إبراهيم شريف.. معركة السياسي المبدئي

 

في 2003 كتب إبراهيم شريف: “القرارات السياسية تحتمل الخطأ والصواب بينما لا تحتمل المبادئ ذلك”.

ما هي المبادئ التي لم تحتمل الصواب والخطأ في تجربة إبراهيم شريف السياسية؟ لن نقول الصدق والإخلاص ونكران الذات والالتزام، فتلك صفات شخصية، وهي لا تكفي لصناعة قيادة سياسية، ومن عرف شخصية (أبو شريف) يعرف تماماً أصالة هذه الصفات في شخصيته.

هناك مبادئ تتعلق بما يعمل (أبو شريف) على تحقيقه سياسياً، وهي المبادئ التي تتأسس عليها السياسة في المجتمعات الديمقراطية: الشعب هو مصدر السلطات. وقد حددها (أبو شريف) منذ لحظة إسقاط الدستور العقدي وانتقاص صلاحيات السلطة التشريعية، يقول “اعتبرنا هذه التناقضات ثانوية [التناقض مع الوفاق] وبعضها يحتمل التأجيل وعزمنا على أن نخوض معركة «الشعب مصدر السلطات»… ومازلنا حتى يومنا هذا مخلصين لفكرة أن تتفق جميع قوى المجتمع على ما هو أهم وهو استعادة الشعب سلطاته كاملة وبعدها فلنختلف على التفاصيل”. لقد طال (أبو شريف) ثمن إخلاصه لهذا المبدأ الكثير من محاولات التسميم، لعل أقلها اتهامه وجمعيته (وعد) بالاختطاف من قبل جمعية (الوفاق) والارتهان لتيارها الديني.  

مازلت أتذكر تعبيره (تعويم الأيديولوجيا) وهو يتحدث لي عن سيرة العمل السياسي لتيار الجبهة، حين قرروا في إحدى الاجتماعات الخاصة في بداية التسعينيات (تعويم الأيديولوجيا) في العمل السياسي الوطني، تلك الأيديولوجيا الصلبة التي تحول بين الجماعات السياسية المختلفة، وبين التقائها الوطني، وكان هذا التعبير يعني الانفتاح على الجماعات السياسية الدينية والعمل معها لتكوين جبهة نضالية شعبية (تحيِّد) الاختلافات وتبني على المشتركات. أسترجع ذلك لأوضح أن مبدئية (شريف) ليست مؤسسة على مبدأ يتعلق بالتكوين الأيديولوجي، بل مؤسسة على مبدئية الحقوق التي كفلتها التشريعات الدولية لكل الشعوب.

هذه المبدأية تراعي المصالح الوطنية العامة وليس المواقف العقائدية، وفي هذا رد على من يعتبر مبدئية (شريف) تصلباً أو عناداً. كان (شريف) يعتبر «الشعب مصدر السلطات» معركة تستحق النضال وعدم التنازل، ويجب تشترك فيها قاعدة شعبية ونخبوية واسعة.

لا نحتاج إلى مبدئي يصر على فكرته الشخصية أو العقائدية وينغلق عليها إلى حد تكفير الآخرين أو تخوينهم أو تسقيطهم أو اعتبارهم متخلفين ورجعيين، بل نحتاج إلى سياسي مبدئي يصر على أن ما أعطته التشريعات الدولية حق أصيل لكل شعب، ولا يقبل أن يتنازل عن مصالح الناس التي كفلتها هذه التشريعات.

مبدئية المصلحة الجماعية العامة واعتبارها موقفاً أخلاقياً، جسّد نموذجها (شريف) بخبرته السياسية والاقتصادية. كان نضاله بالأرقام ومبادراته لوضع حلول اقتصادية عملية، جزء من محاولته إقناع شريحة واسعة إن هذه الحلول البسيطة لا يمكن تطبيقها إلا بأيديهم، وبدون أن يدخلوا معركة أنهم مصدر السلطات، لن يمكنهم أن يحققوا هذه الحلول.

سقط كثير من السياسيين الذين راحوا يزايدون على مبدئيتهم الأيديولوجية التي تجعلهم في جبهة واحدة مع السلطة ينهشون معها من لحم سلطة الشعب، ولا يكفتون بذلك، بل خانوا حتى مبادئهم، واستخدموها لتبرير خيانتهم. في مقابل ذلك أعطى (أبو شريف) لمفهوم السياسي مدلولاً يعطي الثقة في إمكانية أن يكون هناك نماذج لسياسيين مبدئيين.

مازال (شريف) يخوض معركته إلى جنب الشيخ علي سلمان، يلتقيان في المبدئية نفسها، وفي الطريق نفسه، وفي السجن نفسه، وفي النفس نفسه الذي كتبا به مرافعتيهما التاريخيتين.

اترك تعليقاً