المرأة في الانتخابات الكويتية

مرآة الطائر

المرأة في الانتخابات الكويتية

"غالبية الحيوانات لا تدرك فكرة أن الصورة في المرآة متصلة بهم وليس بحيوان آخر. لقد أدركت هذه الحقيقة بقوة في أحد فصول الربيع. كان ذكر طائر الكردينال عندما تكون الشمس على ارتفاع معين، يخوض قتالا شرسا مع صورته المنعكسة على نافذة غرفة معيشتنا. من الواضح أنه كان يرى صورة منافس له على مقاطعته" جيمس ترفيل

كنت في الكويت في انتخابات 2006 و2008، كنت أمثل صفتي الشخصية، وهي صفة تسمح لي أن أكون حراً في الشق الذي أرى من خلاله الديمقراطية الكويتية في حدث الانتخابات.

عاينتها في 2006 من خلال شق وحيدةالبدون (بدون جنسية بدون ملكية بدون صوت بدون بطاقة انتخابية بدون اعتراف بدون جواز بدون مواطنة بدون رأي) ([1]).اخترت أن أرى الانتخابات كعلامة نقص على الديمقراطية، لا علامة كمال، وذلك من خلال ما تستبعده هذه الانتخابات وتهمشه وتصادره وتسلبه حق الفعل في تقرير مصير البلاد.

وفي هذه الانتخابات حاولت أن أعاينها من خلال شق المرأة من خلال علاقتها بمرآتها. والمرأة هنا ليست موضوع تنمية، بل موضوع ثقافة، وعلى الرغم من العلاقة بين التنمية والثقافة، لكني معني بشق الثقافة الذي يكاد لا يُرى أكثر من عنايتي بموضوع التنمية الذي يمكن الاستدلال عليه بمؤشرات إحصائية.

الديمقراطية تجربة تتيح لثقافة المجتمع أن تتغير، فما الذي أتاحته تجربة الديمقراطية الكويتية من تغيير يتعلق بالطريقة التي ترى بها المرأة نفسها ويرها بها المجتمع؟

خطة بدون صورة

كنت ضمن الوفد البحريني المشارك في (ندوة خطة التنمية الثقافية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) ([2]) لم تقل الندوة شيئاً جديداً، لكنها أتاحت لي مدخلا لقراءة الانتخابات، والمدخل لم تتحه أدبيات الندوة التي لم تتوفر على ضوء جديد، بل أتاحته الثقافة الممارسة في الندوة، والفعل (الممارسة) أبلغ دوماً في الدلالة من القول، بل هو يفضح أقوالنا وخططنا الاستراتيجية وعناويننا (أستاذ، دكتور، باحث، متخصص، ناشط) التي تسبق أقوالنا، ونستخدمها حججاً لإثبات ما نقوله.

كانت إحدى (النساء) الأكاديميات المشاركات في (ندوة خطة التنمية الثقافية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) قد رفضت أن ترى نفسها في مرآة الصحافة، لم تقبل أن يلتقط لها مصور جريدة (أوان) الكويتية صورة من فوق منصة الندوة. يبدو أنها وجدت أن منصة الصحافة ستضع صورتها في قاعة المجتمع العامة، حيث ما يظهر فوق هذه المنصة يصبح قابلاً للتداول والتعميم، وهما فعلان تعطيهما الثقافة للرجل كمنقبة، وتعطيهما للمرأة كمنقصة، فالرجل بقدر ما تتداول صورته وتعمم في ميدان المجتمع العام يشكل حضوره منقبة يفتخر بها، والمرأة بقدر ما تتداول صورتها وتعمم في الميدان العام، يشكل حضورها منقصة تعيبها وتعيب أهلها.

عداوة الصورة

المرأة في هذا النموذج غير المتصالح مع صورته، لا ترى في صورتها الظاهرة في مرآة المجتمع العام ذاتها التي تفتخر بها، بل ترى فيها صورتها التي لا تريدها، تراها صورة أخرى تحاربها وتعاديها، وهي تشكل لها مصدر تهديد وفضح وإمكان استغلال وإساءة.

في هذه الصورة تصير المرأة عدوة نفسها، لا ترى نفسها في مرآة الميدان العام، سواء جاءت هذه المرآة في شكل صورة صحفية أو مرشحة نيابية أو ناشطة سياسية، المرأة لا تتعرف على نفسها في هذه النماذج وترى فيها صورة مغايرة لذاتها فتحاربها وتصير عدوة لها. المرأة في هذا النموذج لا ترى نفسها في مرآة الميدان العام.

كان عنوان الورقة التي تقدمها هذه (المرأة) الأكاديمية (الاستراتيجية العملية الممكنة لتنمية ثقافة الطفل). وهو عنوان يحيل إلى عناوين أصبحت رائجة اليوم، خصوصا عند التيارات الدينية والمحافظة والجهات التربوية التي تعمل بنظام البرمجة الآلية، وذلك بفضل تقدم نظريات التخطيط والبرمجة والإدارة والجودة، لذلك تجد في هذه الأوساط، مهما كان حظها الثقافي، تتداول بكثافة مصطلحات: الخطة والاستراتيجية والأهداف والرؤية والرسالة. وهي عناوين تركز على طريقة العمل وتنظيمه وإنجازه والطريقة التي نصل بها إلى الآخرين ونشكل عبرها قناعتهم.

وهذه العناوين ليست معنية بطبيعة الثقافة التي تروّج لها، ولا بوظيفة التنوير التي كان وظيفة الثقافة والمثقفين في عصر الأنوار الأوروبي ومرحلة النهضة العربية، بقدر ما هي معنية بأن يكون محتوى ما تقدمه يطابق السائد والأعراف وجماعات المصالح والتدين التقليدي أو التدين السياسي أو أي نسخة من نسخ التدين.

هي تريد من محتوى الاستراتيجية والخطة أن يعمل على جعل الذات تطابق كل هذا التقليدي والعرفي، وهي ترسم خطة تهدف إلى أن ترى الذات نفسها في مرآة هذا السائد المستقر المتعارف عليه، ومتى صارت الذات ترى نفسها بنورها الخاص في مرآتها الخاصة المتفردة، صارت الصورة خارج الخطة والاستراتيجية، وبمنطق الاستراتيجية الحربية، تصبح الذات في مرآتها الخاصة عدوة ذاتها والمجتمع ويجب محاربتها، فالمرأة مثلا متى صارت ترى نفسها في مرآتها الخاصة بعيدا عن مرآة المجتمع، صارت صورتها في هذه المرآة مضادة وخارجة ومتمردة وشاذة عن المتعارف عليه، وعلى المرأة قبل المجتمع أن تحارب هذه الصورة، وألا ترى فيها نظيراً لشخصيتها أو شخصية المجتمع، فهي نظير للشيطان العدو.

صورة بلا نظير

ويبدو أن غياب هذه المهمة التنويرية وما تقتضيه من نقد وتشريح ومواجهة مع مصالح المستفيدين من استقرار ثقافة المجتمع في شكل لا تاريخي، قد أصاب أجواء ندوة(خطة التنمية الثقافية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) فأغلب أوراقها مكتوبة بروح ما قبل حتى خطة (1987) التي اعتمادها المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الثامنة في الرياض1987. كانت بذرة هذه الخطة الأولى ندوة عقدت في 1985بالكويت تحت مسمى «ندوة العمل الثقافي المشترك بين دول مجلس التعاون».

يبدو أن هذه الخطة غير قادرة في 2008 على تجاوز خطة 1987 أو ابتكار نسخة جديدة لها. وهذا ما أشعرني بتململ أثناء الاستماع إلى أوراق الندوة، فرحتُ أعالجه بقراءة كتاب عالم المعرفة (هل نحن بلا نظير؟). وجدت فيه فقرة أذهلتني، لأنها منحتني مفتاحاً تفسيرياً لحادثة الأكاديمية التي هاجمت الصورة التي التقطها مصور جريدة أوان، أي هاجمت صورتها في مرآة الكاميرا (كاميرا الجريدة)، وستكون مفتاحاً تفسيرياً أيضا لعدم نجاح حملة جريدة (أوان) لمناصرة المرأة في انتخابات 2008.

لم تنجح (أوان) في إقناع الأكاديمية لإيصال صورتها إلى الميدان العام، ولم تنجح أيضا في إيصال صورة المرأة وصوتها في الانتخابات إلى الميدان العام. ويبدو أن عدم النجاح في الحالتين، يؤكد أنهما يمثلان حالة واحدة. وهذا ما يدعونا إلى أن نتساءل: ألم يحن بعد أوان الصورة؟ ما مشكلة الصورة؟ هل الصورة عقدة؟ أليست الصورة نظيراً للشخص؟ هل المرأة لا تدرك شخصها النظير في الصورة كما يدرك الرجل؟ هل الرجل بلا نظير في قدرته على إدراك شخصيته في الصورة؟ هل الرجل أوهم المرأة أن ظهور صورتها في المرآة العامة يضر بها، فراحت ترى في الصورة العامة صورة عدوتها لا صورتها؟ هل المرأة بلا نظير في استعداء نفسها؟

عقدة الكردينال

في كتاب (هل نحن بلا نظير) جواب أجده بلا نظير في قدرته على إيضاح الإشكالية النظرية التي أريد أن أوضحها. يقول:"غالبية الحيوانات لا تدرك فكرة أن الصورة في المرآة متصلة بهم وليس بحيوان آخر. لقد أدركت هذه الحقيقة بقوة في أحد فصول الربيع عندما كنت أعيش في جبال بلو ريدج. كان ذكر طائر الكردينال قد أقام مقاطعته قرب منزلنا. وكل عصر عندما تكون الشمس على ارتفاع معين، يخوض قتالا شرسا مع صورته المنعكسة على نافذة غرفة معيشتنا. من الواضح أنه كان يرى صورة منافس له على مقاطعته. لحماية نافذتي.أخذت مرآة جانبية لشاحنة نقل قديمة وثبتتها على جدار المنزل. صار الطائر بعدها يقضي وقته في مهاجمة المرآة، تاركا نافذتي لحالها"([3]). عقدة طائر الكردينال أنه لا يرى صورته في المرآة بل يرها صورة عدو منافس.

كانت المرأة الأكاديمية حادة في رفض الصورة وغطت وجهها في وجه الضوء (فلاش الكاميرة) القادم من حضارة مكّن ضوؤُها الإنسانَ من أن يرى كلَّ شيء ويراه كلَّ شيء، من غير أن يرى صوره المتعددة في كاميرا الواقع أعداء يحاربها، حتى أنه 454069499_db42955b93تصالح مع صوره الخاصة، وصارت برامج تلفزيون الواقع التي تعرض صور الإنسان في أحواله اليومية مادة للظهور والتنافس لا للرفض والغياب.

فهل كانت المرأة الأكاديمية ترى صورتها في الصحافة صورة منافس يريد أن يظهرها في شكل عدو لها؟ وهل النساء في الانتخابات الكويتية، يرون في صور المرشحات أعداء منافسات؟ هل النساء لا يمتلكن وعياً كافياً بأن المرشحات هنّ أنفسهن أو هنّ صورهن في الميدان العام؟ هل النساء يشبهن طائر الكردينال؟ هل ضوء الديمقراطية الكويتية لم يمكّن النساء، بعد أربعة عقود من التجربة الديمقراطية، من أن يتجاوزن عقدة وعي (طائر الكردينال)؟

متبقي الصورة

يبدو أن الديمقراطية ما زالت تغطي وجهها وتحجب ضوءها حين يكون الموضوع وجه امرأة تريد أن تجعل صورتها تُرى في مجتمعها وميدانه العام.

كتاب (هل نحن بلا نظير) يتساءل: هل الإنسان متفرد في الخلق؟ وهل يمتاز بصفات لا تشاركه فيها بقية المخلوقات؟ وهل البشر يشكلون نوعا من الارستقراطية البيولوجية؟ هل الإنسان نسيج وحده ولا نظير له؟ نتيجة هذه الأسئلة نجدها في عنوان الفصل الأول الذي صاغه الكاتب في شكل تساؤل: هل تبقى شيء لنا؟ وهو سؤال يوحي بأن الإنسان لم يتبق له شيء يميزه عن بقية المخلوقات.

بقدر ما يخفف الإنسان من حدة تمايزه ينسجم أكثر مع العالم ومع نفسه، وهذه الأسئلة عن علاقة التمايز بين الإنسان والحيوان، يمكن أن نطرحها على العلاقة بين الرجل والأنثى: هل بقي شيء للرجل يميزه عن المرأة؟

هناك مسافة ثقافية وليست بيولوجية تحول دون أن تدرك النساء أن صور النساء المرشحات هي صورهن، وليست صور منافسة لهن أو أعداء لهن. وهذه المسافة تحتاج إلى وعي كما الإدراك يحتاج إلى وعي، وهو وعي تحتاجه المؤسسات والناشطات في مجال دعم المرأة وتمكينها.

منار الصورة

كانت رئيسة مؤسسة نحو أداء برلماني متميز «منار» الناشطة السياسية (عائشة الرشيد) تقول([4]) إن وسائل الإعلام المختلفة دأبت على ترديد عبارة أن المرأة عدو المرأة، وهذا المصطلح الذي ظهر فجأة عندما أعطيت المرأة حق الترشيح والانتخابات فقط، مشيرة إلى أن هذا المصطلح هو مصطلح ذكوري يحاول الرجال ترسيخه، منوهة بأن المرأة ليست عدوة المرأة، والدليل على ذلك ما حصل في الانتخابات السابقة 2006، موضحة أن من قام بمساندتها في حملاتها الانتخابية هن النساء، ومن صوت لهن أكثرهن من النساء.

قد تكون وسائل الإعلام التي يديرها منطق ذكوري، هي من يروج لهذا المصطلح، من أجل استغلاله لصالح الرجال الذين مصالحهم تنطق (هل تبقى لنا شيء بعد أن صار للمرأة حق الترشح والانتخاب؟) لكن نفي رئيسة مؤسسة (أداء) بأن المرأة ليست عدوة المرأة، بدليل انتخابات 2006، تنقضه انتخابات 2008 التي لم تفز فيها المرأة بأي مقعد، وتنقضه الإحصائية([5]) التي تنص على أن هناك 361 ألف ناخب وناخبة، منهم 200 ألف ناخبة و161 ألف ناخب، ولم تحصد المرأة على أكثر من 7 ٪ من أصوات المقترعين في عموم الدوائر مع الأخذ بعين الاعتبار أن تعداد المرشحات النساء لا يزيد على 27 مرشحة مقارنة بتعداد المرشحين الذي وصل إلى 273 مرشحا في عموم الكويت.

لقد حصلت أسيل العوضي على ما نسبته 13٪ من أصوات المقترعين في دائرتها الانتخابية الثالثة  (5173 صوتا) وحصلت الدكتورة رولا دشتي 11.2 % (4464) صوتا، وفي الدائرة الأولى حصلت الدكتورة فاطمة العبدلي على 2184 صوتا أي ما نسبته 9.6 من إجمالي عدد المقترعين.

نسبة الأصوات التي لم تصوت لأسيل في دائرتها 87% ولرولا 89% ولفاطمة 91%. لو فرضنا أن نصف هذه النسب أصوات نسائية، ألا يعني هذا أن هذا النصف يدخل تنطبق عليه مقولة:المرأة عدوة المرأة. أو بتعبير أقل عنفاً، المرأة لا ترى صورتها في المرأة أو المرأة ليست مرآة للمرأة.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=117601

http://www.awan.com.kw/node/77072

الهوامش


[1] )جريدة الوقت، العدد128، 28يونيو2006، الانتخابات من عيون عائلة «بدون» …كيف تبدو الديمقراطية الكويتية من دون «البدون»؟

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=4959

[2] ) ندوة «خطة التنمية الثقافية لدول مجلس التعاون لدول الخليج»15-13 مايو 2008، تنظيم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

[3] ) هل نحن بلا نظير؟ جيمس ترفيل، ترجمة ليلى الموسوي،العدد 323، يناير2006، ص.46

[4] ) انظر: جريدة أوان، http://www.awan.com.kw/node/55025

[5] ) انظر:

– دبي الحربي، أوان تكشف الدلالات الانتخابية والاجتماعية والسياسية في البيانات الإحصائية

http://www.awan.com.kw/node/71126

– تصريح مدير إدارة شؤون الانتخابات علي مراد:

http://www.awan.com.kw/node/50151

– موقع: voteforkuwait

http://voteforkuwait.com/2008a4/

اترك تعليقاً