“إن مثل الدنيا شجرة ونحن عليها كالفواكه الفجة، الفواكه الفجة تتمسك بالغصون بشدة لعدم نضجها، وبعدما تنضج وتصير حلوة يضعف تشبثها بالأغصان. إن التشدد والتعصب من عدم النضج”. جلال الدين الرومي
(والفِجُّ) بالكسر النِّيءُ من الفَواكِهِ.
(الفِجُّ) من كلِّ شيء: ما لم ينضَجْ
يمكننا أن نفهم الخطابات الاجتماعية وجماعاتها بالإحالة إلى شجرة ابن الرومي وفواكهها الفجة وفواكهها الحلوة. الخطابات في المجتمع تكتسب صفتها الاجتماعية بحسب قدرتها على تمثل التحولات التي تحدث في المجتمع. الخطاب الاجتماعي الذي لا يستجيب لسُنَّة الطبيعة كالشجرة التي لا تستجيب لفصول السَنة أو كالفواكه التي تنسى دورة نضجها.
بقدر ما يفقد الخطاب الاجتماعي صفته الاجتماعية المتمثلة في قدرته على تمثل التحولات واستجابته لسنَّة الطبيعة ودورة فصولها، يكون فجاً، أي نيئاً، غير ناضج، غير مطبوخ بسيرورة ما يحدث في المجتمع وما ينمو فيه من رشد، وما ينتج عنه من لين ورفق.
لا يوجد خطاب اجتماعي فج كله ولا خطاب اجتماعي ناضج كله. ومهمة الصحافة تنضيج الخطاب الاجتماعي، وكشف مناطق فجاجته.
لقد سقتُ هذه المقدمة الطويلة نسبياً على مقالة قصيرة، لأؤمن لنفسي مدخلاً ناضجاً حد الحلاوة، للدخول على خطاب الأخوة في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، الذي نشرته صحيفة الوقت كما وردها دون حذف أو تغيير، وذلك يوم الأحد 41 مايو 6002م، رداً على حلقات الفراشة ”كالتي هربت بعينيها: جماعة الأمر وتشكلات الذات”.
دعونا نرصد المناطق النيئة أو الفجة في خطاب الأخوة في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، ونقرأها في سياق ما تحيل إليه أوصاف التجديد والثقافي والاجتماعي.
يحكم خطاب الأخوة في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية على خطاب الفراشة بوصف: الحلقات المُخزية، حلقات الاستباحة، حلقات الإيذاء.
ويحكم خطاب الأخوة في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية على خطاب صحيفة الوقت لنشره (حلقات الخزي والاستباحة والإيذاء) بأوصاف: العجمة والابتذال والكيد والظنون والفتنة وأقلامها، والتحريض والبحث عن مادة للتشويق، وتحقيق المكاسب الشخصية على حساب الأعراض والقيم والمبادئ السامية وكرامة المواطن، والمستوى الفجّ، واستباحة الأشخاص والأعراض المُصانة، والكيد المغلف والتحريض المبطّن، ومحاولة النيل، والتلفيقٌ والتغريرٌ بالقارئ والكيدٌ، وأنه مسلسل تسويق وحملة حاقدة ومنظمة، لا تمت لميثاق المهنة ولا لضمير الصحفيّ بشيء أبداً.
ويحكم خطاب الأخوة في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية على خطاب كتّاب الوقت المتورطين بحملة الخزي والاستباحة والإيذاء بأوصاف: الفتنة والصبيانيّة، وفعال الصبا وتسليات الطفولة وفعال المراهقين ثقافياً، ممن يهوى الأضواء ويسعد بوجود اسمه وتكراره على صفحات الجرائد.
نحكم على الخطاب بأنه ناضج أو فج، بحسب طبيعة نضج الأحكام التي يطلقها على من يشاركونه في الاجتماع الإنساني ويكوِّنون معه المجتمع. ونحن نتحدث هنا عن مجتمع البحرين في عصر ما بعد الانفراج السياسية. بقدر ما تكون هذه الأحكام قادرة على تمثل لحظتها الاجتماعية، يكون نضجها. وبقدر ما تخفق في تمثل هذه اللحظة، وتظل متمسكة بغصنها من غير قدرة على مغادرته بنضج، تكون فجاجتها.
ليس من النضج أبداً أن نحكم على خطاب يقرأ بروح نقدية تجربة تشكله في شجرة مدة 16عاماً، بالخزي، في الوقت الذي تكون فيه ردود فعل مثقفي المجتمع الذي شهد تحولات جديدة، تصف الخطاب بالنضج والعمق والشجاعة والقدرة على قراءة الذات قراءة نقدية. وفي الوقت الذي لا تستخدم فيه الثمرة الناضجة أم16عاماً أي أوصاف قدحية مسيئة، يستخدم خطاب (جمعية التجديد) أقسى أوصاف القدح، وهو الخزي والاستباحة. لا يمكن أن ينضج الخطاب وهو لا يحسن تداول كلماته في المجتمع، بل إنه يعرض نفسه للخزي، متى أساء استخدام كلمة الخزي. وفي المجتمعات الناضجة يكون فيها الخزي أشد متى تغلظنا في وصف ما لا يتفق معنا، لأن المجتمعات الناضجة تتسامح مع المختلف معها، لكنها لا تقبل بالفظ الخطاب، النيئ الطبخ، الفج الثمر.
هكذا تنتج فجاجة الخزي أحكاماً تصوغها أوصاف قدحية، ولأن الفجاجة تستدعي فجاجة مثلها، فإن فجاجة الخزي، أخذت تنتج أحكاماً فجة نيئة لم يتسن لها الطبخ بالقدر الكافي. والخطاب غير الناضج هو غالباً محصلة نزق وانفعال وتعصب، لذلك تكثر في هذا الخطاب الأحكام وتقل الحكمة. والأحكام حين تنقصها الحكمة ينقصها الإحكام، فتـأتي هكذا مرسلة من الدليل والشاهد والقرينة والحجة. لذلك لم نجد في خطاب الأخوة في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية غير أحكام تتلوها أحكام تتلوها أحكام، إلا أن أياً من هذه الأحكام لم يتوفر لها خطاب يدعمها بحجة، فلا نعرف وجه الخزي في هذه الحلقات؟ ولا ندري كيف استباحت حلقات الخزي الأشخاص والأعراض المصانة؟ ولا كيف هي سلسلة خزي منظمة حاقدة؟ وعلى من هي حاقدة ولمن خازية؟ ومن يقف وراء خزيها؟
هكذا، حين لا يتوفر للخطاب معرفة ناضجة بشروط التداول الاجتماعي، يتورط بالخزي. أعني يتورط بإصدار حكم الخزي واستخدامه ويرتد عليه. فبدل من أن يقيم علاقة تصله بالمجتمع ومؤسساته الإعلامية وفي مقدمتها الصحافة، يقطع صلته بسلسلة أحكامه الفجة المؤسسة على سوء استخدام فعل الخزي.
وهذا السوء في حقيقته يخزي، لأنه يكشف (وأحد معاني الخزي الكشف) سوءاً مضاعفاً، وهو سوء تقدير الآخرين. فيرى في حلقات الخزي وصحافتها وكتابها (… وفتنة صبيانيّة، وفعال الصبا وتسليات الطفولة وفعال المراهقين ثقافياً….) ويرى في خطابه النيئ (جادون كلّ الجد ولسنا من هواة اللعب ولا ممّن يتذوقونه).
أحد أسوأ العلامات التي تدل على عدم نضج الخطاب الاجتماعي، أن ينسب للقائمين عليه فضيلة الجد والبصيرة والوعي، ويصم الخطابات المختلفة معه بالمراهقة والصبيانية والعمى وفقدان الوعي، وهي علامة تكشف عن عدم بلوغه حدّ النضج الذي يتيح له مخالطة المختلف من دون مزايلة مبعثها خوف تكدر صفائه ونقائه.
إن تمسك خطاب جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية بالأمر حدّ التماهي وعدم تحويله إلى أمر تاريخي، يجعل من جملتهم (معتقداتنا الحرّة) أقرب إلى أن تكون جملة فجة أو نيئة، خصوصاً وأنها جاءت في سياق مصادرة حرية الفراشة، من أن تسأل أو تعترض أو تشك أو تطير أو تضرب بجناحيها أو أن تروي سيرتها أو أن تفك أغلفتها أو أن تخرج من شرنقتها أو أن تبر نفسها من قسم الحلم. فعن أي معتقدات حرة يتحدث خطاب التجديد وهو يماهي بين أعراضه المُصانة ومعتقداته؟ أليست الحرية تبدأ حين نفك التماهي بين الشخص وفكره وشرف العَرض ودناءة الرأي؟
التماهي هو أحد علامات عدم النضج. فالثمرة الفجة تبقى متماهية مع غصن شجرتها ولا تنفصل عنها، ومشكلة خطاب جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، تكمن هنا، في جملة (كل ما يمت إلينا بصلة). فهو خطاب يتعصب إلى هذا الكل تعصب الثمرة الفجة، ويخشى الانفصال، لأنه يرى فيه سقوطاً مدوياً.
ما الذي بقي للجمعية من أوصافها (التجديد والثقافي والاجتماعي)؟ فثمرتها تأبى أن تسقط في المجتمع لتجدد دورة حياتها وتصنع شجرة جديدة.
وبعدُ، لم تبقوا لنا علامة من علامة النضج نشيد بها في خطابكم، لندفع عنكم بها حكم الفجاجة.