أرشيف التصنيف: مقالات

علي الديري: بين الكتب، حصادي الثقافي في 2023 

أحببت في هذا العام أن أستعيد إحياء تقليد جميل يعود إلى خمسة عشر عامًا، حين كنت أعمل بشكل سنوي على حصاد ثقافي لأنشطتي وقراءاتي حول ما يجول في الساحة الثقافية.  والعودة إليه هنا ليست بغرض المباهاة أو الاستعراض؛ فالحصاد السياسي والثقافي والاقتصادي يحفزنا على مراجعة ذواتنا وإنجازاتنا، بالإضافة إلى مراجعة السنة الثقافية التي مررنا بها، كما يشجع الآخرين على القيام بالعملية نفسها، وربما يحفزهم.

افتتحت هذا العام بقراءة كتاب الصديق الدكتور محمد السلمان “سمات الحكم البرتغالي في الخليج العربي وعمان (1521-1622م)”، وهو كتاب غني يقدم قراءة عميقة لمضيق هرمز الذي كان ميناءً للعالم كله، وعبره كانت تدخل البضائع لتصل إلى الخليج وتمر عبر البحرين والبصرة إلى أوروبا. تفاعلات هنا الهويات والأسواق والسياسات، وما زال هذا المضيق يشكل إلى اليوم أهمية كبيرة بالنسبة للعالم، وأي ضرر أو إي إخلال يصيب هذا المضيق، يمثل تهديدًا عالميًّا، وكأنه رحم العالم الذي منه تنبعث الحياة.

بهذه الخلفية التاريخية التي ترجم فيها الباحث السلمان أرشيف البرتغال، تمكنت من قراءة  رواية الصديق أحمد رضي “حنين الخرائط”، وهي رواية تعود إلى العصر نفسه، أي إلى العصر البرتغالي، ويُذكر فيها كيف يفر راسم الخرائط “روبيرو” من أتون الحرب بعد انهزام البرتغاليين، ويصل إلى البحرين في القرن السابع عشر الميلادي، ويلتقي مع جامع وناسخ وصديق الشاعر أبو جعفر الخطي “الغنوي”.تجري بينهما حوارات حضارية معمقة عن الشرق والغرب والاستعمار والشعر والتاريخ والبحرين، وعن الشخصية الملهمة الكبيرة لأبي جعفر الخطي.

لقد كانت تجربة عميقة وجميلة وفريدة، فلعلها من قلة من الروايات التي تحكبك أحداثها من تاريخ البحرين وشخصياته.  

لا بد أن أشير إلى أن برنامج “وُرْق” الذي أقدمه على بودكاست الميادين قد أتاح لي قراءة الكثير من الكتب الصادرة حديثا خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الأخيرة، خصوصا وأني أظل غالبا مشغولًا بقراءات الكتب القديمة بحكم أبحاثي واشتغالي بقضايا التراث.

وعلى صلة بتاريخ الخليج والبحرين، قدمت ضمن حلقة بودكاست حول كتابٌ “بداية حكم العتوب” للدكتور سلطان القاسمي، حاكم إمارة الشارقة في الإمارات العربية. أحدث هذا الكتيب زوبعةً سياسية، لما قدمه من سردية مضادة لسردية “فتح البحرين” التي تفاخر بها العائلة الحاكمة.

استند الكاتب فيما يمكن أن نسميه صراع السرديات إلى الأرشيف البريطاني، بالإضافة إلى أرشيفه العائلي، فهو ينتمي للقواسم الذين كانوا على خلافٍ شديدٍ وصراعٍ طويلٍ مع العتوب. 

يُعتبر هذا الكتاب فتحًا في هذا المجال لسببين؛ أوّلًا لأن كل ما لدينا من روايات حول غزو آل الخليفة للبحرين تحمل شيئًا من التشويش والنقص، وثانيًا لكونها روايةً من حاكمٍ عربيٍّ على مستوى الخليج وتؤيد ما يتبناه السكان الأصليون للبحرين.

وعلى صلة بصراع السرديات، قدمت حلقة بودكاست تحت عنوان (لماذا تكره السلطات البحرينية الصحابي صعصعة بن صوحان؟ ولماذا يحبّه شعب البحرين؟) 

والجواب هو لأنه يذكرها بكذبة سردية الفتح التي بنت عليها تاريخها، كما أنها للسبب نفسه كرهت وانزعجت من  كتاب القاسمي، لذلك سعت لمنع الكتاب ومنع الناس من الوصول إلى مقام صعصعة بل قامت بغلق بوابته بالطوب وشككت في صحة مدفنه هنا.  

مسجد صعصعة بن صوحان، هو واحد من المعالم التاريخية في منطقة عسكر في المحافظة الجنوبية، والشاهد التاريخي على أصالة البحارنة وأسبقيتهم في البحرين قبل غزو آل خليفة والمذابح التي قاموا بها. 

ولعلها من المصادفات العجيبة أن يرى النور هذا العام ديوان الشاعر  البحراني السيد شبر المشعل (ت ١٨٨٠) بعد أن كان في حكم المفقود أو المنسي، هذا الديوان الضخم الذي تبلغ صفحاته ٨٠٠، أرّخ لنا الصراع مع غزو العتوب وهو بمثابة الصرخة ضد جرائمهم ورفض لتقبل حكمهم وتحريض على دحرهم.

وربطًا بموضوع العتوب، يصادف هذا العام الذكرى المئوية للإصلاح السياسي في البحرين الذي بدأ في العام 1923م وهو العام الذي تُوج بعزل الحاكم القبلي عيسى بن علي وبدء شكل الدولة الحديث. وكنت قد بدأت في العام الماضي بالحديث عن موضوع “الشيخ والسخرة”، واستكملته هذا العام عام مئوية الإصلاحات السياسية بالبحرين، بحلقات حول مرسوم البحرين الملكي ١٩١٣ الذي أصدره ملك بريطانيا واستنادا إليه تأسست بلدية المنامة ومحاكم البحرين وإداراتها. وحلقات حول عرائض البحارنة حول الانتهاكات التي كانت تقع عليها من فداوية شيوخ الإقطاع من العائلة الحاكمة. وحلقات حول نتائج هذه العرائض التي تمثلت في عزل الحاكم عيسى بن علي وبدء شكل الدولة الحديثة. ستخرج جميع حلقات المئوية في شكل كتيبات مبسطة تقدم للجمهور العام تاريخ الإصلاح السياسي المغيب بلغة مبسطة وواضحة.

لإيلاف قريش

في امتداد لعادة سنوية بدأتها منذ خمس سنوات في شهر رمضان مع مجموعة خاصة من الأصدقاء، عقدنا الموسم التفسيري الخامس (هوامل التفسير) المخصص لإجراء بحث تاريخي حول سورة من سور القرآن، في المواسم السابقة كانت موضوعاتنا: سورة المائدة، سورة النساء، سورة الأحزاب، سورة التوبة. يتكون الموسم من ثلاثين حلقة تقريبا. 

منذ العام الماضي، خصصت النقاش حول سورة “قريش” لبحث تاريخ هذه السورة المؤلفة من سطرين، نحتاج في إلى بحث تاريخي يمتد إلى قرنين ماضيين من زمن البعثة.

ما هو الإيلاف؟ ومن هم الذين أسسوه؟ وما دور هذا الإيلاف وعلاقته بفكرة التوحيد لاحقًا، وبفكرة الحنفية والإسلام، والنبوة، والعوائل القرشية؟ كيف مهد هذا الإيلاف التجاري للإيلاف العقائدي التوحيدي؟

كانت نتيحة العمل على هذه الحلقات كتاب سيصدر في العام 2024 على شكل محاضرات بودكاست، ستجدونها بصيغة صوتية ومكتوبة، كان الغرض منها تبسيط هذا التعقيد التاريخي ليكون في متناول الجميع. وهي أول تجربة لي في إصدار كتاب على شكل حلقات صوتية ومكتوبة.

أتاح لي بحث إيلاف قريش الاطّلاع على كتب تأسيسة تتعلق بتاريخ قريش، ولعل في مقدمتها بل وأهمها على الإطلاق كتاب “جمهرة النسب” لأبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي، الذي يؤرخ فيه للعوائل القرشية. وأبو المنذر شخصية شيعية يعتد بروايتها التاريخية وليس الحديثية لدى السنة والشيعة، وهو المصدر الرئيس لقراءاتنا لتاريخ العرب قبل الإسلام، إذ إنه بغير هذا التاريخ، لا نستطيع أن نفهم تاريخ الإسلام أساسًا، لأن تاريخ العرب قبل الإسلام هو امتداد لتاريخهم بعد الإسلام، فصراعاتهم العائلية وأحزابهم امتدت في تاريخ الخلافة.

أبو المنذر ألّف كتابًا آخر مهم أيضًا مهم هو “كتاب الأصنام”، يُعرفنا بأصنام كل قبيلة وعائلة وكيف دخلت فكرة الأصنام إلى بيت النبي إبراهيم. وله كتاب “مثالب العرب”، والمثالب هي العيوب، عيوب كل قبيلة أو عائلة وسرد هذه العيوب كان جزءا من الصراع السياسي الذي شكل تاريخ العرب والإسلام طوال القرون الثلاثة التي سميت خير القرون، وكانت موضوع كتابي الصادر العام الماضي (خير القرون.. كيف نفهم الخير في التاريخ؟).

في الربع الأخير من طوفان هذا العام، انشغلت بقراءة تاريخ تكوين إسرائيل، خصصته لقراءة مذكرات أول رئيس لإسرائل وأهم شخصية في طبخ وعد بلفور (مذكرات وايزمن) وقراءة مذكرات نتنياهو (مكان تحت الشمس). وقبلهما قدمت حلقات حول كتاب باسيل دافيد الصادر مؤخرا (السقوط الخامس)

الكتاب بمجمله خطاب لليهود والإسرائيليين، هو صرخة لكي يُنقذوا وضعهم من مصيدة التاريخ اليهودي المحكوم بمزاج التدمير الذاتي والتناحر والانقسام والشتات. هذا الكتاب يكشف الخوف الذي يتخطّف العقل اليهودي والقلق الذي يعيشه من أن تسقط “إسرائيل”. والسؤال الذي يطرحه الكاتب: كيف تستطيع “دولة إسرائيل” الهروب بالمستقبل من مصيدة التاريخ اليهودي؟

في رثاء العمة زهرة بنت منصور عباس فضل (1950-2022)

غُصة أخرى في القلب أن ترحل العمة زهرة بنت منصور عباس فضل من دون أن أفرحها بصدور كتاب سيرة أمها فاطمة بنت زبر(1918-1973)، وهي الراوية الرئيسة التي حكت لي بفخر كيف وقفت فاطمة بنت زبر على ما تبقى من بيت زبر الكبير، ألقت كلمتها الخالدة بين إخوتها “لن نبيع” بيتنا في المنامة. 

قالتها في صيغة نفي لكنها في المعنى تحمل معنى الرفض. تأسس هذا البيت على كلمة رفض بنت زبر، كانت العمة زهرة تستعيد في سردها هذه الكلمة، بقوة منطوق أمها، وكأنها تقول لن نغادر هذا البيت، ستبقى أنفاسنا فيه، وسنشم ريح بنت زبر في زواياه، وسنحفظ عهدها فيه، لن يكون هذا الإرث قابلا للمساومة أو الاستبدال.

دخلتُ هذا البيت في منتصف التسعينيات صهرًا جديدًا لحفيدة بنت زبر، فضاء عباس، شدتني العمة زهرة إليها بحديثها الدائم عن التاريخ وحفاوتها الأثيرة بالكتب، وهي التي لم تكمل تعليمها المدرسي لكنها أصرّت أن تثقف نفسها بالقراءة الحرة، تعرفت من خلال مكتبتها الصغيرة على كتاب (عقود الآل في تاريخ أوال) استعرته منها، وظلت تسألني عنه وتذكرني به، وتبرر حرصها على الكتاب، بشيء من الفخر لكون مؤلفه المؤرخ محمد علي التاجر من مدينتها المنامة، وهو عم الأستاذ عبدالرسول التاجر الذي تعلم في مدرسته أخوها الحاج عباس بن منصور فضل، وهو الذي أعطى لموكب الملحان فكرة جمعية (ذو الفقار) في الأربعينيات وقد حمل دفترها وأوراقها وذاكرتها ومشروعها أخوها الأثير على قلبها الحاج عباس.

حين صدرت النسخة المحققة الكاملة من تاريخ (عقود الآل) أرسلت لها نسخة خاصة، وقلت لها بضاعتك ردت إليك، استعرت منك نسخة ناقصة التحقيق وأهديتك نسخة كاملة التحقيق.

كنت أمازحها باستخدام صفة المثقفة وتبادلني بضحكتها الجميلة “ويني وينك، لا تقعد تنفخ فيني”. وحين ألاحقها بأسئلتي السابرة لتاريخ العائلة تتمنع وتدعي أنها لا تعرف شيئًا، فأستل منها خيطًا خفيفًا، فتقع في فخ غواية السرد، فيتدفق التاريخ سلسًا وكأنه منتظم الدرين كما في عنوان كتاب التاجر الشهير، وحين أعثر على قصة مثيرة بين جنبات سردها، تنتبه لي، فتبادر بإطلاق جملتها الشهيرة: ما يخصني، إنت تنبر وطلع مشاكل.

كثير من أسرار شخصية فاطمة بنت زبر، عرفتها من العمة زهرة، قالت لي إن جدتنا والدة أمي اسمها معصومة بنت سيد مرزوق وكثير من أسرار شخصية والدتنا جاءت من أمها السيدة معصومة، ستتعجبون حين أقول لكم إنه كان ينذر لها، فقد كانت ولية من أولياء الله بتقواها وورعها وزهدها، من حسن حظنا أنها أحاطتنا برعايتها، كانت تعين أمي على تربيتنا، وهي من أخذتني مع أخواتي خديجة ورازقي إلى درس القرآن عند  المعلمة (فضيضة). بفضل النور الذي أضاءه القرآن في قلبها صرنا متعلمات وحافظات للقرآن، ولست أدري إن كان صوت والدي حجي منصور المميز في قراءة القرآن في الفواتح قد حببه إليها حين جاء يطلب يد ابنتها فاطمة.

تقول لي باعتزاز: تعود سلالة جدتي السيدة معصومة بنت سيد مرزوق، إلى السيد إبراهيم المجاب، وقد أنجبت جدتي أمي فاطمة بنت زبر ثم خالي الميرزا وخالي عبدالله المشهور بالشكر لدلال جدتي له، فكانت تكثر من مناداته بالشكر، حتى صار خالي حلاوة بيتنا والفريق معاً وضاع اسمه. 

رحم الله العمة زهرة، هي أول بنات فاطمة بنت زبر من الإناث، تروي لي عن والدتها وولادتها: حين قدمت إلى الحياة تلقفتني الأيدي بلهفة وبالغت في الدلال. كانت أمي قد فقدت طفلين بعد ابنها البكر عباس (توفي 2009) مرت سنوات حتى رُزقت أمي بأخي عيسى، ثم بعد عشر سنوات أو أكثر جئت أنا ثم أخواتي رازقية وخديجة (توفيت 2019). 

لماذا أمقت سعيد الحمد؟

لماذا أمقت سعيد الحمد

“أعطني إعلاميين بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي” وزير الإعلام النازي، غوبلز 

مات سعيد الحمد، لكنه سيبقى في ذاكرة الضحايا التي وثقها تقرير بسيوني باسمه الإعلامي المنزوع الضمير (انظر الفقرة 807 من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق). لا تسقط أسماء الجلادين ولا منتهكي شرف الإنسان والمجتمع.كثيرة هي قصص الحقوقيين والأطباء والمهندسين والمثقفين والصحفيين والناشطين والسياسيين، التي يحضر فيها سعيد الحمد محرضا عليهم، وواشيا بهم، ومشوها لسيرهم، ومُصوبا على أعراضهم.

نحترم الموت كفعل طبيعي جميعنا صائرون إليه، لكنه لا يعطي لأي منتهك للحق العام حصانة. نحترم الموت مع أن سعيد الحمد لم يوفر حرمة لأحد، كان ديدنه التعرض لأدق تفاصيل الحياة الشخصية لأي شخص من المحتجين الذين يريد أن ينال منهم، يتعرض لهم في برنامجه (حوار مفتوح) بكل فضائحية.

كما لا يسقط الحق العام، كذلك لا تسقط الشخصية العامة وأفعالها المخلة بشرف المهنة العامة وليس كالصحافة والإعلام مهنة دقيقة الشرف ورفيعة الشرف، والمس بها يستدعي الحماية والصيانة، لذلك الذاكرة العامة لا تنسى غوبلز الذي شوّه مهنة الإعلام بممارسته النازية، ولا تنسى محمد سعيد الصحاف بممارسته البعثية، ولن تنسى سعيد الحمد بممارسته الشعبوية التحريضية، كل هؤلاء ممقوتون لتسخيرهم الصحافة وجعلها ممارسة مقت.

“لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ” 

حضرتني هذه الآية بقوة مع خبر موته، ووجدت في (المقت) معنى عميقا، فهو يعني في اللغة شدة الغضب وشدة كراهية الفعل. الآية تتحدث عن مشهد جهنم وغضب المعاندين الكافرين بحقيقة وجود الله، غضبهم من أنفسهم وكراهيتهم لأفعالهم التي قادتهم إلى هذا المصير. يقول لهم الله هنا: أنه أشد غضبا وكراهية لأفعالهم الجاحدة حين كانوا في الدنيا يكفرون. 

ما الذي أمقته من سعيد الحمد؟ ما الفعل الذي قام به وصار يستثير المقت بدل التعاطف مع موته؟

لقد اقتلع ضمير الصحافة، جعل صحافتنا بلا ضمير، وأد ضميرها الذي يمثل حقيقتها، تماما كما يفعل الكافر، يحجب ضميره النابض بالألوهية، يُقسّيه، ليزداد كثافة وسماكة وعماية، فلا يعود يرى، هذا هو المَقت.

جعل الصحافة ناطقة بالمقت، صارت الصحافة، تحرض ضد الناس بلا ضمير، تقتل وتسجن وتشي وتفضح وتحرض وتشوش وتفتن، وتمكن السلطة وأجهزتها من وأد من لا يوافقها أو يعترض عليها.

زواج المقت هو زواج الابن من زوجة أبيه بعد موته. هو فعل ذلك بالصحافة، زوجها من الدكتاتور القاتل، أخذها ذليلة لبلاط جلالته، وراح يُطلق بذاءاته “كانوا يمارسون طقوس (المتعة) في أثناء إقامتهم في الدوّار” لم يترك الصحافة حرة في بلاطها، سخّرها ذليلة لأفعال المقت.

جعل سعيد الحمد الإعلام (حوار مفتوح) لا يحضر فيه أحد، كما قال له سهيل القصيبي في مقالته (رسالة إلى سعيد الحمد) الجريئة في ذلك الوقت 25 إبريل 2011 من أيام قانون الطوارئ (السلامة الوطنية). أي أنه جعله حسابا مفتوحا لأصحاب الآراء المختلفة لصالح أصحاب السلطة الأحادية التي وكلته نائبا مطلقا عنها. 

سخّر الصحافة والإعلام شاشات إذلال للضحايا، وتهديدا لمن هم على طريق الضحايا، ومصدر قلق وخوف لكل عائلة يرد اسم ابنها في لسانه أو قلمه. يشمت ويشتم ويغمز ويخوّن بلا ضمير صحفي وهو يعرض مقاطع فيديوهات صورتها أجهزة المخابرات ووزارة الداخلية لاعترافات واعتذارات واحتجاجات الضحايا. لا يمكن أن ننسى آيات القرمزي، الفتاة العشرينية وهي تقدم اعتذارا مذلا لإنسانيتها، تعتذر عن قصيدة حرة ألقتها في ميدان عام يضج بأصوات شعب يبحث عن نفس الحرية.

لا يمكن أن ننسى بذاءاته ضد الحقوقين وغمزه ولمزه المقززين، وقد حصد الحقوقيان  العالميان نبيل رجب ويوسف المحافظة حلقات مطولة من كراهياته، ولم يكتف بسجن نبيل، بل راح يكيل صفات الخيانة والتشويه على المحافظة ويطالب الحكومة باعتقاله وإرجاعه للبلاد.

 حين سألتني ابنتي في كتاب (بلا هوية.. إسقاط الجنسية كما شرحتها لأماسيل): كنت أشاهد صورتك في الجرائد قبل أن أدخل المدرسة. هل يعقل أنه لم يدافع عنك أحد في هذه الصحف، لم أجد لأجيبها أقبح من ثلاثة مقالات كتبها سعيد الحمد، يُمعن فيها في النيل مني، أقتبس هنا فقرة من إحداها “لا عجب أن يخرج علينا المدعو علي الديري بعد أن قبع في المنفى الاختياري لشهور صامتاً ويعمل من وراء الكواليس خوفاً من أن يخرج إلى نور الشاشات، فقد اعتاد أن يمشي في الساس يخرج علينا بحثاً عن بطولة، ليدعي أن حكومة البحرين أوعزت إلى السلطات في مصر وإلى الجهات المعنية عن معرض الكتاب هناك لمنعه من دخول الأراضي المصرية ومنع كتابه”سعيد الحمد، جريدة الأيام، العدد 8331 الثلاثاء 31 يناير 2012.

لقد وثّق لنا تقرير بسويني في تقريره الحقوقي، المقت الذي مارسه سعيد الحمد، عبر تلفزيون البحرين ضد الكادر الطبي، تحت عنوان “الحملة الإعلامية من قبل التليفزيون البحرينى ومسئولين حكوميين آخرين ضد الكوادر الطبية المتهمة” في الفقرة 807 يقول بسيوني “وفى برنامج سعيد الحمد على التليفزيون البحرينى، والذى بُث يوم 30 مايو2011، تم التعريف بثلاثة من الأطباء المتهمين بأنهم قادة خلية إرهابية. وقد أقر اثنان من الأطباء المتهمين فى نفس البرنامج أنهما كانا قد قدما بيانات كاذبة إلى وسائل الإعلام”.

الموت لا يسقط الحق العام بل هو خاتمة للاقتصاص العام، وجاك الموت يا تارك الضمير.

 

في رثاء غازي الحداد: فخر أوال في حضارتها

الشاعر غازي الحداد
الشاعر غازي الحداد

ونحنُ فخرُ أوال في حضارتها
ونحنُ أعلى بني عُربانِها نسباْ
لنا شمائلُ عبد القيـسِ في كرمٍ
ومن ربيعةَ طابت ريحُنا حسباْ

 

رحم الله شاعرنا غازي الحداد(1961-2021).لم تربطني به معرفة شخصية، لكن تربطني به علاقة وجودية، هي علاقة الشاعر الذي يعالج بشعره جرحا ملتهبا في وجودنا، وجرحي الشخصي كان إسقاط جنسيتي، هو عام في حقيقته، لكنه  شخصي لأني أحمله في يومياتي ولحظاتي الخاصة، يهدأ مرة ويلتهب مرات، فأعالجه بشعر غازي الحداد “ونحنُ فخرُ أوالٍ في حضارتها”. 

هناك لحظات وجودية تضج في الكائن الإنساني، تستصرخ أعمق ما فيه، تنادي شعراء وفلاسفة وأدباء ومتصوفة يناغون هذه الأعماق ويطيبونها ببلسم كلماتهم. وكما في المقولة التراثية الشهيرة “اقرأ القرآن وكأنه نزل في شأنك” رحت أقرأ هذه الأبيات وكأن آلهة شعر غازي الحداد أنزلتها في شأني وحالي وجرحي، رحت أستحضر صوت غازي وهو يُنشدها بقوة نبره وعلو لغته وشكيمة سبكه.

هكذا أنشأت علاقتي الشخصية بغازي، صار حاضرا معي، رافعا لا مرافقا، فهو يشدني للأعلى حيث نجوم عبد قيس في حضارتها، نعم في حضارتها، ذلك هو المعنى الأكثر تأثيرا، فأنا أبحث عن انتماء يعبر عن هويتي الحضارية لا البدوية ولا القبائلية ولا الجاهلية، أنا واحد من (نحن عبد القيس) التي تجذرت في أوال منذ القرن الثالث الميلادي، غادرت ثقافة الترحال والغزو واستوطنت هنا حتى عرفتها نخيل البحرين وأحبتها وأنشأت بينها وبينهم وطنا مستقرا وشعرا يستمد من رطبها حلاوته وطلاوته، حتى قال الجاحظ «شأن عبد القيس عجيب وذلك أنهم بعد محاربة إياد تفرقوا فرقتين ففرقة وقعت بعمان وشق عمان وفيهم خطباء العرب وفرقة وقعت إلى البحرين وشق البحرين وهم من أشعر قبيلة في العرب، ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سرة البادية وفي معدن الفصاحة وهذا عجب”.

لو قُدر للجاحظ أن يسمع شعر (غازي) لقال والأعجب في أمر عبد قيس، أنهم بعد قرون من النكبات وغزوات الأعراب التي وقعت عليهم، ظلوا مستقرين في سرة الحاضرة، وما زالوا ينتجون فحول الشعراء ولا يغادون بلاغة نطفتهم العبدية القيسية.

(غازي الحداد) ناطق بقوة، بفخر أوال الحضاري، لا جهل الجاهلينا، وجدتُ فيه الصوت الذي ألجأ إليه، وإحدى تجليات الهوية التي أذوب في جنباتها، وجنسية الانتماء التي لا يمكن أن تُسقطها بداوة الغازي ورعونته واستبداده، لا يمكن أن تسقط، ولا يمكن أن تضعف (أناي)  الحضارية وهي ممتلئة بقوة هذه الأنا الشعرية، وهي تصرخ بفرادة وبلاغة وشجاعة، عبر صوت غازي: 

أنا هنا ألهس التاريخ في خلدي 

أنا هنا واقف للرصد كالوتدِ

أنا هنا أتقصّى الأمر منفردا 

وما تقصيت أمرا غير منفردِ

(غازي الحداد) مثّل بشعره، شمائل عبد القيس، شمائلها البلاغية في الشعر واللغة والفصاحة والخطابة حتى إن أبا الأسود الدؤولي حين عُهد إليه أمر تشكيل القرآن جيء له بثلاثين رجلا من فصحاء قبائل العرب، فلم يقنعه إلا فصيح من عبد القيس. وغازي مثّل  هوية أجداده العبديين في  الرفض والثورة ضد الظلم، وهو بذلك مثّل الامتداد الحضاري لعبد قيس ليس على مستوى الاستقرار في الأرض فقط، بل والاستقرار في الولاء لهوية التشيع الرافضية التي رضعها من أمه (الملاية أم عباس) والتي شهد عليها تاريخيا جميع المؤرخين والرحالة الذين مروا من هنا. 

يحق لغازي أن يركب أعلى ما في خيلاء الشعر وهو ينطق بأناه الرافضة المتحدية (أنا هنا) ويحق له  أن ينطق بهويتنا الجماعية الفاخرة (ونحنُ فخرُ أوال). ويحق له علينا أن ننقش شعره في قلوبنا وحضارتنا ومحافلنا ونردده على مسامع أولادنا.

 

الحلقة الثانية من نقد الشيخ والتنوير: التنوير الضخم والمثقفون الموالون

أتحدث هنا عن التنوير الضخم كما

للاستماع للحلقة يمكنك الضغط من هنا

لتحميل المقالة بصيغة pdf يمكنك الضغط من هنا

تحدثت في الحلقة السابقة عن الأب الضخم. التنوير الضخم هو تنوير يتم اصطناعه عبر خلق سردية غير صحيحة تُضخّم شخصيات وأحداث وكلمات وتبني لها سياقا مقتطعا من التاريخ الوقائعي. كيف غير صحيحة؟ هذا ما سنحاول أن نبيّنه في هذه الحلقة بالكلام عن الحدث السياسي المزلزل في البحرين في 1923 وقلت مزلزل لأنه أسقط شكل دولة المشيخة والإقطاع وعزل الحاكم عيسى بن علي، وتم تأسيس إدارات الدولة الحديثة، فتحركت جماعات المصالح والمستفيدين من شكل السلطة القبلية، للدفاع عنها.

هناك مجموعة من الأسئلة نريد أن نطرحها خلال هذه الحلقة. ما هو موقف ناصر الخيري من حدث 1923؟ وما هو موقف إبراهيم بن محمد آل خليفة الذي أسماه الكتاب (شيخ التنوير) من هذا الحدث؟ هل ذهب بتنويره لتأييد فكرة الدولة الحديثة والسلطة الحديثة، أم أنه دافع عن شكل دولة المشيخة ونظام عيسى بن علي الإقطاعي في ذلك الوقت؟

الإصلاحات وخطاب العزل 

سأعرض مقتطفًا من كتاب (الشيخ والتنوير) ينقل فيه رواية تقول «إن ناصر الخيري بعد أن قرأ خطاب نوكس [وهو خطاب عزل عيسى بن علي] في مايو 1923 مرض بعد ذلك مرضا شديدا متأثرا بما جاء في الخطاب، وقال إن أيادي الشيخ عيسى بن علي علينا كثيرة ولم أكن أتوقع أن أقوم بما قمت به».

يتحدث هذا المقتطف عن الخطاب الذي ألقاه ناصر الخيري في ما عُرف بمجلس العزل، وهو المجلس الذي عَزل (عيسى بن علي) ونَصّب ابنه حمد مكانه، وتم فيه إعلان شكل الدولة الحديث والقطع مع دولة المشيخة ونظام البداوة، أو ما سُمي في أحد التقارير البريطانية: نظام اللاحكم. لم تكن في البحرين حينها حكومة مركزية توزع سلطاتها، بل توجد إقطاعيات، كل شيخ يحكم إقطاعية عبر نظام الفداوية.

هذا المقتطف الذي يبدو أن الكتاب يتبناه بشكل واضح، يقول إن ناصر الخيري مرض بعد أن ألقى هذا الخطاب مرضاً شديداً، فكأنه غير مقتنع بما جاء فيه، وكأنه كان مكرهاً بوقوفه هذا الموقف وقراءته لهــذا الخطاب التاريخي الذي لا يرمي إلى عزل عيسى بن علي فحسب، بل إلى تدشين شكل الدولة الحديثة.

لماذا تبنى كتاب (الشيخ والتنوير) رواية أن ناصر الخيري ندم ومرض ومات؟ وراء ذلك سبب وجيه، هو أن الرواية الرسمية لا تريد أن تعترف بعزل عيسى بن علي. لذلك حينما نذهب الى المدونات الرسمية وهي تروي تاريخ حكم آل خليفة في البحرين، فإنها لا تقول إن عيسى بن علي قد عُزل في 1923، ولا إن ابنه حمد بن عيسى تولى الحكم في هذا العام، بل تقول إنه تولى الحكم في العام 1932، وهو العام الذي توفّى فيه عيسى بن علي. لأن هذه العقلية لا تقبل أن يتنازل الحاكم أو يُعزل حتى يموت.

بالتالي، فإن موقف ناصر الخيري -حتى في كتاب الشيخ والتنوير-  يُراد له أن يظهر بمظهر الكاتب والمثقف الذي يسير في ركب السلطة، وأن ما فعله كان مضطراً إليه لأنه كان موظفاً في الوكالة البريطانية، أي موظف لدى المستعمر، لا أنه مثقف لديه موقف نقدي حرّ من شكل الدولة وسلطة الدولة.  

هل هذا الكلام صحيح؟ هل ناصر الخيري كان كذلك فعلاً؟ لنر ماذا يقول ناصر الخيري في كتابه، وفي مقابل

ذلك نريد أن نعرف موقف من أسماه الكتاب بشيخ التنوير؛ إبراهيم بن محمد آل خليفة جدّ ميّ آل خليفة. 

موقف ناصر الخيري

يتوجه ناصر الخيري، بتقريع شديد لسلوك (صاحب المسند) أي مسند الحكم، في وقوفه إلى جانب فريق النجادة ومجاملته لهم، الأمر الذي سبب العبث بالأمن والإخلال بمسؤوليات الحاكم في حفظ الأمن والحياد 

يقول ناصر الخيري حول أحداث 1923: «وما ذلك إلا بسبب مجاملة حكومة الشيخ عيسى لفرقة النجادا (النجديين) مجاملة توجب لوم صاحب المسند (الحاكم)، وتسبب الطعن في نظرياته الغير صائبة، إذ ليس من شأن الحاكم أن يجامل فريقاً دون آخر إلى حد أن يقف مكتوف اليدين أمام ما يتخذه الفريق من الإجراءات العدوانية ضد الآخرين، مع تيقنه أن تلك الإجراءات سوف تنتج نتائج وخيمة جداً أقلها سفك الدماء والعبث بالأمنية العمومية التي هي من أول مسئوليات الحكام».

لديّ الكثير من الفقرات التي يمكن الاستشهاد بها، لكن هذه الفقرة مهمة. لماذا؟ لأن هناك حدث وقع: خلاف بين تجار النجادة (أهل نجد) وبين تجار من العجم على خلفية حادث صغير سرق فيه خادم ساعد يد وباعها في السوق. لكن الأمور كانت محتقنة في ذلك الوقت لأسباب سياسية كثيرة.

 ارتفعت وتيرة وقائع هذا الخلاف وتسببت بحدوث مشاجرات كبيرة في المنامة، فكان هذا الخلاف بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. بعد هذا الخلاف أصبح موضوع التحوّل نحو الدولة المدنية مهما جداً لأن بريطانيا تريد أن يسود النظام، وتمنع أي دولة أخرى من التدخل بحجة حماية رعاياها، أي أن مصالحها تتطلب ذلك، وسيادة النظام يعني أن يكون هناك نظام يعرف من هو البحريني ومن هو غير البحريني، ويكون هناك محاكم وعدالة جنائية وإدارات دولة حديثة. وهذا هو النظام الذي سعى ناصر الخيري لدعمه والوقوف الى جانبه.

حينما نأتي إلى تحليل موقف ناصر الخيري من فكرة دعم الحاكم للنجادة، نجده يحمل حقيقة مهمة، وهي أنه وقف ضد الحزب المناصر لعيسى بن علي، وهذا يعبّر عن موقفه من طبيعة الحكم، فليس صحيحاً أبداً أن نقول إن ناصر الخيري ندم أو أنه كان متردداً أو مرض أو مات، لأنه قدم خطاباً لا يتسق مع موقفه التاريخي.

يروي الخيري عن مجلس العزل على هذا النحو: «جمعت [الدولة البريطانية] في دار القنصل فريقاً كبيراً من رؤساء سائر الطوائف، وألقى الكرنل ناكس عليهم خطابة مسهبة بين فيها كثيراً من الأسباب التي أوجبت تداخل الحكومة البريطانية في شئون بلادهم، وأوصى الأهالي بالرضا بما قسم الله لهم، وحضهم على الطاعة وحذرهم عواقب التذمر والمخالفة، وهدد من يظهر عدم الرضا بالحالة الراهنة بصارم العقاب، ونعى على حكومة الشيخ عيسى جمودها على ما ورثته من أسلافها من أساليب الحكم القديمة وعدم مجاراة الزمان في تغيراته ودوام الحال من المحال»

لا شيء في رواية الخيري يعبر عن ندمه أو شعوره بالامتنان لحكم عيسى بن علي، خصوصاً الجملة الأخيرة «ونعى على حكومة الشيخ عيسى جمودها على ما ورثته من أسلافها من أساليب الحكم القديمة وعدم مجاراة الزمان في تغيراته ودوام الحال من المحال» إنه يرويها بلسان المتبني لها، كما يروي كتاب الشيخ والتنوير رواية الندم والشعور بالذنب والموت بلسان المتبني.

 المحيط الإنكليزي

اسمحوا لي هنا أن أستحضر رواية (لمحيط الإنكليزي) للكاتب الراحل فريد رمضان، تحديداً الفصل الخاص بالبحرين تحت عنوان (جزر الخوف) هو اسم يليق بالبحرين فعلاً خلال فترة العشرينات. تحدّثت الرواية عن التاجر (عبد العزيز النجدي)، الذي أجبر (يوسف) على الزواج من (جوهرة) العبدة الحبشية، بعد أن حملت من هذا التاجر، ليدخل هذا العبد في قصة معقدة تنتهي بأن يُضرب ويُلقى به مع عائلته دون كرامة ودون قانون. 

كان ذلك هو وضع الناس الذين لا تحميهم قبيلة ولا دولة ذات سيادة في البحرين. جاء قانون الدولة المدنية 1923 في البحرين ليضع حداً للانتهاكات التي كانت تحدث في عهد عيسى بن علي. التحول لنظام الدولة المدنية كان يعني رفع الظّلم عن هؤلاء 

الناس والرعايا الذين لم يكن هناك قانون يرعاهم ولا دولة. ناصر الخيري كان يدعم هذه الإصلاحات التي تحمي الناس الذين لا حامي لهم ولا ظهر أو قبيلة أو شيخ لهم. 

كان هذا هو موقف ناصر الخيري، فهل نجد ذلك في كتاب (الشيخ والتنوير)؟ لا نجد ذلك أبدا. الكتاب لا يضيء لنا هذا الجانب، لا يوضح لنا كيف كان نظام الحكم في البحرين؟ كيف هو موقف المثقف في ذلك الوقت؟ كيف هو موقف (شيخ التنوير) إبراهيم بن محمد آل خليفة؟ ما موقفه من شكل هذه الدولة؟ من نظام المشيخة والإقطاع؟ من التمييز وفرض الضرائب حسب العرق والطائفة؟ هذا ما سنعرفه الآن.

لغة (شيخ التنوير)

هناك رسالة كتبها الشيخ إبراهيم في 1923، توجّه بها إلى الشيخ (محمد رشيد رضا) صاحب (مجلة المنار). من هو الشيخ محمد رشيد رضا؟ هو شخصية سلفية إصلاحية كانت تريد النهوض بالعالم الإسلامي لكن من منظور سلفي، وهو ليس توصيفي إنما توصيف المختصين في هذه المرحلة، كذلك كتاب (الشيخ والتنوير) استعمل هذا التوصيف لنعت محمد رشيد رضا. لكن لا أعرف كيف يمكن أن يكون من يتواصل مع هذه المجلة ذات التوجّه السلفي كما يخبرنا الكتاب، ويقوم بدعمها مادياً، ويرفع لها تقارير عن البحرين، أن نقول أنه رجل تنوير وشيخ تنوير وهو يتجه إلى وجهة سلفية.

يقول الشيخ إبراهيم في تقديم رسالته إلى صاحب مجلة المنار: «بسم الله الرحمن الرحيم، حجّة الإسلام المُصلح الإمام الأستاذ السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار الإسلامي الأغرّ حياه الله وأحياه ومتّع المسلمين بطول بقائه..»

هذه المقدّمة توضّح تماماً أننا أمام لغة مغايرة للغة التنوير، بل إن صاحبها أقرب للتوجّه الإسلامي التقليدي، يمكنك أن تقول إن لديه توجّه إصلاحي، ربما، لكن أن تُلبسه جبة (شيخ تنوير)، هذه اللغة لا تناسبه إطلاقاً.

نكاد لا نعثر في كتاب الشيخ والتنوير على مقولات أو خطابات أو مواقف للشيخ إبراهيم، تنير لنا شخصيته التنويرية، تنتهي من الكتاب ولا تعلق في ذهنك جملة تصلح أن تضعها كاقتباس يضيء لك فكرة حرة أو يدفعك لاتخاذ موقف حر، بل على العكس من ذلك، مثلا رسالته لابنه محمر في 1929 إبان إقامته في مكة المكرمة، يقول فيها: «وبعد، أرجو ألا تنسى ما أوصيك به من طلب العلم، أعني الفقه العربية، وأكثر من قراءة القرآن، ودع عنك كتب التصوف، وكتب الطب، فإنها مضيعة للعقل ومجلبة للوسواس والأوهام».

تتساءل كيف يمكن أن يكون صاحب خطاب تنويري وهو يحصر العلم بالفقه واللغة العربية فقط، ويحذره

من قراءة كتب الطب والتصوف؟ تحاول أن تفهم تكوينه المعرفي وأين درس، فلا تجد أي معلومة توضح لك نشأته العلمية في كتاب (الشيخ والتنوير). تذهب للويكيبيديا، فتعثر على معلومة يتيمة مستلة من كتاب أبناء الشرق لإبراهيم كرديه، لكنها دالة، تقول «كان والده حاكم البلاد وسلطانها ، وعهد بتربيته إلى بعض علماء نجد». هنا يمكنك أن تفهم اللغة التي تتحدث بها هذه الشخصية بقدر ما.

رسالة (شيخ التنوير)

حسناً، لنعد لرسالته المكتوبة لشيخ المنار، محمد رشيد رضا. ما المكتوب في هذه الرسالة؟ الرسالة مكتوبة بخط صعب قراءته ولا أدري لماذا الكاتب أو المخرج تعمّد وضع 4 صفحات من هذه الرسالة في صفحة واحدة، وهي بالمناسبة من أرشيف الشيخة مي آل خليفة، لماذا لم يتم وضع كل صفحة على حدة؟ 

وجدت صعوبة كبيرة في قراءة هذه الرسالة، لكن هناك سطر يحمل دلالة كبيرة على موقف الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة من حدث 1923. ماذا يقول هذا السطر؛ يقول عن القنصلية البريطانية والوكيل البريطاني، أنهم «كانوا يهدفون إلى تهييج الشيعة الفلاحين رعايا الشيخ عيسى» ثم هناك كلمات يصعب قراءتها، وبعد ذلك يقول عن الشيعة المطالبين بالإصلاحات «قام أولئك المخدوعين بمظاهرة كبيرة في سوق المنامة ضد ملكهم الشيخ عيسى»، ثم يكمل الرسالة التي يصعب قراءتها. لكن هذه الجملة شديدة الدلالة؛ فهو ينظر إلى من قاموا بدعم الإصلاحات على أنهم فلاحون مخدوعون، وأنهم قاموا بمظاهرات في المنامة تحت تأثير هذا التحريض الذي جاءهم من المستعمر. هذا هو الموقف الذي يعبر عنه الشيخ إبراهيم.

لدي هنا وقفتان، الأولى: واضح من هذا التوصيف أن الشيخ إبراهيم يتبنّى نظرة الحاكم الشيخ عيسى بن علي، لذلك يسميه في هذه الرسالة (ملكهم)، ويصفه بأنه «الشخصية المحبوبة وهو الأكبر سنا بين ملوك العرب». لقد كان داعماً لنظام المشيخة، وداعما لاستمرار الدولة الإقطاعية. لا (إشكال تنويري) لديه في الحكم الإقطاعي، هو مع توزيع البحرين إلى إقطاعيات محكومة من قبل شيوخ آل خليفة من أبناء عيسى بن علي وإخوته. 

الفلاحون المخدوعون

الوقفة الثانية حول هذه الرسالة: يبدو أنه كان يرى الشيعة بأنهم محض رعايا وفلاحين ومخدوعين، ليســـوا  أصحاب مطالب إصلاحية واضحة، وليسوا أصحاب تاريخ وحضارة وأرض، وكأن ليس لديهم علماء أو شخصيات مثقفة أو شخصيات تجارية، ليس لديهم أي من ذلك. في حين تكشف لنا الوثائق أن العرائض التي وقعها الشيعة في ذلك الوقت كانت تحمل أسماء كبيرة، بينها تجار، وشخصيات وطنية معروفة ترى مستقبل البحرين في أن تتحول إلى شكل الدولة الحديثة. 

أستحضر هنا قامة وطنية مثل الحاج (أحمد بن خميس)، وهناك كتاب صدر عنه عن مركز أوال يحمل اسم (قمر السنابس). كان  أحمد بن خميس شخصية وطنية دفع من ماله وثورته وأمنه في سبيل إقرار هذه الإصلاحات وتمّت ملاحقته. 

شخصية أخري مثل الشيخ (عبدالله العرب)، وهو شخص تحدثت في كتاب (من هو البحريني؟) وخصصت له حلقتين (بودكاست) للحديث عنه وعن ما قدمه من أجل بناء فكرة الدولة الحديثة في 1923. كان رجل علم ودين معروف دفع دمه من أجل إقــــرار هذه الإصلاحات، لقد أراد للبحرين أن تتجـه لعصر الدولـــــــة المدنية. كيف نصف مثل هؤلاء بأنهم مجرد فلاحين مخدوعين؟ ليس وصف الفلاّح عيباً، وتعلّق البحرينيين بالفلاحة والنخلة والبحر هو جزء من حضارتهم واستقرارهم وتحضّرهم، وهو يعبر عن ابتعادهم عن عقلية البداوة التي كانت تتخذ من الترحال والسلب والهجوم والحرب وسيلة للمعيشة. هذا هو البحريني، فكيف تأتي يا (شيخ التنوير) وتصفهم بأنهم مجرد فلاحين مخدوعين؟ هؤلاء لديهم تراث (ضخم) حقيقي غير مؤسطر، يشكل لهويتهم أبوة حضارية، يكفي أن مجالسهم النسائية تضمّ تراثا من المخطوطات قد خُطّت بأقلام كانت ترى النور في الكتابة، وما زالوا يحتفظون بهذه المخطوطات كتراث إنساني، في الوقت الذي كان فيه جدّك وأبوك مجرد جماعات أمية كما وصفهم ناصر الخيري.

تبييض وجه الإقطاع 

لنذهب الآن إلى كتاب (الشيخ والتنوير)، ماذا يقول عن مجلس الشيخ إبراهيم بن محمد؟ 

يقول: «يمكننا أن نعرف مقدار الأهمية التي يمثلها مجلس الشيخ إبراهيم في تاريخ البحرين الحديث إذا أخذنا كل هذا بعين الاعتبار، فقد كان هذا المجلس أول منتدى ثقافي ينخرط فيه المثقفون البحرينيون، وقبل انتشار التعليم الحديث، في نقاشات أدبية واجتماعية عامة. ويمكننا القول أنه لم تكن هناك مساحة مفتوحة للنقاش العام قبل هذا المجلس». هل هذا صحيح؟ 

الغريب أن كتاب (الشيخ والتنوير)، وفي الصفحة ذاتها، يُعزي نشأة الصالونات والنوادي والمقاهي الأدبية في أوروبا في القرن 18، إلى أنها «مساحات أخذت في الظهور مع تفكك بنيات المجتمعات الإقطاعية وتوطّد الحقوق المدنية وحقوق الأفراد في التجمع والتنظيم والتعبير». ويؤكد أن وجود هذه الفضاءات كان له «تبعات سياسية، إذ سرعان ما لعبت هذه الفضاءات العامة دور الرقيب على أداء الحكومات وصلاحيتها ومصدر شرعيتها».

إذا كان مجلس الشيخ إبراهيم -كما يزعم الكتاب- أول منتدى ثقافي ينخرط فيه المثقفون في هذا المجال، فما هو موقف هؤلاء من بُنيات المجتمعات الإقطاعية في 1923؟ هل ساهم هذا المنتدى في تفكيك بنيتها؟ هل عمل على توطيد الحقوق المدنية للأفراد؟ هل دافع عن حقهم في التجمع والتنظيـــم والتعبير؟ وهل واجـــه تبعات سياسية؟ هل مارس دوراً رقابياً على أداء الحكم أو حاول إصلاحه؟ أم أنه تماهى مع طبيعة الحكم ودعم بنيته المشيخية القبلية الإقطاعية؟

الرسالة التي قرأناها، والتي بعثها شيخ هذا المنتدى إلى صاحب مجلة المنار ذات التوجهات الإصلاحية السلفية، تعبّر عن موقفه المناهض لحق الأفراد في التجمع والتنظيم والتعبير، فهو بدلاً من أن يدافع عن حق الناس الذين خرجوا في المظاهرة الكبيرة المطالبة بالإصلاح في سوق المنامة، يصفهم بأنهم فلاحون مخدوعون. و بالمقابل يعلن موقفه الداعم للإقطاع والمجتمعات الإقطاعية والمتماهي مع طبيعة حكم شيخ القبيلة. لقد وقف شيخ هذا المنتدى مع الإقطاع، وراسل الخارج ليثبّت قدم هذا الإقطاع ويبيض وجهه. هذا هو توجه صاحب من يقول عنه الكتاب بأنه صاحب أول منتدى ثقافي تنويري في تاريخ البحرين.

مصالح رواد المنتدى 

أما رواد منتدى (الشيخ والتنوير) الذين يقدمهم باعتبارهم أول من فتح المجال العام، هؤلاء كانوا يغلقون المجال العام، يحاربون من يدعم هذا الإصلاح. لم يكن موقفهم مشرفاً، لم يكن موقفهم داعما لهذه الدولة في شكلها الحديث. لا أعرف كيف يمكن أن نعتبر هذا المنتدى أول منتدى في البحرين للفعل الحر وأول منتدى للمثقفين؟ 

التنوير هو العمل على تفكيك البنيات الإقطاعية للمجتمعات، هو العمل على تثبيت الحقوق المدنية وحريات الأفراد، هذا الفعل هو ما كان يسعى الداعمون لفكرة الإصلاح له، وهم من يسميهم (شيخ التنوير) بالفلاحين المخدوعين. هذا هو ما سعى إليه أحمد بن خميس ومن معه، وهذا ما كانت العرائض التي يقودها الشيعة يذهبون إليه ويطالبون به. أما من أسماهم كتاب الشيخ والتنوير بالمثقفين في مجلس الشيخ، فلم يكونوا، في غالبيتهم، إلا شبكات مستفيدة من هذا الإقطاع وتعمل على إدامته. 

هذا الكلام لا أقوله بلساني وإنما أقوله بلسان (ميّ الخليفة) وقد تحدثت عن ذلك في كتابي «من هو البحريني؟». هؤلاء استفاروا من شبكة المصالح التي وفرها نظام القبيلة، نظام الحكم المشيخي القبلي. 

على خلاف ما تسبغه بعض الكتابات التاريخية والسياسة الحديثة من تمجيدات على المؤتمر الذي عُقد في أكتوبر/تشرين الأول 1923 وضمّ القوى السنية المعارضة للإصلاحات، تقدم (مي)    صورة سلبية لهذا المؤتمر وما انبثق عنه، فهو ينطلق من رؤية محافظة وإسلامية سلفية ويدافع عن مصالح خاصة تقول مي «كان رد المجلس التشريعي، (الذي يحلو للبعض تسميته بالحركة الوطنية أو الجهاد أو الثورة!)، يأتي في معظم الأحيان من تفاعل اقتصادي نتيجة لمخاوف من ضياع الامتيازات التجارية والاقتصادية وحتى السلطوية!».

تمعن (مي) في تصوير النخبة المثقفة من التجار بأنها تمثل في أكثر الأحيان أفرادا أو بيوتاً تجارية تنظر بعين الاعتبار لمصالحها أولا، وتؤكد أنه ما كانت هناك قاعدة شعبية تتبنى أفكار النخبة «ومع أن البعض حاول إظهار العرائض بأنها دستور وقانون ومطالب شعبية إلا أنها بقيت ضمن دائرة الموقعين وانتهت بنفي فرد أو اثنين منهم!».

هل ندم ناصر الخيري؟

كان ناصر الخيري المتخفف من الانتماءات القبلية والمصالح التجارية وحده من تفرّد من بينهم، مثّل موقف المثقّف الناقد الذي يذهب إلى المستقبل، وهذا ما أثبته في كتابه. لذلك حينما قرأ ناصر الخيري خطاب نوكس (لن أقول خطاب الاستعمار البريطاني، بل خطاب الإصلاح البريطاني في ذلك الوقت) كان 

مقتنعا بكل كلمة يقولها، وسأعرض مقتطعاً واحداً فقط من هذا الخطاب، وعليكم أن تحكموا إذا كان يتعارض مع قناعات ناصر الخيري أم لا.  

خصصتُ لخطاب العزل فصلا كاملاً في كتابي (من هو البحريني)، وهو خطاب في غاية الأهمية، ومع الأسف كتاب (الشيخ والتنوير) لم يذكر حرفاً واحداً من خطاب العزل، في حين أن كل كلمة وردت في هذا الخطاب تفسر ذلك التاريخ الذي هو تاريخنا اليوم. 

في فقرة واحدة فقط يخاطب آل خليفة ويقول: «يا سادة آل خليفة، عند الرجوع إلى الماضي أخشى أنه من واجبي تحذيركم، أن مجرد وجودكم في الحياة، لا يعني أنه من حقّكم العيش على حساب المجتمع، سواء أكان ذلك على حساب المجتمع عبر مخصصات تقتطع من عائدات هذه الجزر، أو عبر استغلال الفقراء والمساكين، إن المثل القائل (من لا يعمل لا يأكل)، هو شعار جيد، والأفضل لكم تطبيقه على حالتكم. أما الذين يجلسون بلا عمل ، ينبغي أن يرضوا بمرتب زهيد فقط  من أجل العيش».

هــل كان ناصر الخيري ســـيمرض وينــدم ويموت، لأنـــه قال هذه العبارة التي تحمل توصيفاً تاريخياً دقيقاً لطبيعة الحكم في البحرين، أم هي من صميم قناعات صاحب كتاب (قلائد النحرين)؟ من يستطيع أن يقول هذا الكلام اليوم؟ هل شيخ التنوير يستطيع أن يقول هذا الكلام؟ هل مثقف (الشيخ والتنوير) يستطيع أن يقول هذا الكلام؟ من يستطيع أن يقول هذا الكلام هو ناصر الخيري، وقد دفع حياته ثمنا لذلك، لا ندماً على ذلك (كما يزعم الكتاب).

التضخيم والتضئيل

هذا هو التضخيم الخطير الذي مارسه كتاب (الشيخ والتنوير)؟ لقد ضخّم رأس محمد بن خليفة وجعله قائدا أسطورياً، وضخّم رأس إبراهيم بن خليفة وجعله شيخاً تنويراً أسطورياً، أما نظام الإقطاع، فلم يسلط عليه الضوء، لم يُرنا كيف أنه نظام كان يأكل المواطنة والمواطنين، لم يرنا كيف أن هذا النظام كان بحاجة إلى حدث تاريخي كبير جداً يقطع شبكته.

بمقابل هذا التضخيم، ضأّل الكتاب من أشخاص ومواقف شديدة الأهمية، ضأّل من تاريخ 1923 وعبّر عنه بأنه مجرد (رغوة) أو (حدث سطحي عابر لم يستحق الاهتمام). كذلك ضأّل موقف ناصر الخيري من حكم المشيخة وحكم القبيلة، وضأّل موقف الذين دافعوا عن الإصلاحات ودفعوا دماءهم وأرواحهم ثمناً لولادة بحرين حديثة، يكون فيها محاكم وإدارات وسلطات متساوية وقضاء عادل. 

كذلك ضأّل من مرسـوم البحرين الملكـــي 1913(Order in Council for Bahrain)، وهو مرسوم بحاجة إلى حلقة واسعة للحديث عنه، وكيف على أساسه بُنيت البلدية وبُني شكل الدولة الحديث، بحيث أن أعداء الإصلاحات اعتبروه مرسوما للاستعمار، وما زالوا يستخدمون هذا المصطلح، ولولا هذا المرسوم لبقينا سخرة تحت سلطة حكم القبيلة.

أشكر طول صبركم. وأعتذر لأني أخذت كثيراً من الوقت، هناك أفكار كثيرة بودي أن أناقشها لأنها تعلق بهذا التاريخ، لكن قانون الوقت يحكمني.