دور بلجريف في البحرين بين عامي 1926 – 1957م في رسالة ماجستير

دور بلجريف في البحرين بين عامي 1926 – 1957م
في رسالة ماجستير

*وسام السبع

صدر عن المركز العلميّ للرّسائل والأطاريح SCTD، دراسة حول الدّور السياسيّ والإداريّ لمستشار حكومة البحرين، تشارلز بلجريف، في الفترة بين عامي 1926 – 1957م. هذه الدّراسة عبارة عن رسالة ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، قدِّمت لجامعة البصرة، في 440 صفحة، لتكشف النّقاب عن دور المستشار البريطاني وأثره في السّياسة البحرينيّة، لتبوّئه مناصب عديدة، تجسّدت في إدارة الأمور الماليّة والقضائيّة والعسكريّة والتّعليم، فضلًا عن المرافق الأخرى الأقلَّ شأنًا في البلاد، حتى إنه صار بمثابة الحاكم الفعلي، وهذا هو وجه الاختلاف بينه وبين المستشارين الآخرين، ذلك أنَّ صلاحياتهم اقتصرت على جانب معيَّن من شؤون الدولة، أي كان دورهم منحصرًا في حدود الاستشارة، كنوع من التقليد السياسي. كما تأتي هذه الرسالة في الواقع مكمّلة للرَّسائل السابقة.

لم تخلُ مسيرة البحث من صعوبات، نظرًا إلى قلّة مصادره، ما شكّل شيئًا من الغموض فيه، ولا سيما فيما يتعلق بالسّيرة الذاتيّة لبلجريف ودوره في المجال الصّحّي. فهذه الخدمة الحيويّة، لم تذكر المصادر تفاصيل عنها أو إشارات توضح سبب تعثّرها أو تقدّمها، كما أنّ بلجريف لم يسعَ إلى العناية بها، ولم يخصّص جزءًا من وقته للوقوف على مستوى أدائها، ولعلّ ذلك يعود إلى معتقده التّبشيريّ وتعاطفه مع الإرساليَّة. ولم توضح المذكرات أيضًا أية تفاصيل مهمّة توافق ما سنطرحه لاحقًا أو تعارضه.

كانت المراسلة لدولة البحرين، وتحديدًا للمؤسسات الأكاديمية، كجامعة البحرين، ومركز الوثائق، والمكتبات، ومنظمات ثقافية، التمس منهم الإرشاد للوصول إلى معلومات أدق وأكثر شمولًا، في ضوء الرسوم المحددة، للاستفادة من خدماتهم المكتبية، لكن هذه المؤسسات لم تتعاون مع الباحثين، عدا رئيس تحرير مجلة البحرين الثقافية، الكاتبة مي محمد الخليفة، التي بعثت كتابها المذكرات، وتجاوزت فيه جانبًا من الصعوبة. وفي الجانب الآخر، حاولنا في الفرض والاستنتاج، ربط الحدث مع الأسباب، لتوضيح دور بلجريف في مسألة المطالبة الإيرانية، ولا نعلم أكان عمدًا إسقاطه من المذكرات أم أنها غير مستوحية لتدوين بلجريف أصلًا!

وعلى هذا الأساس، أسفرت النتيجة عن الشكل الذي آل إليه تقسيم الرسالة المؤلفة من أربعة فصول. يتناول الفصل الأول نشأة العلاقات البريطانية البحرينية وتطوّرها حتى العام 1923، وهي مبنيّة على أسس غير طبيعية، وإنما أحكمت في اتفاقيات وانتزاع مكاسب لصالح بريطانيا، الّتي تجاهلت حق الحكومة البحرينية والشعيب من هذه الرابطة غير المتكافئة، الّتي تحدّدت بمنظور قناعات المعتمدين والمقيمين السياسيين إلى حكومة الهند، لكي تبرز الصياغة بهذه الصورة.

وقد تطرق هذا الفصل إلى العلاقات البريطانية البحرينية في عهد الشيخ محمد بن خليفة، حيث عانت البلاد الكثير من التدخلات البريطانية، التي كانت نتيجة حتمية لسياسته غير العقلانية وأسلوبه التخبطي. ومنه  أعطى لبريطانيا مرارًا مبررات للتدخل واستحصال التنازلات المادية والرمزية، وفق تقديم اعتذار على ظهر سفينة حربية بريطانية، ومنه إشعار لمدى الهيمنة لاستبداله كحاكم. وعلى ضوء التدخلات البريطانية (1869 – 1923)، كشفت الحقبة عن دور السياسة البريطانية وعلاقتها مع البحرين، ومن خلالها تدبرت ذريعة خلعت على ضوئها حاكمًا، لتُنَصّب ابنه مكانه بصفة مؤقتة حتى وفاة الحاكم الوالد، ومن خلال ذلك، استجد أمامها مجال آخر، وهو استحداث منصب المستشار، الآلية الجديدة، فأرادت بريطانيا من ورائها تطبيق الإصلاحات، وعلى أساسها الذريعة الأخرى لعزل الشيخ عيسى بن علي، وعدّت بقاءه أمرًا مفروغًا لابنه الشيخ حمد الذي استجاب الطرح والنصح البريطانيين.

أما الفصل الثاني، فتناول السنوات الأولى لتوليه المستشارية (1926 –  1932)، وركز على دور بلجريف في المجال القضائي والصحي، وموقفه من المفاوضات مع شركات النفط، وأخيرًا دور بلجريف في المجال التعليمي والثقافي. وتنبع أهمية الفصل من فهم أسلوب بلجريف في الإدارة، والكشف عن حدود سلطته ومسؤوليته، والوقوف على الجوانب الخدمية، رغم أنّ أغلبها لا تمت إلى عهد بلجريف بصلة، وإنما طورت مع الوقت، وأخذت جانب الدعم الحكومي، وبالأخص في الجوانب الصحية والتعليمية والثقافية. أما الجانب القضائي، فلم يضف إليه شيئًا من التطور، عدا استحداثات أدخلها بلجريف، وهي مسائل فنية لا تحسب على الإطار التنظيمي والهيكلي الذي أُسِّسَ القضاء عليه. وهذا الأمر يرجع إلى أن هذا الجانب بحدّ ذاته، عكس أهم وجه للتدخل البريطاني، وحكم في اتفاقيات لا تسمح باستبدالها،  كما في المفاوضات مع شركة النفط، والخسائر المالية التي سببتها للبحرين، وتقيّدها في اتفاقية جنى أرباحها أصحاب الشركات، وفشل بلجريف كمفاوض ومستشار في إدارة المسائل القانونية، رغم أنها من صميم تخصّصه، وتوظيفها لصالح البلاد التي يتولى إدارة شؤونها.

وكرس الفصل الثالث من الرسالة لموضوع (التطورات السياسية في البحرين 1932 – 1942). تعد هذه الفترة مرحلة مهمة في تاريخ البحرين، وتكمن أهميتها في تسلم الشيخ حمد السلطة بصفة ثابتة. سميت هذه الانتقالة “أصالة”، تزامنًا مع وفاة الشيخ عيسى، ولذا اشتمل الفصل على دور بلجريف في التطورات الداخلية في البحرين، فأخذت حيزًا من العهد الجديد ودور بلجريف، سواء في عهد الشيخ حمد نيابة أو أصالة، فهو مقرون في الخدمات. وبدورها، عكست جانبًا جديدًا من التدعيم الحكومي والاهتمام في الخدمات العائدة بالنفع للفرد، وبجهود محلية إذا صح الوصف، وبلجريف في مدة اشتداد الحركة الوطنية.

وقد جاء التركيز على حركتي العام 1932 والعام 1938، ولكلٍ منهما أسبابه. وعلى أثرها، أسهمت في بلورتها بهذا الشكل المختلف جملةً وتفصيلًا  لما وصلت إليه الانتفاضات، وفيه عكس الجانب الأهم، وهو دور بلجريف وأسلوب معالجته لهذه الانطلاقة. لم يظهر نوع من السياسة المعتدلة، وإنما جسد أسلوبًا واحدًا في معالجته تلك الأمور، وحالات التدخل العسكري، وعليه أبعدت السياسة البريطانية بلجريف عن دور في المطالبة الإيرانية بالبحرين، ومنحت بريطانيا نفسها الحق بإدارة السياسة الخارجية البحرينية في منظور تحريك الشيخ حمد بالشكاوي، ليكشف شرعية تدخلها في دحض المطالب الإيرانية المستمرة.

وحمل الفصل الرابع عنوان “الأوضاع السياسية التي حجمت البحرين وأسهمت في عزل بلجريف 1942 – 1957”. ركَّز هذا الفصل على أحداث سياسية أسهمت في انهيار نظام قمعي استبدادي تجسد في شخص بلجريف، وما شهدت فترته الأخيرة من تطور، نظرًا إلى انتزاع الشيخ سلمان السلطة وتفرده بها، ليُظهر نوعًا من الاستقلالية إلى درجة لا تؤثر في علاقته مع بلجريف ومنصبه كمستشار، بل بقي كما في عهد والده، على ضوء طلب الشيخ سلمان منه البقاء إلى جانبه، وفي هذا دليل على أن نهج الشيخ لم يضف فيه نوعًا من التعارض لبلجريف وإنما لبريطانيا. أما دور بلجريف في الخلافات الحدودية مع قطر، فانحصر في جهة التفاوض بهذه المسألة، واستبعاده من جهة المطالبة الإيرانية، ولم يرد أثر واضح له، عدا استصدار إعلان موقع يمنع استخدام المخبر ويعني الهوية، واستمرار الجانب البريطاني في إدارة دفة المباحثات مع إيران في هذا الشأن. أما التطورات الداخلية في البحرين، وأثرها في عزل المستشار، فتلك الأمور كانت تراكمات زمنية، وإفرازات لأسلوب إدارته، وعدم تقبله للرأي الآخر المخالف لوجهته، وحجبه للوسائل التي تفتح المدارك وتسهم في تشخيص الأداء الاجتماعي، ووضع الحلول المنبثقة من الإرادة الجماهيرية، والمتغيرات تلك كانت ضد بلجريف وسلطته، وبالتالي شكَّلت نذير خطر على بريطانيا ووضعها، لهذا وجدت بريطانيا الطريقة للسيطرة على الأوضاع، وإنهاء حالة التأزم بعزل بلجريف.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو 3 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا:

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>