حصاد الهجرة وأشتات الذاكرة

عبد الوهاب القاروني: حصاد الهجرة وأشتات الذاكرة

*وسام السبع

بلكنةٍ عراقيّةٍ محبّبة، يستقبلك هذا السَّمهري البشوش، وقد خطَّ المشيب رأسه. تهمّ بالدّخول إلى داره التي تكدَّست فيها أوراق قديمة وكتب وخرائط لأشجار نسب عتيقة، فتطالعك على جدار غرفة الجلوس صورة باسمة للزعيم العربي الأسمر جمال عبد الناصر. «إنه الزعيم الأنزه والأشجع من بين كلّ الزعماء العرب»، قال لي السيد وهو يتحدَّث بفخر عن انتمائه العروبي المبكر، وبعض من مشاهد الماضي تتراءى له من بين فوضى السنين. يستحضرها بحنين، ومسحة من حزن تلوح في ثغره الذي تستقرّ عليه ابتسامة حائرة. «هذه الصورة ذاتها التي رفعتها أثناء مشاركتي في تظاهرة جابت أروقة المنامة على خلفية أحداث سيناء الشهيرة، وعندما عدت إلى البيت وضعتها في إطار، واستقرّت في مكانها منذ ذلك الزمن».

بترحابٍ قدَّم مضيفي وثائق مهمّة، وكان كريماً في تعاونه. ربما كان شغفه بتاريخ العائلة باعثاً على هذا التجاوب الكريم، لكنّ المؤكّد أنّ أريحيّته السّمحة تنمّ عن كرم أصيل. المكان مسكون بالصَّمت، لكنه صمت يلوذ بالقبض على تاريخ مفكّك توزّعت أوصاله في أكثر من بلد. ربما كان دليل ذلك تلك الصور الفوتوغرافية التي تتناثر في المكان، لأفراد العائلة، الأب، الأشقاء، الأبناء، وبالطبع للأحفاد.. بعضها وُضع بشكل متعجّل أمام البقية الباقية من مكتبته، بعد أن أهدى أغلب محتوياتها لمكتبة مسجد جدّ العائلة الأشهر السيد هاشم البحراني، المحدث والمفسّر البحريني المعروف في توبلي.

الضّيف والمضيف هنا هو السيد عبد الوهاب بن السيد حمزة القاروني، المولود في المحمرة في العام 1929. وقد أعقب والدُه السيد حمزة القاروني (ت 1942) عددًا من الأبناء هم:

1. سيد عبد الجبار، وكان ضريراً. توفي في العام 1987، ودُفِن في مقبرة الحورة.
2. سيد عبد القاهر، توفي في العام 2010م.
3. سيد عبد الوهاب.
4. سيد حميد، توفي في العام 1989م.
5. سيد عبد الغني، وهو من رجال القانون، ويعمل في سلك المحاماة.

كما أعقب من البنات:
1. السيدة زهراء (أم جواد)، زوجة الحاج كاظم العصفور،
وقد انتقلت إلى الرفيق الأعلى.
2. السيدة فاطمة (أم علي)، زوجة السيد عبد الحسين
القاروني (القاهري)، وهو ابن عمها، وهي كبيرة في السنّ.
1. وكان لديه أيضًا ابنتان خطفهما الأجل المحتوم في سنٍّ مبكرة.

انخرط السيد حمزة في مجال تحصيل العلوم الدينيّة في النجف النجف الأشرف، وتزوج من ابنة الشيخ خلف العصفور، الذي كان مقيماً في المحمرة، وهو غير الشيخ خلف بن الشيخ أحمد العصفور، والد القاضي الشيخ أحمد العصفور الحالي، الذي كان يتخذ من منطقة بوشهر مقراً لسكنه.

بعد أن قطع سيد حمزة القاروني شوطاً في تحصيل العلوم الدينيّة، عاد إلى مسقط رأسه المحمرة، وعمل على متابعة مصالح أسرته التجارية، وتوفي في النجف الأشرف في العام 1942، إثر مرض ألمّ به وعجز الأطباء عن معالجته، نظراً إلى تردي وضع الخدمات الصحّية وقتها.

يقول السيّد عبد الوهاب إنّ العائلة بدأت رحلة العودة إلى الوطن في العام 1951، إلا أنّ ثمة أفرادًا منها لا زالوا يعيشون في المحمرة وأصفهان والبصرة والنجف وكربلاء وبغداد، ومنهم أحفاد المحدّث والمفسّر السيد هاشم القاروني، الملقب «بالتوبلاني البحراني». وتذكر بعض الدراسات التاريخية أنّ أولاد السيد هاشم البحراني (ت 1107 هـ/ 1695م) وأحفاده، استقرَّ بهم المقام في أصفهان في إيران.

يؤكّد السيّد عبد الوهاب أنَّ هجرة العائلة إلى العراق، حصلت قبل نحو 150 سنة، بسبب المضايقات السياسية التي تعرض لها أهل البحرين، ويشير إلى أن الجالية البحرينية في المحمرة تفوق 3000 آلاف نسمة، وأنَّ أبناءها منتشرون بشكل خاص في المحمرة والفلاحية (شاديكان) وبوشهر. ولا زالت أغلب العائلات البحرينيَّة تحمل ألقاباً مناطقية، مثل آل الستري، آل المقابي، آل البوصيبع، وآل الدرازي، وهي المناطق والقرى التي نزحوا إليها، لكن عدداً قليلاً من هذه الأسر والبيوتات انصهرت في المجتمع الإيراني لأسباب متعددة، وتنازلت عن هويتها العربية، وقامت بتغيير أسماء عائلاتها بما يتلاءم مع وضعها الجديد.

كانت بداية هجرة عائلة القاروني إلى البصرة إبان الحكم العثماني للعراق، وقد استجاب جدّ العائلة السيد عبد القاهر القاروني لطلب أمير المحمرة آنذاك، جابر بن مرداو يوسف الكعبي (1829-1881)، والد الشيخ خزعل الكعبي، بالإقامة في المحمرة لمباشرة المهام التبليغية. وحسبما يؤكد السيد عبد الوهاب، فإن الجد السيد عبد القاهر امتنع في بداية الأمر، بسبب ارتباط العائلة بالتعهد بأمر الحسينية التي أسّستها في البصرة «حسينية السادة»، إلا أن حاكم المحمرة الشيخ جابر بن مرداو ألحَّ في الطلب، وقدّم تعهداً بتوفير أرض بديلة في المحمرة لتأسيس حسينية، إلى جانب توفير أراضٍ لاتخاذها مقراً لسكن آل القاروني، وهو ما حدث بالفعل، إذ سرعان ما هاجرت العائلة نزولاً عند رغبة الشيخ جابر. ومع تطاول السنين، توسَّعت دائرة العائلة، وتكاثرت البيوت حول هذه الأرض، ونسجت العائلة روابطها وصلاتها الاجتماعية بأهالي المحمرة الذين أحسنوا وفادتهم. ولا زال آل قاروني يملكون أراضي زراعية واسعة في تلك البقعة العربية السليبة، حيث كان السيد حمزة يشرف على أرض زراعية تتجاوز مساحتها 160 كيلومترًا، مزروعة بـ «البرسيم»، أو ما يعرف بـ «الجت»، وغيرها من المحصولات الزراعية، وكان متعهداً بتوفير أعداد كبيرة من محصوله الزراعي للجيش الإيراني.

كان لدى حكّام المحمرة، آل كعب/ آل مرداو، قرابة مع السادة والعلوين. وقد اشتهرت مدن الأهواز وقراها بتواجد العديد من السادة والعلويين، حيث أنيطت بهم معظم المنازعات القبلية والعشائرية، إضافةً إلى الأمور المستعصية، فكان أغلبهم من المرشدين والواعظين والأئمَّة، الذين تمكَّنوا من نيل ثقة الجميع، فاحتكموا عندهم في مسائلهم الدينية والدنيوية.

المُحمَّرة، (أُطلق عليها بدءاً من العام 1935 بالفارسية خرمشهر)، هي مدينة تقع في خوزستان، جنوب غرب إيران، بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية. تأسَّست على يد يوسف بن مرداو، شيخ قبيلة البوكاسب من بني كعب في العام 1812. وكان لبني كعب بن عامر بن صعصعة من قيس عيلان العدنانية، دور مهمّ ومتميّز في منطقة الأحواز «عربستان» في العصور المتأخرة، وقد أنجبوا أسرًا حكمت هذه المنطقة، وتوارثت الحكم، وتركت بصمات واضحة في التاريخ والتراث.

تأسَّست مدينة المحمرة سنة 1812. کانت المرافئ التجارية هي أول ما أُسِّس فيها، ثم توسّعت باطراد. وخلال فترة قصيرة، تحولت إلى أحد أکبر الموانئ التجارية، بحیث أثارت حسد الحکام العثمانیین في العراق حتى تمّ غزوها العام 1837 في إمارة الشيخ جابر بن مرداو الچاسبي. ارتکب الجيش العثماني فظاعات کثيرة في المدينة، لکنه لم يستطع أن يوقف مسيرة تقدم المدينة التي عادت کأحسن ما تکون المدن، وبلغت أوج ازدهارها وعظمتها کإحدی عواصم القرار العربي في أوائل القرن العشرين، قبل أن تبدأ القصة الحزينة في عهد الشيخ خزعل الكعبي، والإطاحة به، والقضاء على الحكم العربي فيها.

في العام 1935، غُیِّر اسم المحمرة إلی خرمشهر، في إطار تفریس المدينة والقضاء علی عروبتها، في ظل الحکم البهلوي. يتذكر السيد عبد الوهاب أنّ العائلة تفاجأت بوالده السيد حمزة يدخل المنزل في أحد الأيام وقد ارتدى اللباس «الإفرنجي»، بعد أن اعتاد طوال حياته ارتداء الثوب العربي والعمامة.

وحسبما يؤكّد السيد القاروني، فإن المحمرة تأثرت كثيرًا خلال الحرب العراقية الإيرانية، وحدثت هجرة واسعة للبحارنة القاطنين فيها باتجاه مدن العمق الإيراني، إذ تعرضت المحمرة، عاصمة الأحواز ومقر العرب الثقافي والحضاري، لتدمير واسع. وبلغ حجم الدمار الذي خلفته هذه الحرب بين إيران والعراق فيها، نسبة 95%. وبعد انتهاء الحرب في العام 1988، أخذت الحياة تعود رويدًا رويدًا إليها…

الاغتراب القاسي
يقول عبد الوهاب القاروني: «يرجع نسبنا إلى الإمام موسى الكاظم (ع). أحد أجدادنا هو سيد ناصر التوبلي، أو سيد ماجد جد السيد ناصر، لُقب بقارون الزاهد لكثرة عبادته. ومنذ ذلك الوقت، وهذا اللقب ملتصق بالعائلة، فأنا أنتسب إلى سيد ناصر، وهو صاحب مقام في توبلي. وأول من هاجر من البحرين من العائلة هو جدنا سيد حسين القاروني قبل نحو 200 سنة».

عائلة القاروني هي عائلة كبيرة جدًا، ولها فروع عدة. وعندما تأتي على سبيل المثال إلى البحرين، تجد في كل منطقة قبورًا تضم رفات واحد أو أكثر من أعلام العائلة، كما في منطقة توبلي، وكرانة، وعالي، والبلاد القديم. يضيف السيد القاروني: «بالنسبة إلى عائلتنا، فإن جد والدي سيد حسين القاروني هاجر قبل نحو 200 سنة، وسكن البصرة عندما كانت تحت حكم العثمانيين. وفي ذلك الوقت، كانت المحمرة خاضعة لحكم آل الكعبي الخزاعل، الذين كانوا يقدّرون السادة، ويقربون علماء الدين، وكان أمير المحمرة الحاج جابر بن يوسف المردوا، قد عرض على جدنا السيد عبد القاهر بن السيد حسين القاروني، القدوم إلى المحمرة، لكنه اعتذر بسبب ارتباطه بمأتم العائلة ومسجدها في البصرة، فعرض عليه الأمير الكعبي أرضاً في المحمرة من الشاطئ إلى البر، لتخصيصها لسكن العائلة ولبناء مسجد ومأتم حسيني، وكانت هذه الأرض في منطقة تسمى «الجابرية». عندها، خرج السيد عبد القاهر من البصرة، وسكن في المحمرة منذ ذلك التاريخ».

واليوم، إضافة إلى المسجد والمأتم الذي بناه الجدّ، أصبحت المنطقة تضجّ بالحياة، وصارت مأهولة بالسكان، واتسعت فيها حركة العمران البشري بشكل ملحوظ. ولكن عقب اندلاع أحداث الحرب العراقية الإيرانية، هاجر كثير منهم نحو شيراز وغيرها من المناطق. وبعد توقف الحرب، عاد قسم منهم إلى المحمرة، فيما فضّل البعض الاستقرار في مناطق مثل قم وشيرز، غير أن أكثر مدينة تضم أفرادًا من عائلة القاروني هي المحمرة. وهناك تواجد مهم للعائلة في منطقة الفلاحية (شاديكان)، وحسبما يُذكر، فإن حجم العائلة يبلغ أكثر من 1000 فرد من السادة القارونيين.

قاهري.. ولادة لقب
هناك بالطبع بعض العائلات التي احتفظت باسمها الأصلي، لكن بعضها الآخر فّضل تغيير لقبه، حتى إن قسماً من عائلة القاروني الموجودين اليوم في البحرين، غير لقبه إلى «قاهري»، وهذا اللقب له قصة ومناسبة، فعندما احتلّت الحكومة الإيرانية منطقة المحمرة في العام 1925، بدأت على الفور بإجراء إحصاء للنفوس فيها، وقد جاء فريق مخصص لتنفيذ عملية الإحصاء في المنطقة التي كانت العائلة تسكن فيها، ويطلق عليها «الحيزان»، بالقرب من مكتب الجمارك المقابل للشط. وكان القائم بأمر الإحصاء تفاجأ بعدد حاملي لقب قاروني، متسائلًا: هل يعقل أنكم جميعاً تحملون اللقب نفسه؟ فبادر أحد أبناء عم السيد عبد الوهاب، واسمه سيد محمود، وقال لموظف الإحصاء: «إذًا سجّل اسم «قاهري»!». ويضيف: «دوّن الموظف هذا اللقب، وبات منذ تلك الواقعة لقباً يطلق على أبناء عمي وأبناء أخوته. ولقب «قاهري» يعود بالطبع إلى جدنا السيد عبد القاهر سيد حسين القاهري، فالأصل هو لقب قاروني، أما لقب «قاهري»، فهو مستحدث».

وللعائلة حتى اليوم أقرباء في البصرة يحملون لقب «القاروني»، ولا زالت الزيارات قائمة بينهم، حيث يحرص السيد عبد الوهاب على زيارتهم في كل فرصة تسنح له، وهناك بعض الأقرباء في كربلاء.

ورغم أن الجالية البحرينية تزيد على 3500 في المحمرة، فإن العدد الفعلي يزيد كثيراً في المناطق الأخرى، ذلك أن لهم وجودًا مهمًا في البصرة والدورق، وفي مدن إيرانية عديدة، ناهيك بالعائلات التي غيرت اسمها وذابت في نسيج المجتمع الإيراني.

كانت بداية رحلة العودة إلى البحرين في سنة 1951م، بعد اشتداد حملة المضايقات الفارسية على عرب المحمرة. يقول السيد عبد الوهاب: «كان لي نشاط سياسي ضد الاحتلال الفارسي، وكنا نعمل على استرداد الحكم العربي في المحمرة. وخوفاً عليّ من الملاحقات الأمنية، نصحني شقيقي الأكبر ووالدتي بالعودة إلى البحرين. وبعد قدومي إليها، التحقت على الفور بالعمل في دولة قطر في مجال الملاحة البحرية، فقد كنت أملك رخصة قيادة للزوارق البحرية في المحمرة، وتمكنت من خلالها من الحصول على وظيفة لقيادة بواخر شركة تطوير النفط القطرية (Petroleum Development Qatar LTD). كان مكتب الشركة يقع بالقرب من باب البحرين في المنامة، وقد عملت في قطر نحو عام، ثم عملت في السعودية، وبعدها أسست عملًا خاصًا بي في البحرين، عبارة عن محل لبيع الأدوات الكهربائية».

سكن البحرينيون في المحمرة، وكوت المحمرة، وكوت الشيخ، والخيران، وأم الجريدية، وقد اشتهروا جميعاً بتجارتهم، حيث احتكروا تجارة الأقمشة والحبوب، وبرعوا فيها. يرجع السبب في ذلك إلى هجرتهم المفاجئة من بلاد البحرين، حيث امتهنوا التجارة لكسب عيشهم دون أي مهنة أخرى. يُذكر أن بعض البحرينيين تركوا موطنهم الأول بسبب الخلافات السياسية آنذاك، والتي كانت تكبر حيناً وتخف أحياناً، إلى أنّ وصلوا إلى خوزستان، حيث تعايشوا مع قبائل المحمرة، كبيت غانم والهلالات وكنعان، وتناسبوا مع بعضهم البعض. وتفرع البحرينيون إلى بيوت عدة، عرف منها بيت البحراني، بيت الناس، بيت الشماس، بيت المولاني، بيت الليث، بيت الصفار.

العلاقة بين آل قاروني وآل الكعبي الخزاعل
كانت علاقة عائلة القاروني بأمراء المحمرة يحكمها ودٌّ متبادل واحترام وتوقير من الجانبين، فقد كان والد السيد القاروني يحرص على زيارة الأمير الشيخ خزعل الكعبي بانتظام، كما كان أبوه الشيخ جابر مرداو يوسف الكعبي، حريصاً على زيارة جده السيد عبد القاهر والاطلاع على أحواله، وكانت تربطهما علاقة وثيقة جداً لم تنقطع أواصرها طيلة حياتهما.

كان الشيخ خزعل بن جابر الكعبي (1862-1936م) حاكم المحمرة والأحواز في عربستان خلال الفترة من (1897-1925) وآخر أمرائها، وقد توفي في العام 1936 بعد أن أسرته إيران في العام 1925. ويتواجد اليوم أبناء عائلة الكعبي وأحفادها في البصرة في العراق، فيما البعض الآخر لا يزال موجودًا في إيران. ولعل واحدة من أبرز الشواهد على عمق هذه العلاقة، أن سبب هجرة العائلة من البصرة كانت استجابة للطلب الملح لأمير المحمرة في حينه، الشيخ جابر مرداو، كما أوضحنا.

وترتبط عائلة القاروني بعلاقة مصاهرة مع عائلة آل خاقاني وآل العصفور، كما أن العائلتين المذكورتين بينهما علاقة مصاهرة متينة.

البحث عن الجذور.. مراسلات آل قاروني
بحوزة السيد عبدالوهاب القاروني رسالة غير مؤرخة من أحد أفراد العائلة القارونيين المقيمين في النجف الأشرف، واسمه سيد عدنان سيد عيسى القاروني. نختار من الرسالة أبرز فقراتها:

«السادة الأجلاء آل قاروني الموسوي المحترمين

تحية طيبة
إني السيد عدنان السيد عيسى آل السيد علوي، الذي ولد في البحرين سنة 1860م. بعد التوكل على الله، أتقدم إليكم برسالتي، متمنياً أن تصلكم وأنتم بأتمّ الصحة والعافية.

مضمون الرسالة التعاون على البر والتقوى، بدليل السعي من أجل إعادة حلقة الوصل فيما بيننا وبين أهل وأقرباء لنا فقدنا الصلة بهم بعد وفاة جدنا المباشر… علوي هاشم، مطر علوي، أحمد محمد، حسين علي، عبد القاهر الموسوي البحراني، أحد أعقاب سلمان القاروني الأحسائي المتصل نسبياً بالسيد إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)».

وتتضمن الرسالة معلومات عن هجرة السيد علوي، وتقول:
«هاجر من موطنه البحرين إلى العراق بمعية الشيخ زين الدين والشيخ عبدالعزيز الذي أعقب الشيخ عليًا والشيخ محمد أمين، مع السادة آل البراق، منهم السيد إبراهيم جواد كاظم الذي أعقب حبيبًا وطاهرًا وحسينًا وعليًا، وكان يتصل بهم دائماً… وهو بين الحين والآخر يسير إلى البحرين مواصلاً أهله وأقرباءه في المنامة، وله في منطقة النعيم أقرباء أيضاً عاود الصلة بهم، وقد أكد لنا الشيخ حسين الشيخ عبدالعزيز أن جدنا من أسرة السادة آل قارون، وكان المشايخ من آل زين الدين يوصون به خيراً. هذا ما سمعناه من الشيخ محمد أمين، القائل إن هذا السيد الجليل من أسرة علوية معروفة في البحرين، وكان لديهم من المقربين».

وتمضي الرسالة:
«… وبعد وفاته سنة 1935 – وله من الأعقاب صالح وهاشم وعيسى وموسى – انقطعت الصلة بأهلنا. إن النفس التواقة إلى الصلة بهم تدعونا إلى السعي والاهتمام بهذا الأمر المشروع، امتثالاً لقول الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين) بصلة الأقرباء…».

السيد عدنان السيد عيسى آل السيد علوي
جمهورية العراق – النجف الأشرف –
قضاء الكوفة حي ميسان شارع البوريات

وبحوزة السيد عبد الوهاب القاروني رسالة أخرى مؤرخة في العام 2004، من أحد السادة القارونيين المقيمين في المحمرة، واسمه السيد جواد السيد راضي السيد كاظم. وتتضمّن الرسالة سلسلة نسبه المتصلة بالسيد إبراهيم المجاب ابن السيد محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم (ع). وفيها يدعو صاحب الرسالة أرحامه «من الذي يشمله هذا النسب الشريف والشجرة العالية الذي – كذا – تتصل بالإمام موسى بن جعفر عليه السلام، أن يسهم في هذا الأمر، وأن يراجعنا، وأنا داعيكم السيد جواد السيد راضي الكاظم مع إخوتي وعمومتي الموجودين حالياً في إيران، أكثر من ألفين نسمة».

ويبدو من خلال الوثائق المتاحة، أن هجرة العائلة لم تكن دفعة واحدة، بل كانت على مراحل، لكنها حتماً اشتدت وتكثّفت منذ أواخر القرن التاسع عشر، واستمرت حتى بدايات مطلع القرن العشرين. وهناك وثيقة مؤرخة بتاريخ 6 مايو 1914م، وهي عبارة عن توصية رسمية ممهورة بختم حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، هذا نصّها:

«بسم الله الرحمن الرحيم
من عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين لكافة مأمور في الدول المتحابة، بأن الرجل السيد علوي بن سيد محمد، وابنه السيد طالب بن السيد علوي، المسافرين من البحرين، الساكنين في المحمرة، من رعايانا، تولّد البحرين، والمأمول ممن اتفق بهما أن لا يعمل لهما شيئاً مما ينافي مراسم الوداد وروابط الصداقة والاتحاد، وأعطيناه هذه الصفة لأجل البيان كي لا يخفى.

حرر في 10 جمادى الثانية 1332 هـ
حاكم ولاية البحرين
الختم

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF:عبد الوهاب القاروني: حصاد الهجرة وأشتات الذاكرة

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو 5 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>