين حالات الجنح وحالات الجنايات، وهذا مثال للتقريب فقط.

في تقديري، لم يتورط الفكر الشيعي في إنتاج نصوص متوحشة بالمعنى الذي شرحته، لأنه كان في الغالب يمثل الأقلية والهامش، لكنه تورط في إنتاج نصوص غير معقولة، وثبت مسلمات عقائدية مغلقة، هي من صنع التاريخ والسياسة، وأنتج سرديات تاريخية متخيلة.

على الفكر الشيعي أن يتعلم من درس التوحش، عدم تقديس نصوصه ومدوناته، عليه أن يكون شجاعًا في نقد أصوله وتفكيك مسلماته من شباك التوظيف السياسي، والانغلاق التاريخي، وإلا فهو مهدد بظهور جماعات متطرفة يتم توظيفها في الصراعات السياسية، والأمثلة الحاضرة في ذهني الآن، ظاهرة ياسر الحبيب وجماعته، وظاهرة أحمد حسن اليماني، وظاهرة الجماعات المهدوية، وجماعات الشعائر المقززة.

لتحميل الحوار بصيغة PDF

نعم أنا الوحش وهذه قصتي

السعودية حين تحكي: نعم أنا الوحش وهذه قصتي

تحتاج نصوص التكفير إلى تفكيك، لا إلى تفسير أو تأويل. يحفل التراث الإسلامي بنصوص التكفير، لكن لا تكمن الخطورة هنا، بقدر ما تكمن في النصوص التكفيرية التقتيلية، هنا يكمن الوحش الذي يلاحقه الباحث البحريني علي الديري.

في مساره البحثي سعى إلى تثبيت فرضيته التي ينطلق منها:التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي”. أفرز هذا المسار عن إنتاج كتاب نصوص متوحشة… التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية”(عام 2015)، لاحق فيه نصوص التوحش من خلال ثلاثة نماذج متمايزة من حيث وجودها الجغرافي ومن حيث ظهورها الزماني، أبي حامد الغزالي في بغداد وابن تومرت في المغرب العربي، إضاف إلى ابن تيمية في الشام. في النماذج الثلاثة نجح الديري في إثبات أن سياقات التكفير المتوحش أتت كنتائج فرضتها الظروف السياسية.

يستكمل الديري مساره البحثي، هذه المرة بكتابه الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق “إله التوحش.. التكفير والسياسة الوهابية”، متوقفاً عند باعث وجوه التكفير المتوحش “محمد بن عبد الوهاب”.

تناول الديري سيرة ابن عبدالوهاب من خلال مصادره الرسمية. غاص في المصادر التي عاصرت ابن عبدالوهاب وأرّخت له، وفكك نصوصه نفسها، ليقدم لنا الهوية السردية للتوحش.

أواخر العام 2015، وبمشاركة الدكتور علي الديري انطلقت حلقة الدراسات الوهابية، التي تناولت سيرة محمد ابن عبدالوهاب، ومسار ما عُرف بـ “الدولة السعودية الأولى”. اعتمدت الحلقات البحثية على المصادر الرسمية التي عاصرت ابن عبدالوهاب، والتي لاتزال تطبعها دارة الملك عبدالعزيز، المهتمة بتوثيق تاريخ المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية. شكلت كتب المؤرخين حسين ابن غنام وعثمان بن بشر، أهم المصادر التي اعتمدتها الحلقة. ورغم التنقيحات المتكررة التي أُدخلت على هذه المصادر في طبعاتها المتعددة، ظلت هذه الكتب تحمل تعقيدات مزعجة تتعلق بمعجمها التكفيري وحوادث العنف التي تسردها  كبطولات للآباء المؤسسين للدولة والدعوة.

في كتابه “إله التوحش التكفير والسياسة الوهابية”، نجح الكاتب في تفكيك هذه السردية. وإلى حد كبير تميّز بقدرته على استلاب اهتمام القارئ بسلاسة وجاذبية هي بعيدة كل البعد عن جمود التوحش الذي يستلزمه تناول موضوع للتكفير.

القارئ الذي لا يعرف سيرة محمد بن عبدالوهاب ولا سيرة رجال الدولة السعودية الأولى، سيهوله حجم العنف والتوحش المروي في هذه المصادر الرسمية، والقارئ خصوصا السعودي المشبع بهذه السيرة التي يدرسها ضمن تربيته الوطنية والدينية باعتبارها صاحبة الفضل في تأسيس هذه الدولة، ستصدمه أسئلة الكتاب النقدية، فهي أسئلة صادمة للوعي السعودي، فالكتاب يخاطب: من يرفض التكفير، ومن يقدس رجالاته.

أتوقع أن كل الأسئلة التي يفتتح بها الديري كل فصل من فصول الكتاب، ستشكل  صدمة للوعي السعودي الذي تربى على التعاطي مع سيرة محمد بن عبدالوهاب كمقدس، أو التي تعاطت مع سيرته على أنها سيرة مقدسة للرجل الذي “أحيا الدعوة النبوية”، وشكل الهوية الدينية والوطنية. وهذه هي بحسب تسمية الباحث (الهوية السردية) التي سرد قصصها (تاريخ ابن غنام) بشكل يفضي إلى المفخرة والاعتزاز بأمجاد وغزوات وفتوحات جيش الدرعية. على وقع هذه السردية تربى العقل السعودي وعلى وقائع غزوات جيش المسلمين كما يسميهم ابن غنام، تكون وجدان هوية المواطن السعودي.
نجح الديري في تعرية هذا المقدس وبالتالي نجح في ضرب أو تهشيم صورة هذه الهوية، دون أن يقع في فخ الأدلجة ودون أن ترتد إثاراته سلباً على قوة ما نقله.

في كتابه يسأل علي الديري: كيف يرى الذين وقع عليهم الغزو من قبل ذوي الإسلام (حسب تسمية عنوان كتاب ابن غنام) هويتهم اليوم؟

من هم “الذين وقع عليهم الغزو”؟ أليسوا هم أنفسهم من يدرسون اليوم سيرة ابن عبدالوهاب كهوية مقدسة لـ”الأمة السعودية”؟ أليسوا هم أنفسهم من يدافعون عن السيرة التي توثق وقوع الغزو على أجدادهم الذين اتهمهم محمد بن عبدالوهاب بالشرك والكفر؟

ما الذي أراده الديري من خلال سؤاله هذا؟ لعلها الصدمة التي ستسهل تهشيم شي من السردية السعودية لسيرة الرجل. وهي الصدمة التي ستشكل استفزازاً يستدعي اهتمام القارئ لمعرفة ما يود الكاتب قوله… وبمعزل عن النتيجة فإنه سيسجل للكاتب أن فتح منفذاً في العقول التي دُجنت على تقديس سيرة محمد بن عبدالوهاب، وأنه نجح في إحالة هذا المقدس إلى النقد الذي يهشم صورة هذه القداسة .

“أين هم الذين كان سيف ذوي الإسلام ضدهم؟ أين مكانهم في هذه الهوية؟”

“من هم الذين يقعون خارج الأمة التي رسم حدودها محمد بن عبدالوهاب؟”

يطرح الديري سؤاله من ضمن إثاراته النقدية، هو يسأل بالفعل عن مكان المكونات السعودية غير المتوافقة مع أطروحات ابن عبدالوهاب في الخارطة السعودية المجتمعية. ينتقد حدود الأمة التي رسمتها معتقدات ابن عبدالوهاب، والتي شكلت لاحقاً دولة ضمت كفاراً ومشركين أُعملت سيوف الوهابية في رقابهم باسم التوحيد. ويتساءل عن هوية المجتمع التي محتها الدولة السعودية الأولى، لتعيد صياغتها مجدداً على مقاس دعوتها الدينية ومصالحها السياسية. يغيب عن هذه الهوية السردية (أو المسرودة من قبل ابن غنام)  كل ما قبل ابن عبدالوهاب، ويغيب عن هذه السردية كل ما هو متعلق بتاريخ وهوية كل من ناوئ أو عارض الرجل. لعل الديري يسأل السعوديين اليوم:

أين تاريخكم الذي استبق ظهور ابن عبدالوهاب؟

أين الإنتاجات الفكرية لمجتمع الأكيد أن عمره لم يرتبط بولادة ابن عبد الوهاب فقط؟

كيف كانت نجد، التي وصفها مؤرخو المملكة بأنها كانت بلاد شرك، قبل مجيء الرجل؟

كيف كانت الحركة العلمية فيها؟ من هم أبرز علمائها قبل عميد الوهابية؟

في تساؤلاته التي تركها مفتوحة بلا إجابات، حاول الديري تحريك الوعي السعودي الذي دفنته هذه السيرة، وروضته ليقبل بأن لا تاريخ لمجتمعه وأجداده استبق تاريخ محمد بن عبدالوهاب. هكذا تحدث تساؤلات الكتاب صدمة لا يمكن الهروب منها، ولا بد من التوقف عندها، وهكذا تدفع الأسئلة القارئ للتعاطي مع النص بأسلوب مختلف، وعلى النظر إليه من زاوية مختلفة.

ليست هذه الأسئلة المثارة من خلال هذه (الهوية السردية) موجهة للقارئ أو المواطن السعودية فقط، بل هي برسم الدولة السعودية اليوم، إنها أسئلة تضرب صورة المملكة السعودية بواقعها الحالي الذي يفخر بماضيه القائم على غزو القبائل وقتل المعارضين وتكفير المخالفين وصرم نخيلهم وتخريب زروعهم وسلب أموالهم باسم الدين. بل ويُمعن واقع الحال في سياق هذا الفخر بإعادة طبع الكتب التي تروي هذه الوقائع وتوثق هويته السردية، ليقول: هذه هويتي وهذا أصلي وهذا توحيدي المتوحش… وعليه فإنه واقع حالي.

إسراء الفاس*
*إعلامية وصحافية من لبنان.

إله التوحش

بعد «نصوص متوحشة»… «علي الديري» يبحث بناء الدولة السعودية الأولى في كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»

مرآة البحرين (خاص): من منفاه بمدينة «ويندسور» الكندية، أصدر الناقد البحريني علي الديري كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»، وهو مؤلّف بحثي مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.

وصدر الكتاب عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، ودشّن في جناح المركز بمعرض بيروت الدولي للكتاب، يوم الخميس الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، وهو يأتي مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه»، الذي صدر العام الماضي لذات المؤلف.

والديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟». وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.

ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.

يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.

وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنيا سياسيا بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.

اله التوحش

الكتاب الجديد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.

«أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية» يقول الكتاب.

واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر «هي ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية».

ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.

«إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)».

كتاب «إله التوحش» متوفر للبيع على الإنترنت أيضا، من خلال:

موقع أمازون

متجر جملون

رابط الموضوع