تجـــريم المــولــوتــوف

بعد مقتل الشرطي ماجد أصغر، قررت هيئة مكتب مجلس النواب بشكل عاجل إدراج مشروع قانون تجريم المولوتوف ضمن جدول أعمال جلسة مجلس النواب بعد أن أدخلت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب بعض التعديلات البسيطة عليه. وقد تم في جلسة مجلس النواب إقرار قانون (تجريم المولوتوف). وينص القانون على أن يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع عبوات قابلة للاشتعال أو الانفجار بقصد استخدامها لتعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر أو حاز أو أحرز ما صنع منها بذات الغرض.
شخصياً، ليست لدي اعتراضات على القانون، ولا تحفظات بشأن إمكانية إساءة استغلاله، ولا حتى على الطريقة التي تمّ بها إقراره.
لكني، أأسف أن القانون لن يحمل ذاكرة وطنية ولا إنسانية، ليس لأن هذا القانون لن يحمي المجتمع من العنف، أو يحد منه، وليس لأن ماجد أصغر (رحمه الله)، لم يكن مواطناً بحرينياً، وليس لأنه لم يكن في مهمة وطنية، وليس لأن حادثة القتل نفسها ليست مستنكرة إنسانياً. 
بل، لأن السياق الذي جاء فيه القانون، يحمل خلفية اجتماعية وسياسية شديدة الاختلاف والتضارب والانقسام وتصفية الحسابات. نعم، هناك إجماع وطني على إدانة القتل، لكن ليس هناك إجماع وطني على تفسير القتل، ولا على حكايته، ولا على تداعياته، ولا على الموقف من إدارته، ولا على ما بعده، وربما ولا على ما بعد بعده.
القانون لا يستمد قوته من الشرعية الدستورية والمؤسسية فقط، ولا من إجماع القوى السياسية فقط، بل يستمد قوته أيضاً من المجتمع الذي يضعه، ومن التاريخ الذي يأتي في سياقه، ومن الحكاية التي تفسر من خلالها الناس غايته البعيدة. خصوصاً قوانين التجريم التي ترتبط بأوضاع خاصة وأحداث يمر بها المجتمع ويحتاج من خلالها إلى وضع قانون يحمي به نفسه ويحقق من خلاله العدالة.
علينا أن نفهم أن المجتمع أكبر من الجمعيات السياسية والقوى السياسة، مهما كانت درجة تمثيلها للمجتمع، وإذا كانت القوانين تقرّ أحياناً بسبب التسويات السياسية أو الصراعات السياسية، فإن ذلك لا يعني أنها تمثل إجماعاً وطنياً، يمكن أن نثق فيه ونعول عليه. ونطمئن أنفسنا بقدرة القانون المقر بهذه التسويات على أن يحمينا من العنف.
لقد وجّه رئيس تحرير جريدة أخبار الخليج أستاذ أنور عبدالرحمن يوم التصويت على قانون تجريم المولوتوف (رسالة عاجلة إلى حضرات نواب الأمة) في الصفحة الأولى من جريدته، يقول فيها: الإخوة الأفاضل.. السادة أعضاء مجلس النواب الموقرون، فلقد أراد الله أن تجيء هذه الكلمة مقياسا لأدائكم وإخلاصكم لوطنكم وموقفكم منه ومن قضاياه! يا أصحاب المقاعد الجليلة.. أسماؤكم اليوم ستكون في وجدان وميزان العمل الوطني.. تسلمونها إلى ذاكرة التاريخ التي لا تخطئ ولا تشيخ، كما تخلد هذه الكلمة في ضمير الأمة والوطن شاهدة عليكم بأنكم أبناء الوطن الذين أدانوا الإجرام في حق الوطن وتصدوا له.. أو باركوه!’’
يربط هذا، نداء هذه الرسالة القانون بالذاكرة والتاريخ والوطن، وهذا ما يؤكد أن القانون بحاجة دوماً إلى ذاكرة وتاريخ يستمد منهما قوته، لقد صوّت النواب على إقرار القانون، مع امتناع ثلاثة منهم عن التصويت، فهل ستكون أسماء النواب الذين أقروا القانون في وجدان وميزان العمل الوطني؟ أنا أشك في ذلك، ليس لأن هذا الإقرار لا يستحق أن يدخل ميزان العمل الوطني ووجدانه، بل لأن هذا الميزان لا يحتكم إلى معايير أحد ما، هو ميزان يحتكم إلى من يشكلون هويته الوطنية، وهم أمة المواطنين، وهؤلاء يكادون يحطمون هذا الميزان، لشدة اختلاف أوزانهم ومقاييسهم ومعاييرهم، بل منهم مطففون، وهناك فرق بين المطففين والطائفيين، فالطائفيون مطففون، ولكن المطففين قد يكونون غير طائفيين، لكنهم يلعبون بالميزان الاقتصادي لا العقائدي.
ميزان الذاكرة الوطنية، لا يحتكم إلى قانون، ولا يمكن لنداء أن يحكمه أو يحكم عليه، وهو لا يشتغل بالأمنيات، ولا باللعب بالمكاييل، ولا بالخطب العصماء، ولا بالتطمينات، ولا بزيارات القيادات السياسية العليا.
قد يكون القانون وطنياً، لكنه لا يحمل ذاكرة وطنية، فمسألة الذاكرة متروكة للزمن والتاريخ، ونحن لا نفعل أكثر من أن نتوقع ونتنبأ وفق السياق الاجتماعي الذي ينتج الأحداث والقوانين. لذلك حين أقول إن قانون تجريم المولوتوف لا يحمل ذاكرة وطنية، فأنا أقولها استناداً إلى ما أقرأه من احترابات خطابية في المجتمع، وليس استناداً إلى موقفي من القانون.
لذلك لا يمكن لقانون لم يهيأ له أن يحمل ذاكرة وطنية، كما هو قانون المولوتوف أن يسهم في تعزيز اللحمة الوطنية، كما يعوّل على ذلك الأستاذ على سيار مثلا ‘’قرار تجريم المولوتوف، لابدّ وأن يسهم في تعزيز اللحمة الوطنية وتقوية سلطة الأجهزة الأمنية المسؤولة عن الحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم، وسلامة ممتلكاتهم، وهو ما يطمح إليه ذلك المواطن الذي يعرف قيمة الانتماء إلى الوطن وقيمة المحافظة على أمنه’’.
كي يحقق القانون غايته البعيدة لا عقوباته القريبة، هو بحاجة إلى سياق يحفظ له ذاكرة تاريخية. وإذا كان هذا القانون سيمكن وزارة الداخلية من أن تمد ذراعها الأمني بشكل قانوني، حين يمور قاع المولوتوف، فإنه لن يمكنها من أن تمدّ ذراعها حتى بشكل ودي، كي توقف ما يمور في قاع المجتمع من احترابات وتجاذبات. فما يمور في قاع المجتمع يشبه ما يمور في قاع المولوتوف، ونحن بحاجة إلى قانون يحمينا مما يمور في قاع الأول، كي نضمن القاع الثاني.
لقد أحال الخطاب الإعلامي، كل ما ارتبط بالحادثة إلى ‘’الإجماع الوطني’’، وكمراقب للخطابات وكلماتها، أشك أن الإحالة كانت إلى الإجماع الوطني، فقد كان هذا الأخير حاوية كبيرة تتسع لا للمواطنين ولا إلى ما يجعل منهم مواطنين (من قوانين ومشاريع وإنجازات ودساتير وروابط مدنية) بقدر ما كانت هذه الحاوية في استخداماتها المبتذلة تتسع إلى من يحقق مكاسب سياسية لأطراف لديها خصومات سياسية.
أخشى أن يتحول تجريم المولوتوف إلى تجريف المولوتوف، حينها لن نكون أمام خطأ مطبعي بين تجريف وتجريم، بل أمام خطأ وطني.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=6679

12 تعليقا على “تجـــريم المــولــوتــوف”

  1. هذه التعليقات من موقع جريدة الوقت،حيث نشر المقال:

    أبو بكر – البحرين الأحد 20 أبريل 2008

    أوقفوااااا كتاب الفتن والضرب تحت الحزام..أناشدكم بالله العظيم لا تجعلوا هذه الأقلام التي تحفر في الجدار أن تشقق الصفوف..أشهد للزور أهل النفاق.

    مواطن شريف – البحرين الأحد 20 أبريل 2008

    صراحة مثل ما قال الاخ تصفية حسابات والله بس الحين صار قتل النفس المحرمة وين كانت رجال الدين والسياسيين لما راحت شهداء من عندنا وفيهم نساء واطفال !!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    محمد توفيق – البحرين الأحد 20 أبريل 2008

    يجب ان تذكر ان الله حرم قتل النفس بغير حق ( وانا اري في كلامك التحيز والتبرأه للقتلة الذين هم في النار .

    فارس – البحرين الأحد 20 أبريل 2008

    احترم كثيرا كتابات الاستاذ احمد الديري خصوصا عندما تتلعق بقراءته للخطاب الديني وموقفه من التطور الاجتماعي. ولكني لم افهم لماذا الربط بين تجريم المولوتوف والذاكرة الوطنية. القوانين عادة تسن لحماية المجتمع وحتى حماية الافراد من انفسهم. وما المولوتوف والجرائم الاقتصادية مثلا , إلا جرائم جديدة لم يعرف المجتمع البحريني من قبل لذلك يجب أن يسارع المجتمع من خلال هيئاته التشريعية إلى سن القوانين التي تلبي الحاجات الطارئة بدون محاولة البحث عن فلسفة تدعم هذا القانون او ذاك. نحن نتكلم هنا عن جرائم بغض النظر عن موقفنا من الحراك السياسي الذي قد نتفق مع الكثير من مطالبه ولكن هذا لا يمنع من وضع حد لجريمة تتكرر باطراد والقانون مكبل بسبب عدم وجود النص القانوني الذي يتيح له معاقبة مغترفي هذه الجرائم. اكرر ان القانون في رؤيته العامه يسعى لحماية الشباب انفسهم من اغتراف هذه الجرائم بسبب غياب القانون. والله من وراء القصد.

  2. هذا التعليق منشور على موقع الجريدة:
    الأعزاء، شكرا لتجشمكم عناء التعليق…
    العزيز فارس..

    لكني لم افهم لماذا الربط بين تجريم المولوتوف والذاكرة الوطنية. القوانين عادة تسن لحماية المجتمع وحتى حماية الافراد من انفسهم.
    القوانين التي تأتي
    لأقرب الفكرة أكثر، هناك مثلا أسباب لنزول بعض الآيات القرآنية، لا نستطيع أن نفهم الآية وحكمها إلا بالرجوع إلى سبب النزول وفي أحيان كثيرة يصاغ سبب النزول في قصة. قد نحتاج إلى التذكير بالقصة التاريخية التي نزل فيها حكم الآية، كي نعطي تبريرا وتفسيرا للحكم، ونجعله أكثر مقبولية وفهما وعظة.

    كذلك القوانين، أحيانا تأتي نتيجة لحادثة تهز المجتمع، ويحدث نوع من التوافق التاريخي في الذاكرة الوطنية على هذه الحادثة، وهذا التوافق الذي يصل حد الإجماع يعطي للقانون قوته وحكمته وقبوله من قبل الجميع.ويظل التاريخ والذاكرة تربط الحادثة بالقانون، وكأنها تفسر روح القانون وفلسفته وحكمته بالحادثة.

    العزيز محمد توفيق…
    لك أن تقرأ في مقالي تحيزا، فتلك قراءتك، ولي أن أقول أن مهمتي ككاتب تكمن في فتح نافذة لقراءة الحدث، أكثر من تشكيل موقف تجاه الحدث، هكذا أفهم وظيفتي الكتابية. ربما تكون مهتما بالموقف، ورحت تقرأ ما يضمره المقال من موقف. لكنك لو حاولت أن تقرأ المقالة مرة أخرى بدون البحث عن موقفي، ربما تجد فيها نافذة أخرى. وغلق النوافذ يشبه القتل، لأنه يمنع الأكسجين وقد حرم الله منع الأكسجين عن الناس. والكتابة نوع من الأكجسين لأنها تفتح نافذة لهواء جديد.
    العزيز مواطن شريف..
    يبقى القتل النص الأصعب تأويله، كل يضع له تفسيرا يتفق مع حساباته، وإذا أردنا أن نوقف القتل، علينا أن نغلق الحسابات.
    العزيز أبوبكر…
    أنا أفهم الكتابة فتنة، والكتابة التي لا فتنة فيها لا يعول عليها، الكتابة فتنة لعقلك كي يتحرر من القبح، أنا كاتب فتنة بهذا المعنى. لكن لا أمنع أحدا أن يقرأ في كتابتي فتنة اجتماعية تشق الصفوف المتصلبة بأبنيتها الدينية والطائفية والقبلية والعرقية والفكرية…
    ومرحبا بك.. في مدونتي إن أرتم مزيدا من الفتن الجميلة… http://www.aldairy.ws

اترك تعليقاً