العقيد المتقاعد والمؤرخ القومي وليد زيتوني
ابن الحكاية الدرزية المتأصّلة منذ أيام الفاطميين
كان “هنيبعل” للكاتب جورج مصروعة، الكتاب الأوّل الذي قرأه العميد المتقاعد والمؤرخ وليد زيتوني. كان كتابًا كبيرًا، يتألف من جزأين. ألزمه يومها والده بالاطلاع عليه، وطلب منه أن يلخّصه ويناقشه فيه. يروي العميد زيتوني بشغف تلك المرحلة الغضّة من حياته. عندها، ذُهل والده من قدرته على الإحاطة بمحتوى الكتاب وحفظ تفاصيله. كان له من العمر آنذاك أحد عشر عامًا. ومنذ ذلك اليوم، أصبح مولعًا بالقراءة والمطالعة، وبدأ يقتني الكتب تباعًا، حتّى صار لديه اليوم ما يقارب أحد عشر ألف كتاب من مختلف الاختصاصات والاهتمامات.
نشأ العقيد زيتوني في بيت قومي ينتمي إلى عقيدة المفكّر الراحل أنطوان سعادة. في بلدة مريجات البقاعيّة في لبنان، قضاء زحلة، وُلد وترعرع. يتحدّث عن تاريخ هذه البلدة، ويروي كيف كان القوميون عرضةً للاعتقال من النظام اللبناني في تلك الحقبة التاريخيّة، ولا يزال يذكر كيف جرى اعتقاله في التاسعة من عمره مع والديه وأخيه، وكان حينها قد بدأ يتعرّف إلى الحياة من حوله.
يبتسم عند استعادة هذه الذكرى، وهو ينفخ دخان سيجاره بعيدًا من عينيه في مكتبه المطلّ على الروشة، لعلّه ينفض غبار السنين، فيعود ألق الإحساس بتلك الثورة الفكريّة النهضويّة التي لطالما شعر بالحنين إليها.
زيتوني الذي يرأس حاليًا الحزب القومي السوري الاجتماعي في محافظة بيروت، نشأ والتأريخ صنوٌ لمفردات حياته يومياته. عندما بدأ وعيه الثقافي يتشكّل، اهتمَّ بالجيوبوليتيك أو الجيوسياسة، ودرسها في الجامعة، وكتب معظم مؤلفاته في هذا الميدان، من بينها “الثابت والمتغيّر في الحزب القومي السوري الاجتماعي”، في العام 1988. ومن ثمّ صدر له في العام 2012 “مقاربات جيوبوليتيكية” في قراءة الأزمة السوريّة من منظور الفكر القومي الاجتماعي. وحاليًا، يكاد ينهي كتابه “ضياع الهويّة القوميّة والمشروع النهضوي البديل”.
اهتمامات جيوبوليتيكية
لطالما كانت هذه الاهتمامات تشغله، وخصوصًا عندما انتسب إلى الجيش وأصبح عميدًا. ولا يزال اهتمامه يصبّ على الجيوبوليتيك، ولا سيما في هذه المرحلة، في ظلّ الأزمة القائمة في سوريا وفي المنطقة بشكل عام، فهو يقرأها من زاوية مختلفة، وفي ذهنه الكثير من التساؤلات: “ما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟ وما هو المشروع النهضوي البديل الذي يستطيع التصدي للوضع القائم حاليًا؟”.
ويضيف: “في التاريخ الحديث، يوجد مفصل متمثل بالمرحلة العثمانية التي امتدت لأربعمئة سنة، ويمكن أن نطلق عليها “المرحلة الساكنة”. إثر ضعفها، استطاع الاستعمار الغربي التغلغل في داخل المجتمع وتفكيكه، وتقسيمه إلى تيارات إثنية وطائفية ومذهبية، وركّز عمله على الأقليات الموجودة في هذه المنطقة، وسعى إلى ربطها بمشاريعه، فانقسمت بين إيطاليا وألمانيا وإنكلترا. وقد حافظ على هذه العلاقة حتى العام 1956، حين جرى الانتقال من الاستعمار القديم إلى الاستعمار الحديث، فتدخلت الولايات المتحدة الأميركيّة في مرحلة ما يسمّى بالحرب الباردة، واستطاعت أن تحافظ على بعض المناطق هنا. ولكن بعد العام 1990، وانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الفكريّة الخاصة به، استطاعت صياغة مشروعها باتجاه الصين، لأنّها كانت تعتبرها – ولا تزال – العدو الأساسيّ لها. إنّنا نتحدّث هنا عن دولة ذات نمو سكاني مرتفع (نحو 3 مليارات نسمة)، وبالتالي، فإنَّ المعادلة كبيرة جدًا قياسًا بأميركا”.
يسهب العميد القومي في حديثه عن الأوضاع الجيوسياسيّة الحاليّة التي تناولها في كتابه الأخير، فيشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تفرّدت بعد العام 1990 بالنظام ذي القطب الواحد، ولكنّها لم تستطع المحافظة طويلًا على هذا الواقع؛ واقع السيطرة والهيمنة، فصرنا نستطيع الحديث عن “حرب عصابات” على مستوى العالم.
يلفت العقيد زيتوني إلى أن العالم اليوم يتّجه إلى نظام متعدد الأقطاب… هذه الرؤية تسحب ضيفنا بطبيعة الحال إلى الاهتمام بكتب التأريخ الإنساني عمومًا، وخصوصًا ما يتعلّق بمجتمعه اللبناني، وبدائرته الضيقة المتمثلة بالطائفة الدرزيّة، فهو يرى أنّ الإنسان يعجز عن قراءة مستقبله ما لم يقرأ تاريخه.
في مكتبة العقيد زيتوني مساحة مهمة لكتب التاريخ والفلسفة، ساعدته على تشكيل وعيه القومي والثقافي. وقد منحته قراءاته المختلفة لمفكرين وفلاسفة عرب وغربيين رؤية شاملة حول الدولة التاريخية. تأثر بابن خلدون وأمين الريحاني وميخائيل نعيمة، وكان لجبران خليل جبران أثر خاص فيه، فقد شكل بالنسبة إليه أساسًا للثورة والتمرد، وكان “الأجنحة المتكسرة” الكتاب الثاني الذي قرأه بعد كتاب “هنيبعل”.
مسيرة الثورة والتمرّد
كان لافتًا أن ابن البيت القومي تمرّد في سن صغيرة على واقعه والتقاليد المحيطة به، تأثّرًا بجبران خليل جبران، من خلال العمل على مرحلتين؛ الهدم والبناء. ثقافة عائلته القوميّة ساعدتهم على استيعابه، فوجّهه والده إلى التمرّد بنحو إيجابي. كان الأخير موظّفًا في وزارة الأشغال العامة، وقوميًا مثقفًا، “واجه القمع الشهابي (نسبةً إلى فؤاد شهاب)، الذي أسّس فيما بعد للحرب الأهليّة في لبنان (1975)، بتركيزه على المسألة الطائفيّة”، يقول زيتوني.
ما زال يذكر تمامًا كيف طوّق الجيش المدرسة يوم الانقلاب (1960): “أخذونا وأقفلوا البيت، ووصل الأمر بهم إلى أن “يعتقلوا” الدجاجات، وكانوا يأخذون ممتلكات الأسرة التي تُعتقل”. وللحديث عن إطلاق سراح والده آنذاك رواية أخرى: “كان مثقَّف الضيعة. يزوره الفلاحون والناس في بيته ليقرأ لهم الجريدة اليوميّة، ويطلعهم على الأخبار. كان مؤيدًا فاعلًا للحزب القومي في القرية، لكنّه لم يكن حزبيًا بالمعنى التنظيمي وما يعنيه ذلك من حركة التسلح. ورغم ذلك، جرى اعتقاله، وأفرجوا عنه فيما بعد. يومها، لم يظلم حكم شهاب والدي فحسب، فهناك من سلبوا منه أرضه، وهناك من كانوا يريدون بيته، وغيرهم أرادوا تهجيره من الضيعة، فكلّ من كان خصمًا للنظام، سواء انتمى إلى الحزب القومي أو لم ينتمِ إليه، اقتصوا منه في ذلك الانقلاب”.
منذ تلك الحادثة، أضحى وعي الابن القومي مميّزًا، وبدأت معه مسيرة احترافيّة مع الكتب والمطالعة، إذ بدأ يفكّر في كيفيّة محاربة الاستبداد، ذلك أنه تلقى صدمة كبيرة جراء ممارسات الدولة في تلك الأيام، ففكر في الأساليب التنظيميّة. كان الحزب ممنوعًا آنذاك، فأمضى 6 سنوات باحثًا في كيفية العودة إليه وإحياء جزء منه، إلى أن اكتشف في مرحلة لاحقة (بعد 6 أو 7 سنوات)، أن هناك تنظيمًا سريًا، فاخترقه وانتسب إليه، وبدأ مسيرة النضال منذ ذلك الوقت، من المرحلة السريّة إلى المرحلة العلنيّة، بما فيها الفترة التي أمضاها في الجيش.
في المرحلة الأولى، نشبت الحرب الأهليّة: “شاركنا فيها بما تفرضه عليه عقيدتنا. والمرحلة الثانية هي الاجتياح الإسرائيلي. كنّا جزءًا من المقاومة الوطنية، وكنت مسؤولًا عن منطقة كبيرة جدًا؛ منطقة شمال شرقي البقاع الغربي وراشيا، وصولًا إلى منطقة حاصبيا ومرجعيون، إضافة إلى مناطق أخرى، تسلّمت خلالها عدة مهمات. هذه المسألة دفعتني إلى العمل بشكل أكبر”.
في هذه المرحلة، كان العقيد القومي يهتمّ بكتب من نوع مختلف، فقد قرأ “المحاضرات العشر”، و”جزر الخلود”، و”رسالة الإسلام: المسيحية والمحمدية”. يعترف بأنّه لم يدرك فلسفة أنطون سعادة في المرحلة الأولى بشكل كامل، ولكنّه في مرحلة لاحقة، عندما بدأ يفهم الفلسفة فعليًا، استوعب كلّ ما تحدث عنه سعادة. وفي تلك المرحلة، كانت قراءاته متوازنة، فكان يقرأ الكتب المتعلّقة بالحزب القومي، وتلك التي تتطرق إلى تاريخ المنطقة بشكل عام. وكان يركّز كثيرًا على مذكرات كبار الشخصيات العالميّة، السياسية والعسكرية والمخابراتية، وحتّى الأدبيّة.
يذكر في تلك الأيام أنه اشترى مجموعة شكسبير وقرأها كلّها. وبذلك، كانت المرحلة الأولى ذات طابع أدبيّ، فيما كانت المرحلة الثانية فلسفيّة، تنقسم بين شكسبير وإليوت، الذي قرأه باللغتين العربية والإنكليزية بالتوازي، إذ كانت ميوله إلى الرومانسية في أوروبا غالبة على غيرها. وفي رأيه، لا يوجد ثورة من دون رومانسيّة، ولا توجد ثورة من دون حبّ. تواءمت هذه الحقيقة مع نفسه، وحاول في تلك الفترة أن يحرك كتاباته ضمن هذا الإطار، فبرزت لديه كتابات بسيطة، لأنّ المسألة العمليّة كانت طاغية على حركته اليومية آنذاك.
شجون تاريخية
للتأريخ شجون خاصة لدى العقيد زيتوني. في البداية، يقرّ بأن التأريخ الدرزي وصل إليه شفهيًا، ولكن في المرحلة الثانية، اتخذ قرار القراءة عن تاريخ الدروز أو الموحّدين. يعترض على تسمية “دروز”، فيرى أنها “تسمية طارئة على مذهب الموحّدين”. ويوضح وجهة نظره قائلًا: “إنه مذهب عقلاني، وليس له علاقة بالمذاهب المتعارفة، وهو يعتمد على نقطتين؛ قراءة القرآن الكريم، والمفهوم الفلسفي لعلم الكلام. يعتقد البعض أنّ هناك مبالغة، ولكن هذه هي الحقيقة، فالدروز يعدّون الفارابي أحد الأئمة الفكريين للمذهب، ولكن ليس بمعنى الأئمة العقائديين، ويعدّون أبا علاء المعرّي أحد أئمة المذهب. وأعتقد أنّ المعرّي من المتقدّمين في هذا الموضوع شعرًا وفلسفةً”.
ماذا عن تاريخ الدروز في لبنان؟ هل هم متأصّلون فيه أم نازحون إليه؟! يرى المؤرخ زيتوني “أنّ الدعوة الدرزية متأصلة منذ أيام الفاطميين في عهد “الحاكم بأمر الله”، حين كان يرسل الدعاة إلى المناطق. كان الوزير الأوّل حمزة بن علي، وأصله فارسي، يبعث الدعاة إلى مختلف المناطق. أحد هؤلاء هو “اشتكين الدَرَزي” (وهو أيضًا فارسي)، شذّ عن الدعوة، وراح يدعو لصالحه بعيدًا عن الحاكم بأمر الله، فانتبه الأتباع إليه وقتلوه. ومنذ ذلك اليوم، سمّي كل من وُجد من الموحّدين بالدروز. وفي منطقة وادي التيم، ومنطقة جبل لبنان، سُمي الموحدون بالدروز تيمنًا بأشتكين الدرزي. ولكن فعليًا، هم خارج مفهوم أشنكين الدرزي، غير أنّ التسمية أطلقت عليهم، وجرى تعميمها. والآن، ليس مقبولًا لدى الناس، تسميتهم بالدروز، لأنهم يعدون أنفسهم موحدين، والتوحيد مفهوم أوسع بالنسبة إليهم، وهو موضوع يحتاج إلى بحث آخر.
قلّة من الناس اليوم يعرفون أنّ مذهب الموحّدين ينتمي إلى الشيعة؛ الطائفة الأكبر، يقول العقيد المؤرخ. ويضيف: “بما أنّ هذا المذهب ظهر منذ أيام الفاطميين، فهو أقرب إلى الشيعة الذين فتحوا باب الاجتهاد على مصراعيه، فأوجد هذا الاتجاه، شأنه شأن العديد من المذاهب، كالإخوان الصفا، والقرامطة، والعلويين، والإسماعيليين وغيرهم؛ كلّ هذه المذاهب تفرعت عن الشّيعة. والأهمّ هنا – كما يقول العلم – أنّ أوّل علم يتكوّن جنينيًا بالفلسفة، ثمّ يتفرع عنها، ويصبح علمًا مستقلًا. الأمر ينطبق علينا”.
كان من الطّبيعيّ أن يهتمّ العقيد زيتوني بكلّ هذا التأريخ، فمكتبته تحفل بكتب عن مذهب الموحّدين وأتباعه، ولكنه يميّز بين الكتب الدقيقة والصحيحة عن المذهب، وتلك التي تتضمَّن الخرافات والأساطير، فيشير إلى أنّ الكاتب الأردني أحمد الخطيب كتب الأساطير عن الدروز، وهناك آخرون كتبوا عن المذهب ولا علاقة لهم به، كما كتب الكثيرون عنه، من مثل سامي مكارم، وعبدالله النجار، وحليم تقي الدين. وبعض الكتّاب تطرقوا إلى أصول المذهب الدرزي.
ويلفت المؤرخ إلى عدم وجود دولة درزية في التأريخ، بل هناك ما يسمّى “هيمنة درزية” في مرحلة الأمير فخر الدين في الشوف اللبناني. لا ينكر أنّ “بعضهم لديهم أضغاث أحلام بإقامة دولة درزية”، ولكنه يرفض هذا الأمر، لافتًا إلى أنه يفتّت المجتمع، كما أنّ قسمًا كبيرًا من الدروز يرفضونه. يرى نفسه من الناس الذين يقفون في مواجهة إقامة الدولة الدرزية، لأنّ إقامة الدولة على أساس المذهب تفسخ المجتمعات، وتسمح بإقامة أكثر من دولة في مقابلها…
يتحدث العقيد بفخر عن أبناء مذهبه، فعلى “الصعيد الفردي، هنـاك مبدعون كثر وأشخاص متقدّمون في النواحي الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة”، ولكنه يتحفظ في بعض المواضيع المتعلقة بالإطار العام، ويرى أنّ هناك تراجعًا “على مستوى المنهج في العمل الفكري لديهم، لأنّ المسيطرين على الفكر هم مجموعة يطلقون على أنفسهم لقب “المشايخ” أو “الأجاويد”، وهؤلاء لا يقرأون المذهب من موقع علمهم، بل ينقلونه بالترداد (التكرار الشفهي)، فليس بينهم متعلّمون، كما أنهم لم يدخلوا المدارس، رغم وجود بعض المشايخ الدروز المتقدّمين”.
من جهةٍ ثانية، يرى أنّ حرص الدروز في لبنان على عدم السماح للآخر بمعرفة أصول مذهبهم وطقوسه وشعائره، واقع قائم في المجتمع. يوضح زيتوني أنّ السبب في ذلك هو “الخوف الموجود لدى القيمين على هذا المذهب، فهم غير متعلّمين، ويخشون المواجهة، لكونهم لا يعرفون الأصول الدرزيّة الصحيحة، فمن يعرفها يتكلّم عنها، ويناقش الآخرين بها، ولكنهم، ومنعًا من الانزلاقات، اتخذوا قرارًا بعدم البوح بها تحت عناوين متعدّدة. من هنا، تبقى المعرفة محصورة بالأجاويد والمشايخ”.
يرى العقيد زيتوني أنّ الخطورة تكمن في هذه الفكرة على وجه الخصوص، إذ إنّها “مرتبطة بسلسلة من تقاليد لم تعصرن، وصارت تعيدنا إلى الخلف، علمًا أننا إذا قلنا إنّ المذهب الدرزي مذهب عقلاني بامتياز، فالموضوع لا يخيف أحدًا، ولكن لماذا يخافون منه! لا أعرف”.
ويشرح سبب منع اعتناق المذهب الدرزي، فيشير إلى أنّ “الدخول في المذهب الدرزي ممنوع منذ أيام الفاطميين، فصلاح الدين الأيوبي الذي حارب التشيّع، أوجد واقعًا سمّي “المحنة الكبرى”، إذ فرض على كلّ الناس العودة إلى مذاهب السنّة، فقتل من قتل، واعتقل من اعتقل، وأخذ عهدًا على الدروز ألّا يُدخلوا شخصًا جديدًا إلى مذهبهم. ومع موت صلاح الدين، حافظوا على هذا القرار إلى اليوم، وكأنّه سُنّة. هذه هي الحقيقة التاريخية”.
كلمات هاربة وتحدٍّ صارم
العقيد المتقاعد وليد زيتوني، شاعر وأديب أيضًا. في رصيده عدة دواوين شعرية: “كلمات هاربة” (1996)، “لن أسميه شعرًا” (2010)، و”أما أنتِ” (2011). قرأ لمعظم الأدباء اللبنانيّين والعرب في سنٍّ مبكرة وتأثّر بهم. يحكي عن نجيب محفوظ وسهيل إدريس وسحر خليفة، ولا ينسى الرواية الفلسطينية، فله شجون خاصّة مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، والشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين.
في الشعر، يفضّل القصيدة الحديثة، لكونها تعتمد على الصورة أكثر ممّا تعتمد على إيقاع الخيل في الصحراء، ويبقى في “شجار ثقافي حاد مع قصيدة ما بعد الحداثة التي تحاول أن تفتح لها طريقًا في العالم العربي”. ويقول في هذا الصدد: “مرحلة ما بعد الحداثة حاولت، في مسألة فلسفة التاريخ لميشيل فوكو، وصراع الحضارات لهنتنغتون، أن تبدأ من موقع إيديولوجي يسوّق لمفهوم الرأسماليّة في الغرب تحت عناوين فكريّة. أثبتت الوقائع اليوم أنّ الفكر الرأسمالي الغربي سيفشل كما فشل الفكر الماركسي تمامًا، لأنه لم يستطع حتّى الآن فرض سيطرته على المستوى الفكري، واصطدم بمفهوم الحداثة، وقد جرى التسويق لموضوع العولمة التي تلغي الهوامش بين المجتمعات، وتمتلك امتدادًا في الغرب”.
اليوم، يذكّره الواقع الذي نعيشه بما قرأه قديمًا في بطون الكتب التي تضمّها مكتبته الضخمة، فقد قرأ مثلًا مدرسة فرنكفورت، ومجموعة الجيوبوليتيكيين الألمان الذي عملوا مع هتلر، وخططوا له بالمعنى الجيوستراتيجي، ودفعوه باتجاه فرنسا؛ قلب العالم في ذلك الوقت، للسيطرة على العالم، ثم اكتشف أنّ هذه المجموعة كانت مكونة من يهود يدفعونه باتجاه الشمال، وفي الوقت نفسه، يقاتلون على نهر الدامور في لبنان مع فرقة إنكليزية، ما يعني أنّهم كانوا يقومون بعملية تضليل فكري وجيوستراتيجي لهتلر في تلك الأيام، بدليل أنّ الناس الذين كانوا يدفعونه إلى تلك المنطقة، كانوا أيضًا يحاربون هنا.. وبعد كلّ هذا التأريخ، تثبت الوقائع الحاليّة أنّ قلب العالم هنا.. هو منطقة سوريا الطبيعية”.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: ابن الحكاية الدرزية المتأصّلة منذ أيام الفاطميين
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:
- جدليات تاريخية بنظرة مغايرة
- حصاد الهجرة وأشتات الذاكرة
- المؤرخ حسن نصر الله.. من أعمدة بعلبك
- التّأريخ الّلبناني معظمه مختلف
- دار حفظ التراث البحراني..
- التراث القديم يلتقي والحديث في “حوش الرافقة”
- الشيخ الدكتور “جعفر المهاجر”
- العرائض السياسية البحرانية المفقودة في أرشيف الوكالة البريطانية
- من الأرشيف المحلي إلى العالم.. وثائق تاريخيّة تُنشر للمرة الأولى