تجد الباحثة البحرينية (رملة عبدالحميد) علاقة بين مطالب الشعب البحريني في الفترة ما بين 1919 – 1939 ومطالبه في الألفية الجديدة، وهي تقول إن نجاحا نسبيا حققه البحرينون في العبور إلى الدولة، إلا أنهم يطالبون اليوم بإخضاع مؤسساتها في سلطاتها المختلفة إلى سلطة الشعب.
ويظهر كتابها “العبور نحو الدولة الحديثة” الذي صدر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق حالة انقسام مشابهة بشأن الإصلاحات التي ناضل لأجلها البحرينيون ودفع بها الإنجليز آنذاك، بين عائلة حاكمة ومتحالفين معها، وغالبية شعبية تدفع باتجاه التخلص من النظام القبلي وإيجاد مؤسسات تمثيلية للشعب وتأسيس أجهزة أمنية شاملة.
(عبدالحميد) التي حاورها مركز أوال، تنقل عن مصادر تاريخية تأكيدها أن الحاكم عيسى بن علي آل خليفة “لم يكن يميل إلى الجديد والتجدد، بل كان محافظا كل المحافظة على القديم، فلا يغير شيئا مما درج عليه، ولا يرغب بشيء فيه الخروج عن المألوف” وكان من أشد المقاومين لحزمة الإصلاحات التي دفع بها الإنجليز… وفيما يلي نص الحوار:
أوال: لماذا “العبور نحو الدولة الحديثة “؟ وهل تم ذلك فعلا؟
رملة عبد الحميد: التاريخ ليس سردا، بقدر ما هو تأمل وعبرة، واستنطاق للمستقبل، هو تاريخ شعب، أما البحث في الحقبة المقررة في الدراسة فهو للوقوف على مرحلة جديدة بناها البحريني لينتقل من القبيلة إلى الدولة، وبفضل حراكه انطلقت البحرين نحو الحداثة والتنظيم والتطور، فالعبور نحو الدولة الحديثة هو عبور تاريخي انتقلت فيه البحرين من حالة القبيلة الى حالة الدولة ذات المؤسسات الرسمية والميزانية، وإن كانت دولة مركزية، السيادة فيها للحكومة ولكنه يعتبر حراك وتغيير ينبغي الوقوف عليه.
أوال: ما الذي يميز الفترة ما بين 1919-1939 لكي يتم الكتابة عنها تحديدا؟
رملة عبدالحميد: الفترة الممتدة من 1919 – 1939 هي فترة مهمة في تاريخ البحرين؛ لأنها شهدت بداية انطلاقها نحو الحداثة والتنظيم، ففي الجانب السياسي، انتقلت البحرين من النظام القبلي التقليدي إلى الحكم المركزي القائم على أساس التنظيم الإداري والمالي، وتشكيل المجالس البلدية المنتخبة، كما أنها فترة سياسية مضطربة عرفت فيها البحرين المعارضة السياسية بشكليها السلمي والثوري.
أما الجانب الاقتصادي فقد شهدت البحرين انتكاسة الغوص، بظهور النفط الذي غيّر مجرى الحياة الاجتماعية، فقد غير في أنماط العيش والتفكير الناتجين عن الوفرة المالية والتنمية البشرية والاحتكاك بالعمالة الأجنبية المرتبطة بالنفط. وفي المجال التعليمي والثقافي، أٌنشأت لأول مرة المدارس النظامية، التي بدأت بإدارة أهلية ثم خضعت للحكومة، ومع النهضة التعليمية انطلقت الأندية الأدبية الثّقافية والرياضية، وبرزت الصحافة، والمجالس الأهلية، والمسارح الفنية.
أوال: لكن هناك جدل كبير حول إصلاحات 1923؟
رملة عبدالحميد: لا يوجد جدل في سير الأحداث والإصلاحات إنما الجدل حول أسبابها وتباين موقف القوى والتيارات السياسية والمجتمعية آنذاك حيالها. وللتوضيح، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أرادت بريطانيا فرض هيمنتها على الخليج وذلك برسم سياسة جديدة للمنطقة، لكنها اصطدمت في البحرين بمقاومة من حاكمها الشيخ عيسى بن علي، القابض على البلاد لما يزيد على ثلاثين عاما، كان رافضا للتغيير، ثابتا على نمط حكمه التقليدي وفقا لما يشير إليه الريحاني بقوله “لم يكن الشيخ عيسى يميل إلى الجديد والتجدد، بل كان محافظا كل المحافظة على القديم، فلا يغير شيئا مما درج عليه، ولا يرغب بشيء فيه الخروج عن المألوف”.
حيال الوضع القائم في البحرين شعرت بريطانيا بأن حكومة الشيخ عيسى بن على لم ترتق إلى مستوى الدولة وفقا لما يشير إليه لوريمر بقوله “كانت ثمة شعور بأن جوانب كثيرة من الإدارة الداخلية في البحرين لم تكن على مستوى الدولة التي تفرض عليها الحماية”. ولذلك عزمت بريطانيا على المضي في التغيير والإصلاح في البحرين. وذلك بتفعيل مجموعة من الإجراءات منها القضاء على النظام القبلي، إعطاء المجلس البلدي صلاحيات واسعة، تشكيل جيش منظم بعيد عن نظام الفداوية وإعطاء المعتمد سلطات واسعة في البحرين.
أوال: ما الموقف الشعبي من هذه الإصلاحات؟
رملة عبدالحميد: إزاء هذا الإجراء أصبح المجتمع البحريني منقسما إلى عدة تكتلات ذي اتجاهات مختلفة، فكانت الأسرة الحاكمة ترفض الإجراءات البريطانية بشدة لأنها تقلص من صلاحياتها، أما السنة -وغالبيتهم من القبائل العربية التي دخلت مع آل خليفة إلى البحرين، وهم يشتغلون في أعمال التجّارة والبحر- فقد عارضوا الإجراءات البريطانية، لأنها تؤثر سلبا على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المرفهة.
وعلى الطرف النقيض كان الشيعة، وهم الغالبية من الفلاحين وصيادي السمك والغواصين وأصحاب الحرف اليدوية وكانوا يعانون من الضرائب المثقلة عليهم سواء من ضريبة الرقبية أو ضريبة النخيل والسمك. لهذا كانوا يتحينون الفرص المواتية لتحسين أوضاعهم، ويبدو أنهم وجدوا ضالتهم في الإجراءات البريطانية التي دعموها بشدة، وخاصة بعد ما منحهم المعتمد مزيدا من الطمأنينة وحرية التعبير، الأمر الذي دفعهم لتقديم الشكاوى والعرائض ضد الشيخ وأسرته.
أوال: هل تجدين أن هناك علاقة بين هذه الإجراءات في 1923 والإصلاحات التي تطالب بها القوى السياسية البحرينية اليوم؟
رملة عبدالحميد: نعم، الشعب آنذاك كان في حراك واسع من أجل تحويل الوضع السياسي القائم إلى دولة ذات مؤسسات رسمية ونجح في ذلك لحد ما، والمطالب التي يرفعها الشعب اليوم تؤكد على التحول إلى نظام حكم ديموقراطي، وأن تخضع جميع المؤسسات الرسمية في السلطات المختلفة إلى سلطة الشعب.
أوال : نسمع عن ثورة الغواصين هل كانت هذه الصورة ضد إصلاحات 1923؟
رملة عبدالحميد: ثورة الغواصين هي ثورة أقرب ما تكون إلى احتجاجات عمالية قادها الغواصون ضد الإجراءات التي قام بها المستشار البريطاني بلجريف على إصلاحات الغوص خاصة في مسألة تقليل القرض المعروف ب(السلفة). إذ إن هناك عدة أنظمة تعارف عليها المشتغلون في البحر وأصبحت بمثابة سنن موروثة كما يشاع “الغوص عادة والصلاة عبادة” وهذه الأنظمة قائمة على أساسين هما: التنظيم المالي من جهة، والتنظيم الاجتماعي الهرمي من جهة أخرى.
من أهم هذه الأنظمة المالية نظام السلف (سلفية الغوص): وهو المبلغ الذي يحدده مجلس الغوص –أشخاص تعيّنهم الحكومة– ويدفع إلى النوخذة مباشرة من قبل الدائن الممول للرحلة قبل حلول موسم الغوص، يقوم النوخذة بصرف جزء منه لشراء ما تحتاجه الرحلة من المؤن والزاد. والباقي يعطيه البحارة على ثلاث دفعات وفقا لما يحدده مجلس الغوص.
وثورة الغاصة حدثت (الخميس 26 مايو/ أيار 1931) فقد انتفض عدد كبير من غواصين البحرين، إذ تجمعوا في مدينة المحرق وانطلقوا منها إلى المنامة، وهناك اقتحموا مركز الشرطة وكسروا نوافذه، وأطلقوا سراح زملائهم من الغواصة الذين تم اعتقالهم سابقا بسبب اعتراضهم العلني على إصلاحات الغوص. وقد خلفت هذه الانتفاضة عددا من القتلى وعشرات الجرحى.
أوال: كتاب فؤاد الخوري “القبيلة والدولة” كتاب مهم ناقش انتقال البحرين من القبيلة إلى الدولة… كيف استفدت من أطروحته؟
رملة عبدالحميد: كتاب الخوري من المراجع الهامة التي اعتمدت عليها خاصة في الباب الأول المعني بالوضع السياسي، فقد تعرض لوضع الحكم القبلي والتقسيمات الطائفية والتعايش في بينها في ضوء التمييز الطائفي الذي تعيشه البحرين، وقد سلط الخوري الضوء على معاناة الشيعة أثناء حكم الشيخ عيسى بن علي ودور الإنجليز في الحد من سلطة القبيلة في الفترة الزمنية محل بحث كتاب “العبور نحو الدولة الحديثة”.
أوال: نلاحظ ان كتاب ناصر الخيري ” قلائد البحرين في تاريخ البحرين غير مدرج ضمن قائمة مصادر كتابك علماً بأن ناصر الخيري مؤرخ ومثقف كان يعمل في دار المعتمدية البريطانية وكان شاهداً على أحداث 1932. لماذا؟
رملةعبدالحميد: للأسف الشديد لم أستطع الحصول على كتابه لكني تحدثت عن شخصيته في الحراك الثقافي.
أوال: ماذا عن حركة 1938 كانت هناك مطالب إصلاحية للتجار الشيعة والسنة وقد رفع فيها مطلب (حق تقرير المصير) ؟
رملة عبدالحميد: أشرت إلى هذه الحركة وهي حركة 1938 الإصلاحية وأوردت فيها فصلا كاملا ولها مطالب إصلاحية واضحة، لكنني لم أشر إلى مطلب حق تقرير المصير، إذ لم أقرأ في تلك المطالب سوى مطالب لإصلاح الحكم من حيث مجلس تشريعي ومجلس للتعليم وإصلاح الشرطة والقضاء وتكوين نقابة للعمالكما تطرقت لدور بلجريف المستشار البريطاني في وأد الحركة وتشتيت زعماء الحركة الوطنية.