حوار مع مجدي خليل2

مجدي خليل لـ «الوقت»: الأصولية حكر على الإسلام.. وأميركا بيد العلمانيين

المثقفون العرب دعاة تقدم.. بينما صناعته تحتاج إلى القوة وهي بيد الغربيين

الوقت – حسين مرهون، علي الديري: 

الحقائق قابلة لأن تتغير باستمرار. هذه حقيقة جديدة: لا أثر للأصولية المسيحانية على أميركا، ولا حتى اليهودية. على الأقل هذا رأي الباحث مجدي خليل، الأميركي من أصل مصري قبطي وعضو مركز ابن خلدون للدراسات.

في الأعوام الأخيرة التي أعقبت غزو أفغانستان والعراق بدت هذه الحقيقة قوية وأقلّ استجابة إلى النقض. وقد أسهمIMG_4148 الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بمعاونة المحافظين الجدد في إدارته على تكريسها عبر سلسلة من التعبيرات أطلقها على خلفية الحرب على الإرهاب وكانت ذات صبغة دينية. في الوقت الذي كانت مراكز الدراسات وأجهزة قياس الرأي تشير إلى ارتفاع جنوني في نسب التدين في أميركا، وهو ما كان يتنافى مع صورتها كواجهة للعالم الحديث.

ومع ذلك، فإن خليل تحفظ في ترتيب نتائج كبيرة على ذلك. قال «مايزال القرار بيد علمانيين». وقد جادل بشأن أن الأصولية اليوم هي حكر على الإسلام. في حين انتفت تماماً عن المسيحية واليهودية، مستدركاً «حتى الباقي منها فغير مؤثر». «الوقت» التقته على هامش تقديمه ندوة قبل أسابيع من تنظيم جمعية المنتدى. فيما يأتي الحلقة الثانية من الحوار معه:

التقدم بيد باريس وطوكيو وواشنطن ولندن

لستَ قبطياً متديناً وتصف نفسك بالليبرالي. لكن الملحوظ في كتاباتك أنك تلجأ لدى تحريرك بعض المصطلحات إلى تعريفات دينية. تقول معرفاً الإصلاح إنه «نشدان الكمال المسيحي». وتشترط في الشخص المصلح أن ينطلق من سياق يبقيه ضمن أرضية «الداخل المسيحي». كيف تفسر هذا التناقض؟

– رأيي أن كل دين يرتبط بمجموعة من القيم. في الإسلام مثلاً، هناك قيمتان رئيستان، وهما العدالة والإيمان بالله. والعكس، فإن أرذل قيمتين في الإسلام هما الظلم والشرك بالله. في المسيحية أيضاً هناك مجموعة من القيم، لكن القيمة الرئيسة، هي المحبة. تمثل هذه القيم خيوطاً رئيسة لمقاربة الأمور ضمن دائرة الإسلام أو المسيحية. بمعنى آخر، إنك لا تستطيع شطبها أو تجاوزها. لكن ليس معنى ذلك أنك تؤمن بهذا الدين أو ذاك. أنت تستقي فقط أهم ما فيه. وبالتالي، فإنك بخصوص التعريفات التي أوردتها عني، لا تستطيع أن تنتزعها من السياق العام للكلام.

لكنك تقدم طرحاً للإصلاح أقرب إلى أن يكون لاهوتياً. فأنت تميز بين ماتسميه «المصلح» و«المعارض» – للكنيسة – وتجعل من المصلح شخصاً مربوطاً بالمسيحية وعارفاً بها فيما تقتصر وظيفته على إيصالها إلى الكمال من الداخل؟

– هذا التعريف أوردته في سياق ورقة كنت قد أعددتها أساساً لتلقى داخل الكنيسة القبطية في مصر. فسياق الحديث إذاً كان مختلفاً ومداره يحمل شيئاً من الخصوصية تتعلق بالكنيسة المصرية فقط. لكن إن شئت، فيمكننا التحدث عن المصلح عموماً. المصلح في إطار نظريات التقدم الذي هو كما لا يخفى صاحب خصائص أخرى.

حسناً، لو دعيت الآن لإلقاء محاضرة خارج الكنيسة، كما في تجمع علماني أو حتى في واحدة من البلدان الإسلامية. كيف ستقوم بتعريف المصلح وهل ثمة مصلح خصوصي وآخر عمومي؟

– سبق أن كتبت شيئاً من هذا القبيل تحت عنوان «الصراع بين دعاة التقدم وحراس التخلف». وقد فرقت فيه بين دعاة التقدم وصناع التقدم، كما عرفت أيضاً حرّاس التخلف. قلت إننا – نحن المثقفين العرب – دعاة تقدم في حين أن الغربيين صنّاعه. ذلك أننا لا نصنع التقدم، فصناعته تحتاج إلى قوة. فيما الغرب وحده من يمتلك القوة اليوم. أما نحن فكما أسلفت.. فدعاة تقدم فقط، وقد ضعت نحو عشر نقاط بمثابة خصائص، ولك أن تعتبرها تعريفاً متبنى من قبلي إلى المصلح: أن يتبنى قيم الديمقراطية، الرأسمالية الغربية، يكون منفتحاً على الغرب، وفي حالة سلام مع إسرائيل إلخ إلخ. المشكلة عندنا في المنطقة العربية، وهذا الأمر ينطبق على مثقفين أيضاً، أن هناك تقديساً للصراعات. فحين تستمع إلى صحافي مثل محمد حسنين هيكل تجد نفسك دائماً ضمن دائرة خط أساسي، هو الصراع. بينما أنا أرى الأمر من جهة معاكسة، أن الخط الأساسي في العلاقات الدولية هو التعاون.. السلام. أما الحروب والصراعات فهي استثناءات. وقلت في هذا المقال أيضاً إن صناعة التقدم تمر بباريس وطوكيو وواشنطن ولندن فيما تمر صناعة التخلف من دول مثل أفغانستان وباكستان وإيران والسودان ووو. إن ثمة ركائز إلى التقدم، أولها هو خبرة الآخرين. التجربة الغربية هي اليوم موضع خبرة البشرية الرئيس.

السلفية الدينية أقوى من التيار الإصلاحي

لكن مدار حديثك الرئيس كان عاماً والورقة جرى نشرها من قبلك في منتدى علماني «منتدى الحوار المتمدن» وكنت تقول الإصلاح «سعي الكنيسة نحو الكمال» من دون أن تلفت إلى أنك كنت تعني «الإصلاح الكنسي».

– لا، هذه مقالة كنسية، ولا علاقة لها بموقفي من الإصلاح بالمعنى العام.

هل تتبنى ضمن هذا الموقف تفريقاً كان يعقده بعض الفلاسفة المسلمين مثل ابن رشد الذي كان يفرق بين الخطاب الذي للعامة وذاك الذي للخاصة؟

– لا، أبداً. كل ما في الأمر أن هناك مصطلحات ذات طبيعة خاصة. ورأيي، أن عليك ضمن بعض السياقات أن تخاطب الجمهور بمصطلحاته التي يفهمها. أي أن تتكلم بلغته. لكن إن شئت، يمكنك أن تسألني عما أعبر عنه من خلال السياقات العامة.

حسناً، ثمة جدل كبير يدور في أوساط المثقفين بالنسبة إلى موقفهم من الإصلاح. هناك من يبني موقفه من الإصلاح عبر استعادة لحظة عصر النهضة: محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والكواكبي ومجايليهم. وهناك من يستعيد لحظة الحداثة الأوروبية، بدءاً من ديكارت وسبينوزا فاللاحقين. في حين لا تبدو أنت، أو لا يظهر من كتاباتك على الأقل، أنك معني بهذا الجدل. ما السبب؟

– على العكس، فقد كانت لي كتابات في هذا الإطار. وقد تحدثت عن أربعة مشروعات إصلاحية طرحت في المنطقة. أولها كان مشروع ابن رشد (1126 – 1198) وكان مداره هو إعمال العقل في تأويل النص وتوظيف ذلك لصالح فكرة التقدم. الآخر كان مشروع محمد عبده (1849 – 1905) وكان يدور بشأن تأويل المصلحة، أي البحث في النص عما يوافق المصلحة. وكان الثالث مشروع علي عبدالرازق (1888 – 1966) الذي وضع كتاب «الإسلام وأصول الحكم» وعمل على تأصيل فكرة فصل الدين عن الدولة. وكان الأخير – الذي تحدثت عنه – هو مشروع المستشار محمد سعيد العشماوي (1944) الذي اشتغل على إثبات فكرة تاريخانية النصوص. لكن المشكلة أن كل هذه المشروعات فشلت رغم أن جميعها تعاملت مع الدين كمكون أساسي. فابن رشد حرقت كتبه، وعبده انقطعت مدرسته، وعبدالرازق طرد إلخ إلخ. ومرة أخرى، أثبتت السلفية الدينية أنها أقوى من التيار الإصلاحي بكثير.

على ماذا تعول إذاً بالنسبة إلى الإصلاح في العالم العربي. على الموقف الأميركي مثلاً، نعرف أن لك مواقف سابقة تؤيد فيها مسائل التدخل لتعديل بعض الأوضاع. والحق أن ذلك يختلف تماماً عمن أشرت إليهم لجهة تبنيهم الإصلاح انطلاقاً من جهود داخلية. أم ماذا؟

– أبداً، لا يوجد تعارض بين النموذجين. أنا لا أتبنى الإصلاح الأميركي إنما الرؤية العالمية للإصلاح المتفق عليها من قبل دعاة التقدم. العالم ليس أميركا وحدها. هناك رؤى عالمية مشتركة. مسائل مثل الحريات أو الفصل بين السلطات أصبحت أشياء ذات طبيعة كونية. وحين نتحدث عن حقوق الإنسان اليوم نتحدث عن حقوق توافق عليها المجتمع الدولي بأسره وليس المجتمع الأميركي. بالنسبة إليّ فأنا أتبنى ما اتفق عليه المجتمع الدولي، والإنسانية جمعاء، حيال مسائل مثل هذه. كانت الإنسانية قد راكمت تراثاً عريضاً بشأن مسائل حقوق الإنسان. لكن بدءاً من العام 1945 غدا هذا التراث مكتوباً. أصبحت هناك مواثيق واتفاقيات ومحاكم دولية موقّعة من قبل نحو 193 دولة، ما يعني أنها ليست أميركية. القاعدة الأساس أنك تريد الارتقاء بالإنسان، حريته وكرامته. ولدي رأي هنا، أن سيادة الإنسان من خلال ما يمثله عنصرا الحرية والكرامة أهم من سيادة الدول.

العرب أفشلوا مشروع الأميركان في العراق

لكن هل تعزل نموذج الإصلاح هذا عن خلفيته السياسية. بمعنى آخر، هل مفهوم الإصلاح الذي تطارح لأجله بالبناء على موقف المجتمع الدولي يخلو من أية أجندات سياسية؟

– شخصياً، أتبنى مسألة فصل الهدف عن الوسيلة. أي أنني لست معنياً تماماً بمن الذي يتبنى المشروع أو يساعد عليه. ما يهمني هو المضمون، صحيح أو لا. لصالح الإنسان العربي أو لخير المنطقة أو. بعد ذلك، سواء أتى الإنقاذ من الغرب، الهند أو السند، الأهم هو الهدف.

لكن ما يمكن أن يؤخذ عليك هنا، هو أن هذا الطرح لا يحترز إلى جوانب تتعلق بأبعاد سوسيولوجية. فأنت نفسك كتبت مقالاً بعنوان «بعد عام من سقوط بغداد» رسمت فيه صورة وردية للواقع. في حين نعرف الآن جميعاً النتائج التي أفرزها التدخل الأميركي كانت حرباً على الهوية. إلى أي حد يمكن أن يستقيم طرحك بشأن الإصلاح من دون التدقيق في الوسيلة؟

– أواظب منذ خمسة عوام على كتابة مقال عن سقوط بغداد. تجدني في آخر مقالاتي على العكس، أرسم صورة متشائمة. أخبرك أكثر من هذا، في العام الماضي تمت استضافتي وأربعة من رجال الإعلام من قبل صحيفة «واشنطن بوست»: غسان تويني والمرحوم أحمد الربعي وناظم شفيق وسلامة نعمات. أسمونا.. الخمسة المؤيدون لغزو العراق يتحدثون بعد أربعة أعوام. كلنا قلنا، إن الأمر كارثة. في الواقع، لقد تداخلت كثير من الأمور، حكومات دينية، طوائف، فاختلط الحابل بالنابل. أصبحنا أمام مشروع تناحر طائفي، ميليشياوي. لكن في الأصل، فأنت تبني مواقفك انطلاقاً من أهداف محددة. وحين أؤيد الإطاحة بديكتاتور، وإعادة التوازن لشعب من الشعوب، فذلك تأييد مشروع. أما النتائج فشيء آخر. أنا أعتبر أن أميركا فشلت في العراق.

حسناً، مادامت قد وصلت إلى هذه النتيجة، ألا يستدعي منك ذلك مقاربة جديدة لنموذج الإصلاح المطروح على المجتمعات العربية. ليست مسألة أنك تؤيد أو لا تؤيد، إنما مقاربة تأخذ في الحسبان بالأبعاد السوسيولوجية؟

– للأسف، العرب هم من أفشلوا المشروع. فقد كانت لدى الأميركان نوايا حقيقية. كانوا يريدون جعله نموذجاً، وقد صرفوا مبالغ طائلة لأجل ذلك. لكن العرب لعبوا دوراً سلبياً. روجوا كلاماً فارغاً، أن الأميركيين أتوا للبقاء في حين لم تكن أهدافهم تعدو إسقاط الديكتاتورية وجعل البلد مستقراً، في حالة سلام مع إسرائيل، خالٍ من العنف، مع ضمان استمرار تدفق النفط. تلك كانت أهدافهم، بعضها تحقق وبعضها الآخر لا. نجحوا في إسقاط صدام، امتصوا القاعدة، وسيطروا على العنف نسبياً، وأبعدوا شبح الإرهابيين. منذ العام 2001 لم يحصل أي عمل إرهابي في أميركا. لقد نجحوا نسبياً في كل ذلك، لكن ما يهمني على المستوى الشخصي لم ينجح. تلك هي الكارثة. أخفقوا في جعل العراق بلداً ديمقراطياً، أو جعله نموذجاً في المنطقة. وقد أسهم العرب بدور كبير في ذلك.

أقول «غزواً» ولا أقول «فتحاً»

وتحول بذلك العراق من نموذج كان يراد له أن يصبح نموذجاً لكل المنطقة إلى مضرب مثل في الفشل لكل المنطقة، كما يحلو لرئيس تحرير مجلة «نيوزويك» فريد زكريا أن يعبر. هل توافق على ذلك؟

– لا، لا أتفق مع ذلك. أعرف الخلفية التي ينطلق منها فريد زكريا. إنها تنطلق من منظور أقرب إلى المأزوم. ذلك بحكم خلفيته الثقافية كما أسلفت، في حين رؤية الغربي أكثر تفاؤلاً وأقدر على خوض المغامرة، يتحرك ويغزو. نعم ثمة فشل حصل في العراق، لكن تلك ليست كل الصورة. هنالك مواضع نجح فيها الأميركان.

حسناً، لننتقل إلى مسألة أخرى ذات صلة، وتحديداً عند مفهوم استخدمته في كتاباتك لدى وصف أوضاع الأقلية القبطية التي تنتمي ثقافياً إليها. قلت.. الأقباط غرباء على أرضهم منذ «الغزو» العربي. ألا تجد أن استخدامك لمصطلح «الغزو» هنا يرتبط بعلاقة ما مع مفهوم الإصلاح الذي تدافع عنه؟

– هل تعرف أن الخميني استخدم المصطلح نفسه. قال.. الغزو العربي لفارس. قال أيضاً.. أخذنا الإسلام ولم نأخذ العروبة. وهو ما يعني أنني لست وحدي من استخدم هذا المصطلح. وإلا قل لي.. ما المصطلحات التي يمكن أن نصف بها الحالة هذه. في أميركا، نحن نستخدم المصطلح نفسه لدى الحديث عن التدخل في العراق. نقول غزواً ولا نقول فتحاً. أما بالنسبة إلى أهداف الغزو، نبيلة أو لا، فتلك مسألة أخرى. وهكذا، فحين جاء عمرو بن العاص إلى مصر (19 – 21هـ) جاءها غازياً. كانت دولة فرعونية وحوّلها إلى مستعربة. وأرجو ألا يفهم الأمر على أنني ضد حركة التاريخ. لا، فأنا أصف فقط. أقول «غزواً» ولا أقول «فتحاً».

لكن أليس هذا هو حال الإمبراطوريات على مر التاريخ؟

– نعم، لذا فأنا لا أعترض، جميع الإمبراطوريات غزت. لكن حين نريد إدانتها فيجب إدانتها جميعاً بالتساوي. الحروب الصليبية كانت غزوات، والغزوات في ظل الخلافة الإسلامية كانت كذلك أيضاً. الأمر نفسه بالنسبة إلى غزو أميركا إلى العراق. لكن حين نذهب إلى تقييم الغزو فنحن ننتقل من التعريف إلى ضفة أخرى. هنا يجب أن نتحدث عن الآثار، إيجابية كانت أو سلبية.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=119285

مرآة الطائر2-2

 

مرآة الطائر(2-2)

المرأة في الانتخابات الكويتية

 

"غالبية الحيوانات لا تدرك فكرة أن الصورة في المرآة متصلة بهم وليس بحيوان آخر. لقد أدركت هذه الحقيقة بقوة في أحد فصول الربيع. كان ذكر طائر الكردينال عندما تكون الشمس على ارتفاع معين، يخوض قتالا شرسا مع صورته المنعكسة على نافذة غرفة معيشتنا. من الواضح أنه كان يرى صورة منافس له على مقاطعته" جيمس ترفيل

 n816474055_790555_8497 كنت في الكويت في انتخابات 2006 و2008، كنت أمثل صفتي الشخصية، وهي صفة تسمح لي أن أكون حراً في الشق الذي أرى من خلاله الديمقراطية الكويتية في حدث الانتخابات.

عاينتها في 2006 من خلال شق البدون (بدون جنسية بدون ملكية بدون صوت بدون بطاقة انتخابية بدون اعتراف بدون جواز بدون مواطنة بدون رأي).اخترت أن أرى الانتخابات كعلامة نقص على الديمقراطية، لا علامة كمال، وذلك من خلال ما تستبعده هذه الانتخابات وتهمشه وتصادره وتسلبه حق الفعل في تقرير مصير البلاد.

وفي هذه الانتخابات حاولت أن أعاينها من خلال شق المرأة من خلال علاقتها بمرآتها. والمرأة هنا ليست موضوع تنمية، بل موضوع ثقافة، وعلى الرغم من العلاقة بين التنمية والثقافة، لكني معني بشق الثقافة الذي يكاد لا يُرى أكثر من عنايتي بموضوع التنمية الذي يمكن الاستدلال عليه بمؤشرات إحصائية.

الديمقراطية تجربة تتيح لثقافة المجتمع أن تتغير، فما الذي أتاحته تجربة الديمقراطية الكويتية من تغيير يتعلق بالطريقة التي ترى بها المرأة نفسها ويرها بها المجتمع؟

حملة مرايا

إذن المرأة تحتاج إلى أن تصل إلى مرحلة المرآة، بأن تكون المرأة مرآة للمرأة أي مرآة لنفسها، كي تصل إلى البرلمان، وربما تحتاج مؤسسة أداء إلى (حملة مرايا) تكون رسالتها: عزيزتي المرأة مرآتك مرآتك، لكنها ليست المرآة التي تضعينها في شنطتك كلما دخلت الحمام أو غرفة المكياج أو صالون الحلاقة، تلك مرآتك الشخصية التي ابتكرها لك الرجل وطورها وقدمها من أجلك ومن أجله، لكن هناك مرآة في المجتمع كبيرة اكتشفي صورتك فيها.

طوال العقود الأربعة من عمر الديمقراطية الكويتية بأعراسها وأتراحها لم تتمكّن المرأة من وعي المرآة. و(وعي المرآة) مرحلة من وعي الإنسان متقدمة، كما يخبرنا عالم النفس والفيلسوف ما بعد الحداثي (جاك لاكان) الذي كان يُعرّف التحديق(the gaze) بأنه "النظر مشحونا بقصد"([1]) والمرأة لا تنظر إلى صورتها في المرآة بقصد مشحون بالوعي، فهي لا تحدّق فيها بقصد الوعي بذاتها، بل تنظر إليها بنقص الوعي بذاتها، فتحاربها وتحارب أي ظهور لصورتها، المرآة في قصدها ليست محلاً لظهور ذاتها، بل هي سطح لظهور شكل سطحها. لذلك هي لا تستطيع أن تعمّق علاقتها بالمرآة وتعرف ما هو أعمق من سطحها، ففي المرآة أغوار ولا يمكنك أن تصل إليها إلا حين تجتاز سطح المرآة، أي حين تحوّل المرأة إلى مفهوم في شكل مجاز مركب، يعبر عن فكرة تريك واقعك.

وهذا ما دفع محمود رجب في دراسته عن (المرآة والفلسفة) إلى التساؤل([2]): هل هناك حقاً علاقة وثيقة بين المرآة من حيث هي أداة تقنية وبين الوعي بالذات؟ فوجد أن القرنين السادس عشر والسابع عشر قد تطورت صناعة الزجاج بعد اكتشاف البلور الزجاجي، وأمكن مع هذا التطور إنتاج مرآة ممتازة، وهي المرة الأولى التي تمكن فيها الإنسان من أن يرى صورة عن نفسه مطابقة لما يراه الآخرون. ومع هذا الإنتاج التقني، صار استخدام مجاز المرآة في التعبير عن وعي الإنسان بذاته وبالآخرين، استخداماً أكثر تركيباً.

اختلاق الصورة

الإنسان يتحرك وفق ما يرى نفسه، أي وفق صورته، فهو لا يرى نفسه إلا في صورة من خلال مرآة. وإذا لم يستطع أن يرى نفسه، لن يرى طريقه، ولن يتحرك.

الانتخابات محل الصور، تتنافس الصور في المجتمع خلال الانتخابات، وترشح كل صورة نفسها ممثلة للمجتمع ومتطابقة مع مصلحته وهويته، وبقدر ما تسوّق الصورة نفسها في الانتخابات تكسب وتقنع وتفوز. الصورة محل صراع، وستظل المرأة تعارك صورتها قبل أن تتصالح معها وتتعرف عليها وتضعها حيث يحق لها أن تضعها، حينها بدلا من أن تتعارك مع صورتها بوصفها عدوة، ستتعارك من أجل صورتها لتموضع نفسها في الميدان العام للمجتمع.

نموذج ذلك المرشحة (رولا دشتي) التي صارت تعارك من أجل موضعة صورتها في الميدان العام، بعد أن حققت وعياً بمرآتها جعلها ضمن الأكثر تأثيرا من بين 100 شخصية عربية على مستوى العالم لعام 2007، ومكنها هذا الوعي من أن تفوز بجائزة الملك حسين الإنسانية لعام 2005، وهي إلى جانب وعيها العميق بذاتها، تحمل شهادة الدكتوراه في اقتصاد السكان من جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية.

في مقهى مجمع المهلب التجاري، كنت في صبيحة الانتخابات مع جماعة مركز التنوير الكويتي، مع نخبة من المثقفين الليبراليين في المجتمع الكويتي، كان الدكتور أحمد البغدادي للتو قد عاد من ترشيح (رولا دشتي) حاملاً تفاؤلاً بتمكن صورتها من تثبيت ذاتها في معركة الميدان العام، لكن شباب التنوير، كانوا يشيرون إلى الدكتور البغدادي، بأن يعاين صw8(4)ورة (رولا) إلى جنب السيد حسن نصر الله. في جريدة الشاهد الأسبوعية، لقد اختارت الجريدة أن تدخر لها هذه الصورة ليوم الانتخابات على صدر صفحتها الأولى، وكتبت الجريدة أسفل الصورة "ومن أهم هذه الشائعات تسريب صورة للناشطة الليبرالية الاقتصادية رولا دشتي مرشحة الدائرة الثالثة وهي ترتدي الحجاب وتقف بجانب الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله، ما جعل من قاموا بتسريب الصورة يطرحون تساؤلاً عريضاً وهو: كيف ترتدي رولا دشتي الحجاب لمقابلة نصرالله، وهي من تزعمت حملة وزيرة التربية نورية الصبيح برفض ارتدائها الحجاب في مجلس الأمة المنحل حين أدت القسم أثناء توليها الوزارة؟ فما هذا التناقض؟ في حين يرى البعض أن الصورة مركبة وغير صحيحة تماماً"([3])

الأسئلة المطروحة على الصورة والتعليقات المصاغة بشكل استنكاري عليها والسياق السياسي العام الكويتي، كلها تشكل إطاراً ومرآة لرؤية الصورة، فالصورة تُرى من خلال مرآة هذا الإطار، وكلما خلقنا إطاراً جديداً لصورة، نكون قد اخترعنا أو اختلقنا صورة جديدة.

وتماما كما نقول معنى الكلمة يظهر في سياقها الذي هو بمثابة إطارها الذي يعطيها معناها. ويمكنك أن تختلق كلمة بمجرد أن تضعها في سياق يجعلها تقول معنى غير المعنى الذي تقوله في حالتها العامة. كذلك يمكننا أن نقول عن اختلاق الصور، اختلاق الصور آلية من آليات حرب المرايا، إطار كل صورة يضع الشخص في مرآة ما، والاختلاق يكمن بالضبط في الإطار والمرآة، حين تختلق إطاراً ما للصورة كي تجعلها تُرى في مرآة معينة، فأنت قمت بعملية اختلاق للصورة، فمعنى الصورة يظهر في إطارها الذي هو بمثابة المرآة.

يوم الاقتراع، اختلقت جريدة ”الشاهد” الأسبوعية، صورة جديدة لرولا دشتي، تظهر فيها في صورة قديمة مع السيد حسن نصر الله مرتدية الحجاب. تأتي هذه الصورة كأداة انتخابية توظفها الجريدة ضد دشتي، في وسط ذو ذائقة سياسية معينة. وكأن بلاغة الخطاب المضاد حين أعجزته بلاغة المرأة التي ظهرت بها رولا دشتي، لجأ إلى حيلة أخرى، وكي يحمي نفسه قانونياً وإعلامياً وأخلاقيا، استخدم بلاغة مفضوحة يقول فيها " ويقال إن الصورة مفبركة". ولكن البلاغة المفضوحة لا تحمي صاحبها من الاختلاق والفبركة. فالاختلاق ليس تركيب صورة، بل تركيب خطاب الصورة. وحتى لو كانت الصورة صحيحة، فالخطاب ليس صحيحاً بل مختلقاً ومدان أخلاقيا حتى لو كان بريئاً قانونياً.

ذكرى صورة

الصور الفوتوغرافية والصور المتحركة وغيرها من الأشكال التقنية، هي نماذج للصورة بمعناها العام، وتكاد تكون هي النموذج الأكثر قدرة اليوم على تقديم صورة الشخص. فهي قد أتاحت للشخص أن يقدم شخصه للمجتمع العام بطريقة عامة لا يتفاوت الناس في التعرف عليها، كما كان الأمر مع الكتابة والكلام حيث الناس يتفاوتون في قدرتهم على فك الكتابة وفهمها. منطق اليوم دع صورك تتحدث عنك وتكتب عنك وتشخّصك للمجتمع، أصبح الكلام فائضاً على الصورة، ويأتي حاشية عليها. بل كثيراً ما تُسكت الصور الكلام. كما أن غياب الصورة اليوم يسكت أيضا الكلام. فهل نحتاج إلى كلام حين تغيَّب مرشحة صورتها من لوحة إعلان المرشحين؟

هذا ما فعلته المرشحة (ذكرى سعود مبارك المجدلي) لم تستخدم صورتها في الحملة الانتخابية، ليس لأنها لم تتوفر على دعم من مؤسسات دعم المرأة، وليس لأنها لا تملك ميزانية لطباعة صورتها في لوحات كبيرة تعلق في الشوارع العامة، فقد منع القانون المرشح من وضع أي إعلان في الأماكن العامة، في المقابل ألزم القانون وزارة الداخلية أن تضع إعلانا كبيرا في كل منطقة يحمل اسم وصورة المرشح.

مربع مشحون بالبياض

في الدائرة الرابعة لفتني مربع أبيض مشحون بقصد الفراغ من الصورة وسط مربعات مشحونة بقصدٍ، بالصور، كان عددها يتجاوز الخمسين، وهو عدد المرشحين في هذه الدائرة التي تعد ثاني أكبر دائرة انالانتخابات الكويتية2008تخابية وقبلية، تضم 94 ألف ناخب، والدائرة التي تسبقها بالعدد تضم 104آلاف ناخب، وهاتان الدائرتان تضمان التكتلات القبلية (الرشايدة، والعوازم والعجان ومطير) وتعدان حصنا من حصون القبائل التي سيطرت على مجلس أمة2008.ومن هذه الدائرة فاز ثلاثة مرشحين ضمن قائمة الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) محسوبين على الأخوان الذين منوا بخسارة فادحة في هذه الانتخابات.

صورة ذكرى الفارغة مشحونة بوعي هذه التركيبة القبلية و(حدسها) الديني. وهو وعي مشحون بعداء للمحل أو للمرآة الذي تظهر فيه المرأة صورتها، تجد (ذكرى) في المربع الفارغ من الصورة أي المربع الذي هو في الأصل مرآة لظهورها، تجد فيه مكاناً للشيطان ومحلا لظهور ممكنات مغرياته، هو مكان يجب معادته ومقاومته كما نقاوم الشيطان حين يريد أن يظهر فينا. لذلك لم تضع (ذكرى) صورتها، لأنها حين تضعها ستجدها تجسّد ما تعاديه داخل نفسها، فالصورة تظهر الشيطان الذي فينا. يصبح المربع ذكرى صورة، أو ذكرى صورة ذكرى.

الصورة الوحيدة لذكرى، تظهر عينيها فقط من بين نقاب، وتبدو هي الصورة الوحيدة التي تمكن قانون الانتخاب من إظهارها لها، فالقانون يريدك أن تظهر بهويتك بدون ستر، وهو يستعين بكل ما يمكن لإثبات هويتك الخاصة، لذلك أمام القانون لا يمكنك أن تتذرع بما يعفيك من إظهار صورتك التي تدل عليك.

لقد وضعت (ذكرى) في برنامجها الانتخابي ما ينسجم مع هذا المربع المشحون بالفراغ بقصد. وبرنامجها يدعو صراحة النساء إلى تجنب ضوء الديمقراطية، كي لا تظهر صورتهن وصوتهن في المجتمع، تريد أن ترجعهن إلى صندوق البيت الآمن، فالضوء يخيف، وهي تقول علانية برنامجي يدعو المرأة للعودة إلى البيت.

تريدها أن تعود إلى المبيتات وراء البراقع، تلك الأماكن التي هجتها الروائية السعودية رجاء عالم في روايتها خاتم "أنا لا أطيق البقاء مع أخواتي في المبيتات ووراء البراقع، أحب نظر الناس في عيني ونظري في عيون الناس على الطريق، لا أطيق خروج الحمارة دون أن أكون على ظهرها"([4]).

خاتم الشخصية التي تلبس ثياب الرجال متنكرة، كي تنظر في عيون الناس على الطريق، وكي تتمكن من أن تركب الحمارة.تريد ذكرى في حملتها أن تختم على عينيها كي لا ترى تركب الحمارة وترى الطريق.

بقي أن نعرف أن ذكرى سعود مبارك المجدلي حاصلة على ليسانس حقوق محامية وتحظى بعضوية جمعية المحامين الكويتية. وقد حصلت على 300صوت في الانتخابات واحتلت المرتبة 38 ضمن قائمة المرشحين التي تضم 54مرشحاً.

دوائر الصورة

الدوائر الخمس لم تمكّن عدسة الديمقراطية من أن تظهر صورة المرأة. يبدو أن تركيز الحساسية في دوائر خمس بدل من خمس وعشرين ما زال بعد غير كافٍ. بل حتى حساسية الدائرة الواحدة ربما لن تكون كافية، فالحساسية ليست في عدد الدوائر وليس في قوانينها، لكن في حساسية الثقافة المغلقة على لون واحد وذوق واحد ومرآة لا ترى.

لم نكن ننتظر من صندوق مغلق على لونه ورائحته مدة خمسين سنة أن يصغي في السنة الواحدة والخمسين لصوت جديد في لونه ورائحته ووجهه المقبل على الحياة الديمقراطية الجديدة، تحتكم حساسية الصندوق لحساسية نور السلطة التي تدير قوانين انغلاقه وانفتاحه. فالصندوق الذي تنتقل فيه السلطة ضمن أطر عائلية وعشائرية وطائفية لا يمكن لسلطته أن تتسع لأطر ألوانها لا يراها ظلامه المغلق؟!! سيحتاج الصندوق لدورات أخرى كي يجدد نفسه في دورات حياة جديدة، حينها سيرى ويسمع ويتسع ويتعدد ويتنوع فيكون قلب الديمقراطية النابض برهافة الأنثى.

لم نكن ننتظر من صندوق مغلق على لونه ورائحته مدة خمسين سنة أن يصغي في السنة الواحدة والخمسين لصوت جديد في لونه ورائحته ووجهه المقبل على الحياة الديمقراطية الجديدة، تحتكم حساسية الصندوق لحساسية نور السلطة التي تدير قوانين انغلاقه وانفتاحه. فالصندوق الذي تنتقل فيه السلطة ضمن أطر عائلية وعشائرية وطائفية لا يمكن لسلطته أن تتسع لأطر ألوانها لا يراها ظلامه المغلق؟!! سيحتاج الصندوق لدورات أخرى كي يجدد نفسه في دورات حياة جديدة، حينها سيرى ويسمع ويتسع ويتعدد ويتنوع فيكون قلب الديمقراطية النابض برهافة الأنثى([5]).

ولعل في إشارة فارس الوقيان في تحليله للانتخابات الكويتية إلى مشكلة العقول المسطحة، ما يلتقي مع فكرة المرايا المسطة " أنفر من تلك الأفكار والمعالجات التي ترد أسباب الأزمة والانحدار لدينا، إلى قانون هنا أو لائحة هناك، وكأن كل آلامنا ومعاناتنا متوقفة على ذلك، فالمسألة أكبر وأعمق من تشريع، بل هي كامنة في العقول المسطحة وآلية التفكير المختلة التي تدير شؤوننا الإدارية والتنموية"([6]).

العقول المسطحة لا تستطيع أن تدرك عمق المرآة ولا أن تكون وعياً بذاتها عبر سبر أغوار المرآة، العقول المسطحة هي مرايا مسطحة، لا تستطيع الذات معها أن تسبر عمق نفسها.

إذا كانت الديمقراطية، تتيح للمجتمعات أن تتحرك وتطير متجاوزة أزماتها وصراعاتها وتخلفها، فإنها لا يمكن أن تطير من غير جناحين، وجناحا المجتمع هما الرجل والمرأة، إذا ما بقيت المرأة تهاجم أحد جناحي المجتمع وتكسره، وذلك بأن تكون عدوة نفسها وتهاجم وجهها الظاهر في المجتمع، فلن يطير المجتمع نحو عالم أفضل.

سنبقى نردد مع إميل سيوران"تكمن فينا أماكن معتمة لا تسمح إلا بضياء متأرجح"([7]) والضياء المتأرجح، لا يتيح للصورة أن تخرج من عتمتها، ولا للمجتمع أن يحقق تجربة تنويره، ولا للمرآة أن تظهر أشخاصنا.

وسنظل نتأرجح بمعنويات رولا دشتي التي خذلها ضياء التاريخ "معنوياتي مرتفعة وأعتقد أن أهل الكويت سيصنعون التاريخ في 17مايو2008"([8]) وضحكات فارس الوقيان التي لم تكتمل "أضحك كثيرا حين يقولون إن حقوق المرأة اكتملت بممارسة حقوقها السياسية، في حين أن حقوقها مرتبطة بثقافة ورؤية مجتمع مازال ذكورياً حتى النخاع"([9])

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=117675

الهوامش


[1] ) دليل الناقد الأدبي، ميجان الرويلي وسعد البازعي، بيروت: المركز الثقافي العربي.

[2] ) محمود رجب، المرآة والفسلفة، ص30.

[3] ) انظر: مجلة الشاهد

http://alshahed.com.kw/index.php?option=com_content&task=view&id=489&Itemid=27

[4] ) رجاء عالم، رواية خاتم، بيروت: المركز الثقافي العربي،ص60

[5] ) انظر: جريدة الوقت، علي الديري، شارع ملون بالأنوثة…صندوق مظلم بالذكورة، الاثنين, 3 يوليو, 2006.

[6] ) انظر: جريدة أوان:

 http://www.awan.com/node/74004http://www.awan.com/node/74004

[7] ) إميل سيروان،المياه بلون الغرق، دار الجمل، ص23.

[8] ) جريدة الأنباء الكويتية، بتاريخ 17مايو2008.

[9] ) انظر: جريدة أوان:

 http://www.awan.com/node/74004http://www.awan.com/node/74004

المرأة في الانتخابات الكويتية

مرآة الطائر

المرأة في الانتخابات الكويتية

"غالبية الحيوانات لا تدرك فكرة أن الصورة في المرآة متصلة بهم وليس بحيوان آخر. لقد أدركت هذه الحقيقة بقوة في أحد فصول الربيع. كان ذكر طائر الكردينال عندما تكون الشمس على ارتفاع معين، يخوض قتالا شرسا مع صورته المنعكسة على نافذة غرفة معيشتنا. من الواضح أنه كان يرى صورة منافس له على مقاطعته" جيمس ترفيل

كنت في الكويت في انتخابات 2006 و2008، كنت أمثل صفتي الشخصية، وهي صفة تسمح لي أن أكون حراً في الشق الذي أرى من خلاله الديمقراطية الكويتية في حدث الانتخابات.

عاينتها في 2006 من خلال شق وحيدةالبدون (بدون جنسية بدون ملكية بدون صوت بدون بطاقة انتخابية بدون اعتراف بدون جواز بدون مواطنة بدون رأي) ([1]).اخترت أن أرى الانتخابات كعلامة نقص على الديمقراطية، لا علامة كمال، وذلك من خلال ما تستبعده هذه الانتخابات وتهمشه وتصادره وتسلبه حق الفعل في تقرير مصير البلاد.

وفي هذه الانتخابات حاولت أن أعاينها من خلال شق المرأة من خلال علاقتها بمرآتها. والمرأة هنا ليست موضوع تنمية، بل موضوع ثقافة، وعلى الرغم من العلاقة بين التنمية والثقافة، لكني معني بشق الثقافة الذي يكاد لا يُرى أكثر من عنايتي بموضوع التنمية الذي يمكن الاستدلال عليه بمؤشرات إحصائية.

الديمقراطية تجربة تتيح لثقافة المجتمع أن تتغير، فما الذي أتاحته تجربة الديمقراطية الكويتية من تغيير يتعلق بالطريقة التي ترى بها المرأة نفسها ويرها بها المجتمع؟

خطة بدون صورة

كنت ضمن الوفد البحريني المشارك في (ندوة خطة التنمية الثقافية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) ([2]) لم تقل الندوة شيئاً جديداً، لكنها أتاحت لي مدخلا لقراءة الانتخابات، والمدخل لم تتحه أدبيات الندوة التي لم تتوفر على ضوء جديد، بل أتاحته الثقافة الممارسة في الندوة، والفعل (الممارسة) أبلغ دوماً في الدلالة من القول، بل هو يفضح أقوالنا وخططنا الاستراتيجية وعناويننا (أستاذ، دكتور، باحث، متخصص، ناشط) التي تسبق أقوالنا، ونستخدمها حججاً لإثبات ما نقوله.

كانت إحدى (النساء) الأكاديميات المشاركات في (ندوة خطة التنمية الثقافية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) قد رفضت أن ترى نفسها في مرآة الصحافة، لم تقبل أن يلتقط لها مصور جريدة (أوان) الكويتية صورة من فوق منصة الندوة. يبدو أنها وجدت أن منصة الصحافة ستضع صورتها في قاعة المجتمع العامة، حيث ما يظهر فوق هذه المنصة يصبح قابلاً للتداول والتعميم، وهما فعلان تعطيهما الثقافة للرجل كمنقبة، وتعطيهما للمرأة كمنقصة، فالرجل بقدر ما تتداول صورته وتعمم في ميدان المجتمع العام يشكل حضوره منقبة يفتخر بها، والمرأة بقدر ما تتداول صورتها وتعمم في الميدان العام، يشكل حضورها منقصة تعيبها وتعيب أهلها.

عداوة الصورة

المرأة في هذا النموذج غير المتصالح مع صورته، لا ترى في صورتها الظاهرة في مرآة المجتمع العام ذاتها التي تفتخر بها، بل ترى فيها صورتها التي لا تريدها، تراها صورة أخرى تحاربها وتعاديها، وهي تشكل لها مصدر تهديد وفضح وإمكان استغلال وإساءة.

في هذه الصورة تصير المرأة عدوة نفسها، لا ترى نفسها في مرآة الميدان العام، سواء جاءت هذه المرآة في شكل صورة صحفية أو مرشحة نيابية أو ناشطة سياسية، المرأة لا تتعرف على نفسها في هذه النماذج وترى فيها صورة مغايرة لذاتها فتحاربها وتصير عدوة لها. المرأة في هذا النموذج لا ترى نفسها في مرآة الميدان العام.

كان عنوان الورقة التي تقدمها هذه (المرأة) الأكاديمية (الاستراتيجية العملية الممكنة لتنمية ثقافة الطفل). وهو عنوان يحيل إلى عناوين أصبحت رائجة اليوم، خصوصا عند التيارات الدينية والمحافظة والجهات التربوية التي تعمل بنظام البرمجة الآلية، وذلك بفضل تقدم نظريات التخطيط والبرمجة والإدارة والجودة، لذلك تجد في هذه الأوساط، مهما كان حظها الثقافي، تتداول بكثافة مصطلحات: الخطة والاستراتيجية والأهداف والرؤية والرسالة. وهي عناوين تركز على طريقة العمل وتنظيمه وإنجازه والطريقة التي نصل بها إلى الآخرين ونشكل عبرها قناعتهم.

وهذه العناوين ليست معنية بطبيعة الثقافة التي تروّج لها، ولا بوظيفة التنوير التي كان وظيفة الثقافة والمثقفين في عصر الأنوار الأوروبي ومرحلة النهضة العربية، بقدر ما هي معنية بأن يكون محتوى ما تقدمه يطابق السائد والأعراف وجماعات المصالح والتدين التقليدي أو التدين السياسي أو أي نسخة من نسخ التدين.

هي تريد من محتوى الاستراتيجية والخطة أن يعمل على جعل الذات تطابق كل هذا التقليدي والعرفي، وهي ترسم خطة تهدف إلى أن ترى الذات نفسها في مرآة هذا السائد المستقر المتعارف عليه، ومتى صارت الذات ترى نفسها بنورها الخاص في مرآتها الخاصة المتفردة، صارت الصورة خارج الخطة والاستراتيجية، وبمنطق الاستراتيجية الحربية، تصبح الذات في مرآتها الخاصة عدوة ذاتها والمجتمع ويجب محاربتها، فالمرأة مثلا متى صارت ترى نفسها في مرآتها الخاصة بعيدا عن مرآة المجتمع، صارت صورتها في هذه المرآة مضادة وخارجة ومتمردة وشاذة عن المتعارف عليه، وعلى المرأة قبل المجتمع أن تحارب هذه الصورة، وألا ترى فيها نظيراً لشخصيتها أو شخصية المجتمع، فهي نظير للشيطان العدو.

صورة بلا نظير

ويبدو أن غياب هذه المهمة التنويرية وما تقتضيه من نقد وتشريح ومواجهة مع مصالح المستفيدين من استقرار ثقافة المجتمع في شكل لا تاريخي، قد أصاب أجواء ندوة(خطة التنمية الثقافية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) فأغلب أوراقها مكتوبة بروح ما قبل حتى خطة (1987) التي اعتمادها المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الثامنة في الرياض1987. كانت بذرة هذه الخطة الأولى ندوة عقدت في 1985بالكويت تحت مسمى «ندوة العمل الثقافي المشترك بين دول مجلس التعاون».

يبدو أن هذه الخطة غير قادرة في 2008 على تجاوز خطة 1987 أو ابتكار نسخة جديدة لها. وهذا ما أشعرني بتململ أثناء الاستماع إلى أوراق الندوة، فرحتُ أعالجه بقراءة كتاب عالم المعرفة (هل نحن بلا نظير؟). وجدت فيه فقرة أذهلتني، لأنها منحتني مفتاحاً تفسيرياً لحادثة الأكاديمية التي هاجمت الصورة التي التقطها مصور جريدة أوان، أي هاجمت صورتها في مرآة الكاميرا (كاميرا الجريدة)، وستكون مفتاحاً تفسيرياً أيضا لعدم نجاح حملة جريدة (أوان) لمناصرة المرأة في انتخابات 2008.

لم تنجح (أوان) في إقناع الأكاديمية لإيصال صورتها إلى الميدان العام، ولم تنجح أيضا في إيصال صورة المرأة وصوتها في الانتخابات إلى الميدان العام. ويبدو أن عدم النجاح في الحالتين، يؤكد أنهما يمثلان حالة واحدة. وهذا ما يدعونا إلى أن نتساءل: ألم يحن بعد أوان الصورة؟ ما مشكلة الصورة؟ هل الصورة عقدة؟ أليست الصورة نظيراً للشخص؟ هل المرأة لا تدرك شخصها النظير في الصورة كما يدرك الرجل؟ هل الرجل بلا نظير في قدرته على إدراك شخصيته في الصورة؟ هل الرجل أوهم المرأة أن ظهور صورتها في المرآة العامة يضر بها، فراحت ترى في الصورة العامة صورة عدوتها لا صورتها؟ هل المرأة بلا نظير في استعداء نفسها؟

عقدة الكردينال

في كتاب (هل نحن بلا نظير) جواب أجده بلا نظير في قدرته على إيضاح الإشكالية النظرية التي أريد أن أوضحها. يقول:"غالبية الحيوانات لا تدرك فكرة أن الصورة في المرآة متصلة بهم وليس بحيوان آخر. لقد أدركت هذه الحقيقة بقوة في أحد فصول الربيع عندما كنت أعيش في جبال بلو ريدج. كان ذكر طائر الكردينال قد أقام مقاطعته قرب منزلنا. وكل عصر عندما تكون الشمس على ارتفاع معين، يخوض قتالا شرسا مع صورته المنعكسة على نافذة غرفة معيشتنا. من الواضح أنه كان يرى صورة منافس له على مقاطعته. لحماية نافذتي.أخذت مرآة جانبية لشاحنة نقل قديمة وثبتتها على جدار المنزل. صار الطائر بعدها يقضي وقته في مهاجمة المرآة، تاركا نافذتي لحالها"([3]). عقدة طائر الكردينال أنه لا يرى صورته في المرآة بل يرها صورة عدو منافس.

كانت المرأة الأكاديمية حادة في رفض الصورة وغطت وجهها في وجه الضوء (فلاش الكاميرة) القادم من حضارة مكّن ضوؤُها الإنسانَ من أن يرى كلَّ شيء ويراه كلَّ شيء، من غير أن يرى صوره المتعددة في كاميرا الواقع أعداء يحاربها، حتى أنه 454069499_db42955b93تصالح مع صوره الخاصة، وصارت برامج تلفزيون الواقع التي تعرض صور الإنسان في أحواله اليومية مادة للظهور والتنافس لا للرفض والغياب.

فهل كانت المرأة الأكاديمية ترى صورتها في الصحافة صورة منافس يريد أن يظهرها في شكل عدو لها؟ وهل النساء في الانتخابات الكويتية، يرون في صور المرشحات أعداء منافسات؟ هل النساء لا يمتلكن وعياً كافياً بأن المرشحات هنّ أنفسهن أو هنّ صورهن في الميدان العام؟ هل النساء يشبهن طائر الكردينال؟ هل ضوء الديمقراطية الكويتية لم يمكّن النساء، بعد أربعة عقود من التجربة الديمقراطية، من أن يتجاوزن عقدة وعي (طائر الكردينال)؟

متبقي الصورة

يبدو أن الديمقراطية ما زالت تغطي وجهها وتحجب ضوءها حين يكون الموضوع وجه امرأة تريد أن تجعل صورتها تُرى في مجتمعها وميدانه العام.

كتاب (هل نحن بلا نظير) يتساءل: هل الإنسان متفرد في الخلق؟ وهل يمتاز بصفات لا تشاركه فيها بقية المخلوقات؟ وهل البشر يشكلون نوعا من الارستقراطية البيولوجية؟ هل الإنسان نسيج وحده ولا نظير له؟ نتيجة هذه الأسئلة نجدها في عنوان الفصل الأول الذي صاغه الكاتب في شكل تساؤل: هل تبقى شيء لنا؟ وهو سؤال يوحي بأن الإنسان لم يتبق له شيء يميزه عن بقية المخلوقات.

بقدر ما يخفف الإنسان من حدة تمايزه ينسجم أكثر مع العالم ومع نفسه، وهذه الأسئلة عن علاقة التمايز بين الإنسان والحيوان، يمكن أن نطرحها على العلاقة بين الرجل والأنثى: هل بقي شيء للرجل يميزه عن المرأة؟

هناك مسافة ثقافية وليست بيولوجية تحول دون أن تدرك النساء أن صور النساء المرشحات هي صورهن، وليست صور منافسة لهن أو أعداء لهن. وهذه المسافة تحتاج إلى وعي كما الإدراك يحتاج إلى وعي، وهو وعي تحتاجه المؤسسات والناشطات في مجال دعم المرأة وتمكينها.

منار الصورة

كانت رئيسة مؤسسة نحو أداء برلماني متميز «منار» الناشطة السياسية (عائشة الرشيد) تقول([4]) إن وسائل الإعلام المختلفة دأبت على ترديد عبارة أن المرأة عدو المرأة، وهذا المصطلح الذي ظهر فجأة عندما أعطيت المرأة حق الترشيح والانتخابات فقط، مشيرة إلى أن هذا المصطلح هو مصطلح ذكوري يحاول الرجال ترسيخه، منوهة بأن المرأة ليست عدوة المرأة، والدليل على ذلك ما حصل في الانتخابات السابقة 2006، موضحة أن من قام بمساندتها في حملاتها الانتخابية هن النساء، ومن صوت لهن أكثرهن من النساء.

قد تكون وسائل الإعلام التي يديرها منطق ذكوري، هي من يروج لهذا المصطلح، من أجل استغلاله لصالح الرجال الذين مصالحهم تنطق (هل تبقى لنا شيء بعد أن صار للمرأة حق الترشح والانتخاب؟) لكن نفي رئيسة مؤسسة (أداء) بأن المرأة ليست عدوة المرأة، بدليل انتخابات 2006، تنقضه انتخابات 2008 التي لم تفز فيها المرأة بأي مقعد، وتنقضه الإحصائية([5]) التي تنص على أن هناك 361 ألف ناخب وناخبة، منهم 200 ألف ناخبة و161 ألف ناخب، ولم تحصد المرأة على أكثر من 7 ٪ من أصوات المقترعين في عموم الدوائر مع الأخذ بعين الاعتبار أن تعداد المرشحات النساء لا يزيد على 27 مرشحة مقارنة بتعداد المرشحين الذي وصل إلى 273 مرشحا في عموم الكويت.

لقد حصلت أسيل العوضي على ما نسبته 13٪ من أصوات المقترعين في دائرتها الانتخابية الثالثة  (5173 صوتا) وحصلت الدكتورة رولا دشتي 11.2 % (4464) صوتا، وفي الدائرة الأولى حصلت الدكتورة فاطمة العبدلي على 2184 صوتا أي ما نسبته 9.6 من إجمالي عدد المقترعين.

نسبة الأصوات التي لم تصوت لأسيل في دائرتها 87% ولرولا 89% ولفاطمة 91%. لو فرضنا أن نصف هذه النسب أصوات نسائية، ألا يعني هذا أن هذا النصف يدخل تنطبق عليه مقولة:المرأة عدوة المرأة. أو بتعبير أقل عنفاً، المرأة لا ترى صورتها في المرأة أو المرأة ليست مرآة للمرأة.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=117601

http://www.awan.com.kw/node/77072

الهوامش


[1] )جريدة الوقت، العدد128، 28يونيو2006، الانتخابات من عيون عائلة «بدون» …كيف تبدو الديمقراطية الكويتية من دون «البدون»؟

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=4959

[2] ) ندوة «خطة التنمية الثقافية لدول مجلس التعاون لدول الخليج»15-13 مايو 2008، تنظيم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

[3] ) هل نحن بلا نظير؟ جيمس ترفيل، ترجمة ليلى الموسوي،العدد 323، يناير2006، ص.46

[4] ) انظر: جريدة أوان، http://www.awan.com.kw/node/55025

[5] ) انظر:

– دبي الحربي، أوان تكشف الدلالات الانتخابية والاجتماعية والسياسية في البيانات الإحصائية

http://www.awan.com.kw/node/71126

– تصريح مدير إدارة شؤون الانتخابات علي مراد:

http://www.awan.com.kw/node/50151

– موقع: voteforkuwait

http://voteforkuwait.com/2008a4/

حوار مع مجدي خليل

مجدي خليل لـ «الوقت»: الحال واحد على الضفتين.. كوسوفو وإسرائيل (1-2)

«النابلسي» شوّه الليبرالي الجديد.. و«طنطاوي» فاق «حنفي».. و«المسيري» بين منزلتين

مجدي خليل3

الوقت – حسين مرهون، علي الديري:

الحقائق قابلة لأن تتغير باستمرار. هذه حقيقة جديدة: لا أثر للأصولية المسيحانية على أميركا، ولا حتى اليهودية. على الأقل هذا رأي الباحث مجدي خليل، الأميركي من أصل مصري قبطي وعضو مركز ابن خلدون للدراسات.

في الأعوام الأخيرة التي أعقبت غزو أفغانستان والعراق بدت هذه الحقيقة قوية وأقلّ استجابة إلى النقض. وقد أسهم الرئيس الأميركي جورج بوش بمعاونة المحافظين الجدد في إدارته على تكريسها عبر سلسلة من التعبيرات أطلقها على خلفية الحرب على الإرهاب وكانت ذات صبغة دينية. في الوقت الذي كانت مراكز الدراسات وأجهزة قياس الرأي تشير إلى ارتفاع جنوني في نسب التدين في أميركا، الأمر الذي كان يتنافى مع صورتها كواجهة للعالم الحديث.

ومع ذلك فإن خليل تحفظ في ترتيب نتائج كبيرة على ذلك. قال ”ما يزال القرار بيد علمانيين”. وقد جادل بشأن أن الأصولية اليوم هي حكر على الإسلام. في حين انتفت تماماً عن المسيحية واليهودية. واستدرك ”حتى الباقي منها فغير مؤثر”. ”الوقت” التقته في إطار تقديمه ندوة الأسبوع الماضي من تنظيم جمعية المنتدى. فيما يلي مقتطفات:

* نبدأ معك من الموضوع الأثير الذي تشتغل عليه والمتعلق بقبطيتك. كيف تشكل وعيك بقبطيتك في ظل أغلبية مصرية غير قبطية؟

– دعني أنقل الموضوع إلى ما يمكن أن أسميه العيش ضمن أقلية. بنظري، العيش ضمن جماعة أقلية يشكل تراثاً خصباً، بمعنى أن الأمر لايعود يقتصر على فكرة دراسة الأقلية، كما هو الحال بالنسبة لي، إنما معايشتها أيضاً. فأنت حين تعيش فكرة الأقلية، ومن ثم تتوجه لدراسة واقعها بالأرقام تصبح الأمور عندك أكثر وضوحاً. من هذا المنظور أقول إن وعيي بقبطيتي، أو العيش ضمن أقلية أقبطية، قد شكل لي إطارا خصباً ما دعاني إلى أن أتوجه إليه بالدراسة وفق نهج علمي لاحقاً.

* لو طلبنا منك أن تضعنا في إطار إدراكك الأول إلى كونك تعيش ضمن جماعة أقلية. هل ثمة معاناة يمكن أن تتحدث عنها هنا؟

– لا، فأنا شخصياً لم ترتبط حياتي بمعاناة. وهذا أمر مفيد جداً. فلو كنت كذلك لأصبح موقفي الآن نابعاً من أزمة. إنما الآن، فإن ميزة ما أكتبه، هو أنني لم أكن قبطياً مضطهداً. بمعنى آخر، إنني وحتى أوان هجرتي إلى أميركا كنت مواطناً عادياً لكن ناجحا. درست الاقتصاد وعملت في البنك المركزي المصري. لذلك فأنت تجدني حين أطرح موضوع الأقباط أفعل ذلك ضمن أجواء طبيعية، ما كان سيتعذر لو عشت ضمن واقع مأزوم. حين ناقشت مفهوم الأقلية القبطية ناقشتها في سياق المفهوم العام. قلت إن ثمة خللاً قائماً في المساواة، وهذا يؤثر بدوره على المواطنة. ذلك أن المواطنة تقوم على ركنين أساسيين، المساواة والمشاركة. فحين يختل واحد من الركنين يؤثر ذلك على الفكرة الرئيسة. دعني أشير إلى شيء آخر أطور به هذه الفكرة. فأنا لا أنظر إلى الأقلية انطلاقاً من عامل عددي أو من مفهوم العدد إنما انطلاقاً من مفهوم الحقوق السياسية. وهو الأمر الذي يترتب عليه أنني أعد المرأة في مصر مثلاً مشمولة بمفهوم الأقلية. هي أقلية لأنها منقوصة لجهة الحقوق السياسية. وهكذا فحين يختل واحد من ركني المواطنة، تختل منظومة المواطنة كلها. صحيح أن المواطنة حقوق وواجبات، لكنني أعتبر أن الحقوق تأخذ موقعاً أولياً في الترتيب، بعد ذلك تأتي الواجبات. من هذا المنطلق قمت بمقاربة موضوع الأقباط، وقد نشرت كتاباً في العام 1998 أسميت فيه مواطنة الأقباط في مصر بـ”المواطنة المنقوصة”. على رغم ذلك، وأرجع إلى سؤالك الآن، فإن الأمر لم يخلُ على الصعيد الشخصي من معاناة بسيطة. فأنا مثلاً، وحتى الساعة، لا تزال الصحف المصرية ترفض أن تنشر لي مقالاً واحداً، في حين تنشر لي ”الواشنطن بوست”. لك أن تتخيل أن هناك 15 حواراً أجري معي من طرف محررين في الصحف المصرية لكن أياً منها لم ينشر، ولا واحداً حتى. بالمقابل، ظهرت مئات المرات في تلفزيونات أجنبية، في حين غير مسموح أن أظهر في التلفزيون المصري. تلك هي طبيعة الدولة البوليسية، إنها تضع قوائم بأسماء من المسموح له أن يظهر ومن لا. ولكن أشدد على أن ذلك شيء عادي جداً، وهي على أي حال ضريبة أنني ناشط من أجل الديمقراطية. الديمقراطية هي النقطة الخلافية بين العالم العربي وبين العالم الحديث.

غلطة ”عبدالناصر” وإثم ”السادات”

* وصفت في أحد مقالاتك الأقباط في مصر أنهم ”غرباء منذ الغزو العربي”. كيف تبدو غربة الأقباط اليوم؟

– لنقل إنها غربة تزيد في فترات وتقل في فترات أخرى. وحتى العام 1855 كان الأقباط غرباء تماماً على أرضهم. بمعنى أنهم كانوا يعتبرون أهل ذمة ويجرى تدفيعهم الجزية وكانوا محرومين من دخول الجيش. لكن بعد هذا التاريخ رفعت الجزية عنهم فبدأوا يدخلون تدريجياً ضمن الحياة السياسية. حصل ذلك في فترة العصر الليبرالي. ووصلوا إلى مناصب مختلفة بينها منصب رئاسة الوزراء لثلاث مرات كما شغلوا مواقع وزراء في وزارات مختلفة. وهو ما أتاح لهم تكوين ثروات، فكانوا يمتلكون نسبة كبيرة من ثروات مصر. لكن مع ثورة جمال عبدالناصر 23 يوليو عادوا غرباء مرة ثانية. فقد حجمتهم الثورة اقتصادياً وسياسياً. وفي العام 1973 حين شجع أنور السادات على ظهور الجامعات الإسلامية أحكم الطوق تماماً، وتجدد الشعور بالغربة. عاد خطاب الذمية ما أدى إلى تقوقعهم.

* هل يمكن أن يدل على شيء ما تسميه العودة إلى الغربة. على عنوان رئيس فشل بناء الدولة الحديثة مثلاً؟

– طبعاً، فالدولة الحديثة اندماجية، بمعنى أنها تدمج كل من عليها على أرضية المواطنة. المواطنة هي معيار الحقوق والواجبات. وإن أنت فشلت في ذلك فأنت فشلت في بناء دولة عصرية حديثة. لقد سعى محمد علي باشا (1805- 1848 ) في هذا الاتجاه، لكن مع ظهور التيارات الإسلامية حصلت النكسة.

* هل تخلق الغربة تمايزاً من نوع ما على مستوى تكوين الشخصية القبطية، تجعلها مختلفة مثلاً عن الشخصية المصرية؟

– لا أبدا، كلنا مصريون من أصل واحد. لكن دائماً ثمة سمات توحد الأقليات، ليس في مصر فقط إنما في كل العالم. فهي عادة ما تكون أقل عنفاً من الأغلبيات. شيء آخر، إنها تكون حذرة باستمرار، فتعوض عن أقليتها بتعليم أكثر وانخراط أكثر في المناشط الاقتصادية. الأقباط في مصر متميزون علمياً واقتصادياً.

معركة إصلاح الكنيسة مؤجلة

* لكن لم لا تبدو متمايزاً أو على مسافة نقدية في موقفك من المؤسسة الدينية القبطية، أي الكنيسة. تتحدث في كتاباتك عن ”مظلومية الكنيسة القبطية” فتبدو منسجماً في حين نعرف أن المثقف على علاقة توتر دائمة مع المؤسسة؟

– لا، هذا فهم خاطئ، فأنا حين أدافع عن المؤسسة، أدافع عنها في إطار موقعها الرمزي عندIMG_4149 جماعة أقلية. من هنا فأنا أعتبر أنها مؤسسة مضطهدة. وهو ما يحتم عليّ من جهة أخرى أن أقول للأقباط في بعض لقاءاتي بهم إن معركتكم في إصلاح الكنيسة مؤجلة حتى تحقيق المواطنة. ذلك أن هذه المعركة لها أولوية، أن تصبح مواطناً كاملاً في دولة حديثة. ثم بعد ذلك يمكن أن تأتي بقية الأشياء.

* أليس هذا ما يتذرع به الإسلاميون تحديداً، أن معركة الإصلاح الداخلي مؤجلة حتى إصلاح الأوضاع السياسية. خصوصاً وأن الحركات الإسلامية مقموعة في كل البلدان تقريباً؟

– لا، ليت هم يقولون هذا الكلام أو يطالبون بتعديل بعض الأوضاع. كنا لقينا على الأقل أرضية مشتركة. حين أجلس مع بعض الإسلاميين أطلب منهم تعريف الإصلاح، فتأتي الإجابة.. قال الله وقال الرسول. لا، هذا الكلام لاينفع، نحن نتحدث عن الإصلاح كما يتم تعريفه بواسطة الأمم الحديثة. فأنا لا أرجع لتراث المسيحية الأولى من أجل أن أستقي التقدم، إنما لتراث الغرب. أيضاً، أنا أعتبر كل التجارب الماضوية فاشلة، في حين نحن أكثر نضوجاً. السلفيون المسلمون يتصورون السلف الصالح كما لو كانوا ملائكة، في حين أنهم هم أنفسهم اليوم أفضل من السلف الصالح.

أنا من سكّ المصطلح.. أنا من وسّعه

* دعني أوظف مفهوماً هنا من كتاباتك أسميته ”الإسلامية الدولية”

– (مقاطعاً) نعم، أنا من أوائل من سكّوا هذا المصطلح. لقد جرى استخدامه لأول مرة من قبل صحيفة اللوموند الفرنسية بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول. من جهتي فقد أخذت المصطلح وعرفته وتوسعت فيه. فجرى الحديث عن الإسلامية الدولية، تماماً كما كان الحديث يجري عن الشيوعية الدولية.

* حسناً، إن سؤالي يتعلق تحديداً بتصرفك في المفهوم وإعطائه هذا الحجم من السعة. فأنت انطلقت في تعريفه من إطار شمولي دمجت فيه غزوات العهد النبوي بفتوحات الدولة الإسلامية الأولى واصلاً إلى الإسلاموية الحديثة، القاعدة وبن لادن، وووو

– (مقاطعاً للمرة الثانية) لا، دعني أوضح مسألة هنا. أنا لم أدخل الخلافة الإسلامية ضمن مفهوم الإسلامية الدولية إنما ضمن دائرة الإسلام السياسي. فالإسلام السياسي بدأ مبكراً جداً، حتى وإن ظهر المصطلح متأخراً. مع انتهاء العهد النبوي، بدأ المسلمون يفكرون في دولة، فجرى الحديث عن دولة راشدية ثم دارت إلى دولة أموية فعباسية فعثمانية إلخ إلخ. هنا، وحالما بدأ الحديث عن دولة نشأ أساس ما يمكن تسميته الإسلام السياسي وطغيان السياسة على الدين. بعض الخلفاء العباسيين كانت لديهم مايشبه الكابريهات وآلاف الجواري، في حين كانوا يطلقون على أنفسهم لقب ”أمير المؤمنين”. هذا هو ما أسميه بطغيان السياسة على الدين والروحانية. وما أسميه الإسلام السياسي ليس أكثر من توظيف الدين لخدمة أغراض سياسية. لو سألت الآن، ماهو تعريف الإرهاب، لقلت استخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية. بالمثل، فإن أنت استخدمت الدين لتحقيق أغراض سياسية، فهذا لايعني أي شيء آخر غير الإسلام السياسي.

* أرجو أن تدعني أوضح سؤالي، إشكالي الرئيس يقوم على أنك في حين كنت ميالاً إلى إعطاء مفهوم ”الإسلامية الدولية” نوعاً من السعة، فتدمج فيه إضافة إلى ما أشرت إليه في المداخلة السابقة دول مثل أفغانستان وباكستان والسعودية وإيران فضلاً عن رجال دين ودعاة مثل محمد عمارة ويوسف القرضاوي ومحمد سليم العوا ومحمد الغزالي، بدوت في المقابل أكثر احترازاً لدى تناول ما يمكن أن نسميه ”القبطية السياسية”، وكنت تلجأ للتضييق أكثر والخوض في تفاصيل. فقد تحدثت في كتاباتك مثلاً عن الكنيسة القبطية في مقابل الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا أو الروسية. كما تعمل على التفريق أيضاً بين رجال الدين الأقباط الذين يمارسون السياسة من خلفية حقوقية في مقابل من يمارسونها من خلفية دينية.

– الكنيسة القبطية شيء صغير جداً في موازاة ما أسميه الإسلامية الدولية. الكنيسة القبطية لديها مشاكلها، وأنا أنتقدها من داخلها باستمرار، لكنها لاتمارس العنف. من جهة ثانية، فحين أتكلم عن الإسلامية الدولية، أو تلك الأسماء التي عددتها، فأنا أتكلم عن كوادر العنف والإرهاب. كوادر النبذ والكراهية. ذلك أن كل هؤلاء يدعون إلى العنف وإلى الكراهية ونبذ الآخر، ليس نبذ غير المسلم فقط، إنما حتى الآخر المسلمز. فالدعوة إلى الكراهية تصل في نهايتها إلى الذات. تبدأ كراهية بين الأديان، وتنتقل إلى كراهية داخل الدين الواحد، ثم إلى داخل الفرقة الواحدة في الدين الواحد، وصولاً إلى الذات نفسها. مثال على ذلك، أن الشيخ حسن الترابي حين اختلف مع الرئيس السوداني عمر البشير حول ما أسمي وقتذاك مشروع الإنقاذ، قام كل منهما بتكفير الآخر. ومثل ذلك تجد أن أيمن الظواهري يكفر الإخوان المسلمين. هؤلاء إذن ليسوا غير ”مكفراتية”، وفكرهم ذو طبيعة وبائية تنتقل وتستشري. في حين الكنيسة القبطية لاتكفر أحداً.

الأصولية اليوم واحدة.. إسلامية

* لكن ألا يستدعي طرح مفهوم الإسلامية الدولية طرح مفهوم آخر موازٍ، وهو المسيحانية الدولية. وإلا أين يمكن أن نضع الأصولية التي يعبر عنها الرئيس الأميركي جورج بوش؟

– لا يوجد شيء في الواقع يمكن أن نسميه مسيحانية دولية.

* ثمة محللون يرون أن الصراع الدائر الآن على مستوى العالم هو صراع أصوليات. أصولية إسلامية في مقابل أصوليتين مسيحية ويهودية…

– نعم، قرأت أشياء من هذا القبيل. وهناك باحث اسمه طارق علي كتب كتاباً أسماه ”صراع الأصوليات”. لكن من وجهة نظري، ليس ثمة من أصولية اليوم غير الأصولية الإسلامية. بمعنى أنه لا توجد هناك مسيحية سياسية، نعم كانت موجودة سابقاً لكن الموجود حالياً هو دول سياسية.  فحين يخطيء بوش فإن إدارته وحدها التي تتحمل الأخطاء، فقط لا غير، بما يعني أن المحرك مجدي خليل2السياسي ليس الدين. إن بوش ليس كل شيء في الإدارة الأميركية، هناك مؤسسات على مستوى ضخم جداً يجري طبخ القرار الأميركي داخلها، ويحصل ذلك لاعتبارات سياسية بحتة. أغلب من يصنع القرار في أميركا هي اللوبيات اليهودية، ومعظم المحافظين الجدد يهود، فكيف يصح الحديث عن أصولية مسيحية. من جهة أخرى، فإن المحافظين الجدد لا يمكن الإقرار أن محركهم الرئيس هو الدين أبداً. ثمة أصولية يهودية موجودة، لكنها محدودة وليس لها أي تأثير. الذين يؤثرون في صناعة القرار هم اليهود العلمانيون. وإذا وجد مسيحيون ضمن دائرة القرار فهم أيضاً مسيحيون علمانيون. لقد انتهت الأصولية من اليهودية والمسيحية، وبقيت محصورة في الأصولية الإسلامية وحدها. وحين يجري ترداد هذا المصطلح، يقفز إلى الذهن مباشرة الأصولية الإسلامية، لأنها تتفرد بالمصطلح، تحتكره.

* أين نضع إذن ما يتحدث عنه مفكر أميركي مثل صموئيل أنتنغتون حين يقول في أحد كتبه ”من نحن؟” إن الدين هو أيديولوجية الشعب الأميركي. ثم لاشك أنت تعرف أن سيرورة الشعب الأميركي تختلف كلية عن سيرورة الشعوب الأوروبية، فجميع الاستطلاعات تشير إلى غلبة نسب التدين عند الأميركيين في حين نجد العكس لدى الواقعين في الضفة الأوروبية؟

– صحيح ذلك، إن أكثر من 75 % من الأميركيين يؤمنون بالله، أو يرتادون الكنائس والمعابد. ولكن صناعة القرار الأميركي أمر مختلف تماماً، بل هو شيء مفصول. فالدستور الأميركي يفصل فصلاً تاماً بين الدين والدولة، وصناع القرار ليسوا من دين واحد. فزلماي خليل زادة مثلاً، سفير أميركا في العراق، هو مسلم من أصل أفغاني، لكنه من المحافظين الجدد. ومثل ذلك أحمد عجمي، المفكر الشيعي الذي كان من أكبر المحرضين على غزو العراق. لكن لا أستطيع القول إن ما يحركهم هو الدين، أو أن ما يحرك المحافظين الجدد هو الأصولية المسيحية واليهودية.

* حسناً، كيف تفسر إذن تصريحات بوش لدى زيارته الأخيرة لإسرائيل واعتباره دعمها جزءا من المهمة الرسولية التي يستقيها من خلفية دينية؟

– يجب أن نضع في الحسبان أن هناك علاقة خاصة جداً بين أميركا وإسرائيل، وهي علاقة تتجاوز مسألة الأديان. في هذا السياق، أشير إلى رأي سبق وأن توقفت عنده في كتاباتي. أنا أعتبر وجود إسرائيل شبيهاً بوجود دولة مثل كوسوفو أو ألبانيا. فكما أن الغزوات الإسلامية خلفت هذه الدول في قلب أوروبا، فقد خلف الغزو الغربي إسرائيل في قلب العالم العربي. هذه إذن إحدى آثار الغزو على الضفتين، إنها تركت بقعاً إسلامية في أوروبا تقابلها بقعة اسمها إسرائيل في العالم العربي. اليوم لا أحد يتحدث عن التخلص من ألبانيا أو كوسوفو، فما معنى إذن أن يجري الحديث عن التخلص من إسرائيل!. إن شئت العدالة، فينبغي التخلص من الاثنين، لكن ذلك غير ممكن، ما يجعلنا نطرح خيار التعايش مع هذا الواقع.

ليبراليون وليبراليون.. لكن الصراع على وهم

* عودة على الحديث عن الإصلاح إلى أي حد تلتقي في أفكارك مع شخصيات مصرية مثقفة تشتغل ضمن الحقل نفسه إنما من زوايا مختلفة. نصر حامد أبو زيد أو حسن حنفي أو عبدالوهاب المسيري أو جابر عصفور أو أو؟

– نصر أبو زيد مختلف جداً، فهو مصلح حقيقي. الأمر مثله بالنسبة إلى جابر عصفور فأنا أشترك معه في مساحات كبيرة، رغم أنه من قلب النظام. لكن حسن حنفي محافظ جداً، هذا إن لم يكن أصولياً، ولا توجد مساحة مشتركة بيني وبينه. عبدالوهاب المسيري أقرب إلى حنفي، فهو الآخر إسلامي محافظ. إنني أعد شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي أكثر انفتاحاً من هؤلاء. فأنت لو التقيت في جلسة خاصة مع شيخ الأزهر ستجد أنه منفتح جداً، وهو من أتى بقانون الخلع ووافق على فوائد البنوك. وقد قال لي إنه يستطيع أن يعمل كل شيء من الإسلام، لكن المشكلة تكمن في من حواليه. في المؤسسة نفسها، الأزهر، ومن يسمون جبهة علماء الأزهر.

* لو ابتعدنا عن مصر قليلاً، إلى أي حد تلتقي مع الخطاب الليبرالي العربي الجديد ممثلاً في شاكر النابلسي والعفيف الأخضر؟

– ألتقي مع أناس كثر، لكنني أعد النابلسي واحداً ممن شوهوا مصطلح الليبرالية الجديدة. ورغم أنه صديقي، وأنا ألتقيه باستمرار وأقول له رأيي، إلا أنه أسهم في تحويل المصطلح إلى كليشيهة. لقد جرى اختزال المصطلح بصورة مخلة، واعتبر كل مؤيد لغزو العراق ليبرالياً جديداً.

* بالمقابل، إلى أي حد تلتقي مع الليبراليين العرب الذين لم يضيفوا صفة ”الجدد” إلى حالتهم وأصدروا بياناً في وقت سابق تحت اسم ”صرخة ضد التبسيط” وهاجموا فيه الليبراليين الجدد. حازم صاغية أو صادق جلال العظم أو أو؟

– الجماعتان على خطأ، ذلك أنهم ببساطة كانوا يردون على النابلسي، في حين ما يتحدث عنه النابلسي هو وهم غير موجود. هم كانوا يردون على الجماعة التي أيدت الحرب على العراق 2003 في حين أنا لا أرى أية علاقة بين الليبرالية الجديدة والحرب على العراق. نعم، يمكن القول إن ثمة علاقة بين الحرب وبين المحافظين الجدد، ولكن الليبراليين الجدد وفق الفهم الذي أتبناه منذ العام 1992 – وأنا من أوائل من استخدم مصطلح الليبرالية الجديدة – لاعلاقة لها بكل ذلك. كل من أيد الحرب على العراق عُدّ ليبراليا جديداً، هذا شيء مضحك.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=117561

في انتظار تركيا.. من يقتل أتاتورك؟ 3-3

من يقتل كمال أتاتورك؟
من يقتل كمال أتاتورك؟

لتنزيل بروفايل جريدة الوقت من يقتل كمال أتاتورك؟ pdf

تتفاوت البلدان بتفاوت أفق انتظارك لها، هناك بلد تنتظره بأفق وبلد تنتظره من غير أفق، حتى كأنك لا تنتظره، تركيا، تكاد تكون البلد الأكثر انتظاراً بالنسبة إلى أفقي، والانتظار ليس حالة سلبية، كما تخبرنا أدبيات انتظار الخلاص، فهو حالة توقع، تدفعك إلى أن تمدّ عينينك إلى الأمام مرة وإلى الخلف مرة، والإنسان لا يمدّ عينيه إلا ليقرأ بهما ويؤول من خلالهما، لذلك فالانتظار نشاط تأويلي محكوم بأفق السياق الذي تعيشه. كانت تركيا، بالنسبة إلى أفقي، الجغرافيا التي لم أعاين تاريخها ب حواسي كلها، والتاريخ يكون عصياً على الفهم حتى تمشي بقدميك في جغرافيته التي حدث فيها، وتاريخ تركيا عصي على الفهم أكثر لأنه تاريخ مازال يشتغل في الحاضر بلغات متعددة وحضارات متعددة وجغرافيا متعددة، فكيف يمكنك أن تقيم صلة أليفة مع هذا التاريخ، من غير المشي فيه؟
في الحلقة السابقة صارت العلمانية الأتاتوركية مقدسة ومحنطة وأنتجت موظفين بيروقراطيين يخشون النقد ويحرصون على أن يقدموا وجهاً رسمياً ينفي النقص. وصار على الإصلاح أن يفتح الدولة لتشكيل هوية أعراقية (جمع عرق) دستورية متساوية، لا يشعر فيها عرق بأنه فوق عرق آخر في الدولة.

جامعة تشقروّة
مع مترجمنا الآخر موسى ألب، الذي أتاحت لنا ترجمته الفورية لكلمة المحافظ، أن نفهم جزءاً من معاناة الدولة الكمالية، من خلال الجدل الذي دار حول كلمة «معاناة الكتاب»، دخلنا «جامعة تشقورة» المقامة على سواحل بحيرة سيحان التي تشغل مساحة 2200 هكتار، والمرتفعة عن المدينة. «ألب» الذي يعني الشجاع، أستاذ شاب للغة العربية، يدرس في كلية الاهوت، وقد أكمل دراسته العليا في الأردن، وهو متحمس للقيام بمشروعات ترجمة بين العربية والتركية، ولإعجابه بتجربة الصديق علي الجلاوي، وعد أن ينجز ترجمته التركية لديوانه الجديد «تشتعل كرزة نهد» في ستين يوماً.
هناك على المرتفعات المطلة على بحيرة سيحان، تعرفنا على مفهوم جديد للعلمانية التركية، وهو مفهوم «قليل من الإسلام»، حين طرحه «ألب» للمرة الأولى ظننت أنه يعني مفهوم «الأقلي والأكثري» في الإسلام عند عبدالكريم سروش، لكنه نفى معرفته بسروش، وراح يسرد قصة طويلة لتركي ويهودي، ينتهي بهما الصراع إلى أن يقول اليهودي «بي قليل من الإسلام»، في جوابه على سؤال يهودي آخر «هل أصبحت مسلماً؟». لكن ما هذا القليل من الإسلام الذي في هذا اليهودي؟
إنه شيء من حكم فقهي، ويمكن معرفته بقراءة تفاصيل القصة، فالمقام من الناحية الأدبية لا يسمح بذكره، لكن المهم أن هذا الحكم يعبر عن قدرة التركي على فهم الحكم الفقهي بطريقته الخاصة، وهذه الطريقة الخاصة، قد لخصها «ألب» بقوله: أنتم العرب تفهمون القرآن، لكننا نحن الأتراك نؤوله.
وفي التأويل يمكنك أن تمدّ حواسك كلها مسافة أطول مما يسمح به الفهم الحرفي للقرآن. وكي نعرف هذه المسافة الأطول، قمنا بجولة عند بحيرة نهر سيحون، هناك كان الطلبة والطالبات يمدون حواسهم وفق تأويلاتهم، فتلتقي الحاسة بالحاسة ولسان حالها يردد عبارة ابن عربي «الشرف كله في الحواس». حين اقتربنا من جيتار أحد الطلبة، وجدت صورة كمال أتاتورك على خشبة الجيتار، سألته: ماذا تعني لك؟ قال «أنا أصولي عربية، وأفتخر بأتاتورك، لقد أعطانا شخصية نفخر بها، أنا أحبه كثيراً، والحرية التي تجدها هنا كما هي مجسدة بين الطلبة والطالبات تدين إلى هذا الأب كمال أتاتورك». فيما كان الصديق على الجلاوي يجرب جيتار شاب آخر، كان الفنان التشكيلي ناصر نعسان الآغا، يختبر معرفتهم بالموسيقى العربية، كنت أنا أوجه سؤالاً إلى الأختين بتول المحجبة وسيجدم (Cigdem Gem) غير المحجبة. قلت لهما هل الغناء الذي يمارسه هؤلاء الشباب حرام؟ أجابتني بتول بشخصيتها الواثقة «نحن لسنا ”طالبان”، نحن طالبات محجبات منفتحات، ونمثل نموذج الإسلام التركي». هي تعني نموذج «القليل من الإسلام» أو الإسلام الذي يقوم على التأويل، أو الإسلام الذي يعيش في سياق العلمنة الأتاتوركية، بتول ذهبت العام الماضي إلى الحج و«Cigdem Gem» تنتظر اللحظة المناسبة لترتدي هذا القليل من الإسلام، فهي تعتقد أن الحجاب ليس واجباً، لكنها ستشترط على من يتقدم إليها أن يأخذها أولاً إلى مكة، تريد أن تحج أولاً قبل أن تتزوج.
ا لقليل من الإسلام والكثير من العلمانية وإصلاح الكمالية سيتيح فرصة كي «تزداد التعددية في المجتمع التركي بعد عقود من سيطرة الدولة، يوجد الآن أكثر من 300 محطة تلفزيونية وألف محطة راديو تبث كل شيء من أغاني الروك الصاخبة إلى الفولكلور التركي، ومن تقارير «bbc» إلى الأخبار الكردية والإسلامية»(x).

الشعر وأصول الحكم
في محاضرتي عن «حركة النقد في العالم العربي» التي قدمتها في مركز أضنة الثقافي المطل على نهر سيحون، بدأتها بالإشارة إلى أن تاريخ تأسيس جمهورية تركيا في 22 مارس/ آذار 1923 والمرتبط بإلغاء الخلافة أو لنقل في البداية بفصلها عن أن تكون شأناً دنيوياً زمنياً يدير الحكم، وحصرها في الجانب الروحي فقط. إن هذا التاريخ لا يعد عاماً مفصلياً للأتراك فقط، لكنه عام مفصلي للعالم الإسلامي كله، وهو ليس مفصلياً على المستوى السياسي فقط، بل على المستوى الثقافي والحضاري، وفعل النقد ليس حركة تدور حول النص الأدبي فقط كما نفهمه اليوم غالباً، بل هو فعل تتحدد حركته وفق دوران كل ما هو ثقافي وحضاري. ولأدلل على ذلك، استشهدت بكتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» وكتاب علي عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم».
هذان الكتابان صدرا في أجواء هذا التاريخ المفصلي (1923)، لقد كتب عميد الأدب العربي طه حسين الذي كان أستاذ الآداب بالجامعة المصرية، كتابه (1926)، وهو يمثل محاولة نقدية جريئة ليس لأصول الشعر العربي فقط، بل وللمرحلة التاريخية التي تمثل أصل الحضارة الإسلامية، كان كتابه فعلاً نقدياً، يشكك في أصل الشعر الجاهلي، ويذهب إلى أنه من اختراع العصر الإسلامي، وقد تم انتحال هذا الشعر بسبب الصراعات السياسية والاحتجاجات المذهبية.
هذه الروح النقدية، التي كان يكتب بها طه حسين، تفوق في أهميتها أهمية صحة الفرضية التي كان يطرحها، وصحة طريقة معالجته لها، وهي روح لم يكتب لها أن تتواصل في العالم العربي مع الأسف. لقد تطور النقد عندنا وصرنا على اطلاع بحركة النقد العالمية في أشكالها المتعددة البنيوية وما بعدها والتفكيكية والوجودية والهرمونطيقية، لكننا فقدنا الروح النقدية التي كانت لدى طه حسين، صار النقد حركة باردة حول جمالية النص.
في 1925 صدر كتاب «الإسلام وأصول الحكم» لقاضي محكمة المنصورة الشرعية الشيخ علي عبدالرازق، كانت عائلته تقود حزب الأحرار الدستوريين، وأطروحة الكتاب تنفي علاقة الإسلام بالسلطة والحكم، وتذهب إلى «أن الخلافة ليست أصلاً من أصول الإسلام، وأن هذه المسألة دنيوية سياسية أكثر من كونها مسألة دينية، وأنها مع مصلحة الأمة نفسها مباشرة، ولم يرد بيان في القرآن ولا في الأحاديث النبوية في كيفية تنصيب الخليفة أو تعيينه.. والتاريخ يبين أن الخلافة كانت ن كبة على الإسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد». وقد جاء في سياق الرد على المحاولات الكثيرة في العالم الإسلامي التي حاولت أن تتلقف وراثة الخلافة العثمانية التي فصلها أتاتورك في 1923 ثم أسقطها ,1924 بعد فرار السلطان العثماني محمد السادس، لقد صارت الخلافة «أداة لمساومة سياسية مبتذلة»(xi). وصارت الصحف المصرية تروج إلى أن الملك «فؤاد» هو الأصلح لحمل لوائها. هذه الأداة المتعاضدة مع الفكر التقليدي، هي التي حظرت الكتاب فيما بعد، كما حظرت كتاب طه حسين، وأجبرتهماعلى التراجع عن أفكارهما، بل وأجبرت روح النقد أن على أن تتراجع، وكأننا ودعنا في الثقافة العربية آخر محاولة ليبرالية أو تنويرية ودخلنا مرحلة محافظة تعاني اليوم من آثارها الوخيمة. قلت لهم «أنتم الأتراك ذهبتم بعيداً في مشروعكم التنويري والتحديثي، ونحن مازلنا مبتلون بالخلافة في صور جديدة منذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين، في صيغة صور إسلام حركي أو راديكالي أو طالباني أو قاعدي أو ولائي أو محافظ أو تقليدي. باختلاف صوره هو إسلام مؤمن بحاكمية الإسلام في المجال السياسي والدنيوي».

مرسين الإنسان
في نادي مرسين للفنون، في محافظة مرسين الأنيقة، افتتح الجلاوي الجلسة بقصيدته «المسيح البحراني»، ولأن الشعر لا يمكن أن تتوافر له ترجمة فورية، اكتفى مترجمنا الصديق أسعد جوناي بتقديم شرح مؤثر لقصة إنسان هذه القصيدة الذي أشكل على صالبيه (أي من قاموا بصلبه بالرصاص) شكل إنسانه، كان الشرح قد سبق القصيدة، ويبدو أن نبرات إلقاء الجلاوي الأخاذة قد ترجمت القصيدة في قلوب المتلقين بشكل جعلهم يكسرون حاجز اللغة، حتى أن فتاة يسارية تحلم بتغيير العالم أخبرتنا فيما بعد، أنها كادت لفرط تأثرها تقوم بحضن الشاعر على المنصة، لكنها خشيت أن المترجم يستصعب ترجمة هذه الصورة الشعرية (الحضنة).
كان الطقس مناسباً، كي أفتتح محاضرتي «عن الإنسان والرأسمالية» بمقولة أبو حيان التوحيدي «إن الإنسان قد أشكل عليه الإنسان»، وجدت أن هذه الجملة مكثفة المعنى ستوقع المترجم الفوري، رغم كفاءته، في إشكال، فوجدت أن أفضل طريقة هي أن أقوم أنا بترجمة مقولة التوحيدي، لكن لن أترجمها باللغة التركية، بل سأترجمها بالثقافة التركية، استعنت برواية «القلعة البيضاء» التي رافقتني طيلة سفرتي، حتى صار الشاعر الصديق ماجد أبوغوش، يتندر بها للنيل مني. وجدت أن الروائي التركي باموق يرهان الفائز بجائزة نوبل ,2007 المشغول بالإنسان وإشكالاته العرقية، قادر على أن يترجم مقولة التوحيدي، فكلاهما يحمل همَّ الإنسان – رغماً عن المحافظ الذي قال إن الكتاب الأتراك بلا هموم – وكلاهما يشتغلان على الأدب بروح فلسفية، وكلاهما عانيا من وباء يأتي في شكل الإنسان، الأول أحرق كتبه احتجاجاً على عصره الذي لم يستوعبه إنساناً، والآخر غادر تركيا، حين وجهت إليه تهمة «التقليل من شأن القومية التركية» وفق أحكام المادة 301 من الدستور، لقد قال أورهان باموك إنَّ مليون شخص أرمني وثلاثمئة ألف كردي قتلوا في تركيا ولهذا السبب رُفعت ضدَّه دعوى.
هل أشكل الإنسان على أورهان باموق في دفاعه عن الإنسان الأرمني والإنسان الكردي، أم هل أشكل الإنسان على المادة 301 التي حاكمت 527 إنساناً مثقفاً بدعوى «التقليل من شأن القومية التركية» أم أشكل على الصحافي الأرمني هرانت دينك الذي صورته هذه المادة الدستورية بصورة عدو تركيا وفيما بعد تم اغتياله غدراً.
كانت العبارة التي استعنت بها لترجمة مقولة التوحيدي، من قلعة أورهان باموك البيضاء، تقول «الوباء يأتي إلى الإنسان في صورة إنسان، ويأتي إلى الحيوانات في صورة فأر» هكذا إذاً، يشكل فهم الإنسان على الإنسان، لأن الشر يأخذ شكل إنسان، فتتداخل الأشكال على الإنسان، فيظن الوباء إنساناً لأنه جاءه في صورة إنسان. والمادة 301 تقدم نفسها في شكل إنسان لتقضي على الإنسان نفسه. هكذا أيضاً الأيديولوجيات والقوميات والمذاهب والموجات الفكرية، تستوي في ذلك الرأسمالية والاشتراكية. فهي قد جعلت من الإنسان سلعة قابلة للاستغلال، مرة في شكل عبدو مرة في شكل قن ومرة في شكل عامل، ومرة في شكل جهد وعمل، ومرة في شكل فائض إنتاج، ومرة في شكل عقيدة تفوق قيمة الإنسان، هكذا الإنسان تُشكل عليه أشكاله المتعددة. وعلمانية الدولة الأتاتوركية، قد أشكل عليها أيضاً الإنسان، فظنت أن الإنسان الذي لا يأتي في صورة القومية التركية، وباء ينبغي التخلص منه، لتتحقق كماليتها خالصة العرق.

وباء المثقف
حين أنهيت محاضرتي، قال لي مثقف تركي: «هل أنت كمثقف، صوتك مسموع ومفهوم في مجتمعك؟». قلت له: «لا، فصوتي يشكل على الإنسان الذي في مجتمعي، ويظنه دوماً وباء، فهو يعتقد أن المثقف لا يجلب إلا الوباء. وقد صدق المثقفون في مجتمعي العربي ذلك، وراحوا، يكفون وباءهم عن المجتمع، حتى صاروا في حجورهم الصحية المعزولة، ولا يخرجون إلا حين يطلبهم سلطان القلعة البيضاء، كي يحكوا له حكاية تسليه وتطمئنه بالبقاء الدائم». قلت له لن تجد في مجتمعي العربي 500 مثقف وأكاديمي ينشرون بياناً ضد التهديد بالانقلاب العسكري، يقولون فيه «لا نعتقد أن الجمهورية العلمانية يمكن أن تقوى من خلال إبداء الجيش رأيه ولكن فقط عن طريق الديمقراطية». مثل هذه الكلمات لا يجرؤ مثقفونا أن يقولوها كما فعل مثقفوكم العام الماضي، حين لوّح الجيش بالتدخل على عادته في انقلابات (1970 و1980)، ربما يقولونها في ملجأهم السياسي، وفي الأحوال الأخرى هم ينتظرون أن يقولها أحد، كي يقطفوا هم الثمار فيما بعد. يبدو أن المثقف قد أشكل عليه المثقف.

هوامش

(xi)مجلة الثقافة العالمية، تركيا تتجه غربا، بقلم سولي أوزيل، العدد,147 مارس/ آذار – أبريل/ نيسان ,2008 ص .38
xi ) جورج طرابيشي، هرطقات عن العلمانية كإشكالية إسلامية – إسلامية، ص .133

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=115010

مدونة الباحث د.علي الديري