الميادين: نظم مركز أوال للدّراسات والتوثيق حفل توقيع لكتب الباحث والمؤلف البحريني د. علي الديري :”من هو البحريني؟” و”إله التوحش” الصادرين عن المركز، و”بلا هوية” الصادر عن مرآة البحرين، في مكتبة أنطوان في أسواق بيروت بحضور عدد من المثقفين والإعلاميين والنشطاء.
الحفل قدمته الزميلة وفاء العم التي أشارت إلى أنّه “انطلاقًا من الأسئلة التي طرحتها أماسيل، ابنته التي لم تتجاوز الاثني عشر ربيعًا (عند كتابة “بلا هوية”)، استطاع الديري أن يحول مسألة إسقاط الجنسية إلى معالجة لقضية الهوية، من يصنعها ومن يهدمها”. ولفتت إلى أن “أماسيل أخرجت الديري من حالة المفكر إلى الأب ونقلت أسئلتها من فلسفة الكلمات ودلالاتها إلى الأب الذي يبحث عن إجابات يقدمها لابنته ولأبناء المنفيين”.
وأضافت العم أن “المعضلة الأساسية التي تشهدها البحرين” تكمن في “أن تجد نفسك فجأة بلا هوية، خارج الجماعة، وخارج الوطن”، مضيفة “أن تكون بلا هوية أو أن تُنتَزَع هويتك قسرًا هي بذاتها عملية توحش، سواء كانت تصب في التوحش العقائدي أو في التوحش السّياسي اللّذين نشهدهما، والهدف دائًما هو السّلطة”.
ولفتت العم إلى أن كتب الديري شاهد على مرحلة تحول في مسيرته، من الكتابة الفكرية الجامدة إلى الكتابة الحركية، حيث يمكننا أن نلحظ تغيرًا بين ما قبل انتفاضة العام 2011 وما بعدها، وما قبل المنفى في كندا، وما بعده.
بعدها، تتالت شهادات الحضور، مع الإعلامية نور بكري التي أشارت إلى حادثة لفتتها فقالت “استخدمت مصطلح “بحراني”، باعتبارها النسبة اللغوية إلى البحرين، ولكن الدكتور الديري اعترض، وطلب تعديلها إلى “بحريني”، نظراً إلى الحساسيات التي باتت الكلمة تفرضها”.
وأضافت أنّه نجد في كتاب “من هو البحريني؟”، “توضيحًا للفرق بين المصطلحين، وكيفية تغيّر دلالات كلمة “بحراني”، لتحمل مضامين سياسية وطائفية وتثير الحساسيات، بعدما كانت تشير إلى السكان الأصليين للبحرين”، وقالت إنّ “سؤال “من هو البحريني؟”، الذي يجيب عليه الكتاب الأخير للكاتب الذي يقدم إجابات على سؤال يطرح نفسه بقوة هذه الأيام: لماذا يبدو سهلاً إسقاط الجنسية في البحرين؟”
بعدها كانت شهادة رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر درويش، الذي رأى أن “كتاب “من هو البحريني؟” هو الوسيلة التي استطاع بها الكاتب أن يصفع قرار إسقاط جنسيته”.
وخلال الجلسة، وجهت الزميلة راميا ابراهيم سؤالها للكاتب د. علي الديري عن الجمهور الذي يوجه إليه هذه الكتب، وعما إذا كان متورطًا في قضية صراع سلطة؟، شارحة أن هذا السؤال بديهي ويطرح نفسه في الأزمة البحرينية بين المعارضة والسّلطة حاليًا.
وأجاب الدكتور الديري بأن “هدفه الأساسي في كتبه كمن في دراسة النّصوص التي أسّست لما يمثل هذا الكل أو الأنا، أي هذا القتل وهذا التّكفير وهذا الهدر لإنسانية الإنسان وحقه في الوجود”، مضيفًا أنها “قضايا تخص الوطن، ولست أستطيع تحديد ما إذا كنت متورطًا في ذلك، غير أني أتحصن بأدوات علوم الإنسان الحديثة من السّقوط في أي فخ طائفي أو معرفي أو عرقي”، موكلًا المهمة إلى التاريخ بالقول: “وكفى بالتاريخ شاهدًا”.
من جانبه رأى الدكتور حسين رحال أنّ “المثقف الملتزم هو الذي يدافع عن قضايا شعبه، وأن صراع المعارضة البحرينية والمثقفين البحرينيين حاليًا هو من أجل البقاء على قيد الحياة والمشاركة الرمزية ضد العنف الرّمزي الذي يُمارس ضدهم، والمتمثل في النفي وإسقاط الجنسية، بعد أن مورس ضدهم العنف المادي”، لافتًا إلى أن “تجربة الديري تبرز أنه على المثقف الملتزم أن يدفع ثمن أي من التزاماته”.
وأشارت الإعلامية تغريد الزناتي إلى أن هذه الكتب، لا سيما كتاب “من هو البحريني؟” دفعتها إلى التّساءل بشأن مفهوم المواطنة الفكري، لافتة إلى أن “هوية المواطن تقع بين مفهومين: مفهوم المواطنة (أين وُلدنا؟ أين نعيش؟ أين أرضنا؟ أين أهلنا؟) وبين السجلات الرسمية النائمة في أدراج مكاتب الوزارات والحكومات”. وأضافت أنّ “مفهوم المواطنة تحول في البحرين إلى سَند يمتلكه الإنسان بحسب الأفضلية، وبحسب التقلبات السياسية أو المصالح الإقتصادية. هنا مواطنون فقدوا “ورقة الهُوية” لأسبابٍ سياسية، لاختلافات في الآراء والقناعات، وبسبب ممارساتِهم الفكرية. هنا أيضاً من نال “ورقة الهُوية” نفسها لنيل حقوقٍ لم يقُم أصحابُها بواجباتهم أصلاً لاستحقاقها. وكانت الهوية هدية لهم..”
وقالت نحن “نحمل مسؤولية الإضاءة على أوضاع عامة الشعب، بعيداً عن مالك القوة صاحب الجلالة، بعيداً عن القصة التي يرويها الملك بما يخدم مصالحه وسياسة بطشه”، واستشهدت بقول للكاتب في مقابلة له على قناة الميادين “التعريف القانوني ليس مكتوباً على ورق، بل هو مكتوب بالدم” لتختم “هذا هو البحريني، شخصٌ ينشد الحرية، ويوسّع مجالَها العام بسلميتِه، ويغذي أرضَها بدماء شهدائِه، ويظلُ يحلمُ بوطنٍ حرٍ ومواطنة تحفظُ كرامته”.
وأعربت الدكتورة خولة مطر عن سعادتها “للقدرة البحثية العميقة التي نجدها في كتب الدكتور علي الديري والجهد الذي يسد الفراغات الناقصة في المكتبة البحرينية”، مضيفة أنّه “حوّل الظّروف الصعبة إلى فرصة، وهو ما نحتاجه سواء في البحرين أو في المنطقة العربية ككل”. وشدّدت على “ضرورة أن يقرأ الجميع هذا الكتاب لأنه يشكل مرحلة مهمة من تاريخ البحرين غير معروفة حتى للبحرينيين أنفسهم”، وختمت بالقول إن “مثل هذه المشاركات ستصنع رجال ونساء المستقبل الذين سيصنعون التراث الحقيقي للبحرين”.
من ناحيته، لفت محمد العصفور إلى أنّ انشداده إلى الكتاب انبعث من “معالجته لهذا التزاحم على حق الوجود الذي همّش البحراني حتى أنتج سؤالاً من هو البحريني، البحريني الذي كان مكان السخرة ومكان العسف من قبل الحاكم ومن قبل محازبيه، وجعل السخرة مظهرا مِن مظاهر طبقنة المجتمع وجعل السكان الأصليين في الدرجة الأخيرة في الوطن”.
واستحضر العصفور في مداخلته كتاب القبيلة والدولة في البحرين، فقال إنّ “كتاب من هو البحريني يشبه ولا يماثل كتاب القبيلة والدولة، لفؤاد إسحاق الخوري، لكن كتاب خوري كتاب اجتماعي محض، كانت أدوات صاحبه أكاديمية اجتماعية صرفة وليست أدوات متطورة كالتي نملكها اليوم. أما كتاب الدكتور الديري فينطوي على سعة في المعرفة وتنوع في الأدوات، ويقوم على قراءة علمية وثيقة لوثائق الأرشيف البريطاني”.