نقلا عن مدونة لامنتمي.
http://lamontami.com/?p=84#more-84
حضرت يوم الثلاثاء الماضي محاضرة الصديق الناقد علي الديري في مركز الشيخ ابراهيم الخليفة و التي عنونها “ابن حزم بين طوق الخطاب و طوق الحمام”.
كان الديري طلقاً في تقديم محاضرته و هو يحاول تقريب موضوعه ذي الطبيعة
التخصصية في أصول الفقه، فخاطب المهتمين العاديين قبل المتخصصين، رغم أن معظم المداخلات – ما عدا مداخلة أو اثنتين – جاءت من المتخصصين من الحضور.
بداية قدم الديري لابن حزم مؤلف الكتاب الرقيق في العشق “طوق الحمامة” قبل أن يخرج معهم إلى كتابه الآخر في أصول الفقه “الإحكام في أصول الأحكام” و الذي شكل موضوع بحثه في المحاضرة. و ربما كانت هذه التقدمة من الديري لأجل أن يذكر مستمعيه بهذا الجانب من شخصية ابن حزم الذي قد يتناقض “ظاهرياً” مع شخصيته العلمية الصارمة في كتاب “الإحكام” و لكنه – أي الديري – استخدم هذا المدخل أيضاً ليلج منه إلى سبب تسمية كتابه الصادر حديثاً “طوق الخطاب – دراسة في ظاهرية ابن حزم“.
برر الديري استعارته لكلمة “الطوق” من كتاب ابن حزم الأول بعدة أسباب منها أن الطوق يمارس إحكاماً على معنى النص و لا يتيح للمعاني أن تتكاثر و هو يحكمها لصالح معنى واحد. و هو يأتي أيضاً بمعنى القدرة – فطوق الخطاب هو قوة و طاقة له.
ثم انتقل إلى عرض سريع لعصر ابن حزم، وثقافته الفلسفية و المنطقية التي قد تكون أورثته ضيقاً بالرأي المخالف بسبب اعتقاده الجازم بوجود حقيقة منطقية واحدة لفهم النصوص الدينية، أليس هو القائل “النص لا يعطيك إلآ ما فيه” بعكس ابن عربي الذي عنده أن “النص لا يعطيك إلا ما فيك” – و ربما أثار الديري استغراب بعض الحضور عندما اعترف أن قرائته لابن عربي فتحته على قيمة أكبر لخطاب ابن حزم و لكنه علل ذلك بأن التطرف في إحكام النص ما هو إلا بداية لفتحه و بالعكس. و ادعى الديري أن تعلق ابن حزم بالمنطق الأرسطي جعله عقلاني التفكير فأعلى من شأن المنطق حتى صار نطق الإنسان لديه هو قدرته على التصرف في العلوم و الصناعات، و رفض الإجماع و القياس في الفقه و جعل البرهان المنطقي هو الأساس.
فرق الديري بين ظاهرية ابن حزم و الظاهرية الحنبلية التي سمى قراءتها “بالقراءة الغضة” أما قراءة ابن حزم فهي قراءة عقلانية برهانية.
جائت المداخلات ثرية و تنحو في اتجاهات تختلف عن مقاربة الديري لتراث ابن حزم. و كانت أول المداخلات لأستاذ جامعي عراقي يقول أنه درّس أصول الفقه لعشرين عاماً و قد امتدح القدرة التحليلية للديري و لكنه قال أن يكاد يكون لديه على كل كلمة سمعها تعقيب. و قد اعترض على عدة أشياء منها الأهمية التي أعطاها الديري لكتاب ابن حزم باعتباره رابع أهم كتاب في أصول الفقه، كما لم يفهم الأستاذ مقارنة ابن حزم بابن عربي و هما نقيضان.
و داخل د. ناصر المبارك بإضافة مبدئية لمعنى “الزينة” في الطوق و هو ما أراده ابن حزم على الأغلب في تسمية كتابه “طوق الحمامة”، كما ساق تلخيصاً لقوانين فهم النص لدى ابن حزم أو لدى الظاهريين بشكل عام.
تعددت المداخلات و الاعتراضات و الأسئلة مما أتاح للمحاضر توضيح أراءه بشكل أكثر تفاعلية مع الحاضرين.
أما آخر الأسئلة فكان سؤالاً مباشراً من باحثة شابة: “كيف تقول أن ابن حزم كان عقلانياً و هو يرفض القياس؟” – على أساس أن القياس هو أهم الأدلة العقلية في الفقه -. اعتبر الديري السؤال مهماً و يحتاج إلى محاضرة كاملة ليفيه حقه و اعترف بأن هذا السؤال شغله كثيراً في بداية اشتغاله على ابن حزم، و لكنه فرق تفريقاً دقيقاً بين عقلانية ابن حزم البرهانية و عقلانية “العلية” التي أسس عليها جمهور الفقهاء دليل القياس.