القبيلة والدولة

يبدأ‭ ‬المؤلف‭ ‬الخوري‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه‭ ‬بهذه‭ ‬العبارة‭ ‬‮»‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬عن‭ ‬القبيلة‭ ‬والدولة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬سوى‭ ‬محاولة‭ ‬متواضعة‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬المتغيرات‭ ‬المستجدة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬السلطة‭ ‬والحكم‭ ‬خلال‭ ‬القرنين‭ ‬الماضيين‮«‬‭. ‬وكان‭ ‬يقصد‭ ‬بالقرنين‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬والعشرين،‭ ‬لأنه‭ ‬كتب‭ ‬هذا‭ ‬المؤلف‭ ‬عام‭ ‬1975‭ ‬تقريباً‭.‬

لكن‭ ‬منذ‭ ‬ذاك‭ ‬التاريخ‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬ومع‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬حوالي‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الزمن‭ ‬البحريني،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬جلبت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجزر‭ ‬الصغيرة‭ ‬الآمنة‭ ‬الوادعة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وعلى‭ ‬سكانها،‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬جره‭ ‬عليها‭ ‬القرن‭ ‬والنصف‭ ‬الماضيين‭. ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الويلات‭ ‬والحروب،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التغيير‭ ‬الديموغرافي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬وحتى‭ ‬البيئي،‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬القبيلة‭ ‬مستغلة‭ ‬صفة‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬أسبغتها‭ ‬عليها‭ ‬سلطات‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬بإصلاحات‭ (‬الميجور‭ ‬ديلي‭) ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1920،‭ ‬وثم‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬وقادها‭ ‬المستشار‭ (‬تشارلز‭ ‬بلجريف‭) ‬من‭ ‬1926‭ ‬وحتى‭ ‬رحيله‭ ‬عام‭ ‬1957،‭ ‬والتي‭ ‬رسخت‭ ‬جذور‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تلقفها‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬معتقدين‭ ‬أنهم،‭ ‬بطبعهم‭ ‬القبلي‭ ‬البدوي،‭ ‬يستطيعون‭ ‬إدارتها‭ ‬قهراً،‭ ‬أو‭ ‬قسراً،‭ ‬أو‭ ‬اضطهاداً‭ ‬تارة،‭ ‬أو‭ ‬ترغيباً‭ ‬وترهيباً‭ ‬بدعم‭ ‬القوى‭ ‬البريطانية،‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭.‬

هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الأربعون‭ ‬أضافت‭ ‬تغييرات‭ ‬عديدة‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬بتماسكه،‭ ‬وعفويته‭ ‬وصفائه،‭ ‬بتلوث‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬عنه‭ ‬الخوري‭ ‬وقتها‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يلحظه‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وهو‭ ‬التغيير‭ ‬الديموغرافي‭ ‬بالتجنيس‭ ‬السياسي،‭ ‬ومحاولات‭ ‬طمس‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬وتشويه‭ ‬تاريخ‭ ‬الوطن‭ ‬وحصره‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬قبلية‭ ‬طارئة‭ ‬واحدة‭ ‬تمثل‭ ‬عنوان‭ ‬حضارة‭ ‬الجزر‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬سواها‭.‬

يبحث‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬فصوله،‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬غير‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬بين‭ ‬القرية‭ ‬البحرانية‭ ‬بمدلول‭ ‬الكلمة‭ ‬اللغوي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للسكان‭ ‬الأصليين‭ ‬لجزر‭ ‬البحرين‭ ‬وبما‭ ‬أفرزته‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬سابقة؛‭ ‬والمدينة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬أنشأتها‭ ‬القبائل‭ ‬الغازية‭ ‬للجزر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬وما‭ ‬تبعها‭ ‬من‭ ‬تنظيمات‭ ‬إدارية‭ ‬إنجليزية‭ ‬الصنع‭ ‬والتنفيذ‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الجزر‭ ‬لتثبيت‭ ‬حكم‭ ‬القبائل‭ ‬الخارجية‭ ‬ضد‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الديني‭ ‬للقرية‭ ‬البحرانية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القبلي‭ ‬البدوي‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬صحراء‭ ‬الجدب‭ ‬والقحط،‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬إنشاء‭ ‬قرية‭ ‬زراعية،‭ ‬أو‭ ‬بحرية‭ ‬يعتاش‭ ‬منها،‭ ‬ولذا‭ ‬فضل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬القرى‭ ‬باعتماده‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬‮ ‬سياسة‭ ‬النهب‭ ‬منها‭. ‬فتحولت‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬طوال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حتى‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقبائل‭ ‬الغازية،‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬سلب‭ ‬ونهب‭ ‬بمفهوم‭ ‬الصحراء؛‭ ‬إلى‭ ‬سلب‭ ‬ونهب‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬القروي‭ ‬البحراني،‭ ‬وفي‭ ‬ثرواته‭ ‬من‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬وبالذات‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬دون‭ ‬العمل‭ ‬وتعلم‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬الكسب‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬رفضه‭ ‬المجتمع‭ ‬البحراني‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬الصغيرة‭ ‬الغنية‭ ‬المتناثرة‭ ‬على‭ ‬رقعة‭ ‬الجزر‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬القروي‭ ‬في‭ ‬أساسه‭ ‬وتكوينه‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬ليس‭ ‬مجتمعاً‭ ‬معسكَراً‭ ‬بطبعه،‭ ‬ولا‭ ‬يقوم‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬العقيدة‭ ‬القتالية‭ ‬ولا‭ ‬يتبناها‭ ‬لأسباب‭ ‬دينية‭ ‬عقيدية‭ ‬مذهبية‭ ‬خاصة‭. ‬ولذا‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يتحول‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬مقاتل‭ ‬متوحد‭ ‬في‭ ‬عقيدته‭ ‬القتالية،‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬الأصل،‭ ‬رغم‭ ‬تجانسه‭ ‬المذهبي‭ ‬تقريباً،‭ ‬فهو‭ ‬مفكك‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬المواجهة‭ ‬وتبرير‭ ‬تلك‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الغازي‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬أنواع‭ ‬تلك‭ ‬التبريرات‭. ‬

وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظته‭ ‬طوال‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬القديم،‭ ‬والإسلامي،‭ ‬والحديث‭. ‬فحتى‭ ‬حضارة‭ ‬أو‭ ‬مملكة‭ ‬دلمون‭ ‬ذائعة‭ ‬الصيت؛‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬عنها‭ ‬عند‭ ‬أي‭ ‬باحث،‭ ‬أو‭ ‬مؤرخ،‭ ‬أو‭ ‬آثاري،‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬مملكة‭ ‬حربية‭ ‬غازية‭ ‬أو‭ ‬مهاجمة‭ ‬لقوى‭ ‬خارجية‭ ‬إقليمية‭ ‬أو‭ ‬دولية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬صاحبة‭ ‬عقيدة‭ ‬حرب‭ ‬نظامية‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬العصابات‭ ‬أو‭ ‬مقاومة‭ ‬مسلحة‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬غزو‭ ‬للجزر‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬كافة‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية،‭ ‬ومنها‭ ‬القبائل‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬العتوب‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1783‭ ‬التي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬المؤلف‭ ‬لفظة‭ ‬‮»‬احتلال‭ ‬آل‭ ‬خليفة‮«‬،‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬التغلغل‭ ‬والسيطرة‭ ‬النارية‭ ‬على‭ ‬الجزر‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬أو‭ ‬بروز‭ ‬مقاومة‭ ‬حقيقية‭ ‬فاعلة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ضدها‭. ‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬درسه‭ ‬الإنجليز‭ ‬وفطنوا‭ ‬إليه،‭ ‬وبدهائهم‭ ‬وقفوا‭ ‬بجانب‭ ‬القوى‭ ‬القبلية‭ ‬الغازية‭ ‬المقاتلة‭ ‬ودعموها‭ ‬بالسلاح‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬الأحيان‭ ‬للسيطرة‭ ‬الدائمة‭ ‬على‭ ‬جزر‭ ‬البحرين،‭ ‬بل‭ ‬ودافعوا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬الطارئ‭ ‬القبلي‭ ‬بأن‭ ‬عملوا‭ ‬على‭ ‬تثبيته‭ ‬لأسرة‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ببعض‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإدارية‭ ‬الحديثة‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ (‬ديلي‭)‬،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬لم‭ ‬تعجب‭ ‬هذه‭ ‬الأسرة‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬أشعرها‭ ‬بأنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬النهب‭ ‬والسلب‭ ‬غير‭ ‬المنظم‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التقشف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬السلب،‭ ‬وترك‭ ‬بعض‭ ‬الثروات‭ ‬لإدارة‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬والتي‭ ‬ستدر‭ ‬موارد‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬نفسها‭. ‬تلك‭ ‬التنظيمات‭ ‬التي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬حولتها‭ ‬رغبة‭ ‬القبيلة‭ ‬لنوع‭ ‬آخر‭ ‬حديث‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬السلب‭ ‬والنهب‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬ضمن‭ ‬عقيدة‭ ‬الغزو‭ ‬والفتح‭ ‬البدوية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬كل‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإنجليز‭ ‬منذ‭ (‬ديلي‭) ‬ومروراً‭ ‬بـ‭ (‬بلجريف‭)‬،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المعتمدين‭ ‬السياسيين‭ ‬حتى‭ ‬الاستقلال‭ ‬الشكلي‭ ‬عام‭ ‬1971؛‭ ‬من‭ ‬مسح‭ ‬كافة‭ ‬ترسبات‭ ‬عقيدة‭ ‬البدوي‭ ‬بنهب‭ ‬مال‭ ‬غيره،‭ ‬فهي‭ ‬أصيلة‭ ‬في‭ ‬كيانه،‭ ‬وتكوينه،‭ ‬وعقليته‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أوجد‭ ‬إشكالية‭ ‬حكم‭ ‬القبيلة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬السماح‭ ‬لها‭ ‬بأن‭ ‬تنضج‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬الحضارية‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وحرية‭ ‬الرأي،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبرلمان‭ ‬منتخب،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالآخر‭ ‬‮ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬نسيجها‭ ‬القبلي‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بذلك‭ ‬النسيج‭ ‬الهش‭ ‬أساساً‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬لكونه‭ ‬قائماً‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬النهب‭ ‬والسلب‭ ‬بالطرق‭ ‬الحديثة‭ ‬فيما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ (‬الفساد‭ ‬الحكومي‭). ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬السلطة‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القبيلة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وتحويل‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المفارقات‭ ‬والتناقضات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬فئاته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ويمكن‭ ‬زيادة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المفارقات‭ ‬بحسب‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬وصلت‭ ‬لتشطير‭ ‬المجتمع‭ ‬عرقياً،‭ ‬ومذهبياً،‭ ‬واجتماعياً،‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بقاء‭ ‬قبيلة‭ ‬الدولة‭ ‬المصطنعة‭. ‬فهل‭ ‬هي‭ ‬قبيلة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬دولة،‭ ‬أم‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬القبيلة؟

ولم‭ ‬يكن‭ ‬هدف‭ ‬مركز‭ ‬أوال‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬طبع‭ ‬ونشر‭ ‬كتاب‭ (‬القبيلة‭ ‬والدولة‭) ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬32‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬صدور‭ ‬طبعته‭ ‬الأولى،‭ ‬مجرد‭ ‬إضافة‭ ‬رقم‭ ‬طبعة‭ ‬جديدة‭ ‬للكتاب‭ ‬الذي‭ ‬أضحى‭ ‬تحت‭ ‬إلحاح‭ ‬وسؤال‭ ‬القراء‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بهدف‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نسخ‭ ‬منه؛‭ ‬بل‭ ‬قمنا‭ ‬بإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬متأنية‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ليس‭ ‬بهدف‭ ‬صياغة‭ ‬مادته‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬محتواها،‭ ‬فهذا‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬وحقوق‭ ‬المؤلف‭ ‬فقط‭. ‬بل‭ ‬تم‭ ‬إلباس‭ ‬الكتاب‭ ‬ثوباً‭ ‬تحديثياً‭ ‬في‭ ‬معلوماته‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬وما‭ ‬ران‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬تغييرات‭ ‬جمة‭ ‬متسارعة،‭ ‬غيرت‭ ‬تماماً‭ ‬أو‭ ‬حذفت‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬كذلك‭ ‬الآن،‭ ‬خصوصاً‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬منها‭ ‬بالنخب‭ ‬السياسية‭ ‬والمثقفة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬

كما‭ ‬تم‭ ‬تصويب‭ ‬ما‭ ‬علق‭ ‬بمتن‭ ‬الكتاب‭ ‬وترجمته‭ ‬منذ‭ ‬الطبعة‭ ‬الأولى؛‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬تاريخية‭ ‬ومطبعية‭ ‬ولغوية‭ ‬بعضها‭ ‬ملفت‭ ‬للنظر،‭ ‬وذلك‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مبضع‭ ‬الجراح‭ ‬اللغوي‭ ‬أو‭ ‬الثقافي‭ ‬داخل‭ ‬النص،‭ ‬أو‭ ‬بمعالجات‭ ‬خارجية‭ ‬بإضافة‭ ‬هوامش‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬فصل‭ ‬لتوضيح‭ ‬وتصحيح‭ ‬وتحديث‭ ‬لكل‭ ‬الإحصائيات،‭ ‬والمصطلحات،‭ ‬وبعض‭ ‬الترجمات‭ ‬غير‭ ‬الدقيقة‭ ‬للنص‭ ‬الأصل،‭ ‬والمسميات،‭ ‬والمواقع،‭ ‬والأحداث،‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬جزر‭ ‬البحرين‭ ‬ووردت‭ ‬ضمن‭ ‬النص‭ ‬الأصل‭ ‬وأُهملت‭ ‬منذ‭ ‬الصدور‭ ‬الأول‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬بعض‭ ‬المعلومات‭ ‬المشوشة‭ ‬أو‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجداول،‭ ‬والرسوم‭ ‬البيانية،‭ ‬والهوامش‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬المتن،‭ ‬على‭ ‬السكة‭ ‬الصحيحة‭ ‬ضمن‭ ‬مسار‭ ‬الكتاب‭.‬

كما‭ ‬حرصنا‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬توضيح‭ ‬بعض‭ ‬الملابسات‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬التي‭ ‬أوردها‭ ‬المؤلف‭ ‬تجاه‭ ‬بعض‭ ‬نواحي‭ ‬المجتمع‭ ‬البحراني‭ ‬وفعالياته‭ ‬الدينية‭ ‬العقيدية،‭ ‬دون‭ ‬تحريف‭ ‬رأيه‭ ‬الخاص،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وضع‭ ‬هوامش‭ ‬توضيحية‭ ‬لأي‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬أو‭ ‬رأي،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حاجة،‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬علاقتنا‭ ‬ومعرفتنا‭ ‬بمجتمعنا،‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬التي‭ ‬لعبت‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬وحيوياً‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬التاريخية‭. ‬‮  ‬

أخيراً،‭ ‬نشرنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الطبعة‭ ‬‮ ‬ترجمة‭ ‬‮ ‬للفصل‭ ‬الخاص‭ ‬بتجربة‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الميداني‭ ‬بالبحرين‭ ‬في‭ ‬السبعينيات،‭ ‬وقد‭ ‬‮ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ (‬دعوة‭ ‬للضحك‭: ‬عالم‭ ‬أنثربولوجيا‭ ‬لبناني‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭) ‬وقد‭ ‬طبع‭ ‬الكتاب‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬2003‭.‬

مركز‭ ‬أوال‭ ‬للدراسات‭ ‬والتوثيق

14‭ (‬فبراير‭) ‬شباط‭ ‬2016

مقدمة‭ ‬الطبعة‭ ‬الأولى

يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تطور‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬والسلطة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭*‬،‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الخليجية‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬552‭ ‬كيلومتراً‭ ‬مربعاً‭ ‬ولا‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬عن‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭. ‬إنه‭ ‬دراسة‭ ‬معمقة‭ ‬في‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬انتقالها‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬يقوم‭  ‬اقتصاده‭ ‬على‭ ‬زراعة‭ ‬النخيل،‭ ‬والغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬عصفت‭ ‬به‭ ‬مؤخراً‭ ‬صناعة‭ ‬النفط‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭. ‬ويركز‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬موضوعين‭ ‬رئيسين‭: ‬أولاً‭: ‬التغيير‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬السلطة‭ ‬والحكم‭ ‬بفعل‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي،‭ ‬والتحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬أثارتها‭ ‬صناعة‭ ‬النفط،‭ ‬وثانياً‭: ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬القبائل،‭ ‬والفلاحين،‭ ‬وسكان‭ ‬المدن‭. ‬تركز‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة،‭ ‬بنوع‭ ‬خاص،‭ ‬على‭ ‬الأسس‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المتبدلة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬السلطة،‭ ‬وعلى‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬كل‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬تكيفها‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬السلطة‭ ‬المتغير‭.‬

تتواجد‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬اليوم‭ ‬–‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬نفسها‭ ‬أحياناً‭ ‬–‭ ‬مجموعات‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬tribesmen،‭ ‬والفلاحين‭ ‬peasants،‭ ‬وسكان‭ ‬المدن‭ ‬urbanites،‭ ‬بفعل‭ ‬هذا‭ ‬التواجد،‭ ‬وتُعتبر‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬البشرية‭ ‬فئات‭ ‬متطورة‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ارتباطها‭ ‬بأعراف‭ ‬وتنظيمات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬العيش‭ ‬والإنتاج‭. ‬تنظم‭ ‬القبائل‭ ‬علاقاتها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مبادئ‭ ‬الأنساب،‭ ‬خصوصاً‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالزواج،‭ ‬والتفاعل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتوزيع‭ ‬السلطة،‭ ‬والثروة،‭ ‬والمكاسب‭ ‬العامة‭. ‬تنظّم‭ ‬هذه‭ ‬كلها‭ ‬تنظيماً‭ ‬نسبياً‭ ‬عند‭ ‬القبائل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تفرع‭ ‬الأجيال‭ ‬السلالية‭ ‬ومدى‭ ‬ابتعادها‭ ‬أو‭ ‬قربها‭ ‬من‭ ‬أصولها‭ ‬الأم‭. ‬فالقبيلة‭ ‬وحدة‭ ‬اجتماعية‭ ‬متماسكة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬بطونها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬أبناء‭ ‬القبيلة‭ ‬الواحدة‭ ‬قد‭ ‬يتواجدون‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مختلفة‭ ‬كاملة‭ ‬السيادة،‭ ‬ولكنهم،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬يسعون‭ ‬ضمن‭ ‬حدود‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مميزات‭ ‬خاصة‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ضبط‭ ‬الزواج،‭ ‬والتزاوج،‭ ‬وتوزيع‭ ‬المكاسب،‭ ‬والمناصب،‭ ‬وإما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اتّباع‭ ‬المذاهب‭ ‬الفقهية‭ ‬الخاصة،‭ ‬كاتّباع‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬المذهب‭ ‬المالكي‭. ‬وتسيطر‭ ‬بطون‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬دويلات‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬والنخيل‭ ‬كما‭ ‬سيطرت‭ ‬سابقاً‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬والتجارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالطبع‭ ‬أن‭ ‬القبيلة،‭ ‬كتنظيم‭ ‬اجتماعي،‭ ‬لم‭ ‬يتبدل‭ ‬أو‭ ‬يتغير،‭ ‬وإنما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬تحول‭ ‬وفقاً‭ ‬للأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المستجدة‭ ‬والتنظيم‭ ‬البيروقراطي‭ ‬المستحدث‭ ‬في‭ ‬الحكم‭. ‬وما‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬عن‭ ‬القبيلة‭ ‬والدولة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬سوى‭ ‬محاولة‭ ‬متواضعة‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬المستجدة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬السلطة‭ ‬والحكم‭ ‬خلال‭ ‬القرنين‭ ‬الماضيين‭.‬

وبخلاف‭ ‬القبائل،‭ ‬ينتظم‭ ‬الفلاحون‭ ‬في‭ ‬مجموعات‭ ‬قروية‭ ‬ترتبط‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭ ‬بالتقاليد‭ ‬والعقيدة‭ ‬الشيعية‭(*)‬‭ ‬والفقه‭ ‬الجعفري،‭ ‬كما‭ ‬يرتبطون‭ ‬أيضاً‭ ‬بنسبة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬التزاوج‭ ‬ضمن‭ ‬الطائفة‭ ‬الواحدة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تبدلات‭ ‬أماكن‭ ‬السكن‭ ‬وأساليب‭ ‬العيش‭. ‬فبينما‭ ‬ترتكز‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عند‭ ‬القبائل‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬متقلبة‭ ‬من‭ ‬القرابة‭ ‬والأنساب،‭ ‬ينتظم‭ ‬الفلاحون‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬جماعات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬دينية‭ ‬محلية‭ ‬متنوعة‭ ‬تستمد‭ ‬شرعية‭ ‬وجودها‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الديني‭ ‬–‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ويقول‭ ‬الفلاحون‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إنهم‭ ‬عرب‭ ‬أقحاح‭ ‬وإنهم‭ ‬سكّان‭ ‬الجزيرة‭ ‬الأصليون،‭ ‬تشيعوا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭. ‬ويميزون‭ ‬أنفسهم‭ ‬عن‭ ‬مواطنيهم‭ ‬السُّنة‭ ‬بالاسم،‭ ‬فيطلق‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬لفظة‭ ‬‮»‬البحارنة‮«‬‭ ‬‭ ‬ومفردها‭ ‬‮»‬بحراني‮«‬‭ ‬‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬‮»‬البحرينيين‮«‬‭ ‬ومفردها‭ ‬‮»‬بحريني‮«‬‭ ‬التي‭ ‬يطلقونها‭ ‬على‭ ‬السُّنة‭.‬

ليس‭ ‬للقرية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬مدلول‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬إداري‭ ‬أو‭ ‬اقتصادي‭ ‬واضح،‭ ‬وإنما‭ ‬لها‭ ‬مدلول‭ ‬اجتماعي‭ ‬وتاريخي‭. ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬القول،‭ ‬أن‭ ‬حدود‭ ‬القرية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬المجموعات‭ ‬العائلية‭ ‬التي‭ ‬تتألف‭ ‬منها‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬ارتباطها‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬ارتباطها‭ ‬بالمدينة‭. ‬فالقرية‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬إداري،‭ ‬واقتصادي،‭ ‬وسياسي‭ ‬أكبر‭ ‬وأشمل،‭ ‬إنما‭ ‬لها‭ ‬طابع‭ ‬اجتماعي‭ ‬مميز،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬المجموعات‭ ‬العائلية‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليها،‭ ‬وبفعل‭ ‬التزاوج‭ ‬الداخلي‭ ‬ضمن‭ ‬العائلات،‭ ‬أو‭ ‬بينها‭ ‬ضمن‭ ‬القرية‭ ‬الواحدة‭. ‬وقد‭ ‬أظهر‭ ‬المسح‭ ‬الإحصائي‭ ‬الذي‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1975،‭ ‬وشمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬قرية‭ ‬وحياً‭ ‬منتشراً‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ (‬راجع‭ ‬الخريطة‭) ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬المتنقلين‭ ‬يومياً‭ ‬بين‭ ‬أماكن‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬‮»‬المدينة‮«‬‭ ‬ومسكنهم‭ ‬في‭ ‬‮»‬القرية‮«‬‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬64‭.‬2‭ ‬و90‭.‬7‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬بينما‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬التزاوج‭ ‬ضمن‭ ‬القرية‭ ‬الواحدة‭ ‬حوالي‭ ‬82‭ ‬بالمئة‭. ‬هذا‭ ‬يدل‭ ‬بوضوح‭ ‬على‭ ‬ارتباط‭ ‬القرية‭ ‬اقتصادياً‭ ‬بالمدينة‭ ‬واستقلالها‭ ‬اجتماعياً‭ ‬عنها‭.‬

أما‭ ‬سكان‭ ‬المدن‭ ‬فينتظمون‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬متجانسة‭ ‬دينياً‭ ‬أو‭ ‬عرقياً‭ ‬أو‭ ‬حِرَفِياً،‭ ‬أو‭ ‬يتجانسون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الفعاليات‭ ‬المختلطة‭ ‬بعضها‭ ‬بالبعض‭ ‬الآخر‭. ‬ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬السنّة‭ ‬المدينيين‭ (‬سكان‭ ‬المدن‭) ‬الذين‭ ‬ترجع‭ ‬أصولهم‭ ‬العائلية‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬جنوبي‭ ‬إيران‭ ‬يعملون‭ ‬عادة‭  ‬في‭ ‬التجارة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬العسكرية‭ ‬والإدارية‭. ‬ويعرف‭ ‬السنة‭ ‬الذين‭ ‬ترجع‭ ‬أصولهم‭ ‬العائلية‭ ‬إلى‭ ‬جنوبي‭ ‬إيران‭ ‬بـ‭ ‬‮»‬الهلوية،‮«‬‭ ‬وتعني‭ ‬هذه‭ ‬اللفظة‭ ‬‮«‬تحويلهم‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬جذورهم‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬يقولون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬إنهم‭ ‬كانوا‭ ‬ينتسبون‭ ‬إلى‭ ‬قبائل‭ ‬عربية‭ ‬قديمة‭ ‬هاجرت‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الجزيرة‭ ‬والخليج‭ ‬إلى‭ ‬جنوبي‭ ‬إيران‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬تحولت‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬عادت‭ ‬وهاجرت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬أسماء‭ ‬عائلات‭ ‬‮»‬الهولة‮«‬‭ ‬الكبيرة،‭ ‬كعائلات‭ ‬كانو،‭ ‬وفخرو،‭ ‬وبستكي،‭ ‬وخوجا،‭ ‬وشيراوي،‭ ‬وخنجي،‭ ‬هي‭ ‬أسماء‭ ‬أماكن‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الإيراني،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬معظمهم‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬مع‭ ‬تحول‭ ‬طرق‭ ‬التجارة‭ ‬من‭ ‬شرقي‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬شواطئه‭ ‬الغربية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬برز‭ ‬إنتاج‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬والقرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬إنتاج‭ ‬النفظ،‭ ‬وتصنيعه‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الأخيرة‭ ‬يزدادان‭ ‬بشكل‭ ‬هائل‭. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬‮»‬الهولة‮«‬‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬العيش‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬إلا‭ ‬لفترة‭ ‬بسيطة،‭ ‬حتى‭ ‬إنك‭ ‬تجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬آبائهم‭ ‬وأجدادهم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يتكلمون‭ ‬اللغة‭ ‬الفارسية‭. ‬ويتميز‭ ‬‮«‬الهولة‮»‬‭ ‬عن‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬السُّنة‭ ‬المدينيين‭ ‬باتباعهم‭ ‬المذهب‭ ‬الشافعي‭ ‬في‭ ‬الشرع‭ ‬الديني‭. ‬وبخلاف‭ ‬الشيعة‭ ‬الفرس،‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬الهولة‭ ‬السُّنة،‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬فارسي،‭ ‬أن‭ ‬يستعربوا‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬وشامل،‭ ‬فتم‭ ‬بالتالي‭ ‬امتصاصهم‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬القطاع‭ ‬المديني‭ (‬من‭ ‬مدينة‭) ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬وبرز‭ ‬منهم‭ ‬قادة‭ ‬عروبيون‭ ‬معروفون‭.‬

أما‭ ‬العائلات‭ ‬المدينية‭ ‬من‭ ‬السُّنة،‭ ‬التي‭ ‬ترجع‭ ‬في‭ ‬أصولها‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬أخذت‭ ‬تستقر‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬احتلال‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الجزيرة‭ ‬عام‭ ‬1783م‭. ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬العائلات‭ ‬عائلات‭ ‬القصيبي،‭ ‬وهجرس،‭ ‬والذواودة،‭ ‬وغيرها‭ ‬ممن‭ ‬ترجع‭ ‬أصولها‭ ‬إلى‭ ‬سلالات‭ ‬عربية‭ ‬حضرية‭ ‬تتميز‭ ‬عن‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل‭ ‬باعتمادها‭ ‬المذهب‭ ‬الحنبلي‭ ‬في‭ ‬أحكامها‭ ‬الشرعية‭. ‬ويتواجد‭ ‬أفرادها‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬إدارات‭ ‬البوليس،‭ ‬وفيما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك،‭ ‬فهم‭ ‬يمارسون‭ ‬الأعمال‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السُّنة‭.‬

ويعمل‭ ‬الشيعة‭ ‬المدينيون،‭ ‬كالسُّنة‭ ‬تماماً،‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬وإدارات‭ ‬الدولة،‭ ‬ولكنهم‭ ‬بخلاف‭ ‬السُّنة‭ ‬لا‭ ‬يتواجدون‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬البوليس‭ ‬والجيش‭. ‬ويتعاطى‭ ‬معظمهم‭ ‬تجارة‭ ‬المفرق‭ ‬خصوصاً‭ ‬البيع‭ ‬للفاكهة،‭ ‬والخضار،‭ ‬وبعض‭ ‬الصناعات‭ ‬الحرفية‭. ‬ينتسب‭ ‬قسم‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الأحساء‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬حيث‭ ‬يكثر‭ ‬الشيعة،‭ ‬وينتسب‭ ‬القسم‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬المجموعات‭ ‬القروية‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬يرتبط‭ ‬الشيعة‭ ‬المدينيون‭ ‬دينياً‭ ‬بشيعة‭ ‬الأرياف‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مشاركتهم‭ ‬الفقه‭ ‬الجعفري،‭ ‬والممارسات،‭ ‬والعقائد‭ ‬الشيعية‭ ‬نفسها‭. ‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬أن‭ ‬الريف،‭ ‬والمدينة،‭ ‬والقرية،‭ ‬والبلدة‭ ‬لا‭ ‬تُشكّل،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمجتمع‭ ‬البحرين،‭ ‬قطاعات‭ ‬اجتماعية‭ ‬قائمة‭ ‬بحدِّ‭ ‬ذاتها‭ ‬وإن‭ ‬تميزت‭ ‬بعائلاتها‭ ‬وأنماط‭ ‬الزواج‭ ‬فيها‭. ‬فالمسافات‭ ‬القصيرة‭ ‬بين‭ ‬المراكز‭ ‬السكنية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأساليب‭ ‬المواصلات‭ ‬الحديثة،‭ ‬وفعاليات‭ ‬التكامل‭ ‬والترابط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬–‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬جميعها‭ ‬حوّلت‭ ‬البحرين‭ ‬الدولة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬موّحد‭  ‬قوامه‭ ‬عاصمة‭ ‬‮«‬metropolis‮»‬‭  ‬مركزية‭ ‬ترتبط‭ ‬بها‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬والضواحي‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬عن‭ ‬مجتمعهم‭ ‬وعوائله‭ ‬المختلفة‭ ‬يذكِّر‭ ‬الباحث‭ ‬بالمجموعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬Little Communities‭ ‬التي‭ ‬تتصف‭ ‬بإقامة‭ ‬العلاقات‭ ‬الأولية‭ ‬الحميمة‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭. ‬فقلما‭ ‬نجد‭ ‬شخصية‭ ‬بارزة‭ ‬أو‭ ‬وجيهاً‭ ‬محلياً‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الجميع‭ ‬–‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬يعرفونه‭ ‬باسمه،‭ ‬وشخصه،‭ ‬وأصله‭ ‬العرقي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

يعرف‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضاً،‭ ‬كما‭ ‬يعرفون‭ ‬الأماكن،‭ ‬والقرى،‭ ‬والينابيع‭ ‬العذبة،‭ ‬بأُلفة‭ ‬واضحة‭ ‬يصعب‭ ‬معها‭ ‬فصل‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭. ‬يعرفون‭ ‬بساتين‭ ‬النخيل،‭ ‬ومصائد‭ ‬الأسماك‭ (‬الحضور‭)‬،‭ ‬والمقامات‭ ‬الدينية‭ ‬والمزارات‭ ‬بأسمائها‭ ‬ومواضعها،‭ ‬وتاريخ‭ ‬بنائها‭ ‬وملكيتها،‭ ‬كما‭ ‬سنبين‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الفصول‭ ‬التالية‭.‬

يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬تأثير‭ ‬الحكم‭ ‬الاستعماري‭ ‬وإنتاج‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬السلطة‭ ‬ومعطياته‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فكما‭ ‬أوجد‭ ‬الحكم‭ ‬الاستعماري‭ ‬النظام‭ ‬البيروقراطي‭ ‬الذي‭ ‬بدل‭ ‬التركيبة‭ ‬القبلية‭ ‬للسلطة‭ ‬وعدّل‭ ‬طبيعة‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬القبائل،‭ ‬والفلاحين،‭ ‬وسكان‭ ‬المدن،‭ ‬بدل‭ ‬النفط‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬تَغَيُّر‭ ‬التنظيم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المرتبط‭ ‬به‭. ‬وهكذا،‭ ‬بدلت‭ ‬البيروقراطية‭ ‬التحالفات‭ ‬القبلية‭ ‬وأعطت‭ ‬الحكم‭ ‬وسائل‭ ‬جديدة‭ ‬للتدخل‭ ‬السياسي،‭ ‬فاستحدثت‭ ‬نظاماً‭ ‬هرمياً‭ ‬للسلطة‭ ‬‮«‬authority‮»‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬عزّز،‭ ‬ولم‭ ‬يضعف،‭ ‬قوة‭ ‬‮«‬power‮»‬‭ ‬العائلة‭ ‬الحاكمة‭ ‬ونفوذها‭. ‬وساهم‭ ‬النفظ‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الأسس‭ ‬التقليدية‭ ‬للإنتاج‭ ‬والعمل،‭ ‬فحول‭ ‬القواعد‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للسلطة‭ ‬وخلق‭ ‬بالتالي‭ ‬صيغاً‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭. ‬وهكذا‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر،‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القرن،‭ ‬قوى‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬جديدة‭ ‬قوامها‭ ‬الموظفون،‭ ‬والمثقفون،‭ ‬والعمال،‭ ‬تتحدى،‭ ‬وبطرق‭ ‬مختلفة،‭ ‬شرعية‭ ‬الحكم‭ ‬وسلطته‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تدفق‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬الآسيوية‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬السبعينيات،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬لارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬وتركيز‭ ‬هذه‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬قطاعات‭ ‬البناء‭ ‬والمهارات‭ ‬الفنية‭ ‬الخفيفة،‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬قيام‭ ‬معارضة‭ ‬عمالية‭ ‬منظمة‭ ‬لها‭ ‬صفة‭ ‬الديمومة‭ ‬والاستمرار‭. ‬ويُقَدَر‭ ‬عدد‭ ‬العمال‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬وفدوا‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬بحوالي‭ ‬سبعين‭ ‬ألفاً‭ ‬أو‭ ‬يزيد،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬شجع‭ ‬البحرينيين‭ ‬للالتحاق‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬الدولة‭ ‬وقطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬التجارية،‭ ‬فضعفت‭ ‬بالتالي‭ ‬قدرة‭ ‬العمال‭ ‬الوطنيين‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬المنظم‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السريع‭ ‬لا‭ ‬يشجع،‭ ‬في‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى،‭ ‬على‭ ‬بروز‭ ‬المعارضة‭ ‬المنظمة‭ ‬أو‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الانقلابية‭ ‬الهامة‭. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬الانقلابية‭ ‬تبدأ‭ ‬بالظهور‭ ‬حالما‭ ‬يستقر‭ ‬نظام‭ ‬الإنتاج‭ ‬والعمل،‭ ‬حيث‭ ‬تبرز‭ ‬معه‭ ‬التناقضات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمفارقات‭ ‬الطبقية‭.‬

ومما‭ ‬يؤيد‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات،‭ ‬اشتداد‭ ‬المفارقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬المجموعات‭ ‬الوطنية‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬وتصنيعه‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬اليوم‭ ‬يتمتعون‭ ‬بغذاء،‭ ‬وثقافة،‭ ‬ومسكن،‭ ‬وملبس‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬ولكنه‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬زمناً،‭ ‬كانت‭ ‬المفارقات‭ ‬والتناقضات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬حادة‭ ‬وبارزة‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬الملموس‭. ‬ففي‭ ‬غياب‭ ‬سياسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬إنمائية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم،‭ ‬يعمل‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬تعميق‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والأغنياء،‭ ‬وبين‭ ‬النخبة‭ ‬والجماهير،‭ ‬وبين‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يغذي‭ ‬الحس‭ ‬الجماعي‭ ‬بالحرمان‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب،‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الانقلابية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تنطلق‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬مراحل‭ ‬النمو‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يكفل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭ ‬العامة،‭ ‬على‭ ‬تضييق‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المجموعات‭ ‬القومية‭.‬

هذا‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬والسلطة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وعلى‭ ‬التفاعل‭ ‬الحاصل‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل،‭ ‬والفلاحين،‭ ‬وسكان‭ ‬المدن،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬التدخل‭ ‬الخارجي‭ ‬وتصنيع‭ ‬النفط‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬القائمة‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬والتصنيع‭. ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬التغيير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الممارسات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الحضارية‭ ‬القائمة‭: ‬فالجديد‭ ‬يكون‭ ‬هكذا‭ ‬جديداً‭ ‬لا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للنماذج‭ ‬والهياكل‭ ‬العقلانية،‭ ‬إنما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للممارسات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬القائمة‭. ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬بحثنا‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬والسلطة‭ ‬بالذات‭ ‬يتطلب‭ ‬منا‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الأوضاع‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬قبل‭ ‬فرض‭ ‬النظام‭ ‬البيروقراطي‭ ‬وقبل‭ ‬البدء‭ ‬بإنتاج‭ ‬النفط‭ ‬وتصنيعه‭. ‬ونعني‭ ‬بـ‭ ‬‮»‬السلطة‮«‬‭ ‬هنا‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬الحكم،‭ ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬نعني‭ ‬بها‭ ‬أيضاً‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭. ‬‮»‬السلطة‮«‬‭ ‬في‭ ‬مفهومنا‭ ‬تشمل‭ ‬الممارسات‭ ‬الشرعية‭ ‬ومقوماتها‭ ‬في‭ ‬آن‭. ‬فهي‭ ‬تشمل‭ ‬الأسس‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للنفوذ‭ ‬والسلطان،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تشمل‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تبنى‭ ‬عليها‭ ‬المجموعات‭ ‬البشرية،‭ ‬والموارد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والإنتاجية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭. ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬والسلطة‭ ‬وكيفية‭ ‬تغيرهما‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬دراسة‭ ‬معمقة‭ ‬لطبيعة‭ ‬وكيفية‭ ‬تغير‭ ‬ملكية‭ ‬الأرض،‭ ‬وزراعة‭ ‬النخيل،‭ ‬وإنتاج‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬والمشاريع‭ ‬الصناعية‭ ‬الحديثة‭ ‬وطبيعة‭ ‬العمل‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬التوظيف‭ ‬واختلاف‭ ‬جذورها‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والخدمات‭ ‬التربوية،‭ ‬وأنماط‭ ‬الزواج،‭ ‬والجمعيات‭ ‬الخيرية،‭ ‬والأندية‭ ‬الرياضية،‭ ‬والحركات‭ ‬العمالية،‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية،‭ ‬وتنظيم‭ ‬المآتم‭ ‬وطبيعة‭ ‬عملها،‭ ‬والأسس‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬عليها‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭. ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬كلها‭ ‬مرتبطة‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬ببنية‭ ‬السلطة‭ ‬وممارسات‭ ‬الحكم‭ ‬الشرعية‭.‬

إن‭ ‬تأثير‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التنظيمية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬والسلطة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يتفاوت‭ ‬بتفاوت‭ ‬الحقب‭ ‬التاريخية‭. ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ،‭ ‬بَنَيْتُ‭ ‬طرق‭ ‬التحليل‭ ‬ومنهجية‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬كما‭ ‬نظّمت‭ ‬فصوله‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬فيه‭. ‬فالفصل‭ ‬الأول،‭ ‬وهو‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التجزؤ‭ ‬والتمركز‮»‬،‭ ‬يتناول‭ ‬كيفية‭ ‬إرساء‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ (‬م‭) ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬فصائل‭ ‬قبلية‭ ‬استطاعت‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬التجارة‭ ‬والغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬وبعد‭ ‬ازدياد‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬مستقلة‭ ‬تنعم‭ ‬بسيادة‭ ‬كاملة‭. ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬جميعها‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬قليلة‭ ‬السكان،‭ ‬وتعتبر‭ ‬البحرين‭ ‬أصغر‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬حجماً،‭ ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكبرها،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬سبع‭ ‬إمارات‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحة‭ ‬مجموعها‭ ‬77‭.‬700‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬عن‭ ‬مئة‭ ‬وخمسين‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬يتجمع‭  ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬منهم‭ (‬60.000‭) ‬في‭ ‬دبي‭.‬

إن‭ ‬الظروف‭ ‬والعوامل‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬هذه‭ ‬الإمارات‭ ‬الصغيرة‭ ‬كي‭ ‬تصبح‭ ‬دولاً‭ ‬مستقلة،‭ ‬وتحظى‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الدولي،‭ ‬هي‭ ‬ظروف‭ ‬وعوامل‭ ‬اجتماعية‭ ‬وتاريخية‭ ‬في‭ ‬آن‭. ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بالظهور‭ ‬تاريخياً،‭ ‬منذ‭ ‬القرنين‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬والتاسع‭ ‬عشر،‭ ‬عندما‭ ‬اشتد‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وازداد‭ ‬إنتاجه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انتقلت‭ ‬خطوط‭ ‬التجارة‭ ‬من‭ ‬شرقي‭ ‬الخليج‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يخضع‭ ‬للنفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬غربه‭ ‬حيث‭ ‬يكثر‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وحيث‭ ‬تقطن‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭. ‬وكانت‭ ‬البحرين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التاريخية،‭ ‬مراكز‭ ‬تربط‭ ‬أوروبا‭ ‬بالشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبالجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬والعراق‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭. ‬استطاعت‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬والإمارات‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭  ‬بالاستقلال‭ ‬والسيادة‭ ‬نتيجة‭  ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬آنذاك‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تشمل‭ ‬بريطانيا،‭ ‬والإمبراطورية‭ ‬العثمانية،‭ ‬وإيران،‭ ‬وعمان،‭ ‬والجزيرة‭.‬

ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الإمارات‭ ‬والدول‭ ‬بعض‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬البطون‭ ‬المتفرعة‭ ‬منها‭: ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬على‭ ‬البحرين،‭ ‬وآل‭ ‬الصباح‭ ‬على‭ ‬الكويت،‭ ‬وآل‭ ‬ثاني‭ ‬على‭ ‬قطر،‭ ‬وآل‭ ‬بو‭ ‬فلاح‭ ‬على‭ ‬أبو‭ ‬ظبي،‭ ‬وآل‭ ‬بو‭ ‬فلاسة‭ ‬على‭ ‬دبي،‭ ‬وآل‭ ‬جواسم‭ ‬أو‭ ‬القواسم‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الخيمة‭ ‬والشارقة،‭ ‬وآل‭ ‬بو‭ ‬خريبان‭ ‬على‭ ‬عجمان،‭ ‬وآل‭ ‬بنعلي‭ ‬على‭ ‬أم‭ ‬القيوين،‭ ‬وآل‭ ‬شرقي‭ ‬على‭ ‬الفجيرة‭. ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القبائل‭ ‬أو‭ ‬بطونها‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الأصل‭. ‬فآل‭ ‬خليفة‭ ‬وآل‭ ‬الصباح‭ ‬مثلاً،‭ ‬ينتسبون‭ ‬إلى‭ ‬العتوب‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬عنزة،‭ ‬وينتسب‭ ‬آل‭ ‬بو‭ ‬فلاح‭ ‬وآل‭ ‬بو‭ ‬فلاسة‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة‭ ‬بني‭ ‬ياس‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القبائل‭ ‬وبطونها‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬تؤلف‭ ‬دولة‭ ‬منفردة‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬الأخرى‭ ‬داخل‭ ‬تركيبة‭ ‬قبائل‭ ‬الدول‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭.‬

اخترنا‭ ‬للفصل‭ ‬الأول‭ ‬عنوان‭ ‬‮»‬التجزؤ‭ ‬والتمركز‮«‬‭ ‬لنؤكد‭ ‬على‭ ‬أمرين‭: ‬أولاً،‭ ‬على‭ ‬الحروب‭ ‬الطاحنة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬والتاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وثانياً،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬من‭ ‬تجزئة‭ ‬القبائل‭ ‬وانتشار‭ ‬بطونها‭ ‬وتمركزها‭ ‬في‭ ‬إمارات‭ ‬ودول‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬الخليج‭. ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يُشغل‭ ‬القبائل‭ ‬وبطونها‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬عصبيتها‭ ‬وذلك‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬التجارية‭ ‬والداخلية،‭ ‬والتحكم‭ ‬بمراكز‭ ‬الغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭. ‬القبائل‭ ‬تهتم‭ ‬بالتماسك‭ ‬المعنوي،‭ ‬الأخوة‭ ‬القبلية،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬القبيلة‭ ‬كوحدة‭ ‬اجتماعية‭ ‬بحدّ‭ ‬ذاتها،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬فيها‭. ‬تأتي‭ ‬سيادة‭ ‬‮«‬الأرض‮»‬‭ ‬عند‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بعد‭ ‬وحدة‭ ‬القبيلة‭ ‬وتماسك‭ ‬بطونها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬القبلي‭ ‬بدأ‭ ‬يتغير‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬نتيجة‭ ‬المعاهدة‭ ‬الموقعة‭ ‬عام‭ ‬1820‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وشيوخ‭ ‬القبائل‭ ‬الخليجية،‭ ‬والتي‭ ‬بموجبها‭ ‬تمّ‭ ‬تثبيت‭ ‬القبائل‭ ‬وبطونها‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬معين‭. ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬المستعمر،‭ ‬بالطبع،‭ ‬فرض‭ ‬بعض‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬لتنشيط‭ ‬التجارة‭ ‬وإنتاج‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬–‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬كانت‭ ‬تعيق‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتشل‭ ‬التجارة‭ ‬–‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هدفه‭ ‬التحديث‭ ‬والعصرنة‭.‬

وجاءت‭ ‬الأحداث‭ ‬لتثبت،‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬أن‭ ‬معاهدة‭ ‬1820،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬المعارك،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬لجم‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬كل‭ ‬قبيلة‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬زادتها‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يظهره‭ ‬بوضوح‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1835‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1869‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬على‭ ‬أشدّه‭. ‬ما‭ ‬كاد‭ ‬الحكم‭ ‬يستقر‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدة،‭ ‬حتى‭ ‬انتقل‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬الإخوة‭ ‬إلى‭ ‬الأعمام‭ ‬وأولادهم،‭ ‬ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬طُوِّقَ‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬بفرض‭ ‬نظام‭ ‬ثابت‭ ‬للخلافة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يعطي‭ ‬الحق‭ ‬للابن‭ ‬البكر‭ ‬بدلاً‭ ‬عن‭ ‬الإخوة‭ ‬والأعمام‭.‬

وبعد‭ ‬وقف‭ ‬المعارك‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬وتطويق‭ ‬الصراعات‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬أخذت‭ ‬البحرين‭ ‬تشهد‭ ‬استقراراً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬خصوصاً‭ ‬عند‭ ‬تولي‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬الحكم‭ ‬سنة‭ ‬1869‭ ‬إلى‭ ‬1923‭. ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تجسد‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬مؤسستين‭ ‬أساسيتين‭: ‬المجالس‭ ‬القبلية،‭ ‬والمحاكم‭ ‬الدينية‭.‬

تناولنا‭ ‬المجالس‭ ‬القبلية‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث،‭  ‬والمحاكم‭ ‬الدينية‭ ‬وكيفية‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭. ‬أوضحنا‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬كيفية‭ ‬سيطرة‭ ‬المجالس‭ ‬القبلية‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬والمصادر‭ ‬الاقتصادية‭  ‬كالغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وزراعة‭ ‬النخيل‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬كما‭ ‬أظهرنا‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬الشريعة‭ ‬الدينية‭ ‬والعُرف‭ ‬القبلي،‭ ‬آخذين‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الشرع‭ ‬الجعفري‭ ‬عند‭ ‬الشيعة‭ ‬والمذاهب‭ ‬الأخرى‭ ‬عند‭ ‬السنّة‭. ‬سيطرت‭ ‬المجالس‭ ‬القبلية‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬البلاد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وعلى‭ ‬عمليات‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتوزيع‭ ‬والتسويق،‭ ‬بينما‭ ‬سيطرت‭ ‬المحاكم‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬الأحوال‭  ‬الشخصية‭ ‬كالزواج،‭ ‬والطلاق،‭ ‬والإرث،‭ ‬والديون‭. ‬ونادراً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬أعمال‭ ‬المحاكم‭ ‬الدينية،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الممارسات‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬المبدأ،‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬الأعراف‭ ‬القبلية‭ ‬وكيفية‭ ‬تطبيقها،‭ ‬فإذا‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬هذا‭ ‬التناقض،‭ ‬كانت‭ ‬الأعراف‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬الشريعة‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬كانت‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭ ‬السنية‭ ‬وقرارات‭ ‬المجالس‭ ‬القبلية‭ ‬تُفرض‭ ‬فرضاً‭ ‬بالقوة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكم،‭ ‬بخلاف‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭ ‬الجعفرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطبق‭ ‬وتطاع‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإقناع‭ ‬والرادع‭ ‬الشخصي‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬قضاة‭ ‬السُّنة‭ ‬وفقهاء‭ ‬الشيعة‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬الفقهاء‭ ‬الشيعة‭ ‬قادة‭ ‬سياسيين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كونهم‭ ‬‮«‬علماء‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشرع‭ ‬الديني،‭ ‬وبسبب‭ ‬هذا‭ ‬البروز‭ ‬أصبح‭ ‬القضاء‭ ‬الشيعي،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الوظيفية،‭ ‬مرادفاً‭ ‬للحكم‭ ‬القبلي‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نبحثه‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬بالتفصيل‭.‬

يُشكّل‭ ‬الفصلان‭ ‬المتعلقان‭ ‬بالمجالس‭ ‬القبلية‭  ‬والمحاكم‭ ‬الدينية‭ ‬وكيفية‭ ‬سيطرتهما‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬والمصادر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬‮«‬القاعدة‭ ‬الأساسية‮»‬‭ ‬base‭ ‬–‭ ‬line‭ ‬الذي‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬جرت‭ ‬عملية‭ ‬التغيير‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاصطلاحات‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬طبقت‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نبحثه‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬والسادس‭ ‬–‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬تطور‭ ‬صناعة‭ ‬النفط‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والإنتاجية‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نبحثه‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬والثامن‭.‬

أعطت‭ ‬الاصطلاحات‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬تدريجياً‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬الحكم‭ ‬صفة‭ ‬شرعية‭ ‬تقوم،‭ ‬ولو‭ ‬نظرياً،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬‮«‬القانون‭ ‬العقلاني‮»‬‭ ‬rational‭ ‬law‭ ‬و‮»‬القواعد‭ ‬العامة‮«‬‭ ‬للتنظيم‭ ‬البيروقراطي‭ (‬فيبر‭ ‬1954‭). ‬أدّى‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬تمركز‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الحكم،‭ ‬وتقوية‭ ‬السلطان‭ ‬القبلي،‭ ‬واشتداد‭ ‬نفوذه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬الحق‭ ‬القانوني‮»‬‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬القسر‭ ‬الجسدي‭. ‬وكانت‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬التمركز‭ ‬أن‭ ‬تبدلت‭ ‬حدود‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬العائلة‭ ‬الحاكمة‭ ‬والقبائل‭ ‬الحليفة‭: ‬فأُهْمِلَت‭ ‬التحالفات‭ ‬القبلية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستعمل‭ ‬لضبط‭ ‬الأمن‭ ‬والصراعات‭ ‬القبلية‭ ‬والمحلية،‭ ‬واستُبْدِلَت‭ ‬بمؤسسات‭ ‬أمنية‭ ‬خاصة‭ ‬بالدولة‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬كالشرطة،‭ ‬والبوليس،‭ ‬والجيش‭. ‬وهكذا‭ ‬انخفضت‭ ‬نسبة‭ ‬التزاوج‭ ‬بين‭ ‬رجال‭ ‬العائلة‭ ‬الحاكمة‭ ‬ونساء‭ ‬القبائل‭ ‬الحليفة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬أصلاً‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬تحالفات‭ ‬سياسية‭ ‬فعالة‭: ‬فعندما‭ ‬زالت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التحالف‭ ‬بفعل‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬انخفضت‭ ‬نسبة‭ ‬الزواج‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬داخل‭ ‬التحالف‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬مواقف‭ ‬القبائل،‭ ‬والفلاحين،‭ ‬وسكان‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الإدارية‭ ‬وإدخال‭ ‬التنظيم‭ ‬البيروقراطي‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬تتسم‭ ‬بالانسجام‭ ‬الكامل،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬فريق‭ ‬يتخذ‭ ‬الموقف‭ ‬الملائم‭ ‬له‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬وضعه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتنظيمه‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬متوقع،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬لكل‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفئات‭ ‬وضعاً‭ ‬خاصاً‭ ‬ومميزاً‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تنظيمها‭ ‬الداخلي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموارد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭. ‬كانت‭ ‬القبائل‭ ‬قبل‭ ‬إدخال‭ ‬الإصلاح‭ ‬الإداري‭ ‬والتنظيم‭ ‬البيروقراطي،‭ ‬تعمل‭ ‬بحرية‭ ‬تامة‭ ‬وتتمتع‭ ‬بحكم‭ ‬ذاتي‭ ‬مستقل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬سلطة،‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬التجارية‭ ‬وصيد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬حاربت‭ ‬الإصلاحات‭ ‬وحاولت‭ ‬خنقها‭ ‬في‭ ‬مهدها‭ ‬معتبرة‭ ‬إياها،‭ ‬وعن‭ ‬حق،‭ ‬تهديداً‭ ‬مباشراً‭ ‬لطبيعة‭ ‬تركيبها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وكيفية‭ ‬عملها‭ ‬الاقتصادي‭. ‬أما‭ ‬الفلاحون‭ ‬الشيعة‭  ‬وأهل‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬والسُّنة‭ ‬فقد‭ ‬أيدوا‭ ‬التنظيم‭ ‬البيروقراطي‭ ‬وعملوا‭ ‬على‭ ‬إنجاحه،‭ ‬معتبرينه‭ ‬موافقاً‭ ‬لمصالحهم‭ ‬وتنظيماتهم‭  ‬الاجتماعية‭. ‬وبالفعل،‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬يعانون‭ ‬الأمرَّين‭ ‬من‭ ‬العُرف‭ ‬القبلي‭ ‬وغياب‭ ‬الشرع‭ ‬القانوني‭ ‬الموحّد‭ ‬والتنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬الواضح‭ ‬المعالم‭ (‬راجع‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬للتفصيل‭).‬

لم‭ ‬تؤثر‭ ‬الخلفية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬ردات‭ ‬الفعل‭ ‬التي‭ ‬أبداها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬القبائل،‭ ‬والفلاحين،‭ ‬وسكان‭ ‬المدن‭ ‬تجاه‭ ‬الإصلاح‭ ‬الإداري‭ ‬والتنظيم‭ ‬البيروقراطي،‭ ‬بل‭ ‬لعبت‭ ‬هذه‭ ‬الخلفية‭ ‬أيضاً‭ ‬دوراً‭ ‬هاماً‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬التوظيف‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬الإدارة،‭ ‬والبوليس،‭ ‬والمحاكم،‭ ‬والبلديات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإدارات‭ ‬العامة‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نبينه‭ ‬بالتفصيل‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭. ‬باختصار،‭ ‬سيطر‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يسيطر‭ ‬العنصر‭ ‬القبلي‭ ‬على‭ ‬الإدارات‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬صفة‭ ‬القضاء‭ ‬والأمن‭ ‬كالعدل،‭ ‬والدفاع،‭ ‬والداخلية،‭ ‬والأمن‭ ‬العام،‭ ‬والقوات‭ ‬الخاصة،‭ ‬وسيطر‭ ‬المدنيون‭ ‬على‭ ‬المراكز‭ ‬ذات‭ ‬الاتجاه‭ ‬التقني‭ ‬والفني‭ ‬كالكهرباء،‭ ‬والمياه،‭ ‬والتربية،‭ ‬والصحة،‭ ‬والتنمية‭. ‬ظلّ‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬في‭ ‬التوظيف‭ ‬يعمل‭ ‬به‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬مؤخراً‭. ‬ولهذا‭ ‬شهدت‭ ‬البحرين‭ ‬باستمرار‭ ‬أجواء‭ ‬متوترة‭ ‬تقوم‭ ‬بين‭ ‬التنظيمات‭ ‬القبلية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبين‭ ‬القوى‭ ‬الجديدة‭ ‬المنبثقة‭ ‬أساساً‭ ‬من‭ ‬طبقة‭ ‬الفلاحين‭ ‬والمدنيين‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭. ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬شعارات‭ ‬تحديثية‭ ‬كتنظيم‭ ‬العمل‭ ‬والتعويضات،‭ ‬وحقوق‭ ‬العمال‭ ‬والنقابات‭ ‬العمالية،‭ ‬والحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬وتحديث‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬وغيرها‭.‬

أحدث‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬وسوق‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬أوجده،‭ ‬تغييراً‭ ‬هائلاً‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاجتماع،‭ ‬فانتقلت‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬البحرانية‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬زراعة‭ ‬النخيل‭ ‬والغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬والتجاري‭. ‬وبالفعل،‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬نسبة‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬ثابتة‭ ‬حوالي‭ %‬70‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬كلها،‭ ‬وهذه‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬جداً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اعتبرنا‭ ‬وضع‭ ‬البحرين‭ ‬قبل‭ ‬النفط‭ ‬حينما‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬الوظيفة‮»‬‭ ‬شبه‭ ‬معدومة‭.‬

وكما‭ ‬ساعدت‭ ‬العائدات‭ ‬النفطية‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬التربية،‭ ‬والصحة،‭ ‬والضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬المستويات‭ ‬المعيشية‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أنواعها،‭ ‬وكذلك‭ ‬خلقت‭ ‬هذه‭ ‬العائدات‭ ‬فروقات‭ ‬واضحة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬والطبقات،‭ ‬فزادت‭ ‬بالتالي‭ ‬الشعور‭ ‬الجماعي‭ ‬بالغبن‭ ‬واللامبالاة‭. ‬استغلت‭ ‬هذه‭ ‬الفروقات‭ ‬سياسياً،‭ ‬تارة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أحزاب‭ ‬عقائدية‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تنظيمات‭ ‬محلية‭ ‬عمالية‭ ‬ودينية‭ ‬فقامت‭ ‬بتنظيم‭ ‬معارضة‭ ‬قوية‭ ‬ضد‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬مخاض‭ ‬طويل،‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬بعض‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والحقوق‭ ‬المدنية‭. ‬فكما‭ ‬أحدث‭ ‬الاستعمار‭ ‬تغييراً‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬البيروقراطي،‭ ‬خلق‭ ‬النفط‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬تعمل‭ ‬لتغيير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سنبحثه‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬التاسع‭ ‬والعاشر‭.‬

وطالما‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬ممنوعة‭ ‬رسمياً‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فلا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الحراك‭ ‬السياسي‭ ‬political action‭ ‬يتركز‭ ‬في‭ ‬جمعيات‭ ‬‮»‬شبه‭ ‬سياسيةparapolitical‭ ‬‮«‬،‭ ‬كالنوادي‭ ‬الثقافية،‭ ‬والرياضية،‭ ‬والمآتم‭ ‬الدينية‭. ‬يبحث‭ ‬الفصل‭ ‬الثامن‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬وتطورها‭ ‬وتكاثرها،‭ ‬وفي‭ ‬التبديل‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬وظائفها‭ ‬بسب‭ ‬تطور‭ ‬صناعة‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬البلاد‭. ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬قبل‭ ‬صناعة‭ ‬النفط،‭ ‬كان‭ ‬الوجهاء‭ ‬والأعيان‭ ‬يؤسسون‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات،‭ ‬والنوادي،‭ ‬والمآتم‭ ‬للتباهي‭ ‬والمفاخرة،‭ ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬بعد‭ ‬النفط،‭ ‬أخذ‭ ‬الشباب‭ ‬يؤسسون‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬وحدتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬وتطلعاتهم‭ ‬السياسية‭. ‬وتبين‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬تكاثر‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات،‭ ‬والنوادي،‭ ‬والمآتم‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬تجزؤ‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وحدته‭ ‬الثقافية‭ ‬أو‭ ‬الحضارية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬اتجاه‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬الحكم‭.‬

وفي‭ ‬الفصلين‭ ‬التاسع‭ ‬والعاشر‭ ‬يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬طبيعة‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬القوى‭ ‬الجديدة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬هذا‭ ‬يخلص‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬غياب‭ ‬التنظيم‭ ‬السياسي‭ ‬المستديم‭ ‬يحدّ‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬المعارضة،‭ ‬أياً‭ ‬تكن،‭ ‬على‭ ‬مجابهة‭ ‬الحكم‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭. ‬فالمجابهة‭ ‬الطويلة‭ ‬الأمد‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الموقف‭ ‬عند‭ ‬الفصائل‭ ‬المجزئة،‭ ‬تُبْرِز‭ ‬التناقضات‭ ‬الداخلية‭ ‬للقطاع‭ ‬المعارض‭ ‬وتعمل‭ ‬بالتالي‭ ‬على‭ ‬تفككه‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬فلا‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬بلوغ‭ ‬الهدف‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬انتشاره‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشعب‭ ‬واسعاً‭. ‬وبعد‭ ‬دراسة‭ ‬دقيقة‭ ‬للأزمات‭ ‬والهزات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬‮»‬قبلية‮«‬‭ ‬الدولة‭ ‬تقبلت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التجديد‭ ‬والتحديث‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬باستثناء‭ ‬أمرين‭ ‬أساسيين‭: ‬قانون‭ ‬موحد‭ ‬وعام،‭ ‬ونظام‭ ‬سياسي‭ ‬يستمد‭ ‬من‭ ‬التمثيل‭ ‬الانتخابي‭. ‬ويصح‭ ‬قول‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اللجان،‭ ‬والهيئات،‭ ‬والمجالس‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬أنشِئَت‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1919،‭ ‬كما‭ ‬ينطبق‭  ‬على‭ ‬البرلمان‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬وحلَّ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975‭.‬

ونحاول‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الأخير‭ ‬أن‭ ‬نثبت‭ ‬أن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬حلّ‭ ‬البرلمان‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬المعارضة‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬قويت‭ ‬واشتد‭ ‬نفوذها‭ ‬عند‭ ‬تأسيس‭ ‬البرلمان‭ ‬بالذات‭. ‬أدخل‭ ‬تأسيس‭ ‬البرلمان‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬نمطاً‭ ‬جديداً‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬شجع‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬تحالفات‭ ‬قوية‭ ‬تعارض‭ ‬الحكم،‭ ‬كتحالفات‭ ‬الدينيين‭ ‬واليساريين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيَّس‭ ‬الأمور‭ ‬البسيطة‭ ‬وزادها‭ ‬تعقيداً،‭ ‬وشلّ‭ ‬بالتالي‭ ‬عمل‭ ‬الإدارات‭ ‬التنفيذية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭.‬

أثبتت‭ ‬تجربة‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬القبلية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬قد‭ ‬تتبنى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التحديثية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬كالمشاريع‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وبرامج‭ ‬الإنعاش‭ ‬والإنماء،‭ ‬ولكنها‭ ‬ترفض‭ ‬التحديث‭ ‬السياسي‭ ‬كالتمثيل‭ ‬الشعبي‭ ‬والقانون‭ ‬المدني‭ ‬الموحد‭. ‬وهي‭ ‬إذ‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فإنما‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬ذاتيتها‭ ‬كتحزب‭ ‬سياسي‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحه،‭ ‬شأنه‭ ‬بذلك‭ ‬شأن‭ ‬كل‭ ‬تنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬آخر‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إضعاف‭ ‬التحزبات‭ ‬الأخرى‭ ‬وفرفطتها‭ ‬–‭ ‬ليبقى‭ ‬الحكم‭ ‬لمن‭ ‬غلب‭.‬