للبحرين ـ إقليماً وجزر أوال جزء منها ـ دور معرق في الحضارة والفن، وكان لها مساهمتها الفعّالة في رفد الحياة الأدبية العربية، ولعبت دوراً نشطاً في نشأة الفن الشعري العربي وتأسيس قواعده وبنيانه. وقديماً قال ابن سلام الجمحي (ت 276ه) وهو من مؤرخي الأدب المرموقين في كتابه «طبقات الشعراء»: «في البحرينِ شعرٌ كثيرٌ جيدٌ، وفصاحةٌ». واستمر عطاؤها الأدبي متجدداً ؛ بدءاً بالعصر الجاهلي، ووصولاً إلى العصر الحديث، مروراً بالعصر الوسيط.
ويتضمن هذا الكتاب دراسات عن أدب البحرين، ويلقي ضوءاً على عطائها، خاصة جزر «أوال» عبر أُفق زمني واسع وممتد. ويتحدث البحث الأول وعنوانه «الدور الحضاري لمنطقة البحرين وانعكاساته على الشعر في العصر الجاهلي» عن أدائها الحضاري والعوامل التي ساعدتها على لعب ذلك الدور من موقع استراتيجي وحياة اقتصادية، وما عاشته من ألوان اجتماعية وسياسية وفكرية، وقد أهّلتها تلك العوامل لأن تكون سبّاقة في قول الشعر، وتأسيس العديد من موضوعاته، كما ألقت الضوء على عناصر الحضارة المادية التي انعكست في الشعر من بيئة طبيعية نباتية وبحرية وأنماط إنسانية، كما تناولت ما عاشته هذه البلاد من رقيٍّ عقلي تمثّل في ميل شعرائها إلى تفصيل المعاني واستقصائها، وجنوح نحو التأمّل في الحياة واستخلاص الحقائق والعِبَر وما نتج عنها من حكم.
أما الموضوع الثاني فعنوانه: «طرفة بن العبد وصورة الناقة في شعره»، وهو يعالج العلاقة التلازمية بين الشاعر الجاهلي وناقته، متحدّثاً معها بلغة تكتنفها تعابير تتحدّى الوجود، وفي بعض الأحيان كأنها ـ في صورها ـ غريبة التعابير عن روح صاحبها، وهذا ما أردنا تصويره، محاولين بدراستنا هذه الوصول إلى نتيجة فحواها: إن عنصر الناقة في صدر القصيدة الجاهلية له دلالاته المرتبطة بالحالة النفسية للشاعر الجاهلي في جميع مراحل حياته، وقد تمتّد تلك العلاقة معها حتى بعد مماته.
وعنوان الموضوع الثالث: «شعر البحرين في العصر الجاهلي ـ موضوعاته وخصائصه»، وتضمّن وقفة سريعة على تاريخ منطقة البحرين القديمة وإبراز مميزاتها الحضارية، وما نبغ فيها من شعراء، مع إطلالة على شعرهم، ومحاولة تلمّس جوانب الريادة والابتكار فيما وصل منه. وتمّ التركيز على أربع ظواهر شعرية يعتقد بتميزها: طرفة بن العبد، والمثقّب العبدي ـ عائذ بن مِحْصَن ـ ، والمتلمّس الضبعي ـ جرير بن عبد المسيح، وعمرو بن قميئة.
وفي العصر الوسيط، وهو ما عُرف بعصر الانحطاط حيث هزل الفكر وذبل الأدب والشعر انتعشت في البحرين، الجزر، حركة علمية نشطة، وانبعث في ظلها الشعر متدفقاً، وبرز اسم الشاعر جعفر الخطي كرائدٍ لحركة شعرية تقدمية تطمح إلى انتشال الشعر من كبوته؛ ومن ثم كان عنوان البحث الرابع: «لمحات إبداعية لشاعر البحرين جعفر الخطي» وتركز البحث على مظهرين يمكن عدّهما متميزين بالنسبة لموضوعات الشعر العربي في ذلك العصر، وهما الشعر الذاتي بما فيه من تركيز على عواطف الذات وهمومها ورؤاها ومنها ما يتعلق بحياتها الاجتماعية، ثم محور الوطن الذي تعلّق به الشاعر فحنّ إليه وبرع في وصف حسنه وتغنّى بجماله.
وأتى عنوان البحث الخامس: «منظومة نزهة الجليس لعبد الجليل الطباطبائي ـ قراءة وثائقية فنية»، والنص من أدب الرحلات، وقام الشاعر مع مجموعة من رفاقه برحلة حول جزر البحرين ووصف قراها ومدنها وما رآه من مناظر طبيعية وما لحظه من خصائص لمناطقها، وتتمثّل طرافتها أنها صيغت نظماً، وشكّلت موضوعاً جادّاً بالنسبة لعصرها، وهو بداية القرن التاسع عشر، واكتسبت قيمة وثائقية برصدها الكثير من معالم البيئة الجغرافية للجزر، وأرَّخت للحياة الطبيعية، وأشارت إلى ما فيها من معالم أثرية وتاريخية، فعدّت سجلاً أدبياً صادقاً للحياة الفطرية التي تغيّر الكثير من معالمها ومعطياتها بفعل التقدّم الحضاري والازدهار العمراني.
وحمل البحث السادس عنوان: «بين رائيَتي سلمان التاجر وأبي تمّام»، وهو دراسة فنية لقصيدة التاجر (ت في 1342ه/1923م). وهي في رثاء والده وعارض فيها قصيدة الشاعر الكبير أبي تمام، وتركزت الدراسة فيها على الجوانب التي تأثر فيها التاجر بمرجعيته، ومدى استقلال شخصيته الأدبية فيها.
أما الموضوع السابع فهو دراسة لمقدمة قصيدة الرثاء للشاعر أحمد بن صالح بن طعّان الستري (ت في 1315ه/1897م)، وانحصرت فيما توفّر من شعره، وله ديوان مطبوع تعذّر الحصول عليه.
أما الموضوع الثامن فهو: دراسة عن معارضة عبد المحسن الصحّاف للامية الطغرائي، وتُعنى بتلمس تأثيرات القصيدة الأم على الصحّاف (ت في 1351ه/1932م)، وملاحظة جوانب الاتفاق والاختلاف بين القصيدتين.
ودار الموضوع التاسع حول: الشيخ محمد بن عيسى الخليفة وموضوع الوطن، (ت في 1384 ه/1964م)، وتناولت الدراسة تعلّق الشاعر بالبحرين، وما نتج عنه من شعر في الحنين إليها، ووصفٍ لها، وطموح إلى صعودها إلى مراتب العلا، وبروز ذلك من خلال تبنّي الدعوة إلى الإصلاح وما يرتبط به من تعليم واستقلال.
وركّز الموضوع العاشر على دراسة قصيدة طريفة لشاعر مغمور هو علي بن لطف ﷲ الجدحفصي (ت في حدود 1142ه/1729م)، وفيها وصف سفرة شاقّة تعرّض فيها لألوان من الأخطار، وعرض فيها لما انتابه من مشاعر الفزع والذعر والإشراف على الهلاك.
أما الموضوع الحادي عشر فيلقي الضوء على قصيدة سلمان التاجر في التعريف بنفسه وذلك حين رغب الشاعر الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة في التعرّف عليه.
هذه دراسات نطمح أن تكون مقدمة لدراسات قادمة في شعر البحرين، والذي يتميز بثرائه وغناه في مختلف العصور، والذي يكتنفه الغموض في أكثر فتراته. ونأمل من نشره ليس التعريف به ودراسته وحفظه وحسب، وإنما نطمح إلى الولوج في أعماقه أكثر والكشف عن مصادره ومظانه، بمساعدة من يتمكن من تزويدنا بجوانب من هذا التراث الكبير والمجهول، هذا مع تقديم جزيل الشكر وعظيم الامتنان مقدماً. كما نتقدم بالاعتذار عمّا ورد فيه من قصور خاصة فيما يتعلّق بشعراء جزيرتنا الحبيبة المحرق والتي لم نأل جهداً في الحصول ولو على جزءٍ من تراثها الأدبي لكننا لم نتمكن فنكرّر الاعتذار، آملين أن نزيّن بهم دراساتنا في قادم الأيام.
الكتاب متوفر على متجر:
– نيل وفرات (ورقي والكتروني)
– جملون
– أمازون