أرشيف التصنيف: حوارات

الدكتور علي الديري: أتمنى أن يُحرّض "طواش الدير" الناس ليكتبوا سير أجدادهم وقراهم وينشروا وثائقهم التاريخية

 

طواش الدير الحاج عبدالله بن عيسى (1888-1961)
طواش الدير الحاج عبدالله بن عيسى (1888-1961)

لتنزيل الملف بصيغة pdf

حوار مع الدكتور علي الديري حول كتاب طواش الدير الحاج عبدالله بن عيسى (1888-1961)

مع دخول العقد الثاني من الألفية الثالثة، جرت مياه كثيرة، صار التاريخ موضوعًا عامًّا، يجد الناس فيه ميدانًا للبحث عن هويتهم ووجوههم ووجودهم وذاتهم الآنية المهددة بالموت والمحو والنسيان، بدت فكرة الكتابة عن تاريخ الشخصيات والمجتمع ومعلمات القرآن ورجال القرية والعادات والظواهر الاجتماعية ملحة ومطلوبة. في هذا الحوار مع مجلة (أرشيفو) الصادرة عن مركز أوال للدراسات والتوثيق يحدثنا الدكتور علي الديري عن تجربته في توثيق تاريخ بيت طواش الدير، الحاج عبد الله بن عيسى عبر ثلاثة أجيال: الأب والابنة والحفيد، في سيرة الجد عالم الغوص واللؤلؤ، وفي سيرة الابنة صفحات القرآن وتعليم ألف لا شيلة، وفي سيرة الحفيد التعليم الحديث ودخول عالم شركات النفط والإنشاء والمقاولات لبناء البحرين الحديثة.

أرشيفو:كيف كان شعورك بعد أن رأيت كتاب طواش الدير مطبوعًا؟

الديري: بدأت فكرة الكتاب بحوار مع أبي في 2007م، كنت حينها بسبب تشخيص مرضه أخشى فقده وفقد ذاكرة العائلة التي هي جزء من ذاكرة قرية الدير ببحرها وزرعها. بعد طباعة الكتاب، شعرت أنني احتفظت بأبي، وثبّت جنسيتي، وحققت وصلا بقريتي، وأقررت عين أمي، وأنقذت ذاكرة توشك أن تُنسى. لقد سردت ذاكرة عزيزة على قلبي والسرد أداة وصل بين الأب والابن والجد.

كتاب طواش الدير

أرشيفو:من هو الطواش حجي عبدالله بن عيسى؟

الديري: هو جد والدي، كان طواشًا معروفًا، فقد سفنه في سنة الطبعة 1925م، إحدى بناته المشهورات هي معلمة القرآن الملاية تقية (ت 2018) التي تتلمذ على يديها جيل كامل من قرية الدير وقد كتبت سيرتها في (ألف لا شيلة)، وأحد أبنائه المعمرين هو الحاج عيسى الشيرازي، توفي في 2006 عن عمر 105 سنوات، وهو من كان يمسك دفاتر أبيه ويكتب حسابات اللؤلؤ.

أرشيفو: هل استعنت بدفاتر طواش الدير في كتابة سيرته؟

الديري: مع الأسف، لم يصلنا شيء منها، أمر قبل وفاته بحرقها والتخلص منها، كي لا يطالب من بعده أحد أحدًا قد يكون معوزًا، كان معروفًا أن عطاءه يكبر ويكثر في الخفاء، لذلك احتفظت بها قلوب كبار السن، ووثقتها في ذاكرتها.

أرشيفو: كيف دخلت على سيرة طواش الدير وقد توفي في 1961 وأنت لم تعاصره؟

الديري: أجريت حوارين مطولين مع أبي قبل وفاته في 2009، لفتني حديثه المستفيض عن جده الطواش، وعن البيت الكبير. وأنا صغير كنت مدهوشًا ببيتنا باتساعه وجماله وألوانه وغرفه وزراعته وزريبة البقر فيه، عرفت من أبي أن هذا البيت الذي قضيت طفولتي فيه هو جزء من بيت أكبر لحجي عبدالله بن عيسى، كان بيت وجاهة وضيافة ويقصده العلماء، ازداد تعلقي بسيرة هذا البيت، فرحت أتقصى سيرته في قلوب الناس وما تبقى من ذاكرتهم.

جواز الطواش الحاج عبد الله بن عيسى، صادر في العام 1956م، تحت رقم 006550، وفيه إشارة إلى مهنته طواش وسنة ولادته في العام 1888م
جواز الطواش الحاج عبد الله بن عيسى، صادر في العام 1956م، تحت رقم 006550، وفيه إشارة إلى مهنته طواش وسنة ولادته في العام 1888م

أرشيفو: هل كنت تكتب تاريخ عائلتك أو تاريخ قريتك؟

الديري: على هذه الجزيرة الصغيرة “البحر هو التاريخ” تاريخ الغواص والبحار والنوخذة والطواش واللؤلؤ، وسيرة حجي عبد الله بن عيسى هي سيرة تاريخ بحر الدير. وذاكرة القرية في جانب منها هي سيرة الأشخاص والعوائل، الوثائق التي نشرتها في هذا الكتاب، هي وثائق ذاكرة قرية الدير، أتمنى أن يُحرّض هذا الكتاب الناس ليكتبوا سير أجدادهم وجداتهم وعوائلهم، ويعملوا على نشر الوثائق التي يتوفرون عليها، هكذا سنكون كتبنا تاريخ القرية الاجتماعي والشفاهي. لقد قررنا نحن عائلة الحاج عبدالله بن عيسى، أن نوقف مبيعات هذا الكتاب لتأسيس صندوق لدعم مشاريع تخدم الذاكرة الاجتماعية والشفاهية تحت (صندوق طواش الدير الحاج عبدالله بن عيسى لدعم مشاريع توثيق الذاكرة الشفاهية).

أرشيفو: هل حصلت على وثائق ذات قيمة تاريخية؟

الديري: كنت أتفاجأ من ازدياد الوثائق التي أعثر عليها كلما تقدم العمل في الكتاب، هناك وثائق لم أتخيل أبدا أن تقع بين يدي، على سبيل المثال، وجدت ختم الطواش حجي عبدالله بن عيسى في وثيقة تعود للثلاثينيات، ووجدت جواز سفره حين كان الجواز ورقة، واكتشفت بين كتب حفيده وابن أخته الحاج سلمان آل عباس رسالة موجهة له من النجف تعود إلى عام 1931، والبحث عن وثائق الغوص قادني للعثور على وثيقة نادرة تعود إلى 1922 وهي دفتر سجل غواصين يخص النوخذة الحاج مكي بن الحاج علي (1885-1950) والد أبو منير، الدكتور عيسى مكي.

صفحة من دفتر حسابات الغواصين والسيوب العاملين مع النوخذة الحاج مكي الحاج علي من قرية الدير، يبدو بحسب التاريخ الهجري المدون أن هذا الدفتر استخدم في الفترة بين 1341هـ - 1445هـ / 1922م-1926م. تخص هذه الصفحة حساب الغيص حبيب الجزيري بن حبيب، تتكون بنود حساب كل غيص من هذه العناوين: الباقي في حسابه، تسقام بيده، سلف البيت، خرجية بيده. يبدو من تاريخ حسابات دفتر الحاج مكي، أن بعض النواخذة ألزموا أنفسهم بتسجيل حسابات الغواصين قبل فرض نظام الدفاتر مع إصلاحات مهنة الغوص التي فرضتها الإصلاحات البريطانية في العام 1923م (انظر: علي أحمد الديري، من هو البحريني؟، ص276)
صفحة من دفتر حسابات الغواصين والسيوب العاملين مع النوخذة الحاج مكي الحاج علي من قرية الدير، يبدو بحسب التاريخ الهجري المدون أن هذا الدفتر استخدم في الفترة بين 1341هـ – 1445هـ / 1922م-1926م. تخص هذه الصفحة حساب الغيص حبيب الجزيري بن حبيب، تتكون بنود حساب كل غيص من هذه العناوين: الباقي في حسابه، تسقام بيده، سلف البيت، خرجية بيده. يبدو من تاريخ حسابات دفتر الحاج مكي، أن بعض النواخذة ألزموا أنفسهم بتسجيل حسابات الغواصين قبل فرض نظام الدفاتر مع إصلاحات مهنة الغوص التي فرضتها الإصلاحات البريطانية في العام 1923م (انظر: علي أحمد الديري، من هو البحريني؟، ص276)

أرشيفو: هل كنت ستكتب سيرة طواش الدير، لو لم يكن جد أبيك؟

الديري: هناك محرض شخصي للكتابة، لا بد أن يتوافر ليكون دافعًا لك للإنجاز، لكن ذلك لا يعني أنك تكتب للمفاخرة والمباهاة. لقد كتبت سيرة أم السادة وأنا لا أعرفها، كان هناك دافع شخصي يتعلق بكونها تمثل الثقافة والبيئة الاجتماعية التي أحن إليها وأحبها وأشعر أنها جزء من هويتي، كذلك سيرة مكية بنت منصور العكري وسيرة جدتي سلامة سلوم، وحاليا أنا أكتب سيرة مخطوطات المآتم النسائية والنساخ الذين كتبوها والملايات اللاتي  يقتنينها ويقرأنها. بطبيعة الحال جدتي سلامة ونساء مجلسها ومأتمها وتربيتي وسط هذه الطقوس، محرضات شخصية جعلتني متحمسًا للذهاب لهذا المشروع، لذلك أؤكد أهمية المحرض الشخصي في التوثيق والكتابة.

أرشيفو: هل تعتقد أن هناك وثائق موجودة تتعلق بكتاب طواش، ولم تصل إليها؟

الديري: لدي هذا الاعتقاد بعد أن عاينت بنفسي كيف تتكاثر الوثائق وتقود بعضها لبعض، كذلك لدينا الشهادات الشفاهية، وهي تشكل جرءًا مهما من ذاكرتنا، على سبيل المثال بعد أن دفعت بالكتاب للمطبعة، نشرت (قناة الدير للميديا) مقابلة مع المرحوم حسن خليفة، كان يتحدث باستفاضة عن حجي عبدالله بن عيسى، والمثال الآخر الذي يمكن أن أستشهد به، هو سيرة أخت الحاج عبدالله بن عيسى، وهي الحاجية زينب بنت عيسى صاحبة أول مأتم بالقرية، المعروف بمأتم الحاجية وصار يعرف لاحقًا بابنها مأتم حجي سلمان وحاليا باسم حفيدها مأتم حجي عباس. كنت أبحث عن سيرتها كونها معلمة قرآن وملاية وصاحبة مأتم وشخصية لها مكانتها، لم أتوصل مع الأسف حتى لعام وفاتها، لكني بعد طباعة الكتاب، وأثناء العمل على (مخطوطات المآتم النسائية) أجرى فريق العمل مقابلة مع الملاية المعروفة في القرية فطام بنت الزين، فأفادتنا بمعلومات قيمة عنها وأخبرتنا أنها أحاطتها برعايتها وحنانها وأوصت ابنة أختها معلمة القرآن والملاية آمنة بالاهتمام ببنت الزين، فاحتفظت التلميذة بهذا الجميل في ذاكرتها.

وثيقة تبين أن الحاج أحمد أقرض (جمعية التوفيق الحسينية) مبلغ ألفي دينار لشراء أرض لبناء مأتم (الإمام المنتظر) في 15 مارس 1980م، وفيها يشير إلى تنازله عن قسط ثلاثمائة دينار من القرض مساهمة منه للمأتم، وقد شهد على هذه الوثيقة الحاج عيسى عبد الله الفن، والحاج علي حسين المؤمن «نحن الموقعين أدناه: السيد علي السيد حسن ( بصفتي رئيس هيئة التوفيق الحسينية) والحاج رضي حسين المؤمن (بصفتي نائب رئيس هيئة التوفيق الحسينية): نفيد بأننا نيابة عن أعضاء هيئة التوفيق الحسينية قد استلمنا مبلغ ألفي دينار بحريني فقط من الرجل أحمد علي عبد الله مطر القاطن في قرية الدير-المحرق وذلك لأجل تسديد قيمة قطعة أرض مشتراة إلى هيئة التوفيق الحسينية وذلك لغرض استعمالها مأتمًا في قرية الدير».
وثيقة تبين أن الحاج أحمد أقرض (جمعية التوفيق الحسينية) مبلغ ألفي دينار لشراء أرض لبناء مأتم (الإمام المنتظر) في 15 مارس 1980م، وفيها يشير إلى تنازله عن قسط ثلاثمائة دينار من القرض مساهمة منه للمأتم، وقد شهد على هذه الوثيقة الحاج عيسى عبد الله الفن، والحاج علي حسين المؤمن «نحن الموقعين أدناه: السيد علي السيد حسن ( بصفتي رئيس هيئة التوفيق الحسينية) والحاج رضي حسين المؤمن (بصفتي نائب رئيس هيئة التوفيق الحسينية): نفيد بأننا نيابة عن أعضاء هيئة التوفيق الحسينية قد استلمنا مبلغ ألفي دينار بحريني فقط من الرجل أحمد علي عبد الله مطر القاطن في قرية الدير-المحرق وذلك لأجل تسديد قيمة قطعة أرض مشتراة إلى هيئة التوفيق الحسينية وذلك لغرض استعمالها مأتمًا في قرية الدير».

أرشيفو: هل لديك ما تود أن تقوله؟

الديري: أتمنى أن يكون هذا الكتاب محفزًا لأهالي قرية الدير، لنعمل على إنتاج سلسلة تاريخية تخص تاريخ القرية، وسيكون جميلًا لو تمكنا سنويًا من طباعة كتاب واحد، لدينا مهتمون بالتاريخ الاجتماعي ومدونون وباحثون، رحم الله الدكتور علي هلال، وأبقى الله لنا أصدقاءه وزملاءه وتلامذته: الدكتور أبو منير، عيسى مكي، الأستاذ أبو صادق، إبراهيم حسن إبراهيم، الأستاذ حسن الوردي، الشاعر سيد سلمان سيد محمد الموسوي، الأستاذة رملة عبدالحميد، وغيرهم.

رواد مجلس حجي رضي المؤمن
رواد مجلس حجي رضي المؤمن

Dialogue on “God of Monstrosity”: The texts that laid the foundation for Wahhabism and the Saudi state form the framework of my new study

My book conveys answers to forbidden questions in Saudi Arabia
How did the father of Wahhabism became the founder of the Saudi State?
From Ash’ariyya to the cloak of Muhammad Ibn Abdul Wahhab… this is how Saudi Arabia stole the teachers of Al-Azhar.
Ibn Abdul Wahhab’s alliance with Ibn Saud “Blood for blood and destruction for destruction”.
The preachers of the Islamic University in Medina invaded Egypt, Malaysia, Europe and America.
Joint texts between Wahhabism and the Saudi state form the framework of my new study.
In the  official Saudi books, you can read the biography of Muhammad Ibn Abdul Wahhab as if you are reading the biography of the prophet.

Dialogue by: Intissar Rahdi
Translated by: Roa Shamsedine

The Bahraini Researcher Dr. Ali Al Dairy had already talked about political environments being an entry to dissect and analyze monstrous texts starting from the Seljuks and leading up to the Salafism of Ibn Taymiyya. He discussed these subjects in his controversial book “Texts of Monstrosity”, the third edition of which will be published soon.

Today, he comes back with a new publication, entitled “God of Monstrosity” to discuss Takfir as a killing as a killing scheme that is imposed by a political conflict. In his book, Al Dairy studies the state of Diriyah and Wahhabism by approaching the biography of Muhammad Ibn Abdul Wahhab and his Da’wa, its dissemination in Nejd until it turned into a state, political system, army and a power! The reader will be acquainted with the biography of Ibn Abdul Wahhab in its political context, and with his Takfirist texts that deny people their humanity and legitimize killing a Muslim who does not adopt the Wahhabi interpretation of the texts: the interpretation that legitimizes violence and hatred through the Wahhabi rhetoric that emphasizes what annuls Islam and faith!!

This book allows you to understand how this movement resulted in movements of violence and monstrosity that are now terrorising the world.

Now, we talk to Dr. Ali Al Dairy about his new book “God of Monstrosity”:

–  Let us begin with the word “Monstrosity”; don’t you think that the meaning of this word has deviated from the sense of savageness into another meaning that has become common after Abu Bakr Naji’s book (The Management of Monstrosity)? Isn’t the word “Monstrosity” now a term that indicates the state of chaos that is invading the countries after the power vacuum in Libya, for instance, after Gaddafi, and Iraq after Saddam… that state of political vacuum which your book does not discuss?

Al Dairy: Monstrosity is not a name or a term, it is a concept; and no one owns concepts, as monstrosity expresses an idea. It does not reflect a group, a sect or a person. Anthropologists may have been among those who have used this concept the most to point out uncivilised groups, then they backed away and apologized to these groups, and they called them primitive groups.

Monstrosity is a concept that describes the realistic situation which has occurred throughout history, and the theoretical texts legislating it; by this I mean the situation of the “other” who is different from us in sect, religion or politics. In our Islamic belief, we have doctrinal and juristic texts that are loaded with provocation, enmity, hatred and legitimized killing. There are also relevant practicable implementations over history of these texts. I am interested in these acts of implementations, and all the texts I have studied in my books “Texts of Monstrosity” and “God of Monstrosity” have documented cases of practicable implementations in reliable books of history.

–  Why Wahhabism? Isn’t it a trend on its way to inevitable end? What is the need for the book “God of Monstrosity” now?

Al Dairy: Why Wahhabism? Because it has succeeded in invading the world in the name of pure monotheism, true Sunnah (prophetic tradition) and Al-Salaf Al-Salih (the righteous predecessors). It has spread through the Islamic mind, and has been able to “steal its face”.

The talk about Wahhabism today, in its Takfirist speech, cannot be separated from politics. In my criticism in the “Texts of Monstrosity” and “God of Monstrosity”, I have proceeded from the idea that “Takfirism is a plan for killing dictated by political conflict”, and I see that Wahhabism is a form of examining this idea.

My book is not a study on the extent of the presence of Wahhabism in the Islamic world, but I will answer your question to emphasize the importance of critically studying the Wahhabi speech.

Let us take Egypt and Malaysia as examples of the spread and extension of the Wahhabi speech, in addition to the spread of hatred. In Malaysia, directly Saudi-backed universities have been able to turn the Shiite belief into a “banned religion” since it “houses various doctrinal deviations (Bid’ah) that exclude one from Islam”. In Malaysia, declaring Shiites as apostates is done based on a Malaysian Code. The state also bans, by a code, the use of the name of Allah in indicating the god of non-muslims. This has provoked a widespread campaign all over the country under the slogan, “Allah is for Muslims only”.

In Egypt, Saudi Arabia only backed private religious universities. It provided free education to the people of the Islamic world, it gave them high certificates equivalent to Al-Azhar’s— attested by Egyptian official authorities— it “stole” the teachers of Al-Azhar who started teaching in Al-Madinah International University, thus shifting it (Al-Azhar) from Ash’arism and placing it under the cloak of Muhammad Ibn Abdul Wahhab.

In Saudi Arabia itself, all facilitations are made to receive the people of the Islamic world, in return for producing graduates who become preachers that spread Wahhabism. Accordingly, Wahhabism has been able to control the largest mosques in Europe and America. The following are examples of preachers in the West, who are accused of delivering hate speeches. They are all graduates of the Islamic University in Medina: preachers Bilal Philips, Abu Usamah Al-Thahabi and Yasser Al-Qadi.

photo_٢٠١٦-١٢-١٢_١٦-٣٢-٢٨

– In your book “Texts of Monstrosity”, after discussing the roots of Takfirist minds invested in the thought of Ibn Taymiyyah, you talked about the views of Ibn Abdul Wahhab being a natural extension to those roots in your other book “God of Monstrosity”; will we soon read a book written by you tackling the subject of ISIS? What makes the biographies of persons with extremist minds and views an inspiration to numerous movements?

I am not interested in ISIS as much as I am interested in its legacy drawn from the texts. In my books”Texts of Monstrosity” and “God of Monstrosity” I looked into the political, doctrinal and jurisprudential contexts. These texts form the bedrock of what we are witnessing today of the endless emergence of monstrous movements, which must be criticized and whose political contexts must be revealed.

Thoughts and texts do not die. They can be recalled in accordance with the political and cultural environments surrounding them; i.e. thoughts that promote murder and hatred, and thoughts that promote life and love. Wahhabism recalls the texts of monotheism and Takfir written down by Ibn Taymiyya. The Mamluks’ authority thought that it had repressed the thought of Ibn Taymiyya when he was imprisoned, and when he made his call to adopt Ash’arism instead of Salafism, rendering it the image of “Ahlus Sunnah wal Jamaah.” This issue will always be the center of political and doctrinal dispute, and we saw that after the Grozny Conference entitled: ‘Who Are Ahlus Sunnah wal Jamaah?’

The death of Ibn Taymiyya was indeed the moment of his birth. His student, Ibn Katheer, recorded his life in a historical text in which he described Ibn Taymiyya’s funeral. This description was a mixture of exaggeration and sanctifying with the historical reality. Allow me to elaborate more in this context, and say that the life of thought is much more dangerous than the life of persons. Imam Ahmed Ibn Hanbal says; ‘The mass of a funeral determines whether the deceased is a man of Bid’ah [heterodox]’. Ibn Katheer wrote the text of Ibn Taymiyya’s funeral based on the context of this saying. We actually do not know the historical truth of this funeral’s mass, and what really happened, but we know that Ibn Katheer’s description has become a historic reality; Salafists do not hesitate to recall this text and celebrate it.

Some estimates state that the number of participants in the funeral ranged between 60,000 and 100,000, extending to even more. The number of women participating was estimated to have been 15,000. Ibn Katheer said that some people even drank the water that was left from Ibn Taymiyya’s Ghusl. It was also said that the Taqiyah (cap) which was on his head was bought at the price of 500 Dirhams, and that in the funeral, there was noise and sounds of crying and praying. Ibn Katheer said that people read the whole Quran multiple times, and that people frequented his grave for many days and nights; spending the night over there, and that many people saw good dreams of him. In addition, a large number of elegies were written about him.

So, this is how Ibn Katheer presents the mass of funerals, as if it were approval of the thought of Ibn Taymiyya, and of its continuity in the people who expressed their love and appreciation to him when they participated in his funeral as they did.

If Ibn Taymiyya’s funeral is considered an act of saving face after the imprisonment he suffered, then the biography of Muhammad Ibn Abdul Wahhab, as told by the official Saudi history book, is very similar to the biography of the prophet, filled with heavenly care and success.

Telling biographies in this manner makes them live within their followers. That is why the thoughts of these persons do not fade.

–  Do you think that the alliance of Ibn Abdul Wahhab and Ibn Saud was the main reason behind the spread of Wahhabism? Or is it that the rough bedouin nature of Nejdis was a bedrock to this fanatic and strict doctrine?

If it were not for this alliance, this Da’wa would have never succeeded. This is the Diriyah Agreement of 1744. Muhammad Ibn Abdul Wahhab made a great effort, and he nearly died several times so that he could achieve this alliance. It is noteworthy that this agreement is not written, it is rather backed with bloodshed and destruction “Blood for blood and destruction for destruction”. This alliance forms a crucial part of the detailed record of the Da’wa and the state. I have elaborated on this subject in the book.

This agreement stands as another evidence showing that the texts of monstrosity were the result of alliance between religion and politics, and that politics is the perfect environment to produce monstrous religious texts.

The Nejdi nature is filled with diversity, and it housed poets who celebrate life, admire beauty and enjoy nature. It is enough that it beheld the story of Qays and Layla (Layla and Majnun).

–  In light of the scientific research and the available documents relevant to Ibn Abdul Wahhab’s biography, how can you scientifically evaluate what was mentioned in the “Memoirs of Mr. Hempher, The British Spy to the Middle East”? Are their contents and sources credible enough?

I did not use these memoirs as a reference in my study, and I truly do not see any real value in them, as these memoirs do not exist in the British Archives. I also hadn’t used “ Lam’ al-Shihab fi Sirat Muhammad ibn Abd al-Wahhab” because its author is suspicious and his information about Ibn Abdul Wahhab’s biography are not reliable.

In my study, I referred to the official sources honored by Wahhabism and by the Saudi state. The two most important sources are Ibn Ghannam’s book “Rawdat Al-Afkar Wa Al-Afham Li Mortad Hal Al-Imam Wa Te’dad Gazawat Zawi Al-Islam”, and Ibn Bishr’s book “Unwan Al-Majd Fi Tarikh Najd”.

–  Amongst what was written about the Wahhabi movement, its founder and about the first Saudi state, what does “God of Monstrosity” have to offer to the reader, differentiating it from other available books and sources?

Every study has its own perspective and approach. I tried to apprehend how a state in the eighteenth century -the century of western modernity- could be established on the basis of a religious Da’wa that accuses all of those who have beliefs different from its fanatic concept of monotheism of being apostates. I wanted to understand how this man -Muhammad Ibn Abdul Wahhab- who is the center of this Da’wa became the founder of the Saudi State. How did he grant this state its legal identity? How did this state, with him calling for monotheism, become the only state that houses and practices violence at the same time, not against those who disobey the law, but those who disagree with its beliefs? These questions are prohibited in Saudi Arabia, and they cannot be approached with freedom and openness.

On the other hand, I wanted to know how the concepts of calling for monotheism, immigration and jihad result in movements of violence and monstrosity that frighten the world. The following are samples of different groups who adopt Monotheism (Tawhid) as its main title, and identify their beliefs and missionary using the same phrases used by Ibn Abdul Wahhab in his book “Monotheism”:
Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Iraq), Tauhid Group (Germany), Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Egypt), Al-Tawhid Wal-Hijra (Egypt), Al-Tawhid Wal-Hijra (Iraq), Al-Tawhid Wal-Jihad Movement (West Africa), Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Jerusalem), Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Morrocco).

–  If we take a look at the current Wahhabi religious establishment, can you see that it is abiding by the thoughts of Ibn Abdul Wahhab, precisely to that relevant to polytheism, monotheism, emigration, immigration and jihad? Or did it change under the pressure of international and local calls for reform?

“Obedience to the ruler” is equal to “Imamah” with regards to submission and obedience. This makes Wahhabism as an establishment for (Senior Religious Scholars) a tool that can be controlled and restrained under the rule of the ruler, but it cannot be restrained in relevance to Da’wa and speeches, and it might give birth to infinite number of groups resembling an endless mathematical equation.

There is a clear list to accuse people with unbelief which are: to denounce the infidels, not to admire their regulations, show gratitude towards them, follow their examples, adhere to them, and be close to them. Each title in this list is considered to annul faith; one is therefore, accused with unbelief when they  do not denounce the infidels, admire them, show them gratitude, follow their examples, adhere to them, or be close to them. But this list can be adjusted if it were to be connected to the ruler. Thus, it becomes permissible interests that is legislated, established for it, and those who reject it are accused with unfaith; everyone who opposes it are threatened to be at war with; this is all because these acts are considered to be deviation from the interests of the ruler.

But this list is not adjusted to produce speeches of forgiveness, peace and love between people. The essence of this Da’wa is based on fanaticism, charging with infidelity and hatred; it is rather adjusted on the basis of finding legal loopholes that are in accordance with the ruler’s political interests. This kind of adjustments occurred in the Afghanistan war, the invasion of Kuwait, calling for infidel troops of the Arabian Peninsula, and Decisive Strom Operation.

2

–  In your opinion, what will the Shia learn from this monstrous lesson? Doesn’t this call for a deep research in the origins of hatred in order to break it up whether it was amongst Sunnis or Shia?

Monstrosity, in the context I used, is a more critical state than not accepting the different people, and being different from others, it is more dangerous that each religion or sect considers that the others are corrupt or stray cattles. Talking about monstrosity makes us stand before a state that calls for killing and committing violations, where others are not stray sheep, but rather sheep meant to be slaughtered. I am talking about doctrinal and juristic texts that give orders to an army to kill and assault different groups of people, to attack their women and steal their wealth.

I hope we do not get confused between monstrosity and fanaticism or narrow mindedness; that is a different case. To emphasize, every act of monstrosity is fanaticism, seclusion and hatred, but not every feeling of hatred and seclusion is monstrosity. We have to distinguish between the two cases just as the law distinguishes between misdemeanour and crime.

I think that the Shiite intellect did not get involved in the production of monstrous texts in the context I wrote about, mostly because it represented minorities. On the other hand, the Shia did get involved in producing irrational texts, and they have established untouchable doctrinal concessions that are the product of history and politics. They moreover wrote down imagined historical events.

The Shiite thought must learn from the lesson of monstrosity. Shiites must not glorify their texts and writings, they must be brave enough to criticize their principles, and to detach their concessions from politics and history. Otherwise they shall be threatened to witness the birth of extremist groups to be engaged in political conflicts. I can recall several examples of those now, such as Yasser Al-Habib and his followers, Ahmed Hassan Al-Yamani, groups that assume they are followers of Al Mahdi, and groups that practice disgusting rituals.

لقراءة النص العربي

1

حوار جريدة (بين نهرين الثقافية) مع الباحث البحريني علي الديري: “إله التوحش”.. مضاد للحداثة والتنوع الخلاق

جر

جدل وحوار جريدة (بين نهرين الثقافية): يوسف محسن 

في كتابه (نصوص متوحشة من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية) فكك الباحث البحريني علي الديري، النصوص التكفيرية والتأويلات التي منحت العنف والكراهية شرعية ثقافية في مجتمعات العالم الإسلامي، نصوص فقهاء جعلت من التوحش عقيدة دينية، لا تعترف بالآخر، أما كتابه (إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية) الصادر حديثاً، فيدرس فيه الديري نصوص التكفير الوهابية التي تشكل جذر (داعش) الثقافي.

علي الديري ناقد وباحث من البحرين، متخصص في تحليل الخطاب، اشتغل في حقل الفلسفة واللغة والمجاز، أسقطت الجنسية عنه بمرسوم ملكي في كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية، جريدة “بين نهرين الثقافية” حاورته بشأن الظاهرة السلفية الجهادية بوصفها ظاهرة ثقافية وبالذات الأكثر تجلياتها وحشية (داعش).

جريدة بين نهرين حوار مع علي الديري

بين نهرين: هل يمكننا القول إن السلفيات الجهادية وأقصد أحد التجليات الأكثر بروزا (داعش) تمتلك لغة خاصة داخل  الظاهرة الثقافية التي تنتجها؟ أم هي جزء من المنظومة الثقافية في السياقات العربية؟

الديري: ما يجمع السلفيات هو أنها ترجع إلى نص يسبقها، يسبق زمنها الذي تعيش فيه ولا تعيشه، ويسبق عقل الحضارة المعاصرة التي فرضت أدواتها على الجميع بما فيهم السلفيات. في كتابي (نصوص متوحشة) ذهبت إلى  النص الذي يشكل لها الأب المؤسس، لغة السلفيات الجهادية هي نفسها لغة هذه النصوص: تكرار ممل، إعادة بائسة للأقوال نفسها، استخدام الحجج والأدلة نفسها، معجم المصطلحات نفسه، العمى نفسه يورثه السابق إلى اللاحق.

خذ مثلا: ابن تيمية، وابن القيم الجوزي، ومحمد بن عبدالوهاب، وأبومحمد المقدسي، كأنهم يبيضون مسودة واحدة، تدور حول فكرة مغلقة واحدة هي فكرة التوحيد السلفي ولوازمه من البراءة والولاء، البراءة  من الطواغيت والآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل والكفر بها، فهذه لا تُؤخر ولا تؤجل، بل ينبغي أن تظهر وتعلن منذ أول الطريق، والبراءة من الأقوام المشركين هم أنفسهم إن أصروا على باطلهم.

لا تخرج لغة الجماعات السلفية بكل تلاوينها عن معجم لغة البراءة، ربما تتنوع تطبيقات البراءة فتأتي في صور:مفخخات أو أحزمة ناسفة، تفجير مساجد أو مراقص، انتحاريون أو انغماسيون.

منهج البراءة هو لغة السلفية الجهادية، وهو ما تجده مشروحاً في كتاب المقدسي “ملة إبراهيم” فطريقة تحطيم أصنام المشركين، هي المنهج الذي يجب أن نتبعه، وهي اللغة التي يجب أن نتحدث بها معهم، وعلى هذا تصبح ملة إبراهيم في مفهومهم تعني القوة، والعنف، والذبح، وتمثيل الموت في أقسى حالته بشاعة ورعباً.

بين نهرين: شل الحرية التأويلية لجماعة دينية أو سياسية ما، تعد النقطة الحاسمة والتي تحمل داخلها جذور التوحش (امتلاك الحقيقة المطلقة ) ما هو رأيك بهذه الفرضية؟

الديري: إله التوحش يقول لك اعبد النص من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، أي عطّل طاقتك العقلية والخيالية والإبداعية في سؤال الكيف، ومجاز التشبيه، هذا ما ينتجه مفهوم التوحيد السلفي، إله من كلمات صماء، أصنام في شكل كلمات، ممنوع عليك أن تأولها أو تفهمها بطاقتك الإنسانية. ممنوع أن تسأل كيف هي صفات الله؟ ولا تشبهها بشيء.  صفات الإله غير قابلة للتأويل عند الجماعات السلفية، ومعاركهم الكبرى يشعلونها حول صفات الاستواء والجلوس.

عليك أن تُسلّم فقط، تسلم بهذه الصفات، وتسلم لولي الأمر أيضا بالطاعة العمياء، لتسلم روحك. لا تسأل كيف استوى الإله على العرش؟ ولا كيف استولى ولي الأمر على العرش؟

السلفية الجهادية، تبحث عن القوة المادية السياسية التي تمكنها أن تحظر وتمنع وتقطع، وتحد من التأويل. من يذهبون إلى التأويل تطبق عليهم السلفية الجهادية حد التبري، فيصبحون في دائرة من دمهم مستحل.

“ما نزل من القرآن آية إلا لها ظهر وبطن، ولكل حرف حدّ ولكل حد مطلع” الحد عندهم هو القطع هو امتناع التأويل، والمطلع هو العقوبة على تجاوز الحد. في مقابل هذا المعنى المغلق، يقدم الشريف الرضي تأويلا آخر، يرى في الحد ليس نهاية، بل وصول إلى مطلع تشرف من خلاله على معنى جديد.

إغلاق التأويل هو نهاية أي أمة، لأنه يعني الوصول إلى حائط مسدود، في حين التأويل يعني أنك يجب أن ترتقي بحركتك الروحية والعقلية لتصل إلى الحدود القصوى من المعرفة التي تطل من خلالها على العالم، لتفهمه وتستوعبه وتعيش تنوعاته كلها. الحد ليس سيفاً ولا حزاما ناسفا ولا مفخخة، بل الحد شرفة رؤية. الذين يحدون أسماء الله وصفاته ويمنعون السؤال، يحولون الله إلى صنم غير قابل للمعنى، ومتى فقد الإنسان المعنى اغترب وتوحش.

من يردد اليوم كلام الشريف الرضي في التأويل؟ من يقول لك إن التأويل يفتح معنى الألوهية على الحياة؟ من يحثّك على أن تصعد إلى أعالي التلال، لتطل من خلالها على معنى الله، ومعنى كتاب الله، ومعنى خلق الله وآيات الله. من يستحث في داخلك القدرة على أن تبذل ما في وسعك من أجل أن تطلّ على المعنى من غير سلطة الأقوال والمرجعيات الصنمية. من يردّد اليوم كلمات الشريف الرضي؟ الجواب: لا أحد.

في مقابل ذلك، من يردّد لغة السلفيات الجهادية؟ الجواب: كل أحد. حتى الذين لم ينخرطوا في أعمالها العنفية. إنهم يترددون في كل ما يُطلعك منهم (التأويل). لا يريدونك أن تدرك الله ورسالته بقلبك، بل يريدونك أن تدركه بلسانك، وتقرّ لهم بهذا الإدراك، وإن زلّ لسانك أَرسلوك إلى مقصلة الحدّ الذي يفهمونه عقوبة، ويفهمه الشريف الرضي مطلعاً للمعنى.  

لقد تحوّل الإيمان إلى حدٍّ تدخل فيه بكلمات وتخرج منه بكلمات، لا علاقة لها بالقلب ولا بالروح، وهذه هي إحدى نتائج تعطيل التأويل. وقد ناقشت ذلك مفصّلاً في الفصل الرابع من كتابي “إله التوحّش” عند الحديث عن كتاب “الإيمان” عند ابن تيمية.

مقابلة ملحق بين نهرين الثقافي حول كتاب إله التوحش2

بين نهرين: السلفيات الجهادية (داعش)، تسعى إلى تهديد وفناء الحداثة الغربية، عبر خطاب وسلوك معاد للعقلانية والمرح، وهذا الأمر نفذ في  باريس من خلال مهاجمة مسرح باتاكلان الذي كان يحيي حفلاً لرواد موسيقى الروك، التي تعد بمثابة شيفرة ثقافية تعكس حالة التنوع والتعايش الخلاق بين الأمزجة والأعراق والأديان والفنون، أو عبر الهجوم على مجموعة لمطاعم (لاكازا نوسترا) الذي يقدم وجبة البيتزا التي باتت بمثابة وجبة عابرة للجنسيات والثقافات، كيف تكون داعش إنتاج الحداثة والعولمة وفي نفس الوقت حركة مضادة للحداثة؟

الديري: الحداثة تتعلق بزمن العقل والروح والسلفيات الجهادية لا يتحرك عندها هذا الزمن، لو تحرك هذا الزمن في عقلها تفقد صفة السلفية، وتسقط من عوالمها المتوهمة، هي تستخدم أدوات التحديث والعولمة لتحصّن قلاعها وتعيد انتشارها في هذا الفضاء المعولم، هي تريد أن يبتلع الزمن السالف الزمن المعاصر، فيحدث هذا الصدام.

المخلوق (فرانكنشتاين) هو صناعة حديثة، لكنه يعاني من نقص في تركيبه الروحي والعاطفي، وهذا ما جعل منه مشوهاً، لقد كان صنيعة التحديث الصلب، كما الجهاديات السلفية صنيعة التحديث الصلب الذي أتاحه لها الانترنت والصناعة وأدوات التواصل الحديث، لكنها حركة مضادة للتحديث السائل المتعلق بالإنسان وحقوقه وروحه وأشكال وجوده المتعددة.

بين نهرين هناك جهود انثروبولوجين، مثل أوليفي روي في كتابه “الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة”، وسكوت أتران مؤلف كتاب “الحديث إلى العدو، الدين والأخوة وصناعة الإرهابيين وتفكيكهم” والفرنسي إيمانويل تود في كتابه الإشكالي “ما هي شارلي؟ سوسيولوجيا أزمة دينية”، من وجهة نظركم هل يعد الخطاب السلفي الجهادي الداعشي خطاب خلاصي ام خطاب ترتسم فيه أزمة؟

الديري: كل خطاب خلاصي، يحمل في داخله نزعة تخلصية، يعني يدعو إلى التخلص من نماذج معينة وأعراق وأفكار وأديان. يعتقد أن خلاص البشرية يكمن في التخلص مما هو عالق فيها من الخارج، التوحيد هو مركز الخطاب الخلاصي عند الجماعات السلفية، يعادون الناس عليه ويقتلونهم عليه ويتبرأون منهم عليه، أي أنهم يتخلصون من الناس بحجة أنهم يريدون أن يخلصوا  العالم بالتوحيد.

مفهوم الخلاص، موجود في الديانات، فهي تبشر بالجنة وخلاص البشر من الشرور والخطايا، يتحول الخلاص في الحركات الدينية إلى تخلص من الناس الذين يختلفون معها، كما فعلت حركة الصهيونية، فالخلاص يتحقق بعد بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، وللوصول إلى هذا الهدف، يمكنك أن تقتل الناس وتهجّرهم وتتخلص من كل الذين لا يؤمنون بمعتقدك اليهودي في محيط القدس.

كذلك، جاء محمد بن عبدالوهاب بدعوة تخليص الجزيرة من الشرك، فتحالف مع قوة سياسية لديها تطلعات للتخلص من خصومها السياسيين، فأعمل هذا الحلف السيف والقتل والصرم والتكفير في الجزيرة باسم تخليصها من شرور الشرك، وهذا هو منطق الحركات السلفية الجهادية.

صور كتاب إله التوحش، تصوير نتاليا

بين نهرين: إله التوحش، نقيض الإله الإنسانوي، أتساءل ما هي الشروط الثقافية والاجتماعية والسياسية التي أنتجت هذا الإله الوحشي؟

الديري: إله التوحش ليس في السماء، هو في الأرض، في قصور الخلفاء والسلاطين ومدارسهم الدينية التي تخلقه على مقاس حاجاتهم السياسية، بحثت عنه فوجدته في نصوص الغزالي يأمر بالقتل والسفك وانتهاك العرض ضد خصوم الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي، خصومهم من المسلمين وليس الكفار والمشركين. ووجدته في نصوص مؤسس دولة الموحدين (ابن تومرت) وهو يُكفر ويُقتل ويستبيح خصومه المرابطين وهم من المسلمين من أهل السنة والجماعة، ما كان للخليفة عبد المؤمن بن علي أن يجلس على كرسي الحكم قبل أن ينزل إله التوحش ونصوصه إلى الأرض، ليستبيح بها الخلفاء المرابطين.

ووجدت هذا الإله متربعاً في نصوص ابن تيمية، يبحث عن إله في الأرض يتحالف معه، ليُمعن في القتل باسم التوحيد، فتُبسط له الأرض فيحكم باسم الله، ووجدت محمد بن عبدالوهاب، واسطة العقد بين إله ابن تيمية المتوحش وسيف محمد بن سعود، لقد صاغا عقد اتفاق الدرعية على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم” وبذلك فهي اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وهدم أحدهما هدم للآخر. هي ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس.

باختصار، يجد إله التوحش مكانته المقدسة في الأرض، حين تُعطي السياسة شرعية دينية للفتك المتوحش بالخصوم السياسيين. والنصوص المقدسة لهذا الإله في ثقافتنا، هي النصوص التي تصادر حق الإنسان في السؤال عن الله وصفاته وتصادر تأويله لها، وتستبيح دماء الآخرين باسم هذه الصفات.

بين نهرين: من المعروف أن ثقافة الخطابات السلفية الجهادية  تتغذي على منطق الانغلاق والعزلة على الذات، من جهة، والإحساس بالتعالي الذي يعتبر عاملاً مغذيًا لمنطق الغطرسة والغزو والإيمان الأرثوذوكسي بالأنموذج الواحد. أتساءل كيف تظهر تلك الثقافات وتعد قوة هائلة في التاريخ؟

الديري: (الإيمان الأرثوذكسي بالأنموذج الواحد) هو نفسه (السلفية) أو (أهل السنة والجماعة) أو (أهل الحق) هذا تعبير لا يشير إلى جماعة أو مذهب أو طائفة فقط، بل هو يشير إلى الطريق المستقيم الصحيح الّذي يفرضه إجماع السلطة كطريق للتدين.

هذه التركيبة من العقيدة والسلطة والقوة تحوّل الدين إلى ممارسة عنف وإكراه وتوحش، وهذا ما حاولت أن أدرسه وجعلته عنوانا فرعيا في كتابي (نصوص متوحشة من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية) لقد مارس السلاجقة توحشهم عبر سلفيتهم التي كانت عقيدة أشعرية مفروضة كطريق وحيد للإسلام المفروض بالسلطة السلجوقية، وكذلك فعلت الوهابية، فرضت التوحيد من منظورها السلفي كعقيدة بسيف سلطة آل سعود. داعش اليوم تريد أن تمارس ما فعلته الوهابية في تاريخ الدولة السعودية الأولى، باعتباره تاريخ صدر الإسلام الصحيح.

بين نهرين: نرى أنّ المواجهة العسكرية لداعش ليست كفيلة باستئصالها، بل إنّ المواجهة الثقافية والفكرية هي أجدر وأنجع. أتساءل  كيف ذلك؟

الديري: المعركة على كل الجبهات، والمثقف الذي يظن أنه سيهزم داعش بكتبه فقط، ستحرقه داعش بكتبه.وكذلك المثقف الذي يكتب من الحضن الذي فرّخ داعش، سيغلق عليه هذا الحضن يوماً ويجد نفسه بلا نفس ولا حرية ولا كرامة.

الديري في «إله التوحّش»: الإسلام كاستسلام لجبروت الوهابية


حوار: رحيل دندش Raheel Dandach، جريدة السفير..
#إله_التوحش_الوهابي #نصوص_متوحشة #إله_التوحش

«إله التوحّش» كتاب جديد للدكتور علي الديري، صدر عن مركز «أوال للدراسات والتوثيق»، فيه يستكمل الديري ما بدأه في كتابه الأول «نصوص متوحشة» في ما شكّل امتداداً لهذه النصوص مع نشوء العقيدة الوهابية. يستعرض الكاتب السياق السياسي والعقائدي والفقهي للوهابية وغدوها سلطة تتحكّم في اللغة والسؤال والجواب والمعنى والتأويل، مع انعقاد الزواج المقدس بين الدعوة والدولة في اتفاق الدرعية العام 1744. يسهب الكاتب في شرح عمل محمد بن عبد الوهاب على إفراغ مفهوم التوحيد من روحانيته الدينية، وصوغه في أفق نصي وحرفي حتى أصبح أيديولوجيا أحادية صلبة ومبدأ شمولياً يُقتل كل مَن يخالفه، ويكيّف فقط وفق ما تمليه مصالح ولي الأمر السياسية، فتحوّل إسلام المرء بموجبه إلى استثناء.
شكلت العقيدة الوهابية الأساس لما نشاهده اليوم من انتشار وولادات لحركات التوحش على حد تعبير الديري، نحتاج أن نفهم بداياتها وتمأسساتها ومن هنا أهمية الكتاب. بعض الإشكاليات استرعت الاهتمام، فكان هذا الحوار:

السفير: .من “نصوص متوحشة” إلى “إله التوحش”. ألا يبدو الموضوع وكأنك تذهب إلى منطقة خطيرة، هي منطقة الألوهية، أتحدث وفي ذهني ما حدث لناهض حتر؟

الديري:هذه منطقة خطيرة فعلا، ودماء سالت فيها كثيرة، دماء علماء وفلاسفة ودماء جماعات ومذاهب دينية، وعبدالوهاب أحد الشخصيات التي أضرمت النار فيها، هذه المنطقة يلعب فيها السياسي قبل منتج النص المتوحش، ولا يستطيع النص وحده أن يكتسب صفة التوحش بدون قوة السياسي، ابن تيمية لم يجد القوة السياسية فبقي نصه معطلا خمسة قرون، حين حمله محمد بن عبدالوهاب، كان يبحث عن قوة سياسية تفعل هذا النص وتكسبه صفة التوحش، ووجدها في قوة محمد بن سعود.

إله التوحش هو هذا الذي ينتج من تحالف نص التكفير وقوة السياسي، يشبه مخلوق فرانكشتاين ونموذجه الأكثر قوة مثله التقاء نص محمد بن عبد الوهاب وسيف محمد بن سعود.

السفير: كان محمد بن عبد الوهاب مصلحا دينيا يدعو للتوحيد الصحيح، فكيف أنتج توحشا؟

الديري:صفة المصلح تذكرني هنا بفكرة الثورة التصحيحية في العالم العربي والأنظمة الشمولية التي تؤول إلى خراب شامل وعنف مستحكم. إن فكرة محمد بن عبدالوهاب عن التوحيد (الإله) هي مصدر عنفه الذي ينزله على المخالفين له، لقد تملكت هذه الفكرة عقله حتى صار لا يرى في الحياة غيرها كما قال علي الوردي، لقد أصبح مشغولا بها، كما ينشغل مريض التوحد بلعبة واحدة، ويتمركز حولها فيفقد التواصل مع الآخرين.

صار (التوحيد) في خطابه وممارساته الدينية والسياسية الجهادية (توحداً). بمعنى فقد (التوحيد) كونه عقيدة تحرر الإنسان وتفتحه على البشر، وأصبح مرضاً يقيده ويكبله بالكراهية والعنف والتوحش، وهذا ما اختصره محمد بن عبدالوهاب في عبارته التي يكررها “إن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه” صار (التوحيد) في ممارسته الدعوية والسياسية يحدد من هم الخصوم، ومن هم المستباحو الأعراض والأموال، ومن هم المهدرو الدم. صار الإله بهذا المفهوم المتوحش ل(التوحيد) عدواً للبشر أو مثيرا للعداوة بين البشر، وهذا ما يشير إليه عنوان كتابي.

السفير: لماذا اليوم تركز اهتمامك على الوهابية فيما يبدو كون المشكلة ثقافية؟ فيما اليوم يبدو أن السعودية تخاف على كيانها من الوهابية هي التي حرصت على ضبطه بما جعلها سلطة مبررة؟

الديري: الوهابية من غير مبدأ طاعة ولي الأمر تغدو مخلوقا يشبه مخلوق فرانشكتاين، يقتل ويدمر ولا يمكن السيطرة عليه، ويهدد خالقه. (السرورية) التي زاوجت بين بانطلون سيد قطب وعباءة ابن تيمية، هي أول تنظيم بهذا الانتشار يكسر مبدأ الطاعة، فأصبح بالفعل مهدداً لسلطة ولي الأمر، لذلك وصفهم الألباني بأنهم خوارج العصر، لكن خرجوا على تراث ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، الجواب لا. السعودية لا تخشى من الذين يحملون هذا التراث المليء بالكراهية والعنف، لكنها تخشى من الذين يكسرون الطاعة، وجهاز (هيئة كبار العلماء) بالمملكة، هو أقرب إلى أن يكون هيئة صيانة الطاعة، فالطاعة دستور الدعوة الوهابية بالنسبة للسعودية.

السفير: ماذا تعني أن الوهابية وتراثها مليء بالكراهية والعنف؟

الديري: الوهابية هي الدعوة التي صاغها محمد بن عبدالوهاب، وضعت هذه الدعوة 10 نواقض للإسلام، وفي كل ناقض تفاصيل يكمن فيها شيطان التكفير والقتل، من يختلفون معك هم ليسوا من صنف الأخ لك في الدين أو النظير لك في الخلق، بل هم من صنف النقيض، كل الشياطين في تفاصيل هذه النواقض العشرة هم نقيض لك، عليك أن تتبرأ منهم وتكفرهم وتقتلهم.

ناقشت هذه النواقض في الفصل الرابع من كتابي، ووجدت أنها تمثل  تشكيلة خطابية، صاغت خطاب الدولة الذي تبناها وصاغت شكلها وتاريخها، وصاغت المجموعات الدعوية والجهادية ومشاريعها التربوية والتبشيرية التي تفرخت منها على مستوى العالم. الكراهية والعنف تكمن في هذه النواقض.

صارت هذه النواقض سيفاً يبرر ما قامت به الوهابية في تاريخها وقد نقل لنا المؤرخ الرسمي ابن غنام مجازر مروعة يصرم (يقطع) فيها سيف التكفير النخيل ويخرب الزروع، كما فعل في منطقة (منفوحة)، ويحرق الكتب ويزيل ما يسميه أوثانًا ومتعبدات وكنائس كما فعل في القطيف.

كل هذه الممارسات مسجلة بفخر في التاريخ الرسمي، باسم (نواقض الإسلام) ويتناسى هذا الخطاب أنه يناقض تعاليم النبي (ص) وخلفائه في الحفاظ على الزرع والنخل والرفق بالناس والمحافظة على معابدهم.

الخطاب الذي شرع هذه الممارسات هو نفسه الذي شرع لداعش خطف أكثر من 5000  رجل وامرأة وطفل من الطائفة الإيزيدية بعد أن اجتاح مناطقهم في العراق، وقتل رجالهم واتخذ نساءهم سبايا.

السفير: أعطيت للفصل الرابع من كتابك  عنوان مزدوج (نواقض الإسلام: الاستثناء المستحيل) ماذا تعني هنا بالاستثناء المستحيل؟

الديري: الرائج بين أهل السنة والجماعة  “لا استثناء في الإسلام”، وهي تعادل “لا تكفير في الإسلام” أي إننا لا نستطيع أن نستثني أحدًا نطق بالشهادتين من دائرة الإسلام. قد نستثني أحدًا في موضوع الإيمان ولكن لا نستثني أحدًا في موضوع الإسلام. على هذه القاعدة يصبح تكفير المسلم الذي يقر بالشهادتين مستحيلاً، فالإسلام هو كلمة الشهادتين.

هذا الأمر لا نجده في خطاب (الوهابية)، بل نجد أن الاستثناء هو الأصل، فمن يوصف بالمسلم (ممن ينطق بالشهادتين) هو الاستثناء، ومنطوق الخطاب الوهابي يقول إن الأصل هو أن الجميع كفار، مع أنه يدعي أنه لا يُكفر إلا من كفره الله وكفّرته نصوص السنة والقرآن، لكن الممارسة الخطابية تؤول إلى أن الجميع يكفرهم الله ويكفرهم القرآن وتكفرهم السنة إلا  من شهد “أن هذا الدين الذي قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب” وهذه الشهادة حلت محل “لا إله إلا الله” وحين تمكن جيش ابن سعود من المدينة ومكة أجبر علماءها على توقيع هذه الشهادة بالاسم. صار الاستثناء قاعدة في خطاب الوهابية، عبر خطاب نواقض الإسلام العشرة.

صار الإسلام ليس السلام وليس الإقرار بالشهادتين، بل هو الاستسلام والطاعة والانقياد، لجبروت القوة الوهابية ومؤسساتها، وهذا ما تعنيه وثيقة الإقرار التي أُجبر على توقيعها علماء مكة والمدينة، مذعنين منقادين مطيعين، وقُبل إسلامهم بها، والغريب إن كتب التاريخ السعودي الرسمي يحتفظ بها كإنجاز تاريخي سياسي وديني.

السفير: أما توحيد بن عبد الوهاب لم يكن تكتيكاً سياسياً بل كان وما زال عقيدة راسخة مبدئية وهذا ما يجعل منها ثقلا على الدولة. كما تقول وذلك بعكس التوحيد التومري الذي كان تكتيكاً سياسيا أكثر منه عقيدة وعادت صفة التوحيد تشمل الجميع. اليوم هل يشكل الواقع الراهن تفكيكاً للعلاقة ما بين الدولة والدعوة التي ما زالت قائمة؟

الديري: قامت دولة الموحدين قبل ستة قرون من الدعوة الوهابية، على كتاب ابن تومرت (أعز ما يطلب) وقد كفرت دولة المرابطين التي سبقتها، بقي الكتاب يدرس في مدارس الموحدين كما هو شأن كتاب محمد بن عبدالوهاب (التوحيد)، لكن حكمة الموحدين طوت صفحة التكفير، واعتبرت الجميع مسلما موحدا، بعد أن تغلبت سياسيا على المرابطين الذين اعتبرتهم كفارا ومشركين.

هذه الحكمة افتقدتها الدولة السعودية، فلم توحد مكوناتها، وبقيت تنظر إليهم بعين التكفير والشرك والشك، بل إنها وسعت صفحة التكفير بدل أن تطويها، وصارت على قدر مساحة العالم، كما نشاهدها اليوم ، فحيث تتمكن الوهابية، يتمكن التوحش.

تفكيك العلاقة بين الدعوة والدولة، يعني ضياع الدولة، وهذا ما يجعل الدولة السعودية تعتبر الدعوة الوهابية ركناً من أركانها، فهي التي تعطيها الشرعية، وتفرض لها الطاعة، وتكيف لها أحكام الواقع والسياسية. وقد اختبرت ذلك جيدا، ويمكننا أن نتذكر هنا حرب الخليج الثانية، حين أراد تيار الصحوة تجيش الشارع وانتقاد استعانة الدولة بجيوش الغرب الكافرة، تصدى لهم كبار علماء الوهابية، مانحين الشرعية لوجود هذه الجيوش، ومحرمين انتقاد استعانة ولي الأمر بهم، لقد حموا حرم الطاعة وأنقذوا الدولة من خطر كبير.

ما زالت عائلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تمسك الجهاز التشريعي للدولة، منذ زمن الدولة السعودية الأولى التي خصصت لبيت الشيخ من الغنائم ثمانين ألف ذهب، ولعائلة آل سعود ثلاثمائة ألف ذهب سنويًّا.

رابط الحوار في جريدة السفير

رابط الحوار باللغة الانجليزية

حوار حول كتاب "إله التوحش": النصوص المؤسسة للوهابية والدولة السعودية هي ورشة عمل دراستي الجديدة

أجرت الحوار/ د.انتصار رضي

لتحمل حوار علي الديري حول كتابه إله التوحش pdf

سبق أن تناول الباحث البحريني ” د. علي الديري ” البيئات السياسية كمدخل لتفكيك النصوص المتوحشة من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية في كتابه الذي أثار جدلا (نصوص متوحشة) الذي ستصدر طبعته الثالثة قريبا.

يعود اليوم في إصداره الجديد ( إله التوحش) ليناقش التكفير كمشروع قتل يميله صراع سياسي عبر دراسة دولة الدرعية والوهابية متناولا في ذلك سيرة مؤسسها محمد بن عبدالوهاب ودعوته وتوسعها في نجد حتى صارت دولة وسياسة وجيش وقوة! سيتعرف القارئ على سيرة محمد بن عبدالوهاب في سياقها السياسي  ونصوصه التكفيرية التي جرّدت الإنسان من إنسانيته وشرعنت الموت المستحق لمسلم مقرّ بالشهادتين لا يتوافق مع التأويل الوهابي للنصوص، التأويل الذي شرعن العنف والكراهية عبر الخطاب الوهابي  لنواقض الاسلام ونواقض الايمان!!

يقودك هذا الكتاب لمعرفة كيف ولدت من هذه الحركة حركات العنف والتوحش التي باتت  ترهب العالم ..! مع د.علي الديري وجديده  (إله التوحش):

لنبدأ من مفردة التوحش، ألا تعتقد معي أن مفردة التوحش الآن انزاح معناها من الوحشية إلى معنى آخر اشتهر بعد كتاب أبو بكر ناجي (إدارة التوحش). أليس التوحش الآن أصبح مصطلحًا يطلق على حالة الفوضى التي تعم البلدان بعد وجود فراغ في السلطة مثل ليبيا بعد القذافي والعراق بعد صدام .. حالة الفراغ السياسي تلك، التي لا يناقشها كتابك طبعا؟

الديري: التوحش ليس اسمًا أو مصطلحًا هو مفهوم، ولا أحد يملك المفاهيم، بمعنى أنه يعبر عن فكرة ولا يشير إلى جماعة أو مذهب أو شخص. ربما يكون الانثروبولوجيون أكثر من استخدم هذا المفهوم للدلالة على الجماعات غير المتحضرة، ثم تراجعوا واعتذروا لهذه الجماعات، فصاروا يسمونهم الجماعات البدائية.

التوحش مفهوم يصف الموقف العملي الذي وقع بالتاريخ والنص النظري الذي شرّع له، وأقصد هنا الموقف من الآخر المختلف معنا في المذهب أو الدين أو السياسية. لدينا في تراثنا الإسلامي نصوصٌ عقائدية وفقهية مشحونة بالتحريض والعداء والكراهية والتشريع للقتل، ولدينا تطبيقات عملية لها في التاريخ. أنا مهتم بهذه التطبيقات، وجميع النصوص التي درستها في كتابي (نصوص التوحش) وكتابي (إله التوحش) كان لها تطبيقات عملية موثقة في كتب التاريخ المعتمدة.

لماذا الوهابية؟ أليست هي موجة وفي طريقها للزوال الحتمي. ما هي الحاجة إلى كتاب إله التوحش في هذه الآونة؟

الديري: لماذا الوهابية؟ لأنها نجحت في أن تغزو العالم باسم التوحيد الخالص والسنة الصحيحة والسلف الصالح، لقد اخترقت العقل الإسلامي، وتمكنت من سرقة وجهه.

الحديث عن الوهابية اليوم بخطابها التكفيري لا يمكن فصله عن السياسة، لقد انطلقت في نقدي لنصوص التوحش وإله التوحش من فكرة مفادها أن “التكفير مشروع قتل يمليه صراع سياسي”، وأجد الوهابية نموذجًا لاختبار هذه الفكرة.

كتابي ليس دراسة عن حجم حضور الوهابية في العالم الإسلامي، لكني سأجيب عن سؤالك لأوضح أهمية دراسة الخطاب الوهابي دراسة نقدية.

لنأخذ مصر وماليزيا نموذجين لانتشار الخطاب الوهابي وتوسعه، ونشر الكراهية؛ في المشهد الماليزي، تمكنت الجامعات المدعومة بشكل مباشر من السعودية بأن تحول المذهب الشيعي الاثني عشري، إلى “ديانة محظورة” كونها “تحمل العديد من الانحرافات العقائدية المخرجة من ملة الإسلام”. في ماليزيا تكفير الشيعة يتم بقانون رسمي ماليزي. كذلك تحظر الدولة، بقرار رسمي أيضًا، استخدام لفظ الجلالة للإشارة إلى الرب عند غير المسلمين، ما أثار حملة واسعة في البلاد تحت شعار “الله للمسلمين فقط”.

في مصر دعمت المملكة الجامعات الدينية الخاصة، وفرت الدراسة المجانية لأبناء العالم الإسلامي، منحتهم شهادات عالية موازية للأزهر ومصدقة من الجهات الرسمية المصرية، سرقت أساتذة الأزهر، وصاروا يدرسون في (جامعة المدينة العالمية) لتأخذه من الأشعرية إلى عباءة محمد بن عبدالوهاب.

في السعودية نفسها الأبواب والتسهيلات مفتوحة لاستقبال أبناء العالم الإسلامي، مقابل أن يتخرجوا كدعاة لتصدير الوهابية، بموجب ذلك تمكنت الوهابية من وضع يدها على أكبر المساجد الأوروبية والأميركية، وهذه عينة من الدعاة في الغرب المتهمين بخطاب الكراهية، وكلهم خريجو الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ الداعية بلال فيلبس، الداعية أبو أسامة الذهبي، الداعية ياسر قاضي.

بعد أن ناقشت في (النصوص المتوحشة) جذور الفكر التكفيري المتمثل في آراء ابن تيمية، ثم تحدثت في (إله التوحش) عن آراء ابن عبدالوهاب كامتداد طبيعي لتلك الجذور، فهل سنرى قريبا لك كتابًا يتحدث عن (داعش)؟ وما الذي يجعل سير أصحاب الفكر المتطرف وأفكارهم ملهمًا ومولدًا لحركات لا تنتهي؟

الديري: لست مهتمًا كثيرًا بداعش، بقدر اهتمامي بتراثها المستخدم من النصوص، في (نصوص متوحشة) وفي (إله التوحش) ذهبت إلى سياق هذه النصوص السياسي والعقائدي والفقهي. تمثل هذه النصوص الأب المؤسس لما نشاهده اليوم من ولادات لا تنتهي من حركات التوحش، نحتاج إلى نقدها وكشف سياقاتها السياسية.

الأفكار والنصوص لا تموت، إنما تُستعاد وفق ما يتوافر لها من سياقات سياسية وثقافية، الأفكار التي تعطي القتل والكراهية، والأفكار التي تعطي الحياة والحب. والوهابية هي استعادة لنصوص التوحيد والتكفير عند ابن تيمية. ظنت سلطة المماليك أنها قضت على أفكار ابن تيمية، حين سجنته ولم تستجب لدعوته في استبدال الأشعرية بالسلفية على طريقته، لتكون هي عنوان أهل السنة والجماعة، وستظل هذه القضية محل نزاع سياسي وعقائدي، كما شاهدنا بعد مؤتمر غروزني “من هم أهل السنة والجماعة”.

كانت لحظة وفاة ابن تيمية، هي نفسها لحظة حياته، وقد سجل تلميذه ابن كثير شهادة حياته في نصه التاريخي الذي وصف جنازته وصفًا تختلط فيه المبالغة والتقديس بالحقيقة التاريخية، واسمحوا لي أن أتوسع قليلًا هنا لأوضح أن حياة الأفكار أخطر من حياة الأشخاص. هناك مقولة للإمام أحمد بن حنبل “بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز”، وتروى بصيغة أخرى “بيننا وبينكم شهود الجنائز”. كتب ابن كثير نص جنازة ابن تيمية على وقع هذه المقولة، ونحن في الحقيقة لا نعرف الحقيقة التاريخية لحجم الجنازة وما حدث فيها، لكننا نعرف أن وصف ابن كثير صار حقيقة تاريخية، والسلفيون لا يملون من استعادة هذا النص والاحتفاء به.

بعض التقديرات تقول إن عدد من شاركوا في الجنازة ستين ألفا إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف والنساء بخمسة عشر ألف، ويقول ابن كثير بلغ الأمر أن شرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دُفِعَ فيها خمسمائة درهم، وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير، وتضرع، وخُتِمَت له ختمات كثيرة، وتردد الناس إلى قبره أيامًا كثيرة ليلًا ونهارًا، يبيتون عنده ويصبحون، ورؤيت له منامات صالحة كثيرة ورثاه جماعة بقصائد جمة.

هكذا إذن يقدم ابن كثير شهود الجنائز وكأنها تصويت على أفكار ابن تيمية واستمرار أفكاره في الناس الذين عبروا عن حبه وتقديره بالمشاركة على هذا النحو في جنازته.

إذا كانت جنازة ابن تيمية رد اعتبار لما وقع عليه من سجن، فسيرة محمد بن عبدالوهاب كما ترويها كتب التاريخ الرسمية السعودية، تشبه السيرة النبوية، محاطة بالعناية الربانية والتوفيق.

حكاية السير بهذه الطريقة تجعلها حية ومُولدة في نفوس الأتباع، لذلك لا تموت أفكار أصحاب هذه السير.

 هل تعتقد أن تحالف ابن عبدالوهاب مع ابن سعود كان السبب الرئيس في انتشار الدعوة الوهابية، أم أن الطبيعة النجدية البدوية القاسية كانت مهيأة لهكذا فكر جاف ومتشدد؟

الديري: لولا هذا التحالف ما نجحت الدعوة، إنه اتفاق الدرعية 1744، وقد بذل محمد بن عبدالوهاب جهدًا كبيرًا، وكاد أن يموت مرات حتى نجح في الوصول إلى هذا التحالف، وهو بالمناسبة تحالف غير مكتوب، لكنه مدعم بالدم والهدم “الدم بالدم والهدم بالهدم”. يشكل هذا التحالف جزءًا أساسًا من سيرة الدعوة والدولة، وهو موضوع توسعت في عرضه في الكتاب.

هذا الاتفاق نموذج آخر على أن نصوص التوحش نتيجة تحالف السياسة والدين، وأن أفضل بيئة لإنتاج نصوص دينية متوحشة هي السياسية.

الطبيعة النجدية متنوعة وأنتجت شعراء يحتفون بالحياة ويتغزلون بالجمال ويستمتعون بالطبيعة، ويكفي أن على أرضها قصة قيس وليلى.

 على ضوء البحث العلمي والوثائق المتاحة في ما يخص سيرة ابن عبدالوهاب، كيف تقيمون علميًا ما ورد في (مذكرات الجاسوس البريطاني همفر)؟ وما مدى مصداقيتها مضمونًا ومصدرًا؟

الديري: لم يشكل مصدرًا في دراستي، ولا أجد له قيمة حقيقية، وليس لهذه المذكرات وجود في الأرشيف البريطاني، كذلك لم أعتمد كتاب “لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب” فمؤلفه مشكوك فيه ومعلوماته عن السيرة غير معتمدة.

اعتمدت في دراستي على المصادر الرسمية التي تحتفي بها الوهابية والدولة السعودية، وأهم مصدرين هما كتاب ابن غنام “روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدّد غزوات ذوي الإسلام” وكتاب ابن بشر “قصة المجد في تاريخ نجد”.

في خضم ما كتب عن الحركة الوهابية ومؤسسها والدولة السعودية الأولى، ما الذي يضيفه (إله التوحش) للقارئ خلاف ما هو متوفر من مصادر وكتب؟

الديري: لكل دراسة منظورها ومقاربتها، أنا حاولت أن أفهم كيف تتأسس دولة في القرن الثامن عشر وهو قرن الحداثة الغربية، على دعوة دينية جوهرها تكفير من يختلفون معها في مفهومها المتعصب للتوحيد، أردت أن أفهم  كيف صار رجل هذه الدعوة (محمد بن عبدالوهاب) أبًا مؤسسًا للدولة؟ كيف منح الدولة هويتها الشرعية؟ وكيف صارت الدولة بدعوته للتّوحيد الجهة الوحيدة المحُتكِرة للعنف والممارسة له في الوقت نفسه، ليس ضدّ من يخالف القانون بل ضد من يخالف معتقدها؟ هذه الأسئلة ممنوع طرحها في السعودية، ولا يمكن مقاربتها بعقل حر وفضاء مفتوح.

من جانب آخر، أردت أن أفهم كيف تولد من مفاهيم هذه الدعوة للتوحيد والهجرة والجهاد حركات عنف وتوحش تُرهب العالم، وهذه عينة من تنظيمات متطرفة، تتخذ من عنوان التوحيد اسمًا لها وتُعرّف عقيدتها ومهمتها الرسالية بالعبارات نفسها التي يستخدمها محمد بن عبدالوهاب في كتابه (التوحيد): جماعة التوحيد والجهاد (العراق)، جماعة التوحيد (ألمانيا)، جماعة التوحيد والجهاد (مصر)، التوحيد والهجرة (مصر)، التوحيد والهجرة (العراق)، حركة التوحيد والجهاد (غرب أفريقيا)، جماعة التوحيد والجهاد (بيت المقدس)، جماعة التوحيد والجهاد (المغرب الأقصى).

لو نظرنا إلى واقع المؤسسة الدينية الوهابية الحالية، هل تجدونها ملتزمة بأفكار ابن عبدالوهاب -خصوصا في ما يخص الشرك والتوحيد والغربة والهجرة والجهاد- أم أنها انحرفت تحت الضغوط الدولية وضغوط أصوات الإصلاح الداخلية؟

الديري: “طاعة ولي الأمر” تكاد تعادل فكرة الإمامة من حيث الانقياد والطاعة، وهذا ما يجعل الدعوة الوهابية كمؤسسة (هيئة كبار العلماء) أداة يمكن التحكم فيها وضبطها عبر ولي الأمر، لكن كدعوة وخطاب لا يمكن ضبطها، ويمكنها أن تنتج جماعات لا نهاية لها، كدالة رياضية لا نهائية.

هناك قائمة للتكفير وهي: عدم البراءة من الكفار، والإعجاب بتشريعاتهم، وإظهار المودة لهم، والتشبه بهم، واتباعهم، والتقرب منهم. كل عنوان في هذه القائمة يعتبر ناقضًا من نواقض الإسلام، ويُحكم عليك بالكفر حين لا تتبرأ من الكفار، أو تُعجب بهم، أو تتشبه بهم، أو تتبعهم، أو تتقرب منهم. لكن يمكن أن يتم تكييف هذه القائمة إذا ما تعلق الأمر بـ (ولي الأمر) فتصبح [هذه القائمة] مصالح مباحة، يُشرع لها ويؤصل لها، ويُكفر من يعترض عليها، وتُشرّع الحرب على من يقف ضدها، لأنها بمثابة الخروج على مصالح (ولي الأمر).

لا تُكيف هذه القائمة لإنتاج خطاب تسامح وسلام ومحبة مع الآخر، فجوهر الدعوة، قائم على التشدد والتكفير والكراهية، لكنها تكيف وفق قاعدة المخارج الشرعية لمصالح ولي الأمر السياسية، حدث هذا التكيف في حرب أفغانستان وغزو الكويت واستدعاء قوات الكفار للجزيرة العربية وعاصفة الحزم.

باعتقادك ماذا سيتعلم الشيعة من درس التوحش هذا؟ ألا يستدعي هذا البحث في الجذور العميقة للكراهية وتفكيكها سواءً أكان ذلك لدى الشيعة أو السنة؟

الديري: التوحش بالمفهوم الذي استخدمته، حالة متقدمة على حالة عدم القبول بالمختلف، والاختلاف مع الآخر أو حالة اعتبار كل دين أو مذهب أن الدين الآخر والمذهب الآخر ضالين أو خرافًا ضالة. في التوحش، نحن أمام حالة دعوة للتقتيل والاستباحة، الآخر ليس خروفًا ضالًا بل خروفًا للذبح. أنا أتحدث عن نصوص عقائدية وفقهية، تُعطي لجيش الإذن والأمر بقتل جماعة أخرى واستباحتها وسلب مالها ونسائها.

أرجو أن لا نخلط حالة التوحش بحالة التعصب وضيق الأفق، فتلك حالة أخرى، بمعنى أن كل توحش هو تعصب وانغلاق وكراهية، لكن ليس كل حالة تعصب وانغلاق توحشًا. علينا أن نميز بين الحالتين كما يميز القانون بين حالات الجنح وحالات الجنايات، وهذا مثال للتقريب فقط.

في تقديري، لم يتورط الفكر الشيعي في إنتاج نصوص متوحشة بالمعنى الذي شرحته، لأنه كان في الغالب يمثل الأقلية والهامش، لكنه تورط في إنتاج نصوص غير معقولة، وثبت مسلمات عقائدية مغلقة، هي من صنع التاريخ والسياسة، وأنتج سرديات تاريخية متخيلة.

على الفكر الشيعي أن يتعلم من درس التوحش، عدم تقديس نصوصه ومدوناته، عليه أن يكون شجاعًا في نقد أصوله وتفكيك مسلماته من شباك التوظيف السياسي، والانغلاق التاريخي، وإلا فهو مهدد بظهور جماعات متطرفة يتم توظيفها في الصراعات السياسية، والأمثلة الحاضرة في ذهني الآن، ظاهرة ياسر الحبيب وجماعته، وظاهرة أحمد حسن اليماني، وظاهرة الجماعات المهدوية، وجماعات الشعائر المقززة.

رابط الحوار

لتحمل حوار علي الديري حول كتابه إله التوحش pdf