مركز أوال للدراسات والتوثيق

العبور نحو الدولة الحديثة، البحرين ما بين 1919م – 1939م

العبور نحو الدولة الحديثة، البحرين ما بين 1919م – 1939م
المؤلف: رملة عبدالحميد
عدد الصفحات: 357
تاريخ الإصدار: 2015
الناشر: مركز أوال للدراسات والتوثيق

مقدمة الكتاب

التاريخ ليس سردا، بقدر ما هو تأمل وعبرة، واستنطاق للمستقبل، التاريخ كاشف لآثار مضت، مخلدا لحراك شعوبا وأمم، بعض من حوادث التاريخ حركها قادة افذاذ وأصحاب جرأة واقدام، وبعضها كان محورها جماعات أبت ان الا تضع بصمتها على تاريخها ليكون عابرا لأجيالها، جزءا من التاريخ ساكن أو يتحرك ببطء، وآخر منه ثائر كأمواج البحر العاتية، سنون مشتعلة، وسنون ميتة، بعضها مثير وأخرى مؤلمة قاسية، لكن من يحرك الحدث ومن يصنعه؟؟

تاريخ البحرين، هو تاريخ شعب سكن هذه البقعة الجغرافية منذ الخليقة، تفاعل الانسان البحريني مع البحر الذي هو قدره، فكان مده وجزره، بمثابة وثوبه وتعثره، انفتح على العالم بمد البحر وسعة أفقه، تطلع لما ورائه، عبره بشق الانفس ليرى من حوله، وغاص في اعماقه لكي يعيش، عانق النخلة حيث استقى منها الاستقرار والعلو والشموخ والعزة التي دفع من اجلها الكثير ليبقى، هو الانسان البحريني في كل مرحلة من تاريخه يطمح نحو التغيير، يقفز الى مرحلة جيدة يرويها بدمه وصبره.

1919م – 1939م، مرحلة جديدة بناها البحريني لينتقل من القبيلة الى الدولة، وبفضل حراكه انطلقت البحرين نحو الحداثة والتنظيم والتطور، ففي الجانب السياسي، انتقلت البحرين من النظام القبلي التقليدي إلى الحكم المركزي القائم على أساس التنظيم الإداري والمالي، وتشكيل المجالس البلدية المنتخبة، كما إنها فترة سياسية مضطربة عرفت فيها البحرين المعارضة السياسية بشكليها السلمي والثوري. أما الجانب الاقتصادي فقد شهدت البحرين انتكاسة الغوص، بظهور النفط الذي غيّر مجرى الحياة الاجتماعية من حيث تغير في أنماط العيش والتفكير الناتجان عن الوفرة المالية والتنمية البشرية والاحتكاك بالعمالة الأجنبية المرتبطة بالنفط. وفي المجال التعليمي والثقافي، أٌنشئت لأول مرة المدارس النظامية في البحرين، والتي بدأت بإدارة أهلية ثم خضعت للحكومة، ومع النهضة التعليمية انطلقت الأندية الأدبية الثّقافية والرياضية، وبرزت الصحافة، والمجالس الأهلية، والمسارح الفنية.

الكتاب هو دراسة تاريخية للأوضاع السياسية، والثّقافية، والاجتماعية والاقتصادية للبحرين خلال الفترة الممتدة من 1919م – 1939م، وهي فترة مهمة في تاريخ البحرين، وذلك تشجيع المهتمين بتاريخ المنطقة على البحث والاستقصاء. ما يدفعنا هو حسنا الوطني نحو البحث عن الحقيقة حول تاريخ الوطن، والمساهمة الجادة في تزويد المكتبة العربية بالدراسات العلمية التي تتناول تاريخ البحرين الحديث.

جريدة الأخبار: ديفيدسون: انهيار ممالك النفط

صحيح أنّ عرض النسخة الأصلية من أي كتاب أفضل من عرض ترجمته. لكن بما أن صحيفة «الأخبار» نشرت عرضاَ لـ «ما بعد الشيوخ – الانهيار المقبل للمالك الخليجية» في قسمها الإنكليزي الرقمي عندما صدر عام 2013، فمن الضروري عرض النسخة العربية، لكن من دون العودة إلى النسخة الإنكليزية وعقد مقارنة أو البحث عن أخطاء محتملة.

الكاتب، أستاذ العلوم السياسية في «جامعة درهام» البريطانية عاش سنوات في إمارة رأس الخيمة، الفقيرة مقارنة بالإمارات الأخرى التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد اشتهر ديفيدسون عالمياً بعدما ثبتت صحة توقعه انهيار دبي المالي (الفقاعة) عام 2009.

في هذا المؤلف، يؤكد الكاتب أن دول الخليج العربي، العضو في مجلس التعاون ستنهار في غضون سنتين إلى خمس سنوات. هو لم يقصد اختفاءها وإنما انهيار شكل الحكم فيها، العشيري المطلق، وحل مكانها نظم ديمقراطية على الطراز الغربي. حسناً، ها قد مرت سنتان، وعلى من يود مناقشة صحة هذا التنبؤ انتظار عام 2017.

تنبؤ ديفيدسون قائم على حسمه بأن النفط والغاز، اللذين يشكلان عصب الاقتصاد في تلك الدول، سينضبان ما يقود بالتالي إلى عدم تمكن الحكومات المعنية من رشوة مواطنيها كي يقبلوا بالنظم السياسية القائمة التي تعود إلى ما قبل التاريخ – دوماً بحسب الكاتب، وسيفرضون واقعاً جديداً يمكن كل مواطن من المشاركة في حكم البلاد وتقرير مصير ثرواتها، أو ما قد يتبقى منها بالأحرى. لكن المشاكل الأخرى التي تواجه تلك البلاد، ومنها، على سبيل المثال، البطالة بين الشباب، ستسهم في سقوط تلك الأنظمة التي ستصاب بعدوى الربيع العربي.

ثبتت صحة توقع الكاتب بانهيار
دبي المالي
عام 2009

بصرف النظر عن مدى صحة تنبؤ الكاتب بمآل دول الخليج، والأفقر منها في المقام الأول، فإن عمله هذا ثروة حقيقية لمن يبحث في بنية المجتمعات في تلك الدول والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية. هنا يظهر تألق الكاتب العلمي، لكن من دون الاختلاف معه في وصفه طبيعة الأنظمة الخليجية.

التنبؤات بقرب سقوط الدول الخليجية، قديمة بقدم تلك الدول. تلك التنبؤات لم تأخذ في الاعتبار مقدرة حكامها على تحويل العلاقات والتقاليد الاجتماعية إلى مؤسسات، واستفادتهم من الثروات الوطنية لتمكين حكمهم المطلق، مع تأكيد تباين درجات القمع، أو الحريات، بين دولة وأخرى. الحريات المتوافرة في الكويت تعتبر ثورية بمقياس الخليج، والتباين السكاني المذهبي لم يسقط حكومة البحرين حيث قامت السعودية بغزوها دعماً لحكامها. كما وجب عدم نسيان دور واشنطن واستخباراتها في المحافظة على تلك الأنظمة. التغير سيحدث، شاء من شاء وأبى من أبى، لكن من دون الغوص في تحديد تواريخ. اللجوء إلى السلاح لحل مشاكل تلك الدول سيسرع حتماً في انهيارها، مع تمنياتنا أن تتمكن شعوبها من الانتقال سلمياً إلى نماذج حكم حداثية.

رابط الموضوع

مركز “أوال”يترجم كتاب “ما بعد الشيوخ”

مرآة البحرين (خاص): أعلن مركز “أوال” للدراسات والتوثيق، عن تدشين النسخة العربية من كتاب “ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية”، للبروفيسور “كريستوفر ديفيدسون”، أستاذ التاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، المتخصص في دراسات الشرق الأوسط بجامعة درهام بالمملكة المتحدة.

وكان ديفيدسون قد أعلن هو أيضا، من على حسابه في تويتر، عن صدور النسخة العربية من كتابه، عن مركز “أوال” للدراسات والتوثيق. وقال في مقدّمة الكتاب إنه يصادق على هذه الترجمة الرسمية آملا أن تساعد في إيصال أفكار الكتاب إلى شريحة أكبر وأكثر نقدًا من القراء.

ويدشّن الكتاب في جناح المركز بمعرض بيروت الدولي للكتاب، غدا الثلاثاء 2 ديسمبر/كانون الثاني، الساعة السادسة والنصف عصرا.

ما بعد الشيوخ

وأثار كتاب “ما بعد الشيوخ”الذي صدر لأول مرة في العام 2012 جدلا واسعا حين توقّع انهيار الممالك الخليجية قريبا، وهو أول بحث أكاديمي معتبر يخرج بهذه التوقع المثير. وقد صدرت طبعته الأولى عن مطبعة “هيرست” ومن ثم مطبعة جامعة “أكسفورد”.

وقد صنّف الكتاب على رأس قائمة مجلة “فورين بوليسي” لأفضل 20 كتابا عن الشرق الأوسط في العام 2012. كما كتبت عنه الكثير من المراجعات والمقالات في الصحف الدولية والعربية، مثل صحيفة “الإيكونومست”، وصحيفة “الإندبندنت”، و “الغارديان”، كما اقتُبِسَت بعض أقسام الكتاب ونشرتها مجلتا “فورين أفيرز”، و “فورين بوليسي”. وقد صدرت نسخة باللغة الفارسية عن الكتاب في وقت سابق من هذا العام.

وتصدّى لترجمة النسخة العربية من الكتاب الشهير، مركز “أوال” للدراسات والتوثيق، وهو مركز دراسات بحريني مقره لندن- بيروت، ويعنى بقضايا البحرين والخليج.

وبعد تأليفه هذا الكتاب العام الماضي، بات ديفيدسون مؤلفا معروفا في العالم العربي، كما طلبت تعليقاته وتصريحاته من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام في العديد من التقارير الإخبارية التي تخص التطورات السياسية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج تحديدا.

وديفيدسون، خبير سياسي وتاريخي واقتصادي في شؤون دول الخليج، كان قد توقع في مقال له الكارثة الاقتصادية التي حلت بدبي في عام 2009 قبل حدوثها بأشهر قليلة.

وقد نشرت “مرآة البحرين” مقالين لديفيدسون في سياق الكتاب ذاته، أحدهما كتبه في صحيفة نيويورك تايمز، والآخر في صحيفة فورين بوليسي.

ما بعد الشيوخ: انهيار هذه الممالك سيحدث كما كان يحدث دائما

ويقول ديفيدسون، في كتابه إنه “برغم نشر الكثير من النعي للممالك التقليدية (الخليجية) إلا أن تلك الأنظمة القروسطية المطلقة لا تزال تشكل المعضلة السابقة نفسها، حيث تبدو، للوهلة الأولى، وكأنها المعاقل الحقيقية الوحيدة للاستقرار في الشرق الأوسط”، متوقعاً أن “انهيار هذه الممالك سوف يحدث كما كان يحدث دائم”.

ما بعد الشيوخ

ويضيف ديفيدسون أنه “في حين أن الحركات الثورية في شمال وفريقيا وسوريا، ستعمل ـ من دون شك ـ كمحفز هام وغير مباشر للزلزال المقبل، فإن العديد من الضغوط الاجتماعية / الاقتصادية نفسها التي سببت الثورات في الجمهوريات العربية، أصبحت الآن موجودة في ممالك الخليج”، موضحا أن “الأمر ببساطة لم يعد مسألة: (هل) ولكن (متى) ستنهار تلك الممالك الحليفة بقوة للغرب”.

ديفيدسون في مقدمة النسخة العربية: نقاشاتي في 2013 أثبتت اليوم صحتها

وفي مقدّمة الكتاب، التي حصلت عليها “مرآة البحرين”، قال ديفيدسون إنه “مما لا شك فيه أن الكثير قد تغير منذ نشر الإصدار الأول للكتاب، في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي ما زالت تواجهها منطقة الخليج، والعالم العربي في أعقاب ثورات الربيع العربي في العام 2011”.

وأوضح أنه “على الرغم من أن الهدف من كتاب “ما بعد الشيوخ” لم يكن يومًا التنبؤ بكرة بلورية، إلا أنني مدرك تمامًا أن الكثير من النقاشات التي طرحتها في بداية العام 2013، أثبتت اليوم صحتها للأسف”.

وقال إن المحاولات التي قامت بها هذه الأنظمة لــ “احتواء” النسخة الخليجية من الربيع العربي اليوم بشكل ملحوظ، أدت إلى اعتماد سياسات قمعية هائلة، وغير مسبوقة، مع انتشار الاعتقالات السياسية في المملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت، وحتى في الإمارات العربية المتحدة.

وقال ديفيديسون إنه يمكن اليوم، لأي تغريدة ناقدة “أن ترمي مواطنًا خليجيًّا شابًا خلف القضبان. وقريبًا، سيكون لنشوء “الدول البوليسية” في الخليج، في فترة التحديث السريع، وتكنولوجيات الاتصالات القوية الجديدة، نتائج خطرة على العقود الاجتماعية وصيغ الشرعية للحكام المتعددين”.

مردفا “ويمكن أن تكون استراتيجية “تشويه سمعة” المعارضة، التي ناقشناها في “كتاب ما بعد الشيوخ”، هي الأكثر خطورة، فهي تتفاقم حتى تكاد تخرج عن السيطرة، في ظل تحريض كل من البحرين، والمملكة العربية السعودية، بشكل فاعل، على النزاع الطائفي”.

وعلى الصعيد الاقتصادي قال ديفيدسون إنه “قريبًا جدًا، ربما في الأشهر القليلة القادمة، سنرى أن الكثير من الممالك الخليجية ستضطر إلى خفض المعونات وغيرها من عمليات نقل الثروات إلى مواطنيها – وهو حدث هام سيكون له تأثير عميق ونهائي، على الأغلب، في شرعية الممالك الخليجية وشعبيتها”.

رابط الموضوع

10 آلاف وثيقة عن البحرين

بمناسبة يوم الأرشيف العالمي يتيح مركز أوال للمهتمين 10 آلاف وثيقة عن البحرين

مرآة البحرين (خاص): يعتزم مركز أوال للدراسات والتوثيق فتح أبوابه لأول مرة لاستقبال الزائرين يومي الإثنين والثلثاء 8-9 يونيو/حزيران بين الساعة 10 صباحاً و6 مساءً، وسيعرض خلال هذه الفترة للجمهور أكثر من 10 آلاف وثيقة تختص بفترة قانون الطواري (قانون السلامة الوطنية) من منتصف مارس/آذار 2011 لغاية أواخر مايو/أيار 2011، وذلك كمشاركة من المركز في يوم الأرشيف العالمي.

ومركز أوال للدراسات والتوثيق هو مؤسسة بحرينية، أنشئت في العاصمة البريطانية لندن في 2013، ويعنى بقضايا الخليج عامةً والبحرين بشكل خاص، ويهدف إلى “حفظ الذاكرة الوطنية البحرينية عبر توثيق كل المستندات الورقية والإلكترونية المتعلقة بهذه الذاكرة، ومواكبة الأحداث المستجدة أولاً بأول”.

ويهدف مشروع التوثيق والأرشفة وفق ما يقول العاملون في مركز أوال إلى “مساعدة كل باحث ومتخصص وطالب معرفة، في الوصول إلى الوثائق والمصادر المتعلقة بالبحرين للاستفادة منها في مختلف المجالات”، قائلين إنهم يبتعدون عن “الانتقائية في توثيق الوقائع لتأسيس ذاكرة بحرينية بعيدة عن التنميط والمثالية”.

واستطاع المركز حتى الآن من أرشفة أكثر من 22 ألف وثيقة، شملت ملفات مختلفة لتوثيق الحراك البحريني أهمها “فترة السلامة الوطنية، انتخابات 2014، اعتقال الشيخ علي سلمان، محاكمة جمعية الوفاق، وغيرها من الملفات”، كما ويتابع المركز المستجدات على الساحة البحرينية لتوثيقها بشكل مستمر.

وسيستقبل مركز أوال للدراسات والتوثيق ابتداءً من نهار الأحد 7 يونيو/حزيران الجاري، طلبات المهتمين والباحثين على بريده الالكتروني وحساباته في موقع التواصل الاجتماعي كما هو مبين أدناه.

رابط الموضوع

علي الديري: “أخطر حتى من داعش” رحلة مثيرة في نصوص متوحشة

جريدة الجريدة: فكرتان رائجتان اليوم حول نشأة تنظيم «داعش» الإرهابي. «إنه رد على تحديات عصرنا». هذه واحدة من الأفكار التي يدافع عنها أحد أبرز الفلاسفة السياسيين إثارة للجدل في عصرنا فرانسيس فوكوياما. لكن ماذا لو أنها لم تكن كذلك، وكانت «داعش» على العكس تماماً فكرة عميقة الجذور وأبعد زماناً من زماننا بكثير. على الأقل، هذا ما يدافع عنه الناقد د. علي الديري الذي انتهى حديثاً من رحلة بحث غاص فيها في عشرات بل مئات الوثائق والمصنفات التي تمثل ما يمكن اعتبارها نصوصاً مؤسسة للفكر الإرهابي. إنها «النصوص المتوحشة» أو نصوص التوحش التي تستند إليها حركات التطرف كافة في تأصيل فكرها ومنهجها الدمويّ. وهي نفسها عنوان الكتاب الذي دوّن فيه خلاصات هذه الرحلة البحثية الشاقّة والصادر حديثاً (2015) عن مركز أوال للدراسات والتوثيق «نصوص متوحشة… التكفير من سنة السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية». وحول ذلك يقول الديري: «ذهبت إلى النصوص المؤسسة، قاربت نصوص التكفير؛ كنصوص سياسية لا فقهية».

حاول الديري تتبع جذور «داعش» ليس من الآن؛ إنما انطلاقاً من نصوص التكفير في القرن الخامس الهجري (الغزاليّ) مروراً بالقرن السادس الهجري (ابن تومرت) وانتهاء بالقرن الثامن الهجري؛ حيث بلغ التكفير أوج قوّته مع إسلام ابن تيمية. ويجادل بأن هذه النصوص «هي التي تغذي التكفير الذي يستخدمه داعش اليوم وأخواته»، موضحاً «بضغطة زر في يوتيوب يمكنك أن تعثر على دروس  تركي البنعلي وهو يشرح هذه النصوص منذ أن كان في البحرين».

للمزيد حول ذلك التقينا الناقد علي الديري للحوار حول مؤلفه الجديد.

نصوص متوحشة”.. وأفعال كارثية مدمرة، رأينا نتائجها في الوطن العربي، وها هي تفجع المملكة العربية السعودية والكويت وتهدد الدول المجاورة، ما الذي يحدث؟”

في الوقفة الاحتجاجية على الفيلم المسيء للنبي، أمام السفارة الأميركية بالبحرين في 2012، وقف منظر داعش الشرعي تركي البنعلي محاطاً بأعلام القاعدة وتكبيرات الجمهور، وهو يرفع كتاب ابن تيمية (الصارم المسلول على شاتم الرسول): (عليكم أن تأخذوا إسلامكم من الإمام الجبل الجهبذ شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث صنف هذا الكتاب لما تجرأ عساف النصراني على شتم الرسول).

هذا الكتاب واحد من نصوص التوحش، التي لا نجرؤ على نقدها، بل هي تحظى بحماية ورعاية وترويج، وتعتبر منهجاً فكرياً مشتركاً لحركات متطرفة ولنظام سياسي له سطوته في السياسة الإقليمية والدولية. تفجيرات مساجد الشيعة في الدمام والقديح والصوابر وقبلها في مأتم الدالوة، كلها تمت من خريجي هذا المنهج وأتباعه. والمثقفون والإعلاميون لا يجرأون على قول هذه الحقيقة، بل هم يغمغمون عليها، فيفاقمون من أمراض التوحش في بيئاتهم.

إنها نصوص منسلخة من الإنسانية، يستدل بها ابن تيمية في كتابه (الصارم المسلول) على القتل البشع الذي يمارسه (داعش) اليوم، كما في استدلاله بقتل الشاعرة الهجاءة عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ، برواية موضوعة.

ومن هنا اتخذ كتابك الجديد «نصوص متوحشة» عنواناً، ماذا عن تصدر شعار حركة «داعش» مموهاً، لم اخترت هذا التشكيل عنوانا لكتابك الجديد؟

اللوحة للصديق الفنان التشكيلي البحريني عباس يوسف، نشرها على صفحته في الفيسبوك، مع صعود نجم (داعش) ودخوله الموصل، وجدتها تعبر عن مفهوم (نصوص التوحش) تعبيراً فنياً رائعاً، هي تستخدم شعارهم مقلوباً في إشارة إلى أنهم يقرأون النصوص قراءة مقلوبة، ويفهمون شعار الإسلام فهماً مقلوباً، يفهمون الرحمة توحشاً والتوحيد توحداً بمعنى أنهم وحدهم الذين لا شريك لهم في فهم الإسلام وكل ما عداهم مشركون وكافرون ويجب قتلهم ليبقوا وحدهم. في داخل اللوحة ثمة علامة استفهام، وهي تثير تساؤلاً عن الإله الذي يتكلم باسمه هؤلاء والرسول الذي يدعون أنهم يطبقون رسالته.

في مقابل هذا الفهم الساذج المتوحش لـ (لا إله إلا الله)، ثمة الفهم الصوفي العميق في روحانيته، كما في تجربة جلال الدين الرومي مثلاً وهو يقول “من ذا الذي نجا من (لا) – قل لي؟ -هو العاشق الذي رأى البلاء). يقيم الرومي جدلاً روحياً بين (لا)، و(إلا) في (لا إله إلا الله) لكل منهما مقامها الروحي الذي يفتح قلب الإنسان على الكون وكائناته وإلهه.

قبال تجربة العشق، ثمة تجربة التوحش التي جعلت لشعار (لا إله إلا الله) معنى وحيداً هو (جئناكم بالذبح). وجدت في لوحة عباس يوسف هذا العمق المعبر عن كل ذلك.

تطرف الإسلام السياسي

ركزت على حركة “داعش”، أتجدها وفق هذا العنوان الجماعة الإسلامية الأكثر تطرفاً أم تجدها مثالاً يمكن أن نقرأ من خلاله تطرف الإسلام السياسي، أياً كان مذهبه؟

ينطلق كتابي (نصوص متوحشة… التكفير من سنة السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية) من لحظة داعش الآن، لكنها ليست موضوع الكتاب، فأنا ذهبت إلى النصوص المؤسسة، قاربت نصوص التكفير؛ كنصوص سياسية لافقهية.

حاولت قراءة نصوص التكفير قراءة تاريخية، في ثلاث بيئات سياسية، استخدمتْ التكفير ضد أعدائها: بيئة السلطة السلجوقية (القرن الخامس الهجري}، من خلال نصوص الغزالي، وبيئة سلطة الموحدين (القرن السادس الهجري) من خلال نصوص ابن تومرت، وبيئة سلطة المماليك (القرن الثامن الهجري) من خلال نصوص ابن تيمية.

يتغذى التكفير، الذي يستخدمه داعش اليوم وأخواته، من هذه النصوص. على سبيل المثال تغذي هذه النصوص منظر داعش الشرعي تركي البنعلي، وبضغطة زر يمكنك أن تعثر في اليوتيوب على دروسه وهو يشرح هذه النصوص حين كان في البحرين، والأكيد أن طلابه ما زالوا يواصلون رسالته، وربما أحدهم يعد عدته لتفجير يوم الجمعة المقبل.

بين فكر متشدد تكفيري وفكر يدعو إلى الانفتاح والعقلانية وجدت الصورتان على السواء، ما قضية الأوطان مع الأفكار؟

الوطن هو فعلاً فكرة، فكرة الوطن في زمن الخلافة الإسلامية، ليست هي نفسها فكرة الوطن اليوم بعد أن راح عشرات المفكرين والفلاسفة يصوغون مفاهيم: المواطنة، العقد الاجتماعي، السلطات الثلاث، التعددية، الدستور، وقد دفعوا حياتهم ثمناً لهذه الأفكار.

ما زلنا نصارع لأجل بلورة الوطن واقعاً حقيقياً نعيش فيه، وأعني المعنى المباشر لكلمة صراع الذي يهدف إلى تحقيق اعتراف، اعتراف بي كمكون للوطن، لا كتابع أو ملحق. أفهم وجود صورتي في قائمة واحدة في يناير 2015 مع منظر(داعش) في صحيفة رسمية في وطني، انتقاصاً من مواطنتي وما أنتمي إليه من طيف سياسي واجتماعي وديني.

وكما دفع روسو وفولتير وغيرهما حياتهم ثمناً لبلورة مفاهيم الدولة الحديثة، فعلينا نحن كمثقفين، وكمثقفين خليجيين خصوصاً، أن ندفع حياتنا ثمناً لتحقيق هذه المفاهيم في أوطاننا التي هي شبه أوطان.

أرثوذكسية السلاجقة

 ماذا تعني بعنوان الكتاب الفرعي (التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية)؟

أظن أن التكفير صار سياسة ممنهجة ضمن إدارة الدولة ومصالحها، في القرن الخامس الهجري، حين وصل السلاجقة إلى بغداد 447 هـ/ 1055م وصارت الخلافة العباسية تحت سلطتهم.
هذا لا يعني أن السلاجقة اخترعوا التكفير، أو المعنى الأحادي لمفهوم سنة النبي، فقبل أن يدخلوا إلى بغداد كان ثمة المعتقد القادري الذي هو النموذج الرسمي المقنن للمعتقد الصحيح لسنة النبي، وهو مرسوم أصدره الخليفة العباسي القادر بالله، وفيه يحدد مفهوم الألوهية والصفات والأسماء المثبتة لله، ومفهوم الإيمان والكفر، والاعتقاد الواجب تجاه الله وتجاه الصحابة. وجد السلاجقة مهمتهم في الدفاع عن الإسلام والسنة، تتمثَّل في تبني هذا الاعتقاد والدفاع عنه، كان هذا المعتقد يُخرج ويقرأ على الناس في المشاهد والمجامع العامة، وفي المساجد والجوامع، وعند حدوث الاضطرابات والنزاعات العقدية بين الفرق والمذاهب، اعتبر هذا اعتقاد المسلمين، ومن خالفه فقد فسق وكفر.

 ماذا تعني بالسنة أو الأرثوذكسية السلجوقية؟

يعتبر المفكر الجزائري محمد أركون، أول من أستخدم  مصطلح تفكيك (الأرثوذكسية) في قراءته التراث الإسلامي و(الأرثوذكسية) في معناها الحرفي تشير إلى الطريق المستقيم؛ بما يتقاطع مع مفهوم الفرقة الناجية والسلفية، والطريق المستقيم هو بمثابة السنّة الصحيحة المعتمدة من السلطة السياسية.
احتاج السلاجقة إلى جيش من الفقهاء والقضاة والعلماء والخطباء والمحدثين، لتثبيت مهمتهم الدينية المتمثلة في الدفاع عن السنة الرسمية وتثبيت (الأرثوكسية السنية السلجوقية) وهذه المهمة تعطي لوجودهم شرعية وتعطي لحروبهم ضد أعداء الخلافة العباسية شرعية مضاعفة.
السلاجقة المعروفون بأنهم جماعات قتالية، أخذتهم شهوة الجهاد، وأعطوا لـ(السنة) مفهوماً أحادياً وقطيعاً لا يقبل التعدد والاختلاف، صارت (السنة) أيديولوجيا جهادية، مشبعة.

جريدة الجريدة في حوار عن نصوص متوحشة

رابط الموضوع

نصوص متوحشة: قراءة سياسية لفكرة التكفير

عبد الرحمن جاسم

“لا تتسرعوا في ابداء الحكم، ففي ذلك مقتل”
راينر ماريا ريلكه (شاعر ألماني)

منذ البداية أحسست بأنني مشدود لقراءة كتاب “نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه” لكاتبه البحراني د. علي الديري، قبل أي شيء، فتمهيد الكتاب –والذي أنصح الجميع بقراءته- هو “عين” الدكتور علي وروحه التي تبدو معلقة بين الكلمات. إنه يريد منا جميعاً أن نفهم ما هو هدفه الخاص من جراء هكذا “دراسة” .  تبدو الأسباب الشخصية بائنةً للعيان. قد يرى البعض هذا مشكلةً في النص، بل قد يراها بعض آخر أنها “تضعفه” ولكن المدرسة الحديثة في “الأبحاث” ترى أن “رغبة” الشخص “الخاصة” في “كشف” الحقيقة و”إيضاحها” للناس تجعله باحثاً “شرساً” ومغامراً عنيداً في سبيل المعرفة، لا بل إن بعض الجامعات يحض عليها، وتعطي الأفضلية للباحثين المرتبطين بقضايا شخصية مع المادة “المبحوث” فيها وعنها.

هذا كله، لم يمنع حس الناقد بداخلي من التحرك، كنت أريد أجوبة عن أربعة أسئلة يعتبرها الناقد سلاحه الأبرز: ماذا؟ لماذا؟ كيف؟ أين؟. كنت أريد أن أسأل ماذا يكتنز هذا الكتاب؟ خصوصاً لعلمي أن الدكتور علي يمتلك خلفيةً مرتبطة بتحليل الخطاب، وكذلك كيفية استعمال “المجاز” فضلاً عن إدراكه كيفية استعمال “الفلاسفة” لمنطقهم التفكيري. لكن هذه المرة هو يتحدث عن “التكفير”، لربما لما للمعنى/الفكرة من أهمية في عصرنا الحالي أو كما كتبه هو على غلاف الكتاب: إننا نفتح نصوص التوحش في تراثنا الآن لأن هناك وحشا حقيرا يسرق وجوهنا باسم الدين، والخلافة الإسلامية والمدارس الإسلامية والأئمة الإسلاميين. يعتبرنا هذا الوحش أعداء يجب قتلهم وسبيهم، وينظر إلى ممارساته هذه كعبادةٍ كما سائر العبادات من حيث كون التكفير شعيرةً دينية. ولا ريب أن هكذا كلمات هي الإجابة الرئيسية عن “ماذا” و”لماذا” هذا الكتاب.

ماذا عن “كيف” إذاً؟ يتناول د. علي القضية الشائكة بين أيدينا بهدأةٍ شديدة، وإن “بشراسة” المحقق، فهو يبدأ بتعرية الموضوع الماثل أمامنا تاريخياً متناولاً إياه “كموضوع سياسي” بحت، يعيده إلى مراحله الأولى من خلال ثلاثة فصولٍ يتناول فيها أبرز مراحل القضية المطروحة:
بيئة السلاجقة (في القرن الخامس الهجري) مع قراءة لنصوص الغزالي الخاصة بهذا النوع من الفكر، بيئة الموحدين (القرن السادس الهجري) من خلال نصوص ابن تومرت، وأخيراً بيئة القرن الثامن الهجري مع سلطة المماليك ونصوص ابن تيمية). يبدأ البحث من خلال “نقاشٍ تمهيدي” عن التكفير منقسماً بين “رجل الدولة ورجل الملة” وكيف أن كليهما ظهر بهذا الشكل الواضح والمباشر عند قيام الدولة السلجوقية بتطبيق “السلطة الدينية التكفيرية” كنظام حكم (وليس قبلها كما يدعي البعض، ففي السابق كان الأمر مجرد سلوكٍ فردي”، ولكن هذا لا يعني البتة اختراع السلاجقة للتكفير).

يتناول في الفصل الأول المرحلة السلجوقية الأولى التي أدخلت المفهوم كتحرك سياسي “نظامي”، فيتحدث عن كتاب “سياست نامه” أو ما عرف بالعربية بكتاب “سير الملوك” للوزير السلجوقي الشهير نظام الملك الطوسي، وزير ملكشاه ابن محمد؛ إنه كتابٌ يعين “الحاكم على أمته” ويدله على أيسر وأبسط السبل التي تجعله قادراً على “خنق” معارضيه والإمساك بتلابيب الحكم حتى يشاء. أنشأ الوزير نظام الملك مدارس عرفت باسم المدارس النظامية، هذه المدارس التي من شأنها حماية الحكم السلجوقي ونشر “المذهب الشافعي” الذي كان نظام الملك “متعصباً شرساً” له، ولمعاداة الشيعة الإسماعيلية تحديداً (الذين كانوا يمتلكون قوة آنذاك).

لقد كانت هذه المدارس التي انتشرت بكثرة سبباً رئيسياً في تخليق “الأرثوذكسية” الدينية (وهو مصطلح استعمله محمد أركون بدايةً لتوصيف تأطير الدين بهذه الطريقة القاسية). وقد تأطر هذا النظام إلى الدرجة التي أصبح فيها ممثلاً للدولة السلجوقية بأكملها. طبعاً هذه كانت المرحلة الأولى من “التكفير” لتتبعها المرحلة الثانية مع أبي حامد الغزالي، ويستعير كتاباً للرجل وهو “فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية” وفيه يتعامل الغزالي مع الباطنيين بمنطق “التكفير” المطلق وبصفتهم خارجين على ولي الأمر والإسلام وإجماع الأمة حكماً، فيما يظهر كتابه “فضائل المستظهرية” كتكريس لشرعية الخليفة العباسي المستظهر بالله (والذي كان في الـ 17 فقط من عمره آنذاك) كخليفة حق وولي أمر مفترض الطاعة. يظهر “التوحش” ههنا بشكلٍ واضح: إذ يكفي أن نعرف فقط أن أكل ذبائح “هؤلاء” هو “محرم” حتى نعرف عمّ تحدث الغزالي هنا، إن هؤلاء يصبحون حين تكفيرهم: خروجاً عن الإنسانية بشكلٍ كامل قاطع.

nousous 3

قراءة سياسية لفكرة التكفير

يأتي الفصل الثاني ليبتعد قليلاً عن مركزية الدولة المتمركزة في بغداد، ليقترب إلى المغرب العربي من خلال تجربة “دولة الموحدين” مع مفكرها ابن تومرت، الفقيه المغربي الشهير ورجل الدولة الأول هناك. وابن تومرت هذا لمن لا يعرفه، هو خريج من خريجي ذات المدرسة، أي النظامية، وقد التقى أثناء زيارته للمشرق والتي طالت سنين عدة (وقد أعطته هالةً مقدسة استخدمها في كل معاركه لاحقاً)، بالغزالي بحسب رواياتٍ كثيرة، وتأثر به كثيراً وقد أعجب الرجل بأسلوب أئمة الأشعرية واستحسن أسلوبهم في الدفاع عن العقائد السلفية، واستطاب رأيهم فيها. ربط ابن تومرت بين فكرتي التوحيد والتوحش معاً ودمجهما مع “لذة الجهاد”، وقد أدت “مواجهته” العنيفة مع “المرابطون” (الذين سيكون القاضي عليهم لاحقاً) وفقهائهم من المالكية إلى تخليق مذهبه الخاص وجماعته الخاصة التي دعت نفسها “الموحدون” في إيحاءٍ دقيق: نحن الوحيدون الذين نعتنق التوحيد الصحيح. ويستعير الدكتور علي كلماتٍ للذهبي في كتابه “العبر في خبر من غبر” حالة ابن تومرت: جره إقدامه وجرأته إلى حب الرئاسة والظهور وارتكاب المحظور”. ويشير الكتاب إلى أنَّ “عقوبة الحرق” (والتي استخدمتها داعش لاحقاً بعدهم بسنين) تم استخدامها من قبل “الموحدين”.

أما الفصل الثالث والأخير من الكتاب فهو يتناول لربما أحد أشهر الأسماء في “عالم” التكفير اليوم والتوحش بلغته الحديثة، إنه ابن تيمية متمظهراً في دولة المماليك وإن بفشلٍ كبير مقارنةً مع من سبقوه (فهو لم يتمكن من أن يؤسس دولةً، بل سجن، وبقيت كتبه تنتظر مئات السنين حتى ظهور محمد بن عبد الوهاب وتمكنه من جعلها عقيدة الدولة السعودية الرسمية في العام 1745 م). سيشتهر الرجل بعد معركة “شقحب” الشهيرة بين المغول والمماليك، والتي كان فيها بطلاً ونازع فيها السلطان الناصر بن قلاوون الضجة والشهرة، يومها قال ابن تيمية كلمته الشهيرة: “انا رجل ملة لا رجل دولة”. وهي جملةٌ “كاذبة” للغاية من رجلٍ يبحث عن “السلطة قبل أي شيء”. عارض الشيخ كل شيء، وأحكمت فتاويه “السيف” في جميع “المخالفين” والأقليات التي عدّها كلها “كافرة” وتستحق “الموت”، ولكن أبرز من عاداهم وللمفارقة هم “الأشاعرة” بالذات.

حارب الرجل مذهب الأشاعرة لا لسبب إلا لأنهم ينافسونه على ملعبه وبين جمهوره، فهم يقولون “زوراً وبهتاناً” بحسب كلامه إنهم “مذهب الدولة” و”مذهب أهل السنة والجماعة”. وهذا أمرٌ لا يرتضيه أبداً. تظهر الخلافات ههنا بين المذهبين وبحدةٍ أيضاً: فابن تيمية يحاسب الأشعري على كتابه الأخير الذي كتبه أي “الإبانة” ويعتبره أنه “سلفي” كما يرغب، بينما يأتي الأشاعرة ميالين لقراءة كل تاريخه والتعامل على هذا الأساس مع ما يحدث.

يشرح الفصل صراعات ابن تيمية الكثيرة ضد أي شيء يخالفه، وكل شيءٍ “يمكن استخدامه” لتضعيف خصومه والقضاء عليهم. ويكفي أن نتحدث عن “توحش” ابن تيمية في الرسالة “الفتوى” التي أرسها إلى السلطان الملك الناصر بن قلاوون حيث يعطيه فيها “الشرعية الكاملة” لكل ما قام به من مذابح قتل خلالها “الشيعة” المعارضين له، معتبراً أنه في كل 100 عام يأتي مجددٌ للدين وهذا المجدد هو قلاوون، ويعتبر أنَّ ما فعله الناصر هو نفس ما فعله الخلفاء الراشدون في حروب الردة، قائلاً في فتواه: “يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين ملتزمين ببعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة”.

في الختام؛ هو كتابٌ ذو جهدٍ كبير وحثيث في تناول “التوحش” من منابعه، وكيف أنّه يتعدى مرحلة الفكرة الدينية بكثير ليصلها بفكرة السياسة، وكيف أن هذه الدول استخدمت الدين/المذهب كوسيلةٍ للقضاء على أعدائها دون أي مسوغٍ منطقي سوى ألعاب حواة من قبل شخصياتٍ كانت تمتلك لساناً حذقاً، وعقلاً خلبياً يمكنهم من “قتل معارضيهم بكل طمأنينة بال، وهدوء سريرة”.

الباحث البحريني علي الديري يدرس “نصوص التوحش”

خارطة التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية

عرض / وسام السبع

– العنوان: نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية.
– المؤلف: د. علي أحمد الديري.
– الناشر: مركز أوال للدراسات والتوثيق.
– عدد الصفحات: 217.
– الطبعة: الأولى، 2015م.

يطرح الأكاديمي والناقد البحريني المغترب علي الديري في كتابه الجديد (نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية، 2015م) نقاشاً جدياً للنزعة التكفيرية التي هيمنت على خطاب المؤسسة الدينية، مستعيناً بدرس التاريخ وتقصي مراحله المفصلية الملتهبة والمثقلة بالصراعات العقائدية. جديدٌ في 217 صفحة من القطع المتوسطة يطل علينا من بيروت “دوحة الأزر وسط مستنقع الكفر” والذي أهدى عمله اليها وهي التي “لايمضي هواها” كما في نص إهداءه الشاعري.

في كل مرة يطل علينا الديري في عمل جديد يتحفنا بأطروحة جديدة يعالجها باقتدار وتمكن وصبر، والصبر في كتب من ذلك النوع الذي يكتبه الديري شرط يوازي الاتقان، وقيمة أي كتاب تكمن في قدرته على استعراض أطروحة رئيسية جديدة تتسم بالراهنية والعمق، وفي أسلوبه وكلماته في عرض أفكاره تاليًّا، وفي الحالين فان الديري أثبت غير مرة في أعمال فكرية سابقة (للديري ستة كتب سابقة منشورة بينها كتاب “خارج الطائفة” 2011م، وكيف يفكر الفلاسفة ؟ 2013م) قدرة استثنائية على خوض ملفات فكرية شائكة مستعيناً بذخيرة ثقافية واسعة واستعداد ذاتي عالي يخوله الدخول لمناطق بكر في ثقافتنا يتهيب وربما يعجز كثيرون عن ارتيادها ومقاربتها. الديري مثقف استثنائي جسور مسكون بالنقد والمسائلة وكتابه، على اختصاره، يعد واحداً من أجدّ وأكثر المداخلات الفكرية الجسورة عمقاً في سبر مجاهل التاريخ والاستعانه بشواهده في فهم وفضح ملابسات تشكل الحاضر المستقبل دليلاً على هذه الجسارة.

في مقاربته لنصوص التوحش يجتهد الديري في قراءة سرديات التكفير في سياقها السياسي، أي سياق اقترانه بالسلطة أوسياق سعية لامتلاك السلطة. يقول: “أسعى في هذا المجال إلى قراءة نصوص ليس كاجتهادات فقهية اوعقائدية بل كمشاريع سياسية أو مرتبطة بالسياسة، كما هو الأمر مع كتاب الغزالي (فضائح الباطنية) الذي كتبه برسم السياسة السلجوقية في حربها ضد الفاطميين”. (ص 18 – 19)
يستعيد الخطاب التكفيري مقولة محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ/ 1792م)، باعث سلفية ابن تيمية في القرون المتأخرة “إنما عُودينا لأجل التكفير والقتل” التكفير والقتال يحددان دائرة العداوة، وبهذا يصير التكفير حقلاً للتوحش، وممارسة التكفير تصبح “إدارة للتوحش” وهو عنوان أشهر كتاب في أدبيات التكفيريين الحديثة.

يتشكل الكتاب من تمهيد ومدخل وثلاث فصول خص في كل فصل دراسة معمقة لتراث واحد من رموز فقهاء التوحش ومنتجي سرديات التكفير، الأول أبو حامد الغزالي (ت 505هـ / 1111م) في كتابه (فضائع الباطنية وفضائل المستظهرية) في المرحلة السلجوقية، والثاني محمد ابن تومرت (ت 524 هـ / 1130م) في المرحلة الموحدية، والثالث ابن تيمية (ت 728 هـ/ 1328م) في المرحلة المملوكية.

الديري يوقع أحد كتبه في معرض للكتاب
الديري يوقع أحد كتبه في معرض للكتاب

فكر الغزالي.. فضائح الباطنية ومنشور الدم
توقف الديري في الفصل الأول من كتابه عند عند فكر أبي حامد الغزالي، ودرس كتابه (فضائع الباطنية وفضائل المستظهرية)، وانطلق من هذا الكتاب في ايضاح المقصود من نصوص التوحش، لافتاً القاريء إلى الفصل الثامن من الكتاب والذي تناول فيه الغزالي قضية تكفير الباطنية التي يقصد بها الإسماعيليين على وجه الخصوص، وضمنا تدخل فيها باقي الفرق الشيعية، ووجوب سفك دمهم. وقد كتب الغزالي كتابه في نهاية القرن الخامس الهجري.

أراد الغزالي كما يقول فضح عقائد الباطنية ومتبنياتهم الفكرية، فكتب محذرًا الناس منهم، وكفّر فئة منهم وأجاز قتالهم، إنه ينفذ خطة نظام الملك الذي اعتبر الباطنية العدو الأول للدولة في كتابه (سفر نامة). والتفسير الذي يمكن سوقة هنا لاستهداف الغزالي للإسماعيليين هو بسبب الصراع السياسي الدائر بين الفاطميين (الإسماعيليين) مع الخلافة العباسية التي كانت تحت حكم السلاجقة، وكان الوجود الإسماعيلي المتعاظم يشكل تهديد جدّي حتى لقد وجدنا مستشرقاً قديراً كآدم ميتز (ت 1917م) الذي درس الحياة والمجتمع الإسلامي في القرن الرابع الهجري يطلق عليه “القرن الشيعي” من هنا كانت الدعاية المضادة عنيفة جداً ضد الإسماعيلية.

ويستعير الديري، ما يطلق عليه فرهاد دفتري أبرز المؤرخين المتخصص في التاريخ الإسماعيلي في عالم اليوم، مصطلح (الخرافة السوداء) لوصف عمليات التشنيع التي مارسها الغزالي وغيره من علماء الخلافة العباسي ضد الاسماعليين كما أسهم الصليبيون الذين اشتبكوا مع الإسماعليين في صناعة هذه الخرافة.

يتوقف الكتاب أيضاً عند الجزء الثاني من عنوان الكتاب “فضائل المستظهرية” ليشير به إلى لقب الخليفة العباسي المستظهر بالله، فقد أراد الغزالي فيه تركيز شرعية الخليفة العباسي كخليفة حق، وولي أمر مفترض الطاعة، مقابل الباطنية كأهل باطن خارجين على ولي الأمر والإسلام وإجماع الأمة مستنفراً جميع قدراته الأصولية والمنطقية بالقدر الذي يفوق ما بذله في فضح الباطنية وإثبات كفرهم.

هنا تعد معركة (شقحب) في 1303م حدث فاصل في التاريخ المملوكي، ففي هذه المعركة التي نشبت بين المماليك بقيادة السلطان الناصر بن قلاوون والمغول كان لابن تيمية دور محوري في تشجيع الناس والشد من عزيمة الحكام وجمع الأموال، كان أول الواصلين إلى دمشق يبشر الناس بنصر المسلمين، ولما احس بخوف السلطان من أن يستغل حب الناس له فيثور عليه قال:”أنا رجل ملة لارجل دولة”. سيمتد الدور الذي لعبه ابن تيمية مع رجل الدولة، إلى قتال الشيعة في جبال كسروان بلبنان باعتبارهم كفاراً مرتدين عن الإسلام، هكذا ستكون الفتوى دوماً في خدمة رجل الدولة للتخلص من أعدائه ومعارضيه (ص 23).

كارثية الاعتقاد القادري

لقد أصدر الخليفة العباسي القادر ما عرف بـ “الاعتقاد القادري” وهو مرسوم يحدد مفهوم الألوهية والصفات والأسماء المثبته لله، ومفهوم الإيمان والكفر والاعتقاد الواجب اتجاه الله واتجاه الصحابة.

وقد وجد السلاجقة في هذه الاعتقاد تعبيراً عن ذودهم عن الإسلام والسنة، وكان هذا المعتقد يخرج ويقرأ على الناس في المشاهد والمجامع العامة، وفي المساجد والجوامع، وجرى في إثر ذلك إخماد جميع الأصوات المختلفة لاسيما المعتزلة والشيعة والمدارس التي أُنشئت منذ العصر السلجوقي، وهي المدارس النورية في عهد نور الدين زنكي، ومدارس صلاح الدين الأيوبي، كل هذه المداس تكاد لاتخرج على هذا المعتقد “الأرثوذكسي” ولا مكان فيها للفلسفة وعلم الكلام أو لتدريس المذاهب المختلفة، لم يخرج عن ذلك غير مدارس قليلة مثل المدارس التي عرفتها مصر في العهد الفاطمي، قبل أن يأتي صلاح الدين ويغلقها. (ص 25). سرى ذلك على الدولتين الزنكية والأيوبية اللتين اعتمدتا ذات الأيدلوجية ولكن على نطاق جغرافي أوسع شمل بلاد مصر والشام.

احتاج السلاجة إلى جيش من الفقهاء والقضاة والعلماء والخطباء والمحدثين، لتثبيت مهمتهم الدينية المتمثلة في الدفاع عن السنة وتثبيت (الأرثوذكسية السنية السلجوقية) وهم وجدوا أن هذه المهمة تعطي لوجودهم شرعية وتعطي لحروبهم ضد أعداء لخلافة العباسية شرعية مضاعفة.

وقد وجد السلاجقة في الصليبيين العدو الذي يهدد الإسلام والخلافة الشرعية، لكنهم قبل ذلك وجدوها في الباطنية، وحين بدأت الحروب الصليبية تم توسيع دائرة العدو فألحق الباطنية بالصليبيين، وتم تعميم صورة أكثر تشوييها للفاطميين، فاعتبروا خونة وحلفاء مع الصليبيين وسبباً في هزيمة المسلمين واحتلال بيت المقدس. (ص 28)

هكذا تداخلت العملية العسكرية مع العملية الدينية عبر تجيير جيش من العلماء والقضاة والمحدثين والفقهاء وكتاب التاريخ، ليكتبوا بأقلامهم حدود العداوة والتكفير.

ويبرز في هذا المعترك التخويني الموقف الذي أطلقه الحافظ محمد بن بن سهل الرملي الذي قال:” لو كان معي عشرة أسهم لرميتُ الروم بسهم ورميتُ المغاربة [الفاطميين] بتسعة” وقد عمل أميره حسان بن مفرج بهذه الفتوى فاستنجد بالروم ولكنه زاد على الفتوى بأن ألقى سهامه العشرة كلها على الفاطميين ولم يلق ولو بسهم واحد على الروم !

هكذا تم تحويل الفاطميين والإسماعيليين والشيعة والمعتزلة والجهمية كأعداء واعتبرت الجغرافيا التي يسكنون فيها دار كفر، لأنها خارجة عن ولاية الخليفة الشرعي العباسي الذي يمثل الإسلام الصحيح.

لا تستقر الأمور دائماً وفق ما تشتهي رغبة الفقيه التكفيري، فشيطان التكفير يرتد عليه في ما بعد، فعلى سبيل المثال، في دولة المرابطين، في عهد علي بن يوسف بن تاشفين، ثاني الأمراء المرابطين، وصل الأمر إلى أنهم أحرقوا كتاب الإحياء للغزالي، واعتبروه “كتاب ضلال”، ذلك أن الغزالي نفسه فتح المجال أمام تكفير الآخرين بناءً على تأويلاته، ولم يكتف بمقياس من قال ” لا إله إلا الله محمد رسول الله” لإثبات إيمان أي شخص، وإغلاق باب الكفر بهذه الجملة. (ص 75). ويرصد المؤلف ما يسميه بتوحش أحكام التكفير حين يستعرض “أحكام من قضي بكفره”؛ فالغزالي يرى بأن الإمام مخير مع الكافر الأصلي في إطلاقه أو افتداءه بمال أو أسرى أواسترقاقه أوقتله، أما المرتد فالواجب قتلهم وتطهير وجه الارض منهم، هذا حكم الذين يحكم بكفرهم من الباطنية”. فالاطفال لايُقتلون مباشرة، فهناك تفصيل، النساء يقتلن مباشرة، ولايعرض عليهن الإسلام، الصبيان يعرض عليهم الإسلام، فان قبلوا والا قتلوا. هذا هو حكم الارواح محكومة بسفك الدم، نص في غاية التوحش، قتل للانسان وزوجته وابنته على معتقده وموقفه السياسي. (ص 80).

يتابع الديري مشروع الغزالي في كتاب آخر هو (الاقتصاد في الاعتقاد) الذي يفصل فيه مراتب المكفرين، ويوسّع مراتب الذين يكفرهم، وتضم هذه المراتب الباطنية وغير الباطنية، توسعٌ يُقدم لنا فكرة أشمل عن طبيعة الارثوذكسية/ النظامية/ السلجوقية/ السنية) في موقفها الفكري والعقائدي من المختلف معها وعن الفئات المستهدفة بالتكفير من قبلها.

وكتاب (الاقتصاد في الاعتقاد) هو آخر إنتاج للغزالي قبل تخليه عن التدريس في المدارس النظامية ودخوله مرحلة العزلة الروحية. ومن المعروف أن المدارس الناظمية هي مدارس أنشئت في بغداد وفي نيسابور وقد أنشأها ألب ارسلان، مؤسس الدولة السلجوقية، وتولى زمامها الغزالي في نيسابور ثم في بغداد.

وينتهي الديري إلى أن الخطاب الذي بلوره الغزالي فتح أصلاً مؤسساً لفكرة التكفير، وهو خطير لانه مبني على قواعد شرعية وعقديّة وخطاب عالم قريب من السلطة، بل هو جزء منها ولهذه الجهة بالذات تمثل نصوص الغزالي أخطر من الخوارج الذين لم ينتجوا نصوصاً رغم غظم الدور الذي مارسوه في مراحل متقدمة من التاريخ وحياة المجتمع الإسلامي.

وقد دخل “النسب” القرشي في سياق الصراع السياسي المحتدم في القرن الرابع والخامس، فالنسب القرشي كان دائماً شرطاً من شروط تبوء منصب الخلافة، ولكن ماذا إذا كان العباسيين والفاطميين قرشيون ؟

أثار هذا الأمر حروب طاحنة بين الفريقين، وقد قاد هذا النزاع العباسيين شن حرب كبرى لتشويه نسب الفاطميين اشترك فيها الأعيان والنخبة العلمية التي وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع وضع تسوده الكراهية، واندلعت حروب التشكيك في نسبهم ووضع أنساب لهم تقربهم من اليهود أو تجعلهم ينتسبون إلى نسب وضيع مشكوك فيه. وفي العصر العباسي السابق، في العصر البويهي، أدت هذه المسألة إلى أن تكتب العرائض وطلب من العلويين – بإملاء سياسي – أن يوقّعوا عليها ويتبرؤوا من الفاطميين، ويعتبروا نسبهم غير علويّ.

وقد مثّل كتاب (سياست نامه) الذي وضعه الوزير السلجوقي المشهور نظام الملك الطوسي دستوراً للدولة السلجوقية، ويعني (سير الملوك) وقد وضعه الطوسي في الفترة التأسيسة لسلطة السلاجقة، وعندما وضع الكتاب أُعجب به ملكشاه وقال:”لقد اتخذت الكتاب إماماً لي، وعليه سأسير”. لقد كتب نظام الملك كتابه باللغة الفارسية لأن السلاجقة اتخذوا الفارسية لغة الدواووين والرسائل إلى جانب العربية.

لقد بلور نظام الملك أطروحة سياسية بالغة الدقة في كتابه الذي يعد واحداً من النصوص الدينية المتوحشة، وهي سياسة مثلت الخلافة العباسية التي كان يحكم السلاجقة باسمها. هذه النصوص بقيت ومازالت تعمل إلى اليوم، وسياسة نظام الملك هي التي أنتجت هذه النصوص التي أتت في فترة متأخرة عنها.

ابن تومرت والدولة الموحدية: من نصوص التصفية

وإلى المغرب العربي والأندلس حيث يدرس الفصل الثاني من الكتاب نصوص الفقيه المغربي ابن تومرت (ت 524هـ/ 1130م) رجل دولة الموحدين الأول. والذي عاش في الفترة التي حكم فيها السلاجقة بغداد. وهو أحد خريجي المدارس النظامية، وقد التقى بالغزالي وتأثر به اثناء رحلته المشرقية في التحصيل ويصفه ابن خلدون :”وانطلق هذا الإمام راجعاً إلى المغرب بحراً متفجراً من العلم وشهاباً وارياً من الدين”.

عاش ابن تومرت في بيئة أضعفها التفكك وأنهكها التهديد الصليبي للوجود الإسلامي في الأندلس والمغرب. وقد جاء وهو يفكر في مشروع انقاذي يعطي للمسلمين بعضاً من هيبتهم المفقودة وعزهم المسلوب. وهنا انهمك في صياغة عقيدة متشددة فيما يخص التعالي الرباني والتوحيد الالهي، وسيبلور مفهوماً احتكارياً للتوحيد على جماعته (الموحدون)، باعتبارها الجماعة التي تعتنق التوحيد الصحيح، وستكون العقيدة (المرشدة) نشيد دولة الموحدين.

لقد تعلم صياغة العقيدة المرشدة الخاصة به من خلال المدارس النظامية التي كانت إحدى تجليات السعي السلجوقي للتمثيل السني في العالم الاسلامي في العراق فهناك لديهم نسختهم المنقحة من المعتقد القادري المبني على العقيدة الأشعرية التي أمست أيديولوجيا للدولة السلجوقية.

بلوّر ابن تومرت رؤيته عبر خطبه ورسائله ومناظراته التي ستجمع في ما بعد حين تتمكن دعوته من تكوين دولة، في كتاب أطلق عليه (أعز ما يطلب). الكتاب الذي تحول إلى دستور الدولة الموحدية، وذلك على يد أحد تلامذته وهو عبد المؤمن بن علي الكومي (ت 558هـ/ 1163م) الحاكم الأول لدولة الموحدين، وهو نفسه الذي سيجمع لاحقاً هذا الكتاب وسيعتبره دستور الدولة وعقيدتها وأيديولوجيتها.

ويذهب المؤلف في مناقشة تفاصيل الصراع الذي نشب بين فقهاء المالكية والموحدين، إذ اعتبروهم من الخوارج بسبب العنف الذي قاموا به وبسبب خطابهم التكفيري لأهل السنة. “وصحيح أن القوة السياسية التي أسسها ابن تومرت قد ابقت الأندلس قوية عند المسلمين ما يقارب قرناًونصف من الزمان، وقد عرف عصرهم ازدهاراً علمياً وثقافياً واشتهر فيه علماء وفلاسفة كابن الطفيل وابن رشد، ولكن علينا أن نراجع هذه الانتصارات الكبيرة اليوم لأننا نحصد مآسي كبيرة وسفكاً كبيراً للدماء”.

(ص 123). والمؤلف يستعرض نماذج من المذابح التي ارتكبها الموحدون في مراكش. وكانت من الادبيات الخالدة التي تركها ابن تومرت “وكان في وصيته إلى قوم اذا ظفروا بمرابطٍ أو أحدٍ من تلمسان أن يحرقوه” كما يذكر المؤرخ الذهبي في (تاريخ الإسلام). لكن غلواء التوحش خف مع استتباب الأمر للدولة الموحدية وجرى تحوير مدلول (التوحيد التومري) بحيث أضحى أكثر تسامحًا واتساعاً.

ومن المفارقات الغريبة، يسجل المؤلف، أن ابن تيمية وتلميذه الذهبي يتسنكران على ابن تومرت ودولته سفك دماء المسلمين، والحكمة بشرعنة هذا السفك، ويتناسيان انهما حين جاءا بعد وفاة ابن تومرت بأكثر من 130 عاماً، قد أنتجا نصوصاً اكثر توحشاً وتشدداً.

حصاد المرحلة المملوكية.. نصوص ابن تيمية

في الفصل الثالث من الكتاب والذي حمل عنوان “ابن تيمية والتكفير المملوكي” يستعرض فيه المؤلف نصوص ابن تيمية وأثرها في تأسيس بذور الخطاب التكفيري في التراث الإسلامي.

2_01357199277

ولد ابن تيمية في سوريا بمنقطة ملتهبة تعيش توتراً بين التتار والمماليك والصليبيين، فيما العالم الإسلامي يعيش تشتتاً كبيراً على مستوى السلطة المركزية فالخلافة العباسية سقطت، والمغول يسيطرون على العراق وإيران ويهددون حدود الشام، الفاطميون سقطوا، الصليبيبون مازالوا موجودين.

لم يكن ابن تيمية موظفاً داخل بلاط السلطة، كما كان الغزالي موظفاً عند نظام الملك الذي ترأس مدرسته النظامية عندما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، وهو ليس صاحب مشروع دولة وسلطة كما كان ابن تومرت حين انشأ الدولة الموحدية. مع ذلك، فان نص ابن تيمية يتقاطع مع نص السياسة والسلطة والقوة، وهذا التقاطع لعب دوراً كبيراً في صناعة نصوص توحش وواقع متوحش أيضاً ففتاويه لعبت دوراً كبيراً في إحداث مجازر دينية مستمرة حتى اليوم. (ص 132)

وقد سعى ابن تيمية لتكون عقيدة ابن حنبل العقيدة الرسمية لدولة المماليك، لم ينجح وكان مصيره السجن، وبقي هذا الحلم مؤجلاً إلى حين انبثاق ميثاق الدرعية في 1745م بين رجل الملة محمد بن عبدالوهاب ورجل الدولة ابن سعود.

لمع اسم ابن تيمية عقب الانتصار الذي تحقق للمماليك على المغول المسلمين في حرب إسلامية – إسلامية في معركة “شقحب”، فقد وضع مشروعية لهذه الحرب وأنتج من خلالها نصوصاً تكفيرية متأثرة بهذا الجو، وقد أفتى لهم بالافطار في رمضان ليتمكنوا من تحسين أدائهم في المعركة. وقد خرج ابن تيمية من كل ذلك بنجومية كاسحة نافس بها السلطان المملوكي نفسه.

واجه المماليك عدو آخر هم الصليبيون وهزموهم في معارك كبرى في فلسطين ودمشق ولبنان، وبعد ذلك كان على ابن تيمية أن يواجه الأقليات المسلمة المصنفة بأنها ليست من أهل السنة والجماعة: العلويون، النصيريون، الروافض، الإسماعيليون، الإثني عشرية الموجودين في جبال لنبان وكسروان. بل إن ابن تيمية خاض معارك عقيدية متعددة الجبهات وكانت واحدة من معاركه الكبيرة مع الأشاعرة ممثلي أهل السنة والجماعة كما يشرح الكتاب بالتفصيل.

يجري خطاب التكفير عند ابن تيمية وفق محددات السياسة، بمعنى أن ما حددته السياسية أنه كفر فهو بالنسبة لابن تيمية كفر، وهذا ليس بمعنى الامتثال المباشر أو الخضوع إلى قرار سياسي، وليس بمعنى أنه لا يراعي الضوابط الشرعية، لكن باعتبار أن خطاب من يتحدث باسم أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يخرج على خطاب السياسة؛ ذلك أن إحدى مقتضيات الدين الأساسية عند أهل السنة والجماعة عدم جواز الخروج على الإمام أو الخليفة حتى لو كان فاسقاً أو مغتصباً للخلافة أو شارباً للخمر أو ظالماً أو مستولياً على السلطة بالقوة كما يوضح الكتاب. (ص 167) من هنا قد لايكون من المستغرب ذلك التطابق الذي نعثر عليه في خطاب ابن تيمية مع الغزالي في تكفير الإسماعيليين والروافض والفلاسفة وعموم الفرق الشيعية.

وضع ابن تيمية معياراً لتكفير الفرق هو أن يكون ظاهرة الفرقة وباطنها يدلان على الإسلام. فاذا كان في الباطن ما يدل لى مخالفة الإسلام فان هذه الفرقة كافرة، والباطن يعرف من خلال فحص طبيعة المعتقدات والمنشأ. مواصفات وجدها ابن تيمية متحققة في الشيعة على أكمل معنى على تفاصيل يشير لها الكتاب.

وقد كتب ابن تيمية مطلق القرن الرابع عشر الميلادي فتوى تاريخية شهيرة أرسلها ابن تيمية لسلطان الممالك الناصر بن قلاوون أعطى فيها المشروعية الدينية لتنفيذ مذبحة كسروان التي قام بها 50 ألف جندي من المماليك فيما عرف بـ (فتوح كسروان) وهي تسمية مشتقة من تهنئة الفتح التي وردت في نص الفتوى.

ويعتبر المؤلف أن فتوى ابن تيمية يمكن عدّها فصلاً ملحقاً بكتاب (فضائح الباطنية) للغزالي، فهو يستعمل – بعد 217 عاماً – تسميات الغزالي وتوصيفاته، ويتتطابق مع موقفه الشرعي والسياسي وعرضه لعقائد الإسماعيليين وكل ما هو مكون في الصورة الذهنية عن هؤلاء.

أصبحت نصوص التكفير والتوحش لوائح إتهام سياسي جاهزة للاستخدام والتوظيف ضد الخصوم السياسيين والعقائديين، والفرضية التي ينطلق منها الديري في درساته صاغها في هذه الجملة المختصرة: “الوحش يكمن في (أرثوذكسية السنة السلجوقية) هذا هو الوحش الذي يسرق وجوهنا” فـ “نص التكفير يبقى ويستخدم ويولّد نصوصاً أخرى، ويجعل الاختلافات السياسية حالة عداء لاتنتهي، في حين أن الخلاف السياسي قد ينتهي”.

في الكتاب خوض شيق لمقولات فكرية حاولت أن تقرأ مسار العقل والتجربة العربية وهنا يشير الديري إلى محمد أركون بوصفه صاحب أولى المحاولات الفكرية التي قاربت مصطلح الأرثوذكسية الإسلامية التي تتقاطع مع مفهوم الفرقة الناجية، لكن الديري يبدي استغراباً من سلفية اللبناني رضوان السيد التي تعتبر ما يُكتب من نقد للتراث الإسلامي بحثا عن جذور الارهاب الحديث ما هو إلا استهداف للإسلام السني !!

يصل الديري في عمله الماثل إلى عتبة متقدمة في تحليل الخطاب الثقافي العربي الذي اشتغل على تفكيك مجازاته ورسائله المضمرة لما يزيد على العقدين، هنا ينهد إلى اقتراف شجاعة وعناد أكبر، فإذا كان هاجس الديري في ما سبق الاشتغال على مفاهيم التسامح والتعايش واحترام الآخر، والقفز على الهويات الفرعية وتجاوز الأسوار الطائفية إلى ما كان يراه بنعيم الدولة المدنية التي – وحدها – تكفل صياغة واقع اجتماعي يُصار فيه الجميع سواسية أمام سلطة القانون دونما إزعاج منشأه الحساسيات الدينية؛ فإن الديري الآن بات مقتنعاً بأن نصوص التوحش التي تشكل مرجعية شرعية لتنظيمات الإسلام الجهادي هي المسئولة عن حجم الدمار الذي يفتك بمجتمعات الشرق الأوسط الإسلامية اليوم.

من هنا حاول الديري الرجوع إلى المنابع المؤسسة لثقافة التوحش وإهدار الدم بدواعي الدين وربط سياق التشكل التاريخي لهذه المفاهيم بما يجري في عالم اليوم من مآسي مروعة باسم الدين بغية تعرية هذا التراث المرعب وإدانته وتجاوزه وتأسيس رؤية دينية أكثر تسامحاً وإنسانية تحترم إنسانية الإنسان وتصون حقوق البشر وتنصف محاسن الحياة بكل تجلياتها الإنسانية. كان المغربي محمد عابد الجابري يعتبر إن “أزمة الثقافة العربية كانت باستمرار سياسية في دوافعها”. وهذا ما يجتهد الكتاب في شرحه مفصلاً.

جاسم آل عباس لمركز أوال للتوثيق: في سنوات السجن حلمت بسنوات الجريش

أوال (خاص): مدونة سنوات الجريش، موقع إلكتروني مختص بتراث البحرين وحضارتها وتاريخها، أطلق في 2004. التّسمية مستوحاة من سنوات القحط والجوع التي عاشها سكان الخليج أثناء الحرب العالمية الثانية 1939-1945. قبل أن تكون (سنوات الجريش) كان جاسم آل عباس، يزور القرى ويكتب تقاريره عنها وينشرها في المنتديات، شجّعه التفاعلٍ على الكتابة عن تاريخ البحرين، مدفوعاً بحب الاستطلاع والبحث عن الهوية التي تتعرّض لتشويهٍ متعمّدٍ.

مركز أوال للدراسات والتوثيق قام بإجراء مقابلة مع مؤسس (سنوات الجريش)، وهذا أبرز ما جاء فيها:

أوال: انطلقت فكرة تأسيس المدونة من خلال تساؤلاتك عن قريتك المعامير عندما كنت معتقلاً في فترة التسعينات، أخبرنا عن تلك الانطلاقة، وإلى أي مدى تعتقد أن موجة الاعتقالات في الآونة الأخيرة ستساعد أكثر على إصرار الشعب البحريني على البحث عن تاريخه؟

سنوات الجريش: انطلقت فكرة المدونة مع بداية 2000. بحثت عن بعض المعلومات المتعلقة بتاريخ البحرين أو التّاريخ الإسلامي أثناء اعتقالي في التسعينات لمدة أربع سنوات، وبعد الإفراج عني من سجن جو المركزي في1999 بدأت أفكر بالمشروع. بين عامي 2000 و2004، سعيت إلى تدوين بعض جوانب تاريخ البحرين، بحثت عنها في الكتب والمصادر التي كانت متوفرة كأرشيف ورقي فقط.

أسست الموقع في عام 2004 وقد لاقى رواجًا عند الناس، وهذا ما شجعني لتقديم المزيد فأصبحت هذه المدونة مصدر أساسي لتاريخ البحرين.

إنّ البحث عن تفاصيل التاريخ شيء مهم جدًا بالنسبة لشعب البحرين، فهو يشعر بضرورة الاطلاع على تاريخه، لأن الدولة والجهات الرسمية تقوم بمحاولات تهميش التاريخ. الحكومة تريد أن يبدأ تاريخ البحرين من سنة 1783، أي منذ دخول قبيلة العتوب أو آل خليفة، بينما يُحذف ويُهّمش الكثير من جوانب تاريخ البحرين ولا يُذكر لا في المناهج الرسمية ولا في المتحف. وللأسف غُيّب بعض التاريخ وأُحرق في القرون الماضية خلال الصراع الإقليمي وصراع الدول على البحرين، فأُتلفت الكثير من المكتبات والأرشيف المتعلق بتاريخ البحرين وبنهضتها العلمية. كما أتلفت وسرقت الكثير من الوثائق المتعلقة بتاريخ الدولة الرسمي والإداري، تم تهريب الكثير من المخطوطات والوثائق عن تاريخ البحرين إلى دول مختلفة: نجد السعودية وعمان والهند وإيران والعراق والمحمرة والبصرة وزنجبار خلال الفترات الأمنية والاضطرابات التي عصفت بالبحرين.

أوال: أين موقع سنوات الجريش اليوم من اهتمامات الباحثين والمهتمين بتاريخ البحرين؟

سنوات الجريش: برزت أهمية سنوات الجريش حين لم تكن هناك مدونة متخصصة بتاريخ البحرين غيرها، ومنذ مطلع 2000 حتى الآن لا توجد مدونة تضاهيها. هي مجرد مصدر أو دليل يدل الباحثين على الكتب والمصادر والمراجع. سنوات الجريش توفر نبذة عن مواضيع مختلفة كالفترة الإسلامية أو المساجد، دون الخوض في عمقها. هي توفر بعض الكتب والمصادر والصور النادرة والخرائط والوثائق قبل وصول قبيلة العتوب ومحاولتها تحريف التاريخ وربط بدايته ببداية أحمد الفاتح، أي في فترة تثبت وجود الشعب البحريني الأصيل، والتي يمكن الرجوع إليها واستقاء المعلومات منها. ولذلك يتوجه الكثير من الناس إلى الموقع لأنه يكسر هذه النظرية ومحاولة تعميمها، وهذا ما منح المدونة أهميتها.

أوال: تعرضت سنوات الجريش لعدة اختراقات من قبل المنزعجين من حقيقة الوثائق التي تنشرونها، كيف واجهتم هذه الاختراقات وهل زادتكم إصرارًا على مواصلة العمل لتطوير الموقع؟

سنوات الجريش: لم يغلق الموقع رسميًا، لكن هناك بعض الأشخاص من أتباع الدولة حاولوا اختراق الموقع وتدميره. تعرض الموقع خلال سنة واحدة لأكثر من 5 محاولات للاختراق، وتم استدراك الأمر. أغلقت الدولة الموقع مرة واحدة، ثم أعادت فتحه من جديد.

أوال: ما هو واقع تفاعل القراء الحالي، غير المتخصصين، مع الموقع وعلى الانستجرام؟

سنوات الجريش: يتميز موقع سنوات الجريش بشهادة أغلب متابعيه، لأنه يتسم ببساطة الطرح والابتعاد عن المصطلحات العلمية والمعقدة، خصوصًا أن التاريخ والتراث مادة جافة لا تستهوي الجميع. يطرح الموقع المعلومات بأسلوب مبسط جدًا ومختصر بعيد عن التعقيد، وهذا مصداق لقول: خير الكلام ما قل ودل. كما تستخدم سنوات الجريش الانستجرام، فتصل المعلومة إلى المتلقي من خلال صورة تغرس في الذهن تليها معلومة صغيرة لا تتجاوز عشرة أسطر. أما الموقع فيعتمد على طرح الوثيقة والتعليق.

طرق الموقع أبواب جديدة لم تطرق من قبل، فتحدث عن فترة زمنية لم تكن متداولة بين الناس. كان التركيز على فترة ما قبل قبيلة العتوب، ودخول آل خليفة إلى البحرين، فبعد دخول العتوب إلى البحرين زعموا وجود ثمان مناطق، فقط، مسكونة من قبل البحارنة، لذلك تطرقت إلى القرى المهجورة في القرون الماضية، وخصوصًا خلال 300 سنة الأخيرة، بسبب الحروب والصراع الإقليمي ومحاولات الاستيلاء على البحرين التي سببت تهجير الكثير من الناس، فبقيت بعض القرى مندثرة ومهجورة تجاوزت الآن 100 قرية، نشرت الكثير منها في الموقع. نقلت هذه المعلومات من الميدان، كنت أصور وأبحث وأنقب فيشعر المهتمون بمصداقية المعلومات من خلال الوثيقة والصورة والمعلومة.

أوال: هل تفكّر في تسجيل (سنوات الجريش) كمؤسسة غير ربحيّة لتتمكن من الحصول على تمويل المنظّمات الدّوليّة؟

سنوات الجريش: أعتقد أن كل جهد يصب في توثيق تاريخ البحرين يستحق أن ينال الاهتمام والدعم. بالنسبة لموقع سنوات الجريش المفروض أن يسجل كمؤسسة، وأن يكون هناك أشخاص يدعمون هذا المشروع ويعملون على تزويده بالوثائق والمعلومات. حتى الآن، ما زال المشروع ضمن إطار الجهد الفردي، لا أعرف إجراءات تسجيل الموقع كمؤسسة، ليست لدي الخبرة. هدف العمل الآن هو نشر الوثائق والمعلومات، وأنا على ثقة أنّ ثمة أشخاصا يقدرون العمل سيأتون في يوم من الايام، ليتحول إلى مؤسسة او إلى مشروع مدعوم وقد يستمر هذا حتى بعد توقفي. الناس سيستمرون بهذا المشروع لأنهم يشعرون بقيمة وأهمية هذا الموقع. في ظل التجنيس والتداخل الديمغرافي الحاصل يتمسك البحرينيون بهذا الموقع لما يحويه من معلومات. سيلتفت الناس إلى أهمية الموقع بمجرد أن تحل الأزمة السياسية، فـ 99 بالمئة من الناس مشغولون بالسياسة والمشاكل اليومية والاضطرابات. الأمم والشعوب والدول توثق تراثها في حالات الأمن، في الاضطرابات لا يلتفت أحد لهذا الموضوع، لذلك أعتقد أن في المستقبل سيكون هناك تقدير أكبر للموقع من قبل الناس.

أوال: هل هناك مشروع لإصدار كتب أو كتيبات باسم سنوات الجريش؟

سنوات الجريش: نعم ، هناك بعض الأفكار، طبعت ستة كتب حتى الآن، والعمل جارٍ على إعداد آخرين، هناك 7 أو 8 كتب قيد الطباعة كلها تتعلق بالبحرين. التأخير هو بسبب الضيق المادي لأن المشروع فردي، المشاريع الفردية تكثر فيها العقبات والمشاكل، لكن إن شاء الله في المستقبل القريب سننهي المشروع.

من ضمن الكتب المهمة، مشروع كشكول سنوات الجريش، سينطلق العمل فيه بعد فترة، يتضمن آلاف الصور التي نشرت في سنوات الجريش مع معلوماتها، سيتم جمعها وفرزها وتنسيقها وتصميمها، وسيطبع في عدة أجزاء.

أوال: هل ترون ان التنافس مع سنوات الجريش محفز أكثر لتطوير العمل؟

سنوات الجريش: أمنيتي أن يتصدى أشخاص في هذا الجانب. بعض الكتاب موجودون الآن، من ضمنهم أستاذي الباحث حسين الجمري، أعتبره أحد مصادري وأرجع إليه في استقاء المعلومات، كما هناك الكثير ممن يكتبون في الصحافة ويلقون المحاضرات كالدكتور محمد السلمان ووسام السبع.

شجعت بعض الأشخاص لفتح مدونات أو مواقع، حتى على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، لينشروا المعلومات التاريخية المتعلقة بمناطقهم. هذا شيء يسعدني وهذا سيشجعني لأتعاون معهم وأزودهم بما لدي من معلومات ووثائق.

أوال: لماذا لا زالت سنوات الجريش مدونة وليست موقع الكتروني؟

سنوات الجريش: سنوات الجريش انطلقت كمدونة، لكن رغم تصميمها كمدونة هي تعمل كموقع، لأن ما ينشر فيها هو ليس نتاج جاسم حسين آل عباس فقط، بل أنقل كل ما يتعلق بتاريخ البحرين إلى سنوات الجريش ليصبح مصدرا. هناك تطلع لتحويلها إلى موقع متخصص بتاريخ وتراث البحرين، من خلال بعض المتخصصين ليقوموا بتصميم وبرمجة الموقع، لكن تواجهنا بعض العراقيل والانشغالات.

كتاب “ما بعد الشيوخ”يثير عاصفة من ردود الأفعال بعد اتهام ضاحي خلفان المعارضة البحرينية بتمويله

مرآة البحرين (خاص): وصف نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي الفريق ضاحي خلفان تميم كتاب “ما بعد الشيوخ” للبروفيسور البريطاني كريستوفر دافيدسون بأنه “مملوء بالشتم والسباب” متسائلاً عن دور المعارضة البحرينية في تمويله، وهو ما استدعى رداً من المؤلف الذي اعتبر كلام خلفان متأثرا بـ”نظرية المؤامرة”.

وقال خلفان “كتاب ما بعد الشيوخ مملوء بالردح والشتم والسباب والغيرة والحسد. وواضح أنه من الكتب التي حبرها أثمن مما فيها”.

وتابع في حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” متسائلاً “هل أسهمت المعارضة البحرينية في تمويل الكتاب؟ مجرد سؤال”.

واكتفى دافيدسون الذي خاطب خلفان باللغة العربية واصفاً إياه بـ”الصديق” بالقول “إنها نظرية المؤامرة يا صديقي”.

وكان مركز “أوال” للدراسات والتوثيق قد دشن في معرض بيروت الدولي للكتاب الماضي 2 ديسمبر/ كانون الثاني 2014 النسخة العربية من كتاب “ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية” للبروفيسور “دافيدسون” المتخصص في دراسات الشرق الأوسط بجامعة درهام بالمملكة المتحدة بعد قيامه بترجمته.

ومركز “أوال” هو مركز دراسات بحريني مقره لندن- بيروت، ويعنى بقضايا البحرين والخليج.

وقد أثار تعليق خلفان عاصفة من ردود الأفعال، فقد عقب مغرد قطري “هل المعارضة البحرينية موحدة حتى نعمم؟ الكتاب مشروع بحثي صادر منذ سنوات وتمت ترجمته للعربية عبر مركز بحثي مستقل”.

وأضاف آخر هازئاً “على اعتبار أن نشر الكتب يحتاج لميزانية دول حتى يتم تمويله. ماهذا التساؤل الغير المنطقي؟”.

وتابع في السياق نفسه “كريس دكتور مرموق وألف دار نشر تتمنى نشر كتبه”، على حد تعبيره.

وعلق مغرد تحت اسم عدنان العولقي “إذا كان مافيه ليس صدقاً لضحكت وابتهجت. ولكن لأن فيه شيئا من الحقيقه انزعجت”.

وكتب آخر قائلاً “بعض التصورات لما ستؤول له المنطقة وسبب نهاية الشيوخ واقعية وحدث أغلبها. تصور خقيقي مبني على مجريات واقعية”.

ولقي كتاب “ما بعد الشيوخ” إقبالاً واسعاً عليه من القراء؛ حيث نفدت جميع نسخه في غضون شهر من تدشينه باللغة العربية، ما أدى إلى تدشين طبعة ثانية له، ومن المتوقع تدشين الطبعة الثالثة له قريباً.

وحظي خلفان بعض التعليقات المؤيدة لرأيه في الكتاب، فقد كتبت مغردة تقول “ما دام الناشر مركز أوال للدراسات والتوثيق فمن غير المستبعد أن يكون التمويل من المعارضة البحرينية أو من إيران أو حتى من أمريكا”.

وأضاف محمد الرمضان “سلاحهم (المعارضة البحرينية) الإعلام ومؤلف الكتاب صديق مقرب لنبيل رجب ويبدو أن التمويل كان معلوماتيا أكثر منه مادي”.

وتساءل آخر “ماذا ننتظر من خريجي مدينة قم وعمائم إيران الذين لايعرفون من الإسلام إلا إسمه ولا من اللغة العربيه إلا رسمها وجيوبهم بالخمس دسمه”، وفق تعبيره.

بينما اعتبر مغرد أن الكتاب يمثل “رؤية ورواية ساقطة تعبر عن مضمون الغيرة والحسد وليست فيها إبداع إلا الردح. حفظ الله شيخونا الصالحين”.

وأثار كتاب “ما بعد الشيوخ”الذي صدر لأول مرة في العام 2012 جدلا واسعا حين توقّع انهيار الممالك الخليجية قريبا، وهو أول بحث أكاديمي معتبر يخرج بهذه التوقع المثير. وقد صدرت طبعته الأولى عن مطبعة “هيرست” ومن ثم مطبعة جامعة “أكسفورد”.

وقد صنّف الكتاب على رأس قائمة مجلة “فورين بوليسي” لأفضل 20 كتابا عن الشرق الأوسط في العام 2012. كما كتبت عنه الكثير من المراجعات والمقالات في الصحف الدولية والعربية، مثل صحيفة “الإيكونومست”، وصحيفة “الإندبندنت”، و “الغارديان”، كما اقتُبِسَت بعض أقسام الكتاب ونشرتها مجلتا “فورين أفيرز”، و “فورين بوليسي”. وقد صدرت نسخة باللغة الفارسية عن الكتاب في وقت سابق من العام الماضي.