يبقى المشي أحد أفضل الوسائل لرؤية ثقافة ما والتفاعل معها. لا وجود لحدود إلا التي تضعها لنفسك… السير على الأقدام وحيداً هو كل ما يحتاجه المرء لكشف لمحة الحياة المطلوبة كما تعاش في مكان غريب.
جويل سايمون،المفقودات
نعم، أفضل طريقة لرؤية المكان المشي فيه. زرت سوريا في 1992 وفي 1997 وفي 2003ومررت بها في 2004 و2005لكني لم أمش فيها إلا في 2006 حين أخذني طريق الحرير إلى عجائبها المتعددة، اكتشفت أماكنها بأقدامي وأعدت بناء خارطتها في ذهني فعشقتها برجلي. لأول مرة أذرعها من الجنوب إلى الشمال مروراً بباديتها بادية الشام.
أن نكتشف خارطة المكان بالمشي على هدى طريق قديم، فذلك يعني أن الطرق القديمة مازال بإمكانها أن تدلنا على خرائط غير مكتشفة، هذا ما فعله طريق الحرير بأقدامي، قادها بنشوة حتى وطأت بقلبها شهبا وبصرى والسويداء ودرعا وتدمر وبادية الشام وحلب وحمص وحماة،
حواسي كلها صارت عيوناً وكانت أقدامي القلب الذي يغذ السير في طريق الحرير، شاهدت بعيني أقدامي مدينة فيليب العربي وروائع أبولودور الدمشقي ومسرح بصرى، وفركت أحجار البازلت بيدي، ووضعت أذني على سوادها الأزرق، كي أسمع تاريخ 35حضارة بشرية مرت من هناك.
مشيت إلى متحف شهبا وذهلت بلوحات الموزاييك الملونة التي حفظت لنا “تيثيس “آلهة البحر” بشعرها الكثيف المختلط بالأسماك، وحولها آلهة الحب الصغار (الآمورات) الذين يمتطون المراكب والدلافين. والإله باخوس عارياً حول رأسه هالة الألوهية، و”أورفيوس” عازف القيثارة مرتدياً زياً شرقياً وفوق رأسه قبعة فريجية التي كانت ترمز إلى الحرية في روما القديمة.
في ليل تدمر قادتني قدماي إلى قوس النصر المواجه لمعبد (بل) حيث كانت زنوبيا تحكم مملكتها العربية في القرن الثالث الميلادي، وفي قلعة حلب وأسواقها القديمة اعتذرت لأقدامي لأني جئت بها متأخراً إلى حيث كان يجب أن تكون قبل سنوات. وطلبت منها أن تسعفني ونحن نصعد إلى أعالي القلاع الحصينة التي شهدت معارك الحروب الصليبية، قلعة دير سمعان وقلعة الحصن وما يجاورهما من قلاع كثيرة.
دمشق القديمة بأبوابها وسورها الذي هو أول سور بني بعد الطوفان، كنت أظنها السوق الحميدية والجامع الأموي، احمرّت ذاكرة قدمي خجلاً لفرط الحرج الذي كشفه جهلها، فراحت تمعن وتستكشف تاريخ الأبواب والبيوتات والأزقة والكنائس والطرق المقدسة والقصور والمقاهي والأسواق وكل التاريخ المحشور في هذا الكيلومتر المربع الذي سمَّاه آدم دمشق القديمة.
الرحلة كانت درساً على القدم، تعلمت فيها كيف مشت الحضارات بثقافاتها المتعددة بأقدامها المتعددة في طريق الحرير، لتلتقي كمدن متحركة في سوق متحركة عابرة للأعراق.
لمتابعة مشاهدات الطريق، يمكنكم زيارة هذه الوصلات:
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=23532
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=23534
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=23538
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=23540
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=23535
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=23537