الشيخ حبيب الكاظمي… قلب الشارع «2-3»

يتكلّم في النفس ويملأ اليوم قياماً والإنسان روحاً

كيف تتحول التربية في خطاب الكاظمي إلى فعل صناعة يتحدد وفقها نمط روحانيتنا؟

 كتاب الكاظمي

 ‘’ماذا أستطيع أن أعرف؟’’، ‘’ماذا يجب أن أفعل؟’’، ‘’ماذا يمكن أن آمل؟’’ و’’ما هو الإنسان؟’’.

أسئلة فلسفية تُفرش في الشوارع وتسأل الإنسان عن نفسه وقلبه وحياته فتصبح أقرب إليه مما تكونه في الكتب وأدمغة الفلاسفة، حيث الأبراج العاجية. ذلك هو مشروع “weltfrage”, أي ‘’أسئلة العالم’’ للألماني رولاند كرويزر. الأرصفة ليست وحدها ما يشكل شوارع المدن، فالأسئلة تشكل الشوارع وأرصفتها والناس الذين يمشون عليها. ماذا يجب أن أفعل في هذه الحياة؟

الخطاب الذي يملك إجابة تقنع أو تهدّئ قلقنا تجاه هذا السؤال الوجودي، يملك أن يشكل أرصفة المدينة، ويهندس شوارعها، ويحدد اتجاهاتها، ويعطي لوجودها معنى.

خطاب الكاظمي أصبح ظاهرة تملك قلب الشارع البحريني . فمحاضراته ودوراته وأشرطته وكتبه وموقعه تلقى رواجاً كبيراً وتحتل مساحة كبيرة في سوق المسموعات الدينية.

بوابة الكاظمي إلى البحرين كانت جمعية التوعية التي هي بمثابة وزارة إعلام دينية بالنسبة للتيار الشيعي. فهي عبر أجهزتها الدعائية والإعلامية والرقابية تصنع نمط التدين الذي تمثله مرجعيتها الثقافية الثمانينية،

إن خطاب الكاظمي يلتقي مع خطاب جمعية التوعية في الانشغال والاشتغال على موضوعات التوعية الروحية والأخلاقية، التي أطلقنا عليها اسم موضوعات ‘’الدرجة الأولى’’. لقد تحوّل موضوع التغيير من قلب الدولة إلى قلب المجتمع، إلى قلب الشارع.

وكان الشيخ الكاظمي قلب هذا الشارع.

مربي الروحانية

تقدم الملصقات الإعلانية، الشيخ حبيب الكاظمي، بصفة المربي، والمربي هو من يصنع شخصيتنا ويحدد نمط تربيتها بأوامره ونواهيه وتنبيهاته ومواعظه. وبهذه الأوامر والنواهي والتنبيهات والمواعظ، تكون التربية فعل صناعة يتحدد وفقها نمط روحانيتنا.

في محاضرته عن الشخصية القلقة والمستقرة، يُحذِّر الكاظمي من نماذج عدة من الشخصيات: الشخصية المترددة، الشخصية الانتفاعية، الشخصية المتثاقلة إلى الأرض، الشخصية الهلامية، الشخصية المنافقة المتلونة، الشخصية التحريضية.

ويضع لكل شخصية منها معالمها المميزة، فالشخصية المترددة، مثلا، ليس له قوام فكري ثابت ومطمئن، فهو (الانسان) يحمل القلق في الجانب الفكري لما جاءت به الشريعة، حيث تراه يتخبط في بطون الكتب ليناقش مسألة فرعية، غافلاً عن الأصول والأساسيات، ‘’فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُون’’، ‘’مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء، وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء، ‘’ من دون الوصول إلى الهدف.

التحديد في الأخلاق فعل تربية أكثر منه فعل معرفة، فالتحديد الذي يعرفنا معالم الشخصيات غير المرغوبة، يربينا على معالم الشخصيات التي يراد لنا أن نكون عليها.

وخطاب الكاظمي يقدم نفسه بوصفه مهموما بتثبيت معالم الشخصية الإسلامية المثلى في المجتمع وفق منهج الاستقامة، ولا شيء يثبت الشخصية وفق منهج الاستقامة أكثر من تربية روحها وأخلاقها، لذلك كان خطاب الكاظمي خطاب الروح والروحانية بامتياز، بهذا استحق صفة المربي، مربي روحانية الروح.

الروح

‘’ثمة ثلاث معضلات، أو ثلاثة أسئلة، لابد لكل إنسان من الإجابة عليها: سؤال الوجود، سؤال الأخلاق، وسؤال الصيرورة، أو الموت: بعد الحياة، ماذا يوجد، لقد انبثقت الروحانية من السؤال الأخير المطروح على الكائن الإنساني’’. [1]

الروح موضوع خطاب الشيخ حبيب الكاظمي، هي من يخاطبها، هي من يعول عليها، هي من يعالجها، هي من يكلمها، هي من يلقي الروع فيها، هي من يتحسس استعداداتها، هي من يبرمجها، هي من يستهدفها. هي من يؤنبها ويحضها ويدفعها ويطهرها ويعالجها ويستقومها ويقومها ويأمرها وينهاها ويروِّحها.

الإنسان في خطاب الكاظمي، روح، الشخصية روح، الزواج روح، المجتمع روح، الصلاة روح، والصيام والعبادات روح.

ولأن الروح سر، صار خطاب الشيخ حبيب خطاب هذا السر، ومن يملك سر الروح يملك سر الإنسان، فيتكلم في روحه ونفسه. فكيف يتكلم الكاظمي في أنفسنا؟

التكلّم في النفس

التكلم بالمعنى الذي تحمله الدلالة السمعية للكلام، هو أهم أشكال تواصل الخطاب الديني مع جماهيره. وخطاب الكاظمي يجيد فنّ التكلم ببلاغة تستحوذ على المتلقي، وهي بلاغة لا تحفل بالصوت الجهور ولا الضجيج ولا الصراخ ولا تقلقل في الحروف. كما أنها ليست معنية بالفصاحة التقليدية التي تولي تشكيل الكلمات وإعرابها أهمية بارزة، هي مجردة من كل الزينات اللفظية والمحسنات الإبداعية والصور البيانية المسكوكة. هي بلاغة تقوم على مجموعة من الأفكار البسيطة والصياغة القريبة من لغة الناس اليومية، من يستمع للكاظمي، لا يلقى صعوبة ولا عنتا.

يستعير الكاظمي في محاضرته (كيف نبعث أنفسنا من جديد؟) نصا للإمام علي ابن أبي طالب في وصف المتقين. واستعارة النصوص الروائية لأهل البيت وإدغامها في نصه جزء من صميم استراتيجيته البلاغية في الإقناع والتأثير، يستعين في وصف المتقين بالنص الآتي: ‘’وقال أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة، في وصف المتقين: (وكلّمهم في ذات عقولهم). ويعقب على النص بقوله: إن الله تعالى إذا رأى القابلية في عبده المؤمن، يكلمه في نفسه، ويلقي في روعه ما ينبغي أن يفعله في حياته’’.

وبلاغة الكاظمي بارعة ليست فقط في تصريف النصوص الدينية والروائية، بل حتى في تصريف أفعال الحياة، ومطابقتها مع أفعال النصوص، إنه يجيب على سؤالنا الوجودي القلق: ما الذي ينبغي أن نفعله في حياتنا؟

إنك لا تستطيع أن تسمع الوحي، وهو ينطق فيك المقدس الذي يقول لك ما الذي ينبغي لك أن تفعله في حياتك، لكنك تستطيع أن تسمع خطاب الشيخ حبيب الكاظمي ببلاغته الآسرة للقلوب، وهو ينطق في نفسك ما ينبغي أن تفعله في حياتك. إذا كان خطاب الله وحيا في نفوس الأنبياء والمرسلين، فخطاب الكاظمي وحي في نفوس المؤمنين والمستمعين. وإذا كان الله ينطق في عقول المتقين، فالكاظمي ينطق في نفوس المؤمنين.

روحانية المخطط الكبير

وفق استبيان وُزِّعَ على عشرين امرأة من بلدان مختلفة، تتراوح أعمارهن بين الثلاثين والستين وينتمين إلى أديان مختلفة كالإسلام والمسيحية والبوذية، بالإضافة إلى ملحدة، فإن التعريف بالروحانية هو:

أولا، كل فعل يسمو بالنفس، سواء كان دينيًّا، كالصلوات، أو خُلُقيًّا، كالمغفرة والمحبة، أو ذهنيًّا، كالتأمل. إنها عبارة عن الشعور بالارتباط و’’الوحدة’’ مع الله، مع نفوسنا، مع الآخرين، ومع الأرض. قوامُها التناغمُ والسلام.

ثانيا، فهمٌ لنفوسنا وللكون. إنها إحساس بالطيبة في الداخل، وبهويتنا، إحساس بهمسنا الباطني، بالمحبة بصفتها عنصرًا من عناصر الروح الإنسانية وبما يتعدى كياننا الجسماني، يُعيننا على فهم كيفية توافقنا مع المخطط الكبير للكون.

الحديث عن الروح من غير روحانية تماماً كالحديث عن الإنسان من غير إنسانية. تتحقق روحانية الروح بوصلها بالآخرين، بتناغمها وسلامها مع الأرض. بهمسها الباطني بالمحبة، بترطيب علاقتها بالمختلف معها عقائديا وحضاريا، بتوافقها مع المخطط الكبير للكون، لا المخطط الصغير للملة أو النحلة، بالارتباط بالله الواحد في السماء والمتعدد في الأرض والخلق.

الروحانية هي أن تكلم روح الإنسان المرتبطة بالمخطط الكبير (الكون)، لا روحه المرتبطة بالمخطط الصغير (الملة والنحلة). الروحانية هي أن تصل روح الإنسان بجميع المخططات الصغيرة، باعتبارها تجليات كثيرة للمخطط الكبير (الكون).

إذا كانت روحانية هذه النسوة بمختلف دياناتها، تعمل وفق روحانية المخطط الكبير، فوفق أي مخطط تعمل روحانية الكاظمي؟

إنها تعمل وفق مخطط برنامج ‘’من القيام إلى المنام’’. فكيف تقوم هذه الروحانية؟ وما الأفعال التي تقوم بها؟ وكيف تتصل بالمخطط الكبير؟

من القيام إلى المنام

يقدم الشيخ حبيب الكاظمي، من خلال موقعه السراج ‘’البرنامج اليومي من القيام إلى المنام للعباد الصالحين’’.

البرنامج مُؤّلف من أربعين فقرة، مصاغة وفق تعليمات كتب الأخلاق التي تجعل لكل سلوك أو فعل آداباً. ففي كتاب ‘’مكارم الأخلاق’’ للطبرسي وهو من أعلام القرن السادس الهجري وأكثرهم شهرة حتى القرن الواحد والعشرين، نجد مثلا آداب النوم آداب المائدة، آداب الحمام، آداب الزينة، وآداب اللباس وآداب لبس الخاتم. وكل فعالية في البرنامج معززة بمجموعة من الأحاديث والروايات والآيات التي تحفل بها كتب الأخلاق.

يقدم برنامج ‘’من القيام إلى المنام’’، آداب يوم العبد المؤمن على النحو الآتي:

‘’افتتاح الصباح بصلاة الفجر مسبوقة بنافلة الفجر، الالتزام بتسبيحات الزهراء (ع) بعد الصلاة مباشرةً وبعد كل صلاة فريضة، الاستعاذة أول النهار، معاهدة نفسك ألا تقوم بمعصية طوال اليوم، كن على وضوء في أول النهار، اعزل صدقة اليوم. اصطحب معك شريطا نافعا تسمعه في السيارة، الالتزام بورد معين لاستغلال الوقت، مثل قراءة سورة التوحيد، اجعل في مكتبك أو محل عملك مكتبة صغيرة نافعة، حاول ألا تأنس مع الغافلين، وخصوصا مع الجنس المخالف، ليكن معك جدول مواقيت الصلوات.

التزم باستغفار صلاة العصر سبعين مرة، حاول أن تدخل البيت ببشاشة، حاول أن تجلس على الطعام باعتباره مائدة إلهية، حاول أن تطلع على البرامج النافعة كالأخبار وغيرها بالقدر المناسب. الاستلقاء بعد الغداء، الابتعاد عن الأسواق المزدحمة والمعروفة باختلاط النساء بالرجال، إذا لم تكن موفقا للنوافل اليومية البالغة 34 ركعة فعلى الأقل عليك بصلاة الغفيلة بين صلاتي المغرب والعشاء.

اجعل العشاء مبكرا من أجل إقامة صلاة الليل، ليكن لك برنامج مرتب للمطالعة الهادفة، ولتكن قراءتك للكتاب، ضمن برنامج مدون ، كإكمال دورة تفسير أو حديث أو تاريخ أو عقيدة فإنّ القراءة العشوائية لا تنمي الثقافة لدى العبد. اجعل لأهلك ولأولادك نصيبا من الوقت في محاولة لإرشادهم لحديث نافع أو تحذيرهم من أمر لازم كسلبيات الانترنت مثلا والفضائيات والمعاشرة الضارة وغير ذلك. ينبغي تحديد يوم أو أكثر في الأسبوع لاصطحاب الأهل والعيال إلى حديقة، حاول أن تكون الزيارات هادفة، فلا ينبغي الذهاب إلى مجالس الاختلاط أو بيوت الغافلين عن ذكر الله تعالى. هنالك مجموعة من المستحبات اللازمة قبل النوم، منها تسبيحات الزهراء (ع)، وقراءة التوحيد ثلاثا، والنوم على طهور، والاستغفار مما كسبه العبد في النهار، والنوم على جنبه الأيمن مستقبلا جهة القبلة، وقراءة آخر آية من سورة الكهف لأجل الاستيقاظ لصلاة الليل مع عدم نسيان آلة التنبيه.

لابد من السيطرة على ساعات النوم، من المناسب جدا أن تكون للمؤمن وقفة مع مصائب أهل البيت (ع)، وخصوصا مصائب الإمام الحسين وأهل بيته (ع) ولو في الأسبوع مرة’’.
هوامش

[1] الهوية غير المكتملة، أدونيس، ص.44
[2]جميع محاضرات الشيخ حبيب وكتبه ولقاءاته ودوراته، تعمل وفق هذا البرنامج، وتثبِّته ببلاغتها في قلب الشارع.

[2] من موقع الشيخ الكاظمي (السراج) على شبكة الإنترنت.

اترك تعليقاً