هل أنت علماني أخباري؟

من ملف االأصولية والأخبارية

ملف الأصولية والأخبارية في جريدة الوقت 2007 pdf

في الصيف الماضي أصدر Robert Gleave (روبرت غليف) كتابه ”إسلام النص: تاريخ المدرسة الأخبارية الشيعية وعقائدها” باللغة الإنجليزية، وهو لمّا يترجم بعد. هل زُقمُّْ اٌمفًّم قد قرأ بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول

عن الإسلام، وصار مسلماً على الطريقة الأخبارية الشيعية، أي صار مستبصراً أخبارياً؟
لا، طبعاً. وهذا السؤال لا يعدو أن يكون مزحة. لكن السؤال نفسه سألني إياه كثيرون، بصيغ مختلفة، الصديق حسين مرهون، سألني مستنكراً ومستهزئاً في الوقت نفسه: هل أنت علماني أخباري أم علماني أصولي؟ يبدو أن نهايتك ستكون كبدايتك أصولي ديني متزمت. على الجبهة المضادة، هناك سؤال مصاغ بحس تشكيكي مرتاب، ما هدف علي الديري من طرح موضوع (الأصولية والأخبارية)؟، وهناك سؤال مصاغ بحس من يعتذر عنك ويشفق عليك ويبدي تفهمه لورطتك، هل يمكن لعلي الديري أن يتخلص من تربيته الدينية؟
قلت للصديق مرهون الأصولية والأخبارية موضوع أشتغل عليه بمسافة علمية وعلمانية، وهي مسافة أمان، تُؤمّن لي عدم التماهي مع موضوعي. الاهتمام بموضوع ما ،لا ينفصل عن الانهمام به، وهو انهمام قد يوقعك أحياناً في تحيزات تجعلك متماهياً مع موضوعك، لكن هذه التخوفات لا ترتبط بموضوع (الأصولية والأخبارية) أو أي موضوع ديني ما، بل ترتبط بكل موضوع يدخل في حيز اهتمام أي باحث. أن تكتب عن موضوع يعني أنك ستتهم بأنك متبنيه حد التماهي أو أنك تعاديه حد التعالي، أنت متهم به، ولا يمكن أن تكون باحثا عن فهم لهذا الموضوع، فهماً يعينك على معرفة اشتغاله في حاضرك.
بين (روبرت غليف) وتهمة أن يكون علمانيا أخبارياً أو أصولياً أو أن يكون مستبصراً قد هداه الله إلى التشيع، مسافة ليست ناتجة عن الجغرافيا والتاريخ والحضارة، بل مسافة في أذهاننا، تعطي للآخر القدرة على أن يكون منفصلا عن موضوعه، وتسلبها من الذات، أي لا يمكن للباحث هنا أن يقيم مسافة نقدية عن موضوعه، ويمكن للباحث هناك أن يقيمها. لقد ظل أركون لفترة طويلة يحاول أن يقنع الآخرين بأن عمله في مجال التراث الإسلامي، لا يعني أنه مفكر إسلامي ولا أنه إسلامي ولا أنه أصولي ولا أنه محافظ رجعي غير قادر على أن يخرج على ماضويته.
في الصيف الماضي، كنت والصديق محمد المبارك مع الباحث الانثروبولوجي الدينماركي توماس الذي يعد أطروحة دكتوراه حول الكيفية التي يشكل الناس بها تاريخهم الاجتماعي من خلال المكان الحوادث. وقد اتخذ من منطقة الحد وقلالي وسماهيج والدير مكاناً لمعرفة هذه الكيفية معرفة تطبيقية. قلت له: إن الشيخ إبراهيم المبارك قد شكّل بأخباريته في الخمسينات والستينات وحتى قبل الثورة الإيرانية في السبعينات، ثقافة الناس في قرية الدير، وله حضور في تاريخهم الاجتماعي. لقد التقط مصطلح (الأخبارية) بحس باحث يقظ، وراح يتقصاها ويتقصى حضورها في تشكيل ثقافة هذا المكان. ومع ذلك لن يسأله أحد مستنكراً، هل أنت انثروبولوجي أخباري أو أصولي؟

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=5420

اترك تعليقاً