حُماة الباب الأخير
شهادات من ساحة الفداء في الدّراز خلال الفترة
(20 يونيو 2016 / 23 مايو 2017)
الفصل الخامس: شهداء الباب الأخير
ملائكة الحمد: الشهيدان مصطفى ومحمد
في أحداث 2011، أثناء اعتصام دوار اللؤلؤة، رأى ابني محمد في المنام امرأة جليلة القدر يشع منها النور، قدمت له قميصين، لكن لم يكن هو من استلمهما، بل أخته الصغرى. سألنا رجل دين عن تفسير هذا الحلم، فقال لنا: «لو كان هو من أخذ القميصين لكان استُشهِد». مرّت السنوات، ونسينا موضوع الحلم. ويبدو أنّ أوان شهادته لم يكن قد حان آنذاك، فقد ادُّخِرت له لوقت أعظم.
تتذكّر والدة الشهيدين محمد ومصطفى، وتروي لنا سيرة ابنيها المتعطّشين للشهادة. تكمل:
عندما استُشهِد مصطفى، قال لي محمد: «أنا الذي رأيت الحلم، فكيف يستشهد أخي؟»
وعندما قرأ وصيّة مصطفى، انكسر كثيرًا وقال: «كيف لم يذكرني أخي في وصيّته؟»
لم أتمكّن من إجابته حينذاك.
عند لحاق محمد بأخيه بعد أقل من شهرين، وبعد أن سُمح لنا بالذهاب إلى المقبرة، جلست عند قبره، وقلت له: «الآن أستطيع إجابتك على السؤالين:
لم يذكرك أخوك في وصيّته لأنّك أول من يلحق به..
أما عن حلمك بالشهادة، فقد كانا قميصين وليس قميصًا واحدًا. الأول له، والثاني لك».
بين استشهاد مصطفى (18عامًا) واستشهاد محمد (22 عامًا) شهران إلا يومًا واحدًا. ارتدى مصطفى قميص شهادته في 24 مارس/آذار، وارتدى محمد قميص شهادته في 23 مايو/أيار 2017.
كان كلّما دخل عليّ يحدّث عن الشهادة، وكنتُ ألمح بريق عيونه: «أنا ماضٍ على خطى أخي يا أمي..»
يومان وأكون عندك!
أتى إليّ مصطفى وقال: «أمي، سحبوا جنسية الشيخ». قلت: «وماذا ستفعل أنت؟» قال: «سأذهب». قلت: «ماذا ستفعل إن ذهبت؟» قال: «إذا أنا ذهبت، وغيري ذهب، واجتمعت الحشود عند بيت الشيخ، سنتمكن من حماية الشيخ إذا هجموا عليه في أي وقت». ثم أضاف: «يومان وأكون عندك». فقلت له: «في أمان الله يا حبيبي».
ذهب مصطفى ومر اليوم الأول.. الثاني.. الثالث..
في اليوم الرابع، دخل علي محمد، وقال: «سوف أذهب إلى الدراز»، فقلت: «وماذا ستفعل هناك؟» قال: «سأذهب مع الشباب المعتصمين لنحمي الشيخ». قلت: «فليكن الله معك». وقال لي كأخيه: «يومان وأكون عندك». فقلت له: «في أمان الله يا حبيبي».
ومنذ خروجهما، لم يعودا إليّ ليكونا عندي، اختارا أن يكونا عند الله، فصار لكل منهما يوم عنده، وقميص صدق.