تعتبر البحرين أصغر دولة في منطقة الخليج العربي، حيث لا تتعدّى مساحتها 760 كلم. حسب التّصنيف التّاريخي، فقد كانت تسمية «البحرين» تشمل منطقة أوسع من ذلك، حيث تُطلق على السّاحل الغربي لمنطقة الخليج العربي، انطلاقاً من رأس «مسندم» إلى البصرة، كما تمتدّ عرضاً لتضمّ حدود الحجاز. وحسب التّسميات المعاصرة؛ فإنّ تسمية البحرين كانت تضمّ سابقاً كُلّاً من قطر، وجزءاً من الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة الشّرقية في المملكة العربية السعودية. لأسبابٍ سياسيّة تاريخية عديدة، ومع مطلع القرن السّادس عشر الميلادي؛ فقد تقلّص هذا الإقليم إلى حدود جزيرة البحرين وجزء من المنطقة الشرقية. بعدها، وتحديداً في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي؛ تقلّصت الحدودُ الجغرافيّة للبحرين لتقتصر على مساحة جزيرة البحرين، وبعض الجزر الملاصقة لها، مثل جزيرتي سترة والمحرق، إضافة إلى بعض الجزر القربية، وهي أم النعسان، وجدة، ومجموعة جزر حوار.
البحرين من المناطق التي دخلت في الإسلام طوعاً، ومن دون حرب، وذلك بعد استجابة حاكمها آنذاك، المنذر بن ساوى التميمي، لرسالة النبي الأكرم في السّنة السّابعة للهجرة ( 629 م). وكان دخول إقليم البحرين الإسلام داعماً اقتصاديّاً وجيو سياسيّاً للإسلام، حيث أسهم ذلك لاحقاً في عملية انتشار الإسلام إبّان فترة الفتوح الإسلاميّة.
البحرين اليوم
حالياً، تحتلّ البحرين موقعاً استراتيجيّاً في السّياسة الدّوليّة، فهي تقع بين أكبر دولتين في منطقة الخليج العربي. إيران من الشرق، والجزيرة العربية من جهة الغرب. تضمّ البحرين مقرّ الأسطول الأمريكي الخامس، حيث يتواجد أكثر من خمسة آلاف جنديّ من البحرية الأمريكيّة، بالإضافة إلى عددٍ كبير من جنود المارنيز.
في عام 1971م حصلت البحرين على الاستقلال عن الإدارة البريطانية، بعد أكثر من 150عاماً من الحماية البريطانية. وقتها، كانت بريطانيا تدير شؤون البلاد الخارجية، وفي النّصف الثّاني من عمر تلك الحماية؛ تولّت الإدارة البريطانية أيضاً إدارة الشّأن المحلّي، إلى جانب الشأن الخارجي. حصول البحرين على الاستقلال بعد تقرير مبعوث الأمم المتحدة عن البحرين لتقرير مصير البحرين؛ كان بداية الفرص التّاريخيّة لتحوّل البحرين من نظام
«المشيخة» الميراثي، إلى دولةٍ حديثة تكفل حقوق مواطنيها، وتُرسّخ بناء مؤسساتٍ منفصلةٍ عن إرث العلاقة السّيئة التي ربطت الحكومة المحليّة – المدعومة بريطانيّاً – بالمواطنين الذين كان يُطلق عليهم رسميّاً اسم «رعايا حاكم البحرين» و«رعايا البحرين»، في إشارةٍ واضحةٍ إلى غياب الجانب الفردي للمواطن، وتبعيّته للحاكم ومنْ يملكُ الأرض. فقد بُنيت الدّولة في البحرين على أساس السّيطرة، واختراق المؤسّسات، وإبعاد أيّ طابع استقلالي لأية مؤسّسة سياسيّة أو مؤسّسة مدنيّة، وهذا ما جعل الدّولة – وعلى مدى عقود – تُحْكِم سيطرتها على مؤسسات المجتمع المدني، وتجعل منه مجتمعا تابعاً، وضعيفاً.
الرّابع عشر من فبراير 2011
بعد أربعين عاماً من إعلان استقلال دولة البحرين؛ شهدت البلاد أكبر حركة احتجاجية. ففي 14 فبراير 2011م تفجّرت حركة شعبيّة للمطالبة بإصلاحاتٍ سياسيّة حقيقية، وإعادة الاعتبار للفرد المواطن بإعطائه فرصاً متساوية وعادلة في المواطنة. كانت الأحداث تتسارع بنحوٍ دراماتيكي، ما خلق وضعاً فريداً من الإجماع الشّعبي لم تشهد البحرين مثيله إلا في عام 1954م عندما تشكّلت هئية الاتحاد العليا للمطالبة بمطالب تكاد تتشابه مع المطالب التي رفعها البحرينيّون طوال تاريخهم المطلبيّ، وحتّى يوم الرّابع عشر من فبراير.
لا شكّ أنّ أحداث الرّببع العربي كانت حافزاً قويّاً ومؤثراً أساسيّاً في تشكيل الزّخم الجماهيري، وذلك على النّمط الذي تميّزت به حركة الاحتجاج في 14 فبراير، إلا أن ثمّة خصوصيّة تطبع ربيع البحرين في بُعدين أساسيين، وهما:
البُعد الأول: حجم العنف الذي مورس ضدّ المحتجّين مقارنةً بالدّول الأخرى. حيث أظهرت حدّة العنف الرّسمي ممارسةً غير مسبوقة في مواجهة الاحتجاجات الشّعبية، وأفرزت بدورها نتائج احتجاجيّة لم تتوافر إلا نادراً، مثل تشكيل رابطة أطباء وصحافيين بحرينيين خارج البحرين كأشكال غير تقليدية بجانب التنظيمات التقليدية الخاصة بقوى المعارضة. وقد مورس القمع الحكومي مقروناً بسياسةٍ بغيضة قامت على الفرز الطائفي، وعلى كافة المستويات.
البُعد الثاني: استمراريّة الاحتجاجات وعدم توقفها منذ بداية ظهورها الأوّل تحت عنوان العمل السّياسيّ السّلمي الذي تمارسه النّخبُ السّياسيّة المعارضة. هذه الاستمراريّة تصل بعمقها التّاريخي إلى ثلاثينيّات القرن الماضي، ووصولاً إلى مرحلة الاستقلال، وحتى ما بعد ميثاق العمل الوطني 2001م، وانتهاءً بحركة الاحتجاج في 14 فبراير 2011.
عملية الدّمج بين هذين البُعدين تقودنا إلى ربط الأحداث في سياقٍ متشابه مع مسار تفسير الرّبيع العربي، وهو غياب أصل المواطنة، وتراكم الممارسات التّدخّلية للدولة على النّحو الذي يجعل من الدّولة عبئاً، وفائضاً تمارس الإكراه، والقسْر، والتّسلط، بدلاً من تحقيق العدالة وحماية المواطنين. في ظلّ ذلك، تتحوّل ثروات الدّولة الوطنيّة من موارد للتّنمية الوطنيّة العامة، إلى موارد تنمية الولاء الشّخصي، وبناء شبكات الدّعم للحكومة على حساب المواطنين. والنّتيجة المتوقّعة من ذلك، هو أنّ طابع الممارسات لن يكون خارج العنف المنظّم، وما يتبعه من سياسات التمييز ذات البعد الطائفي والعرقي، ما يعني – بالتّالي – تشكيل العصبيّة المجتمعية على أسس الصراع والمنافرة، بدلاً من أسس السّلام والمواطنة.
تحليل نظام السّلطة في البحرين
إنّ البحث عن مفاهيم المواطنة الحديثة – ضمن هذه الحقبة التاريخية – يُتيح معرفة الآثار التي ترتّبت على عدم إنجازها، أو الإبقاء على صفتها المنقوصة. ما نريد الوصول إليه، هو فحص مبدأ المواطنة الدّستورية في الفترة التي سبقت حدث 14 فبراير، وكيف أدّى غياب، أو ضبابية، هذا المفهوم إلى ترسيخ ممارساتٍ ومنهجيات معيّنة في رسْم السّياسة العليا للدّولة، بما في ذلك سياسية الفرْز الطائفي، وبناء «شبكات زبائنية» خاصة بنظام الحكم.
من شأن ذلك أن يقودنا إلى فرضيةٍ مهمة، وهي قضية نظام السّلطة في البحرين، واعتبارها أمراً أوسع من كونها سياسة عامة يمكن تكييفها أو ضبطها بكيفيّات أو وضعيّات معيّنة من خلال التّسويات والمساومات السّياسيّة المعروفة بين اللاعبين السياسيين. خلافاً لذلك، فإنّ هذه القضيّة تطالُ القاعدة التي يقف عليها النّظامُ السّياسي برمّته, وهي – وإنْ لم تكن مستعصيّة على التغيير – فإنّ تغييرها يعني في ما يعنيه تغيير النّظام السّياسي، ومؤسّسات/ مراكز تقاسُم القوّة فيه. نظريّاً، وبحسب المجريات التاريخيّة، ليس هنالك ما يستثني أو يمنع النّظام في البحرين من الاتّصاف بسمة العقلنة، والتي رصد ماكس فيبر تمثّلها في سلوك الدّول الحديثة التي أخذت بالظّهور منذ منتصف القرن التّاسع عشر الميلادي.
سيكون السّعي لتحليل نظام السّلطة في البحرين، على أمل أنّ فهماً أكبر لها سيُمكّن من التّفاعل معها بكفاءة أفضل، سواء من قِبل النّخب الثقافيّة أو المواطنين عموماً، وهذا من شأنه تغييرها بشكلٍ أو بآخر, بدرجة طفيفة أو عميقة.
منهجيّة الكتاب
تجمع منهجيّة الكتاب بين التوثيق التاريخي والتحليل الموضوعي. في طريقة التويثق التاريخي تمّ اتباع التسلسل الزمني بحيث ستُمكّن من تكوين سردية خاصة بتتابع الأحداث وتطوّرها مع تطوّر المكوّنات التي قادت إلى بداية الأحداث، ومن الطبيعي أن تكون مثل هذه العملية تخضع للانتقائية نظراً لكثرة الأحداث وصعوبة رصدها من جهة ومن جهة أخرى فإن أي عملية توثيق لا تأخذ على عاتقها رصد الأحداث كاملةً بقدر ما تحاول رصد الأهم والأبرز والأكثر تأثيراً في مسار الأحداث، وهذا يعني إخضاع الأحداث نفسها لعملية تحليل أوليّة وفرزها وتصنيفها، وقد قادت هذه العملية إلى رصد مئات من الصحفات والأحداث كما قادت لتصنيف متمايز قد يرى النور في مشاريع أخرى مثل الوثائق والبيانات أو تحليل مضمون الصحف والتغطيات الإعلامية أو تحليل القضايا المكوّنة لثورة 14 فبراير 2011.
وربّما اعتبر البعض أن إضافة التحليل لعملية الرصد هي خروج عن منهجيّة التوثيق الموضوعي والملتزم الحيادية، إلا أن التحليل المضاف هنا لم يكن إلا بعض أجزاء الحدث نفسه، حيث جاءت عملية التحليل كرصد للاتجاه العام لأصحاب الحدث وكجزء من الحدث التاريخي أيضاً. إذ نحاول وعبر منهجيّة البحث الاسترجاعي، التّوصّل إلى تفسيرات واقعية تخصّ حركة الاحتجاج الشّعبيّة التي انطلقت في 14 فبرارير. هذه المنهجيّة من شأنها توفير إطارٍ مفاهيمي قادر على ربط الأحداث بسياقها المحلي، مع تأكيد جوانب الفرادة التي حدثت في الفترة من مارس- مايو 2011م.
نتيجةً لذلك فإن بعض الأحداث أو الوقائع ربما لم تقع تحت يد الكاتب أو حدثت غفلة عنها وسط الكمّ الهائل والمتراكم من الوقائع أو لأن بعض تفاصيلها غير مكتمل الوضوح أو لضعف تأثيرها ووقوعها في سلسلة بعيدة عن الحدث الرئيسي الذي يعالجه الكتاب، وهي أمور يمكن استدراكها لاحقاً في مشاريع توثيقية أو تحليلية أخرى، وربما اعتبر هذا الكتاب جزءاً من مشروع أوسع يأخذ على عاتقه تدوين سردية الثورة ودراسة تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. فبحسب ما تجمّع لدى الكاتب من وثائق وتدوينات تقرّر أن يكون هناك جزء خاص يصدر تباعاً يهتم بجمع وتدوين وثائق ثورة 14 فبراير وبالأخص ما حدث في دوّار اللؤلؤة من خطب وبيانات وممارسات ديمقراطية استعرض هذا الكتاب بعضاً منها.
أخيرا فإن بعض النصوص التوثيقية ربما نقلت كاملة كما في موضوع تقرير لجنة تقصى الحقائق المستقلة وتقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان فيما يخص هدم المساجد وينبغي الإشادة هنا بشجاعة أولئك الكتاب واستمرارهم في العمل بصمت دون ضجيج الإعلام، كما تجدر الإشارة الضروروية إلى ان الفترة التي تناولها هذا المدخل هي عام 2011 فقط دون ان يتعرض لما حدث بعد ذلك اعتمادا على ما تم رصده.
الكتاب متوفر على متجر:
– نيل وفرات (ورقي والكتروني)
– جملون
– أمازون