مجدي خليل لـ «الوقت»: الحال واحد على الضفتين.. كوسوفو وإسرائيل (1-2)
«النابلسي» شوّه الليبرالي الجديد.. و«طنطاوي» فاق «حنفي».. و«المسيري» بين منزلتين
الوقت – حسين مرهون، علي الديري:
الحقائق قابلة لأن تتغير باستمرار. هذه حقيقة جديدة: لا أثر للأصولية المسيحانية على أميركا، ولا حتى اليهودية. على الأقل هذا رأي الباحث مجدي خليل، الأميركي من أصل مصري قبطي وعضو مركز ابن خلدون للدراسات.
في الأعوام الأخيرة التي أعقبت غزو أفغانستان والعراق بدت هذه الحقيقة قوية وأقلّ استجابة إلى النقض. وقد أسهم الرئيس الأميركي جورج بوش بمعاونة المحافظين الجدد في إدارته على تكريسها عبر سلسلة من التعبيرات أطلقها على خلفية الحرب على الإرهاب وكانت ذات صبغة دينية. في الوقت الذي كانت مراكز الدراسات وأجهزة قياس الرأي تشير إلى ارتفاع جنوني في نسب التدين في أميركا، الأمر الذي كان يتنافى مع صورتها كواجهة للعالم الحديث.
ومع ذلك فإن خليل تحفظ في ترتيب نتائج كبيرة على ذلك. قال ”ما يزال القرار بيد علمانيين”. وقد جادل بشأن أن الأصولية اليوم هي حكر على الإسلام. في حين انتفت تماماً عن المسيحية واليهودية. واستدرك ”حتى الباقي منها فغير مؤثر”. ”الوقت” التقته في إطار تقديمه ندوة الأسبوع الماضي من تنظيم جمعية المنتدى. فيما يلي مقتطفات:
* نبدأ معك من الموضوع الأثير الذي تشتغل عليه والمتعلق بقبطيتك. كيف تشكل وعيك بقبطيتك في ظل أغلبية مصرية غير قبطية؟
– دعني أنقل الموضوع إلى ما يمكن أن أسميه العيش ضمن أقلية. بنظري، العيش ضمن جماعة أقلية يشكل تراثاً خصباً، بمعنى أن الأمر لايعود يقتصر على فكرة دراسة الأقلية، كما هو الحال بالنسبة لي، إنما معايشتها أيضاً. فأنت حين تعيش فكرة الأقلية، ومن ثم تتوجه لدراسة واقعها بالأرقام تصبح الأمور عندك أكثر وضوحاً. من هذا المنظور أقول إن وعيي بقبطيتي، أو العيش ضمن أقلية أقبطية، قد شكل لي إطارا خصباً ما دعاني إلى أن أتوجه إليه بالدراسة وفق نهج علمي لاحقاً.
* لو طلبنا منك أن تضعنا في إطار إدراكك الأول إلى كونك تعيش ضمن جماعة أقلية. هل ثمة معاناة يمكن أن تتحدث عنها هنا؟
– لا، فأنا شخصياً لم ترتبط حياتي بمعاناة. وهذا أمر مفيد جداً. فلو كنت كذلك لأصبح موقفي الآن نابعاً من أزمة. إنما الآن، فإن ميزة ما أكتبه، هو أنني لم أكن قبطياً مضطهداً. بمعنى آخر، إنني وحتى أوان هجرتي إلى أميركا كنت مواطناً عادياً لكن ناجحا. درست الاقتصاد وعملت في البنك المركزي المصري. لذلك فأنت تجدني حين أطرح موضوع الأقباط أفعل ذلك ضمن أجواء طبيعية، ما كان سيتعذر لو عشت ضمن واقع مأزوم. حين ناقشت مفهوم الأقلية القبطية ناقشتها في سياق المفهوم العام. قلت إن ثمة خللاً قائماً في المساواة، وهذا يؤثر بدوره على المواطنة. ذلك أن المواطنة تقوم على ركنين أساسيين، المساواة والمشاركة. فحين يختل واحد من الركنين يؤثر ذلك على الفكرة الرئيسة. دعني أشير إلى شيء آخر أطور به هذه الفكرة. فأنا لا أنظر إلى الأقلية انطلاقاً من عامل عددي أو من مفهوم العدد إنما انطلاقاً من مفهوم الحقوق السياسية. وهو الأمر الذي يترتب عليه أنني أعد المرأة في مصر مثلاً مشمولة بمفهوم الأقلية. هي أقلية لأنها منقوصة لجهة الحقوق السياسية. وهكذا فحين يختل واحد من ركني المواطنة، تختل منظومة المواطنة كلها. صحيح أن المواطنة حقوق وواجبات، لكنني أعتبر أن الحقوق تأخذ موقعاً أولياً في الترتيب، بعد ذلك تأتي الواجبات. من هذا المنطلق قمت بمقاربة موضوع الأقباط، وقد نشرت كتاباً في العام 1998 أسميت فيه مواطنة الأقباط في مصر بـ”المواطنة المنقوصة”. على رغم ذلك، وأرجع إلى سؤالك الآن، فإن الأمر لم يخلُ على الصعيد الشخصي من معاناة بسيطة. فأنا مثلاً، وحتى الساعة، لا تزال الصحف المصرية ترفض أن تنشر لي مقالاً واحداً، في حين تنشر لي ”الواشنطن بوست”. لك أن تتخيل أن هناك 15 حواراً أجري معي من طرف محررين في الصحف المصرية لكن أياً منها لم ينشر، ولا واحداً حتى. بالمقابل، ظهرت مئات المرات في تلفزيونات أجنبية، في حين غير مسموح أن أظهر في التلفزيون المصري. تلك هي طبيعة الدولة البوليسية، إنها تضع قوائم بأسماء من المسموح له أن يظهر ومن لا. ولكن أشدد على أن ذلك شيء عادي جداً، وهي على أي حال ضريبة أنني ناشط من أجل الديمقراطية. الديمقراطية هي النقطة الخلافية بين العالم العربي وبين العالم الحديث.
غلطة ”عبدالناصر” وإثم ”السادات”
* وصفت في أحد مقالاتك الأقباط في مصر أنهم ”غرباء منذ الغزو العربي”. كيف تبدو غربة الأقباط اليوم؟
– لنقل إنها غربة تزيد في فترات وتقل في فترات أخرى. وحتى العام 1855 كان الأقباط غرباء تماماً على أرضهم. بمعنى أنهم كانوا يعتبرون أهل ذمة ويجرى تدفيعهم الجزية وكانوا محرومين من دخول الجيش. لكن بعد هذا التاريخ رفعت الجزية عنهم فبدأوا يدخلون تدريجياً ضمن الحياة السياسية. حصل ذلك في فترة العصر الليبرالي. ووصلوا إلى مناصب مختلفة بينها منصب رئاسة الوزراء لثلاث مرات كما شغلوا مواقع وزراء في وزارات مختلفة. وهو ما أتاح لهم تكوين ثروات، فكانوا يمتلكون نسبة كبيرة من ثروات مصر. لكن مع ثورة جمال عبدالناصر 23 يوليو عادوا غرباء مرة ثانية. فقد حجمتهم الثورة اقتصادياً وسياسياً. وفي العام 1973 حين شجع أنور السادات على ظهور الجامعات الإسلامية أحكم الطوق تماماً، وتجدد الشعور بالغربة. عاد خطاب الذمية ما أدى إلى تقوقعهم.
* هل يمكن أن يدل على شيء ما تسميه العودة إلى الغربة. على عنوان رئيس فشل بناء الدولة الحديثة مثلاً؟
– طبعاً، فالدولة الحديثة اندماجية، بمعنى أنها تدمج كل من عليها على أرضية المواطنة. المواطنة هي معيار الحقوق والواجبات. وإن أنت فشلت في ذلك فأنت فشلت في بناء دولة عصرية حديثة. لقد سعى محمد علي باشا (1805- 1848 ) في هذا الاتجاه، لكن مع ظهور التيارات الإسلامية حصلت النكسة.
* هل تخلق الغربة تمايزاً من نوع ما على مستوى تكوين الشخصية القبطية، تجعلها مختلفة مثلاً عن الشخصية المصرية؟
– لا أبدا، كلنا مصريون من أصل واحد. لكن دائماً ثمة سمات توحد الأقليات، ليس في مصر فقط إنما في كل العالم. فهي عادة ما تكون أقل عنفاً من الأغلبيات. شيء آخر، إنها تكون حذرة باستمرار، فتعوض عن أقليتها بتعليم أكثر وانخراط أكثر في المناشط الاقتصادية. الأقباط في مصر متميزون علمياً واقتصادياً.
معركة إصلاح الكنيسة مؤجلة
* لكن لم لا تبدو متمايزاً أو على مسافة نقدية في موقفك من المؤسسة الدينية القبطية، أي الكنيسة. تتحدث في كتاباتك عن ”مظلومية الكنيسة القبطية” فتبدو منسجماً في حين نعرف أن المثقف على علاقة توتر دائمة مع المؤسسة؟
– لا، هذا فهم خاطئ، فأنا حين أدافع عن المؤسسة، أدافع عنها في إطار موقعها الرمزي عند جماعة أقلية. من هنا فأنا أعتبر أنها مؤسسة مضطهدة. وهو ما يحتم عليّ من جهة أخرى أن أقول للأقباط في بعض لقاءاتي بهم إن معركتكم في إصلاح الكنيسة مؤجلة حتى تحقيق المواطنة. ذلك أن هذه المعركة لها أولوية، أن تصبح مواطناً كاملاً في دولة حديثة. ثم بعد ذلك يمكن أن تأتي بقية الأشياء.
* أليس هذا ما يتذرع به الإسلاميون تحديداً، أن معركة الإصلاح الداخلي مؤجلة حتى إصلاح الأوضاع السياسية. خصوصاً وأن الحركات الإسلامية مقموعة في كل البلدان تقريباً؟
– لا، ليت هم يقولون هذا الكلام أو يطالبون بتعديل بعض الأوضاع. كنا لقينا على الأقل أرضية مشتركة. حين أجلس مع بعض الإسلاميين أطلب منهم تعريف الإصلاح، فتأتي الإجابة.. قال الله وقال الرسول. لا، هذا الكلام لاينفع، نحن نتحدث عن الإصلاح كما يتم تعريفه بواسطة الأمم الحديثة. فأنا لا أرجع لتراث المسيحية الأولى من أجل أن أستقي التقدم، إنما لتراث الغرب. أيضاً، أنا أعتبر كل التجارب الماضوية فاشلة، في حين نحن أكثر نضوجاً. السلفيون المسلمون يتصورون السلف الصالح كما لو كانوا ملائكة، في حين أنهم هم أنفسهم اليوم أفضل من السلف الصالح.
أنا من سكّ المصطلح.. أنا من وسّعه
* دعني أوظف مفهوماً هنا من كتاباتك أسميته ”الإسلامية الدولية”…
– (مقاطعاً) نعم، أنا من أوائل من سكّوا هذا المصطلح. لقد جرى استخدامه لأول مرة من قبل صحيفة اللوموند الفرنسية بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول. من جهتي فقد أخذت المصطلح وعرفته وتوسعت فيه. فجرى الحديث عن الإسلامية الدولية، تماماً كما كان الحديث يجري عن الشيوعية الدولية.
* حسناً، إن سؤالي يتعلق تحديداً بتصرفك في المفهوم وإعطائه هذا الحجم من السعة. فأنت انطلقت في تعريفه من إطار شمولي دمجت فيه غزوات العهد النبوي بفتوحات الدولة الإسلامية الأولى واصلاً إلى الإسلاموية الحديثة، القاعدة وبن لادن، وووو
– (مقاطعاً للمرة الثانية) لا، دعني أوضح مسألة هنا. أنا لم أدخل الخلافة الإسلامية ضمن مفهوم الإسلامية الدولية إنما ضمن دائرة الإسلام السياسي. فالإسلام السياسي بدأ مبكراً جداً، حتى وإن ظهر المصطلح متأخراً. مع انتهاء العهد النبوي، بدأ المسلمون يفكرون في دولة، فجرى الحديث عن دولة راشدية ثم دارت إلى دولة أموية فعباسية فعثمانية إلخ إلخ. هنا، وحالما بدأ الحديث عن دولة نشأ أساس ما يمكن تسميته الإسلام السياسي وطغيان السياسة على الدين. بعض الخلفاء العباسيين كانت لديهم مايشبه الكابريهات وآلاف الجواري، في حين كانوا يطلقون على أنفسهم لقب ”أمير المؤمنين”. هذا هو ما أسميه بطغيان السياسة على الدين والروحانية. وما أسميه الإسلام السياسي ليس أكثر من توظيف الدين لخدمة أغراض سياسية. لو سألت الآن، ماهو تعريف الإرهاب، لقلت استخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية. بالمثل، فإن أنت استخدمت الدين لتحقيق أغراض سياسية، فهذا لايعني أي شيء آخر غير الإسلام السياسي.
* أرجو أن تدعني أوضح سؤالي، إشكالي الرئيس يقوم على أنك في حين كنت ميالاً إلى إعطاء مفهوم ”الإسلامية الدولية” نوعاً من السعة، فتدمج فيه إضافة إلى ما أشرت إليه في المداخلة السابقة دول مثل أفغانستان وباكستان والسعودية وإيران فضلاً عن رجال دين ودعاة مثل محمد عمارة ويوسف القرضاوي ومحمد سليم العوا ومحمد الغزالي، بدوت في المقابل أكثر احترازاً لدى تناول ما يمكن أن نسميه ”القبطية السياسية”، وكنت تلجأ للتضييق أكثر والخوض في تفاصيل. فقد تحدثت في كتاباتك مثلاً عن الكنيسة القبطية في مقابل الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا أو الروسية. كما تعمل على التفريق أيضاً بين رجال الدين الأقباط الذين يمارسون السياسة من خلفية حقوقية في مقابل من يمارسونها من خلفية دينية.
– الكنيسة القبطية شيء صغير جداً في موازاة ما أسميه الإسلامية الدولية. الكنيسة القبطية لديها مشاكلها، وأنا أنتقدها من داخلها باستمرار، لكنها لاتمارس العنف. من جهة ثانية، فحين أتكلم عن الإسلامية الدولية، أو تلك الأسماء التي عددتها، فأنا أتكلم عن كوادر العنف والإرهاب. كوادر النبذ والكراهية. ذلك أن كل هؤلاء يدعون إلى العنف وإلى الكراهية ونبذ الآخر، ليس نبذ غير المسلم فقط، إنما حتى الآخر المسلمز. فالدعوة إلى الكراهية تصل في نهايتها إلى الذات. تبدأ كراهية بين الأديان، وتنتقل إلى كراهية داخل الدين الواحد، ثم إلى داخل الفرقة الواحدة في الدين الواحد، وصولاً إلى الذات نفسها. مثال على ذلك، أن الشيخ حسن الترابي حين اختلف مع الرئيس السوداني عمر البشير حول ما أسمي وقتذاك مشروع الإنقاذ، قام كل منهما بتكفير الآخر. ومثل ذلك تجد أن أيمن الظواهري يكفر الإخوان المسلمين. هؤلاء إذن ليسوا غير ”مكفراتية”، وفكرهم ذو طبيعة وبائية تنتقل وتستشري. في حين الكنيسة القبطية لاتكفر أحداً.
الأصولية اليوم واحدة.. إسلامية
* لكن ألا يستدعي طرح مفهوم الإسلامية الدولية طرح مفهوم آخر موازٍ، وهو المسيحانية الدولية. وإلا أين يمكن أن نضع الأصولية التي يعبر عنها الرئيس الأميركي جورج بوش؟
– لا يوجد شيء في الواقع يمكن أن نسميه مسيحانية دولية.
* ثمة محللون يرون أن الصراع الدائر الآن على مستوى العالم هو صراع أصوليات. أصولية إسلامية في مقابل أصوليتين مسيحية ويهودية…
– نعم، قرأت أشياء من هذا القبيل. وهناك باحث اسمه طارق علي كتب كتاباً أسماه ”صراع الأصوليات”. لكن من وجهة نظري، ليس ثمة من أصولية اليوم غير الأصولية الإسلامية. بمعنى أنه لا توجد هناك مسيحية سياسية، نعم كانت موجودة سابقاً لكن الموجود حالياً هو دول سياسية. فحين يخطيء بوش فإن إدارته وحدها التي تتحمل الأخطاء، فقط لا غير، بما يعني أن المحرك السياسي ليس الدين. إن بوش ليس كل شيء في الإدارة الأميركية، هناك مؤسسات على مستوى ضخم جداً يجري طبخ القرار الأميركي داخلها، ويحصل ذلك لاعتبارات سياسية بحتة. أغلب من يصنع القرار في أميركا هي اللوبيات اليهودية، ومعظم المحافظين الجدد يهود، فكيف يصح الحديث عن أصولية مسيحية. من جهة أخرى، فإن المحافظين الجدد لا يمكن الإقرار أن محركهم الرئيس هو الدين أبداً. ثمة أصولية يهودية موجودة، لكنها محدودة وليس لها أي تأثير. الذين يؤثرون في صناعة القرار هم اليهود العلمانيون. وإذا وجد مسيحيون ضمن دائرة القرار فهم أيضاً مسيحيون علمانيون. لقد انتهت الأصولية من اليهودية والمسيحية، وبقيت محصورة في الأصولية الإسلامية وحدها. وحين يجري ترداد هذا المصطلح، يقفز إلى الذهن مباشرة الأصولية الإسلامية، لأنها تتفرد بالمصطلح، تحتكره.
* أين نضع إذن ما يتحدث عنه مفكر أميركي مثل صموئيل أنتنغتون حين يقول في أحد كتبه ”من نحن؟” إن الدين هو أيديولوجية الشعب الأميركي. ثم لاشك أنت تعرف أن سيرورة الشعب الأميركي تختلف كلية عن سيرورة الشعوب الأوروبية، فجميع الاستطلاعات تشير إلى غلبة نسب التدين عند الأميركيين في حين نجد العكس لدى الواقعين في الضفة الأوروبية؟
– صحيح ذلك، إن أكثر من 75 % من الأميركيين يؤمنون بالله، أو يرتادون الكنائس والمعابد. ولكن صناعة القرار الأميركي أمر مختلف تماماً، بل هو شيء مفصول. فالدستور الأميركي يفصل فصلاً تاماً بين الدين والدولة، وصناع القرار ليسوا من دين واحد. فزلماي خليل زادة مثلاً، سفير أميركا في العراق، هو مسلم من أصل أفغاني، لكنه من المحافظين الجدد. ومثل ذلك أحمد عجمي، المفكر الشيعي الذي كان من أكبر المحرضين على غزو العراق. لكن لا أستطيع القول إن ما يحركهم هو الدين، أو أن ما يحرك المحافظين الجدد هو الأصولية المسيحية واليهودية.
* حسناً، كيف تفسر إذن تصريحات بوش لدى زيارته الأخيرة لإسرائيل واعتباره دعمها جزءا من المهمة الرسولية التي يستقيها من خلفية دينية؟
– يجب أن نضع في الحسبان أن هناك علاقة خاصة جداً بين أميركا وإسرائيل، وهي علاقة تتجاوز مسألة الأديان. في هذا السياق، أشير إلى رأي سبق وأن توقفت عنده في كتاباتي. أنا أعتبر وجود إسرائيل شبيهاً بوجود دولة مثل كوسوفو أو ألبانيا. فكما أن الغزوات الإسلامية خلفت هذه الدول في قلب أوروبا، فقد خلف الغزو الغربي إسرائيل في قلب العالم العربي. هذه إذن إحدى آثار الغزو على الضفتين، إنها تركت بقعاً إسلامية في أوروبا تقابلها بقعة اسمها إسرائيل في العالم العربي. اليوم لا أحد يتحدث عن التخلص من ألبانيا أو كوسوفو، فما معنى إذن أن يجري الحديث عن التخلص من إسرائيل!. إن شئت العدالة، فينبغي التخلص من الاثنين، لكن ذلك غير ممكن، ما يجعلنا نطرح خيار التعايش مع هذا الواقع.
ليبراليون وليبراليون.. لكن الصراع على وهم
* عودة على الحديث عن الإصلاح إلى أي حد تلتقي في أفكارك مع شخصيات مصرية مثقفة تشتغل ضمن الحقل نفسه إنما من زوايا مختلفة. نصر حامد أبو زيد أو حسن حنفي أو عبدالوهاب المسيري أو جابر عصفور أو أو؟
– نصر أبو زيد مختلف جداً، فهو مصلح حقيقي. الأمر مثله بالنسبة إلى جابر عصفور فأنا أشترك معه في مساحات كبيرة، رغم أنه من قلب النظام. لكن حسن حنفي محافظ جداً، هذا إن لم يكن أصولياً، ولا توجد مساحة مشتركة بيني وبينه. عبدالوهاب المسيري أقرب إلى حنفي، فهو الآخر إسلامي محافظ. إنني أعد شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي أكثر انفتاحاً من هؤلاء. فأنت لو التقيت في جلسة خاصة مع شيخ الأزهر ستجد أنه منفتح جداً، وهو من أتى بقانون الخلع ووافق على فوائد البنوك. وقد قال لي إنه يستطيع أن يعمل كل شيء من الإسلام، لكن المشكلة تكمن في من حواليه. في المؤسسة نفسها، الأزهر، ومن يسمون جبهة علماء الأزهر.
* لو ابتعدنا عن مصر قليلاً، إلى أي حد تلتقي مع الخطاب الليبرالي العربي الجديد ممثلاً في شاكر النابلسي والعفيف الأخضر؟
– ألتقي مع أناس كثر، لكنني أعد النابلسي واحداً ممن شوهوا مصطلح الليبرالية الجديدة. ورغم أنه صديقي، وأنا ألتقيه باستمرار وأقول له رأيي، إلا أنه أسهم في تحويل المصطلح إلى كليشيهة. لقد جرى اختزال المصطلح بصورة مخلة، واعتبر كل مؤيد لغزو العراق ليبرالياً جديداً.
* بالمقابل، إلى أي حد تلتقي مع الليبراليين العرب الذين لم يضيفوا صفة ”الجدد” إلى حالتهم وأصدروا بياناً في وقت سابق تحت اسم ”صرخة ضد التبسيط” وهاجموا فيه الليبراليين الجدد. حازم صاغية أو صادق جلال العظم أو أو؟
– الجماعتان على خطأ، ذلك أنهم ببساطة كانوا يردون على النابلسي، في حين ما يتحدث عنه النابلسي هو وهم غير موجود. هم كانوا يردون على الجماعة التي أيدت الحرب على العراق 2003 في حين أنا لا أرى أية علاقة بين الليبرالية الجديدة والحرب على العراق. نعم، يمكن القول إن ثمة علاقة بين الحرب وبين المحافظين الجدد، ولكن الليبراليين الجدد وفق الفهم الذي أتبناه منذ العام 1992 – وأنا من أوائل من استخدم مصطلح الليبرالية الجديدة – لاعلاقة لها بكل ذلك. كل من أيد الحرب على العراق عُدّ ليبراليا جديداً، هذا شيء مضحك.
أخي العزيز علي
هذا حوار جميل وصريح مع مجدي خليل
ولي بعض التعليقات على كلام مجدي خليل، أرجو أن تجد الوقت لقراءتها .. وشكرا
1/ يبدو أن عقدة المصريين من المغاربة لا تنحل إذا كان المصري قبطيا او إسلاميا أو علمانيا … فمجدي خليل قد أعرض عن الإجابة عن سؤالك حول الليبراليين الجدد وذُكر فيه اسم العفيفي الأخضر، فقد تحدث عن شاكر النابلسي وتجاهل الأخضر، طبعا مع وضع احتمال ان يكون حديثه عنه سقط عند النشر.
2/ تشبيه مجدي خليل إسرائيل في العالما لعربي بكوسوفو في قلب أوروبا دليل على أنه يعتبر أن إسرائيل صنيعة استعمارية، ولكن وفق تحليله البراغماتي القائم على قياس ساذج يرى أنه بما أننا لا نستطيع أن نزيل كوسوفو (وكأنه لم تتم محاولة إبادة شعب البوسنة والهرسك في حرب طاحنة في التسعينات على مرأى ومسمع من أوروبا المتحضرة المفرطة في إنسانيتها!… إنّ أيّ منصف لا يجرؤ على تبنّي هذا الخطاب الاستئصالي تحت رداء علماني ليبرالي مزيّف: كيف تقارن شعب كوسوفو بشعب إسرائيل؟ إلا إذا كان يعوّل على جهل القارئ / السامع؟) فإننا لا نستطيع أن نزيل إسرائيل، ومن ثمة فالأولى أن نتعايش معها ونتنازل كما فعل الأوروربيون وتنتازلوا عن كوسوفو!
ولكن إذا قبلنا هذا المنطق، ألا يصبح قبول تركيا المسلمة (أو الإسلامية) في أوروبا تنازلا هو الآخر، وكأنّ سماحة أوروبا هي التي “تركت” تركيا لتعيش؟ فهذا منطق يخلو من الوجاهة ويفتقر إلى العقلانية.
3- اعتبر مجدي خليل أن النخبة السياسية في امريكا علمانية، علىا لرغم من صغيان التدين في صفوف الشعب الأمريكي، ولكنه تجاهل أن النخبة السياسية والثقافية في العالم العربي هي نخبة علمانية هي الأخرى (عسكرية، بوليسية، في الحقيقة .. مستترة بستار الدين، في الواجهة المكشوفة للجميع حتى للذين يتاجرون بها) فشتان بين العلمانيتين.
4- حوار مجدي خليل مع شيخ الأزهر يدلّ – إن صحّ – على أن الشيخ طنطاوي مبرّر لليبرالية بإعطاء دمغة / ختم الإسلام، دون أيّ قراءة إسلامية للواقع أو مجردا لتفكير في بديل إسلامي إن كان ثمة بديل!
فهو – أي شيخ الأزهر- كالبابا يعطي صك القبول، مقابل حصوله على جزء من الامتيازات.
عزيزي
تحية
ألاحظ أن بعض المصريين الأقباط يسعون للحصول على “مكاسب معينة” عند رفعهم يافطة أنهم الأقلية المضطهدة
وفي تقديري فإن النظام المصري لا يُفرّق بين مصري مسلم أو مصري قبطي، وإنما مجهره يُفرّق بين مصري عضو بالحزب الوطني الحاكم أو غير منتمي.. فما رأيك؟