· تجربة 73برلمان شكلت وعيه بأهمية انخراط رجل الدين في السياسة وقضايا المجتمع التغييرية، ووعيه أيضاً بمفهوم النضالات الوطنية.
· ذاكرته تحفظ بشيء من الإعجاب الأداء التمثيلي لنواب الكتلة الوطنية والكتلة الدينية
· كانت تجربة 73النيابية درساً مبكراً لوعيه الغض، سيتناسى هذا الدرس عقداً، كما تناسته الحكومة ثلاثة عقود، لكنه سيرجع له بعد ذلك باعتباره الملاذ الأخير لابتكار وطن جديد.
في عطلة صيف ستيني يقرر الطفل حمزة علي ألا ينتقل إلى الصف الثاني الإعدادي بمدرسة طارق بن زياد بالمحرق، سيترك خشونة الكرسي الخشبي، وألفة أصدقائه فيه، وطعم التفوق ضمن قائمة العشر الأوائل، وينتقل إلى خشونة من نوع آخر، خشونة قسوتها أشد مضاضة، إنها خشونة شَظْف الحياة.
في نهاية الستينيات يقف حمزة في طابور طويل مع الباحثين عن عمل، في مكتب توظيف القوات الجوية الملكية البريطانية الآريف ( RAF) بالجفير، يعاينه الضابط البريطاني، يفحص وثيقته الحمراء، يرجعه لأنه لم يبلغ سن الثامن عشرة بعد، الدخول في شظف الحياة يتطلب سناً أكبر، لكن لا بد من حيلة، لابد أن يصل سن الثامن عشرة هذا الصيف، الوضع لا يحتمل أكثر، مرض الربو يفتك ليس بصحة والده فقط، بل يفتك بكرامته، لقد بلغ الأمر حد أن بدأت بوادر حركة جمع المال لعلاج والده من تبرعات جيوب أبناء قريته، الجيوب التي كان الهواء يخلخل فراغها المشتاق للامتلاء بوريقات لا تأتي.
§ الثامن عشرة
كان لا بد أن يبلغ الثامن عشرة، هناك في شارع باب البحرين، يمكنه ان يلبغ الثامنة عشر بسهولة، كان عليه أن يحصل على ما يشبه التزكية من الحاج حسن عباس يوسف مختار القرية، دكان الحاج حسن القريب من الجوازات حيث بلدية المنامة جعل مهمة الوصول إلى سن الثامنة عشرة سريعة وسهلة.سيكون من الآن بهذا الجواز ليس فقط أكبر من سنه، بل وأكبر من أحلام طفولته. سيغادر طفولته حاملاً معه ذكريات معلمة القرآن بنت سيد يوسف، وذكريات المدرسة الابتدائية، وذكريات سنة من المدرسة الإعدادية.
ظلََّ يعمل في الآريف ( RAF) طوال الإجازة الصيفية، بعدها عمل لمدة عام في شركة عبدالهادي العفو براتب 30ديناراً، كانت الشركة تتولى في تلك الفترة مهمة تشييد مطار البحرين. سينتقل إلى العمل في الشرطة، لكن لن يغادر المطار، سيرتدي لباس الشرطة ويعمل ضمن أمن المطار.
أتاحت له فترة التدريب التي استمرت 6أشهر أن يرى القلعة ويبني معها علاقة خضراء، لكنها ستتحول في مطلع الثمانينيات إلى علاقة سوادء. سيظل حمزة يعمل شرطياً، مدة أربع سنوات، لن يتمكن خلالها من المشاركة في التصويت في انتخابات 1973م، لأنه عسكري. لكنه في السنة نفسها سيخلع (Uniform) يونيفورم الشرطة، لكن ليس كي سيصوت في الانتخابات التي كان يتوقع أن تجري بعد حل برلمان 73، سيخلعه كي يكون كل شيء فيه حسن.
ما هو هذا (الكل) الذي كان لا يشوبه إلا هذا اللباس؟ كيف تشكل (كلّ) حمزة الحسن؟
§ اكتمال (الكلّ) الحَسن
حين خلع حمزة يوفرم الشرطة قبيل حل برلمان 73 لم تكن السيرة الثورية قد تشكلت بعد في شخصيته، كانت ملازمته للشيخ إبراهيم المبارك قد جعلت من شخصيته أقرب إلى المحافظة، لكنها محافظة ستنتج نقيضها فيه من دون أن يقصد أياً منهما ذلك، لم يقصد الشيخ أن يربي في مريده الثورية ولم يقصد المريد أن يخرج على شيخه.
كان الشيخ يكرر عليه “كل شيء فيك حسن إلا هذه” وكان يشير إلى عمله في الشرطة، لم يكن الشيخ يريد منه أن يخرج على الشرطة، بل أن يخرج من الشرطة، وكان المزاج الديني (الأخباري) [1] الذي هو مزاج الشيخ محافظاً بطبيعته التاريخية والدينية، والمسافة بينه وبين السلطة السياسية لا يُجَسِّرها غير خروج الإمام المهدي، فالسلطة في عرف المنهج (الأخباري) محرمة في عصر الغيبة، والعمل فيها يتحفظ عليه، والشخصية المحافظة تتجنب ما يتحفظ عليه الشرع، وما يتحفظ عليه الشرع عمل غير حسن، إنه ينقص من حُسن الشخصية، ويَحُول دون اكتمالها. كان الشيخ يريد من حمزة أن يتخلق بهذا المزاج الديني، ليكون مريداً، كلّ شيء فيه حسن.
كان الشيخ إبراهيم المبارك الشخصية الأهم التي خلفت الشيخ خلف العصفور في صياغة مزاج قرية الدير الديني منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات، مازال الديريون يتداولون حكايات الشيخ في القرية ومازالوا يتذكرون تماماً أهم المواقف التي اتخذت بناء على توجهات الشيخ الدينية. كان اعتزاز القرية بالشيخ ونفاذ كلمته فيها وحبهم له، قد بلغ بهم حد أنهم زوجوه إحدى بناتهم عرفاناً له[2].
§ دروس الصحوة
لم يكن يمكن لأي شخصية أن تأخذ بعدها الاجتماعي في القرية بدون أن تكون من رجالات الشيخ أو من المداومين على حضور مجالسه، وقد استجابت شخصية حمزة إلى هذا الشرط الاجتماعي دون أن تعي أنه شرط أصلاً. لكن قبل أن تكون هذه الشخصية من رجالات الشيخ فيما بعد، كانت قبل ذلك وعلى وجه التحديد في منتصف السبعينيات تحضر الدروس الدينية في البيوت، وهي دروس تختلف عن دروس الحوزة، إنها دروس بدايات الصحوة الدينية، ويفضل الدكتور علي هلال وهو أحد أهم مؤسسيها أن يسميها بدروس المقاومة، لأنها جاءت رد فعل على اكتشاف خلية شيوعية كانت تعمل على استقطاب شباب القرية، فالدروس كانت بمثابة عمل مقاومة لعمل هذه الخلية، وكان كتاب “الإسلام رسالة حياة” للسيد موسى الصدر من أهم الكتب المعتمدة في هذه الدروس.
كان الأستاذ علي هلال والأستاذ عبدالله التاجر والأستاذ عبدالله المطوع حينها يقودون هذه الدروس من منازلهما، حبل أن يتحولوا إلى المساجد ثم إلى المآتم. وقد كان بعضهم من المداومين على حضور صلاة الجمعة مع شيخ إبراهيم المبارك، بل ومن الذين كانوا يجدون في قول الشيخ إلزاماً دينياً يجب اتباعه. كان حمزة يحضر دروس الصحوة، وهو يروي أجواءها على النحو التالي: “كنا نتداول دروس الفقه والصلاة والتاريخ الإسلامي، تأثرت كثيراً بشخصية عمار بين ياسر وصلابتها، وقدرتها على مواجهة واقعها، لكني ما كنت قادراً في تلك المرحلة المبكرة على أن أكون عماراً بن ياسر، فظللت أحمله معي، وسأكونه في مرحلة لاحقة، المزاج (الأخباري) الديني الذي صاغ ملامحه فينا الشيخ إبراهيم المبارك لم يكن يسمح بذلك، والناس كانت ترى نفسها ملزمة بفتوى الشيخ إبراهيم”
في الحقيقة لم يكن الشيخ يفتي، فهو لم يكن فقيهاً، ولكن قوة حضور خطاب الشيخ في القرية يبلغ حدّ قوة الفتوى، كان الشيخ بأوامره ونواهيه يصوغ ثقافة الناس. وقد ظل نهيه عن استخدام الميكرفون في المآتم والمساجد ساري المفعول حتى التسعينيات إن لم يكن حتى 2006.
حين تسلم حمزة أمر قيادة الدروس الدينية وذلك بعد ابتعاد أو انشغال الأساتذة الأوائل بمواصلة دراساتهم الأكاديمية، بدأ حضوره في مجتمع القرية يأخذ الطابع العام، وكان هذا الطابع العام مُشكَّلاً بأوامر شيخ إبراهيم ونواهيه، أي بثقافته، ولن أقول تسلطه لأن التسلط يقوم على الإكراه والثقافة تقوم على الإقناع الداخلي حتى لو لم يكن الأمر عقلانياً أو منطقياً.
تؤكد الثقافة التي شكلها الشيخ على الزهد والابتعاد عن السياسة، حتى إنها كانت تتحفظ على استخدام مصطلح “ثور الحسين” كانت تفضل الحديث عن مظلومية الحسين لا عن ثورته، وتجد هذه الثقافة نموذجها التام في المقولة التي كان يرددها الشيخ دوماً “رحم الله المرء النُّوَمَة“.
§ الحُسن الأخباري
كان هذا الطابع العام أو الحس المشترك المُصاغ بـ(أخبارية) الشيخ إبراهيم سارياً في شخصية حمزة نفسها، وهي تتهيأ في تلك اللحظة، لتكون من شخصيات القرية، عليها أن تكون وفق مقاس الحُسن الذي هو نفسه الحس المشترك الذي يتطلبه ذوق هذه الثقافة المصاغة بخطاب ديني (أخباري) محافظ. أوامر الشيخ ونواهيه هي ما يشكل مذهب الحُسن في عرف القرية، وعرف رجالاتها، وعرف المقربين منه.
(الكلّ) الحَسن هو إذن شخصية حمزة بثقافتها الفقهية والتاريخية وملازمتها الصلاة خلف الشيخ، وحضورها مجلسه، وتأدبها بأوامره ونواهيه، وعملها الدعوي وأخلاقها الإسلامية وحصانتها بالزواج المبكر(1972). ينقص هذه الشخصية أمر واحد، هو أن تترك عملها في الشرطة وتبحث لها عن عمل آخر.
هكذا استجابت شخصية حمزة لشرط اكتمال حسنها، بالخروج من (Uniform) الشرطة في 1974م.
لكن هذا الاكتمال وفق مقاييس الحُسن (الأخبارية)، سيبدأ يختل، حيث ستبدأ تتسرب إلى قراءات حمزة كتب السيد محمد حسن فضل، وكتب السيد هادي المدرسي، وكتب السيد محمد باقر الصدر، وكتب دار التوحيد. وسيبدأ عمله في الترويج لهذه الكتب عبر شرائها من مكتبة المحوزي والإرشاد ودار العلوم وبيعها في القرية عند أبواب المآتم.
§ التململ الداخلي
مع هذه القراءات سيبدأ الشعور بالتململ الداخلي، لكنه لن يخرج إلى السطح قبل وفاة الشيخ إبراهيم وبداية انتصار الثورة الإسلامية في إيران. سيظل هذا التململ يعتمل فيه، ويأخذ صورة فقاعات خجولة أو بالونات اختبار صغيرة، يطلقها في فضاء القرية المشبع بذوق مزاج الشيخ المحافظ.
يسترجع شيخ حمزة بوادر هذه التململات بقوله:” ظللت أصلي خلف الشيخ حتى وفاته، حفظت خطبه كلها، بل صرت أعرف ما سيقوله من حركة شفتيه قبل أن يقوله، خصوصاً وأنه لم يكن هناك ميكرفون يحجبها، لقد بلغ بنا هذا التململ درجة تجرأ فيها مرة الحاج عبدالله مهدي المعتق بالتقليدية وبسنوات ملازمته للشيخ، وقال لشيخ إبراهيم لقد حفظنا خطبك، ألن تغيرها؟!!”
في منتصف السبعينيات سيختبر خروجاً آخر على ثقافة شيخه، سيدعو هو ورفقاؤه في العمل الديني السيد هادي المدرسي لتقديم محاضرة في المأتم الجنوبي بالدير، وذلك بعد أن تملّكه الإعجاب بشخصيته وكتبه التغيرية وبساطته الأسلوبية، سيعبر عن حضور كتب السيد هادي في شخصيته، بأن يستقبل مع رفقائه شهر محرم بيافطة معلقة وسط شارع القرية، كتب عليها بيت شعر ثوري، يقول “سيكون الدم الزكي لوانا ولشعوب تحاول استقلال، يقول شيخ حمزة ” علقت اليافطة وأنا أعرف ما ينتظرها، جاءني شخص هائج مساء حيث كنا نجلس في دكان السيد حسن في بيت السادة، وقال لي: لقد أغضبت الشيخ إبراهيم، وقد علق على اللافتة بقوله إننا لا نريد كلام الشيوعيين. وما لا يريده الشيخ لا يمكن أن يُرى في القرية، لذلك لم نر اللافتة”
كان موروث الشيخ الأخباري قوياً في شخصية حمزة، لكن ما كان يجري في الواقع من أحداث متتالية، كان أكثر قوة من أن يقاومه قلبه الشاب التواق للتغيير، يقول ” كانت تصلنا أخبار الوطنيين ونضالاتهم، لكنها تصل مُشوهة، لقد وعيت حادثة استشهاد بونفور، وكنت أسمع وجهة نظر الحكومة لكني كنت أشك فيه. ما أذكره جيداً أنني كنت أقارن مواقف علمائنا بمواقف الوطنيين وألومهم في داخلي، كنت مشدوداً لخطابهم عن العمال وحقوقهم وعن التغيير ومطالبهم السياسية”.
ستهيِّئ هذه المقارنات، فيما بعد، وعيه لاستقبال حدث انتصار الثورة الإسلامية في إيران، استبقالاً يتيح له أن يُثّور ما بداخله دون أن يخرج عليه، أو لنقل ستتيح له بالمعنى الثقافي وليس بالمعنى الفقهي أن يتحول من (أخباري) إلى (أصولي)، من مورث شيخ إبراهيم ومذهبه في الحسن إلى حدث الثورة ومشروعها في التغيير، لكن قبل ذلك، سيصقل وعيه الاجتماعي والسياسي بمعايشة تجربة برلمان 73.
§ برلمان 73
كانت سيارة الفوكس ويجن (Volkswagen) الصفراء طريقه إلى المجلس الوطني في 1973، استقلها مرات عدة برفقة النائب البرلماني عبدالله منصور الذي كان يمثل قريتي الدير وسماهيج في 73.حينها لم تكن السلطة التنفيذية قد أقرّت بعد سيارة بي أم دبليو لكل نائب. في المرات التي لا يتيسر له أن يركب الفوكس ويجن(Volkswagen) ولا يتيسر له أن يحظى ببطاقة دخول من النائب نفسه، يركب النقل العام، وهناك َينتظره عند البوابة صديقه الشرطي العماني، يدخله وفاء لليونيفور(Uniform) الذي كان يلبسانه معاً، قبل أن يغادر حمزة ما ينقصه إلى ما يكمله.
سيحتفظ في ذاكرته بصور من نقاشات هذا المجلس وصولاته وجولاته ومشاداته وملامح من رجالاته، يفتح الشيخ حمزة ذاكرته السبعينية، بهوى ناستالوجي فيروي “حضرت الجلسة التي ناقش فيها المجلس مقترح منع الاختلاط الذي تقدمت به الكتلة الدينية، لقد وقفت الدولة مع الكتلة الوطنية في رفض هذا المقترح، وبالفعل نجحت في منعه، كان الشيخ عبدالعزيز بن محمد الخليفة حينها وزير التربية، ما أن خرج من المجلس لحقته حتى سيارته مسيرة احتجاجية تطالب بمنع الاختلاط”
لقد شكل أداء الكتلة الدينية وعيه بإمكانية أن يكون لرجل الدين دور في إدارة الشأن السياسي والاجتماعي، وهو يروي هذا الوعي بشيء من الإعجاب بنواب هذه الكتلة ” ما زالت خوذة وليست عمامة شيخ عيسى قاسم تحضرني، كان الشيخ يلبس خوذته وينزل مصانع العمال، كي يتعرف واقعهم، فيحسن تمثيل قضاياهم في المجلس الوطني. ومازلت أتذكر بإعجاب الأداء المميز لأمين سر المجلس، عبدالله المدني، كان ذكياً ونشطاً وصاحب مبادرة، وكثير من التصويتات بحكم إدارته قد تحولات من الضد إلى المع أو من المع إلى الضد، في إحداها رفع التأييد من 5 أصوات إلى 25صوتاً. وربما يكون حرصي على شراء مضابط الجلسات التي كانت حينها تباع في المحكمة، يعبر في جانب منه عن إعجابي بشخصيته التي كانت تتولى تحرير هذه المضابط”
تجربة 73 لم تشكل وعيه بأهمية انخراط رجل الدين في السياسة وقضايا المجتمع التغييرية، بل شكلت وعيه أيضاً بمفهوم النضالات الوطنية، وقد كان الأداء التمثيلي لنواب الكتلة الوطنية هو الذي صاغ هذا الوعي، وذاكرته تحفظه بشيء من الإعجاب “كان أداء الكتلة الوطنية قوياً وصلباً ومعارضاً، حتى إني ما زلت أتذكر أداء عبدالهادي خلف قبل أن يخرج من المجلس بسبب الطعن في سنه القانوني من قبل النائب محمد سعيد الماحوزي، وعلى إيقاع إخراج خلف من المجلس كان المعزون في المنامة يرددون (أول رسول لحسين بني أمية اغتالته، وأول رسول للشعب العمالة شالته) لكن بقي رفقاؤه محسن مرهون وعلي ربيعة يمثلون الأداء الوطني، لقد وعيت بأصواتهم على معنى المطالب الوطنية، لكن في الوقت نفسه ، لم يرق لي تطرفهم الأيديولوجي فيما يتعلق بالأبعاد الدينية، حتى إنهم كانوا يريدون إلغاء إجازة تاسوعاء وعاشوراء، بل منهم من طرح ساخراً أن تكون عشرة أيام، وحين التقط شيخ عيسى قاسم الاقتراح، باغتهم بالدعوة إلى التصويت عليه، الأمر الذي جعلهم يسحبون سخريتهم التي كادت تنقلب عليهم”
وكي يكتمل وعيه بمعنى أصول اللعبة الديمقراطية، كان عليه أن يرى أصوات السلطة التنفيذية، كيف تمثل الحكومة؟ وكيف تبرر مواقفها؟ وكيف تدافع عنها؟ وكيف تكون سلطة تنفيذية فقط لا سلطة مطلقة؟، يقول ” لم يكن لدى السلطة التنفيذية أصوات، تجابه بها أصوات الكتل المعارضة مجابهة ندية غير أصوات علي فخرو، ويوسف الشيراوي، وحسين البحارنة. كانت هذه الأصوات تملك قوة حجة وقدرة على صياغة خطبها، بما يجعل البرلمان ساحة حوار ساخنة”
كانت تجربة 73النيابية درساً مبكراً لوعيه الغض، سيتناسى هذا الدرس عقداً، كما تناسته الحكومة ثلاثة عقود، لكنه سيرجع له بعد ذلك باعتباره الملاذ الأخير لابتكار وطن جديد.
ما الذي شغله في هذا العقد؟ إنه الأمر نفسه الذي شغل الحكومة، لكن كيف ستؤول سيرة حمزة في هذا العقد؟ هذا ما سنعرفه في حلقة أخرى..
هوامش
[1] المنهج الأخباري هو تاريخيا سلف مدرسة أهل الحديث التي واجهت أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس ضربات مدمرة على يد متكلمي الشيعة، والمنهج الأخباري معارض لمنهج الاجتهاد، ويدين نمط التفكير العقلي والتحليلي في الفقه الشيعي، ويدعو إلى إتباع ظواهر الأحاديث الدينية.
كانت بداية ظهور الأخبارية في مطلع القرن الحادي عشر للهجرة على يد الشيخ محمد أمين الأسترابادي (ت: 1036 هـ) ، صاحب كتاب (الفوائد المدنية) الذي فيه يشكك بحجية العقل في كشف الحقائق، ورفض بصراحة أصول الفقه الشيعي المبنية على أساس الاستدلالات والتحليلات العقلية. واستند في استدلاله على رفض قيمة المنطق الأرسطي وعدم الاعتراف بأهليته كأساس لعملية الاجتهاد، معترضا على عدم كفايته كإطار لعملية الاستدلال الفقهي التي يمارسها فقهاء المدرسة الأصولية.
[2] يعمل ملحق بروفايل حالياً ضمن العدد المخصص لقرية الديرعلى إعداد سيرة الشيخ إبراهيم المبارك في قرية الدير.