تاج الأرشيف

في الحلقة الأخيرة من مسلسل “صراع العروش” الشَّهير، يعقد ممثلو الممالك السبع المتصارعة مجلسًا لاختيار حاكم جدير بالعرش الذي أفنوا بعضهم بعضًا للاستفراد به. في مشهد مؤثر، يخطب فيهم القزم الحكيم تيريون لانستر الذي شهد مصارع الملوك وصراعاتهم: “إنها القصص.. لا شيء في العالم أقوى من قصَّة جيّدة. لا يمكن لشيء أن يردعها، ولا يمكن لعدوّ أن يهزمها. ومن لديه قصَّة أفضل من بران المشلول؟ الفتى الَّذي سقط من قمّة برج ونجا، علم أنَّه لن يسير ثانية، فتعلَّم الطيران. إنه ذاكرتنا وحارس كلّ قصصنا”.

من يملك ذاكرةً، قصّةً، أرشيفًا، تاريخًا، سيرةً، ينال شرعيَّة الحكمة التي تؤهّله للحكم. إنَّها تعطيه الأفضلية والشرعية، وتمكّن من يدافع عنه من أن يحاجج عن الأكثر جدارةً بالحكم.

امتلاك القصَّة الأجدر جعل القزم الحكيم تيريون لانستر ينتصر في حجاجه لبران المشلول على جميع الأصوات المعارضة. الشّلل الحقيقي هو ألا تملك ما كان يملكه بران؛ ذاكرة بصرها من حديد في رؤية الماضي والمستقبل. ذلك هو بصر الأرشيف. باستطاعته أن يُرينا ما حدث في الماضي وما يمكن أن يحدث في المستقبل، فيجعلنا حكماء، ويُمكّننا من القدرة على الحكم.

كانت قصص الأمم والحُكّام وما جرى عليهم الدرس الأوَّل لأبناء الملوك. نتذكَّر هنا كتاب “التيجان في ملوك حمير” لوهب بن منبه (34 – 114هـ)، الذي يعود أصل أبيه إلى يهود اليمن، وهو واحد من الَّذين أسلموا باكرًا. في اليمن أقدم التجارب البشرية وأعظم قصص الممالك والتيجان. نقل لنا وهب الحكم والمواعظ مصاغة في قصص، وتمكَّن بما يملكه منها أن يكون ملكًا يتصدّر علماء السير والتفسير والتاريخ. لا نتحدَّث هنا عن صحَّة ما نقله أو عن مصداقيّته، لكنَّنا نتحدث عن قوَّة تأثيره واختراقه بما توافر له من قصص.

الأرشيف هو المادة الخام للقصص. القصّة تملك القدرة على هضم الأرشيف وتحويله إلى حكاية لذيذة. إنها قدرة خطيرة، لأنها قد تكون قاتلة ومدمّرة.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF:  تاج الأرشيف

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو  12 بصيغة PDF

اقرأ أيضًا: 

مشاركة


مواضيع ذات صلة


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>