أسرار البنت السابعة في ديوان بيت بفيء الياسمين

 

أسرار البنت السابعة في ديوان بيت بفيء الياسمين

“وأنا السابعة بين الذكور والإناث
أنا سر العائلة
وواجهة المعنى”

في ديوانها الجديد تصوغ الشاعرة البحرينية فضيلة الموسوي حكاية بيت عائلتها صياغة شعرية، تتخذ من الأب رجل الدين والمؤلف الغزير الإنتاج السيد محمد صالح الموسوي (1918- 2007) محوراً للديوان.

السيد شخصية متفردة ومعروفة، بالشغف بالمعرفة والتأليف والكتابة، في بيته المشهور بالياسمين هو رب أربع أسر لأربعة بيوت مستقلة، له من زوجاته الأربع 34 ولدا غالبيتهم عرفوا بالإبداع والتميز والتعدد في التوجهات الفكرية، وهم بالمناصفة 17 ولدا، 17 بنتا. في كل بيت مكتبة .. امتهن الخطابة المنبرية الحسينية وتأليف الكتب الدينية بالإضافة إلى الشعر.

هي الشاعرة فضيلة الموسوي، واجهة معنى بيت الموسوي، تسرد في هذا الديوان سر العائلة دون أن تكشفه، فاللغة الشعرية المكثفة في الديوان تشير إلى حكايا مفصلة يمكنك أن تسمعها في سردوات شفاهية مطولة، يجيد أبناء هذا البيت حكايتها بطاقة حب تجذب لها قلوب الأصدقاء، استحضرت كثير من هذه القصص وأنا أفك شفرات نص فضيلة الشعري، اضطررت بعض الأحيان لأطلب منها تفاصيل عن بعض الحكايات، كنت أستشعر الحكايات فأستعيدها من ذاكرتي على لسان فضيلة أو عصمت أو ابتسام وغالبا على لسان حسين المحروس المؤتمن على سيرة سيد بيت الياسمين، كانت لقاءات المحروس بالسيد مشحونة بالدهشة التي تدفعه لحكايتها قبل كتابتها أو أثناء كتابتها. الدخول إلى الديوان عبر هذه الذاكرة لها متعة الاكتشاف الخاص، بعض المقاطع كنت أقرأها على بعض الأصدقاء والصديقات وبنوع من التباهي كنت أسألهم المعنى والحكاية التي يشير إليها النص، وأشعر بالانتصار وأنا أسرد عليهم الحكايا التي تفسر إشارات النص.

السابعة بين الذكور والإناث، ليست الياسمينة الوحيدة في هذا البيت التي تجيد صياغة المعنى في شكل إبداعي، فأغلب من تربى في بيوتات الياسمين من عائلة السيد، لديه واجهة صياغة إبداعية، لتصدير حكاية هذا البيت، لكن تبقى الصياغة الشعرية الأكثر قدرة على كتمان السر، تشير إليه في لغة مكثفة ولا تكشفه، صياغة قادرة على أن تصغي إلى الياسمينة التي كانت علامة من علامات السيد في كل بيت يفتحه، وبلغ ولعه برائحته أنه كان يفتح شقاً من الياسمين ليدخل غرفته الخاصة، حتى صار جزءاً من الحكاية أو شاهداً عليها، وحضوره في عنوان الديوان يعني أن الديوان لا يمكنه أن يكون معبراً عن روح هذا البيت بدون حضور الياسمين في العتبة الأولى للديوان (العنوان). كما أن هذا الحضور معبر عن بياض قلب السيد ووجهه المقرونين بالشال الأخضر الذي يدل على علامة السيادة.

في العائلة من أسرار السبعة ما يجعل هذه السيدة السابعة جديرة أن تكون مؤتمنة على صياغة سر العائلة في لغة شعرية، ففي العائلة سبع بنات وسبعة أولاد، من أمها (باريس) التي طرحت سبع مرات، ومات لجدتها من أمها سبعة أطفال.وقد جاء الديوان مفتوناً بسر السبعة، فعلامات السيد فيه سبع، وإشارات السيد فيه سبع.

بحضور أسرار السبعة فيها وكأنها مدفوعة بمهمة غيبية، تخاطب أباها السيد محمد صالح الموسوي، قرين الكتب:

“سأكتبك كما كنت
مختالاً بمؤاخاة الكتاب”

إنها اللحظة الأكثر بهاء وإثارة وإدهاشاً في عين البنت السابعة، تجد في هذه المؤاخاة واجهة معنى أبيها وبيته ووجاهته، وتجد مهمتها في حفظ أمانة سر العائلة، تكمن في كثافة هذه اللحظة، التي تختصر تسميات السيد وإشاراته وعلاماته.

“كلٌ مآله الفناء إلا الأسماء”

حاضرة بقوة أسماء السيد في الديوان، بعض عناوين القصائد من تسمياته، لديه قدرة على تخليق الأسماء، يُنشئ من خلالها المعنى الذي يريد أن يسكن فيه، يمنح لزوجاته أسماء المدن العالمية (باريس، برلين، بنارس، وردة الحب) ويُعطي لغرف بيته سيماء الجنة (دار النعيم، دار النسيم، دار السلام…) ويزرع مع كل مولود نخلة يقرنها باسمه.

كما كان السيد حاضراً بقوة في بيت الياسمين، فإنه حاضر بقوة في ديوان فيء الياسمين، حتى خضرة الغلاف، تحيل إلى شاله الأخضر الذي يميز سيادته ويميز ياسمينه. قصيدة (علامات السيد) متدفقة بصور لباسه الخاص، القميص المزخرف بالحبر المتدفق مع امتداد المعنى، والجبة التي ليس في صورتها سواه، والعمامة التي تعيد ترتيب طياتها كلما تجدد مجد الأحزان (عاشوراء) وكوفيه تكمل وقار العمامة، وعباءة مشحونة بوجد الصوفي، ونعل طوى به مسافات الأسفار ومسارات الطرق.

يحضر السيد عبر أسمائه وعلاماته وكذلك عبر إشاراته، في قصيدة (إشارات السيد) تحضر محبرته (باركر) مضمخة بشهوة الكتابة وهي تدفع بالقلم ليدلق القصيدة على ثوبه، وتحضر نشافة الحبر والختم والثقالة والحقيبة السوداء والسكين التي يفصل بها أردية الكتب.

مأخوذة القصيدة بعمامة الأب، تلتف حول سيرته في الديوان كما تلتف طيات العمامة حول هامته “اثنا عشر ذراعا من قُماش الحضرة.. تلتف حول الهامة” لهيبتها وجلالها، يتسابق النسوة لالتقاط قطرات الماء منها حين تُغسل وتنشر في حديقة البيت، يسابقن الشمس لاقتناص الدواء والبركة منها:

“فيما مسيلها قطرات دواء
تلتقطها النساء سراعا
قبل مباغتة الشمس”

حتى (الكفن) منذور في السيرة والديوان لسر غيبي، سيعزز سر (الكفن) من المهمة الشعرية للبنت السابعة (أنا سر العائلة) سيمنحها شرف ختم السيرة، سيأتي المنام من طرفها، يطلب السيد من زوجها إحضار كفنه من مدينة مشهد المقدسة، سيلح في الطلب، وستعطي هي الإذن بإحضار الكفن، وستكون شاهدة على الحلم، وكاتبة لسره:

“كفن مكفول في مشهد
وصية رؤى المنام
يحمله بساط الريح
أمانة تصل فور إعلان الولادة”

الموت ولادة أخرى، وقد عرف فيها السيد سر نفسه على حقيقتها، كما يعرف كل ميت، فقدس الله سره بهذه المعرفة.
ما أعظم أن يقدس الله سرك يا فيء الياسمين، ببنتك السابعة حاملة واجهتك.

الرابط الأصلي

اترك تعليقاً