‘’الدولة بالمعنى الكامل للكلمة هي فكرة. وبما أنها ليس لها غير حقيقة إدراكية فهي ليست موجودة إلا لأنها تدرك بالفكر.. لماذا بناء فكرة مجردة عن الدولة في حين تبدو الوقائع كافية لإفادتنا عما تشير إليه؟’’.
الوقائع دائماً غير كافية، فلدينا منذ 1923 بيروقراطية إدارية ولدينا مؤسسات ولدينا وزارات ولدينا تشريعات ولدينا سلطات ولدينا محاكم وانتخابات ومحكمة دستورية ودائرة شؤون قانونية، وهي كلها وقائع ملموسة، لكننا نشعر دوماً بأنها ليست كافية لإفادتنا إن كان لدينا دولة. هل الوقائع تكذب؟ أم أنها لا تدل بشكل كافٍ؟ هل لدينا وقائع وليس لدينا فكرة؟
يبدو الأمر كذلك، فليس لدينا فكرة، لا تحمل هذه الوقائع على أهميتها فكرة تحيل إلى الدولة، فجميع هذه الوقائع تحيل إلى أشخاص لديهم نفوذ واسع لإفراغ هذه الوقائع من فكرة الدولة، لذلك تبقى الدولة اسماً يحيل إلى وقائع ملتبسة ومشتبهة، وهذا ما يجعل الفكرة غائبة أو سهلة التغييب.
في الوثائق الرسمية ‘’يشمل إقليم دولة البحرين وجزرها والمياه الإقليمية، والجرف القاري، وأية منطقة أو المناطق الاقتصادية الخالصة، وأية أراض أخرى، والمجال الجوي، والبحار التي تمارس دولة البحرين سيادتها أو تتمتع بحقوق السيادة عليه وفقا لأحكام القانون الدولي’’.
جميع ما يشمله هذا التعريف، مسجل في الوقائع، أي في المؤسسات الرسمية الواقعة التي تحمل اسم مملكة البحرين، وكل شبر من أشبار ما يشمله هذا التعريف، تقره هذه المؤسسات من الناحية القانونية، أي أن ملكيته وما يجري عليه قانونياً صحيح وفق قوانين الدولة ولا يمكن لأحد أن يطعن فيه، حتى الجزر التي لا نرى غير ثلاث منها، ستجد قوانين الدولة تقرّها.
نحن أمام حالة غريبة الوقائع تقر أن هناك دولة، لكن الفكرة تقول إنه ليس هناك دولة، لأن الوقائع تبحث عن معيار الإجراء وسلامته حتى لو كان بالحيل القانونية، والفكرة تبحث عن المعنى. الفكرة تقول إن الدولة لا تستملك من الناس، وإذا كانت الوقائع تقرّ هذه الاستملاكات مادياً وليس فقط رمزياً، فعلينا أن نعيد النظر في الدولة، وذلك بأن نعيد النظر في فكرتها.