«تاريخ العرق الفارسي في البحرين»
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=184648&hi
فريق مركز الحوار:
علـــي الديـــري
باسمــة القصــاب
أحمـــــد الســاري
فريق الضيوف والمشاركين:
د. علي أكبر بوشهري «باحث تاريخي»
موسى الأنصاري «أمين عام جمعية الإخاء»
يوسف أمر الله «عضو إداري – جمعية الإخاء»
جعفر عابدين «عضو – جمعية الإخاء»
ناصر حسين «عضو – جمعية الإخاء»
محمود القصاب «نائب الأمين العام لجمعية التجمع القومي الديمقراطي»
* الوقت: القضية الثالثة التي سنطرحها في مركز الحوار في صحيفة «الوقت»، هي عن تاريخ العرق الفارسي، أو من يعرفون بالعجم في البحرين. جلستنا فكرية ثقافية بعيدة عن أي تعصبات عرقية أو أيديولوجية. نريد أن نعرف مسيرة قرن أو أكثر، كيف جاء هذا العرق إلى البحرين؟ وكيف صار جماعة؟ وما التحولات التي طرأت على هذه الجماعة وثقافتها؟ وكيف كان مآل هويتها؟ وكيف عاشت انتماءها العرقي والثقافي والوطني والقومي؟ وما الحوادث السياسية التي امتحنت فيها؟ وكيف هي علاقتها ببقية الجماعات؟ وكيف تفهم ولاءها الوطني والقومي والديني؟ وما هو وضعها الحالي؟
نبدأ مع علي أكبر بوشهري ليقدم لنا نبذة عن تاريخ هذا العرق.
– علي أكبر بوشهري: من ناحية المستندات التاريخية، فإن أقدم مستند موجود لدينا لتواجد العجم في البحرين هو العام .1828 لكن هذا لا يعني أنهم غير موجودين قبل هذه الفترة. هذه الوثيقة الموجودة بين أيدينا الآن. لكنهم دوماً كانوا موجودين قبل هذا التاريخ. الوثيقة هي لبيت موجود في المنامة، وكان يشتغل في التجارة. الإيرانيين دوماً يهاجرون. سنة 735 كان حاكم البحرين هو نفسه حاكم بوشهر. وهذا يدعو إلى ازدياد الهجرة المتبادلة بين الطرفين. الهجرات زادت في فترات لاحقة، لكن العجم استمروا وبنوا منشآتهم وبيوتهم ومؤسساتهم وتوافقوا مع المجتمعات الثانية في المنامة والمحرق.
* لنقل إن العام 1828 هو التاريخ الذي يمكن أن نستند إليه. لكن منذ ذلك التاريخ إلى الآن، هناك محطات تاريخية مهمة لتواجد العجم على شكل جماعة وليس على شكل عرق فقط.
– بوشهري: هم دوماً جماعة عرقية. استوطنوا الجزيرة، وبمرور الزمن صاروا كثراً، وصلوا إلى الانتماء إلى الجزيرة. أحبوها. كونوا فرجاناً ومآتم ومؤسسات. ارتبطوا مع مجتمعات ثانية.
* من حيث العدد؟
– بوشهري: في السابق كانوا قليلين؛ لأنه ليس لدينا إحصائيات، لكن إذا ذهبنا إلى أوثق إحصاء لعدد البحرينيين الفرس العام 1905 كان .1650 أما حالياً حسب حساباتي الشخصية فهم 20% من مواطني البحرين. نحو 100 ألف على الأقل.
ما الذي أثر على هذه الزيادة، وفي أي فترة تاريخية كانت الهجرة أكبر؟
– بوشهري: الهجرات كانت على فترات تاريخية مختلفة. بدأ العدد يزداد بشكل ملحوظ العام ,1850 وبسبب الإشكالات الطبيعية التي واجهتها الساحة الإيرانية من قلة الأمطار والمجاعة، أدت تلك إلى الهجرة إلى البحرين. فحسب اعتقادي، لا أحد يترك وطنه وأرضه وعشيرته إلا إذا كان مضطراً.
* هل تميز في رصدك التاريخي بين العجم الشيعة والعجم السنة والهولة؟
– بوشهري: أولاً أن يطلق على العجم السنة بأنهم «هولة»، هذه تسمية خاطئة. الهولة هم قبائل وأسر عربية الأصل، هاجروا من الساحل العربي إلى الساحل الفارسي في الخليج. أما عجم السنة فهم ليسوا هولة، هم من الفرس. لكن مذهبهم سني. العجم في البحرين جماعة غير طائفية، منهم السنة ومنهم الشيعة.
* هل العدد 100 ألف يضم الهولة؟
– بوشهري: طبعاً لا. الهولة من العرب. هم ينتمون إلى قبائل معروفة.
لو رجعنا إلى فترة الخمسينات، كيف كان وضع العجم من حيث العدد؟
– بوشهري: منذ الثلاثينات صارت النسبة ثابتة. 20% من عدد السكان البحرينيين. أعني من المواطنين البحرينيين قبل الزيادة الهائلة الآن في عدد السكان بسبب التجنيس. أي 20% من الـ «550 ألف بحريني».
* من أين حصلت على هذه النسبة الإحصائية؟
– بوشهري: عملية مطولة. أخذت العدد الذي ذكر في إحصاء ,1905 ثم تابعت جوازات البحرين، كانت توجد إحصاءات تذكر أعداد الداخلين والخارجين. وإحصاءات عن عدد من دخل البحرين. مثلاً يذكر أن هكذا عدد قد دخل من إيران وهكذا عدد من السعودية أو عُمان أو أي مكان آخر. ثم أخرى تبين عدد من خرجوا، المتبقون هم الذين يبقون، بمقارنتها مع الزيادة السكانية، توصلت لهذه النسبة.
* لأي تاريخ يستطيع العجم الآن أن يؤرخوا لعائلاتهم المهاجرة إلى البحرين؟
– بوشهري: بعض العائلات لديهم مستندات ولديهم اهتمام بتاريخهم. فهم يدونون تاريخ عائلاتهم. في عائلتي أنا قمت بالتدوين كباحث تاريخي، طوال حياتي أبحث في تاريخ العائلة. قابلت الكثير منهم. كتبت التاريخ كبحوث، وجمعت وثائق. لكن لم أنشرها.
* لأي سنة أرجعت تاريخ عائلتك؟
– بوشهري: عائلتي ليست قديمة بالنسبة إلى غيرها. ترجع إلى .1860 قبلنا كانت عائلات كثيرة.
* هل لدى أحد منكم ما يتعلق بالبعد التاريخي لعائلته؟
– جعفر عابدين: نحن لم ندون تاريخ عائلتنا، لكن بالتقدير أستطيع أن أقول إن جدي اشترك في بناء قصر القضيبية القديم العام .1926 جدي كان مولوداً في البحرين. هو والد أمي. كان يتكلم ونحن في طريقنا إلى عين أم شعوم من تليغراف – أي شارع الزبارة في القضيبية – كان يقول: نحن بنينا هذا الجزء أو ذاك. لكن نحن لم نكن ندون. الأمر الآخر يوجد مأتم «كلبهرام»، عمره أكثر من 170 سنة. هم يدعون بأنهم هم من بدؤوا الحيدر من هذا المأتم لسبب معين. كان مكان المأتم في فريق العوضية الآن جنب مقبرة الشيعة. وقتها لم يكن العوضية متواجدين في تلك المنطقة ولم يكن اسمه فريق العوضية. كان الميناوية ساكنين في مكان مرتفع. المأتم من برستج.
كان يوم جمعة ومصادف للعاشر من محرم حين أتى الميجر (ديلي) وطلب من «كلبهرام» ألا يخرج مأتمه للعزاء. سأله عن السبب فقال إن إخوانكم المسلمين السنة سيصلون الجمعة، فلا تخرجوا للعزاء كي لا يحدث تداخل بين المعزين والمصلين. قال كلبهرام للميجر ديلي: حسناً، نحن لن نخرج يوم الجمعة، لكن سنخرج يوم الأحد، فعليكم أن تغلقوا كنيستكم في هذا اليوم لأننا نريد أن نعزي. وقد كانت هناك كنيسة الإرسالية الأميركية، يمر عليها المأتم في طريق عزائه. اعترض ديلي وقال: كيف نغلق الكنيسة لكي تخرجوا للعزاء؟ قال كلبهرام: «إذاً، كيف تريدنا أن نوقف العزاء من أجل أن إخواننا سيصلون الجمعة. نحن سننتهي من العزاء قبل وقت الصلاة، أو سنبدأ بعد أن ينتهوا من الصلاة، أنت لا دخل لك بيننا نحن وإخوتنا السنَة. لا دخل لك بين الشيعة والسنة هنا. نحن نتدبر أمورنا معاً بشكل جيد». خرج المأتم في حيدر ولبسوا الأكفان. كان المغيسل في عين الحورة أمام المأتم. النخل اسمه «باغ سيدو»، هناك قتلت امرأة اسمها حورية، لا نعرف تماماً سبب مقتلها حتى الآن، ثمة معمّر واحد فقط يعرف الحكاية، هو كبير جداً في السن، وقد رواها لي ولم أستوعبها جيداً لأن كلماته غير مفهومة تماماً. المهم أنه تمت تسمية هذا النخل باسمها «نخل حورية». ومنه تمت تسمية المنطقة بالحورة.
– ناصر حسين: هناك عجم سنة وشيعة، وهناك هولة. الآن كل عجمي سني صار يعرف بالهولي. هناك حوادث سياسية حدثت. بعض العائلات السنة المحافظين هربوا خوفاً من رضا شاه الذي فرض على النساء نزع الحجاب. كان ذلك في الثلاثينات. أما في 1146 هجرية كان حاكم إيران هو نادر شاه. نادر شاه كان شخصية غازية. لديه فتوحات كثيرة وغزوات. وصل إلى الهند مرات عدة. ومن الغنائم التي حصل عليها نادر شاه موجودة في طهران، في البنك المركزي حالياً قطعة ألماسة كبيرة معروفة باسم «درياي نور» أي بحر النور، وقطعة ثانية من هذه الألماسة موجودة في بريطانيا. ولكثرة ما هجم على الهند، انتصر على ملك من ملوك الهند اسمه محمد، ثم زوج ابنه من ابنة الملك. حاول أيضاً الانتصار على البرتغاليين؛ لأنهم كانوا يحكمون جنوب إيران. وفي الوقت نفسه كانوا يحكمون البحرين. الإنجليز تمكنوا من طرد البرتغاليين. وفي الوقت نفسه الإيرانيون صاروا يحاربون الإنجليز. العجم كانوا يعانون من رضا الشاه ومن الإنجليز. هاجر بعضهم إلى البحرين طلباً للرزق، وبعضهم هرباً من السياسة خوفاً على حياتهم لأنهم كانوا يحاربون الإنجليز. كانوا يأتون من بوشهر. المسافة من بوشهر إلى البحرين 18 ساعة باللنج. كان ذلك بين الأعوام 1920 و1940 قبل الحرب العالمية الثانية.
– محمود القصاب: في تقديري أن العجم موجودون قبل الفترة التي حددها بوشهري. في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، كان الخليج هادئاً ومستقراً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، حتى على مستوى التجارة. الحراك ما بين السواحل الفارسية كان يتم بكل هدوء ومن دون أية مشكلات. بشكل طبيعي وهادئ كانت القبائل العربية ترحل إلى الخليج العربي شرقاً والمجاميع الفارسية تأتي إلى السواحل العربية غرباً من دون أي مشكلات. متى بدأت المشكلات؟ عندما قدمت الدول الاستعمارية؛ البرتغاليون تحديداً. في هذه الفترة كانت هناك دولة اسمها «هرمز» تبعد عن سواحل الخليج بنحو 12 ميلاً. تتنازع بين من يحكمها، الفرس أم البرتغاليون. هي نشطة اقتصادياً، لكن حكمها ضعيف. كانت إذا وجدت نفسها مهددة من البرتغاليين لجأت إلى عباس الصفوي، أي إلى الصفويين، وإذا صار العكس لجأت إلى البرتغاليين. هرمز كان يخضع لها الساحل العماني كله. احتلت البحرين، أكثر من منطقة في الخليج العربي. البرتغاليون يتنافسون لإثبات سيطرتهم على هرمز والبحرين وكل الدول التابعة لها. أعتقد أن الفرس كانوا موجودين في البحرين لهذه الأسباب أيضاً وإن بنسبة قليلة. الحوادث السياسية التالية زادت من وجودهم. الهجرات ليست جميعها هجرات سياسية. الدولة الصفوية كانت دولة طامعة. لا أحد ينكر أن لها أهداف استعمارية في البحرين. وبالتالي تتم بعض الهجرات تحت دوافع استعمارية. كذلك كان البرتغاليون والعثمانيون، بمعنى أنه إذا كانت هناك هجرات لدوافع الرزق وهرباً من القمع والبطش وطلباً للأمان هناك أيضاً هجرات منظمة لأغراض سياسية استعمارية.
الانتقال والهجرة
* ما المرويات والحكايات التي سمعتموها من آبائكم وأجدادكم عن تاريخ الانتقال والتحول إلى هذه الجزيرة؟
– موسى الأنصاري: لو نظرنا إلى الماضي، فإنه في السابق لا يوجد بترول ولا مصانع ولا معامل تكرير. العالم كله يعيش على الغزوات. الغزوات هي مصدر الرزق. سواء أكانت كانت إيران أم تركيا أم روسيا أم أي دولة في العالم. والأقليات موجودة في كل دول العالم. دائماً هناك مهاجرون من بلدان الجوار. ليس فقط في البحرين أو أي دولة بشكل خاص. كان عصر نادر شاه هو أقرب وقت إلى احتلال البحرين من قبل البرتغاليين. نادر شاه هو أقوى قائد وأيامه أقوى الأيام بالنسبة للحكم الشاهي. وكما تفضل الأخ محمود أن العرب والفرس كانوا يتنقلون بين السواحل. فبقيت مجموعات من الفرس هنا. تغيرت بعض المسميات. العنصر الفارسي الذي صار يسمى بالعجم، أنا لدي تحفظ على هذا المسمى الآن، سابقاً كان هذا الاسم صحيحاً؛ لأنه لم يكن هناك وجود لأي لغة ثانية في البحرين إلا الفارسية، ولأن كل من لا ينطق اللغة العربية فهو أعجمي حسب القرآن واللغة، فإن إطلاق التسمية في ذلك الوقت على هذا الأساس كان صحيحاً. لكن بعد اختلاط الأعراق وتدفق الآسيويين وغيرهم إلى البحرين صار المعنى مختلفاً. الآن العجم بالمعنى القاموسي هم ليسوا الفرس فقط، بل جميع من لا يتحدثون باللغة العربية وهم كثر. حالياً عندما يقال أصول فارسية، دائماً يعنون بها العجم الشيعة. لكن هناك أصول فارسية من السنة، وهناك أيضاً الهولة ذوو أصول عربية. الأصول الإيرانية تشمل البلوش وعرب السواحل وعرب خوزستان والأذربيجانيين والأكراد والتركمانيين في أقوام مختلفة. كانت تسمى فارس (بارس)، ثم بدلت إلى إيران لتشمل كل هذه القوميات.
اليوم الفرس يشكلون أكثر من 55% من إيران. أما البقية هناك فكلها أعراق أخرى. الأعراق الأخرى لديها حريات. بنظرة بسيطة للجانب السياسي هناك، فإن القيادات في إيران اليوم من أصل آذرية، من أصل عربي. من يحكمون اليوم إيران هم من أصول عربية. في الأصل لا يوجد «سيِّد» من أصل فارسي. ذرية الرسول أصلها عربي. لكن هذا الوجود العربي في إيران صار له مئات السنين. وصار جزءاً من الفرس. الآذريون الآن صاروا قيادات. ربما أختلف مع المرجعيات الدينية في إيران والقادة، هذا شيء يخصني، لكن هناك نوع من الحريات. هناك 50 صحيفة بالعربية. هناك محطات بالعربية. هناك مذياع بالعربية. لكن اللغة الفارسية هي المعمول بها في كل إيران.
– ناصر حسين: بعض الإيرانيين الذين هاجروا إلى الهند. حتى اليوم يسمونهم «بارسي» فارسي. في البحرين تسمية العجم في البحرين لاتزال قائمة.
– محمود القصاب: أعتقد أن العجم أنفسهم قد ساهموا في ترسيخ هذه التسمية. تسمية مأتم «العجم الكبير» مثالاً، على كل حال هذه التسمية لا تحمل أي نقيصة أو أي مضمون سلبي من العجم وغالبية العجم لا يرفضونها ولا ينكروها.
– موسى الأنصاري: الأخ ناصر يتحدث عن الإيرانيين في الهند، إنهم لايزالون محتفظين بتسمية الفارسي؛ لأنهم احتفظوا بدينهم الأصلي، الدين الزرادشتي، وهم قلة هناك. هؤلاء بعد الإسلام لم يتقبلوا الدين الجديد وانسحبوا جهة الهند وباكستان، وهم قلة قليلة.
– جعفر عابدين: كان العجم يساهمون مع أشقائهم العرب في كل الأعمال هنا في البحرين. في الغوص والبناء والتجارة. كثير من تسميات البحر كلمات فارسية الأصل. مثلاً كلمة النوخذة أو ربان السفينة. الأصل كلمة فارسية مكونة من مقطعين: ناو ويعني باخرة، ثم خدا ويعني: رب. فكلمة «ناو خدا» يعني ربان السفينة. العرب نطقوها نوخدة. القرقور أيضاً كلمة فارسية أصلها كولغير، أي مغلق ومحكم.
– يوسف أمر الله: الهجرات العربية إلى البر الفارسي تفوق أضعاف الهجرة الفارسية إلى البر العربي. في صحيفة «الوقت» يوجد لديكم شيء جميل أنكم تهتمون بتاريخ الأسر. هناك أسر مرموقة من الصف الأول في البحرين، كثير منهم هاجروا إلى إيران. وكثير منهم تعرضوا إلى الاضطهاد أو لوجود متطرف ضيق عليهم سياسياً واجتماعياً. الإيرانيون أيضاً كانت هجرتهم نوع اًمن الثورة البيضاء على رضا شاه. لأنه حاول أن يفعل مثل علمانية أتاتورك المتطرفة ضد الدين. كثير من العائلات الفارسية المحافظة هاجرت. هذه هي الهجرات الحديثة. كثير من العرب هاجروا إلى البر الفارسي بسبب قطاع طرق أو خوفاً من بعض المتطرفين الوهابيين. تركوا رؤوس أموالهم في بلدانهم وهاجروا.
* في العام ,1937 أمر حاكم البحرين، آنذاك سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة (1923 – 1924)بإصدار جوازات سفر بحرينية جديدة. هل أقبل العجم على الجواز البحريني في ذلك الوقت؟
– موسى الأنصاري: قانون الجنسية في البحرين كان العام ,1937 سأبدأ بنموذج حديث. البارحة كان أحدهم يروي لي أنه ذهب لعمل البطاقة الذكية، قال أعطوني موعداً بعد 15 يوماً. قبل سنوات لم يكن أحد يهتم بالبطاقة الذكية. الآن صار الوضع ملحاً ولا يمكنك أن تمارس أي جزئية من حياتك من دونها، لهذا صار التوجه لها مكثفاً إلى هذا الحد الذي لا تستطيع الحصول معه على موعد قريب. سقت هذا المثال لأوضح أن الحاجة هي التي تخلق التوجهات في كثير من الأحيان. وهي التي تدفعك للذهاب إلى الشيء والاهتمام به أو عدم الاكتراث به. سابقاً لم يكن هناك جواز. الناس تذهب الى الخارج بورقة وتعود بورقة. البوانيش تذهب إلى إيران وتأتي بالفاكهة. البحرين أيضاً ينقلون إلى إيران الشاي والسكر. لم يكن أحد يهتم بالجواز. في الأربعينات والخمسينات صار ممنوعاً السفر من دون جواز. هنا صار الجواز يمثل مشكلة. الحكومة البريطانية كان لها دور أيضاً. الحكومة البريطانية استقوت بالطرفين في عهد القاجار. عهد القاجار قبل العهد البهلوي. هو من أسوأ العهود التي مرت على إيران.
* الثورة المشروطية كانت في عهدهم..
– موسى الأنصاري: نعم، في آخر أيامهم كانت الثورة المشروطية. في أيامهم ذهبوا الى أحضان الغربيين، إلى تغريب إيران. في الوقت نفسه أعطوا البريطانيين كل الحرية في الجنوب. العهد القاجاري كان الأضعف في إيران.
* نعم، نحن نريد أن نركز الآن على البعد التاريخي. في الثلاثينات عندما ظهر قانون الجنسية، ما عدد العجم الذين تجنسوا؟
– موسى الأنصاري: هناك جانبان، هناك جانب اقتصادي وهناك جانب الإهمال. اقتصادياً، النمو التجاري الذي شهدته البحرين كان متأخراً، أي في بداية السبعينات مع الطفرة النفطية. قبلها كانت الطبقة الوسطى متقاطعة ومتلاقية بدرجة كبيرة مع الطبقة الثرية. الفجوة بين الطبقتين اقتصادياً لم تكن كبيرة. لم يكن الوضع مثل الوضع الآن. طبقة فقيرة في الطرف وطبقة غنية في الطرف الآخر. لم تكن توجد مغريات في البحرين ليهتم الإيرانيون بأن يحصلوا على الجنسية. كان التفكير بالنسبة إليهم أن الوضع واحد في البحرين كما في إيران، هنا سأعيش في برستج ولو رجعت إيران سأعيش في برستج أيضاً. الناس لم تكن منشغلة بموضوع الجنسية خلال الثلاثينات. في الخمسينات والأربعينات عندما صار الجواز ملحاً، حرموا من الجنسيات. الإنجليز لهم دور في ذلك. قبل 71 كان الإنجليز هم من يدير البحرين. في المحرق مثلاً كانوا يضعون العجم في جيب ويسفرونهم. أتحدث هنا عن مرحلة سابقة لمرحلة الثمانينات واشتعال حوادث الثورة. كان ذلك في الأربعينات والخمسينات. عندما تذهب إلى إيران وتلتقي بأبناء الناس الذين تم تسفيرهم، ستجد بعضهم يقولون لك: «أنا أبي من البحرين، لكن سفرو»،
عانى العجم كثيراً في تلك الفترة على يد الإنجليز، أنا من مواليد ,1943 أعرف ناس كانوا من الأوائل في التوجيهي وحرموا من كل البعثات. حرموا من الذهاب إلى الحج أو إلى أهلهم في إيران. والآن يأت أناس لم يروا البحرين طوال حياتهم ليتسلموا الجواز قبل أن يصلوا البحرين، وهذا موضوع آخر ربما ليس مكانه هنا.
* كم كــان عــدد العــجم الــذين استــخرجوا جــوازات بحرينية حين صــدرت الجـــوازات الجديــدة في العـــام 1937؟ وكــم عــدد الذين حصلوا على الجنسية حين صدر قانون الجنسية والملكية في العام 1939؟
– بوشهري: هناك فرق بين الجنسية والجواز. الجنسية هي طلب الحصول على جنسية بحرينية لشخص غير بحريني. رأيت وثائق قديمة يحدد فيها أصل الشخص، وأنه قد طلب الحصول على جنسية بحرينية. طلب الجنسية شيء والجواز شيء آخر. كان المقتدر فقط يطلب الجواز. في العشرينات فما فوق، كان عليك أن تدفع 10 روبيات للحصول على الجواز، يبقى الجواز صالحاً لمدة 4 سنوات، ولكي تجدده يجب أن تدفع 5 روبيات أيضاً. كان ذلك في العام ,1927 عشر روبيات تعتبر مبلغاً خيالياً في ذلك الوقت لا يستطيع عليه المواطن العادي. عندما ظهر القانون عدد قليل من العجم من المقتدرين طلبوا الجنسية. لم يكن مهماً حينها بالنسبة للناس طلب الجنسية. كان الجميع يركب اللنج ويرتحل بكل بساطة لأي مكان من دون تعقيدات. صار الضغط عندما ظهر قانون الأملاك. قانون الأملاك ظهر مباشرة بعد قانون الجنسية. إذا لم تكن لديك جنسية لا يحق لك إلا أن تملك بيتاً ودكاناً فقط. فإذا كانت لديك أملاك وأنت غير حاصل على الجنسية فليس لك حق فيها، يجب أن تبيعها. كان هذا هو أحد الدوافع. قانون الجنسية لم يحرك شيئاً، فجاء قانون الأملاك كنوع من الضغط. البعض أخذ الجنسية في الفترة نفسها والبعض الآخر تأخر. عائلتي أخذت الجنسية مباشرة العام .1927 جواز عائلتي كان رقم .42 المقتدرون فقط أخذوا والباقي لم يتمكنوا. يقال إنهم كانوا يأتون يوزعون الجوازات في «خيشة»، في السوق، ولا أحد يأخذ.
بعد وصول رضا شاه إلى السلطة، والسياسة القومية التي كانت لديه، صار هناك تخوف من العجم في البحرين. أي شيء يحدث في إيران، ويكون مزعجاً للبحرين أو الخليج، فإن الضغط مباشرة يأتي علينا نحن الإيرانيين في البحرين. وهذه خاصية صرنا معتادين عليها وشبه مستعدين لها دائماً أمام أي تأزيم مع بين أي طرف في إيران وأي طرف من الخليج. دوماً هذا ثابت في تاريخنا.
– جعفر عابدين: هناك صحيفة أسبوعية من شركة نفط البحرين «نجمة الأسبوعية». للمرة الأولى تقوم بإحصاء عن الأنفس في البحرين. في الخمسينات وجدوا أن العجم 70%. في السوق والدكاكين كلهم عجم، العمال والمنظفون والسقاية و«النجاجير» والعمال والبناء كلهم من العجم. أنا أستخدم كلمة عجمي.
* لكن أول إحصاء حدث في البحرين كان في 1941؟
– محمود القصاب: أنا أشتبه في هذه النسبة؛ لأنها غير دقيقة، ولم يكونوا الأجانب يوماً في البحرين يشكلون الأغلبية. لم يحدث ذلك إلا في هذه المرحلة بسبب التجنيس السياسي، وزيادة العمالة الوافدة المستوطنة أما قبلها فلا.
– بوشهري: كلام جعفر جزء منه صحيح. الإحصاء السكاني سنة 1941 كان الأول في البحرين. كان يذكر البحرينيين ثم الأجانب. ثم يتم تحديد الأجانب: سعودي، إيراني، هندي، عماني.. الخ. فمن الممكن أن هذه النسبة الـ 70% هي نسبة العجم بالنسبة للأجانب وليس إلى البحرينيين. أي أن 5% من سكان البحرين أجانب، ومن الـ 5% فإن العجم يشكلون 70% من الـ 5%.
– محمود القصاب: نعم، بهذا المعنى قد يكون معقولاً..
في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخمسين من بعد ظهر يوم 26 مارس/آذار العام 1970 أعلنت إذاعة لندن أن كلا من بريطانيا وإيران تقدمتا بطلب إلى السكرتير العام للأمم المتحدة لإرسال مندوب من المنظمة الدولية لاستطلاع رأي شعب البحرين عما إذا كان يرغب في الاستقلال أو الانضمام إلى إيران.
وفي الساعة السابعة من صباح يوم 30 مارس/آذار العام ,1970 وصلت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة. وضمت البعثة في عضويتها ستة ممثلين دوليين من إندونيسيا وأيرلندا وفرنسا والهند والأردن، إضافة إلى رئيسها المندوب الإيطالي السيد «ونسبير جيو شاردي». وقد تم وضع برنامج الاستطلاع للجنة الأمم المتحدة، بحيث يشمل معظم مناطق البلاد، وقد بدأت البعثة هذه اللقاءات مع المواطنين، وذلك في قاعة المؤتمرات في فندق الخليج، حيث كان رجال الدين هم أول من التقت بهم البعثة، وذلك في الساعة الخامسة عصراً، ثم توالت هذه اللقاءات لمعظم الأندية والجمعيات والقرى والمؤسسات، وذلك حرصاً من جانب اللجنة على أن يشمل الاستطلاع معظم فئات وأفراد الشعب. وعلى سبيل المثال، اجتمعت البعثة مع إدارات أندية العروبة والخريجين والبحرين وجدحفص والنسور والسنابس والجزائر والفردوسي وسترة والرفاع واليرموك والإصلاح والنعيم والأهلي والترسانة. كما التقت البعثة بإدارات جمعية رعاية الطفولة والأمومة ونهضة فتاة البحرين، وأسرة الأدباء والكتاب وأسرة فناني البحرين وجمعية الهلال الأحمر البحريني.
* إلى أي جهة كان يميل صوت العجم في هذا الحدث الكبير؟ وكيف أدرك العجم هويتهم وولاءهم وانتماءهم القومي من خلال حدث الاستفتاء هذا؟
– موسى الأنصاري: كان الاستفتاء العام ,1970 أتى وفد من الأمم المتحدة إلى البحرين، وكان الاستفتاء يشمل ثلاثة أسئلة: هل تريدون الانضمام إلى إيران، أو تبقون تحت الحماية البريطانية، أو تريدون أن تكونون دولة مستقلة. لنكن واضحين وشفافين. الاستفتاء لم يكن كما حدث في استفتاء الميثاق. طلب العجم أن تكون البحرين إمارة مستقلة تحت دستور يضمن حقوق الجميع. يضمن حقوقنا كأقليات. العجم كانوا مندمجين مع البحرينيين. كانوا يريدون دولة مستقلة دستورية. لنكن واقعيين. كل عرق يفتخر بعرقه ومن لا يفتخر به ليس فيه خير. أنا ذهبت إلى الاستفتاء. وصوّتُ على أن البحرين تكون مستقلة، ذات سيادة، تحت دستور ديمقراطي. وضعت شرطاً من عندي أن تحترم الأقليات؛ لأنك أثناء الاستقلال لا تعرف ماذا يحدث. ذهبت كبحريني. لكن لا أريد تضييع هويتي كفارسي.
* عندما ذهبت إلى التصويت، كيف بدت لك هويتك، هل بحرينية أم إيرانية؟
– موسى الأنصاري: ذاهب كبحريني، لكني لا أريد أن أضيع هويتي كفارسي.
* هل كان هناك رأي معارض للتصويت من قبل جماعة من العجم تعتقد أن البحرين جزء من إيران؟
– موسى الأنصاري: لنكن واقعيين. لم يكن هناك وعي كافٍ في تلك الفترة. حتى البحرينيين لم يكن لهم حضور قوي. لم يكن هناك إعلام قوي كما حدث مع الميثاق مثلاً. المثقفون والسياسيون فقط هم الذين كانوا يذهبون.
– جعفر عابدين: للاستفتاء تم تقسيم البحرين إلى 84 جزءاً، كل جزء يمثل صوتاً. كان يلزم التصويت بنسبة 80% كي تنال البحرين استقلالها كاملاً. الأجزاء هي عبارة عن الأندية المنتشرة في البحرين، 4 منها فقط نوادٍ تمثل العجم في البحرين.
– بوشهري: لمزيد من التوضيح، سنة 70 لم يكن في البحرين جمعيات سياسية ولا نقابات عمالية. الأمم المتحدة تريد أخذ رأي الشعب، وجدت أن الجهة الوحيدة الموجودة في البحرين والتي يجري بينها انتخابات هي النوادي. أعضاء بحرينيون يجرى انتخابهم، المنتخبون هم يمثلون الباقي. كانت 4 نوادٍ للعجم هي الفردوسي والتاج والاتفاق والشعاع. جميع النوادي اختارت أن تكون البحرين دولة مستقلة. واحد من هذه النوادي أضاف «نحن نريد أن نعرف ماذا ستكون مكانتنا في هذه الدولة«. كان ذلك هو التحفظ الوحيد، لكن الكل صوّت على الاستقلال.
* هل هناك من بين هذه الجماعة من اعتبرها خيانة للوطن الأم؟
– بوشهري: منذ ولدنا هنا في البحرين، لم نفكر يوماً بالانتماء إلى إيران، التمسك بالأصل والثقافة دائماً موجودة، لكن لم يكن لنا رغبة في الانتماء إلى دولة إيران. نحن دوماً نعتبر أنفسنا بحرينيين. نحن تناسلنا جيلاً وراء جيل هنا. أنا في عائلتي أعد من الجيل الرابع. حالياً الجيل السادس من عائلتي موجود. عملنا هنا، تزوجنا هنا، حلالنا هنا.
– جعفر عابدين: نحن لسنا عرباً. ولكن لدينا لهجة فارسية بحرينية، تميزنا عن اللهجة الفارسية الأخرى. عندما نذهب إلى الكويت أو الإمارات أو أي منطقة على الحدود، بمجرد أن نتكلم يقال لنا إن هذه لهجته من عجم البحرين.
* في مرحلة الاستفتاء، هل كان التيار القومي يرى أن العجم يشكلون خطراً؟
– محمود القصاب: طبعاً، أنا لم يكن وعيي السياسي حينها مثل وعيي اليوم. لكني كنت أعيش هذه التفاصيل وأتذكر الحوادث. لنكن واقعيين. الحساسية كانت موجودة. الإخوة ذكروا أن العجم كانوا مع البحرين المستقلة. لكن هذا لا يلغي أن البعض كان يتطلع نحو إيران. لا أستطيع نفي أو إثبات ذلك. لكن أعتقد بوجود هذا البعض. المهم الآن هل العجم يعتبرون أنفسهم بحرينيين من أصول فارسية؟ هذا هو السؤال، بمعنى أن يكون ولاؤهم للبلد الذي احتضنهم من دون أن ينكر عليهم أصولهم العرقية أو القومية!
نحن كقوميين عرب كيف ننظر إلى القوميات الأخرى؟ نحن نتعامل مع الأقليات (وأنا عندي حساسية تجاه تسمية الأقليات) على أساس مبدئي وإنساني. أي نؤمن بالعروبة بمعناها الحضاري، أي أنها قادرة على استيعاب كل من يعيش على أرضها من أعراق وأقليات دينية أو إثنية. شخصياً، فتحت عيني في فريق المخارقة في محيط يضم الكثير من العجم. ندخل معهم في صداقات وخلافات وزواج. هذا لا يلغي الخصائص المشتركة التاريخية بيننا وبينهم. هذا الجانب الاجتماعي. من الناحية السياسية فإن أي تعصب سواء من العرب أو العجم هي موقع ضرر للطرفين. القوى المعادية والقوى المتربصة تستغل هذه الخلافات وتستثمرها. أي خلاف يصب في جهة الضرر للطرفين.
* نعم، لكن ما تتحدث به هو وعي حديث، أنا أسأل عن وعي التيار القومي العروبي في تلك الفترة الزمنية من التاريخ؟
– محمود القصاب: نعم، أنا أتكلم عن موقفي وموقف الجمعية وفهمنا للعروبة وللقومية باعتبارها الوعاء الحضاري الذي يستوعب كل من عاش على أرض العروبة وتفاعل مع قضاياها المصيرية. نعود للاستفتاء. في تلك الفترة كانت إيران بالفعل تطالب بالبحرين. كان البعض يقول لنا حين نختلف معهم: انتظروا عندما يأتيكم الشاه سترون ماذا نفعل. هذا يعبر عن شيء موجود ومضمون. لا أقول إن هذا موجود عند كل العجم، لكن هذا يعبّر عن بعض المضموم. الحساسية إذاً كانت موجودة. ليس لدي إثبات أو إحصاء يقول كم عدد العجم الذين صوتوا مع الاستقلال أو ضده. ولا أعتقد أن أحداً هنا يستطيع أن يحدد ذلك. ما حدث أن الأندية ومنهم نادي العروبة أقام اجتماعات عدة. كان يقيم الندوات، يذهب في وفود لتشجيع الأهالي وحثهم على التصويت مع عروبة البحرين واستقلالها. كان يلتقي بالعرب والعجم. في نادي العروبة لدينا مجموعة من الأصدقاء والأعضاء من أصول فارسية، وهم أصدقائي. العروبة هي قومية إنسانية متفتحة وليست عنصرية ضد العجم أو غيرهم، كذلك الفارسية يجب أن تبقى قومية، لكن ليست عنصرية. الفارسية هي ثقافة قومية. كل من ينتمي إلى أمة من حقه أن يفتخر بأمته وتقاليدها وتراثها وأن يحافظ عليها ويعتز بها.
* في انتخابات ,1973 كانت العملية الديمقراطية تتطلب أن ينتظم الناس في جماعات حزبية أو عرقية، أو أقليات تعبر عن مطالبها، كيف تصرف العجم في هذه الانتخابات؟ هل استطاعوا إرسال مجموعة من مرشحيهم؟ هل استطاعوا أن ينظموا أنفسهم على شكل تكتل سياسي أكثر تماسكاً لدخول البرلمان؟
– موسى الأنصاري: في 72م كان المجلس التأسيسي، وفي 73م كان المجلس الوطني. في المحرق ترشح اثنان من العجم للمجلس، المرحوم عبدالنبي خيامي والمرحوم علي عبدالله كريمي. الوعي السياسي كان شبه معدوم. لكن لم تكن هناك أي نظرة عرقية في ذلك الوقت. البرلمان الجديد مع الأسف الشديد عمل لنا نوعاً من العرقية والطائفية على عكس ما هو مفترض. في 73 كانت الدعوة للوحدة الوطنية. المجلس كان أنجح لأنه لم يكن هناك نظرة طائفية أو عرقية.
– جعفر عابدين: كان هناك عجم قد رشحوا أنفسهم للانتخابات، لكن نحن انتخبنا عرباً؛ لأننا كنا نرى أنهم أكثر كفاءة. لا لأن هذا عجمي أو عربي. كانت أكثر أصوات العجم انتخبت علي ربيعة ومحمد جابر الصباح.
– ناصر حسين: في المنامة، العجم كلهم صوتوا لعبدالهادي خلف لأنه إنسان وطني.
– محمود القصاب: في نظري، فإن الأقليات دائماً تتجه لتأييد القوى السياسية التي يعتقد أن ليست لها توجهات قومية. لهذا أعتقد أن أكثر العجم صوّتوا لمرشحي الأحزاب الماركسية والشيوعية. لكن ليس للمرشحين الذين ينتمون إلى الأحزاب القومية. لهذا تجد العجم في العمل الحزبي أقرب للمنظمات الماركسية. عندما ترجع لتاريخ بعض المنظمات الشيوعية ستجد أن لديهم أعداد كبيرة من العجم، وهذه مشكلة وحساسية تلازم كل الأقليات في كل مكان وفي كل الأوقات لأسباب عدة ومتداخلة بعضها يعود إلى الخوف من الأكثرية وهيمنتها وبعضها يعود إلى التعصب تجاه هذه الأكثرية.
* هل كانت هناك تحالفات على أساس عرقي في الانتخابات؟
– بوشهري: لا يوجد. كان هناك مرشحان للمجلس التأسيسي. ومرشحان للمجلس الوطني في منطقة المنامة. أكبر عدد من الأصوات حصل عليها مرشح عجمي للمجلس الوطني 145 صوتاً. قانون الانتخابات كان يقول: اللذي عنده الجواز والجنسية يحق له التصويت. العجم يجب أن يكونوا قد منحوا الجنسية قبل الانتخابات بفترة زمنية طويلة (ربما 15 أو 20 سنة). العجم الذين يحق لهم التصويت كان عددهم محدوداً. عجم الفريق ذهبوا إلى كبار الفريق، واتفقوا أنا سأعطيك صوتي وأنت أعطني صوتك. النتيجة كانت أننا لم ننجح لأن العدد محدود جداً. عبدالهادي خلف كانت له مؤهلات. باقي المرشحين كانوا من الأعيان، لكن لم يكونوا يمتلكوا مؤهلات عبدالهادي خلف.
القوميـون والعجـم
فيما يتعلق بموقف التيار القومي من العجم. سأقرأ مقطعاً من مذكرات عبدالرحمن الباكر: كان يوجه مقترحات لمنطقة الخليج العربي حول الأخطار المحدقة في الخليج العربي، وكان مهتماً بما يسميه بالأخطار الآتية من إيران. يقول: فهناك في كل جزء من الخليج العربي الطابور الخامس الإيراني المنظم أحسن تنظيم مما تتمتع به تلك الجاليات من امتيازات (…) ولو ولد في تلك المنطقة وتعلم فيها واقتنى من خيراتها، فإنه إيراني قلباً وقالباً، ولن يتخلى عن إيرانيته (…) فإنهم لا يتكلمون فيما بينهم إلا بالإيرانية. ولا يربون أبناءهم إلا على اللغة الأم (…) كما يخلقون فيهم روح الابتعاد عن كل ما هو عربي. ويقول في موضع آخر: هذا مثل بسيط بالنسبة لحوادث كثيرة قد حصلت وتوضح كلها كيف أن الإيرانيين كانوا يقفون من القضايا الوطنية المواقف السلبية. ويطالب بلجنة لتمحيص كل من منحوا الجنسيات يقول: لو تألفت لجنة من كل إمارة ومحصت الجوازات الممنوحة للمتسللين لوجدت أن ثمانين بالمائة إيرانيون وقد تسربوا إلى البلاد بطرق غير مشروعة بواسطة الجمعيات الإيرانية التي تدير نظام الهجرة غير المشروعة إلى الخليج العربي بغية إغراقه بالإيرانيين. ويقول: إنني ويعلم الله، لا أهدف من وراء كلامي هذا أن أستعدي العرب على الإيرانيين في الخليج العربي، ولا أقول إن كل الإيرانيين يحملون هذه الروح الخبيثة ضد البلاد التي أنعمت عليهم ونعموا بخيراتها، لكني أحذر بني قومي من مغبة حسن النوايا، لاسيما مع جماعة تتعطش حكومتهم للاستيلاء علينا». كيف ترون خطاب الباكر؟
– ناصر حسين: هناك أناس عندهم حساسية من العرق الآخر. سأقول نكتة أقابل بها هذه الشدة التي تطرق لها عبدالرحمن الباكر. في أيام شبابي كنت في لندن أقف بانتظار صديق لي. كان هولياً. جاء عراقي رآني واقفاً، سلم عليّ، ثم سألني من أين أنت، قلت له أنا من البحرين. قال: أنتم في البحرين لديكم إيرانيون كثيرون. قلت له: نعم، لكن هؤلاء لا يعتبرون إيرانيين، هؤلاء بحرينيون من أصل إيراني، ونحن في البحرين لا نميز بين عربي وإيراني. قال: يا أخي أنا أي واحد أصله إيراني، بمجرد أن يتكلم عربي أعرف أن أصله إيراني. ثم أضاف: أنتم لماذا لا تطردون العجم؟ قلت له: لماذا نطردهم، ماذا فعل لك العجم؟ في هذه الأثناء جاء صديقي ومباشرة قال لي: ها جتوري؟ خوبن؟. هنا صدم العراقي وراح يعتذر: أنا آسف كل شي ماكو.. قلت له أنت لم تترك شيئاً أصلاً. الخلاصة أن هناك حساسية عرقية عند البعض. يحبون قومياتهم، لكن لا يحبون القوميات الأخرى.
– موسى الأنصاري: الكلام الذي قاله الباكر فيه شيء من الصحة. نحن نحافظ على اللغة الفارسية هذا أمر لا خلاف عليه. نحرص على تعليم اللغة لأبنائنا هذا لا خلاف عليه. أنا عجمي هذا لا خلاف عليه أيضاً. المواطنة لا تلغي القوميات، لكن العنصرية هي التي تلغي.
– يوسف أمر الله: يؤسفني أن أسمع هذا الكلام من شخصية وطنية وتاريخية ويعد قائداً وزعيماً ورمزاً. فهذا الكلام فيه كثير من العصبية، إلا أن خطابه هذا يعكس حقبة الخمسينات والستينات، وهي فترة القومية العربية. بخصوص تمسك العجم بلغتهم والمحافظة عليها، فهذا شيء طبيعي لا دخل له في السياسة، فجميع القوميات والمجتمعات التي تعيش في هذا الكون تحافظ على لغتهم وعاداتهم حتى لو كانوا يعيشون في بلدان ليس ببلدانهم الأصلية. فمثلاً العرب الذين هاجروا إلى إيران في صدر الإسلام قبل أكثر من 1400 سنة إلى الآن هم يتحدثون العربية ومتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم.
* محمود القصاب، في ظل السياق التاريخي والتكوين القومي، كيف تقرأ موقف عبدالرحمن الباكر من العجم؟
– محمود القصاب: أكيد أن هذا الخطاب شديداً في لهجته، فالهيئة كانت في الخمسينات تخوض نضالاً مريراً. الوضع كان حساساً. إذاً، الخطاب هو ابن تلك المرحلة. المنطقة كانت تغلي: الاستعمار من جهة، وإيران من جهة أخرى. هناك صراع بين القومية العربية التي يمثلها ويقودها الزعيم جمال عبدالناصر في تلك الفترة، مع إيران الشاه والقوى الاستعمارية الداعمة له. نحن نعتقد أن من كان يتطلع إلى الهيمنة تكون لديه وسائل يحاول من خلالها الوصول إلى هدفه. والشاه كان يتطلع إلى البحرين ومن الوارد أنه كانت لديه وسائله، من بينها العمل على خلخلة التركيبة السكانية للبلد. قد يكون ما ذكره الباكر فيه نوع من المبالغة، لكن ظروف المرحلة هي التي تصنع خطابات تلك المرحلة. أنا في وجهة نظري لو أن الباكر لايزال موجوداً لأعاد تصوره من جديد. اليوم نحن نختلف. بالنسبة إليّ، لا أشعر بأن العجم يمثلون خطورة على البحرين. أعتقد أنهم بقوا على ولائهم للبحرين. في المرحلة التي نعيشها اليوم، أنا على يقين تام من ولاء العجم للبحرين. هذا لا يلغي بعض الاستثناءات، أي وجود بعض المتعصبين عرقياً من العجم من الذين يتمسكون بولاء لعرقهم ولدولة إيران التي تمثلهم، وعلينا نحن واجب طمأنة واستيعاب كل العجم وتشجيعهم على الاندماج في الوطن بصورة أكبر وعليهم واجب زرع الروح والنزعة الوطنية عند أجيالهم وإبعادهم عن أي شكل من أشكال التعصب أو العداء، بمعنى أنه كما يحرصون على تعليم أولادهم اللغة الفارسية والتاريخ الفارسي والثقافة الفارسية – وهذا حقهم – عليهم أيضاً أن يعلموهم كيف يحبون هذا الوطن الذي نشؤوا فيه ويخلصون له، وينموا فيهم روح الاستعداد للدفاع عنه في الشدائد والمهمات، ونحن على يقين إذا ما حصل هذا الأمر وتوافرت النوايا الطيبة من كل الأطراف فإن حمولة التاريخ السلبية وحالة الشك السائدة بين الطرفين سوف تنزاح عن كاهلنا جميعاً. أي دولة تحترم نفسها عليها أن تراعي حقوق الأقليات فيها. التعددية هي المجال الوحيد للاستقرار والتقدم. لا نريد أن يطابق العجمي البحريني. هو له خصوصياته ونحن لنا خصوصياتنا. لكن لهذه الأرض حقوقاً علينا جميعاً. هذه هي النظرة القومية الأصيلة التي نعتز بها.
العجم والولاء
– ناصر حسين: يتهمونا أن ليس لدينا ولاء. ماذا يقصدون، أن ليس لدينا ولاء؟ المعتدي لن يفرق بين العربي والعجمي. فعلينا جميعاً أن ندافع عن هذه الأرض التي تجمعنا.
– جعفر عابدين: أول رسالة ولاء في تاريخ البحرين كتبت للحاكم، كانت مقدمة من قبل العجم في البحرين.
– محمود القصاب: كنتم إذاً تقدمون ولاءكم ضد الهيئة الوطنية التي كانت تواجه المستعمر وكان لها طموحاتها وأهدافها الوطنية التي تطالب الحكم بها، إذا صح هذا التحليل علينا في هذه الحالة ألا نستغرب شدة خطاب الباكر وموقفه من الإيرانيين في البحرين وفي منطقة الخليج العربي عموماً، وكما قلت قبل قليل إن الواقع وسياق الحوادث فيه هما اللذان يحددان طبيعة وشكل الخطاب السياسي ويرسمان درجة مرونته وشدته.
* الجماعة الوظيفية هي الجماعة التي تستخدم لتحقيق مآرب معينة في فترة من الفترات. فهل تم استخدام العجم كجماعة وظيفية؟ هل تم استخدامهم من قبل الحكومة الإيرانية مثلاً كما يقال من أجل تغير الواقع السكاني في فترة ما أو من قبل مثلاً حاكم البحرين لضرب حركة الهيئة كما يقال؟
– بوشهري: كلمة «استخدام» أراها غير صحيحة. العجم كجماعة عرقية توحدوا للدفاع عن أنفسهم. الباكر كان قومياً. آراؤه القومية كانت في الخمسينات. القوميون الحاليون معظمهم لا يحملون هذه النظرة. هل تم استغلالنا وتحريكنا؟ نحن كنا شبه مستقلين في البحرين. لم يكن لدينا أي اتصال بأي قوة أجنبية. الباكر أول إعلان أخرجه: الإيرانيون في البحرين طابور خامس. أسس هيئة وطنية. لم يطلب من البحرينيين العجم أن ينضموا إلى الهيئة الوطنية. وأطلق عليهم لقب طابور خامس. طبيعي إذا أنت هاجمتني من ناحية العرقية سأدافع. سأكتب رسالة ولاء. لكن لم يحدث أن كانوا عملاء. هو دفاع عن النفس. العجم طلبوا تأسيس هيئة وطنية للعجم.
– محمود القصاب: أعتقد أن الخطاب الموجود والسائد في تلك الفترة يجب أن يوضع في سياقه التاريخي الصحيح. إذا كان الإخوان يعتقدون أن الولاء للحكم أفضل من الولاء للهيئة، أي أنهم اختاروا أن يكونوا طرفاً في المواجهة ضد الهيئة، وبذلك أعتقد أنهم كانوا مخطئين. متأكد أنهم لو صوتوا للهيئة كان حالهم اليوم أفضل. خطاب الباكر هذا يجب ألا نتوقف عنده طويلاً؛ لأنه صار تاريخاً. المد القومي كان حقيقة موجودة والتطرف موجوداً أيضاً. التيارات القومية المتفتحة المتسامحة أيضاً موجودة.
* الولاء المزدوج إلى وطن قومي، ودولة قومية. لأي درجة كان هذا الولاء موضوعاً للتشكيك. في أي مرحلة كان موضع تشكيك؟
– محمود القصاب: هنا يبرز سؤال مهم: لو حدث هجوم على البلد لا سمح الله من جانب إيران أو من غيرها، ما هو موقف العجم؟ هل العجم لن يدافعوا عن البحرين؟ هناك من يشك في هذا الأمر، الإخوان يقولون بكل وضوح ومن دون تردد إنهم سيقفون مع البحرين في كل الأحوال، هذه مشاعر طيبة وصادقة علينا أن نثق فيها ولا يجب أن نشكك في هذا الأمر، بل من واجبنا أن نحيي هذه الروح وننميها في صفوف الأقليات، وهذه مهمة النخبة المثقفة، وعلينا هنا ألا ننسى حقيقة وهي أنه في ظروف معينة خاصة في فترات الاضطرابات والصراعات تكون الأقليات موضع الاهتمام، بل تكون في موضع اتهام أحياناً، فالتاريخ يؤكد دائماً أن القوى الاستعمارية والدول الطامعة تستغل الأقليات وتأخذهم جسوراً ومطية للوصول إلى أهدافها الخبيثة، وبعض هذه الأقليات للأسف تنخدع بالوعود الاستعمارية وتتآمر على الوطن الذي احتضنهم، والشواهد من التاريخ البعيد والقريب حاضرة بصورة جلية.
– الأنصاري: ولماذا علينا أن نبرز الولاء، وكأننا مشكك في ولائنا من الأصل؟ الولاء هذه الكلمة من أين جاءت؟ كأن هناك أطماعاً في البحرين وعلينا أن نظهر ولاءنا للبحرين لا للجهة الطامعة؟
* نحن لسنا بصدد إظهار الولاء، تأكيده أو نفيه، نحن نريد أن نعرف متى يصبح موضوع ولاء العرق الفارسي مثاراً؟
– يوسف أمر الله: عند أي خلاف أو سوء تفاهم ينشأ بين إيران والبحرين ويكون في الطرف الإيراني حكم قومي (كحكم الشاه سابقاً) ففي هذه الحالة تقوم أطراف محسوبة على طرف ما بإثارة التشكيك في ولاء العجم. وعندما يكون الحكم في إيران إسلامي (شيعي كالحكم الحالي بعد الثورة) في هذه الحالة تقوم هذه الأطراف نفسها في التشكيك وإثارة ولاء العجم والعرب الشيعة سواء. بل في كثير من الحالات يتهم فيها المعارضون وغيرهم بالولاء لأطراف خارجية. هذا بسبب وجود أطراف معينة لديها مصلحة في إشعال مثل هذه الفتن الداخلية للتفرقة ما بين السلطة والشعب ولتقترب من السلطة على حساب المصلحة الوطنية.
ويكون في هذه الحالة على جميع الأطراف إثبات ولائهم للحكم أكثر من إثبات ولائهم للوطن. وأكبر دليل على ولاء العجم للبحرين هو أنه عندما حرمت شريحة كبيرة منهم من الجنسية ومن التوظيف ومن المنح الدراسية وكذلك أعمال التسفير القسري والتشريد وتم التشكيك في ولائهم. كل هذا لم يؤثر على استمرارهم وبقائهم في البلد وإخلاصهم والتفاني في العمل. وحتى أنهم يقومون بتسجيل أملاكهم بأسماء آخرين ممن يملكون الجنسية، وذلك بسبب أنهم لا يستطيعون تسجيل أي ملك باسمهم. حتى أنهم لم يفكروا في شراء منازل في إيران أو غير إيران، وذلك لأنهم لم يفكروا أن يعيشوا في بلد غير هذا الوطن الغالي.
– بوشهري: لماذا العجم فقط هم من يطلب منهم الولاء؟ لدينا مجنسون. لماذا نُسأل نحن عن ولاءنا ونحن أبناء هذه البلد نشأنا فيها جيلاً بعد جيل، ولا يُسأل المجنسون الجدد عن ولائهم وهم الوافدون الجدد على بلد لا يعرفونها ولم ينشؤوا فيها ولم يحبوها. لماذا كلما قامت إيران بعمل أو أدلى أحدهم بتصريح يطلب من العجم أن يثبتوا ولاءهم؟ العجم بكل تاريخهم ولاؤهم للبحرين، حبهم للأرض. إذا سافرنا إلى أي مكان أنتظر العودة بفارغ الصبر. يفتح باب المطار يستقبلني إلى الحر والرطوبة وأستقبلهما بالحب والشوق. في كل مكان أثبتنا ولاءنا.
العجم والثورة الإيرانية
* لنقف عند حدث الثورة الإيرانية. كيف كانت تداعيات الحدث على هويتهم وعلاقتهم بالحكم؟ أتكلم عن تلقيات الثورة حينها وليس عن الوعي الحالي؟
– بوشهري: ثورة الخميني سبّبت نوعاً من التفرقة بين العجم. حتى في المجتمعات الأخرى. بالنسبة إلينا، في المنامة بالتحديد، في البداية، الأكثرية كانت معارضة، الأقلية مؤيدة. حالياً المعارضون قلة معدودة. عندما أتى الرئيس السابق خاتمي إلى البحرين، ألقى محاضرة في فندق الخليج باللغة العربية. كان المكان يضج بالعجم وبالتأييدات والصلوات. أنا واثنان من أصدقائي كنا هناك. الجميع يرفعون أصواتهم بالصلوات ما عدانا نحن. للمرة الأولى شعرت بأني صرت أقلية بين الأقلية. ثلاثة أقلية بين 1500 هم عدد الحضور.
– محمود القصاب: نحن كنا نعتز بالثورة؛ لأنها أطاحت بالشاه. هي أزاحت عنا همّ الأطماع والتوسعات. لكن دخلنا في متاهات جديدة وأطماع من نوع آخر مغلفة بشعارات ثورية ودينية. الحرب العراقية الإيرانية غيرت مفاهيم كثيرة، لا نريد الآن أن نخوض فيها، لكنها باعتقادي غيرت كثيراً من أفكار العجم الموجودين، وبالتالي جعلتهم يصفون في مصاف إيران. هذا واقع تاريخي لا يمكن أن ننكره. الآثار ممتدة إلى اليوم، واختلط فيها الديني بالمذهبي بالقومي. اليوم أغلب الإيرانيين في البحرين يؤيدون رجال الدين الإيرانيين. لهذا دائماً أقول إن مهمة النخبة المثقفة أن تظهر الوجه الوطني للبحرينيين العجم. نحن جميعاً نعاني. أنا أحمل فكر تيار قومي، لكني أعاني. الأقلية اليوم هم الذين يؤمنون بالتعددية والديمقراطية، أصبحنا نحن أقلية، وأصبحت الأكثرية هي الجمهور المتعصب الذي ينقاد إلى زيد وعبيد بدوافع مذهبية متعصبة للأسف الشديد.
– موسى الأنصاري: أنا لا أعرف لماذا اتخذت الثورة هذا الطابع في البحرين. التعصب الموجود في البحرين غير موجود في إيران. في إيران سترى الناس تسمع موسيقى وأغاني، النساء بنصف حجاب يضحكن في الشارع. هنا أنت كافر إذا تسمع كاسيت أو تسمع غناء. في البحرين الوضع مختلف تماماً.
– القصاب: من أين لنا نحن هذا التشدد والتعصب إذاً؟ لماذا ومن أين هذا التزمت في حياتنا الاجتماعية؟ حتى نظن أننا في حالة خصام دائم مع الفرح والبهجة، وزادت عندنا مساحة المحرمات والممنوعات وجرت مصادرة عقول الناس ووعيهم باسم الدين والمذهب.
– الأنصاري: من التعصب الإسلامي المتطرف.
* ما الذي يقلق العجم الآن في الوقت الحالي؟
– الأنصاري: تقلقنا بعض الكتل السلفية المتطرفة التي تحاول أن تفصل بين المواطنين وتشق الخلافات بينهم.
المهن ومكان السكن
* ما المهن التي شغلها العجم في أجيالهم المختلفة؟ كيف تفسرون اختصاص العجم حتى وقت قريب بمهن معينة كمهنة الخباز مثلاً وتكتلهم في مؤسسات معينة مثل شركة بابكو؟
– الأنصاري: العجم والعرب عاشوا في هذه الأرض قبل النفط وامتهنوا مهناً مختلفة، كل فئة امتهنت بحسب ميولها وعاداتها! فمثلاً ركز العرب الشيعة على مهنة الزراعة والصيد والصفافرة وصناعة السفن وصناعة الفخار والنسيج والحدادة وغيرها. والعرب السنة كانت لديهم مهنة صيد اللؤلؤ والتجارة وصناعة ثوب النشل والبشت. وأما العجم فركزوا على مهنة التجارة وهذا يشمل كثيراً من المهن فمنها الخبازة والخياطة والحلاقة والبناء والمطاعم وهم كذلك يحتكرون محلات القهاوي.
وعند بزوغ عصر النفط تغيرت كثير من المهن فقد دخلت كثير من المهن الجديدة المصاحبة كصناعة النفط والمصاحبة لفترة التي تلت فترة بداية النفط.
وكان العجم وأشقاؤهم العرب ممن ساهموا في رقي ونمو الوطن وإنشاء شركة نفط البحرين بابكو. وكذلك امتهنوا كثيراً من المهن الجديدة المصاحبة لهذا الصناعة، إلا أنه بعد فترة من الزمن تم تهميش وتمييز ضد العجم وعدم توظيفهم في كثير من الوزارات ومؤسسات الدولة أدى هذا إلى لجوئهم للقطاع الخاص والالتحاق بشركات صناعية خاصة كشركة نفط البحرين بابكو وشركة ألبا. وقد ساهموا في نمو هذه الشركات وتحقيق نجاح باهر فيها وكذلك التحقوا بالبنوك وكانوا متميزين فيها. وبعد هذا قاموا بإنشاء كثير من الشركات التي ساهمت في نمو وتقدم البلد.
* على المستوى الطبغرافي، ما الفرجان التي سكنها العجم؟
– ناصر حسين: في المحرق، فريج البنعلي والمعاودة وحالة أبوماهر وعين سمادو وفريج بوخميس وفريج الصنقل. وفي المنامة، فريج المشبر وظلم آباد (العدلية) والحورة وسنككي وتليغراف ش(القضيبية) والعوضية.
* لماذا لم يتواجد العجم في القرى؟ لماذا تواجدوا في المدن فقط؟
– ناصر حسين: لم يسكن العجم في القرى لكونها محدودة المساحة، وقلة وجود فرص العمل، حيث كان التركيز على الزراعة، والعجم كانوا مهتمين بالتجارة والحرف الأخرى.
مدرسة العجم
جاء في كتاب «مائة عام من التعليم النظامي في البحرين» (ص: 105) «في بداية هذا القرن وبالتحديد في العام ,1913 قررت مجموعة من التجار الفرس المقيمين في البحرين، تأسيس مدرسة خاصة لتعليم البنين، وكان الهدف الظاهر هو العلم والمعرفة، أما القصد المبيت فهو المحافظة على اللغة والهوية الفارسية للجالية المقيمة في البحرين والتي كانت فئة كبيرة منها تعمل في التجارة».
وجاء في هامش (ص 107) أعضاء الهيئة التأسيسية لمدرسة العجم:
.1 حاجي عبدالنبي كل عوض كازروني (كل لقب يطلق على من زار العتبات المقدسة في كربلاء).
.2 حاجي عبدالنبي حاجي أحمد بوشهري.
.3 حاجي ميرزا حسين دشتي.
.4 أبو القاسم لطف علي شيرازي.
.5 كل عباس حاجي بوشهري.
.6 ميرزا علي عبد الرضا دشتي (مدير المدرسة).
وجاء في ص 109 – 112 الموقع والبداية:
تقع مدرسة العجم في فريق الحمّام قرب مدرسة فاطمة الزهراء في المنامة، وتعتبر ثاني مدرسة نظامية في البحرين بعد مدرسة الإرسالية الأميركية التي تأسست العام .1899
عقدت الفصول الدراسية لهذه المدرسة أول مرة على عتبات مأتم العجم في فريق المخارقة بالمنامة، وكان ذلك بسبب سرعة التأسيس وقبل توافر مقر رسمي لها، كان ذلك في 14 أغسطس/آب 1913 وحتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته.
بعد ذلك انتقلت المدرسة إلى عريش في المساحة المقابلة للمأتم المذكور، وفي تلك الفترة لم يطلق على المدرسة أي اسم يذكر، استمرت المدرسة في العريش المقابل لمأتم العجم من أكتوبر 1913 حتى فبراير/شباط .1915
وفي 15 فبراير 1915 انتقلت المدرسة من العريش المؤقت إلى مبنى آخر، وأطلق عليه اسم «مدرسة الإصلاح المباركة» وكان المقر الجديد منزلاً كبيراً مؤجراً من السيد «حاجي جمعة بن ناصر بوشهري» والمنزل المذكور تم بناؤه العام ,1900 واستمرت مدرسة العجم في منزل جمعة من 15/2/1915 حتى 8/8/1923 حين انتقلت إلى المقر الثابت والأخير في منطقة فريق الحمّام قرب مدرسة الزهراء (ومايزال المبنى قائماً إلى هذا اليوم).
ومع انتقال المدرسة إلى المقر الجديد تحوّل الاسم مرة أخرى من مدرسة الإصلاح المباركة إلى «اتحادية إيرانيان والإصلاح» ويعود تاريخ هذا الاسم إلى 14 يوليو/تموز .1923
وجاء في (ص 113 – 114) انفصال المدرسة إلى مدرستين ثم اتحادهما.
في العام 1927 توفي الحاج عبدالنبي كازروني (أحد المؤسسين الأوائل) وبعد موته حاول أحد أعضاء مجلس الإدارة (الحاج عبدالنبي بوشهري) السيطرة على المجلس، وحين فشل في ذلك انسحب من الإدارة وأسس مدرسة خاصة به سماها «مدرسة التربية» أو «مدرسة بوشهري»، واستمرت الفرقة بين المدرستين من العام 1928 حتى ,1931 ومع تلك النقلة تغير اسم المدرسة الثانية «مدرسة التربية» إلى اسم جديد هو «مدرسة الإخوة الإيرانية» وكان مديرها في الفترة الواقعة بين 1929 و1930 «الحاج حيدر أسيري» الذي سبق أن كان مديراً للمدرسة الأولى.
واستمرت مدرسة الأخوة الإيرانية في منزل بوشهري من يوليو 1929 حتى العام .1931
وفي النهاية اتحدت المدرستان «الإخوة والاتحاد الإيراني» في مدرسة واحدة يجمعهما مقر واحد هو المبنى الدائم الذي تم بناؤه العام .1923
وأصبح الاسم الجديد «اتحاد ملي» أو «مدرسة الاتحاد الوطني» وظلت مدرسة العجم الموحدة تحمل هذا الاسم من العام 1931 حتى العام ,1979 حين تغير الاسم «بعد الثورة الإيرانية» إلى «مدرسة الجمهورية الإسلامية في البحرين» التي أغلقت أبوابها العام 1996.