حكاية صراع بين السيد سعيد وبني بوعلي في عُمان

من متسلّم البصرة إلى صادق بك
حكاية صراع بين السيد سعيد وبني بوعلي في عُمان

*د. محمد السلمان

وثيقتنا لهذا العدد عثمانيَّة، رغم أنَّها كُتبت باللغة العربية، وهناك العديد من الوثائق العربية ضمن مجموعات وثائق الأرشيف العثماني الضخم، كما هو الحال في وجودها ضمن مجموعات الأرشيف البريطاني. هذه الوثيقة التي جاءت في وثائق أرشيف رئاسة الوزراء العثماني، تُعتبر ذات أهميّة مضافة، وخصوصًا لمن يسعى إلى البحث في تاريخ منطقة الخليج عمومًا، وتنويع مصادره الأرشيفيَّة بين البرتغالية والإنجليزية والفارسية والفرنسية والعثمانية، بهدف مقارنتها ببعضها البعض خلال الأحداث ذاتها، ومقاربتها مع الأخبار المعاصرة لها، بغية الوصول إلى الحقيقة فيما وقع وحدث.

وتأتي الأهمية الثانية للوثائق العثمانية، كما الإنجليزية، في أنها كُتبت وأُعدَّت من قبل أفراد الجيش العثماني، سواء كانوا ضباطًا أو مفتّشين أو كتبة إداريين مكلّفين بمثل هذا العمل. لذا، نجدهم يسعون إلى تقديم تقارير صحيحة غالبًا، ذلك أنّها تمسّ أمن الدولة وخطط استمرار وجودها في محيط الصراعات والتنافس الدولي حول المنطقة وثرواتها، من طرق تجارية وزراعة ولؤلؤ وخيول ومواقع استراتيجية، بين كلّ أطراف الصراع.

الوثيقة هي رسالة موجّهة من متسلّم البصرة العثماني المدعو عبدالله بكر آغا إلى صادق بك، وتتناول أحداثًا عسكرية وقعت بين الجيش الإنجليزي في الخليج، بالتعاون مع قوات السيد سعيد سلطان مسقط، ضد قبيلة بني بو علي.

دُوِّنت الوثيقة تحت الرقم H. H. 36178-J ضمن وثائق الأرشيف العثماني الضخم في إسطنبول، الذي يعدّ ثالث أكبر أرشيف في العالم من حيث العدد الهائل من الوثائق التي يحويها، وهو يضمّ، كما يذكر سهيل صابان، حوالى 150 مليون وثيقة تتعلَّق بكل مناطق نفوذ العثمانيين في القارات الثلاث؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا (1).

وقد كُتبت في فترة التنافس الإنجليزي والتركي والفارسي على السيادة والسيطرة التامّة على منطقة الخليج والساحل العُماني في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حين كانت الدولة العثمانية تقاوم خطط الأوروبيين لإضعاف نفوذها في الأراضي العربية، سواء التي استولت عليها مسبقًا أو التي تحاول أن توجد فيها نفوذًا وقوة عسكرية فعلية جديدة لها، كما حدث في الكويت وشبه جزيرة قطر وساحل عُمان (الإمارات اليوم).

تقول الوثيقة:

“لا يخفى على جناب صديقنا

قبل هذا عرفنا عن أخبار السيد سعيد إمام مسقط والانكليز وفي حال التاريخ وصلوا وادم [وصل رجال] من علا [على] طريق البحرين واخبرونا عن أخبار مسقط أن السيد سعيد المومي إليه [المذكور] والانكليز مشوّ على بني بوعلي [هاجموهم] وصار لهم مع المرقومين حرب شديدة وصارت على الانكليز كسيرةٍ شينه [هزيمة كبيرة] ثم ألتمو عند عسكر السيد سعيد، وحملوا بني بوعلي على عسكرين [الإنجليز وإمام مسقط] وقُتل خلق كثير وانكسر الانكليز مع عسكر السيد سعيد والسيد سعيد اصابته رصاصة بيدّه ورجع عسكر الانكليز وعسكر المومي اليه الى صور ثم ارسلوا مركب الى منبي [بومبي] والله يعلم كيف يصير وايضًا مستر بروص [بروس] باليوز الانكليز الذي جالس في بندر ابوشهر، جاء منه كتاب وكيله الذي في ابوشهر انّه توجه من منبي في ستت مراكب مع فتح ماريّات صفار الى طرف اليمن ويمكن يصلون الى السويس فاذا وصلوا الى تلك الأطراف يمكن يصير لهم فتنه مع حضرة محمدعلي باشا وهكذا يظنون والله اعلم

ونحن بما يأتينا من الاخبار نعرفكم

ليكون معلوم جنابك ودم سالم”.

[ختم عبد الله بكر آغا]

تعليقًا على ما ورد فيها، فإنَّنا نجدها بلا تاريخ محدد، وربما فُقد منها، ولكن بتتبّع اسم المقيم السياسي البريطاني الّذي ورد فيها، وهو وليم بروس William Bruce، نستطيع أن نفترض أنها بين العام 1815 والعام 1822م، ولا يتَّضح من عنوان الوثيقة من هو صادق بك، وما هو منصبه في الدولة العثمانية، حتى يُرسل إليه متسلّم البصرة تلك الرسالة الاستخباراتية المفصّلة عما حدث على أطراف عُمان بين قبيلة بني بوعلي وإمام مسقط! ولكنه لا بدَّ من أن يكون رجلًا مهمًا وله صلة بعاصمة الخلافة العثمانية. كذلك، نجد فيها بعض العبارات غير الواضحة، مثل “فتح ماريّات صفار”.

أما ما ورد عن السيد سعيد، فإنه يدخل ضمن طبيعة الصراعات التي وقعت بينه وبين معظم جيرانه في سبيل تأسيس الإمبراطورية العُمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. فمن المعروف عن سلطان مسقط السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي الّذي تولّى مقاليد الحكم في العام 1806، أنَّ نفوذ عُمان اتّسع في عهده إلى أقصى مداه، حيث امتدت الإمبراطورية العُمانية من “بندر عباس” على ضفاف الساحل الشرقي للخليج، إلى ميناء “زنجبار” على الساحل الشرقي لأفريقيا، إضافةً إلى بعض الجزر الواقعة في منطقة الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي، بما فيها أرخبيل جزر القمر.

وعن سبب وجود مفرزة إنجليزية معه في القتال الداخلي في شبه الجزيرة العربية، فنذكر في هذا السياق ظهور مصلحة مشتركة بين بريطانيا، متمثّلة في شركة الهند الشرقية البريطانية (EIC) والسيد سعيد بن سلطان. لذا، كان من مصلحة سعيد بن سلطان الاعتماد على الشركة في معاملاته معها، درءًا للأخطار التي كانت تحدق به من جيرانه القواسم على حدوده الشمالية الشرقية، والحركة الوهابية على حدوده الشمالية. كما عقد معاهدة تجارية مع بريطانيا في العام 1810م، ومعاهدتين مع الفرنسيين في العام 1810 – 1811م، وأخرى مع الحكومة الأميركية في العام 1812م.

وقد توفّي السيد سعيد بن سلطان في حدود العام 1856م، على متن سفينته أثناء رحلته من عُمان إلى “زنجبار” بالقرب من جزيرة “سيشل” التي كانت تحت سيطرته، فدُفن في “زنجبار” في المقبرة المخصّصة لدفن أولاد الأئمة البوسعيديين (2).

أما المسؤول الإنجليزي المذكور في الوثيقة باسم “بروص”، فهو النقيب وليم بروس، المقيم السياسي البريطاني في الخليج، كما ذكرنا، والذي تولّى منصبه بين الأعوام 1812- 1822م، إلى أن أُزيح منه بسبب ما اعتبرته الإدارة البريطانية لمستعمرات الهند خطأً قاتلًا، عندما اعترف بتبعية البحرين لفارس، وذلك يعود إلى تاريخ التوترات في العلاقات الأنجلو – فارسية بشأن البحرين منذ العام 1820م، عندما وقَّعت بريطانيا على معاهدة الهدنة البحرية مع أسرة آل خليفة في البحرين.

هنا، اعترضت بلاد فارس على العلاقة بين بريطانيا والبحرين، وبدأت تؤكّد مجددًا مطالبتها التاريخية بالجزر. وفي العام 1822، وقّع المقيم بروس على اتفاق مع السلطات الفارسية ينصّ بوضوح على أن البحرين كانت “تابعة دائمًا لإقليم فارس”.

أبرم بروس هذا الاتفاق من دون استشارة السلطات البريطانية في الهند. ولذلك، أقاله رؤساؤه في بومبي من منصبه كمقيم بريطاني فورًا.

أما قبيلة بني بوعلي المذكورة في الوثيقة، والتي ورد أنّها تغلّبت على قوّة المعسكريين الإنجليزي والعُماني، وهو حدث لافت للمراقب العسكري إذا ما قارن بين القوّة التسليحيّة التقليديّة للقبيلة، ومعسكري الإنجليز والسيد سعيد، فإنها قبيلة كانت تُقيم في منطقة استراتيجية مهمّة في عُمان، وهي منطقة “جعلان” المشهورة بخصوبة أراضيها، وتقع في المنطقة الجنوبية الشرقية منها، وتمتاز بجودة مناخها وشجاعة رجالها، وهي تنقسم إلى قسمين، أحدهما تقطنه قبيلة بني بوعلي المذكورة بأنها سبّبت “كسيرة” للإنجليز وجيش السيد سعيد، ويقيم معها كذلك بعض القبائل الغافرية. والقسم الآخر تسكنه قبيلة بني بوحسن ومن جاورهم من القبائل الهناوية (3).

ومن أهمّ أسباب الصّراع بين السيد سعيد وقبيلة بني بوعلي، أنّ الأخيرة اعتنقت المذهب الوهابي بعد أول غزو للوهابيين لعُمان في عهد السيد سعيد الَّذي كان يُعارض الفكر الوهابي. لذا، رفضوا الخضوع لسلطان مسقط القوي، فاستعان بالإنجليز أول الأمر لإخضاعهم، ولكنه شاهد ما حدث من تراجعهم في هذه الموقعة التي ذكرتها الوثيقة، فاعتمد على جيش عُماني صرف من رجال القبائل المعادية لبني بوعلي، وهم الهناوية. وهنا، استطاع هزيمتهم في “جعلان”، فنزلوا صاغرين تحت حكم السيد سعيد بن سلطان أخيرًا.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

المراجع:
1 – انظر: صابان، سهيل، الجزيرة العربية بحوث ودراسات من وثائق الأرشيف العثماني والمصادر التركية الرياض، 2005، ص 365.
2 – انظر:
أ – بن بخيت، حميد بن محمد بن رزيق، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيدين، تحقيق عبد المنعم عامر ومحمد مرسي عبدالله، ط 5، مسقط، 2001.
ب – السالمي، نورالدين عبدالله بن حميد، تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان، مسقط، 1997.
3 – انظر: http://alharah2.net/alharah/showthread.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: من متسلّم البصرة إلى صادق بك حكاية صراع بين السيد سعيد وبني بوعلي في عُمان

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

* د. محمّد السّلمان: باحث بحريني متخصّص في التاريخ، أعدّ أطروحة دكتوراه في جامعة “هال” البريطانية حول المظاهر السياسية والاقتصادية للحكم البرتغالي في الخليج. صدرت له مجموعة من الكتب التاريخية والترجمات.

للتواصل عبر الإيميل: adoommoon@gmail.com

أرشيفو  10 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

 

 

 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>