نقلا عن جريدة المساء المغربية
استضاف فندق (Ibis) مسافر في العاصمة الرباط، السبت المنصرم، أشغال ندوة-مناقشة عامة في موضوع «الإسلاميون، اليسار والديمقراطية» ضمت عددا من الفاعلين والمهتمين السياسيين والحقوقيين، تميزت بنقاش مستفيض حول تشخيص طبيعة العلاقة بين الحركات الإسلامية واليسار والإمكانيات المتاحة لاشتغالهما المشترك وحدود ذلك.
الرباط – يونس مسكين:
بدا الصحافي محمد العربي المساري متفائلا وهو يؤكد أن في المغرب تقاليد الحوار، وأننا مجبولون على التفاوض، فيمكن المراهنة على المصالحة مع الذات والمصالحة الوطنية، و«مهما كانت الاختلافات، فإن الجميع سينصهر في بوتقة مغربية، لكوننا أول من انفصل عن الإمبراطورية العربية الإسلامية»، واعتبر أن عقلانيتنا تتمثل في صومعتنا المربعة عكس تلك المستديرة في المشرق… فيما جزم بأن هذا التصنيف بين إسلاميين ويساريين ليس هو السائد في المجتمع المغربي، كما أن الصدام ليس حتميا بين فئات المجتمع.
جرى هذا الحديث في الجلسة الثانية لندوة «الإسلاميون، اليسار والديمقراطية» صباح السبت المنصرم، والتي حضر جلستها الأولى الناشط الأمازيغي أحمد عصيد الذي اعتبر أننا بعد أن ورثنا عن الاستعمار دولة مزدوجة: مخزن تقليدي وإدارة عصرية، بات الطرفان (اليسار والإسلاميون) يمثلان هذه الازدواجية، أي مشروع حداثي ديمقراطي ينادي به العلمانيون، مقابل مشروع إسلامي، فالتياران معا هما نتاج تحولات المجتمع المغربي لما بعد الحماية. معتبرا أن الصراع بين التيارين يتم في غياب الديمقراطية وفي ظل حكم مطلق يستغل الصراع ليقدم نفسه كبديل عنهما معا، فكلما اشتد الصراع يبدو أنهما يلجآن إلى هذا الحكم لطلب تدخله، مثلما حصل بخصوص خطة إدماج المرأة في التنمية. ونتائج ذلك، في رأي عصيد، أن النقاش العمومي لم يربح شيئا ولم يتطور الوعي العام نظرا للطريقة التي استعملها الإسلاميون من التحريض والاتهام بالعمالة… وهذا ليس في صالح الديمقراطية، لأن التحريض يخلق ذهنية مهيجة داخل المجتمع. وكانت النتيجة أن شكل الملك لجنة ملكية عززت شرعيته ولم تكن لصالح أي من الطرفين.
فيما ذهب صلاح الوديع إلى أن الإيديولوجيات الدينية لا تتوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، متسائلا عما إذا كانت الحركات السياسية ذات المرجعية الدينية تستطيع أن تتبنى الديمقراطية وتتخلى عن التصورات الإقصائية، «لا أحد يمكن أن يجيب ويؤكد أو ينفي ذلك»، يقول الوديع قبل أن يستدرك: «الحركات السياسية الإسلامية مرشحة لتليين إيديولوجيتها مع تطور المجتمع، ليس لحربائيتها بل لأن القاعدة التاريخية لا ترتفع». ذلك أن الحركية السياسية، عند صلاح الوديع، هي عندما تتواجه الإرادات الفئوية والطبقية وتسفر عن حصيلة هي جماع كل هذه الإرادات، حيث يقفون على أن نتيجة تدافعهم لا تعكس طموحاتهم كما تصوروها في البداية، وهذا ما يصطلح عليه بـ»عتبة الديمقراطية»، أي وعي الجميع بضرورة تحقيق توازن بفضل الردع المتبادل، لكن الأمر لا يقف عند الوعي بهذه الضرورة لأن فكرة الديمقراطية خاضعة للتطوير الدائم. «فهل تريد الحركات الإسلامية تحقيق التنمية البشرية وبناء الدولة القوية»؟ يعود الوديع إلى التساؤل، «أم استرجاع أمجاد الدولة الإسلامية؟» في الحالة الأولى تكون هذه الحركات قد أقرت بأن الوطن هو المرجع وبالتعدد في هذا الوطن، وستناقض بنفسها مسألة الاستخلاف الديني، لأن الديمقراطية ترتبط بالدولة الوطن لا بالمرجعية الدينية. وهذا السؤال الذي يطرح اليوم على الحركات الإسلامية، يؤكد صلاح اعتمادا على خبرته وليس بصفته باحثا سياسيا ولا متخصصا في الإسلام السياسي، سبق وأن طرح على اليسار، الذي اعتبر في وقت معين أن الديمقراطية وحقوق الإنسان فكرة مرفوضة تعبر عن طموح بورجوازي، قبل أن يحدث التحول وتصبح زعاماته قائدة لعملية المطالبة بحقوق الإنسان.
مجرد نقيض للاستبداد؟
إثارة مسألة الديمقراطية من خلال التاريخ أثارت برلماني حزب العدالة والتنمية الذي بدا هادئا وهو يؤكد أن موضوع الحرية والمجتمع وعلاقات التعاقد والتأثير والصراع والتوافق موجود منذ خلق الله الإنسانية وليست وليدة اليوم، واستغرب كيف أن التاريخ يقف عند الأوربيين، فمنذ آدم عليه السلام، يؤكد عبد العزيز رباح، جاء الأنبياء برسالة ذات مضمون اجتماعي شامل، ومقاومة استبداد فرعون جاء برسالة سماوية، فكانت رسالة موسى رسالة ثورية ضد ظلم فرعون. معتبرا أن المواجهة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى كانت سياسية وليست عقدية، ذلك أن المرجعية الدينية مرجعية تحريرية بالدرجة الأولى، فلو أن الإسلام اقتصر على العلاقة بين العبد وربه لجاء القرآن في حزب واحد يوضح هذه العلاقة، يقول رباح. أما عن موضوع الندوة فقد أقر بأن كثيرا من التيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تريد أن تطمئن على المستقبل بعد صعود الحركات الإسلامية إلى سلطة القرار في عدد من الدول، موضحا أن الحركات الإسلامية ثلاث: الأولى جاءت لمواجهة الحكام وظهرت منذ وفاة الرسول، والثانية جاءت تنادي بالإصلاح من الداخل وتربطه بعلاقة الأمة بأعدائها فتجنبت إضعافها بالخروج على الحاكم، والثالثة تولت التشريع للسلاطين كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرهما، حيث يوجد مثقفون ينظرون للأنظمة القائمة.
وفيما أكد عمر إحرشان، الرئيس السابق لشبيبة العدل والإحسان، أن الديمقراطية هي نقيض الاستبداد، وهي آليات «فصل السلط وتوازنها…» لكن البعض يريد أن تصبح الديمقراطية دينا، وهنا مكمن النقاش، كما أن هناك توجه اللادينية وهو غير ممكن، بينما يوجد بين العلمانيين صنف كارهٌ للدين وآخر متخوف من الدين، وهذا الأخير يمكن التحاور معه. واعتبر أحمد عصيد أن للإسلاميين تصورا تكتيكيا وبراغماتيا للديمقراطية، ذلك أن هناك من يحتفظ بمشروعه في رأسه وليست الديمقراطية لديه إلا مرحلة، «فيجب القطع مع ازدواجية الخطاب لدى الإسلاميين». مؤكدا أن ليس هناك وضوحا لمعنى الديمقراطية في الأذهان، فهناك قواعد لا يمكن بدونها لخيار الأغلبية إلا أن يؤدي إلى مزيد من الاستعباد، فإيران مثلا، يقول عصيد، لا تزوّر الانتخابات، لكن ليست هناك ديمقراطية وهناك مصادرة للصحف التابعة للرئيس نفسه (على عهد محمد خاتمي) من طرف سلطة أقوى هي المرشد الديني. تلك القواعد هي احترام الآخر وحقوقه الأساسية، فليس من حق الأغلبية أن تعدل القوانين التي بلغت بفضلها السلطة، أي القيام بإنهاء الديمقراطية. تحامل أغضب رباح الذي استغرب عدم التجرؤ على انتقاد دول مثل فرنسا التي تمنع مناقشة قصة المحرقة اليهودية أو التشكيك فيها، «أم أن فرنسا تقوم بتمويل ندواتكم؟» يقول رباح مخاطبا عصيد في نقاش ثنائي. وذهب برلماني حزب المصباح إلى أن الحركات الإسلامية تدرجت بسرعة لتبني الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس كآلية استغلالية، بل كقناعة نظروا لها وأصّلوا لها وأقاموا لها المدارس للإقناع بها، فتم التأصيل لفكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر بأشكال مختلفة. بل إن حماية واحترام أبناء الديانات الأخرى عقيدة لدى المسلمين، يقول رباح.
قطب «حريم السلطان»؟
تدرج كان صلاح الوديع قد سجله على اليسار نفسه بعد أن نبه إلى نسبية الحديث عن المرجعية الإسلامية، وأن على الحركات الإسلامية أن تقر بهذه النسبية ونسبية مقاربتها واعتبارها تأويلا من بين تأويلات، لأن الإسلام عرف انقسامات في تأويله، مؤكدا أن العيب لا يتمثل في اعتماد المرجعية الإسلامية، بل العيب هو ادعاء تأويل واحد للدين كمرجعية وحيدة. وهذا التعدد في الفرق الإسلامية واستمرارها دليل على نسبية التأويل ومسوغ لمجادلة الحركات التي تجهر بالمرجعية الإسلامية. فيما طالب الوديع بالإقرار بحرية اللاتدين، لأن الإيمان، بالنسبة إليه، مسألة شخصية وموقف فردي بين الفرد وخالقه، ذلك أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون الإنسان مسؤولا شخصيا عن إيمانه، مؤكدا أن الانقسام على أساس تأويل الدين لم يسبق له وجود في المجتمع المغربي. فيما اعتبر أن الديمقراطية ليست مجرد نمط اقتراع واحتساب للأصوات، بل هي اختيار فكري ينطلق من قيمة الفرد والاختيار الحر والتعاقد… ولا يمكن ادعاء الديمقراطية إذا كان البرنامج السياسي يعادي مبادئها حتى لو فاز هذا البرنامج بأغلبية الأصوات، أما إذا كان هذا البرنامج يفاضل بين الأحزاب، فإننا «نكون قد أخللنا بأسس الديمقراطية، لذلك يجب على القانون أن يفرض عدم استعمال الدين في السياسة، لكون الاستقواء بالمقدس الديني كبح للديمقراطية».
علي أفقير، عن حزب النهج الديمقراطي، اعتبر أن التناقض الذي يخترق المشهد السياسي ليس هو الذي بين اليساريين والإسلاميين، بل إن هناك ثلاثة أقطاب: قطب القوى البرلمانية الملتفة حول الملكية (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، العدالة والتنمية…) وهي تتفق على الرأسمالية والليبرالية والملكية بشكلها الحالي ودين الدولة (الإسلام السني المالكي) والمناوشات بين مكونات هذا القطب هي بمثابة المناوشات بين حريم السلطان. وقطب ثان تشكله المعارضة الإسلامية (العدل والإحسان والسلفية الجهادية بفروعها) وهي معارضة جذرية للحكم تستمد مرجعيتها من الدين، وهو قطب ماضوي تنحصر معارضته في الجانب السياسي وتفتقر إلى مشروع اقتصادي اجتماعي، لكنه يتعرض للاضطهاد. أما القطب الثالث فهو اليسار الجذري (اليسار الماركسي، أي النهج الديمقراطي الذي يمثل استمرارية التيار الماركسي اللينيني) «ونحن لا نهاجم التيارات الإسلامية الجذرية المعارضة، بل الحكم المخزني»، يؤكد أفقير. فيما ذهب مصطفى المعتصم عن حزب البديل الحضاري، إلى القول: «خسر الإسلاميون وخسر اليساريون وخسرت الديمقراطية حين لم ننجح في تتويج المسار الذي يفترض أن يوصلنا إلى ديمقراطية حقيقية، فقد عاد الفاسدون وانتصروا أمام الصمت المتواطئ للسلطة وليس الحياد السلبي». وأضاف: «لقد أخلف مهندسو القرار داخل السلطة الموعد، فهل نقبل أن نبقى محتقرين؟ وهل تترك القوى الوطنية الديمقراطية صناع القرار السياسي يصنعون مغرب المستقبل لوحدهم؟». معتبرا أنه من حقنا أن نكون قلقين جدا على مستقل بلادنا بعد الذي حصل في 7 شتنبر وتشكيل الحكومة، ولا بد من وقفة تأمل في الحصيلة وطرح الأسئلة الحقيقية والإجابة عنها بمسـؤولية وشجاعــة.
«البحرين» يلتقيان
أشغال الندوة التي تغيب عنها كل من عبد الصمد بلكبير وعبد الحميد أمين كما كان مسطرا في البرنامج، تميزت باستضافة ضيف قادم من دولة البحرين، «بلد مساحته 700 كلم مربع ولا يتعدى عدد سكانه نصف المليون، لكنه ببحرين، أحدهما حلو والآخر مالح يتعايشان بهدوء»، يقول علي أحمد الديري محاولا تلطيف الأجواء بعد احتجاج عبد العزيز رباح على مسير الجلسة، المعطي منجب، الذي بدا مشاطرا لرأي عصيد في كون الحركات الإسلامية قامت بالتهييج في موضوع المدونة. ورغم نقاط التقارب بين التجربتين المغربية والبحرينية، والتي جاء الديري لعرضها، فإنه راح يستعرض المسار المتعثر للإصلاح السياسي في بلاد النصف مليون، ذلك أن عائلة آل خليفة جاءت إلى البحرين سنة 1783، رغم أن هناك اختلافا حول الكلمة المناسبة: جاءت أم فتحت أم غزت أم استولت، يقول الديري قبل أن يبوح: «لا زلنا في البحرين نخشى فتح تاريخنا، هناك شيء من الحظر». فقد استقلت البحرين عن «قبيلة بريطانيا» سنة 1971 وتم وضع أول دستور سنة 1973 والذي كان متقدما جدا ورافقه إحداث مجلس وطني (برلمان)، لكن كل ذلك تم وأده سنة 1975 بدخول البلاد في نفق مظلم إلى غاية سنة 2000 مع المشروع الإصلاحي الذي أسفر عن وضع دستور جديد سنة 2002 حمل تراجعات كثيرة عن سابقه، «ذلك أن البرلمان الحالي لا يستطيع أن يشرّع أو أن يسقط وزيرا»، يقول الديري قبل أن يعتبر أننا نحتاج إلى مراجعة فكرة الدولة، لأنها في الأساس فكرة تقوم على أنها إدارة عقلانية واجتماعية تؤمن الحرية وتنزع الخوف، أي أن الناس يطيعون القانون وليس الناس، فيخرجون من طاعة العامة إلى الطاعة العامة. فيما اعتبر أن العلمانية تعني فصل الخوف عن الدين، أي ألا يصبح الدين أداة إرهابية وتخويفية في يد الدولة، قبل أن يقذف بحسرته قائلا: «لدينا رئيس وزراء واحد منذ الاستقلال».
«النظام المخزني
هو المستغل الأول للدين»
حسرة قلل منها عمر إحرشان متسائلا: «بالله عليكم كيف يعقل أن شخصا حكمنا لمدة 38 سنة؟ بينما في الأنظمة الديمقراطية لا يتجاوز الشخص ولايتين في السلطة، أي عشر سنوات على أقصى تقدير». فيما كاد إحرشان للوهلة الأولى أن يجزم بعدم إمكانية التوافق بين الإسلاميين واليسار «نظرا للخلافات الإيديولوجية حد التناقض في قضايا رئيسية والصراعات الميدانية على مر التاريخ». لكنه عاد إلى مقاربة الموضوع من زاوية «مصلحة البلاد» ليجد أن العوامل المشجعة على التقارب هي الغالبة، منها إرادة الشعب وضرورة وضع حد للنزيف الذي تعرفه البلاد والذي أصبح يستحيل على أي طرف أن يوقفه لوحده. ثم إن هناك اتفاقا سياسيا على تشخيص المرحلة وأولوياتها الدستورية، علما أن معسكر الفساد يستقطب من المعسكر الآخر، حتى بات رموز اليسار يدافعون عن الفصل 19، برأي إحرشان الذي أضاف عوامل تقارب أخرى مثل الاصطفاف إلى جانب الشعب والوقوف ضد الهيمنة الأمريكية… ويخلص إلى أن صيغة التوافق هي التعايش والتعاون والتنافس، وضرورة تشكيل جبهة أو تكتل وطني لتغيير ميزان القوى لصالح الفئات الشعبية ومطالبها ووضع ضمانات لعدم العودة إلى الاستبداد.
توافق رأى أحمد عصيد أن موانعه تتمثل في تباين المرجعيات، خاصة أن هناك من يعتبر مرجعيته مطلقة فيصعب التشارك معه في أي بناء، «كما كان الحال مع عبد السلام ياسين الذي قال لنا تعالوا إلى كلمة سواء، ولم تكن هذه الكلمة سوى مرجعيته هو». بينما يقول العلمانيون، في رأي عصيد، إن الموضوع نسبي يمكننا التناظر حوله. بينما اعتبر علي أفقير أن ما يفرق بين القطبين الثاني (الإسلام الجذري) والثالث (اليسار الجذري) هو المشاريع المجتمعية ومسألة التشريع ومصدره، وعلاقة الدولة بالدين، «حيث يعتبر الكثيرون الإسلام دين الدولة، فيما ندعو إلى الفصل بينهما، ذلك أن النظام المخزني هو المستغل الأول للدين» قبل أن يضيف: «أشدد على أن خلفيات الصراع ليست دينية أو حضارية، بل هي أفقية بين تكتلات طبقية». فيما عاد المساري بتفاؤله مؤكدا أن التعلق بالدين ليس ظاهرة عابرة، بل إنه آخذ في التغلغل، «ذلك أنني عندما كنت وزيرا للاتصال، أجريت دراسة حول نسب مشاهدة القناتين، فوجدت أن برنامج «ركن المفتي» يحقق رقما قياسيا لاستقطاب المشاهدة يفوق نشرة الأخبار ويعادل الفيلم المصري، وهذا يدل على أن المغربي يريد أن يكون في سلام مع الله»، موضحا أن الإسلاميين هذبوا كثيرا من طروحاتهم وباتوا يقدمون أنفسهم كجزء من الكل، و»أعتقد أن الإسلاميين سيكفون عن نقل نموذج الإخوان المسلمين»، وأن اليسار ظل يصارع منذ 30 سنة، لكنه الآن «لم يعد مشغولا بفكرة قتل الله، أي نبذ التدين» بعد أن أرغمت صناديق الاقتراع هذا اليسار على القبول بنسبية التمثيل، يؤكد المساري معلنا أن كلمته السحرية هي المصالحة، و»ليس للدولة أن تجر الناس رغم أنوفهم نحو الجنة».
القوى التي كان يجب أن تحفز على الديمقراطية أصبحت عائقا للانتقال
مصطفى المعتصم الذي كانت كلمة «ثورة» تنفلت من لسانه مكان كلمة «ثروة» جزم بأن الدولة المغربية فشلت في مشروعها السياسي لكنها نجحت في توظيف صراع الطرفين واطمأنت إلى استحالة قيام تحالف بينهما، مؤكدا أن أغرب ما حدث في المغرب منذ 1999 هو أن القوى التي كان يجب أن تحفز على الديمقراطية أصبحت عائقا للانتقال، حتى أن بعض الإسلاميين يطالبون الملك بتفعيل صلاحياته الدستورية في موضوع المدونة ضد العلمانيين، فيما يقوم الطرف الآخر بنفس الشيء لمنع احتكار الإسلاميين للخطاب الديني. قبل أن يقول إن على الإسلاميين تهدئة مخاوف العلمانيين من الإسلام السلطاني، وعلى الطرف الآخر أن يهدئ المخاوف من العلمانية الجذرية، ويدعو إلى الجلوس إلى طاولة حوار يفضي إلى توافق وصياغة مشروع شامل، لكن مع استبعاد الأحزاب التي شاركت في إيصال البلاد إلى الأزمة. رأي كاد علي أفقير يشاطره حين اعتبر أن المسؤولية عن الوضع الحالي لا تعود إلى اليساريين (الجذريين) أو الإسلاميين (الجذريين)، واللذين تجمعهما معارضة النظام المخزني وعدم المشاركة (مقاطعة الانتخابات مثلا) ومناهضة الإمبريالية العالمية، الأمريكية والصهيونية والداعمين لها. فيما اعتبر عصيد، الذي أكد أنه لا ينتمي لا لليسار ولا للإسلاميين، أن كلا من الطرفين يسعى إلى التحالف مع السلطة لمواجهة الطرف الآخر، وقد استعملت السلطة هذه التحالفات، فبعد أن كان مخطط السلطة هو استعمال الإسلاميين ضد اليسار، هي اليوم تعود إلى استعمال اليسار ضد الإسلاميين. معتبرا أن الديمقراطية تستحيل باستعمال الدين كما هو متعارف عليه في الحركات الإسلامية، «فيجب أولا تحديث الإسلام في المنظومة التربوية وفي الخطاب الإعلامي…»، مؤكدا أننا لو عدنا إلى استفتاء الشعب حول حقوق المرأة سوف لن تكون هناك حقوق، لأن المغاربة يحقدون على المرأة العصرية بنسبة 85%، مثيرا احتجاج رباح وبعض الحضور الذي فاق الـ150 حسب المنظمين.
برلماني العدالة والتنمية أصر على أن الحركة الإسلامية في المغرب بتعدد تلاوينها أصبحت مدرسة للعالم العربي والإسلامي في تبني الديمقراطية وحقوق الإنسان، مؤكدا أنه لم يسبق للحركات الإسلامية أن قالت حرام أن يكون للملك مستشار يهودي أو وزير يهودي. لكنه أقر بأن الواقع الحالي مبني على الشك والتباعد بين الفاعلين، والسؤال هو إمكانية الوصول إلى وضع آخر.
http://almassae.biz/?issue=346&RefID=Content&Section=3&Article=5302
يستثير الذهن توصيف العلمانية بأنها “فصل الخوف عن الدين”. في إنتظار قراءة نصك عند إكتماله
الإسلاميون واليسار والديمقراطية…
ظننتها حكاية مغربية، فإذا بها حكاية بحرينية. القصة، السيناريو، والأبطال، فقط الأسماء تختلف.
في مداخلتك، شبهت يا عزيزي الدولة بالخوف حين ذكرت أن العلمانية هي فصل الخوف عن الدين. ولا بأس في ذلك، خاصة إذا ما تتبعنا المفهوم التاريخي للعلمانية. ولتوضيح وجهة نظرك، ذكرت لاحقاً : ” أي ألا يصبح الدين أداة إرهابية وتخويفية في يد الدولة ”
وهو ما يعني تحرير الدين من سيطرة ونفوذ الدولة (الخوف).
الغريب في الأمر أن الفئة الغالبة من الإسلاميين تكافح من أجل بقاء هذه الهيمنة المهينة للدين: هيمنة الدولة على الدين وتحويله إلى أداة خوف.
في المقابل، نضجت الكنيسة في الغرب الديمقراطي بحيث أصبحت تمجد النظام العلماني الديمقراطي وتعتبره حامياً للدين وضمانة لبقائه منزهاً وحراً من الخوف وهيمنة الدولة.