‘’الإنسان الذي يحترم نفسه ليس له وطن، الوطن مادة لاصقة’’ [1] تبدو مقولة فوضوية، وصادمة. فوضوية لأنها تبدو غير عابئة بفكرة الوطن كشكل تنظيمي يحقق استقرار الإنسان والدول في علاقتها ببعضها، وكأنها تدمر المؤسسات التي يدير من خلالها الإنسان وجوده.
وصادمة لأنها تصدر عن نفس يخالف الأنفاس المجمعة على أن الوطن مفهوم مقدس، لا يليق أن يذكر إلا بعبارات التبجيل والتعظيم والفداء، فكيف يوصف بأنه مادة لاصقة، فالمادة تحيّز وتحدد وتجعل المفهوم قريبا من الحواس، والحواس ضد التقديس، فالأشياء التي نقدسها لا نتحسسها بل ولا نقبل أن نجعلها في صيغة تتعرف عليها حواسنا. وصفة اللصق تمعن في تبخيس المادة، فاللاصق شيء ملحق ودخيل وليس جزءا أصيلاً من المادة ولا من نسيجها، ويمكن استعماله في مواضع متفاوتة القيمة، حتى لو أدى ذلك إلى إحداث إخلال في نسيج المادة الملصق بها.
المادة اللاصقة مادة استخدامية محايدة لا تعرف المشاعر ولا الأحاسيس ولا الانحياز، ولا تملك قيمة أخلاقية، فهي برسم أخلاق من يستخدمها. كم هو صادم أن نتصور الوطن على هذه الصورة المجازية. مادة يلصقها من يشاء في أي موضع كي ينتفع بها أو لنقل كي يتمصلح بها. يبدو هذا الوطن اللاصق، مركب وعرضة للبيع والشراء وسوء الاستخدام. ولا ينتج عن لصقه غير وطنية سهلة القلع وسهلة التغيير. وهي غير جديرة بالاحترام، الإنسان الذي يحترم نفسه ليس له وطن لاصق ولا وطنية لاصقة.
يبدو أن لهذه المقولة قدرة على أن ترينا جوهر عملية التجنيس في صورتها غير الأخلاقية أي غير المحترمة. وكأن التجنيس عملية لصق وطن، ليس منك. تستخدم شيئا لا ينتمي إليك استخداما لا يجعلك جديرا بالاحترام. كأنك تنتقي بشكل غير أخلاقي مجموعة عناصر يطلق عليها انتماءات وحقوق وواجبات وهوية ونسيج، وتلصق بطريقة لا أخلاقية أي شيء من هذه المجموعة بك لصقا غير محترم. الإنسان الذي يحترم نفسه لا يلصق وطنا على هويته، فالهوية ما تهواه لا ما تلصقه.
لست أدري لماذا هذه المقولة الصادمة استدعت في ذاكرتي صورة لاصقة لم تفارقني للصديق حافظ الشيخ، حين دخل أحد مراكز الاقتراع على الميثاق في 2001م وهو يحمل على جسده ملصقات لا للتجنيس، في سياق مناهضته للتجنيس الذي دفع وزارة الإعلام حينها إلى مقاضاته برفع دعوى ضده بتهمة المساس بالوحدة الوطنية، وقد أوردت الوزارة حينها بيانا قالت فيه:’’ دأب الكاتب على كتابة مقالات داخل البحرين وخارجها لا تتماشى وروح ميثاق العمل الوطني والدستور.حيث إن هذه المقالات قد تسيء إلى الوحدة الوطنية، فقد باشرت الإدارة آسفة باتخاذ الإجراءات لرفع دعوى قضائية ضد الكاتب المذكور وذلك وفقا للقوانين المرعية في البحرين وبناء على ما تقتضيه مصلحة الوطن وترسيخ دولة النظام والقانون’’[2].
إن ملصقات حافظ كانت ضد تحويل الوطن مادة استعمالية لاصقة، كان حافظ يرى أن الوحدة الوطنية لا تتحقق بالمواد اللاصقة، وكانت الدعوى القضائية ترى في ملصقات حافظ ما يهدد نسيج ملصقات الوحدة الوطنية.حينها لم يكن أحد يتوقع أن يكون لدينا، نصف مليون وطنهم مادة لاصقة.
حين يكف الوطن عن أن يكون جوهرا مكونا لإنسانه، ويتحول إلى مادة لاصقة تخدم أسبابا سياسية لا إنسانية، يكف الإنسان الذي يحترم نفسه وعقله ووجوده ووطنيته، عن أن يكون ابنا لوطن لاصق.
المادة اللاصقة لا يعول عليها، في صناعة نسيج وطني، ولا في صناعة إنسان يحترم نفسه، فضلا عن أن يحترم وطنه. المادة اللاصقة تخشى أن تفتضح فضلتها وإضافاتها الغريبة، فتتصنع ولاءات كاذبة ومزيفة، تمدها بحبل من المصالح والمنافع لكن لا تمد نسيج المجتمع بحبل متين، وهي بهذا التصنع تخفي حقيقة جوهر مادتها اللاصقة بالمصلحة.لذلك فالمادة اللاصقة تنفصل أمام أي هزة امتحان، وتكشف عن تكوينها الغريب.
الآن، من منكم يحترم نفسه؟
هوامش
[1] لو كان آدم سعيدا، إميل سيوران، ص.48
[2] من موقع الكتروني مغلق لمخالفته الأنظمة والقوانين في مملكة البحرين، حسب وزارة الثقافة والإعلام.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9827