قبل 5 أشهر من حراك 14 فبراير 2011، كنا نحتفل في صالون هيبا ببيتنا بحصولي على شهادة الدكتوراه مع مجموعة من الأصدقاء المثقفين والإعلاميين بقيادة رئيس تحرير جريدتنا (الوقت) التي ما زلت أحمل لها حنيناً خاصاً. وضع الأصدقاء عنوانا ظريفا للاحتفالية (دال بها نُرى) وهو عنوان يحاكي بسخرية كتابي (مجازات بها نَرى). كعادته تميز أبو روان (إبراهيم بشمي) ببطاقة تهنئته وتعليقه. كتب لي في البطاقة التي ما زلت أحتفظ بها: “إلى هؤلاء الذين يحصلون على الدكتوراه، عليهم أن يتحملوا التحولات التي سوف تمر عليهم”. اتكاء على عنوان الاحتفالية، كان السؤال، كيف ستغدو صورتي التي يراني بها الناس كحامل دكتوراه؟
ما كان في الأفق حينها زلزال 14 فبراير وحمولات تحولاته الثقال. وما كان أبو روان يقصد بالطبع تحمل مسؤولية تحول من هذا النوع. لكن في استعادة تالية لهذا الاحتفال أحببت أن أقارب هذا الإهداء بأفق 14 فبراير. وأجد ذاتي كحامل لهذه الشهادة أحمل ثقل المسؤولية التي حمّلنا إياها هذا الحدث الكبير. ولربما أقول إنني في هذه الشهادة معني أكثر بفهم هذه المسؤولية من خلال استعادة مجموعة من الأحداث التي مررت بها طوال السنوات الأربع الماضية، وهي السنوات التي أجد نفسي معني بتقديم شهادتي حولها. ما يسبقها كتبت الكثير عنه، كذلك كتبت شهادتي في 14 فبراير في مرحلة الدوار، ونشرتها.
ما المسؤولية التي يتحملها المثقف في الأحداث الكبرى؟
الفهم هو إحدى مهماته، الفهم وتقديم المقاربات النظرية حول الأحداث. لكن ذلك لا يكفي، لا بد من صناعة موقف من الحدث، والمثقف لا يصنع الموقف الإيديولوجي. وهنا لابد أن أقول أيضاً إنه لا يصنع الموقف الطائفي، خصوصاً وأن حدث 14 فبراير التبس بحساسيات طائفية. لا أريد أن أتحدث هنا في شهادتي حديثاً نظرياً حول الموقف والفهم، بل سأجعل سيرتي طوال هذه السنوات وطريقة تعاطيها مع الكتابة ومع الأشخاص والأحداث تتحدث.
1.أسرة الأدباء والكتاب
في إبريل 2011، من أحد مقاهى الحمرا في بيروت أرسلت استقالتي من أسرة الأباء والكتاب، كان نصها هو التالي: “إن الثقافة لا تولد الفضيلة بشكل آلي، فسوء الأخلاق لدى الجماعات المثقفة لم يعد يدهشنا” تودوروف. أستقيل، لأنه لم يعد شيءٌ يدهشني.
هذه الاستقالة كانت موقفاً من تحول أسرة الأدباء والكتاب من “كلمة من أجل الإنسان” إلى “كلمة من أجل السلطان”. كانت استقالتي خروجاً على السلطان الذي حوّل كل المجتمع المدني بحيويته إلي قبضته. وجدت الكلمة تشكل خلاصة موقف المثقف، وهي مجسدة في الأسرة منذ 1969كما تجسدت الكلمة في المسيح. حافظ الرعيل الأول ومن جاء بعدهم على موقف الكلمة، إلى جانب الإنسان، وخان من جاؤوا بعد 14 فبراير الكلمة والإنسان، وهم بعض من هذا الرعيل. استقالتي أفهمها ضمن وظيفة تحمل المسؤولية.
بعد الاستقالة بدأت أرقب تحول أسرة الأدباء إلى جهاز مذلل لخدمة السلطان. كانت الحلقة التلفزيونية المخصصة لمحاكمة أسرة الأدباء في البرنامج سيء الذكر (الراصد)، قد خصصت لمحاسبة الكلمة التي أطلقها الأدباء والكتاب من أجل الإنسان في 14 فبراير. أُعِدَّت الحلقة لتكون بمثابة استتابة شخصية الأسرة الاعتبارية لتعلن أن لا علاقة بين الكلمة والسياسة. تولت مجموعة الإقرار بهذه الاستتابة. وتعهدوا بجعل الكلمة منقطعة الصلة بما يحدث للإنسان، ستكون الكلمة من أجل لا أحد أو من أجل مَن يملك كل أحد.
تحدثت إحدى الأكاديميات في الحلقة نفسها، عن حُبسة المثقفين الذين آثروا الصمت حين أحتاجهم مالك الوطن، بدا صوتها عالياً بما ستؤول إليه الأمور، عليكم جميعاً أن تعلنوا الولاء، وتكونوا ضمن حفلة (سيوف الولاء) التي راجت في تلك الفترة المكارثية.
أستحضر نظرية فتجنشتاين وهو يقارب الكلمات كعوائل، بحسب النسب الدلالية التي بينها، وجدت كلمتي خارج (عائلة الأدباء والكتاب). لم تعد كلماتي تنتمي إلى هذه العائلة، فلماذا أكون فيها. هكذا وجدت تجربتي في الكتابة تحتاج إلى أن تنتمي إلى عائلة أخرى ربما تكون هي عائلة 14 فبراير.
2.الوقت الجديد
شكلت تجربة جريدة الوقت (فبراير2006-مايو2010) إحدى محطات تطويع الكتابة في الفضاء العام، عبر مقالة الرأي الصحافية وعبر ملحق بروفايل والمحلق الثقافي (اليوم الثامن). وكذلك عبر الأفق الجديد الذي مثلته الوقت كصحيفة خارج الانتماءات الطائفية والتجاذبات الحزبية، بما فيها الحكومة كحزب عائلي. تعلمت في الوقت أن الكلمة من أجل الرأي الحر، وكتبت فيها كتابي (خارج الطائفة) ولعلي أكشف هنا سراً، وهو أن عنوان الكتاب من مبتكرات الصديق حسين مرهون الذي كان أحد صناع (استايل) الوقت، مع الصديق الصحافي المميز محمد فاضل، ولا ننسى هنا لمسات الصديق الصحافي المثقف وصاحب الكتابة الرشيقة رشاد أبو داود. شكّل توقفها المفاجئ في مايو 2010 غياباً لفضاء آخر من فضاءات الكلمة الحرة في ميداننا العام المشترك في البحرين.
في صبيحة 14 فبراير، كنت مع مجموعة من أصدقائي الوقتيين، في إحدى مقاهي منطقة العدلية، نضع تصوراً جديداً لصحيفة قد تكون الكترونية. لحظتها لم نكن نعرف أن حدث 14 فبراير قد أصبح واقعاً جديداً مع حلول المساء. بعد أيام قليلة سنطلق تسمية الوقت الجديد مشروعاً لصحيفة الكترونية تعبر عن فضاء الدوار. لكن لم يكن في الوقت وقت، انتهت تجربة الدوار سريعاً. ومضيت حيث الوقت الجديد خارج الدوار وخارج البحرين. هناك سيكون الوقت جديداً تماماً في كل شيء، عبأته بقصص الإنسان التي كانت الكلمة من أجله كما تعلمتها في أسرة الأدباء والكتاب، ولكني عدّلت الصيغة لتكون: الكلمة مرآة الإنسان.
3.رصانة المثقف
احتفظت من تجربة ما قبل 14 فبراير برصانة المثقف، وتخلصت من تعاليه. أؤمن أن المعرفة يجب أن تكون موضوعه الأول قبل أن ينخرط في أي شيء، لكنها معرفة رصينة من موقع ملتزم بقضايا الإنسان ونضاله من أجل الاعتراف، أتحدث وفي ذهني إدوارد سعيد الذي لم يتخلَ يوماً عن رصانته المعرفية ولم يتزحزح عن موقعه الذي يطلّ عليه حيث صراع شعبه من أجل الاعتراف، لقد جعل معرفته الرصينة تطلّ من خلال موقعه الملتزم.
الرسالة التي حملتها معي وأنا أغادر الوطن: لا تنس موقعك. لا تموّه في موقفك. لا تجعل نفسك تبدو وكأنك مع الجميع، فتستخدم من قبل من يُوقِعون الاستبداد والظلم. اجعل موقعك يحمل توقيعك في كل ما تكتب. أو اجعل كتابتك موقعة دوماً بموقفك. ظلت الوقت الجديد الأكثر موقعية فيما انشغلت فيه.
كتبت عن جدتي (سلامة سلوم) من موقعي، اعتبرت سيرتها ما تبقى من هويتي التي أُسقط منها شقها القانوني. كتبت (نصوص متوحشة، من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية) من موقع، مثقف مسقطة جنسيته ضمن قائمة تضم مجموعة إرهابيين يكفروني، ويكفرون طائفة كبيرة من شعبي، ويسقطون حقي في الحياة، ويعتبرون كل من خرج في 14 فبراير يستحق القتل.
أنا الموضوع في قائمة واحدة مع “تركي البنعلي”، وفي مواطنة سابقة واحدة معه وإن كانت متفاوتة، أردت أن أفهم لماذا يعتبر أن قتلي ممارسة عبادة كما يقول في كتبه. ذهبت في كتابي (نصوص متوحشة) إلى نصوص تركي البنعلي، قرأتها بتفحص، وقرأت النصوص التراثية عند ابن تيمية والغزالي وابن تومرت التي كونته وجعلته المنظر الشرعي لتنظيم داعش التكفير.
4. كلفة الموقع
لقد كلّفني هذا الموقع الكثير، ليس إسقاط الجنسية أعظمها. لم أعد بحرينياً بالمعنى القانوني، ولم أعد جزءاً من الفضاء العام المسموح فيه رسمياً بالرأي. لست في هذا الفضاء الآن. الصحف التي كتبت فيها لم تعد لي. المراكز الثقافية التي كنت أنشط فيها لم أعد جزءاً منها. أتأمل الآن صورتي معلقة في (مركز شيخ إبراهيم للدراسات والبحوث) وأتساءل هل سقطت مع جنسيتي؟ وماذا عن الكتب التي صدرت عن المركز وتحمل اسمي، وماذا عن التسجيلات الصوتية والفيديويات التي تحمل صوتي، هل مازلت فيها؟ المثقفون زملائي وأصدقائي أغلبهم في الفضاء البحريني العام لم يعد موقعي بينهم. غدوت مثقفاً ملعوناً. لاحقتني بعض التسميات كـ”مثقف الدوار”، و”المثقف الريفي”. حفلات الشتم في الصحف التي كنت أشارك في صياغة خطابها العام، صرت موضوعاً مجرّماً في أعمدتها.
العلاقة بالسياسة اعتبرتها التحدي الأكبر، كيف أحافظ على موقعي المعارض دون أن أكون جزءاً من حقل السياسة الذي لم أحبّه يوماً ولن أحبه يوماً ما، وفي الوقت نفسه كيف أقارب الموضوعات العامة باعتبارها جزءاً من السياسة على تماس مباشر معها. لذت بتخصصي الدقيق في مجال تحليل الخطاب. وجدت فيه مأمناً يبقيني على تماس مع الخطاب العام في صراعه السياسي الذي يسعى لتحويل الخطابات الاجتماعية والثقافية ناطقة باسم السلطة السياسية. هكذا مارست دوري محلل خطاب ينطلق من قاعدة معرفية تقول: كل شيء داخل الخطاب بما فيها السياسة والمعرفة والاقتصاد والصراعات الاجتماعية، والخطاب يعطيك ما فيه من كل ذلك، وهذه القاعد المعرفية هي توسيع لمقولة ابن حزم “النص يعطك ما فيه” التي عالجتها في كتابي (طوق الخطاب، قراءة في ظاهرية ابن حزم).
هكذا أصبح اشتغالي على خطاب 14 فبراير، اشتغال المثقف الذي يدرك أن للسلطة مفاعليها في الخطاب كما لها مفاعيلها السياسية في الفضاء العام. وجدت مهمتي في المشاركة في ورشة كبرى ترصد الخطاب البحريني العام بعد 14 فبراير.
أعود إلى محاكمة أسرة الأدباء والكتاب، في برنامج (الراصد) المكارثي على تلفزيون البحرين، حين دفع إعلام السلطة مجموعة من أعضائها ليقدموا شهادة الاعتراف والتوبة. كان ثلاثة من رعيل الأسرة الأول، بعضهم ظلّ يتلو الخطايا التي مارستها الأسرة في 14 فبراير، وبعضهم ظلّ ينظّر في الطلاق البائن بين الإبداع والسياسة، وبعضهم ذهب بعيداً في استرجاع خطاب الأسرة إلى حظيرة السلطة. إنه مشهدٌ كامل بمثابة انعطافة تاريخية للصيرورة التي ستكون عليها علاقة المثقف بالسلطة في البحرين. أدركت في هذه اللحظة أني لست فقط خارج (الأسرة)، بل عليّ أن أكون خارج كل هذا الفضاء الذي صار في قبضة السلطة. صرت أكثر إيماناً بالكم الهائل من التنظيرات التي قرأتها سابقاً حول المعرفة والسلطة والقوة، تصوغ جميعها معاني الأشياء وتحدّد مفاهيمها وتفرض حقائقها. وأن مهمّة المثقف أو محلّل الخطاب، تكمن في تفكيك هذه العلائق والدفاع عن المجتمع وفضائه العام.
هكذا فهمت الهجرة كإعادة تموضع، أن يكون خطابي خارج أجهزة السلطة. ويمكن هنا أن نستعير صورة الفارّ بدينه من الاضطهاد، فالمثقف أيضاً يفرُّ بمعرفته حين يتعذّر عليه ممارستها، أو حين يجبر على ممارسة ما يناقضها.
5. مثقف واقع الحال
كان يمكنني العودة إلى البحرين بعد فترة السلامة الوطنية (الطوارئ)، وأمارس اللعبة التي يتقنها المثقف ورجل الدين، وهي البحث عن (دور برجماتي)، يجعلك في المناطق الوسطى، التي لا تغضب السلطة ولا تثير الناس. وليس سرّاً أن أحد متنفذي السلطة قد مارس دور السمسار لاسترجاع مجموعة من المثقفين والإعلاميين الذي فرّوا بكلمتهم خلال فترة الطوارئ، ولندع التفاصيل إلى لحظة أخرى.
ما كنت أريد أن أكون مثقفاً برجماتيا، أو مثقف (واقع الحال) كما أسميته في أحد أعداد نشرة (صدى الميدان) التي أطلقناها في دوار اللؤلؤة. مثقف واقع الحال (مثقف شحوال): يعرف ولا يقول، يتذمر ولا يغير شيئا، حكمته في الصمت لا في القول، لا يزعج أحداً ولا ينزعج منه أحد، يجد في فزّاعة المتدينين تسويغا كافيا للاكتفاء بالحد الأدنى من الديمقراطية، يهادن كل الأوضاع ليضمن له موقعاً في كل موضع، يُكيّف خاطبه مع حدود ما يسمح به واقع الحال، حرب على من يحارب النظام وسلم مع من يسالم النظام، مفاهيمه للحرية والديمقراطية وتداول السلطة والنقد وفق مقاس مفاهيم السلطة لها. بقدر ما يتدرج في مواقع الدولة (رئيس تحرير، عضو مجلس، وزير، وكيل، مدير) يشعر بالإنجاز ويكتسب وجاهته الاجتماعية.لا يغضب ولا ينفعل تجاه انتهاكات السلطة لكرامة الإنسان، عقلاني حد البرود.
6. إني أَتهم
أستحضر هنا رسالة إيميل زولا (1840 – 1902) “إني أتهم”. اعتبرت في الأوساط الثقافية، هذه الرسالة شهادة ميلاد لمفهوم المثقف في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. حين وقف الروائي والأديب أيميل زولا مدافعاً عن (دريفوس) المتهم بالخيانة الوطنية في الجيش الفرنسي. تقاطعت في قضيته إشكالات السياسة والدين والأدب والعرق والكراهية. تحولت قضيته إلى قضية رأي عام انقسم حولها المجتمع الفرنسي، انتهت ببراءته. كان إميل زولا أحد صنّاع هذه البراءة، وأحد صناع مفهوم المثقف من خلال الدور النضالي الذي قام به دفاعاً، ليس فقط عن دريفوس، وإنما عن الحقيقة والعدالة في المجتمع الذي يعيش فيه. الأثر الأهم الذي بقي من هذه القضية هو ولادة مفهوم المثقف، والأثر المادي الذي ارتبط بهذه الولادة هو رسالة أيميل زولا “إني أتهم”.
استحضر الآن خطاب زولا إلى (فيليكس فور) رئيس الجمهورية الفرنسية: “هل تسمح لي بأن أقلق على مجدك الحق وبأن أقول إن نجمك الهانئ جداً حتى الآن، مهدد بأكثر الوصمات عيباً ودواماً؟ (..) سأقول الحقيقة لأنني وعدت بقولها، ما لم تقلها العدالة كاملة وشاملة. ومن واجبي أن أتكلم لأنني لا أريد أن أكون متواطئاً في هذه القضية. وإن لم أفعل فسيطاردني في لياليّ شبح ذلك البريء درايفوس الذي يدفع هناك في جزيرة الشيطان ثمن جريمة لم يرتكبها، وسط أبشع انواع التعذيب. وسأصرخ بهذه الحقيقة، أمامكم أيها السيد الرئيس، بكل قوتي وغضبي، وكما يفعل أي رجل شريف…”.
“إني أَتَّهِمُ” إنها أنا المثقف الذي ولد من أنا (زولا)، صوت المثقف وهو يجهر بكل ما فيه، من أجل تسمية الأشياء وتسمية الحقيقة في الميدان العام، اتَّهَمَ (زولا) الرئيسَ والنظام القضائي وشخصيات عامة نافذة ولم يبال، وحول اتهامه قضية رأي عام، صارت (أنا) زولا المثقف حاضرة بقوة في الفضاء العام. هذا الفضاء الذي انفجر في 14 فبراير في مجتمعي نتيجة دفع الحقيقة التي تحدث عنها (زولا) “عندما تدفن الحقيقة، فإنها تجّمع وتخزّنُ من عوامل الانفجار ما يكفي لتدمير كل شيء حولها متى حانت لحظة انفجارها. وهكذا سيظهر بالضرورة لاحقاً ان أكبر الكوارث دوياً قد تم التحضير له للتوّ”.
وجدت نفسي أكتب رسالة زولا نفسها. وأتهم الشخصيات التي اتهمها زولا نفسها وأدافع عن الشخصيات التي دافع عنها (زولا). وهي الشخصيات التي وقع عليها الظلم العام، وجدت (دريفوس) حالة، ووجدت هذه الحالة ممثلة في مجتمعي البحريني المتهم مكوّن من مكوّناته بالخيانة، وأخاطب الشخص نفسه الذي خاطبه زولا:
“يا لوصمة العار التي تلطخ بها اسمك – كي لا أقول حكمك – والمتمثلة بقضية درايفوس الشنيعة! لقد تجرأ للتوّ مجلس حربي محكمة عسكرية فأمر ببراءة استيرازي، ما يُعتبر صفعة قياسية للحقيقة والعدالة. وها قد انتهى الأمر، فتدنس وجه فرنسا وسيذكر التاريخ بأنه أمكن ارتكاب مثل هذه الجريمة بحق المجتمع في ظل رئاستك للجمهورية”
كما بدأت باحتفال (الدال) فأختتم بجملة كتبها أحد الأصدقاء على جدار صالون (هيبا) في ذلك الحفل”لا وجه للدال ما لم تدخل في جملة” إنها جملة 14 فبراير، صار وجه دالي ودلالتي، وشهادتي هي إعراب لما في في هذه الجملة من وجوه.