شيء من تاريخ صحافة اليسار البحراني
مرآة البحرين (خاص): جبهة التحرير الوطني البحرانية تأسست في 15 فبراير 1955 كأول تنظيم ماركسي يساري في البحرين، ولم يكن من الممكن لهذا التنظيم بحكم الظروف آنذاك إلا أن يكون حزباً سرياً وتكون صحافته وأدبياته ووثائقه ومطبعته سرية.
انبثق هذا التنظيم (جتوب) مع وجود هيئة الاتحاد الوطني التي قبرت الفتنة الطائفية ( 1954- 1956) وقادت الحراك الثوري في الشارع البحراني وقامت بدور فعّال أثناء المدّ القومي، وكان لليسار البحراني دعم واضح للهيئة كما يشير المناضل الراحل أحمد الذوادي، أحد مؤسسي هذا التظيم في إحدى لقاءاته القليلة مع الصحافة: “كنا ندعم الهيئة وفي الوقت نفسه كنا نحاول التنبيه لأية سلبيات أو أخطاء قد تحدث في تلك الفترة، لكن بعض قيادات الهيئة وخصوصاً المرحوم عبد الرحمن الباكر الذي كان يتولى وقتها منصب سكرتير الهيئة لم يكونوا ليتحملوا الضغوط المحيطة بهم.. ففي إحدى المرات قام الباكر بمهاجمتنا كوننا شيوعيين، لكننا لم نكن لنصطدم مع الهيئة وبقي دعمنا لها ومحاولاتنا تصويب ما كنا نعتقد أنه في ذلك الوقت أمراً خاطئاً. لذلك كنا نحن التنظيم الوحيد الذي رفع شعار إطلاق سراح كوادر الهيئة وعودة من نفيّ منهم عندما تم ضرب الهيئة”.(أحمد الذوادي يتذكر ص35 ـ منشورات المنبر التقدمي 2007).
صحافة التنظيم ومطبعته السرّية
أولى منشورات الخمسينات ووثائق الحزب ذات بُعد وطني وقومي وأممي موجهة آنذاك نحو إيقاظ الوعي الوطني وتحفيز الجماهير على النضال وغرس الأفكار التقدمية ومناهضة الاستعمار والاقطاع والشركات الاحتكارية، وكانت تطبع هذه البيانات على الآلة الكاتبة مزوّدة بورق الكربون، كانت توضع بين أوراق “الفلوسكاب” ويتم إعادة طباعتها عدة مرات لتوفير عدد كاف من المنشورات.. كانت عملية منهكة لطباعة منشور واحد بأعداد كافية لتوزيعه، وفيما بعد تم تطوير عملنا فكانت المنشورات تسحب على آلات ستانسيل حصلنا عليها بخطط محكمة من شركات أو مدارس الدولة، واستمر ذلك حتى العام 1962 عندما أفلح التنظيم في تهريب أول مطبعة سرية إلى البحرين من الخارج (الهند) جلبوها قطعة قطعة من عرض البحر.
هذه المطبعة عبارة عن وعاء بروفة من الحديد تنضد عليه الحروف باليد..الحروف أيضاً هُربت إلى البحرين من الخارج (السعودية ولبنان ومناطق أخرى).
وقال أحدالمناضلين الذين عملوا على طباعة أدبيات الحزب ونشراته (الجماهيرية والداخلية الخاصة بالأعضاء) في هذه المطبعة السرية: من الطريف أن بعض الحروف كانت تنقص من بنط معين فتجري الاستعانة بحرف مقاس آخر، لذلك تجد في بعض أعداد نشرة “الجماهير” أن كلمة واحدة مصفوفة بحروف من مقاسات مختلفة.
وأضاف، كانت عملية صف الحروف والطباعة منهكة وتحتاج لصبر وجلد. فعدى ما تستغرقه عملية صف الأحرف من وقت، تأتي عملية طباعة مئات النسخ من العدد الواحد باليد أيضاً.
وللتاريخ، يقول المناضل عبد الله الراشد البنعلي أن البيان المشترك بين قيادتي الشيوعيين والقوميين العرب في انتفاضة مارس 1965 قد تم طباعته في مطبعة جبهة التحرير الوطني السرية، و”حين ذاك كنت صفاف الأحرف والطباع والمسؤول عن تلك المطبعة، وهي آلة بروفة تسهر ليلاً ونهارا عليها كي تطبع المئات من النسخ، نسخة تتلوها الأخرى. وكنت أعمل وأنام وتناولني أخت رفيق – من بيت علوان رحمها الله، وهو لصيق لهذا البيت- الطعام من فوق الحائط وأبقى لعدة أيام لا أرى النور حتى أنجز المهمة”.
من جهته، يروي المناضل محمد حسين نصر الله أنه عندما كان يدرس في الجامعة الأميركية ببيروت في أوائل الستينات كان الرفاق يزودونه أثناء عودته في العطل الصيفية بسلة فواكه لبنانية مصفوفة بشكل حميل، وفي قاع سلة الفواكه يخبئ الرفاق حروف بأحجام مختلفة لمطبعتنا السرية، بهذه الطريقة أمر بسلاسة وبدون تفتيش على الجمارك، وتكررت هذه العملية عدة مرات دون أن تكتشفني أجهزة المخابرات.
نشرة “الجماهير”
وفي مقالة نشرت في العدد الثامن من مجلة “النضال” التي كانت تصدرها جبهة التحرير في الخارج تحت عنوان “رفاق يستعيدون بعض صفحات من تاريخ جتوب” بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس الجبهة عام 1980..كان إصدار نشرة “الجماهير” محاولة مبكرة لتأسيس صحافة حزبية ثورية في البحرين..فعدى أن الأعداد الأولى التي أصدرتها جتوب كانت هي الشكل الإعلامي الرئيسي بعد تصفية حركة هيئة الاتحاد الوطني، فإن “الجماهير” وغيرها من نشرات الجبهة “ظلت هي الشكل الأبرز والأكثر انتظاماً في المجال الصحافي الجزبي حتى مطلع السبعينات، وعلى هذا الأساس ليست هناك ثمة مغالاة لو اعتبرنا نشرة “الجماهير” هي السلف الأول للصحافة الحزبية في البحرين”.
“الجماهير” بثلاث لغات
ويتذكر قدامى مناضلو جبهة التحرير، أن الأعداد الأولى من نشرة “الجماهير” كانت تصدر بثلاث لغات: العربية والفارسية والانجليزية، وكانت الفكرة من اللغتين الأخريتين هي إيصال النشرة إلى جماهير الكادحين من غير العرب، خاصة أولئك ذوي الانحدار من أصل إيراني والعمال الهنود. ومثل هذه الأعدا ليس للتنظيم أثر منها بسبب المداهمات والاعتقالات الأولى التي تعرض لها الحزب الفتي (أولى المداهمات والاغتقالات التي تعرضت له قيادات في التنظيم في العام 1957 وتم مصادرة جميع وثائق الحزب).
نشرة “الشرارة” الداخلية
وكان الأكثر إثارة في الصحافة الحزبية الثورية لجبهة التحرير إصدار نشرة “الشرارة” الداخلية الخاصة بالأعضاء، حيث كانت توصل توجيهات وتعليمات لجنة القيادة في التنظيم لكل الخلايا والحلقات واللجان المنطقية، محللة الظروف والمعطيات السياسية التي تمر بها البلاد وعمل الجبهة في كل فترة محددة في كل ذلك المهام المطروحة على عاتق الأعضاءٍ والكوادر الحزبية وتوجيههم للتعاطي مع المزاج الجماهيري في حالات المد والجزر، وصدر في هذه النشرة الداخلية (الشرارة) وثيقة داخلية في غاية الأهمية عنوانها: “المد والجزر في حركة الجماهير” وشخصت المهام المختلفة التي على المناضل تنفيذها في حالتين مختلفتين تماماً: حالة النهوض والمد الجماهيري وحالة التراجع والركود”.
يشار في هذا الصدد، أن نشرة “الشرارة” لعبت دوراً تنظيمياً مهما في صياغة التكتيكات والأساليب النضالية لكل مرحلة، إضافة إلى إنها شكلت الأسس التنظيمية المتماسكة والوحدة الإيديولوجية لتنظيم ماركسي ميّزته طوال تاريخه في العمل السري.
يقول قدامى المناضلون اليساريون البحرانيون، “النشاط الإعلامي المتزايد كان يشكل مصدر ازعاج للمخابرات البريطانية والبحرينية وكان باستمرار هدفاً ملحاً أمام هذه الاجهزة لاكتشاف المخبأ السري للمطبعة ومصادرتها، وقد ظل ذلك هاجساً حتى تمكن العدو في نطاق ضربته الكبرى ضد الجبهة عام 1968 أن يكتشف هذه المطبعة مع كميات من الأسلحة وقسماً من المنشورات والوثائق.
في كتيبه “أشْهَدُ أَنّيْ عُشتْ ـ صفحات من حياتي” يقول المناضل الفنان الموسيقي مجيد مرهون: في العام 1967 نشر في نشرة “الجماهير” نشيد “طريقنا أنت تدري شوك ووعر عسير”، وكان من دون تلحين معين، ولذلك قمت بتلحين الأبيات الأولى، من دون حصولي على بقية الكلمات، وقمت بتحفيظ أعضاء خليتي لحن تلك الكلمات دون أمل في تحقيق تلحين نشيد كامل، وهو أيضا العام الذي ألفت فيه لحن (الذكريات) كلحن (نوحة) مأتم وحقق نجاحاً كبيراً عند الناس آنذاك.(ص14).
يذكر أن نشيد “طريقنا” استكمل كلماته الشاعر المناضل أحمد الشملان في سجن جزيرة جدا في العام 1974 وقام مجيد مرهون بتلحينه كاملا وأصبح فيما بعد النشيد الوطني لجبهة التحرير مذاك إلى يومنا هذا.
وفي إشارة أخرى، عن نشرة “الجماهير” بعد اكتشاف مخبأ المطبعة السري في الضربة الكبرى للجبهة عام 1968 يقول المناضل مجيد مرهون: لقد تمت محاكمة حسن علي محمد المحرقي بعد أن اكتشفوا مطبعة نشرة “الجماهير” عنده.وكانت محاكمة مثيرة، حيث أن المدعي العام اتهم حسن المحرقي ووصفه بالمجرم، ولكن حسن أنكر هذه الصفة بقوة، وطلب من القاضي أن يقرأ منشور “الجماهير”، وفي محاولة لإثبات الجرم فقد قرأ القاضي المنشور أمام الملأ لكي يثبت الجريمة على حسن المحرقي، ولكن حدث العكس، فقد أثار محتوى المنشور حماس الجمهور وبسبب غضب القاضي من ردة الفعل هذه، أعلن الحكم بالسجن لمدة ستة أعوام للمناضل الصلب الماثل أمامه. (ص 15).
في العام 1966، وفي الذكرى الأولى لانتفاضة مارس 1965 تصدر نشرة “الجماهير” صدر الصفحة الأولى بيان جبهة التحرير الصادر في 19 مارس 1966 حول العملية التي نفذتها الجبهة بموظفي جهاز المخابرات وجاء فيه:
“يا جماهير شعبنا العظيم .. الانفجاران اللذان وقعا في سيارتي المجرمين “لطدنل بوب، وأحمد محسن عضوي عصابة القتل والإرهاب واللذان وقعا في سيارة كل منهما قرب سكنهما في القلعة والقضيبية.. قد أثبتا من جديد أن جماهير شعبنا قادرة كل المقدرة على خوض نضالاتها الباسلة تحت أقسى الظروف والقمع والإرهاب وأن بإمكانها كل الإمكانية أن تتقدم في نضالها الظافر لتحقيق حرية بلادنا واستقلالها وتقدم شعبنا ورقيه”.
صحافة السبعينات الحزبية
في مرحله السبعينات والثمانينات والتسعينات شهدت الصحافة السرية لليسار البحراني المتمثلة في جبهتي “التحرير” و”الشعبية” نقلة نوعية في الإعلام الوطني وتطوراً مهما، وأصبح لجتوب دوريات جديدة، حيث صدرت منذ العام 1975 مجلة “النضال” وفي أواخر 1978 صدرة “الفجر” كنشرة إخبارية تطورت باضطراد وصدرت صحيفة “الأمل” لسان حال لجنة التنسيق بين التحرير والشعبية، يضاف لذلك نشرة “5 مارس” لسان حال الجبهة الشعبية ـ البحرين، كما أن المنظمات الجماهيرية الرافدة لجبهة التحرير أصبحت لها صحافتها المستقاه من صحافة جبهة التحرير الوطني البحرانية كما هو الحال لـ”الشبيبة لسان حال اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني في الداخل، و”طريق الشباب” مجلته المركزية الدورية الأخرى التي تصدر في الخارج ويعاد تهريبها إلى الداخل ويتم استنساخها على مستوى واسع في البحرين، وكذا الحال لمنظمات المناطق والفروع المختلفة نشريات متعددة.
مجلة “النضال” الدورية
صدر من مجلة “النضال” 8 أعداد من العام 1975 حتى العام 1980 وتعتبر هذه المجلة بالإضافة إلى صحيفة “الفجر” كنشرة دورية تطورتا واغتنتا باضطراد واستمرت حتى أواخر التسعينات نقلة نوعية في الصحافة الحزبية السرية البحرانية (تصدران في بيروت) حيث كانت مواضيعها وتقاريرهما الاخبارية ترسل من شبكة تقارير القيادة في داخل البحرين ويتم تحريرها في الخارج.
وقال مرجع قيادي مسؤول في جيهة التحرير لـ”مركز أوال للدراسات والتوثيق” كانت عيون رفاقنا في كل مكان ومنها المناطق الحساسة حتى القاعدة العسكرية في الجفير والسجل العقاري ونزود نشراتنا بالمخططات الأميركية والبريطانية وكذلك نجمع وثائق للأراضي البلاد المنهوبة من قبل آل خليفة والمتنفذين في البلاد.
وبرز في هذا الصدد وثيقة هامة نشرت في عدد من أعداد مجلة “النضال” سنة 1977 تحت عنوان: “بلادنا أرض يقتسمها آلـ “خليفة” مخطط تقسيم المنطقة الدبلوماسية الكائنة في منطقة رأس الرمان أشارت فيه إلى الأراضي التي استحوذ عليها أفراد من آل خليفة ومقربوهم بالمجان (اسم المالك والمساحة “بالقدم المربع” والسعر بالدينار البحراني آنذاك)
ومن أبرز المستحوذين التي ذكرت أسماؤهم في هذه الوثيقة: الشيخة حصة الخليفة (قطعتان كل قطعة فيهما 8550 قدم مربع بسعر 270000 دينار، والشيخ خليفة بن عبد الله الخليفة 8550 ق.م بسعر 85500 دينار، والشيخ عبد الله بن خالد الخليفة 12975 ق.م بسعر 1209625 ب.د، والشيخ محمد بن خليفة الخليفة 12200 ق.م بسعر 122000 ب.د والشيخ عيسى بن عبد الله 10450 ق.م بسعر 125400 ب.د، والشيخ عبد الله بن محمد الخليفة 9500 ق.م بسعر 125200 ب.د ، الوزير جواد العريض 10250 ق.م بسعر 1025 ق.م بسعر 122000 ب.د، وحسن أحمدي 8428 ق.م بسعر 101256 ب.د وأخير (…..) 7112 ق.م بسعر85256 ب.د.
ويشار في هذا الصدد أن هذه الأراضي بحسب الوثيقة وهبت لهم بالمجان عدا الشيخ عبد الله بن خالد دفع أربعة في المئة فقط.