ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية

بعد‭ ‬صدوره‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬باللغة‭ ‬الإنكليزية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2013،‭ ‬عن‭ ‬مطبعة‭ ‬‮«‬هيرست‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مطبعة‭ ‬جامعة‭ ‬أوكسفورد‮»‬،‭ ‬تصدر‭ ‬اليوم‭ ‬الطبعة‭ ‬الرابعة‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الشيوخ‭: ‬الانهيار‭ ‬المقبل‭ ‬للممالك‭ ‬الخليجية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬استعرضته‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الدولية‭ ‬بشكل‭ ‬واسع،‭ ‬فنُشِرت‭ ‬مقالات‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬إيكونومست‮»‬،‭ ‬و‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬إندبندنت‮»‬،‭ ‬و‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬غارديان‮»‬،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الرائدة‭. ‬كما‭ ‬اقتُبِسَت‭ ‬بعض‭ ‬أقسام‭ ‬الكتاب‭ ‬ونشرتها‭ ‬مجلتا‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬أفيرز‮»‬،‭ ‬و‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬بوليسي‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬سابقٍ‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2014،‭ ‬صدرت‭ ‬نسخة‭ ‬باللغة‭ ‬الفارسية‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬طهران‭. ‬ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬2014،‭ ‬يسرني‭ ‬التصديق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الترجمة‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الشيوخ‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬آمل‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬أفكار‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬شريحة‭ ‬أكبر‭ ‬وأكثر‭ ‬نقدًا‭ ‬من‭ ‬القراء‭.‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬منذ‭ ‬نشر‭ ‬الإصدار‭ ‬الأول‭ ‬للكتاب،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاضطرابات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تواجهها‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭. ‬على‭ ‬مستوًى‭ ‬خارجي،‭ ‬برزت‭ ‬جهود‭ ‬خطرة،‭ ‬ومسببة‭ ‬للخلافات،‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬القوى،‭ ‬وكان‭ ‬أغلبها‭ ‬من‭ ‬الممالك‭ ‬الخليجية،‭ ‬وقد‭ ‬هدفت‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬إخماد‭ ‬شعلة‭ ‬الكوسموبوليتية‭ ‬العربية،‭ ‬ومظاهر‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‭ ‬الجديد،‭ ‬التي‭ ‬حظينا‭ ‬بشرف‭ ‬رؤيتها‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬وفي‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭. ‬باعتقادي،‭ ‬تنبثق‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬معسكرات‭: ‬أولًا،‭ ‬محور‭ ‬مناهض‭ ‬للثورة‭ ‬بشكل‭ ‬صريح،‭ ‬برئاسة‭ ‬الرياض‭ ‬وأبو‭ ‬ظبي،‭ ‬اللتين‭ ‬تسعيان‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الديكتاتوريات‭ ‬الجديدة‭ ‬وترسيخ‭ ‬حكمها‭ ‬–‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬–‭ ‬وذلك‭ ‬لتقويض‭ ‬محاولات‭ ‬إنشاء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬التمثيلية‭ ‬في‭ ‬المنطقة؛‭ ‬ثانيًا،‭ ‬معسكرٌ‭ ‬يدَّعي‭ ‬تأييده‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬تموله‭ ‬الموارد‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬قطر،‭ ‬ويدعمه‭ ‬النفوذ‭ ‬التركي‭ ‬الكبير‭ ‬–ويبدو‭ ‬أنهم‭ ‬يستخدمون‭ ‬منظمات‭ ‬إسلامية‭ ‬سياسية‭ ‬موجودة،‭ ‬كآلية‭ ‬رجعية‭ ‬لبلورة‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬المنطقة؛‭ ‬أما‭ ‬ثالثًا،‭ ‬فـ‭ ‬‮«‬معسكر‭ ‬المقاومة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وحكومة‭ ‬بغداد‭ ‬المحاصرة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إيران‭ ‬وحلفائها‭. ‬وهؤلاء‭ ‬أخذتهم‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬بغتةً،‭ ‬ولم‭ ‬يضطروا‭ ‬إلى‭ ‬التصدي‭ ‬للضغوطات‭ ‬والثورات‭ ‬المحلية‭ ‬فقط،‭ ‬إنما‭ ‬للمحاولات‭ ‬الانتهازية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬الرجعية‭ ‬المناهضة‭ ‬للثورة‭. ‬وقد‭ ‬وجدوا‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬لإزالة‭ ‬أعدائهم‭ ‬القدامى‭. ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء،‭ ‬شعر‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بالخطر‭ ‬جراء‭ ‬قيام‭ ‬داعش‭ (‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والشّام‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تشكل،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك،‭ ‬المظهر‭ ‬الأسوأ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجهود‭ ‬المناهضة‭ ‬للربيع‭ ‬العربي،‭ ‬وهي،‭ ‬على‭ ‬الأغلب،‭ ‬مرتبطة‭ ‬بأحد‭ ‬هذه‭ ‬المعسكرات‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭.‬

وعلى‭ ‬نحو‭ ‬مشابه،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمستوى‭ ‬المحلي،‭ ‬فإن‭ ‬دعائم‭ ‬حكم‭ ‬الممالك‭ ‬الخليجية‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانهيار‭ ‬سريعًا‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الشيوخ‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يومًا‭ ‬التنبؤ‭ ‬بكرة‭ ‬بلورية،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬مدرك‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬طرحتها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬2013،‭ ‬أثبتت‭ ‬اليوم‭ ‬صحتها‭ ‬للأسف‭. ‬أدت‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬لــ‭ ‬‮«‬احتواء‮»‬‭ ‬النسخة‭ ‬الخليجية‭ ‬من‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬اليوم،‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬سياسات‭ ‬قمعية‭ ‬هائلة،‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬الاعتقالات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬والبحرين،‭ ‬والكويت،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬–‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬عزيزة‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬‮«‬الليبرالية‭ ‬نسبيًّا‮»‬‭. ‬واليوم،‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬تغريدة‭ ‬ناقدة‭ ‬أن‭ ‬ترمي‭ ‬مواطنًا‭ ‬خليجيًّا‭ ‬شابًا‭ ‬خلف‭ ‬القضبان‭. ‬وقريبًا،‭ ‬سيكون‭ ‬لنشوء‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬البوليسية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التحديث‭ ‬السريع،‭ ‬وتكنولوجيات‭ ‬الاتصالات‭ ‬القوية‭ ‬الجديدة،‭ ‬نتائج‭ ‬خطرة‭ ‬على‭ ‬العقود‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وصيغ‭ ‬الشرعية‭ ‬للحكام‭ ‬المتعددين‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬تشويه‭ ‬سمعة‮»‬‭ ‬المعارضة،‭ ‬التي‭ ‬ناقشناها‭ ‬في‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الشيوخ‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة،‭ ‬فهي‭ ‬تتفاقم‭ ‬حتى‭ ‬تكاد‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تحريض‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬البحرين،‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬بشكل‭ ‬فاعل،‭ ‬على‭ ‬النزاع‭ ‬الطائفي؛‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وقطر‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬بعضًا‭ ‬حول‭ ‬أسلوب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬–‭ ‬وتعتقد‭ ‬أبو‭ ‬ظبي‭ ‬أن‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية،‭ ‬أما‭ ‬الدوحة‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬ثقل‭ ‬وازن‭ ‬ضروري‭ ‬مقابل‭ ‬السيطرة‭ ‬السعودية‭ ‬الإقليمية‭. ‬وأخيرًا،‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬جهود‭ ‬التنويع‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬نتيجة‭ ‬بعد،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اندفاع‭ ‬كافة‭ ‬الممالك‭ ‬الخليجية‭ ‬تقريبًا،‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬يتجاوز‭ ‬فيها‭ ‬إنفاق‭ ‬حكوماتها‭ ‬–‭ ‬الذي‭ ‬ارتفع‭ ‬بشكل‭ ‬هائل‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬العائدات‭ ‬النفطية‭ ‬المتدنية‭. ‬وتدل‭ ‬مقالتي،‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2013،‭ ‬حول‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬التي‭ ‬تتهاوى‭ ‬بسرعة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬التطورات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬على‭ ‬تدهور‭ ‬الوضع‭ ‬ربما‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬مما‭ ‬توقعته‭ ‬سابقًا‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭. ‬واليوم،‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬متساوية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬وهي‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬الحالية‭. ‬وقريبًا‭ ‬جدًا،‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة،‭ ‬سنرى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الممالك‭ ‬الخليجية‭ ‬ستضطر‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬المعونات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬نقل‭ ‬الثروات‭ ‬إلى‭ ‬مواطنيها‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬حدث‭ ‬هام‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬عميق‭ ‬ونهائي،‭ ‬على‭ ‬الأغلب،‭ ‬في‭ ‬شرعية‭ ‬الممالك‭ ‬الخليجية‭ ‬وشعبيتها‭.‬

د‭. ‬كريستوفر‭ ‬م‭. ‬ديفيدسون

درهام،‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬2014‭

اقرأ أيضًا: