أرشيف التصنيف: حوارات

حوار حول مشكال "مجازات بها نرى"

حوار حول كتاب (مجازات بها نرى)

أجرى الحوار باسمة القصاب

يمكنك تنزيل كتاب محازات بها نرى: كيف نفكر بالمجار؟ من هنا.

1. للوهلة الأولى عندما يقع بين أيدينا كتاب له علاقة بالمجاز تحضر قضايا كثيرة منها ما دار بين بعض المفسرين وبعض اللغويين حول وجود المجاز في اللغة ونفيه، كما تحضر في أذهاننا صورة المجاز المدرسي، ويخيل إلينا أننا أمام كتاب في البلاغة وزخرف القول ونظم اللغة، لكن عنوان الكتاب هنا : ” مجازات بها نرى، كيف نفكر بالمجازات؟”، يثير فينا شيئاً مختلفاً يقارب المجاز بوصفه أداة تفكير، وعين للرؤية ويحمل بعداً فكرياً وفلسفياً على غير ما ألفناه من المجاز بوصفه أداة بلاغة مدرسية. كيف يقدم الديري مفهومه للمجاز؟

الديري: المجاز هو أن ترى بغير عيونك. أن ترى بسمعك، بأنفك، بلسانك، بيديك، برجلك، برأسك، بجسدك، بامرأة، بزهرة، بسماء، بقصيدة، بكتاب، بقصة، بنكتة. هو أن تجعل من أي شيء مشكالاً ترى من خلاله شيئاً آخر.هذا هو المجاز.

ما نراه بعيوننا لا يستوعب العالم، فعيوننا لا تستوعب العالم، نستعين بحواس أخرى كي نرى العالم، قد تكون هذه الحواس قصصا أو كتباً أو حكايات أو كتباً، لنرى بها. لذلك فالمجاز حاسة.

الإنسان لا يمكنه أن يعيش بدون أن يرى، حتى الأعمى لا يمكنه أن يعيش بدون أن ينير الظلام، وذلك بأن يتخيله في هيئة شيء آخر.في فيلم (بلاك) أنارت البطلة العمياء ظلمتها (البلاك)، بمجرد أن استعانت عيونها بنظام رمزي صارت ترى من خلاله. لقد جعلت الظلام (العمى) يرى من خلال شبكة معنى رمزية. وكأنها كانت تتمثل عبارة أدونيس في قصيدته 25يوماً “سأحاول أن أخلق عينين داخل عيني حتى أرى”.

هذا هو المجاز نظام رمزي نرى من خلاله العالم وحقائقه، أو قل المجاز عينان يجعلهما الإنسان داخل عينيه المخلوقتين، فيرى باتساع وأصالة ومرونة، أو قل المجاز أن تجعل لسمعك عينين، ولأنفك عينين، وللسانك عينين، ولقلبك عينين، ولجلدك عينين، حين يمكنك أن ترى بكل حواسك، بكلّ كلك.

ويلفتنا عبدالفتاح كيليطو في كتابه (العين والإبرة) إلى أن بعض شخصيات ألف ليلة وليلة تعبر عن الحكاية العجيبة بقولها “حكايتك حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر”. الحكاية العجيبة لا تكتب على الورق، بل تكتب على العيون، كي تكون عيناً ترى بها العين وتعتبر بما تراه. هكذا تكون الحكاية (المجاز) عيناً مجعولة للاعتبار والرؤية.

وبقدر ما يجعل له من عيون يكتمل نظره، وكان ابن عربي كما أشرت في الكتاب، يقول “الكامل من الرجال يكنى أبا العيون” لأنه كلما تكثَّرت عيونه كثرت أحواله وصوره، وصار بعيونه كاملاً.

شبكة العين لا يمكنها أن ترينا حقائق الأشياء، نحتاج إلى شبكة رمزية، نحتاج إلى شبكة ثقافية، نرى من خلالها. وهذا هو المجاز شبكة بديلة تضاعف من إمكانيات شبكة العين وتفتح إمكاناتها على تلفات بعيدة. يحتاج الإنسان إلى هذه الشبكة، وهو يفكر، وهو يعبر عن مشاعره وهو يتواصل مع غيره، وهو يفسر ما يحدث، وهو يقرر، وهو يتوقع، وهو يعترض. إنها شبكة تُمكِّنه من الخيال والاتساع والرؤية.

قيل للشاعر الفارسي الروذكي، وكان أكمه، (وهو الذي ولد أعمى): كيف اللون عندك؟ فقال مثل الجمل.

كان هذا الشاعر يرى اللون بشبكته الثقافية (عيناه المجعولتان) التي مكنته من الخيال، فهو لم يكن يرى بشبكة عينه البيولوجية(عيناه المخلوقتان)، كذلك نحن لا يمكن أن نرى بشبكة عيوننا البيولوجية، بل كل واحد منا (أكمه) تماما مثل هذ الشاعر الفارسي، في رؤية الأشياء غير المادية أو رؤية جواهر الأشياء.

وهذا الكمه الثقافي هو ما تشير إليه عبارة جبران خليل جبران “إذا كُنت لا ترى إلا ما يُظهره النور ولا تسمع إلا ما تُعلنه الأصوات فأنت بالحقيقة لا ترى ولا تسمع”

2.  وصفت المجاز بأنه الحاسة التي بها نرى الأشياء ونفسرها ونفهمها ونعيها. والحاسة كما يراها العديد من المفكرين والفلاسفة تدلنا على الواقع، لكنها لا تستطيع أن تدلنا على ما هو خارج ذلك، لأنه خارج حدودها. يقول فرانسيس بيكون “الحاسة مثل الشمس التي تكشف وجه الأرض وتحجب وجه السماء”. كيف نفهم شمس مجاز بيكون في ظل هذه المقولة وفي ظل هذه الحدود؟

الديري: المجاز حاسةsense شأنها شأن البصر أو اللمس أو السمع، هذا ما يؤكده كتاب لاكوف وجونسون (استعارات بها نحيا) . بل يمكننا أن نقول هو حاسة الحواس، فالحواس تشتغل عبر المجاز اشتغالا مكتثفا وموسعا ومرناً وأصيلا وطلقا، المجاز حاسة تتيح للحواس الطبيعية أن تبدع في إدراكها للطبيعة والعالم وأسراره وعلاقاته وروابطه. المجاز يحدث تشغيلاً مكثفاً للحواس، وهذا ما تستثمره البرمجة اللغوية العصبية التي أصبحت اليوم رائجة في برامج تنمية الموارد البشرية، وهي تحقق نجاحات مذهلة في تحسين طرق التواصل مع الناس والتأثير فيهم.

الشاعر الفارسي الروذكي، كان أعمى، لكنه تمكن من أن يرى اللون، بفضل حاسة المجاز، المجاز هو الحاسة التي لا تعطينا إياها الطبيعة، لكن تعطينا إياها الثقافة. الطبيعة تعطيك عينين لكن الثقافة تعطيك عيوناً كثيرة، تمكنك أن ترى الأشياء رؤية خاصة ومختلفة ومتفردة.

إبراهيم البزاز في رواية (قندة) كان أعمى لكنه يرى اللون، بل ويصفه لـ(عباس).قال ” هل لاحظتَ يا عبّاس؟.. تأتي نسوةُ الحيّ كلّ ضحى، فأفرش لهنّ القماش ألواناً على هذه الفرشة.. ثمَّ (يضحك خفيفاً) أصغي لأصوات دهشتهن.. أسمع أحاديثهن عن القماش واللون معاً.. هكذا أعرفُ اللون.. يا عباس أنا أسمع اللون.. أنا أسمع وطأة اللون!”

من الطريف أن فرانسيس بيكون يشبه الحاسة بالشمس في أنها ترين وجهاً وتخفي عنا وجهاً. وجه الطرافة لا يكمن في أنه برهن بشكل مجازي على محدودية الحواس في الإدراك، ولكن يكمن في أنه جعلنا نرى أن الشمس نفسها محدودة في كشفها للأشياء، فنحن دائما نستدل بالشمس على جلاء الحقيقة، ونقول إن الأمر واضح كالشمس، وننسى أن الشمس بقدر ما تجلي الأشياء وتوضحها وتكشفها وتفضحها، هي في الوقت نفسه تخفي وجوها من وجوه هذه الأشياء وتغمضها وتسترها وتظللها، فتضلنا، وهذا ما أشرت إليه في الكتاب في مجازات الظل والشمس.

والطريف أكثر في تشبيه بيكون، هو أن جاك دريدا قد لاحظ أن مسار المجازات هو مسار الشمس نفسه ، بمعنى أن مجازات  الفلاسفة والمفكرين كلها تحيل إلى الشمس وما تقتضيه من نور وظلمة وظهور وحجب وكشف وستر. وهذا يعني أن مسار التفكير الفلسفي مرتهن دوماً بالشمس بما هي حاسة إدراك ليست طبيعية بل ثقافية، أي أنه ظل مرتهنا دوماً بالمجاز.

الشمس حاسة الفلاسفة، لكنها ليست حاستهم الطبيعية بل حاستهم الثقافية، ومشكلة الفلاسفة هي دوما مشكلة حواس. فهم يؤسسون خطاباتهم على نقد إدراك الحواس الطبيعية لأنها محدودة، لكنهم ينسون أن حاستهم الثقافية (الشمس ومقتضياتها) هي محدودة أيضاً.

وإذا كان التفكير الفلسفي هو محدود كما الشمس محدودة وكما الحاسة محدودة وكما المجاز محدود، فإنه من الأولى أن يكون التفكير في تجلياته المختلفة في السياسية والاجتماع والإعلام والتربية والدين والعلوم محدوداً أيضا، وبالتالي، ليس لأي خطاب وليس لأي تفكير وليس لأي علم أن يدعي أنه أكثر إدراكاً من الشمس التي هي محدودة أيضاً.

3.  المشكالKaleidoscope أداة بصرية، تحتوي على قطع متحركة من الزجاج الملون، ما إن تتغير أوضاعها، حتى تعكس مجموعة لا نهاية لها من الأشكال الهندسية المتناسقة، المختلفة الألوان.

يقوم كتاب “مجازات بها نرى” على تقديم المجاز بوصفه أداة للرؤية. هذه الأداة -كما أوضحت- تمنحنا عيوناً كثيرة، تمكننا أن نرى الأشياء رؤية خاصة ومختلفة ومتفردة. ولعل هذا ما يحاول امبرتو إيكو أن يوضحه حين يعلن أن “في كل كلمة يلمع ألف ضوء”.

كيف يمكن أن نفهم شمس المجاز عبر مقاربتها بمشكال الرؤية والضوء والكلمة ؟

الديري: نعم، يمكننا أن نفهم المجاز على جهة أنه مشكال، المشكال يُمكِّننا أن نرى الأشياء في أشكال كثيرة، أشكال لا حد لها، وفي الوقت نفسه يُمكِّننا من أن نرى الأشياء في ألوان كثيرة، ألوان لا حد لها. للكلمات بالفعل أضواؤها وظلالها، للكلمات مسار هو مسار الشمس حيث الضوء والظلال والظلمة.

كما المشكال يمكّن العين البيولوجية من أن ترى الكائنات في أشكال وألوان لا حد لها، كذلك المجاز يمكن عيوننا الثقافية أو شبكتنا الثقافية أو نظامنا الرمزي، من أن يرى الكائنات في أشكال وألوان لا حدَّ لها. المجاز هو مشكال اللغة، اللغة التي تشكل عقولنا وأفكارنا وقلوبنا وأحاسيسنا وتواصلنا الاجتماعي.

في فيلم (بلاك) الهندي، تعلّم الفنان “أميتا بجن” الذي كان في دور المعلم من الفتاة الصغيرة ميشيل العمياء درساً بليغاً في الضوء. الظلمة التي نتجت عن انقطاع الكهرباء ذات درس، طرحت المعلم المبصر أرضاً، لكنها لم تمنع ميشيل العمياء من أن تواصل حركتها. يعترف المعلم “العين ليست مهمة مقارنة بالضوء. ففي الظلمة حتى العينان تغدوان بلا فائدة”.

كل منا لديه عينان، لكن ليس كل منا لديه ضوء، كل منا لديه لغة، لكن ليس كل منا لديه مجاز. المجاز هو الضوء الذي يُمكّن عقولنا وقلوبنا من أن ترى، ويُمكّن لغتنا من أن تكون بفائدة. اللغة بدون مجاز عينان بلا فائدة أو عينان في غرفة مظلمة، ولا يمكن للإنسان أن يفكر بلغة عيناها غرفة مظلمة.

إنها لغة غير مشكالية، واللغة غير المشكالية أي التي ليس لديها مشكال (مجاز) لغة ترى العالم بلون واحد ،هو لون الظلمة.

كان المعلم يخاطب الطفلة العمياء ميشيل “انهضي سيدة ميشيل. لقد مررنا جميعا من خلال هذه الظلمة. الظلمة التي تعيشين فيها أنت، لذا لا تبقي في نفس العتمة. تعالي إلى حيث الضياء”

نحن نكتسب  الضياء، نتعلمه، نَثْقُفُه، كان يناديها كي تأتي إلى الGuf-BLACK-Amitabh-Raniضياء، كي تصنع لها شبكة ترى من خلالها العالم، شبكة رمزية، شبكة ثقافية، شبكة مكتسبة، شبكة تصنعها هي بالتعلم، نحن بدون شبكة غرفة من غير ضوء. الضياء هو ما نصنعه نحن بالتعلم والثقافة، وبالنسبة للغة، نحن لا نستطيع أن نصنع شيئاً في قواعدها النحوية، لكن نستطيع أن نصنع شيئا في تركيبها ودلالتها كي نجعلها تضيء، حين نصنع لها مشكالاً سنخرجها من العتمة ونجعلها تضيء.

كان المعلم يريد من ميشيل أن تعبر الظلمة، وهي ظلمة يعيش فيها كل من لا يملك مشكالاً يضيء به العالم في ألوانه المختلفة. معظمنا لا يمر ولا يعبر ظلمته، من يملك عينان يعبر ظلمة واحدة، لكن من لا يملك ضوءاً لا يمكنه أن يجتاز أكثر من ظلمة واحدة، هي الظلمة البيولوجية.

تقول ميشيل “كنت أنظر في ظلمتي. وكنت أنت من جلب ذلك الضوء المتلألئ” لقد جلب لها المعلم مشكالاً فصار ضوؤها متلألئاً ” في ذلك اليوم ربحت معركتك الأولى ضد ظلامي”

الانتصار هو أن نرى، انتصرت ميشيل حين صارت ترى بغير عينيها، حين صارت ترى “المعرفة هي كل شيء. هي الروح، الحكمة، الشجاعة، الضوء والأصوات. المعرفة هي إنجيلي، الرب. المعرفة هي معلمي”

انتصرت ميشيل على ظلامها، حين صارت المعرفة هي مشكالها الذي يضيء عالمها، حين صارت لها إجاباتها الخاصة والمتفردة التي تقدمها بين يدي العالم. سئلت ميشيل: كم محيطاً يوجد في هذا العالم، فأجابت: بالنسبة لي كل قطرة ماء هي محيط.

انتصرت ميشيل حين صارت ترى بحاستها (المجاز هو الحاسة)، حين تمكنت من لمس الأشياء التي لم ترها عيون الآخرين، حين أمتلكت القدرة والجرأة على تسمية ما تحسه وما تلمسه ” عندما نقف أمام الرب، كل واحد فينا أعمى، فلا واحد منا قد رآه أو سمعه يوماً، لكن أنا لمسته وأحسست بوجوده، واسميته معلم”

هكذا إذن هو المجاز، أن نرى، هو أن ننتصر، هو أن نجعل من كل شيء ألف ضوء، هو أن نجعل من كل قطرة ماء محيطاً، حتى لو لم نكن نملك عينين.

4. بعد هذا الابحار عميقاً في محيط عين ميشيل (غير الطبيعية)، وبعد التوسع المليئ بالاضاءات غير المنتهية لمفهوم المجاز باعتباره عيناً (غير طبيعية)، قد يمكننا تسمية المجاز أنه العين المتصرفة في الرؤية. هذا التصرف، كما أكدت في الكتاب، وكما أخذنا إليه الحوار، يأتي متأثراً بتجاربنا الفردية والجماعية والثقافية التي نعيشها، بل أنه لا يستطيع أن يرى إلا من خلالها. وهو ما أشرت إليه بتصرف الشاعر الروذكي الأعمى في وصف اللون بأنه جُمل، وهو ما جعل من ميشيل تتصرف في وصف اللون الأسود (الوحيد الذي تراه عينيها الطبيعيتين)، فتعطي له معان جديدة، وتعلن في يوم تخرجها “الأسود ليس مجرد العتمة والاختناق. بل هو لون النجاح أيضاً والمنجزات. هو لون رداء التخرج الذي نتقاسمه اليوم”.

كيف يمكن أن نفهم فعل الثقافة الجماعي من خلال المجاز؟ وكيف يمكن أن نفهم فعل المجاز الفردي من خلال الثقافة؟ كيف تنسج الثقافة شبكة العين غير الطبيعية، وكيف تنسج إنسانها الفرد؟ وكيف يتصرف هذا الفرد في شبكته الثقافية الجماعية؟

الديري: يجب أن نلتف إلى أن تصرف الشاعر الروذكي الأعمى في اللون وتصرف ميشيل في الظلمة، هي تصرفات فردية، وهما بهذا التصرف الفردي يمثلان تفردهما وإبداعهما، ويمكننا أن نفهم هذا التصرف ضمن الإمكانات الواسعة التي يتيحها المجاز للفرد كي يمارس وجوده على نحو مبدع، إلا أن هناك مجازات تقع على مستوى الثقافة ويستخدمها الفرد ضمن أفق الجماعة الرمزي ويرى بأفقها، وظيفة هذه المجازات تختلف عن وظيفة المجازات الفردية، فالمجازات التي تقع على مستوى الثقافة تمارس هيمنتها وبرمجتها لرؤيتنا، والمجازات التي يبتكرها الفرد هي وجه من وجوه صرفه لهذه الهيمنة، فالظلمة والسواد تنظر إليهما الثقافة التي ينتمي إليهما الروذكي وميشيل نظرة غير محببة وهما علامة على الجهل ونقص المعرفة، لكن تصرف ميشيل وتصرف الروذكي أعطى لهذه المجازات معاني جديدة وحياة جديدة وإمكانات جديدة، وبهذا صرفا الوجه السلبي الذي صنعته الثقافة لهذين الرمزين.

ولأتوسع أكثر في الجواب على هذا السؤال، سأستعين بثلاث جمل وقعتها إهداءات لأصدقاء ينتمون إلى حقول معرفية مختلفة لكنها متداخلة، الذين يشتغلون في النقد الثقافي أهديتهم كتابي موقعاً بالإهداء التالي “المجاز تمثيل تقوم به قوة تريد أن تفرض حقيقة ما” والذين يشتغلون في الانثروبولوجيا كتبت لهم الإهداء التالي “كل ثقافة تودع حقائقها في أرشيف من المجازات” والمختصين بعلم الاجتماع، كتبت لهم “بالمجازات يأتلف المجتمع ويختلف”.

الثقافة كما يقول (غرامشي) هي شبكة من المعاني والرموز والإشارات التي نسجها الإنسان بنفسه، لإعطاء الغاية والمعنى لنفسه وجماعته والعالم والكون من حوله. تراكم الثقافة منتوجاتها فتصنع أرشيفاً يمثل ذاكرة ولا يمكن أن تكون لنا ثقافة أو يكون عندنا مجتمع بدون ذاكرة.

تعمل الثقافة كشبكة رؤية للفرد كي يرى من خلالها العالم، وكي تنتمي إلى ثقافة ما يجب عليك أن تنتمي إلى شبكة رؤيتها، ولأن الثقافة بناء رمزي لطيف جماعي فلا بد لهذا البناء أن يتجسد في شكل يكون بمثابة الحاسة لجماعة ما. هذه الحاسة الجماعية تتبدى في شكل جسد مجازي. حين نريد أن نعرف شبكة الرؤية التي تُمكِّن من خلالها الثقافة العربية الفرد المنتمي إليها من إدراك معنى الكرم أو الموت أو الشرف أو الكرامة أو المرأة أو الشك أو اليقين أو الحب أو الآخر، فإننا نبحث في أرشيفها الرمزي الذي هو أرشيف مجازاتها.

هذا ما فعلته مثلا في مجازات الشك، حين رحت أرى كيف مثَّلت مجازات ثقافتنا هذا المفهوم في معتمداتها، أي في كتبها وأصولها المعتمدة التي تعود إليها وتثق فيها. وهذا ما فعلته حين رحت أرى كيف تمثلت ثقافتنا مفهوم المعرفة والحب من خلال ابن عربي. وحين أردت أن أعرف كيف تشكلت شبكة رؤيتي الثقافية التي رأيت من خلالها المرأة، رحت أنقب في مجازات ثقافتي الدينية. هكذا إذن تصوغ الثقافة حقائقها الجمعية في صيغ مجازية، وبذلك تُكوِّنُ أرشيفها الذي يعود إليه الفرد كل ما أراد أن يفهم شيئاً ما أو يراه أو يضيئه أو يتعلمه.

وهذا ما يؤكده الأنثروبولوجي (كليفورد غريتز) حين يذهب إلى أن الدين يشمل صورا واستعارات وتشبيهات يستخدمها معتنقوه لوصف وتحديد الحقيقة. وهذا ما جعله في الخمسينيات والستينيات يلجأ لأسطورتي سونان كالجيكا وسيدي الحسن اليوسي، لفهم إسلام المجتمع الأندونيسي والمجتمع المغربي في دراسته الشهيرة (الإسلام من وجهة نظر علم الإناسة)

ما تودعه الثقافة في أرشيفها، يبقى عرضة للاستخدام والتوظيف دائماً بين القوى المتصارعة في المجتمع. حين مثَّل حكماءُ ملك المغرب المرأة (راجع مجازات السم) بمجازات الأفعى والسم، كي يسمموا فكرة تعليم المرأة، كانوا هذه القوة التي قصدتها في جملة “المجاز تمثيل تقوم به قوة تريد أن تفرض حقيقة ما”.

ولكل قوة في المجتمع مجازاتها التي تمثل بها مفاهيمها لما يدور في المجتمع، وهي تأتلف مع بعضها أو تختلف بما تمثله هذه المجازات من حقائق “بالمجازات يأتلف المجتمع ويختلف”.

5. سأقتطف هذه العبارة من إجابتك ” تصرف ميشيل وتصرف الروذكي أعطى لهذه المجازات معاني جديدة وحياة جديدة وإمكانات جديدة، وبهذا صرفا الوجه السلبي الذي صنعته الثقافة لهذين الرمزين”. سأقف مرة أخرى عند التصرف بما هو فعل يمارسه الفرد في داخل ثقافته الجماعية؛ فإذا كانت عين الفرد (غير الطبيعية) محكومة بشبكة ثقافية تشكل رؤيته وتهيمن عليه وتخضعه لها. كيف يمكن لهذا العين أن تتصرف في وجوه الأشياء خارج حدود هذه الشبكة وخارج رؤيتها؟ كيف يمكن صرف الوجه الذي تصنعه الثقافة للأشياء وتبديله بوجه آخر؟

في مجازات الشك، ذهبت أنت لترى كيف مثَّلت مجازات ثقافتنا هذا المفهوم في كتبها وأصولها المعتمدة التي تعود إليها وتثق فيها، لكنك من خلال تشييدك لمفهومك عن الشك، عملت على صرف الوجه السلبي الذي صنعته الثقافة لمفهوم الشك، أي أنك لم تقف عند حدود هذه الشبكة ولم تخضع لبرمجيتها، فصرت ترى في الشك حياة وحركة ومعرفة ونطقاً وتصرفاً، في حين ترى شبكتنا الثقافية فيه كفراً ورجسا وفسقاً وجحداً ومعصية.

كيف يمكن للفرد الخروج على شبكته الثقافية، والتصرف بخلافها وهي عينه المجازية؟

يمكنه فعل ذلك، حين يكون قارئاً من الدرجة الثانية، أي حين يخضع شبكته الثقافية التي هي حاسته وضوؤه وعينه غير الطبيعية، حين يخضعها للقراءة والنقد والفحص. المجاز بقدر ما هو حاسة ترينا، هو حاسة تعمينا أيضاً، وكما الحواس يصيبها الوهن والعطب، يصيب مجاز ثقافتنا الوهن والعطب ويفقد قدرته على الاتساع والإبصار.يمتاز الإنسان بالتصرف، وهذا ما يتيح له أن يصرف وجوه شبكته الثقافية التي يولد فيها ويربى فيها ويألف مجازاتها التي تبدو وكأنها حقائق مطلقة ومنتهية.تشتغل المجازات عبر الشبكات الثقافية على جهة أنها أدوات ترويض وإقناع وصياغة، وهي تصوغ حسنا المشترك عبر القصص والحكايات والمرويات والحكم والأمثال. إنها تصوغ حسنا المشترك في تشكيل خطابي قوامه “فضاء من المجازات والإحالات أو نظام من القواعد والإحالات”

وتجعل الثقافة من محتويات هذا الفضاء مقدمات برهانية تسوقها في شكل أدلة تحاجج بها، وكأنها مسلمات لا تقبل الجدل، ولأوضح ذلك بشكل أفضل، سأناقش الأمثلة التالية المأخوذة من خطاب ثقافتنا: الخليفة ظل الله، الشعب رعية الخليفة أوعائلة الملك، الدولة جسد سياسي، الوطن دار الإسلام، دولة الخلافة حامية بيضة الإسلام.

الموضوعات (الخليفة، الشعب، الدولة، الوطن، دولة الخلافة) محمولاتها (ظل الله، رعية، عائلة، جسد، دار، بيضة) مجازية. الفكر هو تركيب أو إسناد محمول إلى موضوع. بهذا التركيب نربط بين الأشياء ونخلق الوجود وفق شبكة ما. أي أن شبكتنا الثقافية التي بها نرى هي التي تربط بين الموجودات (الموضوعات والمحمولات) وهي تقيم ارتباطات مجازية، تركب من خلالها واقعاً ما. وهذا ما يدحض فكرة أننا يمكننا النظر للواقع بشكل موضوعي صارم. فالإنسان لا يمكنه أن ينظر إلى حقائق الواقع إلا بحاسة ثقافية (مجاز). وكل ما ندركه بهذه الحاسة، فهو مقاربة للحقيقة وليس قبضاً عليها.

وهذا ما يسمح لنا بالقول إن المجاز دليلنا على الحقيقة، لكنه ليس (الدليل) أي ليس الدليل بـ(أل) التعريف، الدليل بـ(أل) التعريف يغلق الأشياء ويختم على فهمنا بدل من إن يفتحه. الدليل بغير بـ(أل) التعريف يفتح طرقا كثيرة للاقتراب من حقائق الأشياء، أو لنقل بحسب تعبيرات الفلاسفة طرق كثيرة للنظر في الأشياء، والنظر يحيل إلى العيون، وهي في هذه الحالة عيون غير طبيعية بالتأكيد، أي عيون ثقافية وهي ما سميناها (مجازاً) أو(حاسة). علينا أن ننظر إلى جمل الثقافة وقاضياها ومحمولاتها وأدلتها وحقائقها ويقينياتها على أنها تركيبات مجازية ندرك من خلالها الواقع بنظر ما.

لقد قلت ذات مرة وأنا أراجع شبكتي الثقافية التي ركبت سيرتي وفق نظر ما “رحت أقرأ مخيلتي الجماعية التي تشكلت طوال هذه القرون، أخذت أفكك مفاصلها الكبرى، فبدت لي مجازاً كبيراً منحه التاريخ والتقديس ما جعله يبدو في صيغة حقائق وثوابت لا يمكن أن تهز. حين يهتز مجازك يهتز حسك المشترك، فتفقد أمان الحقائق الجمعية”

تشتغل المجازات في خطابات الثقافة وتصوغ تصورات ناسها ورؤاهم وقيمهم، للوطن والسياسة والحكم والحق والمواطنة، لذلك فهي جمل ثقافية، وبقدر ما نفهم كيف أنها تركيبات مجازية، سنفهم كيف أن المجاز ليس مسألة جمالية فقط وليس سطحاً فقط وليس جملة فقط، بل هو تركيب ثقافي معقد يحيل إلى أنساق تتطلب حفراً مضنياً في خطابات عدة كي نكتشف خارطة عمله في الثقافة.

لذلك حين يستخدم أحدنا مجاز ما، فإنه يحيل إلى شبكة ثقافية ما، إن فهم الخليفة مثلا من خلال (ظل الله) وإضافات الرعية، كما في قول ابن المقفع “لتعرف رعيتكَ أبوابكَ التي لا ينالُ ما عندكَ من الخيرِ إلا بها” سيحيلنا إلى شبكة الآداب السلطانية وثقافتها، وهي كتابات تقوم في أساسها على مبدأ نصيحة أولي الأمر في تسيير شؤون سلطتهم. تحليل هذه الشبكة سيعرفنا كيف اشتغل المجاز في تركيب فكرنا السياسي (الآداب السلطانية)، وما الذي بقي إلى اليوم يشتغل فيه بواسطة هذه المجازات.

6.  إذا كان خطاب الثقافة يشتغل بحاسة العين (المجاز)، فهل خطاب العلوم (العلوم الإنسانية خصوصاً كعلم الاجتماع والسياسة والتاريخ والبلاغة والنقد والإناسة) يشتغل أيضا بهذه الحاسة؟

هناك مثل فارسي على ما أظن يقول “عقولهم في عيونهم”. قرأته في دراسة للمفكر الإيراني عبد الكريم سروش، وهو يسوقه في مجال التدليل على أن الناس تفهم الأشياء التي تراها بعيونها وتعقلها، ولا تذهب إلى أبعد من ذلك لفهم أصولها ومبانيها.

في كتابي أنا أذهب إلى أن هذا المثل “عقولهم في عيونهم”، لا ينطبق على عامة الناس فقط، بل على سروش نفسه، وعلى جميع المفكرين والفلاسفة والعلماء، إلا أن الفرق بين عيون الناس وعيونهم، يكمن في أن عقول الناس أقرب إلى عيونهم البيولوجية، وعيون المفكرين أقرب إلى عيونهم الثقافية التي يصطنعونها. لكن كلاهما ينظرنا من خلال عين واحدة هي عين تجربتهم الجسدية، بدليل أنهم يسمون أهل النظر، لأنهم يشيدون من خلال هذه العين المشتركة عيناً أخرى أكثر لطافة وأنفذ بصيرة، وهذه العين هي حاستهم، هم أهل نظر لأنهم أهل حاسة غير طبيعية، هذه الحاسة هي ما سميناه المجاز.من غير هذه الحاسة لا يمكنهم أن يتمايزوا ولا أن ينظروا. بقدر ما يجودون من حاستهم هذه، وبقدر ما يصقلونها بتصرفهم، يمكنهم أن ينظروا ويروا ويتخيلوا ويجدوا. إذن كلنا عقولنا في عيوننا، وهذا ربما هو معنى عنوان كتابي (مجازات بها نرى).

وكي يكون كلامياً مدعماً بالأدلة والأمثلة، سأستعرض مجموعة من العيون التي كان يشيد من خلالها أهل النظر عوالم علومهم.

يشيد الناقد (مصطفى ناصف) مفهومه للتأويل والفهم عبر المجازات التالية:

“التأويل هو المعنى الغائم المستور الذي نحلم به ونشتاق اليه. التأويل سبيل للتوافق مع الوقائع المتdark غيرة للحياة. الأقنعة تأويل. التساؤلات المستمرة لب التأويل. التأويل يمحو ويثبت. التأويل يحرك الماء من خلال ما يقوله وما لا يقوله معاً. التأويل نهوض بالواجب. التأويل إحياء لثقافتنا. التأويل عطاء لوجودنا. التأويل فلسفة يراد بها وجه الإنسان لا وجه التحليل … الفهم إعداد حسن لعميلة التغيير. الفهم معالجة الحياة.الفهم توسيع الأفق.الفهم استيعاب الأشياء التي لا تقع في دائرتنا”

صار التأويل عيناً يمكنها أن ترى بقوة بصيرة نافذة، بفضل تصرف هذا الناقد الفذ بهذه الحاسة، ولأنه استثمر تجربته الحسية بطلاقة ومرونة، استطاع أن يجعل من التأويل مفهوما مبدعاً له القدرة والقوة على الاتساع والتقلب والنماء والحياة، وتلك هي شروط المفهوم الحي الموصول بسياق التداول، كما يقول طه عبدالرحمن في كتابه فقه الفلسفة.

المثال الآخر هو مقدمة ابن خلدون، لقد أنشأ ابن خلدون علمه الجديد في مقدمته من خلال تصرفه في الجسد، جعل منه عيناً يرى من خلاله الدولة والمجتمع، لذلك فبقدر ما نحسن فهم جملة “الدولة جسد”، نفهم مقدمة ابن خلدون، ونفهم جدل تناقضاته، ونفهم سر عظمته.

كان ابن خلدون يرى ما يعرض للبشر في اجتماعهم من عصبية وعمران ودولة، من خلال طب الجسد الإنساني بأعضائه وأحشائه،

لقد تصرف في هذه العين (الجسد) تصرفاً طوعه ليكون أداة رؤية، نبدع في ابتكار موضوعنا بقدر ما نبدع في التصرف بالعين التي نراه بها كانت مقدمة ابن خلدون مبدعة ومبتكرة للعمران البشري والاجتماع الإنساني وما يتقوم بهما من عصبية وحسب ونسب ومدن وبوادٍ. كانت مبدعة بتصرفها في الجسد

ابن خلدون كان يرى في القوة التي هي قوام الجسد، حقيقة الدولة، كان مشغولاً بفهم قوانين هذه القوة، تماما كانشغال الطبيب بقوانين قوة الجسد، كيف هو واقع الجسد؟ كيف يولد؟ كيف ينمو؟ كيف يقوى؟كيف يضعف؟ كيف يمرض؟ كيف يهرم؟ كم عمره الافتراضي؟ كيف يكون في قوته وضعفه ومرضه وصحته؟

كان يفهم كيمياء الدولة من خلال كيمياء الجسد، ومعرفة هذه الكيمياء كانت مدينة إلى الطب الوسيط الذي يتأسس على العناصر الأربعة (الماء والهواء والنار والتراب) والأخلاط الأربعة (الصفرة والدم والبلغم والسوداء) والطبائع الأربع (الحار والرطب والبارد واليابس) للجسد. بهذه المعرفة الطبية، راح ابن خلدون يؤسس معرفته العمرانية، لفهم الدولة والعصبية وجدل البداوة والحضارة. كيف تتفاعل هذه الرباعيات في الجسد؟ وكيف يغلب بعضها بعضاً؟ وكيف يقضي بعضها على بعض؟

حين نقول اليوم إننا نفهم الدولة بأنها جسد ونفهم الحقول المختلفة في الدولة بالإحالة على الجسد فنقول: الجسد الصحفي، الجسد الطلابي، الجسد القضائي، الجسد الاجتماعي، فإننا كأننا نقول قالت مقدمة ابن خلدون.

الآلية نفسها وظفها توماس كون صاحب كتاب (بنية الثورات العلمية) الذي خصصه لفهم طبيعة الثورات العلمية، أي كيف يحدث الانتقال من إطار فكري أو نموذج إرشادي إلى  آخر(paradigm) وجد مجاز الثورات السياسية أفضل نموذج لفهم هذه الطبيعة، وراح يوسع هذا الفهم من خلال إطار هذا المجاز. فصارت الثورات السياسية هي عينه التي تصرف بها ليرى موضوعه.

يمكن أن نختم الأمثلة بنيتشه الذي عرف الحقيقة بأنها اضطراب من المجازات. يشيد نيتشه مفهوم القيمة من خلال مفهوم وجهة النظر ويعرف كلا المفهومين من خلال عين الوجه.

تعني القيمة عند نيتشه وجهة نظر، أي ما يتجه نحوه الوجه –حرفيا- كشرط لارتقاء كيان معقد ذي حياة قصيرة نسبياً موجود في صيرورة. القيمة ما يتوجه نحوه الوجه فتنفتح له الرؤيا. القيمة تعني وجهة النظر وهي لناظر ومن أجله، إنها قيمة في عينيه، أي بمقدار ما يراه هو وبمقدار ما يضعه هو فيها، وبهذا المقدار تصبح محط أنظاره ومقصده ومن ثم موضوع فعله. للذلك فالقيمة هي ما يوجه الوجه نحوه. وهي يلفت الوجه نحوه، وهي حسب تعبير هيدجر قبلة النظر.

الحياة الجديرة بالعيش حسب نيتشه هي الحياة التي لها قيمة= وجهة نظر= قبلة نظر=لفتة الوجه= محط أنظار كائن=موضوع فعل كائن. قيمة تصنعها إرادتنا، تلك هي “إرادة القوة” وهي عنوان كتاب نيتشه الذي ختم به حياته.

للتوسع في هذا الموضوع يمكن مراجعة دراسة دكتور غانم هنا “نيتشه:فاصل بين حديث ومعاصر.. تجاوز هيجل” عالم الفكر،إبريل2002.المجلد30.ص14

في حوار مع محمد خاتمي: خاتمي متسلِّلاً بين غصن الثقافة الحلو وغصن السياسة المُرّ

 

علي الديري محاورا محمد خاتمي في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للدراسات والبحوث (يونيو2006)
علي الديري محاورا محمد خاتمي في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للدراسات والبحوث (يونيو2006)

 

  • حوار الحضارات ليس بحثاً عن حضارة جديدة تتسلّط على الحضارات الأخرى بل جعل الحضارات أغصانا تتداخل ببعضها.
  • الآداب السلطانية والأحكام السلطانية ما هي إلا آداب وأحكام تبرّر استبداد الأنظمة الحاكمة من خلال الفكر والدين.
  • الحكومة الدينية أو غير الدينية، لابد أن تنبثق عن كامل إرادة الشعب وتبقى خاضعة لرقابته.
  • ما لم تكن السياسة كمالاً انسانياً، تصير غصناً مراً لاحلاوة فيه. 
  • لست على استعداد أن أبادل لحظة واحدة من لذة الجمع بين غصن الأخلاق والثقافة، بعمر كامل لسياسة مُرّة لا تتسلل إليها الأخلاق ولا تبللها الثقافة.
  • ممكن أن تكون ولاية الفقيه إضعافاً للمجتمع.

“ولو أن غصناً مريراً وصل بآخر حلو لتسللت إلى طبيعته تلك الحلاوة” جلال الدين ابن الرومي.

 على الرغم من امتلاء برنامجه السياسي والثقافي في الفترة القصيرة التي يزور فيها مملكة البحرين، بدعوة من مركز الشيخ إبراهيم للدراسات والبحوث، تمكن غصن “الوقت” من التسلل إلى غصن محمد خاتمي الرئيس السابق للجمهورية الاسلامية  في إيران، ورئيس مركز حوار الحضارات حالياً، ليصل معه عدد من الأغصان المتفاوتة في درجة حلاوتها ومرارتها.

في هذا الحوار نفتح أغصان مدينة خاتمي على السؤال الذي يرى فيه فعلاً ولجة ومحجة وتفكيرا حقيقيا وإثباتا لوجود الإنسان.

في هذا الحوار نفتتح مدينة خاتمي التي تتعايش فيها التطلعات والمخاوف والآمال، والدين والتصوف والثقافة والسياسة والفكر والشرق والغرب والماضي والحاضر، مدينة خاتمي  مدينة بطعم حوار الحضارات، وهي ملتقى طرق للسعادة بعدد أنفاس الحضارات. أجريت هذا الحوار في مركز شيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للدراسات والبحوث، علي هامش زيارة الرئيس محمد خاتمي للبحرين في يونيو2006 بدعوة من المركز.

رطوبة المثقف

كان جلال الدين ابن الرومي يقول  “ولو أن غصناً مريراً وصل بآخر حلو لتسللت إلى طبيعته تلك الحلاوة”. هل تسللت حلاوة غصن الثقافة إلى مرارة غصن السياسة في تجربتك الرئاسية التي تبللت أكثر من مرة برطوبة دموعك الحرة الحارة؟ هل استحالت طبيعة السياسة بتسلل حلاوة الثقافة؟

خاتمي: أعتبر نفسي مثقفاً بالدرجة الأولى، وأحب كثيراً أن أنظر إلى السياسية من هذه الناحية. اعتقد أنني حاولت خلال تواجدي في المسرح السياسي أن أنظر إلى السياسة من هذه الزاوية. لكن للأسف الشديد فإنه في السياسية فراغ كبير لواحدة من أهم عناصر الثقافة وهي الأخلاق.

 البعض يقول أن هناك تناقضاً بين الأخلاق والسياسة، هذا الأمر يعتمد على كيف نعرِّف السياسة، فإذا كانت السياسة من أجل تدبير الحياة المعيشية الفضلى للإنسان، وكانت تهدف إلى الارتقاء بالكمال الانساني، فإن السياسة بهذا تكون هي المظهر الكامل للأخلاق، لكن إذا كان تعريفنا للسياسة هي السيطرة على السلطات والإمساك بها، وأن نعتبر السياسة متسلطة على الشعب بدلاً من أن تكون منبثقة عن إرادته، عندها تكون السياسة غصناً مراً محضاً، لا ثقافة فيه ولا أخلاق. 

أميل كثيراً لرؤية السياسة من الجانب الثقافي، أما كم كنت موفقاً في هذا فأتركه لحكم التاريخ. لكنني لست على استعداد أن أبادل لحظة واحدة من لذة الجمع بين غصن الأخلاق والثقافة، بعمر كامل لسياسة مُرّة لا تتسلل إليها الأخلاق ولا تبللها الثقافة. 

بيم موج السياسة

هل الثقافة في تجربتك استطاعت أن ترطب غصن السياسة المر؟

خاتمي: هذا ما يجب أن يكون، لكنه في عالم اليوم أمر صعب المنال. السياسة كما تمارس اليوم هي استخدام للسلطات وتطويع لها، وهي تستثمر الفلسفة والدين من أجل بسط سلطتها ونفوذها، لكننا إذا ما أردنا أن نلطف ونطوّع السياسة، فليس أمامنا خيار آخر غير أن نجعل الأخلاق تتسلل في طريق السياسة، حتى تتمكن الحلاوة من تطويع المرارة وترطيبها. البعض يقول إأنها آمال بعيدة لكننا نسعى للنجاح في هذا الطريق.

هل هذا الممكن، هو ما يعبر عنه مفهومك ( بيم موج) الذي استخدمته عنوانا لكتابك (بيم موج.. المشهد الثقافي في إيران: مخاوف وآمال). البيم موج بما هو حالة بين الأمل والخوف والتطلعات والآمال، هل هذه الحالة كانت مسيطرة على ممارستك في المشهد السياسي؟ 

خاتمي: بالتأكيد، الإنسان لديه آمال عادة، وفي طريق تحقيق آماله هناك معضلات ومشكلات، لذلك دائماً الحياة بين الخوف والرجاء. محاضرتي في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، كانت تحت هذا العنوان، العالم الإسلامي بين المخاوف والآمال.

مدينة خاتمي

يقول أفلاطون ملخصاً تجربته “هكذا أيقنت، بعد طول فكر وتحقيق، أن جميع المجتمعات تدار بطريقة غير مرضية، وأن هذا الوضع لن يتغير أبداً إلا باتخاذ طريقة خارقة للعادة في المعالجة (…) إن الفلسفة هي وحدها التي من شأنها أن تنظم حياة الناس الخاصة والعامة، لا منجاة للناس من المآسي والشرور إلا متى أمسك الفلاسفة الحقيقيون بزمام المجتمع أو أقبل من بيدهم أزمة الأمور على الفلسفة” مدينة السياسة، خاتمي، ص58. كان مشروع المدينة الفاضلة عند أفلاطون حلاً خارقاً للعادة في معالجة الوضع السياسي. فهل حوار الحضارات عند خاتمي  حلاً خارقاً للعادة في معالجة الوضع السياسي، بعد أن تعولمت المدينة السياسية؟

خاتمي: ما يعرضه أفلاطون هو نوع من اليوتوبيا التي لم تتحقق. أفلاطون كان يعتقد أن الفيلسوف مطّلع على كافة الحقائق، لكن الواقع ليس كذلك، الإنسان محدود دائماً.

 لدينا مفكرون كانوا يعتقدون بأن لديهم المعرفة الفلسفية الكافية، لكنهم عندما تبوؤوا السلطة استخدموا معرفتهم في سبيل تحكيم هذه السلطة.

 المدينة الجميلة لأفلاطون هي مدينة خيالية. لكن الفارابي الذي تأثر بالفلسفة الإسلامية لديه طرح مختلف. أفلاطون يقول إن الملك يجب أن يكون حكيماً والحلكيم ملكاً، أما الفارابي فيقول إن الحكيم النبي يجب أن يكون ملكاً، وبالتالي فإن الحكيم العاقل يجب أن يكمِّل عقله من خلال الوحي، هذا هو الفرد الذي يستطيع أن يقيم الحكومة الفاضلة. هناك نظريات سياسية كثيرة تطرح في العالم اليوم، لا أريد الخوض كثيراً في هذه الأمور النظرية الآن.

حوار الحضارات ليس مدينة يوتوبية أو خيالية، بل هو أمر واقعي وممكن، لأن الحضارات والثقافات أمر واقع ويمكن لمسه، لم يكن هناك يوماً صراع بين الحضارات، بل كان هناك أخذ وعطاء وتبادل بين هذه الحضارات. الشعوب في تعاملها مع بعضها البعض هي التي كانت تصنع الحضارات. فإذا كانت الحضارات أمر واقعي، وإذا كان هذا الأخذ والعطاء أمر طبيعي قائم بينها، فإن حاور الحضارات يحاول أن يجعل هذا التبادل العفوي أمراً واعياً ومتعمداً. 

حوار المرايا

حوار الحضارات ليس البحث عن حضارة أخرى جديدة تتسلّط على الحضارات الأخرى، بل هو من أجل تعرف الحضارات على بعضها البعض. في هذا الحوار تكون الحضارات مريا بعضها البعض، تستطيع هذه الحضارات أن ترى كمالها في مراياها كما ترى نواقصها. حوار الحضارات هو جعل الحضارات أغصانا تتداخل ببعضها البعض.

 لذا أعتقد أن مدينة أفلاطون هي حل أقرب للخيال من الواقع. بينما حوار الحضارات هو حل ينظر إلى الواقع وينطلق منه.

لماذا إذن ذهبت إلى أفلاطون وإلى مدينته وتحدثت عنها في كتابك مدينة السياسة؟

خاتمي: كنت أدرس ذلك في الجامعة، والدورة الثالثة لهذا الموضوع لا تزال ناقصة، أتمنى الآن من خلال تفرغي أن أكمل هذه الدورة. كانت لدي دورة في الجامعة طرحت فيها الفكر الغربي السياسي منذ أفلاطون وحتى المرحلة الليبرالية. الحلقة الثانية هي حول الفكر السياسي في الإسلام منذ انتهاء عهد الخلفاء الراشدين وحتى اللحظة التي تعرّف فيها الفكر الغربي للفكر الاسلامي. طوال هذه الفترة أي خلال 12 قرناً كان الظلم والاستبداد هو السائد، والدين والفكر كانا واقعين في فخ الاستبداد. 

الدورة الثالثة التي أعمل عليها الآن هي العالم الاسلامي في حالة الركود والضعف والهوان، وهو في حالة من التعرّف على العالم الغربي الذي هو في حالة التسلط والغلبة والهيمنة. لدينا في العالم الاسلامي مشكلات في الفكر الاسلامي والفكر الديني والواقع السياسي الذي نعيشه، وما هو الطريق الذ نبحث عنه، لذلك أنا لم أناقش فكر افلاطون بشكل خاص، وإنما تناولته في سياق الحديث عن الفكر السياسي الغربي. أتمنى أن يوفقني الله أن أدرس وأبحث وأطرح وأضع الحل، ولدينا مثل يقول إن طرح الآمال على الشباب ليس كثيراً ( يقول خاتمي ضاحكاً).

آداب التبرير

في كتابك مدينة السياسة: فصول من تطور الفكر السياسي في الغرب، تقرر إن أية محاولة علمية وفكرية في المجال السياسي لن تؤتي ثماراً إذا لم تتعرف إلى الفكر الغربي. ماذا عن الفكر السياسي في الحضارة الإسلامية أو في حضارة المسلمين؟ هل يمكننا التعويل على ما عرف في حضارتنا بالآداب السلطانية التي أسس لها ابن المقفع بثقافته الفارسية، وهي آداب تقوم في أساسها على مبدأ نصيحة أولي الأمر في تسيير شؤون سلطتهم، إذ تتضمن كل موادها مجموعة من النصائح الأخلاقية والقواعد السلوكية الواجب على الحاكم اتباعها، بدءاً مما يجب أن يكون عليه في شخصه إلى طرق التعامل مع رعيته مروراً بكيفية اختيار خدامه واختبارهم وسلوكه مع أعدائه؟

خاتمي: الآداب السلطانية والأحكام السلطانية وما كتبه كل من الماوردي وابن المقفع، ما هي إلا آداب وأحكام تبرّر الاستبداد للأنظمة الحاكمة من خلال الفكر والدين، وهذا ما أشرت إليه في كتابي الثاني الدين والفكر في شراك الاستبداد. كل ما عملوه هو أنهم أخذوا من معين الفلسفة والفكر والدين ما يبرر الاستبداد والقمع والظلم، وهذا مابرر لقيام  سلطات ملكية قبل الاسلام استفادوا من معين هذا الفكر، على الرغم من كون هؤلاء المفكرون على قدر عال من التميز، لكني أرى أن أفكارهم باطلة، لذلك أعتقد أننا بحاجة إلى مقترحات وأفكار ومشروعات جديدة تقدم قراءات مختلفة ونظرة مختلفة للحكم والسلطان. من خلال اطلاعنا على الغرب وأفكاره يمكننا أن نستخلص أفكاراً جديدة، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نبني مستقبلاً جديداً.

ولاية الشعب

بحسب ما تنقل عن فيلسوف الفكر السياسي الغربي جون لوك (1632 – 1704) في كتابك مدينة السياسة، “فكل ما يؤدي إلى إضعاف المجتمع ممنوع ، وجدير بأن يحال دونه، وإن اتصف بالصبغة الدينية”. هل يمكن أن نقرأ ولاية الفقيه باعتبارها الإرادة العليا إضعافاً للمجتمع بما هو قوام من الإرادات الفردية؟

خاتمي: هذا يعتمد على القراءة التي نقدمها للحكومة وولاية الفقيه والدين، أنا أعتقد أن الحكومة الأفضل هي تلك المنبثقة عن كامل إرادة الشعب والتي تبقى خاضعة لرقابة الشعب. ويمكن أن نستنبط مثل هذا من الاسلام، منذ أيام الخلفاء كنا نرى مثل هذه العلاقة بين الشعب والحكم، بعد ذلك اختلف الوضع، وصار الحكم ملكاً، العبارة الأمثل في نظري لتوصيف ذلك الوضع هي ما قدمها ابن خلدون حين أوضح بأن الخلافة بعد الحكومة الراشدة تحولت إلى امبراطورية موروثة أو إلى ملك عضوض. بهذا الحكم ذهب ما يسمى بالحق المتبادل. وصار هناك طرفان، طرف له الحق المطلق في القيادة والاتباع، وطرف آخر عليه أن يقدم الطاعة المطلقة والتبعية المطلقة للطرف الأول، وذلك هو سبب الحالة المرزية التي نعيشها اليوم.

المهم اليوم هو القراءة التي نقدمها لهذه المفاهيم، قد نستطيع وفق قراءتنا أن نؤسس حكومة إسلامية لديها هذه العلاقة مع الشعب، كما يمكن أن نقدم قراءة مختلفة تبرر للقمع مع الشعب.

قراءتي الخاصة هي أن أي حكومة مهما كانت دينية أو غير دينية، يجب أن تكون منبثقة من إرادة الشعب واختياره وتكون خاضعة لرعايته، ومن حق الشعب أن يغير هذه الحكومة متى شاء.

في تجربتك الرئاسية هل كانت السلطة العليا لولاية الفقيه إضعافاً للمجتمع ولسلطتك بما تمثيل لإرادة المجتمع ؟

خاتمي: ممكن لحكومة ولاية الفقيه أن لا تكون مانعاً لارادة الشعب.

غصن العرفان

العرفان أو التصوف خطاب يقوم على تعدد الرؤى وطرق المعرفة المتكثرة  وفيض التجليات وقد كان هذا الخطاب مكون أصيل في شخصيات رجالات الثورة الإيرانية حتى إن تكويناتهم المعرفية تربت في أجواء هذا الخطاب من أمثال بهشتي ومطهري، لكن لماذا بدا خطاب الثورة أصولياً وأحادياً ولا يتماثل مع الخطاب الذي كوَّن رجالاتها؟

خاتمي: الثورة لديها مميزاتها وخصوصياتها. تحققت الثورة في مرحلة تاريخية وسياسية معينة، لكن عندما يخبو وهج الثورة في أي مكان، يعود المسار المجتمعي لطبيعته العادية. 

أعتقد أن حلاوة الرؤية العرفانية يمكن أن تلطف مرارة السياسة في مجتمعاتنا الاسلامية، الاتصال بغصنها الحلو يمكن أن يكون مانعاً حقيقياً للكثير من المشكلات المرة التي نقع فيها. 

حزن الثورة

قبل عشرة أعوام لم يكن جلال الدين الرومي معروفاً بأمريكا، في العام 1995 قام كولمان باركس بترجمة مؤلفاته الخالدة، فكانت هي الشرارة التي أشعلت اهتمام أميركا بشاعر اللغة الفارسية. هو الآن- كما تقول نشرة واشنطن-  أكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة، والإقبال على دراسة أعماله انتشر في كل الجامعات الأميركية. كما تنشر الأبواب الثقافية في الصحف الصادرة في كل المدن الأميركية الكبرى تقريباً مواعيد وأماكن قراءات أشعاره وإلقاء محاضرات عنه وعن أعماله، وأكبر مقياس على مدى شهرته، هو قيام مجموعة من نجوم السينما والمطربين بتسجيل أشعاره. لا شك أن الثقافة الأمريكية تقرأ في صوفية الرومي السعادة التي تدفع بها الحزن، وكأنها تستلهم تعريفه الجميل للتصوف بأنه “إحساس القلب بالسعادة حين يدنو وقت الحزن” في الوقت الذي نستلهم فيه نحن الحزن حين تدنو السعادة.

لماذا لم تصدِّر الثورة ما يجمعها بالعالم ويصلها به؟ لماذا لم تصدِّر من تراثها ما يسعد القلب حين يدنو منه الحزن؟  لماذا ثقافة الثورة التي تلقتها التيارات الدينية في منطقة الخليج كانت تستلهم حزن الثورة  وتغيب عنها سعادة مثنوي؟

خاتمي: الاقبال على جلال الدين الرومي يحكي لنا شيئاً من الواقع، وهو أن الحضارة الغربية الحالية وعالم اليوم عموماً لديه خلل معنوي كبير، وهذا يؤكد أن الانجازات البشرية مهما كانت هائلة وكبيرة فإن الانسان بحاجة إلى الروحانيات. أما لماذا بدى مجتمعنا وكأنه أكثر ميلاً للحزن والسياسة، فأنا أعتقد أن لهذا الأمر جذوراً تاريخية، وهو أن شعوبنا طالما كانت واقعة تحت نير الظلم والاستبداد ولم تعطَ الفرصة لتحقق وجودها بنفسها، لذلك نرى الألم والمعاناة في الوجدان العام لهذا المجتمع. هذا الوجدان هو تعبير عن حزنها العميق باتجاه مصيرها. الشعوب الآن بدأت تتعرف حقوقها، وتسعى بجهد لأن تأخذ حقها في تقرير مصيرها بنفسها. هذا التحول الجاري الآن قد ينقلنا من الحزن إلى الفرح، قد يدنينا هذا من لحظة سعادة مثنوي، وقد يحولنا من حالة التشاؤم التي تولد فينا الحزن، إلى حالة الأمل التي تولد فينا السعادة.

هل الحركة الاصلاحية التي بدأها خاتمي يمكن أن تسير بعد رحيله باتجاه تقريب السعادة؟

خاتمي: الحركة الاصلاحية لم أبدأ بها أنا، بل بدأ بها الشعب الايراني، أنا نقلت ما في متن وبطن المجتمع إلى ظاهره، أعتقد أن ثورتنا أكبر حركة إصلاحية في تاريخنا، نقلتنا هذه الحركة من حالة الحكومة المطلقة المستبدة في الداخل، والتابعة للقوى العظمى في الخارج، إلى حركة صنعها الشعب بنفسه وجسدت إرادته الحرة. نقلت أيضاً الحكومة الاسلامية من شكل الامارة الطالبانية إلى شكل الجمهورية الاسلامية، وهو شكل منبثق من إرادة الشعب الكاملة، والتي نأمل لها الاستمرار دوماً باتجاه هذه الإرادة.

السيد محمد حسن الأمين: الخطاب الشيعي يشكِّل عامل تجاوز وتحد ومغامرة داخل التراث الإسلامي

 

محمذ حسن الأمين (2003)
محمذ حسن الأمين (2003)

أجرى الحوار/ علي أحمد الديري، الشيخ فضل مخدِّر، فاضل عنان

سماحة العلامة السيد محمد حسن الأمين، من الشخصيات الإسلامية الثقافية البارزة على الساحة اللبنانية والإسلامية، ولد عام 1946 في جنوب لبنان في بلدة شقراء، وهو من أسرة دينية تليدة، تلقى الدروس في مدرسة شقراء حتى نهاية المرحلة المتوسطة، حيث سافر إلى النجف الأشرف بالعراق لتلقي العلوم الدينية وذلك عام1960 وقضى في النجف الأشرف 12 عاماً، وعاد عام 1972 بعد تلقي العلوم المقررة في جامعتها وفي كلية الفقه. بعد عودته إلى بلده قضى في مسقط رأسه (الشقراء) سنتين وبالمنطقة للقيام بالمهمات الدينية الطبيعية لعالم الدين، ثم تولى وظيفة القضاء الشرعي بعد ذلك في مدينة صور ثم في مدينة صيدا، ويتولى الآن مقام المستشار القضائي في محكمة الاستئناف العليا في بيروت.

في هذا الحوار الذي أجريناه معه في منزله بصيدا، تحدثنا عن المؤسسة الدينية وإشكاليات تحديث الخطاب الديني

علي الديري: كيف ترون مشكلة تحديث الخطاب الديني؟

محمد الأمين: الكلام عن تحديث الخطاب الديني يرتبط إلى حد بعيد بما يشكل موضوعاً أساسياً وهو التراث وعلاقتنا بالتراث. إنَّ رؤيتنا وعلاقتنا بالتراث ذات تأثير فاعل على موضوع الخطاب الديني الحديث أو المعاصر. ذلك أن التراث يشكِّل أحياناً عائقاً أمام الخطاب المعاصر أو الحديث. دون أن يعني ذلك أنَّ التراث يمكن الاستغناء أو الانفصال عنه. لأن كل عملية تجديد لا بدَّ وأن يكون لها تواصل مع هذا التراث. بمعنى أنَّ هذا التراث كائن حيّ ينمو في الاجتماع الإنساني وفي التاريخ الإنساني. هذا التراث لا توجد حلقات منه تفرض التوقف عندها بصورة نهائية. لأن كل الكلام عن أنَّ المعرفة والسلوك والعلوم  قد تمَّ إنتاجها في الماضي، هو كلام أخطر من أشكال الانفصال الكلي عن التراث. 

يوجد لدينا مستويان في النظر إلى التراث الإنساني، مستوى يرى أنَّ التراث في الماضي قد أنجز مهمات العلوم والمعرفة والأدب وما شاكلها من ما ينتجه الإنسان، واتجاه آخر متطرف يرى أنه لا يمكن أن ننتج المعرفة وأن ننتج تراثنا الراهن إلا بقطع العلاقة الكاملة مع التراث، لأنه يشكل إعاقة. إنَّ الإعاقة التي نتوهم أنها تأتي من التراث هي ليست من التراث، وإنما هي من التعاطي مع التراث والاعتقاد بأن التراث في الماضي قد تمَّ فيه إنجاز كل المهمات التي تطمح الأمة في إنجازها، وأنَّ على الأمة في الوقت الحاضر استعادة هذه الحلقات من هذا الإنجاز. والآن نحن نتساءل هل يوجد عندنا نحن المسلمين أو المعنيين بهذا الخطاب الديني مشكلة في هذا المجال؟ وما هي هذه المشكلة؟ بالطبع أنا لا أنفي أنَّ المرحلة الراهنة ومنذ عقود متعددة بدأت تتبلور فيها الإمارات والسمات لإنتاج خطاب إسلامي معاصر، ويداهمني شعور بأن هذه العملية ما زالت محفوفة بمحاذير كثيرة وبمخاطر كثيرة. وأهم هذه المخاطر ناجمة عن علاقة التقديس غير الطبيعية بالتراث، أي عن علاقة التمجيد الذي يتجاوز حدوده الطبيعية بالتراث، بما يجعلنا نشعر بالكثير من المغامرة والحرج، بأننا مسئولون عن إبداع ما يضيف لهذا التراث وينفصل عنه. لأن كل عملية إبداع في الحقيقة هي تتضمن عنصرين، عنصر الاتصال وعنصر الانفصال أيضاً. إنك لن تستطيع أن تبدع، وأن تضيف للتراث إلا إذا مارست عملية انفصال آنية مع هذا التراث. عملية الانفصال عن التراث تبدو عملية صعبة ومحرجة، وربما كانت هذه الحلقة بالذات هي التي تشكِّل حلقة الشعور بالحرج وبالعجز عن إطلاق الخطاب الإسلامي المعاصر في مداياته الرحبة والكثيرة أمام هذه التحديات الصعبة التي تواجهنا.

علي الديري: ماذا عن مشكلة تحديث التراث الشيعي؟ ما العقبات التي تواجه تحديثه؟

محمد الأمين: هنا أود أن أكون صريحاً بالقول إنني لا أعتقد أن هناك إمكانية لإنتاج خطاب شيعي مذهبي ومعاصر ومستقبلي. لا بدَّ أن يكون الهم متوجهاً إلى إنتاج الخطاب الإسلامي الشامل، ذلك أن اللون الشيعي داخل الحضارة الإسلامية لم يكن منفصلاً إطلاقاً عن البنية الكاملة لإنجاز الخطاب الإسلامي الشامل. إذا كان ثمة عناصر إيجابية في الخطاب الشيعي، فهو أنه شكَّل في مراحل متعددة من مراحل نشوء التراث الإسلامي، عنصراً يدفع إلى التحوُّل وإلى التغيير داخل البنية الإسلامية العامة. لذلك لم ينفصل التراث الشيعي أو المسار الشيعي داخل التراث الإسلامي عن مجمل هذا التراث الإسلامي، لقد ميَّزه التشيع ومنحه سمات وألوان مختلفة، ولكنه ظل ضمن التراث الإسلامي. أعتقد أنَّ إنتاج خطاب إسلامي لا بدَّ أن يتم باستحضار عناصر التحوُّل والعناصر الديناميكية داخل التراث الإسلامي، وسوف نجد أنَّ التشيع ونشوء التشيع داخل التراث الإسلامي يشكِّل عناصر ديناميكية فعلاً، وعناصر تحوُّل. أسبابها التاريخية معروفة ويطول الكلام عليها. ولكن أهم ما يلفتني في هذا المجال أنَّ التراث الشيعي إلى حد كبير ظل خارج سيطرة التحكم الخارجي في المعرفة، بسبب الموقف السياسي للشيعة ولعلماء الشيعة الذين لم يدخلوا تماماً في هيكلية السلطة الإسلامية. والسلطة هي محاولة لتثبيت الرائد في الواقع، فعندما جاءت السلطة واختارت من المذاهب الفقهية الإسلامية الأربعة، وكرستها كمذاهب نهائية لتشكِّل مرجعية كاملة للخطاب الفقهي، ومنها يتفرع الخطاب الفقهي وكذلك في الإطار السياسي أيضاً، أي تجنيد لحظة ما وفقاً لمقتضيات الثبات السياسي.

 من هنا كان الخطاب الشيعي يشكِّل عامل تجاوز وتحد ومغامرة داخل التراث الإسلامي. وكل من درس عناصر الثبات والتحوُّل في تراثنا، وجد أن التشيع كان عنصراً فاعلاً في الحيلولة دون تحويل عناصر التحرك وعناصر التحوُّل في التراث إلى عناصر ثابتة.  

 

علي الديري: لو أننا وسعنا مفهوم السلطة وأخذناها بمفهومها الأوسع، حيث السلطات الرمزية التي تقف على العقل رقيباً وعلى الروح حسيباً، حين تتجاوز حدودا معينة. فلو أخذنا التحديث الذي بدأنا به بمعنى أنه مقاومة لأية سلطة من هذه السلطات وتحد لها ومحاولة لتجاوز سلطتها. فسنجد أن الخطاب الشيعي أيضاً له سلطته الثقافية التي ترفض محاولات التحديث، ذلك لأنَّ الخطاب الشيعي يتضمن مؤسسات لها بُناها الصلبة التي تعيق عملية التحديث. فكيف يمكن تحديث هذا الخطاب بلحاظ هذه التعقيدات؟

محمد الأمين: أوافقك تماماً على ما تفضلت به. أنا أعتقد أنَّ السلطة هي أوسع من الإطار الشيعي الذي هو أحد تجليات هذه السلطة. يوجد كما أشرت هذا النوع من السلطة في التراث. التراث هو سلطة. الفقه في تجلياته وإنتاجه عبر عصور الازدهار هو نوع من السلطة. أستطيع أن أستذكر هنا      في تاريخنا الشيعي بالذات فترة من الفترات الحية من هذا التاريخ أيضاً، وهي ما بعد الشيخ الطوسي. فالشيخ الطوسي اقتحم مجال الفقه والاجتهاد وحقق نقلة نوعية في هذا المجال. وبدأ بعد الطوسي بحوالي مائة عام أن إمكانية تجاوز الطوسي وتجاوز آرائه الفقهية والاجتهادية بدا وكأنه مسألة مستحيلة تقريباً، لقوة السطوة التي شكَّلها في مهماته الإبداعية التي حققها في هذا المجال، فصار الطوسي سلطة أيضاً إلى أن جاء بعده ابن إدريس واستطاع أن ينتج مدرسة جديدة ويعمل على إقامة تحوُّلات جديدة في الفقه الشيعي وفي الاجتهاد الشيعي. 

السؤال الآن الذي يواجهنا في التراث الشيعي نفسه هو: هل حقاً ما زال باب الاجتهاد مفتوحاً؟ وماذا يعني أنه مفتوح أمام الشيعة؟ أنا أعتقد أنه يجب أن لا نبالغ وأن لا نذهب بعيداً بالقول أنَّ باب الاجتهاد ما زال مفتوحاً، وأن لا نمارس عملية استلاب ضد الاجتهاد الحقيقي.

 نعم يوجد اجتهاد ولكنه محدود جدً، ولا توجد فروق كبيرة بين مجتهد ومجتهد. توجد فقط اختلافات جزئية واختلافات ذات طابع فني وأصولي وله علاقة بعملية الاستنباط بمعناه التقليدي، لا يوجد لدينا اتجاهات ولا يوجد لدينا تيارات مختلفة وإذا صحَّ التعبير متصارعة داخل هذا الاجتهاد. أعتقد أنَّ عملية الاجتهاد صارت تعني استنباط الحكم الشرعي بصورة آلية، إننا أوجدنا الآليات التي نستنبط بها الحكم الشرعي، واعتبرنا أن هذه هي مهمة الاجتهاد وحدها، فيما أنَّ عملية الاجتهاد كما أظنها وكما أحدس بها في إطارها الأوسع والأشمل، هي عملية تتجاوز موضوع استنباط الحكم الشرعي إلى إنتاج موضوعات وإنتاج اتجاهات فكرية في قراءة النص وفي استعادة النص وفي التواصل مع النص.

 هنا تأتي السلطة التي أشرت إليها، لتشكِّل عائقاً دون نشوء هذه الاتجاهات، فيـأتي علم الأصول وتأتي قواعد الفقه، هذه التي تمَّ إنتاجها ببراعة عالية في الماضي، لتشكِّل الآن إعاقة، تجاوزها وتجاوز التفكير فيها والاجتهاد في الاتجاهات الفكرية التي تشكَّلت على قاعدتها هذه القواعد، تبدو هي المهمة المطروحة أمام الفكر الشيعي الحديث. فالفكر الشيعي الحديث تواصل مع حركة الاجتهاد ولكنه الآن مطالب بأن يوسع إطار حلقة الاجتهاد، لكي تشمل ما هو أوسع من استنباط الحكم الشرعي بالآليات المتتابعة والمعروفة لدينا.  

علي الديري: يوجد في التراث الشيعي مدونات عقائدية وفقهية وأصولية، لم تتعرض لغربلة ولم يشتغل فيها عقل نقدي ولا عقل اجتهادي، وقد تحوَّلت هي إلى مسلَّمات وقضايا كبرى يقاس الحاضر الآن عليها. أليست هذه المدونات بحاجة إلى تحديث وتفكيك؟ ولماذا أجهضت محاولات شريعتي وأمثاله من المفكرين في قراءة هذه المدونات وطريقة تشكلها التاريخية؟

 

 محمد الأمين:  إنَّ سلطة النص التي تفضلت بالحديث عنها، كانت سلطة أقوى. كان علي شريعتي أو نمط آخر من المفكرين، فهم كمن يقوم بمهمة كسر أو تحطيم صخرة معينة، فيطلق ضرباته في اتجاه هذه الصخرة، فيأتي غيره ويطلق ضربات أخرى وهكذا. ومجموع هذه الضربات سيشكِّل القوة من أجل تحطيم هذه الصخرة. وأنا أعني هنا بالصخرة ما يحول دون تجديد التراث، أي التجديد النقدي، بمعنى القدرة والجرأة على نقده وإعادة تشكيله وفق الحاجات الملحَّة ووفق ما تفرضه عملية الزمن والتطور، تماماً كما اجترح آباؤنا وأجدادنا علومهم وثقافاتهم ورؤيتهم للإسلام، اجتراحاً إبداعياً، ولم يَحِل التراث الذي سبقهم بينهم وبين ذلك، نحن علينا أن نتابع هذه المهمة.

 يوجد لدينا وهذا ما سوف أقوله بصراحة، أي لدى المسلمين ونحن الشيعة من بينهم هول من السلطة الدينية، لفتح أي موضوع من موضوعات الحداثة، هل توجد سلطة دينية؟ أي هل أن الدين ينتج سلطة؟ يقال إن الدين ينتج سلطة لتحمي الدين، فهل هذا صحيح؟ فهل تتم حماية الدين بالسلطة؟ سواء كانت سلطة معرفية أو سياسية؟ أعتقد أنَّ الإسلام تعرَّض عبر تجربته التاريخية لمفهوم السلطة، فكانت هناك سلطة دينية أيضاً. تحرير الدين من السلطة هو أحد تحديات الخطاب الإسلامي المعاصر.   

شيخ فضل: موضوع الاجتهاد التشريعي والاجتهاد المفتوح في الحوزة الشيعية عبر زمن طويل من الطوسي إلى الإدريسي إلى الحلي حتى وصولاً إلى المرحلة الأخيرة في الحوزة العلمية، تطور تطورٌ فاعل، صحيح توجد حالة من التطابق، فلا يوجد نهج عقلي آخر يختلف عما بدأ مع الشيخ الطوسي، ولكن عملية التطور التي تمَّت كإلغاء بعض القواعد بشكل نسبي وتوليد قواعد جديدة ومسائل جديدة فقهية. المشكلة لعلها تكمن في  سلطة هذه القواعد على عملية التجدد وعدم وجود مجدِّد في أصول هذه القواعد. نحن مع حركة تجديد المعاملة مع النص، ولكن عدم وجود المجدِّد الذي يعمل على تغيير أصل القواعد في داخل نفس المدرسة يمثل مشكلة..

محمد الأمين:  إنني أوافقك على هذا الشيء الذي تفضلت به. وأحياناً عبر مرور التاريخ تخرج منارات عاصفة من التجديد، وهذا موجود. الذي أرمي إليه بدقة تماماً أنَّ ميدان الاجتهاد الديني الذي فتحه الشيعة صار لاستنباط الحكم الشرعي، وهذه ميزة إيجابية كبيرة جداً، فيما المسار المذهبي الآخر اقتصر على مجتهدِين محدَّدين في التاريخ، سواء الأربعة أو العشرة، فكانت اجتهاداتهم نهائية وبات من المقرر الرجوع إليها، وإذا لم يكن لهم فتوى في شأن من الشؤون، نعم يرجع إلى فقيه معاصر لكي يستقرئ أيضاً من قواعد المجتهد السابق فيستخرج فتوى معينة.

 عند الشيعة استمر باب الاجتهاد مفتوحاً، لكن مجال الاجتهاد انحصر في مجال  استنباط الحكم الشرعي. أما المسائل الفكرية والمسائل الاجتماعية والمسائل الاقتصادية وغيرها التي تتعلق بحياة المجتمع، فقد اعتبر التفكير فيها ليس شكلاً من أشكال الاجتهاد. بمعنى أنَّ حركة الاجتهاد التي تعتمد الآن على قواعد علم الأصول والفقه لدينا، هي مؤسسة على ما أسمِّيه بمعطيات المنطق الأرسطي. المنطق الأرسطي الموجود الذي يضع قواعد المعرفة وقواعد الفلسفة والفكر الإنساني. بقيت حركة الاجتهاد الإسلامي في معزل عن التأثر والتفاعل مع اللغة والنص، فقد حال هذا المنطق بصرامته بينها وبين الإنصات إلى لغة النص.

 وفي قراءة النص نفسه ولدت اتجاهات متعددة، نلاحظ أنها لم تقترب من دائرة الاجتهاد، ودائرة عمل الفقيه الذي كان يشتغل بالقواعد نفسها، علم الأصول فيه مثلاً تجديد وفيه تغيير، هذا صحيح، ولكن ضمن إطار محدَّد من الشيخ الطوسي أو من ابن أدريس وصولاً للأنصاري الذي أبدع بنية مهمة، ولكن بقي مجال الاجتهاد يقوم على استنباط الحكم الشرعي ضمن هذه القواعد، ولم نلاحظ وجود محاولات لاقتحام هذه القواعد، أو لدراسة الاجتهاد بناء على المعطيات الاجتماعية. مثلاً عندما نأتي ونحن طلاب إلى دراسة الفقه، ألا تلاحظ أننا نبدأ بدراسة المسائل الفقهية ولا نقرأ المسائل الفقهية في إطار إنتاجها تاريخياً؟ لأننا لا نؤمن أنَّ هناك علاقة بين النظرية الفقهية وبين الزمن الذي تمَّ إنتاج النظرية الفقهية فيه، فهذا لم ندخله في عنصر الاجتهاد، لذلك نحن نبدأ بكتاب الطهارة، ثم ننتقل منه إلى كتاب الزكاة وإلى كتاب الخمس وكتاب المعاملات، ولكن متى تمَّ إنتاج هذه المعطيات الكبيرة فيه؟ في الطهارة وفي الزكاة وفي المعاملات؟ ألم تتم في زمن تاريخي محدَّد؟ أم أنها تمَّت بمعزل عن التاريخ؟ هل تمَّت ذهنياً أم بمعزل عن التاريخ؟ عندما جاء الشهيد الصدر عمل مقدمة، وقد كانت هذه محاولة بسيطة جداً منه، ولكن يُشكر عليها لأنه التفت إلى أنَّ علومنا كلها…  حتى في النحو وليس فقط في الفقه، إننا نبدأ في النحو بأن  “كلامنا لفظ مفيد كاستقم”، طيب، أنا عندما أكون طالبا وأصل للتو إلى النجف، ماذا يعني عندي “كلامنا لفظ مفيد كاستقم”؟! كل ما عليك هو أن تفهم أنَّ الكلام لفظ مفيد، وهو يتألف من اسم وفعل وحرف، ولكن كيف تمَّ إنتاج هذه المعرفة ومتى تشكَّل هذا العلم؟ الوعي والخلفية التاريخية لتاريخ العلوم والمعرفة الفقهية لدينا مغيَّبة كل التغييب، وهذا ما ينطبق على كل العلوم، حتى عندما نقرأ منطق أرسطو، من هو أرسطو؟ وفي أي سياق تاريخي جاء أرسطو؟ وما هي الأفكار التي سبقته؟ وكيف انتهى أرسطو إلى إنتاج هذا المنطق الذي هيمن فيما بعد على الفكر الإسلامي بصورة كاملة؟ لا يوجد المناخ التاريخي الذي يرافق عملية تلقين المعرفة لدينا. فهل المعرفة ظاهرة تاريخية أم هي ظاهرة ذهنية فقط مفصولة عن التاريخ؟ هذا السؤال يشكِّل تحديا أمام الفكر الشيعي كما يشكِّل تحديا أمام الفكر الإسلامي بصورة عامة.

علي الديري: إذا كان للمعرفة بعد تاريخي، فهل هناك معنى لأن ننتظر مجتهداً أو فقيهاً أو مفكراً ليحل لنا هذه المعضلة؟ أليست هي معضلة تاريخ وزمن تجتمع فيها كل العلوم مع بعضها لتمكِّن الفقيه وتمكِّن المفكِّر وتمكِّن المتأمل لكي ينظر إلى هذه المسائل كلها نظرة جديدة؟ هل ننتظر فقيهاً أم ننتظر تاريخاً؟

محمد الأمين: أن ننتظر فقيهاً للقيام بهذه المهمة هو انتظار عقيم. أنا أعتقد أنَّ الشهيد الصدر رحمة الله عليه، في هذا المجال قام بعمل مهم جداً ولكن عمل لا ينجزه فرد، فهذه المهمة أوسع من مهمة فرد، لأنها موجة فكرية جديدة وشاملة ولكن الشهيد الصدر أسس لها وأنجز في مجالها أشياء مهمة، وقد لا يكون أهمها هو أن يكتب مقدمة لعلم الأصول، أو مقدمة فقهية لرسالته العملية تشير ولا تقول صراحة بأن إنتاج العلوم هو إنتاج دائم. هو أيضاً تحدَّث عن القرآن الكريم وقال بالتفسير الموضوعي، فعندما طرح فكرة التفسير الموضوعي، ماذا كان يعني بالتفسير الموضوعي للقرآن؟ الشهيد الصدر   لم يكن متاحاً له أن يتكلم تماماً وبصراحة. لقد كتب التفسير الموضوعي ولكن في الحقيقة أنَّ الصدر كان يعتقد أنه لا بدَّ من نقد كل أشكال التفسير التي سبقت. فعندما يقول إننا بحاجة إلى تفسير نطرح فيه فكرتنا وفكرنا عن الحياة وعن الكون والمجتمع، فكرنا الذي استخلصناه من خبرتنا ومن تجاربنا ومن ثقافتنا نطرحها على القرآن الكريم، فماذا كان يعني؟ كان يريد أن يقول إنَّ السابقين فسروا القرآن الكريم وفقاً لأسئلتهم، ونحن لم نفسر القرآن الكريم وفقاً لأسئلتنا الراهنة، إذاً هو يطرح عملية تجديد حقيقية في هذا المجال، وكأنه يريد أن يقول أنَّ التفسيرات الأخرى كانت تاريخية، وأنَّ التفسيرات التاريخية مرتبطة بزمانها. تقول لي هل ننتظر مفكِّراً أم ننتظر عالماً أو فقيهاً؟ من الممكن أن يوجد عالِم استثنائي أو فقيه استثنائي أو مفكِّر استثنائي له فاعلية في هذا المجال، ولكني أعتقد أنَّ الخطاب الإسلامي الحديث أو الخطاب الشيعي الحديث، هو خطاب أوسع من أن يقوم بمهماته فرد واحد، حتى لو كان هذا الفرد استثنائياً، الفرد الواحد قد يؤسس، ولكن لا بدَّ أن تشكِّل تياراً.

فاضل عنان: نلاحظ أن هؤلاء مارسوا التجديد من خلال سلطة رجل الدين ومن خلال السلطة التي يمتلكونها، منذ الطوسي وابن إدريس إلى الأنصاري، فالصدر لم يكن قادراً على ممارسة التجديد مع وجود كبار المرجعيات التي تمتلك السلطة الدينية، فكان بالنسبة لهم شابا وقد طرح مرجعيته. فلو لم يكن للمراجع سلطتهم الدينية، لكان عطاء الصدر أكثر من هذا، بالعودة للسؤال المطروح، هل ننتظر فقيهاً أم ننتظر تاريخاً؟ مشكلتنا هي أنَّ المجدِّد لن يستطيع أن يحقق شيئاً ما لم تكن لديه سلطة دينية، ويستطيع فرض ما…

محمد الأمين: بالعكس، ولو قاطعتك، فالفكرة واضحة لديّ، أنه كلما استقرت سلطة ما يصبح كل إبداع هو إلغاء لهذه السلطة، وبالتالي لو أخذنا السلطة سواء بمعناها السياسي أو بمعناها المعرفي، فهي سلطة تدافع عن الثابت، لأن التحوُّل يعني التغيير، والتغيير لا يقتصر على ميدان واحد، وهو يصيب جميع الميادين بما فيها السلطة القائمة، وهذا لا ينطبق على الفقه فقط، ففي المجال الفلسفي مثلاً وجدت سلطة لا نستطيع إنكارها تمثلت في عبقرية الشيخ الغزالي، الذي كتب (تهافت الفلاسفة) وانتهى إلى أن سفَّه الفلسفة كلها. ولكن بعد مائة سنة من موت الغزالي، وبعد أن ظلت آراؤه وعبقريته الخاصة سائدة بسطوة وبقوة، جاء ابن رشد وأعاد للفلسفة قدرها، ولكن في عصر الغزالي إلى قبل مجيء ابن رشد، مارست أفكار الغزالي سلطة حقيقية. 

عندما تكتمل سلطة الإبداع تصبح تقليداً وتصبح سلطة تحول دون الإبداع الجديد، كل إبداع يكتمل ويؤسس لسلطة يصبح ثابتاً يقاوم حركة التجديد الأخرى، حتى في ميدان المرجعية التي نتحدَّث عنها، فالمرجع أيضاً يصبح أسير سلطة، وعندما يصل إلى درجة المرجعية، فإن هذه المرجعية لا تعطيه حق التجديد والخروج على المعطيات المكرَّسة، بالعكس نلاحظ أنَّ المرجع يمارس الحذر أكثر من الشخص المتقلد المنطلق من سلطة ومن آلة المرجعية، ومما ترتبه هذه الآلة من سلطات حقيقية، تفرض عليه أن يحافظ على قداسة ما هو قائم.

فاضل عنان:: الآن أمامنا محك أو إشكالية، نحن الآن في بداية النهاية، بمعنى أن النجف هذه الأسطورة، الذي خرج العلماء الكبار، الآن بدأ في بداية النهاية، فالمرجعية الرمزية في النجف انتهت بالسيد السيستاني رحمة الله عليه، والمرجعيات الحالية أمامها أسئلة كثيرة حاضرة تنتظر الإجابة عليها. كيف تقيمون الوضع الآن؟

محمد الأمين: في الحقيقة إنَّ هذا موضوع آخر ليس في نفس الإطار الذي نتحدَّث عنه. لأن المرجعية تفرض التمييز بين حقلين من الحقول، الحقل المعرفي وسلطته والحقل السياسي. إنني أوافقك الرأي وأنا قلق على هذا المسار المرجعي الذي نعرفه، والذي عمره ليس أكثر من مائتين أو ثلاثمائة سنة في النجف، فالمرجعية بمعناها المعاصر الذي نعرفه جديد، ولكن لا بدَّ من العودة إلى الفكرة الأساسية التي شكَّلت عصب هذا البحث، والتي تتمثل في تاريخية المرجعية الدينية. هل تظن أنَّ المرجعية هي ظاهرة غير تاريخية؟ إنَّ المرجعية أيضاً ظاهرة تاريخية، من هنا يصبح يمكن الحديث عن نهاية المرجعية أو نهاية هذه الصورة من المرجعية، وهذه نتيجة طبيعية لكون المرجعية ظاهرة تاريخية وليست منزَّلة، فالمنزَّل قليل ومحدَّد، بينما المرجعية ظاهرة تاريخية. إذاً فالمرجعية إما أن تنتهي بانتهاء حاجتها التاريخية، أو أن تتجدَّد وفق الحاجات التاريخية الجديدة الراهنة. ولكن عندما تريد أن تتجدَّد، فالتجديد يجب أن يطال العناصر الجوهرية في بنية المرجعية وليس في تغيير الشكليات. فإذا آمنا بأن المرجعية ظاهرة تاريخية، فبإمكانها أن تعيش قرنا أو قرنين أو ثلاثة، لكن في النهاية هذه الظاهرة التاريخية سوف تسقط نفسها لاعتبارات ولظاهرات تاريخية قادمة أيضاً.

  ما هي اتجاهات تطور المرجعية الآن؟ هذا بحث أساسي وبالغ الأهمية، وأعتقد أنَّ الذين يتناولون المرجعية بالبحث، لم يطرح أحد منهم المسألة الجوهرية، والتي تتمثل في أنَّ المرجعية ظاهرة تاريخية. أنا أعتقد أنَّ المرجعية انتهت بوفاة السيد الخوئي، ليس بوصفه شخص فذ وعبقري فقط، ولكن هذا هو الحد الذي وصل إليه رمزنا التاريخي خلال فترة طويلة، أما الآن فنحن على مفترق طرق، وهنا يكمن التحدي الشيعي، ما هي الاتجاهات المستقبلة لفكرة المرجعية؟ ما هي التجليات المرتقبة أو التي نتنبأ فيها لوجود المرجعية؟ هذا بحث أساسي. 

فاضل عنان: سلطة المرجعية أيضاً..

محمد الأمين:  فكرة السلطة بحاجة إلى إعادة نظر. هل يجب أن يكون للمرجع سلطة دينية ومدنية؟ أم أنَّ هناك صورة تختلف عن ما عرفناه سابقاً عن المرجعية؟ أنا كمتفكر بالأمور أعتقد أنه من الصعب علينا أن نتنبأ بصورة دقيقة لما سيؤول إليه المستقبل فيما يتعلق بمسار المؤسسة المرجعية، التي هي حدث تاريخي وظاهرة تاريخية، لربما تكون قد أعطت ما يجب أن تعطيه، ولكن بحكم تطور التاريخ يجب أن تتغير. إنَّ هذا الأمر يعيدنا إلى الخطاب الشيعي المعاصر، فهل هو يقارب المسألة بهذا الشكل ويضعها في مجال التحليل والرؤية والابتكار؟ أعتقد أن الخطاب الشيعي ما زال خطاباً متردداً إزاء موضوعات كثيرة، كموضوع المرجعية وموضوع السلطة، وموضوع الدين والسلطة أساساً.

 فالخطاب ما زال متردداً وإن كانت هناك بعض الأصوات الجريئة، ولكنها ما زالت فردية موجودة هنا وهناك، ولم تشكِّل تياراً بعد.   

علي الديري: ما علاقتك أنت بهذه المؤسسة؟ 

محمد الأمين: بالتأكيد أنا ابن هذه المؤسسة وخرِّيجها. وأنا لا أعرف جَداً لي حتى السابع لم يكن عالماً مجتهداً وخرِّيجاً لهذه الحوزة. من هنا أشعر في علاقتي بها بأنني ابنها. وعندما أتحدث عن نقدها أشعر بأن الوفاء لهذا التراث الذي يشكِّل جذوري يفترض حالة نقد دائمة، والقرآن الكريم يثني على النفس الناقدة التي تعيد النظر. إنَّ تراثنا القريب أو البعيد لم يتعرض لنعمة النقد، أقول نعمة النقد، وبالتالي بما أني ابن هذا الكيان وهذا التراث، فأنا معني به، ولكن بصورة أخرى قد تبدو مختلفة عن الصور التي تتجلى في الكثير ممن يعتقدون أنَّ صيانة التراث تتمثل في تقديسه وفي عدم نقده، هناك من يرى أن الوفاء لهذا التراث ولهذه الحوزة يتمثل في التقديس. أنا أعتقد أنَّ الوفاء الحقيقي يقتضي أن نمارس عملية نقد حقيقية لكي نجعل هذا التراث كائناً حياً قادراً على أن يستمر.

علي الديري: أنت الآن ذاتا معاصرة تعيش في لحظتها التاريخية، تجتهد لفهم زمنها وفي الوقت نفسه تحمل هذه الذات في بنيتها تاريخاً عائلياً ضاربا بعلاقته الوطيدة بهذه المؤسسة، ووفاء لهذه العلاقة انخرطت أنت فيها فخالطت ذاكرتك وهويتك ووجدانك وأصبحت تحمل بصمات هذه المؤسسة. كيف بهذا التكوين المركب استطعت كذات فردية أن تعيد علاقتك بهذه المؤسسة إعادة تقوم على المحبة والوفاء والنقد؟

محمد الأمين: إنني لا أكتمك أنَّ التساؤلات التي تبلورت في ذهني أخيراً، لم تأت إليّ من فراغ، فقد كنت أهجس بها في إحساسي منذ الصبا الأول، فقد كانت لديّ أسئلة عديدة، وكنت أعاني من ألوان القمع التي تواجه هذه الأسئلة. 

عندما ذهبت إلى النجف الأشرف وكان عمري أربعة عشر عاماً، أي ما زلت فتى صغيراً، كانت تراودني أسئلة كثيرة تبدأ من التجليات المادية للحوزة وللعلاقات وغيرها، ولم تكن تنته لديَّ الأسئلة الأكثر خطورة في ذلك الوقت. وبدأت أشعر أنَّ في هذه الأسئلة تحد وفيها خطورة حتى فيما يتعلق بقيافة رجل الدين، حيث كانت التربية صارمة بما يتعلق بالقيافة، فشعرت منذ البداية أنَّ ما يُفرض على طالب العلم الديني وعلى الجو الديني يأتي من خارج البنية الأساسية الجوهرية للدين، وأن هناك أسباباً أخرى هي التي جعلت هذا الواقع على ما هو عليه. وبالتالي فإني كنت أطرح بعض هذه الأسئلة، وكنت أؤجل البعض، وكانت لديَّ قناعة اتجاهها، فقررت أن أبحث وحدي، ورأيت أنَّ المناهج الدراسية على أهميتها لا تجيب على كل الأسئلة، ورأيت أنَّ العلاقة بالمعرفة في جزء منها يجب أن تكون علاقة حرة، وليست علاقة مقيدة بمناهج. 

هذا ساعدني على أن أبدأ قراءاتي المختلفة داخل الحوزة نفسها، ومنذ الصغر بدأت قراءاتي بالموضوع السياسي والموضوع الفلسفي والموضوع التاريخي إلى ما هنالك، فبدأت تتفتح في ذهني بالفعل الأسئلة وإجاباتها أيضاً. فبديت أنا المسؤول عن إجابات أسئلتي، فما دامت هذه الأسئلة لا يجيبني عليها أحد، فلماذا لا أعمل أنا للإجابة عنها، وهذا ما جعلني من بين الذين يطمحون لأن يطلقوا مؤشرات ما يسمى بـ«الخطاب الإسلامي» الذي هو الشكل الحيّ من أشكال التواصل مع هذا التراث العظيم، الذي نمونا من جذوره ومن أصوله.

علي الديري: هل قادتك هذه الأسئلة إلى قراءة معينة؟

محمد الأمين: طبعاً. بدأت أكثر شيء بالقراءات في تاريخ الأديان وفي المسيحية أيضاً، وفي كل مرة كنت أشعر بأنني بحاجة لإعادة قراءة التاريخ الإسلامي والتاريخ الفقهي للإسلام  بصورة جيدة. كنت أجد في كل مرة أستعيد هذه القراءة أنَّ ثمة مجالات وآفاق رحبة تتفتح لي أكثر من قبل، وتؤكد لي أنَّ جملة ما نشكو منه هو بسبب أننا لم نقرأ تاريخنا، وبالفعل إنَّ العرب والمسلمين لم يقرؤوا تاريخهم بالمعنى الحقيقي، وإنما مع الأسف تولى الاستشراق قراءة هذا التاريخ وتقديمه لنا. بالطبع أنا أمام تحديات نهوض المستوى العربي والإسلامي، فما سُمِّي بحركة النهضة التي نشأت في أواخر القرن الماضي واستمرت إلى أوائل القرن العشرين والتي تمثلت بالشيخ محمد عبده والطهطاوي وغيرهم، ولكني أعتقد أن شخصية جمال الدين الأفغاني بالذات كانت شخصية مهمة جداً في إطلاق عصر المفكر الكبير والموسوعي الضخم.

 لقد تأثرت كثيراً بفكر جمال الدين وقد قرأته جيداً، وأدركت أنني مسؤول تجاه جمال الدين الأفغاني أيضاً، لأنه بافتتاح هذا العصر العظيم، قد وضع أمامنا تحديات يجب أن نجيب عليها. لقد حصل هذا مع الاهتمام بأننا جزء من حركة النهضة، فحتى عندما أتحدث عن نفسي كشيعي وعن همومي الشيعية، فهل أنَّ همومي الشيعية هي هموم خارج نهوض الأمة؟ بالطبع لا، وإن كنت شيعياً حقيقياً فيجب أن أجترح نظرية نهوض للأمة تساوي هذا التراث الشيعي العظيم.

 لقد طرح عصر النهضة الأسئلة الرئيسية، مثل ما هي علاقة الغرب بالإسلام؟ وهذا موضوع طويل لن أدخل فيه الآن، ولكن في عصر النهضة تشكَّلت ثلاثة اتجاهات في هذا المجال، اتجاه يقول بالاندماج الكلي مع الغرب، واتجاه آخر يرى أنَّ العلاقة بالغرب يجب أن تكون علاقة صِدام، وبالتالي يجب أن يكون هناك حاجز بيننا وبين الغرب، فلا نتأثر به ولا يتأثر بنا، وهذا بالطبع منطق لا معقول، والاتجاه الثالث هو الاتجاه الانتقائي الذي مثله جمال الدين الأفغاني وبعض المفكرين الآخرين. فهؤلاء أرسوا لنا مناهج في التعامل مع إشكالية المسلمين والغرب.

 إنَّ التاريخ السياسي والتاريخ المعرفي منذ قرن من الزمان أو أكثر، يعمل في حقل هذه العلاقة، العلاقة بين المسلمين والغرب، وهذا الحقل ما زال قائماً حتى اليوم. وربما هو الآن في أشد حالات حضوره، بما يجعلنا نطرح بصورة متقدمة هذه الأسئلة أو هذه التحديات، الذي يفرضها علينا انتماؤنا إلى جيل يفكر بأن يحدث ما يسمَّى بـ«عصر النهضة» بشكل حقيقي في المرحلة التي يعترف فيها الجميع بأن العالم الإسلامي والفكر الإسلامي أمام تحديات كبيرة، والاجتماع الإسلامي أمام تحديات كبيرة.

 إنني لا أعمل في المجال السياسي، لكني أعتقد أنَّ هذا التحدي لا بدَّ أن نعمل في مواجهته في حقلنا، ما هو هذا الحقل؟ هو ما أسمِّيه أنا بـ«الحقل المعرفي». و«الحقل المعرفي» هو حقل حساس ودقيق ومهم جداً وفاعل جداً، وأعتقد أنه لا يمكن أن تقوم النهضة والتجاوز الذي نطمح إليه بدون جهاد على مستوى هذا الحقل المعرفي، الذي يوجد فيه إشكاليات، وأهم هذه الإشكاليات أنه يواجه سلطة «السائد»، «السائد» في مجال المعرفة الدينية وفي مجال المعرفة التاريخية، سواء على المستوى الإسلامي أو حتى على مستوى الإطار الشيعي.

علي الديري: هناك قراءات متعددة لمفكرين ومثقفين من مختلف الاتجاهات، حاولت أن تشتبك بأسئلتك وهواجسها، كيف تعاطيت معها؟ 

محمد الأمين: أنا معني بقراءة جميع المطروحين، فكما قلت قرأت مفكري عصر النهضة وفيما بعد الإسلاميين الإحيائيين كالسيد قطب وغيره، وقد كانت أهم قراءة لي لهؤلاء الإحيائيين هو ما كتبه الدكتور محمد البهي في الفكر الحديث وعلاقته بالاستعمار الغربي. لقد كان كتابا مهما جداً ويشبه في أصوليته الإسلامية وإنتاجه لبنية العلاقة مع الغرب وقوة هذا الاقتراح يشبه ما قاله الغزالي، لقد كان البهي أنضج هؤلاء في كتابه الفكر الإسلامي وصلته بالغرب، لقد كان ذلك في الخمسينيات أو في أوائل الستينيات.

 بالنسبة للحداثويين فهم أصدقائي ولي علاقات طيبة بهم، وأحياناً أقرأ كتبهم، وأتناقش معهم في أمور متعددة، أمثال محمد أركون وغيره. إنني أعتقد أنَّ كل واحد من هؤلاء يعمل في مجال معين، ولكن سوف يشكِّل هذا النوع من العمل ظاهرة سيكون لها شأن في المستقبل القريب. لا شك أنَّ هناك إرهاصاً بعملية تفتح مختلفة عما شهده القرن الماضي، وسوف تكون واعدة إلى درجة أنها ستأخذ مجالها وانعكاساتها حتى في التفكير الفقهي وفي التفكير المباشر. نحن يجب أن نكون بعيدين عن الإساءة إلى حركة الحداثة، الحداثة الفكرية موضوع عالمي، والإسلام عالم، فألا يحتاج إلى حداثة؟ 

شيخ فضل: ربما لأن الحداثيين يأتون من خارج الفكر السائد، لذلك يواجهون بالرفض.. 

محمد الأمين: صحيح. أعتقد أنَّ الإسلام أوسع من أن يخوض فيه فقط المتدينون، حتى غير المتدينين يستطيعون أن يخوضوا في هذا الحقل. إنَّ عملية إنتاج المعرفة قد تأتي من غير المؤمنين ومن الملحدين أحياناً. يجب أن نميِّز بين الإنتاج المعرفي وبين السلوك، لأن الإسلام عالم قائم بذاته، فمن الممكن أن يأتي مستشرق وينتج معرفة ذات أهمية كبيرة. 

شيخ فضل: إننا نتحدَّث عن سلطة المرجعية إن صح التعبير، السلطة السائدة..  

محمد الأمين: لنأخذ مثلاً السلطة التي تكفِّر، فتقول لا يجوز لك أن تبحث في الموضوع الفلاني أو لا يجوز لك أن تنتهي إلى رأي يخالف الرأي السائد

شيخ فضل مخدِّر: إنَّ حالة القداسة الموجودة لدينا لها مركزية كبيرة، وهي ترتبط بالحوزة وبالحالة الدينية العامة، وبرجال الدين. لذلك فإنَّ النقد من خارج إطار هذه القداسة يكون عادة تأثيره، وكأن الفكر لكي  يكون إنتاجه مؤثراً ومتواصلا لابدَّ لأن  يكون مدعوماً من داخل الإطار الديني السائد، أليست هذه إشكالية خطيرة؟

محمد الأمين: خذ مثلاً محمد عابد الجابري إنه من خارج السلك الديني وربما علماني، وهو متدين ومشغول ومهجوس بالفكر الإسلامي، ولديه أسئلة يطرحها، فلم لا تؤثر عليّ؟ إن لم أكن أنا، في الإطار الديني، قادراً على تلقي الآخر، فإن البنية الدينية لهذا الإطار ستشكل حاجزاً وانغلاقاً كاملا، ولا تسمع الأصوات الأخرى، فهذا في تقديري مظهر من مظاهر الموت.

 أنا أعتقد أنَّ هذه البنية الدينية يجب أن تكون على تواصل مع ما يُقال في هذا المجال، ومع هذه الأصوات التي شئنا أم أبينا لديها أسئلتها المطروحة. هل نقف موقف سلبي تجاه ما يُطرح ولا نتعامل معه؟ أم يجب أن نستمع إلى ما يُطرح ونتعامل معه؟ ونعتبره تحديات نحن مساءلون عن محاولة الإجابة عنها؟!

 من الممكن أن توجد شخصيات فكرية غير إسلامية ولكنها فاعلة وحاضرة. عندما تطرح إشكاليات حتى في الفكر الإسلامي، لماذا لا نتأثر بما يقال وندخل معه في سجال؟ ماذا يفيدنا أن ننغلق على أنفسنا؟ إنني أدعو إلى الانفتاح عليهم، لأن هذا الانفتاح سوف يجعلنا أقدر على بلورة الفكر الإسلامي في الحضارة الإسلامية، ولإنتاج طور جديد للحضارة العربية الإسلامية للانطلاق. البعد عن هذه الاتجاهات سوف يجعلها تتجه نحو تكوين آخر وتيار تغريبي مختلف ومنفصل عن هذا التراث، وهذا ليس في مصلحة تطلعاتنا الحضارية وتطلعات التطوُّر التي نطمح إليها.

 يوجد كلام عن الفكر الإسلامي، ما هو الفكر الإسلامي؟ هل الفكر الإسلامي هو فكر فئة معينة؟ هل هو فكر المسلمين؟ هل هو ما يُنتج داخل دائرة العالم الإسلامي؟ حتى عندما يكون هناك فكر إلحادي يصنف على أنه إسلامي، الراوندي مثلاً في التاريخ أديب ومفكر وكلامي ولكنه متهم بالزندقة، وبالفعل لديه أفكار إلحادية، ولكنه مع ذلك يُصنف ضمن سلسلة المفكرين الذين نشأوا في الإسلام، لأن موضوع فكره كان هو الإسلام، وعندما يكون الإسلام هو موضوع الفكر، فما ينتج عن هذا الفكر فهو فكر إسلامي، كهؤلاء الذين تحدثنا عنهم الآن، خذ محمد أركون مثلاً عندما يكتب حول التراث أو حول التفكيك أو غيره، قد لا توافق على أفكاره وقد ترفضها، ولكن أفكاره بالتأكيد تنتج فكراً إسلامياً، لأنه يتحدى ويجعل من موضوع تفكيرنا الإسلام والتراث الإسلامي. فهؤلاء سوف يكون لهم تأثيرهم ولكن ليس بالصورة التي نحتكرها للتأثير والتعبئة، لأن أركون ليس معبئاً إسلامياً، ليس خطيباً لكي يعبئ، هو ينتقد وعدم استحضاره في هذا المجال ليس مفيداً.

فاضل عنان: هل نحن بحاجة إلى رجل الدين الجالس في حوزته وفي محيطه، ويصدِّر ما يصدِّر من فتاوى وأفكار وإرشادات بدون أن ينخرط في المجتمع، ألا يضع في ذهنه أنَّ المجتمع خارج الإطار الذي يعيشه؟ هذا النوع من رجال الدين يصدِّر مشاكلاً أكثر مما يصدر حلولاً..بعض رجال الدين يتعاطون مع الساحة بشكل جداً إيجابي، وعندما اتجهوا إلى الحوزة، رجعوا بأفكار رجعت إلى الوراء، أو دعني لا أقل الأفكار بل طريقة تعاطيهم مع الآخر، الذي أصبح بشكل سلبي جداً. ولكن العلماء في لبنان الذين يعيشون ضمن المجتمع، نراهم أكثر انفتاحاً على الآخر من العلماء مثلا في البحرين أو السعودية. ما هي الأسباب التي أدَّت إلى وجود هذا الاختلاف؟ 

محمد الأمين: من المؤكد أنَّ أقرب الأسباب هو الانفتاح الموجود في لبنان. أنا مثلاً رجل دين شيعي، أين أسكن الآن؟ إنني أسكن في بلد اسمه صيدا، وهو بلد سني، ليست علاقاتي مقتصرة على المحيط الشيعي. ولنأخذ لبنان وليس صيدا فقط، إنني قادر ودون مبالغة على أن أعمل ندوات في أماكن مسيحية أكثر من الأماكن الإسلامية، هذا بسبب انفتاح لبنان على الأفكار التي من خارج لبنان. إنَّ لبنان بلد تُنتَج فيه الأفكار منذ زمن طويل، وليس فقط منذ الآن، حتى التيارات الخارجية الغربية أول ما تصل تصل إلى لبنان، ألا تعتقد أن هذا سيكون له أثر؟ هل رجل الدين صخرة لا يؤثر فيها شيء؟!! 

حوار مع رابحة الزيرة

حوار مع رابحة الزيرة

أجرى الحوار/ علي أحمد الديري

 

مقدمة

 

في المجتمع المدني وفي الأنظمة الديمقراطية لا مكان للعمل السري ولا للتنظيمات التي تتخفى تحت أستار تخالف هويتها الظاهرية بشكل فاضح ( أعرف أن المؤسسات غالبا ما تخفي مصالحها الشخصية وانحيازاتها خلف ترسانة من الأهداف المستترة والدعاية المراوغة إلا أن موضوعنا لا يندرج تحت هذا النوع من الإزدواج المراوغ ) . 

من هنا لا بدَّ أن نسمح لموضع السفارة أن يأخذ مجراه العقلاني في الحوار . وأعني هنا بالمجرى العقلاني المجرى الذي يهدف إلى التعرف على تنظيم السفارة من حيث الأهداف والفلسفة والبرامج بعيدا عن المماحكات الدينية التي لها أوساطها المعروفة . 

الهدف ليس نصرة مذهب أو الدفاع عن فكرة ، و إنما التبصر في تجربة هذا التنظيم لنتمكن بعد ذلك إن شئنا من تحليل المصادر الثقافية والمعرفية التي كونتها و صاغتها على هذا النحو، وذلك باقتراح شبكة التحليل علمية .

ومبرر دعوتي يتمثل في النقاط التالية : 

* بروز جماعة السفارة أو باب المولى (أعتذر إذا كانت تسمياتي المستخدمة تحمل شحنات قدحية أو انتقاصية ) مؤخرا عبر الندوات والمحاضرات والمنتديات والوسائط السيبرنية . 

*التساؤلات الكثيرة التي تطرح من قبل المثقفين والتي تتعلق بطبيعة هذا التنظيم وأهدافه وأفكاره وتاريخه . 

*الحاجة الماسة لمحاورة هذا التنظيم ( لا من أجل إقناعه بخطأ أطروحاته بل من أجل التعرف على طبيعته ) محاورة عقلانية من دون اللجوء إلى أساليب الفتاوي والحرب النفسية . 

لهذه الأسباب وغيرها ، يأتي هذا الحوار مع رابحة الزيرة إحدى العضوات الناشطات في هذه الجماعة ..  

علي أحمد الديري 

 

الأخت رابحة

مساء الخير

أشكرك على قبول الدعوة

أشعر أن بيننا توجسات سميكة ينبغي إزاحتها أولاً كي نبدأ حوارا حميميا من دون أية مسبقات أو خلفيات تحول بيننا؛ لذلك أقترح أن تبدئي أولا -إن شئت – بالتصريح بما هو قابع في مخيلتك عن أهدافي غير المعلنة وما يحيط بها من ظلال غير مستساغة لديك . وثقي أن قراءتك لي ستكشف حتما مناطق مخفية عني ، ربما تكون قابعة في لا وعيي أو لا وعي خطابي.

مع تحياتي لك  .. علي أحمد الديري

 

الأخ المحترم علي الديري ..

مساء النور .. وتحية طيبة ..

وأنا كذلك أشكرك على اهتمامك .. وعلى أن سمحت لي أن أكون أنا البادئة .. وإنما سأبدأ – لو سمحت لي – بما أود أن أبدأ به لا بما اقترحت عليّ (بالتصريح بما هو قابع في مخيلتي عن أهدافك غير المعلنة ، وما يحيط بها من ظلال غير مستساغة لديّ) فهذا افتراض مسبق أرجو أن لا يكون سبباً في صعوبة الاتصال ، أو سوء الفهم بيننا .. فأنا – وأعدك بذلك – سأتعامل معك صفحة بيضاء ، فمعرفتي بك حديثة العهد لا تزيد على أيام ، فمن أين تكوّنت تلك التوجسات السميكة– كما أسميتها- وإن كنت أعرفك من خلال كتاباتك والتي أجد فيها مستوى راق من الفكر والثقافة ، أما أنك أنت من حاور نرجس طريف فما كنت لأعلم لولا أن أعلمتني أنت بذلك قبل يومين ، وأما خطابك الموجه إلى من خلال أوال فسأنساه أو سأنسى نبرة الاتهام فيه – بغض النظر عن مبرراته التي ذكرتها والتي ما فقهت منها الكثير – وسأتعامل معك صفحة بيضاء من غير سوء .. هذا أول بند في اتفاق الحوار الحميم بيننا .. وأظنك متفق معي عليه ..

 وأما البند الآخر والأخير .. أطلب منك ، برجاء ، أن لا تختصرني والقضايا التي تهمني في قضية جزئية ليست موجودة في نظام حياتي    System) لا في Backgroundولا في Screensaver بل ربما في Hidden folders و أرجو أن يبدأ الحوار فيما يهمك أمره وينتهي في ما يهمك ويهمني ويهم الوطن – كل الوطن – أي أرجو أن ينتهي حوارنا إلى قضايا أنا أحتفظ بها على   desktop ..  وربما هذا هو السبب الذي جعلني أصرّ على أن لا أتحاور معك عن هذه القضية الجزئية في أوال بينما هناك العشرات من القضايا ذات الاهتمام الأكبر والأولى تنتظر من يطرحها للنقاش. 

وأخيراً أود أن أعلمك ما قد يخفى عليك ، وهو أنني لست صحفية ، ولا كاتبة ، ولا حتى محاورة جيدة ، إن كان لديّ معلومة أو حق أريد أن أوصله لشخص ما فإني أحاول أن أوصله له بقدر ما يتاح لي من أساليب ، تُصيب أحياناً وتُخطئ أخرى ، بإسهاب أو اقتضاب ، كما ولا أحب أن أدخل في قضايا الدفاع عن النفس أو حتى قضاياي الشخصية ، وإلاّ فلماذا التزمت الصمت ما يزيد على عشر سنوات طوال ؟  لأني لم أشأ أن أشغل نفسي بالرد على من يتّهمني أو يتهم عقيدتي ،  فإن كنت حاورت نرجس طريف ولم تستطع أن تفهم القضية فهماً كاملاً من خلالها فلا أظنني أستطيع أن أضيف على ما أعطتك ، و اعلم أن أسلوب الحوار الطويل ذي النفس الذي لا ينقطع ليس أسلوبي ، وليست تلك متاهتي ، فإن كان لديك أسئلة بسيطة ، واضحة فعلى الرحب والسعة سأجيب عليك بقدري ، لا بقدرك ، فلا تفكر أبداً بأنني سأناطحك ردّاً برد

ولا حجة بحجة .. لا .. فأنت في هذا المجال أفضل مني بكثير ، وسترى أن كلامي كلام بسيط جداً ، لا كلام كاتب ، ولا شاعر ، ولا كلام من يريد أن يزخرف قوله ويزينه .. بل كلام ينطق به القلب واليقين بلا تنميق ولا تنقيح .. وإن كان لي رجاء عندك قبل أن أختم خطابي لك … فأرجو أن لا تسمح لسوء الظن أو الاعتقاد بأن كل ما أقوله أو أتفوه به له مغازي خفية يجب أن تتعرف عليها أو تخترقها ..

مع خالص تحياتي وسلامي …

رابحة

 

شكرا رابحة على أريحيتك وعلى إطرائك الذي يخجلني على الرغم من اعتزازي فيه وأشكرك أخيرا على نبرة الصدق والإخلاص التي لا أشك أنك تتماهين معها لدرجة الفناء .

الآن اسمحي لي بهذه المقدمة البسيطة المتعالمة تذهب أبحاث علم النفس الاجتماعي إلى أن التفاعل بين شخصين في الحقل الاجتماعي مثلا لا يحدث بشكل أقوى إلا عندما يجهل كل واحد منهما هوية الآخر ، لأنهما يكونان عن بعضهما البعض تصورا غير مطابق للحقيقة ويتصرفان على أساس هذه الصورة المفترضة عن بعضهما البعض ( يمكنك أن تراجعي كتاب فعل القراءة )

هذه مقدمة أراها شديدة الدلالة على حالة تفاعلنا مع بعضنا ، لا بد أن هناك فراغات ومساحات بيضاء بيننا بحاجة إلى ملء وسيبذل كل منا نشاطاً تأويليا لتسويد هذه البياضات كما سيبذل كل منا نشاطا مضاعفا لتبييض المسودات وأتمنى أن خصوبة هذا التفاعل تعطينا درسا جديدا في الحوار

 

أختي العزيزة رابحة

إن أذنت لي أن أبدأ فهذه أسئلتي الأولي

 

1- هل تجدين لحواري معك ما يبرره بعيداً عن التخوفات والتحرزات التي أعلنتها أم أنك تجدين الأمر ورطة أوقعتك فيها ؟

س2 – هل تملكين صلاحية التحدث عن تنظيم سري ؟

س3 – كيف تعرّفين هذا التنظيم بصورة مختصرة ؟

– هل مشاركاتك في المنتديات العامة تعبّر عن مرحلة جديدة في تعاطي التنظيم مع الواقع ؟

 

أمّا السؤال الأول في أنني هل أجد في حواري معك ما يبرّره ؟  أقول نعم .. وهو محض رغبتك في التعرّف على طبيعتنا والتّبصر في تجربتنا (حسب تعبيرك) وهو مبرر مشروع في نظري ، ولا شأن لي بالتخوّفات والتحرّزات التي أعلنتها ، فأنت بالنسبة لي برئ حتى تثبت إدانتك ، ولم تثبت إدانتك بعد ولن تثبت لأنك وإن لم تقتنع بما أؤمن به فلن تدخل في عداد الكفار بالنسبة لي ولا في عداد العاصين ، أقصى ما سأصفك به أنك لم تر ما أرى وأنت كذلك لا أظنك ستطلق عليّ ما أطلقه الآخرون كأن تسميني جماعة البدعة ، أو غيرها من تسميات ، ولن تعطي القضية أبعاد التعبئة الحربية من طعن في الشرف واتهامات زور وبهتان.. أما قولك أن حواري معك ورطة أوقعتني فيها ، فلا ، بل هي متعة ألتذ بها ، هل رأيت الأم التي تعشق طفلها وتحب أن تطيل الكلام عنه ، هذا حالي عندما أتحدّث مع أي كان من الناس عن قضيتي .. أشعر بمتعة ، هذا عن اليوم ، أما غداً  إذا أثمر حوارنا هذا ، واستطاع أن يحقق لك بعضاً من أهدافك المشروعة فتلك – بالنسبة لي – سعادة ما فوقها سعادة ، أن كنت في خدمة إنسان حرّ ، مسئول ، فيما يفيده ، و يفيد أبناء وطننا .. إذن فنحن لا نخاف على أنفسنا ، ولا على فقد شيء ، ويظن البعض أننا إن أنكرنا أو أسررنا فلخوفنا على أنفسنا ، مع أننا إن فعلنا ذلك فخوفاً على الآخرين ، أما نحن فيكفينا أننا نتّبع ما أمرنا ربنا (فكونوا مع الصادقين) ، ونسترشد برسولنا (ص) في قوله (الصدق أنجى) فيقيننا أن الله معنا ، ومحال أن يأمرنا الله بأنه سيكون معنا إن نحن صدقنا ثم يخذلنا – حاشاه – نحن نعلم أننا لم نخن أمانة ولم نكذب ، وإن كذبنا فالكذب الذي يكون الصدق في مقابله سذاجة ، كأن يأتيني من يشهر سيفه عليّ ويريد أن يعرف مكنون ضميري فهل أكون من السذاجة بأن أكون صادق معه وأعلمه بما يحق لي أن أحتفظ به لنفسي ، أو بما يعطيه من مبرّر لكي يقضي عليّ؟

 

و أما السؤال الثاني .. فأسألك قبل أن أجيب عليك فلعل في إجابتك على سؤالي إجابة لك .   تصوّر لو كنت أنت وبعض من زملائك ممن يشاطرونك الفكر والرؤية من أمثال الأخ حسين المحروس وغيرهم ، تصوّر لو كان لديكم مثلاً برنامجاً مدروساً لتطوير مستوى الحوار لدى فئات الشعب المختلفة ، أو غير ذلك من البرامج التي تصب في اهتماماتكم ، فهل يرضيك أن أطلق عليكم اسم تنظيم سرّي كونكم اجتمعتم على أمر ما واتفقتم فيما بينكم على أن تطوروا برامج معينة تعين في مواجهة بعض المشاكل أو وضع حلول وتصورات لبعض قضايا البلد التي تهم المثقفين من أمثالكم ؟  هل ترضى أن يُطلق عليك اسم (تنظيم سري) ؟ فالإجابة لا بالطبع ، كما أن إطلاق كلمة ( تنظيم سري ) بلا تفصيل قد تفتح المجال لسامعها أن يكمل المعنى بما هو مرفوض من قبل السلطة أو الناس ، ولكن أن تقول نحن نسرّ عقيدتنا ، فنعم الآن أنا أريدها أن تكون سرّية (ففررت منكم لما خفتكم) بعدما علمت أن الناس إذا علمت بها فسوف تتعامل معي بطريقة لا إنسانية ، وأنا اليوم لست على استعداد أن أضحي بنفسي لأجل عقيدتي أمام فئة تجهل حقيقة الفكرة ، وتظن أنها بمحاربتها لي  ستخدم الدين ، إذن هي فكرة سرّية أخفيها عمّن أخفيها لأنه غير قادر على استيعابها أو فهمها .. فهل هذا يعني عندك بأنني أنتمي إلى تنظيم سرّي ؟ وأعلم أخي الكريم بأنني أخصّك أنت دون غيرك بهذا الكلام لأني أعلم أن لديك من الوعي ما يؤهلك لأن تعرف حقيقة معاناتنا ، وأنت وأمثالك أثبتم بأنكم أحرار ، واعون لا تنجرفون مع السيل .. أسألك مرة ثانية .. لو استمرت محاورتنا هذه حتى توصلنا إلى أن علينا أن نرتقي بالناس إلى مستوى من الوعي بحيث يستطيعون أن يتحاوروا على أسس حوارية راقية وحضارية ، ثم طلبت أنت مني أن أحتفظ بسرية ما توصلنا إليه ، فهل نصبح أنا وأنت منضمّين إلى تنظيم سري ؟  فلنطلق عليه إذاً اسماً آخر غير تنظيم سري وهو مصطلح قد يستبطن فيه سوء نية دون إمكانية التوصل من خلاله إلى كلمة سواء .. أمّا التنظيم في مقابل العشوائية أو الارتجالية أو الغوغائية .. فنحن منظّمون ، منظّمون في أفكارنا ، في سلوكنا ، في أفعالنا و ردود أفعالنا ، أي لدينا مبادئ وقواعد نتّبعها ، فلا نردّ الإساءة بإساءة مثلها ، ولا الشتم بشتم ، فتصوّر أنا أمثّل جماعة ادّعت في يوم ما – في أدنى حدّ لادّعائها – أنها التقت بالمعصوم فليس من المعقول أن أتصرّف بعشوائية أو غوغائية ، إن كان هذا ما تقصده بالتنظيم .. فنعم نحن منظّمون ، ولكن التنظيم بمعنى حزب فلا .. وأنت تعلم أن الحكومة إذا أرادت أن تضرب جماعة ما تكتفي بأن تتهمها بأنها تنظيم غير مشروع …. أمّا امتلاكي الصلاحية في أن أتحدّث عن التنظيم السري ( بالمعنى الجديد ) فكل ما فيه ضرر على المجموعة التي أنتمي إليها أو يسيء إليها أنا لا أرضى أن أتكلم فيه ، لأنهم لن يقولوا فلانة قالت بل جماعتها ، فمصلحتنا واحدة ، تماماً كما مجموعة أوال ، فلو قمت بكتابة رسالة أو إصدار بيان ضد الحكومة ونشرته من خلال هذه المجموعة فلن أضر نفسي بل سأضر الجميع ، وكذلك فيما بيننا أنا ألتزم بمصالح المجموعة ، فإذا كانت لديهم طريقة في تهدئة الناس وامتصاص غضبهم فلا أخالفهم فيها ، ولكن هذا الحوار الذي يدور بيني وبينك حوار شخصي ، ولو أردت يوماً أن تنقل ما يدور بيني وبينك فلا أستطيع أن أمنعك أو أقيّدك ، ولكن أؤكد لك وأقول كما يقول المصريّون (فقسماً عظماً) لو أنك نقلت ما يدور بيننا اليوم إلى من حاربنا ويحاربنا، فسوف يقولون بأنني أنا التي استدرجتك إلى هذا الحوار ، وانتظر أي سهام طائشة سوف تنهال عليك ، لهذا السبب كنا نهرب من محاورة الآخرين لا خوفاً على أنفسنا بل خوفاً عليهم وعلى الرياح العاتية التي كنا نعلم أنها تنتظرهم إن هم استمعوا إلينا أو دافعوا عنا أو حاولوا أن يبرروا لنا من قريب أو بعيد .. فاعلم أخي الكريم علي .. أن هذا الذي قلت عنه تنظيم ما هو إلاّ تقوٍّ بالإخوان ، وربما أنت تفتقد هذا الشيء ، فلو واجهت ما واجهنا نحن واستطعت أن تصمد – وحيداً – فاعلم أنك أقوى منّي بكثير ، ونحن نتمنى أن يكون هناك أناس بهذه القوة التي تستطيع أن تقف في وجه كل عدّو ولو تركت وحيدة في الساحة ، ولو حدث ذلك لعلمنا أن هناك الكثير من الأحرار في هذا البلد ، وأتمنى أن تكون أنت أحدهم .    

 

إجابة السؤال الثالث : 

سأعرّف لك هذه الجماعة بصورة مختصرة .. نحن جماعة مسلمة ، ملتزمة بكل أصول الدين وفروعه ، تؤمن بالأئمة الإثنا عشر ، وتؤمن بالإمام القائم بأنه حي ، موجود ومتوفّر وليس يستحيل رؤيته أو التشرف بمكالمته ( وهذا هو أقسى ما في فكرتنا من تديّن أو بدعة) والاستلهام منه أو الاسترشاد لمن أراد بإخلاص كائنا من كان، رجلٌ يدعوه البعض بالمخلّص ، أو الموعود ، أو المنتظر أو  المصلح الأعظم أو مهدي الأمم ، هذه هي عقيدتي في أحسن صورها وأبسطها .

 

أما عن مشاركتي في المنتديات !! وهما مشاركتان لا أكثر ، وكنت أتمنى لو يكون هناك أحد غيري يقوم محلي ، لأنك كما رأيت لست خطيباً مصقعاً (أضف تلك المعلومة إلى سيرتي الذاتية عندك) ولكن هو الواجب ولا شيء سوى الواجب حتم علي أن أشارك و لا علاقة له بمرحلة جديدة في تعاطينا مع الواقع .. أجل نحن كما كل أهل البحرين نعيش عهداً جديداً ، عهد ما بعد الميثاق ، ومن الطبيعي جداً بصفتنا بشر طبيعييّن أن نتعاطى مع الواقع الجديد بإيجابية ، وأن يكون لنا دور في المجتمع المدني ، وإذا حُجر علينا سابقاً بفعل الفتاوى والأهواء فقد كان الناس كلهم يعانون مما كنا نعاني سوى أن معاناتنا كانت مضاعفة ، فتصرّفنا تصرّفاً طبيعياً مع الظروف التي مرّت بنا ، أما اليوم فليس من سبب واحد يجيز لنا أو لغيرنا أن يحرمنا من ممارسة حياة طبيعية جداً ، لنا ما لغيرنا من حقوق وعلينا ما على غيرنا من واجبات .. هذا كل ما في الأمر ، ولو حاول أكبر شخص في مجموعتنا أن يمنعني من ممارسة حقي الطبيعي الذي أُعطي لي كما أُعطي لغيري لناقشته ولو طلب منّي أن أنسحب فيما يجب أن أستمر فيه لما فعلت .  الناس لا زالت تراهن على أن تشن علينا حرباً كتلك التي شنتها منذ 13 سنة مضت ، ولكن نسوا أن الوضع اليوم لا يسمح بذلك ، كل شيء تغير الدولة ، الناس ، العالم ، قبل 10 سنوات لم يكن طبيعياً أبداً أن ترى أحد أفراد جماعتنا يمشي مع شخص آخر بسلام وأمان .. قبل 10 سنوات لم نسمع بالندوات إلاّ في المساجد ، أما الآن ففي النوادي ، والجمعيات ، لقد أصبح المجتمع علمياً منفتحاً ، لا دينياً منغلقاً .. اليوم ما تفعله أنت معي خارج حدود الشرع بل ربما ترتكب محرّم في محاورتك لي – لا أقل في نظر أصحاب الولايات المطلقة – ولكن في الغد القريب إن شاء الله لن يكون هذا النوع من الحوار ريبة ، وغداً ستسقط كل هذه الجدران التي أقاموها ، تماماً كما يحدث اليوم في إيران ، فالجدل يدور حول إرجاع العلاقات مع أمريكا – الشيطان الأكبر – حسب تعبيرهم .. وقد بدأت أنت – مشكوراً – بإسقاط أوّل هذه الجدران .. فأرجو أن أجبت على أسئلتك .. وعسى أن نغدو وإياك على خير .. وإلى لقاء قريب ..

 

شكرا رابحة  

لقد استمتعت بقراءة صوتك المقموع ، وأتمنى أن تجدي في حواري معك خصوبة حوارية تتيح لهذا الصوت أن يتحدث بحرية تامة من غير تحرزات .

الآن اسمحي لي أن أستمر في طرح أسئلتي ..

4-لقد عرفت التنظيم الذي تنتمين إليه بما يشترك فيه مع الأصول العقائدية الاثني عشرية ، واكتفيت فيما يميزكم بالقول ” ليس يستحيل رؤيته أو التشرف بمكالمته ( وهذا هو أقسى ما في فكرتنا من تديّن أو بدعة) والاستلهام منه أو الاسترشاد لمن أراد بإخلاص كائنا من كان” . أرجو منك أن توضحي – من غير تحفظ أو تعلل – فكرة الرؤية أو الاستلهام وعلاقتها بجماعتك وما تسمونه بباب المولى (عبدالوهاب البصري ) .(أعتذر إن كان في سؤالي ما لا يتفق مع أساليب تعبيركم عن باب المولى ).

 5- كيف بدأت فكرة باب المولى تتسرب إلى قناعاتك ؟

6- ألا يوجد في تنظيمكم سلطة هرمية ؟

 

أما بالنسبة للسؤال الرابع والخامس .. فلا وجود لمفهوم باب المولى عندي ، فقد ابتدع هذا المفهوم أحد شيوخ جدحفص، حتى نرجس طريف لم تسمع بهذا المفهوم منا طوال فترة وجودها معنا ، وإذا تبنّته بعد ذلك فقد سمعته من غيرنا، وأنا لم أسمعه إلاّ من الشارع من بعض شيوخ الدين عندما حاولوا أن يربطوا القضية بالبابية .

 

وأما إجابة السؤال السادس ، وكما أسلفت نحن لسنا تنظيماً ليكون لدينا سلطة هرمية ، نحن جماعة يسند بعضها البعض، و لدينا مستويات مختلفة من المثقفين والمفكرين وشيوخ الدين – كما لا يخفى على أحد – ولكل واحد منهم الحق في المشاركة في اتّخاذ القرارات في القضايا المختلفة كل حسب اهتمامه وتخصصه وثقافته ، وللتدليل البسيط فقط ..  تخيّر أسماء بعض الشخصيات المعروفة من جماعتنا وانظر من يمكن أن يكون صاحب القرار في المسائل الشرعية مثلاً ، ومن في التعليم ، ومن في التربية وهكذا فلدينا علماء ومفكرين ، ومنظّرين ، وكل أهل البحرين يعرفهم ، ويقال عنهم أنهم نخبة المجتمع ..

ولكن أخي الكريم ، مشكلتنا أننا نعاني من  قلة وعي المجتمع ، فقد ابتُدعت أشياء بشأننا ، وفُسّرت وفُصلّت علينا حتى ألبسونا إياها عنوة وصدّقوها علينا !!  فالبعض يقول عنا جماعة الأحلام ، وثاني جماعة باب المولى ، وثالث جماعة السحرة ، ورابع جماعة الإباحية (أكرمك الله وأعزّك) .. وحبذا لو يُضاف إليها مجموعة أخرى من التسميات كجماعة الشعوذة ، وجماعة التقوقع ، وجماعة السباحة ، وجماعة الرياضة ، فتُجمع كلّها في كتاب ويطلق عليه اسم طرائف العصر .. والأطرف من ذلك من يُصدّق ما يسمع بعد أن يلغي عقله طبعاً ويُعطّل تفكيره .. 

أما كلمة تنظيم هرمي فإنها تناقض تسمية السفارة ، وتناقض جماعة الأحلام ، فجماعة الأحلام تعني أن هناك مجموعة من الناس ترى أحلاماً فتطبّقها ، وجماعة السفارة تعنى أن هناك شخصاً له اتصال بالإمام فيكون هو الآمر الناهي والبقية لا دور لهم ، وهذه كلها مسمّيات إسقاطية تريد أن تسقط الفكرة بإطلاق هذه التسميات عليها ، وإن كان ولابد من تسمية فقل إنها جماعة مؤمنة ، مفكّرة ، لها حضور ودور فاعل في المجتمع .. فهذه تسمية منصفة لا أقل ، وإلاّ فانتظر خمس سنوات قادمة ربما تسمع التسمية الصحيحة لنا .. ربما ؟!

فاعلم أخي الكريم كما أنك لا ترضى أن تُنسب إلى جماعة ما ، سواء جماعة الأحلام أو غيرها ، وتعتزّ بوجودك كإنسان حر ، وشخص مستقل فنحن كذلك نرفض أن توضع علينا أياً من هذه التسميات ، ثم أننا ما خالفنا الشيعة في شيء ، هم – من وقف يتصدّى لنا – هم الذين خالفوا الشيعة .. وإلاّ فشيعة البحرين كلها تعتقد بأن الإمام يُرى ، ويُسدّد، ويُستلهم به ، وصاحب الرمانة خير مثال على ذلك .. 

وأمّا إذا كان سؤالك السابع ماذا أعطانا الإمام (ع) ، وما هي طبيعة الأشياء التي يعطينا إيّاها ؟  فأقول لك أن طبيعة الأشياء التي يعطينا إياها تصب في تخطئة الواقع المعاش ، كالأفكار الخاطئة التي تفشّت اليوم في المجتمع مثل قضايا التكفير ، والافتراء على الإمام ، والبعد عن الأخلاق ، وإلغاء من لا يتفق معك في العقيدة والرأي وغيرها .. وأمرنا في المقابل أن نتخيّر لأنفسنا نهجاً أكثر سماحة واعتدال ، وأن نأخذ الخير أينما وجد ، والحكمة ضالة المؤمن .. فهل هناك حرية أكبر من هذه الحرية ؟؟ وهل هناك قيد أكثر تكبيلاً من القيود التي يحاول أن يكبّل بها الناس (أي) عالم ، أو (أي) ظالم ؟؟

والسلام .. رابحة

 

7– ما الذي يمثله عبدالوهاب البصري بالنسبة لجماعتكم؟

 

8- هل لديه خصوصيات إلهية أومميزات قيادية في جماعتكم المؤمنة؟

 

إجابة السؤال السابع :

عبد الوهاب البصري أحد رجالنا الشرفاء ، والذي لاكته الألسن لتحط من شأنه فما استطاعت لما عرفنا عنه من خلق كريم ، وتواضع جمّ ، ونكران للذات ، وطاعة لله .. 

 

إجابة السؤال الثامن :

لا ليس لديه أية خصوصية إلهية ، بالمعنى الذي أفهمه ، أي لا يملك طاقات غير طبيعية ، ولا قدرات خارقة ، و لا حتى كفاءات مميّزة ، وليس بمعصوم  ، فهو كغيره من رجالنا إنسان عادي ، بسيط ، صادق ، شريف ، أمين ، مؤتمن ، خدوم ، مخلص .. أمّا المميّزات القيادية فأظن أن كل إنسان لابد وأن يملك بعض الصفات القيادية ، فأنا مثلاً لا أخلو من بعض الصفات القيادية ، وأنت كذلك ، وغيرنا الكثير، وهو حتما يملك – مثلي ومثلك – بعض الصفات القيادية الطبيعية .. 

وأحب أن أبيّن أخي الفاضل علي أن الأسئلة التي تطرحها لا زالت تُبطن مفهوم التنظيم الهرمي ولذا أؤكّد لك أن ليس هناك في مجموعتنا إملاءات ولا حجر ولا هيمنة من أحد على أحد ، ولو راجعت حواراتك مع نرجس طريف سوف تلاحظ أنها تشير إلى هذا حين قالت أنها نظّرت للكثير من الأشياء ، وما اشتكت يوماً من حجر عليها بفكر ولا غيره .  وتأكّد بأن أفكارنا ليست من عبد الوهاب ، إنّما ادّعينا عليه شيئاً واحداً فقط وهو رؤية الإمام في رؤيا أو غيرها ، وهذا وارد للجميع ، وما قصص الأشخاص الذين نجوا من الموت في حادثة الطائرة المنكوبة بطريقة ما .. إما برؤيا ، أو إلهام قلبي ، أو رسول بشري أو أي يد غيبية بخافية على أحد ، ولأي منا الحق في أن يسمّيها كما يشاء ، وهذا الجانب في قضيتنا مجاله ضيق جداً فلا يصادر كل فكر نطرحه كوننا ادّعينا رؤية الإمام ، فالشيخ المفيد (قدس سره) – مثلاً – تشرّف بلقاء الإمام (ع) مرات قليلة طوال حياته الشريفة والعامرة بثرائه وتراثه الفكري ، وهذا التشرف باللقاء لا يمثّل إلاّ جزءً بسيطاً جدّاً من حياته ، فلا يتلخّص دوره و أهمية فكره في رؤيته للإمام فقط ويُنسى كل جانب آخر من حياته .. أريد أن أخلص من هذا أننا – من ينتمي إلى هذه المجموعة – لدينا فكرنا الخاص بنا ، ولو لم أكن أحدهم لآمنت بنفس ما أؤمن به الآن فأفكارنا أفكار توحيد وإصلاح وإزالة القوامع العقلية الموجودة .. و لو وجدت عندهم غير ذلك لرفضت ما يدعون إليه طالما لا ينطبق مع العقل والفطرة السليمة.  كما أننا لم نقل عن عبد الوهاب أنه فقيه ، وهذا يردّ على من قال أننا جعلناه فوق الفقهاء ، أو أنه سفير !! أمّا على مستوى التنظير وغيره فحاله كحالي وحالك وحال كل واحد فينا .. فهناك من ينتمي إلى هذه الجماعة ممن كتب ونظّر حسب نظرته الخاصة ، فلم يمنعه أحد ولم يُحجر عليه ، وأكبر دليل على حرية التصرّف وحرية الفكر التي نمتلكها أنني أراسلك و أراسل غيرك من تلقاء نفسي ، و أنا التي تختار الطريقة التي تريد أن تراسل أو تحاور بها من تريد أن تحاوره .. إن دور عبد الوهاب برز في قضية واحدة فقط وهي قضية الاختلافات والتحزّبات آنذاك حيث كنّا بأمس الحاجة إلى الوحدة وحيث كان واقع المسلمين بصورة عامة تسيطر عليه فكرة الولاية الأبوية ، والحجر والقمع ، وهذا ما نهانا عنه الإمام (ع) كما (ادّعى) عبد الوهاب ، فأنا أقبل هذا الكلام وغيره لأنه يوافق النظرة الطبيعية للأمور ، ولو تُركت وشأني لدعوت للديمقراطية وقبول الآخر .. أي لما ادّعى عبد الوهاب أن الإمام قاله ، فأين هذا الكلام وأين من يقول أننا اعتبرناه أعلى من الفقهاء ، وأين هذا ممن يريد أن يثبت علينا أن لدينا لوائح سرية ونوايا خفية وأهداف مبيّتة !! و لا تنس أخي الكريم أن هناك من سمّانا: شيوعيون ، وعلمانيون ، وصهيونيون , ومشعوذون … فهل تجد بينها عامل مشترك .. ولكن من يريد أن يُشوّه فلن يعدم السبل .. والسلام 

 

9- إذا لم تكن له هذه الخصوصيات ، فلماذا ينفرد من دونكم برؤية الإمام؟

10-إلى أي حد تعتمدون على هذه الرؤية في تيسير أموركم ، واتخاذ قراراتكم؟

11- ألا يخصكم عبدالوهاب بامتحانات وتمحيص؟ 

12- ما الهدف الذي يقف وراء جماعتكم؟

 

إجابة السؤال التاسع :

لست أدري .. هذا من ناحية ..

ومن ناحية أخرى أنا أعلم يقيناً أن رؤية الإمام (ع) لا تتطلّب تلك الخصوصيات التي ذكرتها ، فقد تشرّف بلقاء الإمام (ع) مئات الأشخاص ممن لا يملكون تلك الخصوصيات ولا غيرها ، ثم إن الإمام (ع) – حسب اعتقادي – حرّ ، يختار من يلتقي بهم ، وكيف ، ومتى ، وهو صاحب القرار الأول والأخير فلا يُملى عليه من قبل شيعته أو محبيه أو غيرهم ، كما وأظن أن أكبر إشكال نقع فيه نحن الشيعة في تعاملنا مع الإمام (ع) حين نتعامل معه كتعاملنا مع أي شخص آخر فنعتقد أن الإمام وخططه المستقبلية ، وطرق تحقيقها  كلها مدونة في متون كتب التاريخ فنحاول دائماً أن نطابق كل ما نقرأ بما نسمع عنه فإذا تطابقا – ربما – صدّقنا و إلا فلا .. أقول ربما صدّقنا لأننا أحياناً حتى إذا تطابق ما نسمعه ، مع ما نقرأه ، مع ما نراه وتطابق كل ذلك مع العقل السليم والتفكير السديد رغم كل ذلك لا نصدّق لأنه لا يتطابق مع هوانا ، ونفسياتنا ، وربما مع مقامنا الاجتماعي فتقف كل تلك الأشياء عائقاً دون التصديق .. ما أريد أن أقوله أخي علي ، أن الإمام (ع) إذا اختصّ عبد الوهاب دون غيره برؤيته فهذا شأن من شئونه الخاصة وليس لي أن أبت في هذا الموضوع أو أُدلي فيه برأيي .. فيداه مبسوطتان يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل.  ثم إننا كيف نرضى للإمام ما لا نرضاه لأنفسنا ، فعلى سبيل المثال نحن – كملعمين – لا نرضى لأنفسنا أن يتدخّل طلابنا في تفاصيل أدائنا لمهمتنا من طريقة التحضير ، والشرح ، والتقييم وغيرها ونعطي أنفسنا الحق في التصرف حتى خارج حدود ما يمليه علينا الموجّه أو حتى مدير المدرسة ثقة بأننا أعلم بما يصلح حال طلابنا .. فهل يحق للإمام ما يحق لنا وأكثر أم لا ؟؟

 

إجابة السؤال العاشر :

لا نعتمد عليها بتاتاً ، فتربيته لنا عليه السلام تعتمد على أن نفكّر ، ونجتهد ، ثم نقرّر ونتحمّل نتيجة قراراتنا ، حتى إذا استعصت علينا بعض الأمور فنحن لا نُملي عليه لكي يتدخل أو يُسدد أو يبتّ في هذا الأمر أو غيره وإنما هو يختار متى يتدخل ، وكيف يتدخل ..

 

إجابة السؤال الحادي عشر :

أُجيبك عن نفسي : لا ، و أعطي نفسي الحق في أن أجزم عن غيري كذلك بلا .. وهل نخلو – كلنا – من امتحانات الله سبحانه وتمحيصاته لكي ننتظر عبدالوهاب أن يمتحننا ، ثم أليس هو نفسه ممتحن من قبل الله كغيره من البشر .. أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون !! فكيف لمن هو ممتحن من قبل الله أن يسمح لنفسه أن يمتحن الآخرين ؟

 

إجابة السؤال الثاني عشر:

إصلاح أنفسنا وتزكيتها وإعدادها لنصرته ونصرة الحق أينما وجد ، والمساهمة في إصلاح المجتمع وتصحيح المسيرة الفكرية التي انحرفت عن نهجها الصحيح بما يُسمح لنا ويسنح  ..

 

13- كيف تنظرون إلى المجتمع ، هل هو منحرف أو ضال بما يمارسه ويعتقده ؟

14- لو أمركم الإمام بأمر عبر رؤية أحدكم أو رؤية عبدالوهاب ، فهل لها حجية لديكم ؟ 

15- ألا تتعارض فكرة رؤية الإمام مع مبادئ الديمقراطية ؟

16- هل بالإمكان أن تعطيني أمثلة على أمور استعصت عليكم ، ولم تتمكنوا من البت في إلا عبر الإمام ؟

17- ما الحاجة إلى رؤية الإمام إذا لم تكن ملزمة ، وإذا كانت ملزمة فما الحاجة إلى أن نفكر ونتشاور ونتدمقرط؟

 

إجابة السؤال الثالث عشر : 

لم أقصد بقولي ( تصحيح المسيرة الفكرية التي انحرفت عن نهجها الصحيح ) أن المجتمع منحرف أو ضال ولكن مجتمعنا ككل المجتمعات البشرية لا يخلو من انحراف في فكره عن النهج الأصيل الذي يستقي تعاليمه منه بعلم و بقصد أو بغير علم وبدون قصد ، فعلى سبيل المثال النظرة إلى المرأة ودورها في أوساط المتدينين ألا تراه منحرفاً عن نظرة رسول الله (ص) وعمّا يطلبه منها قرآنها الكريم، ألم يكرّمها القرآن وجعلها في مصاف الرجل ، وخاطبها بكل ما يخاطب به الرجل ، ألم يعزّها الإسلام بعد الهوان الذي كانت فيه ؟ وأحياها بعد أن كانت موؤدة !! هل ترى أثر ذلك في مجتمعنا ؟  هل ترى للمرأة دوراً متناسباً ونسبتها في المجتمع والتي تزيد عن نسبة الرجل ؟ ألا يحاول أصحاب الرأي تهميشها ، وتغييبها ، ودفنها في ظلمات ثلاث .. وإقناعها بذلك فتساهم هي بنفسها في عملية وأد نفسها راضية سعيدة بظنّها أنها تقوم بذلك طاعة لربها وتطبيقاً لقرآنه ( وقرن في بيوتكن ) .. قد تقول أن المرأة في مجتمعنا ليست كذلك فهي تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل ، ولها حضور في بعض المجالات التطوعية فأقول ليس هذا الدور السلبي هو ما أراده منها شرعها ، المرأة يجب أن تكون في المجتمع كفكر ، وكعنصر أساسي في معادلة المجتمع بدونها لا يمكن حل المعادلة والبحث عن مجاهيلها ، لا كحبة شطرنج تُحرك بأيدٍ فوقية ، ويتم اتّخاذ القرارات نيابة عنها !! هذا مجرد مثال بسيط عن انحراف فكري أدّى إلى انحراف اجتماعي وكلّف الوطن ثمناً باهضاً ، وخسارة جسيمة سنحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد لكي نرجع الأمور إلى نصابها هذا إذا استطعنا أن نخترق القيود الفكرية، والنفسية والعقائدية التي تكبّلها وتجعل المهمة عسيرة ، مستعصية إن لم تكن مستحيلة في بعض الحالات إذا ما ألغت عقلها وعوّلت على اتّباعها لتعاليم صارمة لا يمكنها أن ترفضها أو تناقشها أو تعمل بخلافها .. أرأيت أخي الكريم كيف أن انحرافاً بسيطاً يؤدي إلى ابتعاد عن الأصل بعد المشرقين ، ولن أدخل في تفاصيل دور المرأة وقيمتها في عهد رسول الله (ص) فأنت أدرى بكل ذلك …. أمّا الضلالة فليس بمعناها المطلق بل بالمعنى النسبي والذي قد يشبه الانحراف ، أو الضياع والتيه لعدم وضوح الهدف ، وعدم وجود رؤية مستقبلية شاملة .. بعض الفئات المتدينة من المجتمع تريد أن تطبّق الإسلام ، وتريده حاكماً ولكن بممارساتها اليومية الخاطئة ، وسلوكياتها غير المسئولة ، وأفكارها البالية ، وأحكامها المتحجّرة ، و أهوائها الطاغية تنفّر العالم من اسم الإسلام فكيف برسمه وحكمه .. بهذا المعنى فليس منّا إلاّ وهو ضال عن شيء ما وقد قالها الله لرسوله الكريم (ص) : ووجدك ضالاً فهدى .. وهو هو بأبي وأمي … 

 

إجابة السؤال الرابع عشر :

لا .. حتى الآن لم نأتمر بأي أمر من خلال رؤيا أو غيرها ، وليس للرؤى حجية لدينا ولو كنّا كذلك لما وجدتنا على ما نحن عليه من وضوح الرؤية والثبات على المبدأ والإصرار على الحق ( حسب اعتقادنا ) ، فمن يعتمد في حياته على الرؤى تراه شخصاً مسلوب الإرادة ، متذبذباً ، عقله مغيّب ، مسيّراً ، خائفاً ، متردّداً ، لا يدري ما يحمل له الغيب ، أو بما تأمره رؤاه أو رؤى غيره .. وهل ترى ذلك فينا ؟؟

 

إجابة السؤال الخامس عشر :

كيف ؟  فسّر لي من فضلك؟

أما إن كنت بنيت سؤالك على افتراض أن الرؤى لها حجية لدينا ، ونأتمر بأمرها فنعم تتعارض كلياً لا مع مبادئ الديمقراطية فقط بل تتعارض مع كل مبدأ عقلاني ، فكري ، إنساني ، فهي تتعارض قبلاً مع العقل وما يتعارض مع العقل يتعارض مع كل ما دونه .. ونحن نعلم – كما أنت تعلم – أن بالعقل يُثيب الله ويجازي لا بالرؤى سواء كانت من قبل عبد الوهاب أو من قبل غيره .. ولكن هذا لا يمنع أن نستأنس ببعض الرؤى التبشيرية ، المفرحة فقد كان رسول الله (ص) يطلع على قومه كل صباح يسألهم :  هل من مبشّرات ؟ يعني بها الرؤى .. ولكن لم يكن ليعوّل عليها ، ونحن كذلك نعلم أن الحياة ليست عقلاً بحتاً ، بل فيها من الغيبيات والروحانيات والمعنويات ما لا غنى لنا عنه لكي لا تفقد الحياة بهجتها وروعتها بما هو خارج عن الحياة المادية البحتة .. ولكن لا نعتمد عليها , ولا نعوّل عليها ، و لا نأخذ أمور ديننا أو دنيانا منها .. 

 

إجابة السؤال السادس عشر :

حسب علمي حالة واحدة فقط وهي عندما كانوا في السجن وبدأ أحدهم يدّعي بأنه يرى الأئمة (ع) ليأكّدوا له على أن فئة واحدة هي الناجية (والتي ينتمي إليها هذا الشخص) وأن البقية في ضلالة .. الخ هنا لجأوا إلى الإمام (ع) ليبتّ لهم في الأمر فكان ما كان من رؤى تؤكّد على الوحدة ، وقبول الآخر ، وعدم تقرير مصائر الآخرين في الجنة أو النار حسب الانتماء .. الخ  ( ليس لديّ تفاصيل أكثر عن عدد الرؤى أو ما هي تفاصيل التوجيهات التي وصلت إليهم ) .. 

 

إجابة السؤال السابع عشر :

كما سبق وقلت قد تكون الحاجة روحية ومعنوية أكثر منها مادية ، قل لي بالله عليك لو استيقظت يوماً وقد رأيت ولياً من أولياء الله الصالحين ، وبشّرك أو حذّرك هل سيكون يومك هذا سيّان مع غيره من الأيام ؟؟ وهل إن كان التحذير أو التبشير يتّفق مع العقل ، وما يأمر به الشرع أو ينهى عنه ، وألزمت نفسك به إكراماً للولي الصالح ، وشكراً لله على المنحة الالهية ، هل في هذا ما ينافي المشورة أو الديمقراطية أو حتى طاعة الفقهاء والائتمار بأوامرهم .. وهل أنت بحاجة إلى أن تستأذنهم في أن تفرح بتلك الرؤيا وتعمل بما فيها مادام خيراً ، أو تنتهي عما حذّرتك منه مادام شراً ؟!  وهل عليك أن تذهب لتسألهم إن كان من رأيته (من نبي أو إمام أو ولي ) هو بعينه أم أن الشيطان تمثّل فيه كما يدّعي البعض ؟! وينفي حديثاً شريفاً عن رسول الله (ص) : من رآنا فقد رآنا !!  

وأحب أن أذكّرك مرة أخرى بما قلته في رسائل سابقة إن أمرنا ليس قائماً على الرؤى ، و لو كنّا كذلك لوجدت أمامك مسخاً من البشر لا بشر أقل ما يصفهم به من عاداه بأنهم يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء ، وأنهم مفكّرون ، ولهم رأي سديد .. و غير ذلك ، وما توصّلنا إلى ذلك إلاّ بالتشاور والديمقراطية التي مارسناها أولاً مع بعضنا البعض وثانياً مع غيرنا ممن يقبلنا ويقبل رأينا ويتعامل معنا بسوية وانفتاح وحسن النية .. فأثرينا وارتقينا .. والسلام ..

 

صباح الخيرات .. رابحة

أشكر لك سرعة الردود . لدي طلب أتمنى أن تتمكني منه . وهو إعادة ترتيب الإجابات والأسئلة ( التي قبل السؤال العاشر ) والمدخل من خلال برنامج الورد. 

وسأكون لك  من الشاكرين .

الأسئلة في نهاية الملف

مع تحياتي لك 

 

بالمناسبة إذا كان لديك سفر خلال الإجازة ، فأرجو أن تخبريني لنتمكن من وضع مدة زمنية للانتهاء قبل سفرك  

أنا سأسفار في 5/8 /2001م  

وأتوقع أن ننتهي من الحوار قبل ذلك .

لك كل التقدير والمودة 

 

18- إذا كان الأمر كذلك ، فما الداعي لتكتلكم ؟ لماذا لا تمارسون حياتكم من غير هذا الشكل التنظيمي ؟

 

19- لِمَ هذا الإصرار الإيماني اليوتوبي ( مثالي ) على معتقدات لا ترون أنها تشكل لكم منطلقاً أساسياً ( كما أفهم من خطابك ) لحركتكم وقراركم وممارستكم ؟

 

20- لكل جماعة عَقَدِيَّة حكاية تأسيسية مقدسة ( يمكنك أن تأخذي من حكايات وقصص الأديان والمذاهب الدينية والدنيوية أمثلة كثيرة ) تستمد منها رؤيتها للوجود ، وتفسر من خلالها العالم ،وتُحَبِّك بها التاريخ . هناك عدة روايات تتعلق بحكاية جماعتكم التأسيسية ، رويت على ألسنة المناوئين لكم . بودي أن أسمعها من خلال صوتك المتماهي مع مقدسات هذه الجماعة  ؟ 

 

إجابة السؤال الثامن عشر :

.. وتصرّ أن لدينا شكل تنظيمي !!  عموماً .. المقاطعة التي فُرضت علينا دفعتنا دفعاً لأن نستقوي ونستأنس ببعضنا البعض ، فيظن الناظر إلينا من خارج دائرتنا بأننا متكتّلون .. ثم أننا نمارس حياتنا ممارسة طبيعية جداً فنحن لنا علاقاتنا الاجتماعية ، وأعمالنا التطوعية ، ومشاريعنا الفكرية والثقافية .. وعال العال ..

 

إجابة السؤالين التاسع عشر والعشرون : 

الإجابة على السؤالين السابقين ألخّصهما في أن أفكارنا ورؤيتنا للوجود …… الخ … هي هي أفكار الشيعة والمسلمين ، أفكارنا دينية تقوم على ما قاله الإسلام وعلمية تعتمد على ما أثبته العلم ، وليس لدينا منظومة خاصة .. قيامنا ، صلاتنا ، صومنا .. تماماً ما جاء به الإسلام ، اختلافنا الوحيد هي فكرة إمكانية رؤيته وعدم إمكانية ذلك ، ولكن ضُخّمت الفكرة بحيث أصبحنا نبدو وكأننا شئ مختلف عن الآخرين ، ولعل اختلافك مع الشيعة أكبر من اختلافنا ولكن الفرق أنك لم تواجه عدواً يقف لك بالمرصاد ويحاول أن يجرّك إلى حروب لا طائل منها ، ويحلّل أفعالك ويفسّرها كما يشاء .. 

والسلام .. 

 

21- ألا تلاحظين أنك تقدمين صورة ناصعة البياض ، وكأن هذه الجماعة مجموعة من الملائكة التي لا تخطئ ، ولا تطمع ، ولا تنتابها مشاعر شريرة ولا تحركها مصالح خفية .

هل من المعقول أن تحافظ هذه الجماعة على تماسكها طوال هذه السنوات من غير أن تتعرض مسيرتها إلى انحرافات أو منازعات أو انشقاقات كما هي سنة الجماعات والتنظيمات والتكتلا ( أعرف أنكم لستم تنظيماً ، مجرد جماعة بريئة من الأيديولوجيا والسياسة والمصالح واليوتوبيا وووإلخ)  ؟ 

 

هذه هي الصورة التي أراها عليها ، فإن كنت لا توافقني على ذلك فهذا من حقك وأنا أحترم رأيك .. قد لا أتّفق معك في أنني صورت الجماعة بأنها مجموعة من الملائكة التي لا تُخطئ ولا تطمع .. الخ فليس في كلامي ما يشير إلى ذلك ، ولكن أقول أننا ككل البشر تنتابنا كل هذه المشاعر الخيرة والشريرة ولكن احدى أهم أولوياتنا وثوابتنا التي لا ولن نحيد عنها هي أننا نقف بالمرصاد لكل تلك الدوافع الشريرة ، بل ونتتبعها لكي نقضي عليها أينما وجدت لذا ترى أننا رغم وجود اختلاف في الآراء بيننا إلاّ أن هذا الاختلاف لا يكّدر صفو علاقاتنا ومحبتنا لبعضنا البعض ، وهذا جرّبناه ورأيناه بكل وضوح في الأزمات ومواطن الشدّة .

أما أنه هل من المعقول أن تحافظ على تماسكها طوال هذه السنوات من غير أن تتعرض مسيرتها إلى انحرافات أو منازعات .. وماذا في ذلك مادام المدّعى أننا أُرشدنا أو سُدّدنا بنهج إمام معصوم (ع) .. ولم يكن في نفوسنا ما في  نفوس غيرنا من أمراض مستعصية كحب الظهور ، والرئاسة ، والسمعة ، والحسد وأمثالها فلقد كان هكذا أصحاب محمد (ص) وقد بقى الإسلام كدين 1400 سنة ، خرج منه من خرج أو دخل فيه من دخل .. أمّا هل أنه لم يكن هنالك نفسيات خرجت عنّا وعارضتنا ورأت لنفسها طريقاً آخر .. فهذا أيضاً قد حصل وما من جاهل في البلد لا يعرفه .. وبعض قد سلمنا مع خروجه عنّا من لسانه ويده ، والبعض الآخر أبى إلاّ أن يؤلِّب أو يؤلَّب .. ثم أخيراً نحن جماعة على قدر المدّعى من انتسابها ما كان ينبغي لها أن تنحرف بل ولا تجد دواعي الانحراف بين أحنائها .. مثل الجزع والخوف والشك وما أشبه .. فنحن قوم لا نخاف إلاّ الله ، ولا نريد إلاّ الإصلاح ما استطعنا .. وكفى ..

 

ملاحظة ..

هل أفهم من الطريقة التي أرسلت لي فيها الأسئلة والأجوبة استئذان مني بالنشر أو عدمه، أم أنك اتّخذت القرار بشأن ذلك ؟ أرجو أن يكون بيننا اتّفاق مسبق على كل شيء فأظننا ملتزمين أدبياً (ضمنياً) بعقد أنا وضعت أول شروطه ، ولنضع آخر شروطه معاً .. فما رأيك ؟؟

لقد كان هذا الحوار حواراً خاصاً بيني وبينك وما ألمحت لي يوماً بأنك تعدّه للنشر ، ولكن لا بأس فأنا وكما أسلفت آنفاً لا أخاف إلاّ الله فيمكنك أن تنشر ما كان خاصاً بيني وبينك ، لتعلم بأن ظاهري وباطني متّفقان ، ولكن لقد لاحظت أخي الكريم علي بأنك حذفت بعض المقاطع من كلامك ..  فما السبب ؟ وهل لي أن أطلب منك أن تنشر كل ما كتبته بلا تغيير – لا أقل تكون فرصتنا متكافئة في هذه الجزئية – فما رأيك ؟  

الرجاء نشر هذه الملاحظة مع الحوار .. وشكراً 

 مع تحيات  .. رابحة الزيرة 

 

علي

صباح الخير رابحة

 أرجو أن ترشديني إلى ما حذفته . حذفت شيئا بسيطا ليتناسب سياق الحوار 

 ما أكتبه هنا لا يدخل في الحوار هكذا كنت مع نرجس التي تحبينها ، لم أقرر النشر بعد والحوار لم ينته بعد ، لم العجلة ، انتظري أسئلتي النقدية .

 تحياتي لك وتذكري إننا في المرحلة القادمة من الحوار سنحتاج كثيرا إلى الابتسامات 

 

رابحة :

ما دمت تعلم ما حذفت فلا داعي لئن أرشدك إليه ، هذا البسيط الذي حذفته أودّ أن يبقى في الحوار لنفس السبب الذي حذفته ، ليتناسب سياق الحوار ، فما حذفت كان جزءاً من سؤال ولم يكن من الدردشة الجانبية .. 

 

22- إلى الآن أراك تتجنبين الحديث عن وقائع الجماعة ، أي عن ما حدث ويحدث ، وما يتعلق بهذا الفعل من حضور تاريخي وزمني مادي . إنك تحيلين أسئلتي الخاصة تعميمات أقرب إلى الهذيان الصوفي . أسألك عن أهدافك الواقعية ، فتحدثيني عن أهداف الأنبياء المثالية ، أناوشك في تصدعاتكم البشرية ، فتردين عليّ بطوباويات متخيلاتك عن التاريخ الإسلامي ، أسئلك عن المدنسات ، فتهربين نحو المقدسات .

رابحة … أرجو أن تنتبهي إلى إن إجابتك تبدو ، وكأنها لا تقول شيئاً ، أين صفحتك البيضاء ؟ أنا أثق بنيتك ، لكني لا أستطيع أن أثق في خطابك المراوغ بامتياز ، ويبدو أن مراوغته قد تمكنت منك ، فما عدت قادرة على التحكم في الحدود الدنيا من شبكات بنائه للحقيقة التي تدافعين عنها ؟ ( أجيبي في الورد ) 

إذا كنت ترى في إصلاح النفس و تزكيتها وإعدادها لنصرته (ع) والتخلّق بأخلاق المصلحين والهداة ونصرة الحق أينما وجد ، والمساهمة في إصلاح المجتمع وتصحيح المسيرة الفكرية التي انحرف بعضها عن نهجها الصحيح (هذا مضمون ردّي عل سؤالك ما الهدف الذي يقف وراء جماعتكم ) .. إذا كنت ترى أن هذه الأهداف هي أهداف الأنبياء المثالية – وهي كذلك – وربما استكثرتها وغيرك علينا أو وجدتها مثالية بالنسبة لك أو لنا ، فماذا أفعل إن كانت هذه أهدافنا و لا أستطيع أن أدّعي غيرها ، أمّا عن تصدّعاتنا البشرية فلا أرى لشيء من هذا في علاقاتنا إلاّ إذا كنت ترى في الاختلاف والتنوّع في الآراء و الاستقلالية نوعاً من التصدّع !؟ هذا لو حملت معناك على محمل الخير أمّا على المحمل الآخر فإنه ما من أحد من مخالف أو مؤالف إلاّ ويشهد بانسجامنا وتآلفنا وتوحّدنا بشكل نُحسد ويُغتاظ عليه .. لأنّا آمنّا بالإنسانية والاحترام والأخلاق الإسلامية مبدأً ، أمّا إذا قصدت يا أخي الموضوعي عن التصدّع هو بترك نفر أو نفرين لجماعتنا لأسباب تخصّ أصحابها ، فذلك ” تصدّع بشري ” يُصنّف من ضمن إرادة التمنّي وهو إمّا لتهويل حجم من تركنا أو لتمنّي حصول شرخ كبير بهذا الترك .. والاثنان خطأ ولم يكونا ولن يكونا.  فلا الذي تركنا هو بالحجم الذي يُظنّ ، ولا من شرخ قد حصل .. إنه أشبه بقولك لمليونير سقط من جيبه دينار .. “سمعنا أنّك خسرت نصف مالك” !! وأما عن المدنّسات والمقدّسات فلم أرَ أيّاً من أسئلتك يتكلّم عن هذين المفهومين إلاّ إذا استخدمت كلمات أخرى ظاهرها يعني شيئاً وباطنها يعني شيئاً آخر ، فكيف أردّ على ما لم أفهمه ؟؟ وقد أعلمتك منذ بداية حوارنا أنني لا أستسيغ الأسئلة المعقّدة والملتوية فأعدها بطريقة أبسط وبنية أصفى فربما استطعت أن أجيبك كما تُحب وبما تُحب !! 

 

23- لماذا كفاءتكم مهنية فقط ، لا نجد من بينكم كفاءة  في الإنتاج الفكري  والثقافي خارج إطار التدين التقليدي ؟

 

24- لا يبدو من كتاباتكم ومداخلاتكم أنكم على اطلاع بما يجري في ميدان العلوم الإنسانية والنقد، ويبدو أنكم غير منفتحين ولا محاورين لما ينتج من كتابات فكرية ونقدية وفلسفية في الساحة العربية . إن أقصى ما وصلتم له في التعاطي مع الآخر هو التحاور سياسيا مع التيار اليساري في البحرين . هل توافقيني ؟

 

25- هل بالإمكان أن أتعرف على تجربتك الثقافية قبل دخولك مع الجماعة ؟

 

إجابة السؤال الثالث والعشرون :

أعذرني أخي فإن سؤالك قد ينطوي على تناقضات أو مغالطات ..

  1. ما شأن كون الكفاءة المهنية مرتبطة أو منفصمة عن التديّن التقليدي؟
  2. ما الذي أوحى لك بتلبيس التديّن التقليدي علينا ؟  فإن كان لديك مفهوم خاص آخر عن التديّن التقليدي فإن ما نحن عليه ليس تديّناً تقليديّاً وإلاّ فعلام قد حوربنا ؟  لا أعتقد أن قولنا واعتقادنا أن الإمام (عج) يُرى هو فقط الذي أوحى إليك بذلك .. لكن لو كان كذلك فحتى هذه الفكرة هي خارج التديّن التقليدي المعوّج أو لا أحسبك تقول بأن كل صاحب التزام ديني ما وفكرة دينية وإن كانت عقلية وعصرية ومنفتحة أو أنها ذات أصالة حقّة … هو متديّن تقليدي .. لأنك بذلك إنما تؤصّل أصلاً لم يقل به أحد وهو أن من لا يتكلّم في أي فكرة دينية البتة هو المتديّن العصري .. أي أنّي لا أدري أ كلمة (التقليدي) هي توصيف تقييدي منك أم بياني ، فهل لديك أن الدين ثمة منه تقليدي وآخر عصري ؟ أم أنك تقول بأن الدين كله والنطق به والخطاب بآياته والاسترشاد بأحاديثه إذا دعت الحاجة وما شابه ، كل ذلك هو من الدين الذي هو تقليدي .. والمفروض ترك ذلك كلّه .. إذ هو أدلجة الأشياء حسبما يتصوّر البعض .. لا.. يجب أن نثبت أن الدين قد ظُلم مرّتين .. مرة حين حُشر في كل شئ ومُطّط وزيد فيه ما ليس منه .. وأخرى حين رُفض كلّه وأقيم عليه الحدّ ولم تُقبل شهادته.
  3. دلّني على إنتاج فكري أو ثقافي حقيقي لأي فئة في بلدنا .. نعم ، هنالك نتاج فكري لبعض مفكّري البلد وهم أشخاص مستقلّون ومشهورون على مستوى الخليج ولعلّه العالم العربي أيضاً … لكن يستوقفني تعميمك بكلمة ( لا نجد من بينكم ) وكأنك تعرف الجميع ومحيط بما لديهم و أحصيتهم عدداً .  لذلك نرى هنا أنّ الدين بتربيته الخلقية يفيد بعض الشيء فهو يمنع ( في قيمه وتربيات سلوكياته ) من القول بدون علم ومن التجنّي .. ومن تعميم الأحكام والبدار إليها .. ويدعو إلى التواضع واحترام الآخرين ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ” ليتوفّق الجميع في الكلمة الطيّبة والخلق العظيم ويتوافق بهما .

 

إجابة السؤال الرابع والعشرون :

إن كتاباتنا – التي نُشرت لنا – شحيحة بالنسبة لما لدينا , ومداخلاتنا – إن كنت تقصد بذلك مداخلاتنا في الندوات والتي أثارت حفيظة البعض علينا – كانت تصب في مجال واحد وهو خطأ مجتمعي معياري ،  فليس من الإنصاف أن تصدر حكماً من خلال عشرة مقالات أو أكثر نُشرت لنا أو من خلال مداخلاتنا في المحافل العامة ، فهل يحق لي أن أتّهمك والنخبة المثقّفة التي تمثّلها بأنكم لا تملكون أي فكر ما دمنا لم نسمع صوتكم في أي من الندوات التي أقيمت خلال الأشهر الماضية ، أو أن جُلّ اهتمامكم مصبوب على تثقيف أنفسكم نظرياً في ميدان العلوم الإنسانية والنقد ، ولم نر لكم أثراً واقعياً وعملياً في المجتمع ، مع فارق بأن أنت ومن معك مسموح لكم بأن تعبّروا عن  آرائكم بكل الطرق الممكنة ، ورغم ذلك فإننا لم نر إلاّ أثراً قليلاً لمحاوراتكم لما ينتج من كتابات فكرية ونقدية وفلسفية في الساحة العربية ، إلاّ إذا كانت إصداراتكم خاصة تُنشر على مستوى الخاصة فقط فهذا شأن آخر . وحتى ما اعتبرته بأنه أقصى ما توصّلنا إليه في التعاطي مع الآخر هو التحاور سياسياً مع التيار اليساري في البحرين لا أستطيع أن أوافقك عليه لأني لا أدري من أين استقيت معلوماتك تلك وهل لنا كتابات ومداخلات – ليس لي علم بها – تثبت ذلك.   

عموماً إنّ مضمون سؤالك قد تمّ الإجابة على بعضه في السؤال السابق أيضاً لأنّه مبتنى على أساس ادّعاء الإحاطة كقوله سبحانه (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) في الوقت أن مصدرك المقصور عليه والقاصر عنّا كان وريقات من كلام فتاة تركتنا وخلطت أموراً غير صحيحة وأرادت أن تضرّ وتُشوّه بكيفما أسلوب .. ثم عبر حوارات معي في أغلبها عمومية تلامس السطح لا أحسبها تقدّم ولا تعطي لأي قارئ أو محاور مشروعيّة الإدّعاء بالإحاطة ..

أمّا عن الكفاءة الفكرية والمشاركة في العلوم الإنسانية والنقد وقلْ مثلها في التنظيرات الاقتصادية والعلوم التطبيقية والمحاماة والطب وتأليف المناهج ونظام الحكم .. فيا أخي .. كأنك تفترضنا حزباً أو حكومة ظل أو أكثر .. نحن مواطنون ضمن مجتمع نسيجه عشرات الآلاف من المواطنين في بلد واحد .. لا يمكن لنا ولا لغيرنا أن يدّعي بأنه علينا أن يكون لنا في كل باب إصبع وكتاب ومن كل لون صبغة .. نحن نحترم المواطنين كلهم ونعلم أن ما من يدٍ ستصفّق وحدها في البلد ، ونحن نعتزّ بمفكّري البلد وأطبائه ومحاميه ومهندسيه وإعلامييه ومهنييه وكُتّابه وقرّائه وعلمائه الحقيقيين وكل ذي نتاج فكري أو مادّي .. ونعوّل على هذا المجموع في تقدّم البلد لا في ما نكتبه نحن أم أنت أم هذا وذاك ويد الله مع الجماعة .. أي أنّا نتبنّى أي فكر صحيح ونشاط إيجابي ونقبله وليس بالضرورة أن يكون خاصّاً بنا وصادراً منّا .. فنحن مع الجميع ..

ولكن عن العلوم الإنسانية والنقد فيبدو أن النتاج فيهما ضحل على صعيد البلد كلّه قاطبة .. نعم ثمّة نتاج شخصي في البلد هو بحاجة إلى إنسانية أيضاً وإلى نقدٍ ، ما نراه في خارج وطننا بالإمكان الإطلاق عليه أنه علوم إنسانية .. ومستوى فكري راق في النقد ، بعيداً عن المتاجرة بالكلمات وتسويق الأنا وأشخاصها .. لقد كانت العلوم الإنسانية والنقد مادّة لرقي البشر في مفاهيمها وعلاقاتها وسلاسة تواصلها وتجويد ذلك وتصحيحه ، لا أداة علوّ بعض البشر أو أحدها ، وتقطيع الأواصر وصراع الذوات ، وجاء النقد للبناء لا للهدم والاعتراك والغلبة وتسجيل النقاط .  

لقد كان ذلك علماً .. وصار لدينا تجارة .. ولقد كان منهج صلاح حضاري فصار بأيدي بعضنا معبراً شخصيّاً على العالمين .

عموماً يا أخي الكريم أنا لا أوافقك على ما يتضمّنه هذا السؤال وما قبله وما قبله و … على ما يتضمّنه من أحكام وتعميمات قد تُسيء للحاكم وتزري به قبل أن يجنى بها على المحكوم عليهم .. فحبّذا لو تمهّل تسرّعك مهلاً ما .. و لا تظنّ بنا كل الظنّ إلاّ هوناً ما .. واستعن بعد الله بثقافتك في العلوم الإنسانية والنقد علّها تكسر من غلواء بعض الأحكام المؤسسة على أساس آخر غير الإنصاف .. فتنحو بها نحو الموضوعية والحيادية أكثر ..

 

إجابة السؤال الخامس والعشرون :

 رغم علمي بأن هذا لن يفيدك في حوارنا ولا يصب في أهدافه ، أقول لك أن الكتاب كان دوماً خير جليس لي ، وأنني كنت أقرأ في كل شيء ولكن ليس لي تجربة ثقافية مميّزة يمكن أن تفيدك في تحليلك ولست من المدّعين ما ليس لي ولا من المتكلّفين.

 

رابحة ،،

لا تدمجي الأسئلة

أرجو أن تذكرين بالمقطع المحذوف . لا أعرفه عن جد . 

علي 

حسناً ، إذا قرّرت أن تنشر الحوار فسوف أبعث لك المقطع المحذوف أما الآن فلا حاجة لنا به ولا تشغل بالك كثيراً .. 

 مع تحياتي  .. رابحة

 

مساء الخير رابحة

أرجو أن تثقي في أن عنف أسئلتي لا يقابلها غير احترامي وودي لإنسانيتك الرائعة  

تحياتي لك أيتها الأخت العزيزة 

علي

 

26- هل هناك مبرر لبقائكم جماعةً تحمل أفكاراً خاصة ؟ لماذا لا تخرطوا – ليس بطريقة تكتيكية بل حقيقية في المجتمع بوصفكم أفراداً تمثلون ذاتكم الفردية  بدلاً من الذات الجماعية التي تثير التوجسات؟

 

27- يفتح  كل حدث تاريخي  سياقاً جديداً يتيح فيه للخطابات السياسية والاجتماعية والثقافية والمعرفية المتنافسة في المجتمع ، أن تعيد مراجعة ذاتها وذلك عبر جدولة أولوياتها وتنظيم مقولاتها وفتح ممنوعاتها وإعادة توزيع  رأس مالها الرمزي . 

في ضوء هذه المقدمة النظرية ، يمكن أن أ طرح الأسئلة التالية

– هل لديكم إعادة نظر في المفاهيم المعرفية التي يتأسس عليها خطاب جماعتكم؟

– هل تعملون على عقلنة  يوتوبياتكم ( الأحلام والمثل والأوهام ) المرتبطة بتصوراتكم للتغيرات والتحولات المستقبلية ؟ 

 

28- تتحدثون عن العمق والرؤية والتحليل والأسس المنطقية ، لكنكم لا تملكون من خلال قراءتي لمقالاتكم ومداخلاتكم وحواراتي معكم ، أي شيء مما تدعون ، فليس لديكم أدوات تحليل جديدة ولا أطروحات مميزة ، ولا تملكون رؤية قادرة على أن تعبر عن زمننا الثقافي الراهن أو أن تقرأ زمننا الماضي الذي تستحضرونه في خطاباتكم عبر الاستشهادات والتمثيلات . نعم أنت تتميزون بقدرات استراتيجية _ لامعرفية ولا ثقافية – في التعاطي مع الآخرين والمتغيرات ، ولديكم حسن استماع – لكنكم لا تحسنون الإصغاء جيدا إلى الأفكار الجديدة على عالمكم المحدود – وأدب حوار وجدية عمل وإخلاص . هل يمكنك أن تتقبلي رؤيتي النقدية لكم بوصف أمثل الآخر بالنسبة لكم ؟    

 

باعتبارك يا أخ علي قد بعثت لي الأسئلة الثلاثة جملة واحدة كحال الثلاثة السابقين وكأنها أسئلة معلّبة ومقطوعة عن سياق ما تمّ الإجابة عليه فيما قبل ، لكن لا بأس أن أضع إصبعك على خلل يقعد بتفاعلية الحوار .. فيحيله إلى أشبه ما يكون بحوار طرشان .. بكلام أظنه لديك أقرب لخطاب التدين التقليدي !  أنا يا أخ علي لست من هواة الحوارات لأجل الحوار والدردشة لأجل الدردشة ما لم يكن هنالك هدف .. وهدف صالح أيضاً ، إذ ما من شك لديّ بمقتضى إيماني بالله وأنّ هذه الحياة ما هي إلاّ محطّة عبور .. وأنّي سأُسأل عن عمري فيم أفنيته .. ووقتي فيم قضيته ، ولست بالذي يريد حواراً أسوّق به نفسي أو نسيج فكري بل ولا أوصل فيه حسبما تفضّلت من ذي قبل صوتي المقموع .. ألا فليُقمع صوتي أبد الدهر خير لي من أن أشتغل بتسويق غثاء لا يُصلح ثم لا يُرفع للسماء ، وما تسمّيه أنت “مثلٌ ويوتوبيا وأوهام” أنا أسميه عقيدة واصلة إلى يومي الآخر لتجزى كل نفس بما تسعى .. أمرني ربي أن أكون صالحة وأن يكون لي أثر في خلقه صالح .. ليحشرني إذا غادرت دنياي مع الصالحين ، ولا يهمّني أن يكون لي صيت حسن أو أثر حميد .. إذ ما ينفعني ذلك إن كنت عند ربي من المرائين أو المتكلّفين .. ولست بالذين تستهويهم معزوفات التبجيل ونشر الصور والأوتوغرافات ودقّ الدفوف .  هذا كلام قابع في القلب مركوز .. لكن من يفهمه ؟ فقط من أحسّ بوجود موجود آخر نسمّيه “مالك الوجود” يرخص فيه هذا الوجود الدنيوي الزائل إلى أدنى قيمة أو أقصر برهة ليستثمره في خير .. ليؤول إلى خلوده في خير ..ولعمري ذاك يستحق أن أبيع فيه رضا الناس جميعاً وليظنّوا فيّ ما ظنّوا .. ولقد كان هذا نشيد كل من تغرّب لغرابة مُثله وأطروحاته ونيّته الصالحة على الخير ومحبّته لنجاة الناس وخطابهم بأيسر ممّا في حوارنا هذا من تعقيد لا يُصلح العوام به ولا يستزيد الخواص منه … وهم يسخرون من هذا الخطاب الوعظي .. ويضحكون في طوي صدورهم منه فيجاب ثمة بذاك النشيد الأبدي “إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون ” ..

هذا كلام ليس موجّهاً إليك أيها الأخ علي .. ولكن هو موجّه لكل حالة استهزاء شبه-بشرية ممّن يحمل همّاً إيمانياً .. فيأخذهم جبروت الحالة ووهمهم خلود اللحظة وعنفوان زغاريد عوالم المادة .. إلى افتعال اعتراكات وجدالات وخصومات وكتابات و … وهاه .. انقضى العمر في لمحة عين ، أُطفأت الأنوار ولم يبق إلاّ الظلام الأبدي الثقيل الخطوات يزحف على الصدر المثقل بفزع لغز وحش الفناء .. وذهاب كلّ .. كلّ الأشياء ” فلا أسف يفيد ولا بكاء ” ، عالم مهول جديد فانظر كيف تضع فيه قدمك!  

أعود معك إلى محاورتك إن كان فيها خير لأحد أو رضا لله .. 

إن اليوتوبيا والوهم هي صفة كل خطاب مستحدث على مرّ العصور من علماء كجاليليو أو أنبياء كمحمد (ص) فكلهم يقال لهم كلامهم خرافة ومُثُل وأساطير وبعيدٌ عن الواقع ثم بعد سنين يقلب الزمن عقاربه فيغدو أعلى القدر أسفله .. هذا فيما لو عرفت ما هي أطروحتنا ليقال أنها يوتوبيا .. وخطابنا لتسأل بعده إن كنّا بدّلناه ليناسب الواقع أم لا ؟  ولا أدري من أين عرفت هذا .. أو أحطّت بذاك ، ونحن لمّا نفتح أفواهنا بشيء ؟! و ما نطقنا مؤخراً إلاّ بكلام مفهوم واضح مع التعدّد والديمقراطية وحرية الرأي وصلاح البلد والتعاون .. فأين هذا من اليوتوبيا .. وكل عقلاء وأخيار البلد ينطقون به ويقومون له . وأما قضية مولانا صاحب الزمان فهي قضية أراك تركّز عليها كثيراً لمزاً أو همزاً .. فاعلم أخي أننا ندّعي أنّنا معه .. وهو مسدّدنا ، وهذا أمر لا رجعة لنا فيه ومن ذاق عرف .. وليبق هاجس من يهجس في صدر كل من عرف ذلك وسمع به .. أو يمتلك مخزون الودّ لإمامه ليظلّ في شأن غير شأن من لا يعرفه (عج) يضرب عليه قلبه وضميره بوتر لا يسكن : أن هنالك رائحة وأثر لمولاه بقية الله (ع) .. قد يكذب وقد يصدق .. وإن يصدق يصبكم بعض الذي يعدكم !! 

لكنه في الأخير ليس هذا خطابنا ولا معتركنا ولا نُستفزّ عليه ونُقحم فيه ليقيننا اللاّيُبدّل أنّا في هذه القضية بالخصوص على شيء وغيرنا ليس به.  أمّا في غير ذلك من أمور الدين والدنيا جميعاً فنحن والناس سواء .. ولا يصلح أمر البلاد والعباد إلاّ بالجميع بتكاتفهم وقبولهم كل منهم للآخر مهما افترق في صدق أو ادّعاء .. وبتحالفهم وتآلفهم. 

ولو تبيّنت الأمر بدون أي شوائب لأدركت أخي أنّا أقرب الناس مودّة لكل فريق .. سواءً بفكرنا – بصدرنا – بخلقنا – وبقبولنا، ونحن لسنا “نتكتك” هذا الخطاب .. ولسنا من دعاة واجهات بضائع تستبطن خدائع ، ولماذا نعمد إلى ذلك ونحن لا نخاف ولا يضرّنا شيء ؟

نحن أيقن الناس بأن الصلاح لن يقوم إلاّ  بالجميع ؟ وأشدّ الناس أملاً بذلك ؟ وأحرص على قبول الجميع لا من حاجة وضعف بل من فكرة وعقيدة ومبدأ و خلق ، ألم تر أنا لسنوات لم نرفع يداً بالضرب ولم ندلع لساناً بالسبّ مع كثير ما فُعل بنا وقد كنّا نقدر أن نفعل ذلك؟  وغيرنا – كما تسمع وترى – البدار البدار لكل ذلك وأكثر ثم العجل العجل.  

أما عن عدّي إياك من “الآخر” ، فليس في قاموسي هذا المصطلح (الآخر) ولم أستأنسه بعد كمفهوم .. لأني أرى أنّ الآخر هو كائن مجهول .. أمّا من يحاورني فهو محاور (طبعاً هذا إن كان حواراً حقيقياً فيه زبدة وفائدة .. وإلاّ فهو استعراض ، وإن نحا للعداوة والطعن فهو تلاسن وتطاعن) لكنّي استسيغ تعبير (الرأي الآخر) .. ولكنك غير ذات هويّة واضحة بالنسبة لي .. لأعدّك رأياً آخر أم غيره .. إذ أن قضاياي تبدو هي غيرها قضاياك وهمومي هي غيرها همومك وخطابي هو غيره خطابك .. ونواياي ودواعيّ من كل ما أقوم به الآن ومستقبلاً حتى أُلحد هي غير صبغتك ودوافعك .

ناهيك عن هروبي عن هذه الثنائية التي تركّز الذات وتمحورها في الجانبين أكثر منها تُذيب المتحاورين في قضية بقصد الصلاح لا الاستظهار والاستعلاء والاستعداء .. فأنا والآخر .. تشبه في تركيبتها هابيل وقابيل وكأن ّ العالم كله نصفان .. نصف لي ونصف لك .. أنا أمثل فكرة .. فكرتين .. أفكاراً ، لا منظومة كاملة ، لا أيدلوجيا مستحدثة ، ولا أطروحة الأطروحات .. فإن كنت تغايرني في فكرة أو ثنتين فلتكن رأياً آخر ومرحباً بك. وإن كنت موافقاً أن تجنح لها .. فمرحباً بك كذلك .. وبالجميع إذ هم كل الآخر لو كان لذاتي الفانية غير الباقية من اعتبار ..

فلو اقتضبت لك الإجابات ..

 

إجابة السؤال السادس والعشرون 

نعم هناك مبرّر لبقائنا جماعة ككل الجماعات المنسجمة في أفكارها في البلد وفي العالم ولا يناقض هذا الانخراط في المجتمع كتمثيل فردي فما من رابط .. أمّا إثارة التوجّسات فهذا من بقايا أمراض المجتمع و آثار الحجر والخوف المضروب على عقله لا من تجمّعنا .

 

إجابة السؤال السابع والعشرون :

نعم – مثلما تفضّلت نحن نعيد مراجعة ذواتنا كأشخاص وجماعة وكفكر وكأسلوب وكخطاب فهذا من صفة المسلم وإن كان المسلمون تركوا ذلك ظنّاً أنهم على الحق دوماً ، وكذلك نعم لباقي السؤال لو تجاوزنا اختلافنا مع مفهومك في بعض تلك العبارات .

 

إجابة السؤال الثامن والعشرون :

قولك أنا لا نملك رؤية قادرة على أن تعبّر عن زمننا الثقافي الراهن ، فالكلّ يدّعي أنه يملك والكل يدّعي أنه الأقدر على تمثيل الواقع الراهن حتى الواغل في سلفيته له مبرّرات يقيم عليها ادّعاءه هذا .. أمّا هل عرضنا ذلك ؟ لا لم نعرض أطروحة شاملة .. وقد بيّنت لك فيما مضى أن الأطروحة الشاملة لن تكون نسيج فرد أو جماعة واحدة .. بل هي الأطروحة التوفيقية في مؤدّاها ومبتداها تجمع عقول أهل العلم وخبراتهم وأفكارهم الحق ، ونحن نعتقد أن الاستقلال بصياغة أطروحة شاملة لأي حدث أو حالة أو زمان هو مسئولية الجميع .. ومن استبدّ برأيه فيها (مدّعياً وصايته وفوقيته ولو من إمام معصوم) فقد هلك .. هذه الصياغة يكون للنقّاد (كما للمفكّرين من جميع الفرقاء) من أمثالك دور أيضاً لا للنقد لأجل النقد بل لرصد مكامن القصور فيها لتقويمها وسدّ مثالبها .. ولا ندّعي أنه يجب أن يكون علينا إصدارها أو إلينا إيرادها .. بل كل المصلحين ونحن معهم ، فقط لينظر الجميع أنه مسئول بما حباه الله من أفكار إصلاح وائتمنه على عقل وإمكانيات وقدرات يجب حشدها في طريق الإصلاح ( فليود الذي أؤتمن أمانته) وكفى ، والسلام .

 

29- يقال أن عبدالوهاب البصري يمثل الزعيم الروحي للجماعة ، وأنه لا يعمل ، ويعتمد على المدخولات الكبيرة من أموال الخمس . فهل هذا صحيح ؟ 

30- كيف تلقيت بشكل عام حواري مع نرجس طريف ؟

31- ما تعليقك على التفصيلات التي ذكرتها نرجس طريف في الحوار والتي تنال من شخصية عبدالوهاب البصري ؟

32- يقال إنك أكبر ممول للجماعة . فهل هذا صحيح؟

33- هل يمكنني أن أستضيف عبدالوهاب البصري في ندوة خاصة أو عامة ، أو على الأقل هل يمكنني أن أراه؟

 

إجابة السؤال التاسع والعشرون :

كما تفضّلت فإنّه “يقال” و ما أكثر ما يُقال .. “وحدّث العاقل بما لا يليق فإن صدّقك فلا عقل له” .. فكيف يتوافق “زعيم روحي” و “مدخولات كبيرة من أموال الخمس” هذه المعادلة تجعل كلمة “روحي” هاهنا تشبه تلك التي في “المشروبات الروحيّة” !!   لذلك لا عجب أن جعلوا هذا “الزعيم الروحي”  شرّاباً أيضاً “للمشروبات الروحية” .. ومشعوذا  “يُحضّر الأرواح” .. وغيرها .. ويجمع جميع هذه الافتراءات شيء واحد و أمنية واحدة “خروج روح عبد الوهاب البصري وروح  من معه” .. كما تخرج ” الأرواح الشرّيرة ” وكما قيل ” شرّ البلية ما يُضحك ” .

 

إجابة السؤال الثلاثون :

تلقّيته بصدر رحب فهو قد عرّفني ببعض جوانبك إيجاباً وسلباً .. وموضوعيّتك إيجابياً وسلبياً .. وهو قد عرّفني بنفسيّتها أكثر و أنّها فعلاً بحاجة ملحّة لمن يأخذ بيدها لتؤسس حياة لها جديدة قائمة على البناء لا الهدم .. والمحبة لا الوغر .. هداها الله وإيّانا جميعاً …

 

إجابة السؤال الواحد والثلاثون : 

هي تفاصيل تضاف إلى الكم الهائل من التفاصيل الأخرى التي تنافس فيها المتسابقون مثلما تنوفس في سبّ عليّ على المنابر والقول فيه من كل ما خطر على سواد قلب بشر .. وبعض لم يجد زيادة في القول فانفرد متفاخراً بسبّ فاطمة بنت الرسول (ص) .. ليعلو شأنه .. ثمّ أن سلاح النيل من الشخصيّات هو أرخصها وأمضاها وإلاّ فقل لي حسب ثقافتك العامّة التاريخية والحاضرة .. من سلم من ذلك ؟ صادقاً أم كاذباً .. لكن المتأمّل للتاريخ يرى أن أصحاب الحق لهم النصيب الأكبر من التشهير الشخصي .. لماذا ؟  لأن صاحب الأفكار الباطلة تُغني سخافة فكرته عن النظر لها فلا يُضاف مع ذلك شديد التعرّض لشخصه ، ولكن فيما لو اشتدّ ضراوة التشهير والافتراء الشخصي فهذا يدلّنا على عجز عن مقارعة الفكرة والنهج ، وهذا بالذات ما حيّر تلك الأخت .. أقرّت بصدقية الفكرة وحقّها بل وتقديسها لها وراحت تدافع عن ذلك .. فما وجدت لها متّسعاً إلاّ بحرب شخصية تضرب فيه على أوتار عواطف المجتمع المحافظ .. وأي صرخة أعظم من أن تدّعي فتاة انتهاك شرفها وتشقّ جيبها .. مثلما فعلن صويحبات يوسف .. لكن التاريخ يعلّمنا إنّ ذلك لئن مضى على بعض العقول بعضاً من الزمن فلن يمضي على كل العقول كلاً من الزمن ولقد اتّهم موسى بالزنا أيضاً ولقد قام شاه إيران بتلفيق صورة عالم دين محترم في قضية دعارة .. والله يدافع عن الذين آمنوا .. اليوم وغداً وبعد غد ..

 

إجابة السؤال الثاني والثلاثون :

هذا شرف لست أدّعيه .. ولست أعرفه .. ولا أعتقد أنّنا بحاجة إلى مموّل كبير وصغير .. فنحن نتعاضد و نتساعد على كل خير ومن كان له فضل زاد يعود به على من لا زاد له .. ولا أعتقد أيضاً أن هنالك من يعرف من بيننا من هو أكبر مموّل ! ومن هو أصغر .. وهذا يدلّك أيضاً على كثرة  الاجتهادات (الافتراءات) الشخصية بشأننا والمبثوثة لغرض ليس بنبيل .. وأعتقد أن صاحب هذا الخبر إنّما يريد أن يزايد في قربه منّا بحيث صار يعرف أسراراً لا تعرفها الناس ولا نعرفها حتى نحن .. فليضحك بخبره هذا – هداه الله – على ذقونٍ لا نعرفها ولا تعرفنا أولى له .

 

إجابة السؤال الثالث والثلاثون :

بالإمكان سؤاله شخصيّاً في ذلك فلست عليه بوكيلة ، ولا سكرتيرة أعماله , لكنه هناك من ادّعى قرابته القريبة فلعلّها تفيدك في كيفية الاتصال به إذ يبدو أنّه مازال في جعبتها معلومات كثيرة عنّا لا أعرفها لا أنا ولا نحن عن أنفسنا .

 

لكنّي – للحق – لا أعتقد أنّ الرجل ساذج كما صُوّر ولا تشجّع نفسك بتصديق ما قيل فيه .. وصدّق الأسوأ والذي لا يحتمل على بالك .. وهو ماذا لو كان فعلاً مثلما يدّعي وأنّه يُسدّد بإمام معصوم ، إذ أن هذا ما قد أثبتته محاورتك السابقة وإن كانت في الأخير – لشأن خاص يعنيها – تقول أنّه قد تبدّل .. هذا أولى أن تمزج بثقتك منه حذرك ثم تقواك والسلام …

 

مساء الخير رابحة 

اطمئني وصل تقريبا إلى النهاية 

أتوقع أن تكون هذه أسئلتي قبل الأخيرة 

تحملي ثقلي قليلا .

أرجو يا أختي العزيزة أن تشتبكي مع الأسئلة وآفاقها لا أن تأخذي موقع المدافع فقط ، فالحوار امتلاء من الآخر ، وإنصات إليه ، وقبول به واختلاف معه ، وملء فيه .

 

34- لماذا لا يخرج عبدالوهاب البصري إلى المجتمع ، في ظل هذه الأجواء الانفتاحية ، ويعلن عن برنامجه الاجتماعي والسياسي ، أتصور أن المنابر التي أتاحت لكم التحدث ، ستتيح له فرصة للتحدث ؟

 

35- ألا ترين أنكم الجماعة الوحيدة التي تحيط متبنياتها العقائدية والفكرية بكتمان شديد . وتتستر على وجودها المادي المتمثل في المؤسسات والأموال والمشاريع التجارية ، مفضلةً أن تبرز في المرحلة الحالية في صورة أقلية مضطهدة بسبب اختلافاتها الفكرية والدينية؟

ما الذي بقي في جماعتكم من أشلاء الإرث الحزبي الذي كان ينتمي  إليه مؤسسو الجماعة ؟ 

 

36- ألا ترين أن التربية الكتمانية التي نُشِّئتم عليها طوال هذه السنوات أكسبت شخصيتكم ازدواجاً نسقياً مضمراً ، أي ازدواج غير مدرك (لا شعوري ) يقع على مستوى البنية الفكرية والنفسية للشخصية ؟ 

 

37-هل حدثت طوال هذه السنوات أية تحولات على مستوى الرؤية أو الإيديولوجا بالنسبة للجماعة ؟

 

38-النقد ممارسة معرفية تخترق فيها الذات مسلماتها وبدهياتها وإجاباتها وأسئلتها لتتجاوز نفسها على المستوى الفردي والجماعي . ما حظ هذه الممارسة لديكم؟

 

39- ألا ترين إن ما تظهرونه في التعامل مع الآخرين في المجتمع من قبول بالتعدد والاختلاف ، يتناقض مع تربية العقل الجمعي الذي تعيشون ضمنه ، فهذا العقل لا يسمح بالخروج على مسلمات الجماعة العقائدية وعلى لا بدهياتها الفكرية ولا على إجاباتها المقننة ، لابد لكل فرد أن يذوب في الجماعة بروحه وعقله وقلبه ، وهذا التربية لا تعرف المختلف بقدر ما تعرف المنحرف ؟

40- هل لديكم تنسيقات مع جماعات أخرى لديها شخصيات روحية مؤهلة للالتقاء بالمهدي ، أم أنتم الجماعة الوحيدة على مستوى العالم؟

41- هل صحيح أن لديكم نصوص بليغة من الإمام المهدي تثبت أصول دعوتكم ؟

42- ما أسلوب الدعوة الذي تتبنونه للانضمام إلى جماعتك ؟ وكيف دُعيت أنت إلى ذلك ؟

43- ما الذي يعنيه مصطلح ” الأمر ” لديكم ؟

 

رابحة ..

 أخي الكريم علي ، أنا أتحمّل الناس جميعاً .. فكيف لا أتحمّلك .. فما أنت إلاّ محاور والمحاور لا يؤذي .. نعم قد يظنّ ظنّ سوء .. وهذا من حقّه إذ ما سمعه من ماكينات الشحن النفسي والذهني شكّل له خلفية في لا وعيه عنّا أصبحت كالقناعة التامّة أو كالقناع العام .. لم يترك له مناصاً ليرى سوى ذلك .. لا سيّما وإذا قام عقله الواعي بتفسير كل أمر نقوم به أو حركة نتحرّكها أو كلمة نتفّوه بها .. وفق القالب الذي صُبّ عقله فيه ونُحتت عاطفته عليه من دون أن يشعر .. وهو يظن أنه حرّ .. وغيره المقموع فكرياً .. ألا رويداً يسفر الظلام .

لكن من يحاور مهما كان قصده ونيّته أهون عندي ممّن يحرّم على نفسه ذلك .. أو لا يرى دفع المنكر (!) إلاّ باللسان سبّاً وباليد ذبّاً .

وإنّ ما تسمّيه حواراً والذي هو امتلاء الآخر – كما تفضّلت – لا أراك تقوم به .. فجُلّ ما بيني وبينك أن يُسمّى سؤالاً وجواباً ، ثم لا تقوم بتقويم أسئلتك التالية على وفق ما أجيب عنه بل تعيد ذات الاسطوانة بمفردات تركيبية أخرى .. ولا أدري ما العلّة ؟  فقط راجع الأسئلة الأخيرة وسترى أنها قد أُعيد صياغتها ولكن بجلد – ليس إلاّ – جديد.

فهروباً من التكرار واحتراماً لعقلك وعقلي .. فلن أكرّر ما تمّ الإجابة عليه .. ولكن يا أخ علي هل سمعت بسياسة الهروب إلى الأمام ؟  إنها سياسة فاشلة في قبال أطراف واعية .. لكنّها أحياناً تكون هي المخرج الوحيد .. إذا كانت الاتّجاهات مسدودة والعقول مقفلة.

ما فائدة الكلام عن شرفنا والدفاع عن فكرتنا والمحاماة عن نزاهتنا والإكثار من ذلك ، أمام من قطع وأجمع على ثبوت ما ادّعي علينا وقيل فينا .. إنّه في أشرس تمثيلاته وتنفيساته في خضمّ هذه الهجمة كالرادّ على السابّ بمثله .. لا كقول الشاعر :        

 ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني              فمررت ثمّة قلتُ لا يعنيني    

أو الأسوأ كقول القائل ( دع القافلة تسير و .. ) إذ ما جدوى الردّ على كل صوت .. لا سيّما إذا كانت ليست إلاّ صوتاً.

لكنّه في التمثيل الواقعي الذي أميل إليه أشبه بإلقاء خطاب علمي في سوق الصفافير .. وأراك – لسوء حظي – مازلت تترنّم ببعض نغمات تلك السوق .. خذ مثلاً السؤال:

 

السؤال 34 ناظر إلى الدور المرسوم في ذهنك حول شخصية عبد الوهاب وحولنا .. وأنه زعيم كزعيم الطائفة الاسماعيلية .. أي عبد الوهاب خان – البحرين .. وأرجو أن لا يكون سفاهة ما قيل فينا وضحالته قد أخذ كل العمق من فكرك ..

 

إجابة السؤال 35 :

مؤسسات ، أموال ، مشاريع تجارية .. لم يقلْ بهذا غير تلك الفتاة المسكينة التي كانت أوّل من نعق بهذا الخطر العظيم المهول .. أن يكون لدى أحدنا دكّاناً .. ولديّ روضة .. ولدى آخر محلّ أو مؤسسة تجارية .. في بلد مشاريعه بعشرات الآلاف .. وكل جماعة بل كل عائلة تمتلك من المشاريع مالا يعلمه إلاّ الله .. يالها من جماعة نحن فيها ما أخطرها .. و أشدّ كتمانها !! أمّا التستّر عن الوجود المادّي فما أدري كيف نحلّ هذه المعضلة .. هل ننشر في منشورات والصحف ما أملك من عقارات وما يملك عبد الوهاب من منزل وغيره ؟  وهل ترى أن البلد والمواطنين كلهم ينشرون ذلك في النشرات الجوّية والأرضية ؟! وهل أنك لديك ملفّات تجارة وتملّك ومشاريع الوزراء والوجهاء وعلماء الدين والأحزاب والمؤسسات وتعرفها لنضيف إلى ما لديك الورقة الناقصة في الملف .. أمّ ماذا ؟ فقط أخبرني بالآلية .. ليطمئن قلبك أنّا لا نملك المنطقة الدبلوماسية بما فيها وما عليها !!

 

أمّا السؤال 36 .. فهو كالأوائل مبني على ادّعاء الإحاطة .. ويجب أن تفرّق بين التربية الكتمانية وبين الصبر والسكوت .. وأوّل ما يناقض هذا الكلام هو (أنا) .. كنت معروفة من البداية .. لم أكتم شيئاً ولم أخف عاراً .. إنّ مفروض كلامك أنّنا كنّا مجهولين كل تلك السنين وطفرنا الآن مرة واحدة بقدرة قادر .. مع أنّ الواقع يقول العكس .. هو أنّا ظهرنا .. وهم أرادوا دفننا .. و أبى الله ذلك ..

 

أمّا السؤال 37 و 38 فقد تمّ الإجابة عليهما في السؤالين 32 و 33 الماضيين .

 

و أمّا السؤال التاسع والثلاثون فهو مؤسس على ما قيل فينا وعنّا من منقصات ومنفّرات .. وهذا الإشكال يرد على كل الجماعات الإسلامية فمهما كان جوابهم فقد يصلح هاهنا جواباً .. وكأنك تقول أنّ من ذاب مع المسيح (ع) روحاً وعقلاً وقلباً ، أو مع محمّد (ص) من أصحابه الأوائل أو مع غاندي أو مع كل مصلح أو مع كل فكرة وحسب .. لا يصلح لقبول التعدّد والاختلاف ..

بل وكل جماعة في البلد من يسار ويمين ووسط ، وفي خارجه حتى الحزب الجمهوري الأمريكي وندّه الديمقراطي كل منهما له مسلّمات عقائدية وبدهيات فكرية .. وكل شخص مفرد لديه ذلك .. ولا يعيقه ذلك من قبول الآخرين والتعدّد والاختلاف وإلاّ فما معنى التعدّد والاختلاف إذاً ؟  أليس أن يكون مالديّ ليس ما لدى غيري .. وكلّ منّا يحترم ما لدى الآخر ويبحث إن كان ثمّة منطقة مشتركة .. ألا ترى أنّه من فرط ما حُشيت عنّا بأفكار خاطئة صرت تناقض حتى المفهوم الصحيح الذي في رأسك .. ألا ترى أنّ ما تسأله فينا هو عين ما تفعله أنت ؟ فأنت كوّنت مسلّمات وبديهيات وأسئلة مقنّنة لديك .. لكنّك تدّعي أنّك مع التعدّد والاختلاف .. فهل أنت كذلك ؟  أنا أقول لك لا يمنع أن تكون أنت حتى مع هذه الحالة والوصف الآنف أن تكون مع التعدّد والاختلاف .. سلّم بما شئت أن تسلّم .. لكن إذا احترمت الطرف الآخر ورأيت ضرورة وجوده ومن حقّه ذلك الوجود كأيّ آخر .. لا أنّ (عبد الوهابنا) مفروض عليه أشياء لا مفروضة على (عبد الوهابات) التي لغيرنا . ولا أنّ عليه أن يقدّم (كشف حساب خاص ) غيره ليس مطلوباً منهم أن يقدّموه .. ولا أنّ عليه أن يُجيب على كلّ اتّهام سخيف أو فرية باطلة أو زعقة زاعق أو نعقة ناعق .. وإلاّ فهو ذو جواب مقنّن ولديه ازدواج نسقي مضمر .. وما سوى ذلك من تسميات تحليلية مقولبة.

ما عليك مما سمعت عنّا – أخ علي – خذّ منّا ما تراه .. 

ها أنا أحاورك لم أشترط فيك لحية ولا سبحة ، ولا إيماناً بنصّ بليغ ولا برؤية معصوم وحجّة .. ولم أشترط فيك حتى تنزّهاً عن نيّة غير سليمة أو قصد مضمر .. لك الخيار أن تقوم بما شئت و تظن بما شئت .. فقط أنصحك إن كنت تحبّ الناصحين .. لكنّي أقبلك بل وأعدّك خيراً من غيرك .. ولابدّ أن يكون لك من يد في الفكر أو الإصلاح أو التعاون في البلد .. أنت وأنا وغيرنا .. هكذا يقول كل عاقل يعرف صلاح الأمور .. هكذا ابتدأ محمد (ص) وهكذا سينتهي المهدي (ع) .. لا قمع وديكتاتوريّات كما يتصوّر ومثلما يُسوّق ويُشوّه .. ونحن ندّعي ما ندّعي .. وفق هذا المنظور .. ففرقٌ بين ما تقول أو ما تظن وبين ما نحن فيه .. أنت تقول أن تربيتنا ونهجنا ينفي قبول التعدّد في الوقت الذي كل كتابات جماعتنا الصحفية والمداخلات لا تطرح غير الديمقراطية والتعدّد لو قرأتها .. وأظنّك قد استبحت حريم هذا الأصل حينما رضيت أن تقرأ لمصدر واحد مما قالته فلانة عنّا وتركت كل ما كتبناه علناً ونادينا به جهراً في الصحف والمنتديات فهذا ليس من التعدّد ( لا أقل تعدّد المصادر ) وخذ منه بقية الأسئلة .. أخاطبك بمستوى واقع ما نحن فيه فتسألني عن وهم في دماغ البعض .. أتكلّم معك عمّا يجري في الأرض فتصرّ على ذكر المرّيخ … لكن مع ذلك مرحباً بك آخر على الدوام ..

عموماً بعض الأسئلة أيضاً تفترض محاوراً ترك هذه الجماعة أو أُحيل إلى التقاعد أو أعاد اكتشاف نفسه ليبدأ بعدئذ برحلة التسويق بسرد سيرته الذاتية وبيبلوغرافيته الشخصية فيضيف بطولات ويشطب مثالب وينقّح التاريخ (راجع الشق الثاني من السؤال 42) .. ومضامين عموم الأسئلة (الحوارية) الأخرى ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

 

الأخ المحترم علي الديري ..

 

آخر مجموعة أسئلة بعثتها لي كانت بتاريخ 17/7/2001 والتي وعدتني فيها أن تكون ما قبل الأخيرة ، ونوّهت بأنها ستخضع فيما بعد لترتيب آخر سنتفق عليه (حسب قولك) !!   ثم بتاريخ 20/7/2001 طلبت مني أن أمنحك قليلاً من الوقت لكي تراجع الحوار كاملاً وقبل أن تعلن نهايته المفتوحة .. وحتى اليوم 29/7/2001 لم أستلم منك لا سلام ولا كلام .. و لا حتى مع السلامة .. لا أدري ما السبب، عسى المانع أن يكون خيراً ، عموماً .. لديّ كلمة أخيرة أودّ أن أبوح لك بها فإن كنت قررّت أن تجعله حواراً مفتوح النهاية ، فاسمح لي أن أخطّ نهايته بعد أن وضعت أنت أسّه وأساسه ..وعسى أن ينفعنا الله بما علّمنا .. وكل ذلك اختصاراً عليك في مظنون بعض أسئلتك التي لم تُجب أو التي لم تأت بعد لأختمها لك ولتضيفها في ختام الحوار . 

 

الأخ الكريم علي الديري ..

… لقد حاولت من خلال حواري معك أن أفتح لك باباً يوقف في ذهنيتي وذهنيتك صراع الأضداد .. وخصومات الأنداد … ودعوى السفارة .. والحداثة .. وادّعاء الحقيقة المطلقة … والآخر .. ونوايا النقض والغلبة .. إلى باب تطلّ منه الروح الحبيسة دنيانا إلى يوم الانعتاق الأكبر .. أو يوم الانزهاق .. حسب ثنائية ” شقي وسعيد ” .. 

حاولت أن يكون لذاك العالم الآخر .. ولو إطلالة .. أو إمضاء عجالة .. علّك تأخذ شيئاً منّي في مرحول زادك في مسيرتك القادمة نحو الخير والصلاح ونحو ما يبقى و ما ينفع الناس .. عالم تُلغى فيه كل هذه التزييفات والاختراعات والمظاهر واللّكنات .. وتستوي فيه شواهد القبور .. ثم يُحصّل للوزن الحق ما تجمّع من ذرات خير وذرّات شرّ .. في هذي الصدور .. 

فإنّي أينما حلّت ركائبي من الدنيا .. نزولاً أو صعوداً .. إسفافاً أو غيره .. فإني أرجو أن لا أُكتب في أي حين إلاّ من الذاكرين .. فالله هو الرقم الوحيد الذي لا يسقط من كل معادلاتي.. لأني أريد الخير .. لكل أحد بمن فيهم نفسي .. وعلمي الثابت ” أن الخير ليس إلاّ منه سبحانه ” .. ثم ليقيني الآخر بكلمة قالها شهيد كربلاء مناجياً ربّه ” ماذا وجد من فقدك ؟  وما الذي فقد من وجدك؟ ” .. فأرخصت أن أفقد أي شيء ، كل شيء ، إلاّ واحدي وربّي .

 

إن إسقاط الله من جميع المعادلات بحجة “علممة الشيء”  وعدم “كهنتته” .. إسقاطه من الخطاب ومن الحوار ومن الثقافة ومن كل خيار .. هو الذي أردى بالبشرية إلى مهاوي الظلم والتّوحّش وسوء الظن والتّعصّب والافتراءات و العداوات  ” ذلكم ظنّكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ” . إذ حين لم يُر الله لا هادياً ولا مبشّراً ولا نذيراً .. ولا قائماً على كل نفس بما كسبت و لا حسيباً ولا رقيباً و لا آمراً ولا ناهياً و لا “من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى”  و لا هم يحزنون .. حين سقط جميع ذلك من قاموس المتعاملين ( حتى أصحاب الدعاوى الدينية لا العلمية فقط ) .. سقط معه تقواهم الفرديّة .. ونزاهتهم وأمانتهم وموضوعيّتهم .. وذهب الضابط .. ( إلاّ بقيّة ممّن عوّلوا على إنسانيتهم البحتة فترك لهم بقية من الضمير .. وهم ندارة في ندارة لا تحلّ و لا تعقد ) .. وسقطت منظومات القيم والأخلاق و أُقيم بدل ميزان العدل المأخوذ من “أمر ربّي بالقسط” و “إنّ الله يأمر بالعدل” و “الله لا يُحبّ الظالمين” و “لا يهدي القوم الظالمين” .. أُقيم ميزان الهوى .. فاختلّت المعايير وصار كلٌّ يحكم بمعيار وينظّر بمعيار ويسبّ بمعيار ويحبّ بمعيار ويبغض بمعيار .. وهلمّ جرّا .. وهي ليست موازين قسط وأكبرهم وزراً من يفعل جميع ما نهى الله عنه ثم يقول “إنّ الله أمرهم بهذا” .. بل من فرط التخبّط من سقوط “كلمة الله العليا” وإحلال “كلمة الظالمين السفلى” أي “المعيار الباطل” .. من فرط ذلك صار المرء يزن بمعيار لنفسه ما لا يزنه لغيره .. ويزن لغيره ممّن يحبّ بخلاف ما يزن لمن يبغض .. فيما سمّي اليوم بازدواجية المعايير أو حقيقة بسياسة الكيل بمكيالين.

 

عموماً لئن أشكل غير الديني البحت حشر الله في كل مسألة ممّا أهلك حتى الخطابات العلمية والأدبية موضوعيّتها ورونقها ذلك .. فنحن معه .. ونزيد بأنّ قسر الناس على قالب واحد هو عين الظلم .. فما بالك بالأفكار والخطابات وقد منع الله ذلك أساساً في “لا إكراه في الدين” و “لست عليهم بمسيطر” .. لكنّا نأخذ عليهم وعلى كل من لم يعرف الله ولم ير له وجوداً عمليّاً .. ولا يحب التعامل بقدح اسمه تبارك وتعالى .. نقول له .. حرية المعتقد والفكر مكفولة عند كل عاقل  .. لكن أحرية الظلم والتعدّي كذلك ؟ لذلك فحرية النصح و محبة الإصلاح أيضاً مكفولة لنطالب بإدخال الله في هذه القلوب والعقول ليعتدل ميزان الأشياء والأحكام و العلاقات والمعاملات .. إذ ما كل شيء في هذا الوجود بمادّي .. بل هناك معه ما وراءه .. ونقول لهم “ليس من حقّكم أن تمنعوا عنّا أن نذكر الله أونُذكّر به .. ونذكّركم به”  لاسيّما وأنّ الأخطاء في معظمها التي نخرت في أيّ إنّما لهذا السبب أصلاً وفصلاً .. بل نقول لهم مرّة أخرى مستهدين بما قاله الله سلفاً لغيرهم حين طلبوا ذات الطلب .. “أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين ؟!” 

لذلك لو تمعّنت في أجوبتي بل وفي كلّ خطاباتنا لرأيت إلحاح هذه المسألة في الصبغة العامة .. “غياب المعايير الحق”  “الموازين القسط” .. سواءً العقلية أو الأخلاقية أو السلوكية .. والتي إنّما استشرت حين “نفي الله من الوجود” وجعلت “يد الله مغلولة” .. فصار كل واحد .. المتديّن ، والمتعلّم ، والمفكّر، والكاتب .. حرّاً يفعل ما يشاء ويتخبّط حيث يشاء .. “ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك ” ..

 

لذلك تراني صابغة كلماتي بتلك الأجواء لكي لا أضيع أنا أوّلاً فأُكتب في الغافلين ، ولكي لا أقرّ غيري على ضياعه .. أو تيهه ودلاله ، إذ محبّتي لخير الغير من خيري لنفسي وإلاّ فأنا ” شرّ كلّها ” .. أمّا كيف يستوي أن أكون على عقيدة خاصة وأريد الخير للجميع .. فمثلما قال شاعر الحداثة العماني (سيف الرحبي) مستشهداً في هذا بشاعر آخر (أسير مع الجميع وخطوتي وحدي) .. ثم قال  ” العزلة هي حصننا الأخير لتجنّب هذه التفاهة ، وهذا القطيع الذي يمضي إلى حتفه ببلاهة غادرة ..” 

 

لذا عن عقيدتي الخاصة في قابلية الأخذ عن المهدي (عج) وثبوت ذلك إنما أريد أن أثبت باب خير للآخرين (وما كنت لأغلق باباً الله فاتحه)  قد لا يريده البعض لكن حتماً يريده آخرون “مضطرّون ومحتاجون ” وهذه الفكرة وإن كان لدّي فيها ما يرسخ به يقيني وقدمي في الدارين .. ويقطع شكّ كل ذي شكّ علمي .. لا شكّ نفسي ، إلاّ أن أسلوب العداء والمواجهات والشحن السالك مسالك الشرّ بأساليب أهل البغي .. يسوق لي دليلاً إضافياً مجّاناً يعاضد به ما لديّ بحسن ما أنا فيه وسوء ما فيه خصمي في هذه القضية فقط .  إنّه أشبه ما يكون بخصومة شخصين أحدهما يبتسم ويتكلّم تأدّباً ونصحاً وباحترام وخلق .. والآخر ينبح ويسبّ ويشتم ويقذف بالحجارة .. هنا يتبيّن لك بما لا يدع مجالاً للريب الفارق بين العصرية والكهفية ، وبين إنسان المدنية وإنسان جاوة ، وبين شريعة السماء وشريعة ” الجنكل “.. فيزداد يقيني الذي لا يحتاج أصلاً لزيادة .. ثقة لا غروراً .. والله وحده العاصم ..

عقيدتي أنّ الإمام يُرى ويُسدّد .. ليست غاية في حدّ ذاتها .. لذلك فهي جزئية لا أصلية .. بل هي لا تعدو أن تكون وسيلة فقط من وسائل التعرّف على الحق والحقائق .. وإنارة السبل ، إنّ المسألة أقرب بالدفاع عن حجيّة العقل ، لا لأن العقل غايتي .. أو أن أثبت وجود الدماغ من عدمه .. بل لكي لا يحجر عليّ أحدٌ أن أنهض مدافعة عمّا استقرّ عليه رأيي أو أجمع عليه عقلي .. فما هو إلاّ باب سواء فُتح لخواص أمّ لعوام أم لواحد .. ففتحه وغلقه إنّما على صاحب ذلك الباب وليس من شأن أي كان أن يقول لا يجوز رؤيته (ع) و لا ينبغي .. ولا يكون .. وغير ذلك ، هذا لمن يعتقد أن المهدي (ع) موجود .. أمّا من لم يعتقد بوجوده فقد كفى نفسه هذا العناء و المفروض أن يكفي نفسه أيضاً هذا الخصام .. ولو تغلّف حتى بحوار.

فالمسألة والقضايا ذات الاهتمام إنمّا هي قضايا الحق – العدل – الخير – الصلاح – التقدّم وما تفرّع عنه في مناحي الفكر والاجتماع والسياسة والتعليم .. والمثل والمعاش .. تلك هي ميادين حركة الكدح الإنساني المثمر .. والمخلّد ..

وفي ذلك – فليتنافس المتنافسون .. 

أمّا في سوى ذلك فلن يكون إلاّ أمر التكالب والتضارب وفي ذلك ” يترافس المترافسون ” ” ويتناحس المتناحسون ” و “يتداعس المتداعسون” وهلمّ جرّا ..

 

وفّقني الله وإيّاك والجميع لكل خير .. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ..

وتقبّل خالص تحيات .. محاورتك رابحة عيسى الزيرة 

 

ملاحظة أخيرة :

الأخ الكريم .. لقد بعث لي الكثير ممّن تعرفهم وغيرهم وممّن علموا أنّك قد بدأت حواراً معي .. راغبين في التعرّف على نتيجة هذا الحوار وإلى ما آل إليه وبعضهم من مجموعة أوال الصغرى ، وقد أخبرتهم أنّي تركت الأمر لك .. وهم يريدون أن يطّلعوا عليه من جهتي .. فما قولك .. أتودّ أن أبعثه لهم أم ستبعثه أنت ؟

رابحة

 

سيرة الذات والجماعة في حوار .. تعاقبات العمى والبصيرة

قبل أن تقرأ ..

هذا الحوار ..

يمثل تجربة امرأة (نرجس طريف) لم تتجاوز بعد الثلاثين من عمرها، استطاعت بشجاعتها أن تتغلب على كل المحظورات الاجتماعية؛ لتُسمع صوتها للعالم؛ ولتكن لديك معرفة أوسع بالموضوع عليك أن تتجول في موقع صاحبة التجربة على العنوان المذيل بالصفحة.

المحاور ..

كاتب لم يتجاوز العشرينيات من عمره، يختلف مع محاورته في رؤيتها وتوجهها وحتى في شجاعتها، فهو لا يملك حدا أدنى من الشجاعة ليصرح باسمه إليكم.

مكان و زمان الحوار ..

أجري هذا الحوار عن طريق البريد الإلكتروني، واستغرق ثلاثة أسابيع.

صياغة الحوار ..

لقد تولى المحاور صياغة الأسئلة، وتولت صاحبة التجربة صياغة إجاباتها، إلا أن الأمر لم يخلُ من بعض التعديلات اللغوية القليلة من قبل المحاور  وقد تم عرض الحوار حسب محاور الموضوعات، لا حسب الترتيب الزمني الذي تم فيه الحوار.

هدف الحوار ..

أن نتعلم كيف يتم التلاعب بالعقول ؛ كيلا يُتلاعَب بعقولنا .

المحاور

1999م

سيرة الذات والجماعة في حوار ..

تعاقبات العمى والبصيرة

الأخت نرجس طريف ..

لقد اطلعت على صفحتك وقرأت مقالاتك وقصصك، واستوحيت من خطابها أشياء كثيرة، ربما يحق لي أن أزعم أنني قد قبضت قضيتها الكبرى، وإن لم أكن إلى الآن قد استطعت تسمية مشخصاتها الواقعية أو ما يمكن أن أسميه مراجعها المادية.

ورغبة مني في اكتشاف هذه المشخصات أو المراجع التي يحيل إليها خطابك، تأتي هذه الأسئلة التي سأرسلها لك تباعاً، إذا أعلنت موافقتك.

سأنطلق في أسئلتي من منطوق خطابك، بما يحمله من إشارات وإيحاءات لغوية، ولك أن توسعي من أفق استقبالي لإشاراتك بما تدلين به من إجابات.

أرجو أن تعتبري هذه المقدمة طلبا ينتظر رداً يحدد مساحة حرية السؤال.

أرحب بك و بأسئلتك.. وأمنحك هنا حرية التنقل في أي عمق يحتاجه البحث.. وأعدك بان أكون حذرة من الوقوع في مفارقة واضحة وذلك عندما أعطي لصفحتي اسم صفحة الحقيقة وأدعو المثقفين والجادين بالتحري عنها بين السطور ثم أتردد في كشف أي أمر يساهم في جعل القضية جلية.. سأدع لك المجال كاملا لكي تكشف لي أولا ما استقرأته من خلال صفحتي وسأنطلق من خلال استقرائك في توضيح الرموز الخفية..

1- يبدو من مقالك (نواقيس الخطر) أنك تُحذِّرين من تنظيم سري كنت منخرطة فيه، و يبدو أنك الآن قد خرجت منه بعد أن اكتشفت زيفه. هل ما توصلت له صحيح أم لا؟

نعم تحليلك يدل على أنك على الطريق الصحيح..

2- ويبدو أن هذا التنظيم يستند إلى مبادئ دينية، تؤول من قبل زعامة هرمية تمارس هيمنة روحية وقيادية .

نعم .. أعجب كيف تمكنت من الوصول إلى ذلك بدقة..

قد يدل هذا على اطلاعك الخاص بمثل أنشطة هذه التنظيمات..

فتعبيرك زعامة هرمية وهيمنة روحية تعبير دقيق يعكس سر خطورة التنظيم في حالة انحرافه.. وهذا ما أشدد عليه في مقالاتي..

3- إذا لم أخطئ أظن أنك تتحدثين عن ما عـرف في البحرين بـ (السفارة) هذا التنظيم الذي يقوده (عبد الوهاب البصري) .

أظن أنك بهذا الحدس قد استحققت فعلا الجائزة التي أعلنت عنها في صفحتي!!..  لم أتوقع أن هناك من يصل إلى تحديد التنظيم بدقة وبهذه السرعة من غير أعضاء التنظيم أو المحيطين بي . نعم هذا هو التنظيم المعنى رغم تحفظاتي على الاسم والمفهوم المترسخ في ذهنك عن هذا التنظيم..

4- هل يمكن أن تعتبريني باحثا انثروبولوجيا – في جانب من أسئلتي – يدرس  – من خلال تجربتك – هذا التنظيم السري بوصفه مجموعة مغلقة متجانسة؟

أرحب بهذه الدراسة .. وقد أعطيتني حتى الآن دلالات واضحة في مقدرتك على سبر أغوار مثل  هذه القضايا ..وأرى أن مثل هذه الدراسة  لهذا التنظيم بالذات  -الذي اعتبره تجربة غنية وفريدة على كل المستويات-  يمكن أن تثري المعرفة في جوانب عميقة تخدم المجتمع عن طريق الوصول إلى فهم أوسع لذاته وتركيباته وبالتالي كشف سر التخلف والانحراف الذي تعيق مسيرته..

إذن سأبدأ بطرح أسئلتي ..

5- ربما أتفهم سبب تحفظك على الاسم، لكن ما سبب تحفظك على المفهوم، إذا لم أخطئ أظن أن السبب يعود إلى أن المعرفة العامة التي أعطت لمفهوم هذا التنظيم  هذا الاسم (السفارة) لم تكن دقيقه لأنها كانت تراه من الخارج وفق رؤيتها. هلا أوضحتِ رؤيتك المنبثقة من الداخل؟

لا شك أن أي مفهوم ينبثق من خلفية معرفية، ونظراً لأن التنظيم في أهدافه واتجاهاته وأساليبه كان محاطاً بالسرية فلا يمكن التعويل على النظرات الخارجية التي تفتقر الرؤية الكاملة.. وحتى أشرح نقطة الخلاف احتاج إلى الرجوع إلى خلفية هامة في العقيدة الإسلامية والمذهب الشيعي على الخصوص.. لا شك أنك تعرف أن قضية “الرجل المخلص” هي عقيدة راسخة ليس فقط عند المسلمين بل هي عقيدة ثابتة في معظم الأديان  وما انتظار المسيح أو عزير أو روح بوذا وغيره إلا اختلاف في الشكل لا المضمون..

وقد تميز المذهب الشيعي  في هذا المجال بعقيدته الفريدة بالإمامة.. وهذه العقيدة تستند إلى قواعد معرفية خاصة ناشئة من الإيمان باللطف الإلهي في تمكين اتصال البشر بالله عن طريق الإنسان الكامل “الذي يمثله المعصوم” وفي إقامة الحجة البالغة على الخلق عن طريق وجود القدوة الكاملة التي تهدي الطالبين إلى الدين الحق وتتمثل في الأئمة المعصومين الذين خلفوا الرسول صلى الله عليه وآله تباعاً من الإمام علي وحتى الإمام العسكري.. ولا شك أن أكبر الصدمات التي واجهت هذه العقيدة تتمثل في غيبة الإمام الثاني عشر “المهدي”..إذ بغيبته كان الانقطاع عن هذا الاتصال المباشر الذي به تتضح فكرة اللطف أو الهداية وإقامة الحجة.. ومن هذه النقطة بدأت بوادر الاختلاف في تفسير سر الغيبة و تأويل فكرة اللطف والحجة والإرشاد.. و نشأت على أثرها اجتهادات فكرية في إمكانية الاستفادة من وجوده رغم هذه الغيبة إما عن طريق الاتصال المباشر مع أشخاص معينين أو بالاتصال به روحيا عن طريق الإيمان بوجوده وانتظاره والإعداد لظهوره..

وعند التمعن في الخلاف حول هذه النقطة يمكنك أن تدرك أنه ليس مجرد خلاف فكري بل انه يمتد ليشمل جوانب فقهية وسياسية واجتماعية.. فالاتصال المباشر مع أحد مصادر التشريع -عند الشيعة- يحدد دور الفقهاء والفقه، وبالتالي يحكم على طبيعة  المعاملات المالية والاجتماعية والسياسية..  و لتتخيل حساسية الموضوع يمكنك أن تراه من زاوية أن كل ما يقبل النقد والاختلاف والنزاع بين معتنقي المذهب يصير لاغيا بمجرد إثبات هذا الأمر -أي الاتصال بالإمام- لأي شخص.. التأمل في هذه النقطة يوضح مسألتين هامتين أولاهما الضجة الكبيرة الذي يمكن أن يحدثها مثل هذا الادعاء بين فئة الفقهاء والمتضررين -لو صح ذلك-.. والثاني خطورة إدعاء هذا الأمر من غير أهله  إذ أن الضرر الواقع على المجتمع والدين مما لا يمكن حصره..

إذن فوجود إمام غائب والغيبيات المتعلقة به واحتمالية الاتصال به ليست مسألة شائكة في الفكر الديني -والمذهبي-الذي لا تصدمه عادة أعقد مسائل الإيمان بالغيب.. إنها أعقد من مجرد خلاف عقائدي أو فكر غريب و شاذ في المجتمع.. فهي خليط متجانس بين تضارب في المصالح والسياسات التنظيمية والمرجعية والفقهية بالإضافة لما يمثله من تحديات فكرية جديدة..

إن أسهل ما يمكن فعله في هذه الحالات هو نسب القضية إلى مفهوم غامض كاسم السفارة.. الذي لم يعبر حقيقة عن أي شيء عدا كونه مجرد اسم لحقبة ماضية –قد خاضها الشيعة من قبل في فترة ما يسمى بالغيبة الصغرى- والتي كان الإمام يقود فيها شيعته عن طريق سفراء أربعة معينين.. ولم يكن حينها للفقهاء أي دور اجتهادي أو عملي .. لقد انتهت حقبة السفارة المعروفة مع رحيل السفير الرابع وقد ذكر في وصيته عن الإمام المهدي أن على الناس أن يقلدوا العلماء في شئون دينهم في فترة الغيبة الكبرى -أي الفترة التي تلت مرحلة السفارة أو الغيبة الصغرى وانقطع الاتصال المعين بشخص السفير- .. وهناك أيضا اجتهادات فكرية مطروحة تناقش تحديد فترة انتهاء الغيبة الكبرى أي هل تنتهي بالظهور الأكبر (خروج الإمام) أو بشرائط الظهور الأصغر (الإعداد لخروجه) التي يرى الكثير أنها قد بدأت فعليا منذ فترة.. إذن هناك محوران في الرد -من الداخل- على اسم السفارة.. أولا أنه يعبر عن فترة معينة ومرهون بظروف موضوعية لا تتفق مع الواقع الحالي.. وثانيا إنه حتى لو جادلنا في أن المضمون هو نفسه فهناك  الاختلاف في انتفاء إمكانية “هذا المضمون” بوجود التفاسير الخاصة بالظهور الأصغر أو التهيئة والتمهيد للظهور..

فالاسم إذن مرفوض لأنه لا يعبر عن حقيقة الوضع القائم.. والمفهوم لارتباط دلالته بهذا الاسم، كما أنه لا يتناول القضية بجوانبها المعقدة السالفة الذكر.. ويسعى لتبسيطها إلى درجة مسخ حقيقة الخلاف وخطورته..

6- وضحي أكثر فكرة نشأة التنظيم؟ و ما التسمية التي يراها أقرب إلى مشروعه؟ و ما علاقة ذلك بفكرة المصالح التي تحدثت عنها؟

التنظيم بالمفهوم السابق قائم على فكرة التمهيد والتهيئة لظهور الإمام المهدي وهو صورة أخرى من صور الإعداد كالتي نجدها في الدولة الإسلامية في إيران .. وطبعاً نظراً لعدم وجود رموز معروفة بالعلم والثقة كالإمام الخميني في البحرين وتشتت الشيعة هنا وتفرقهم في تنظيمات دينية مختلفة .فالظروف العملية تحتم صورة مختلفة عملياً في التمهيد.. لذا كانت الدعوة من عبدالوهاب البصري قائمة على فكرة إنه مادام الإمام هو المرشد المباشر للتنظيم فإن شروط الصلاحية المطلوبة في الولي الفقيه غير واردة هنا.. فهو مجرد “باب للمولى” وهو الاسم المتداول لعبد الوهاب في داخل التنظيم.. وكونه باباً لا يعطيه إلا صلاحية نقل الرسائل التنظيمية والإرشادية والفقهية من الإمام إلى الأتباع..والعمل على نشر هذه الدعوة بين أكبر عدد ممكن من الأتباع..

الدعوة انطلقت في بدايتها من السجن حيث كان عبد الوهاب والجماعة الأوائل في التنظيم مسجونين لأسباب سياسية.. ومن هناك بدأ عبد الوهاب ينشر فكرة التمهيد والدعوة للالتفاف حول الإمام عن طريقه.. وكان يدعم دعوته شيئان رئيسيان -غير الفكر والمبدأ الذي كما قلت لا يخالف المذهب في واقعه- وهما أولاً الغيبيات التي كان يطلعهم عليها من خلال الرؤى (الأحلام الصادقة) أو المكاشفات وثانياً النصوص التي كانت بليغة ومتقنة من شخص عرف عنه ضحالة الفكر وفقر مقاييس العلم والأدب.. ومن هناك تسربت الدعوة إلى خارج أسوار السجن وأخذ الأتباع يبشرون “بأمر المولى” وهو اسم التنظيم الرسمي وينتظرون خروج عبد الوهاب وجماعته من السجن لتأييده.. وهذه الفترة كانت أصعب فترة مرت على أعضاء التنظيم.. فقد تداخلت الأهواء والمصالح الخاصة والتعصب للفكر في ردة فعل عنيفة وعشوائية ضد كل من يشتبه أنه ينتمي للتنظيم.. هناك الكثير ممن انسحب مخافة هذا الهجوم القاسي من المجتمع ورجال الدين.. وهناك من رسخت أقدامه بشدة بعد هذه المواجهات ولكن الشيء المؤكد أن التعامل بتلك الطريقة قد عززت على المدى البعيد قواعد التنظيم ورسخته.. فالتشويه للحقائق والكذب والإشاعات كانت الوسيلة الأقرب من متناول عامة الناس في محاربة هذا التنظيم وقد كان لهذا الأسلوب ردة فعل عكسية لكل من يتضح له فيما بعد أن هذه الحرب المعلنة لا تخلو من المصلحة الخاصة لبعض رجال الدين ولا تنفك عن أساليب الكذب والافتراء التي قصدوا بها إبعاد الناس عن الانخراط في صفوف المنضمين- وقد كان ذلك حتى انجلت الغبرة عن المعمعة!!-..

المهم أن فترة الحصار للتنظيم قد بدأت تقل تدريجيا مع مرور الزمن ومع انشغال الناس بقضايا سياسية أخرى..وكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية للتنظيم إذ رسخ فيها أقدامه وركز على الانتشار المقنن بين صفوف الطبقات الفكرية العالية نسبيا من المتدينين..والذين يتميزون عادة بدرجة من الانفتاح الفكري الذي تؤهلهم لقبول هذا الأمر غير المقبول اجتماعيا.. واتسع التنظيم ليشمل أسراً كبيرة لا مجرد أفراد.. وتفرغ أعضاؤه لعمل المشاريع التي تقويه وتموله ذاتيا..

طبعاً من خلال صفحتي يمكنك أن تشهد هذه المرحلة الابتدائية لنشأة التنظيم -من خلال وجهة نظر المنتمين للتنظيم- في قصة “منارة العلم”..التي تحكي في بدايتها كيف أن رجلاً مغموراً عرف بفشله وفجوره يختار من قبل الحكيم “أي الإمام” ليمثله وكانت الرسالة التي أراد الحكيم أن يوصلها للناس من خلاله هي إن “الآثم حضيض الذنوب” -وهي مقتطفة من رسالة مشهورة جاء بها عبد الوهاب إلى الناس كدعوة لأمر الإمام- يمكن أن تكون له عودة إلى الحق والنور بقبول أمر المولى والخضوع له… طبعا للقصة تكملة سأتعرض لها مع أسئلتك القادمة إن سمحت الفرصة..

7- بعيدا عن البعد التاريخي أود أن توضحي الفــــرق بين (باب المولى) و(السفير) من حيث الوظيفة والمكانة؟

من الصعوبة فصل المفهومين عن بعدهما التاريخي .. فالسفير وباب المولى تتعلق وظيفتهما بالتمهيد لمرحلة جديدة من مراحل مسيرة الإمام. فالشيعة كانت تتصل مباشرة بأئمتها طوال فترة الإمامة وحتى عصر الإمام المهدي.. وغيبة الإمام هي أول حادثة من نوعها في تاريخ التشيع.. لذا كانت مرحلة السفارة تمثل مرحلة تمهيدية لهذه الغيبة.. ونظرا لأن النقلة كانت من الاتصال المباشر إلى الاتصال بواسطة السفراء فقد كانت وظيفة السفير ومكانته عند الشيعة تشبه مكانة ودور الإمام نفسه –الذي تعود الشيعة الالتقاء بآبائه وعرفوا مكانتهم من قبل-.. السفير كان يمثل الإمام تمثيلا مطلقا بحيث إن كل ما يصدر عنه يعد صادراً عن الإمام نفسه.. ولما كان الناس قد تعودوا اللجوء في جميع قضاياهم للإمام فقد كان السفير هو البديل الذي كان الناس يلجئون إليه في القضايا الدينية والاجتماعية والمالية.. وكان السفير يأتيهم دوماً بالإجابة عن طريق اتصاله بالإمام.. في الطرف الآخر فإن باب المولى أو “النائب”  –وهو اسم آخر لنفس المفهوم- هي وظيفة من أجل التمهيد لظهور الإمام والانتقال من مرحلة الغيبة التامة التي أفتقد فيها الشيعة الإمام وأخذ الفقهاء دوره في الفتوى.. وتعود الناس بتقليدهم في الرجوع إليهم في القضايا الدينية والاجتماعية.. كما إن الكثير من القوانين الوضعية قد حلت محل القانون الإلهي ولا يمكن الفرار من هذا الوضع.. لذا فالباب أو النائب له دور أو وظيفة مختلفة.. فالغرض هنا تعرفي أكثر -أي التعرف على الإمام مرة أخرى- فالباب هو الوسيلة للتعرف على الإمام وعلى مفاهيم الدين التي اندثرت.. وهناك حديث معروف يفيد أن الإمام يأتي بدين جديد.. أي أن مفاهيم الدين الحقيقية تندثر وتختفي بعد طول غياب.. وخروجه هو إعادة هذه المفاهيم حية مرة أخرى.. فالباب مجرد دليل لمن يختار أن يتعرف على الإمام أو الدين الذي يأتي به كي لا يضل عن صاحبه.. ولذلك فإن الباب لا يرجع إليه عموما في قضايا فقهية -بل يقلد الأتباع الأعلم في ذلك- ولا يمكن أن يعتبر وسيلة اتصال بين الشيعة والمولى.. فالاتصال من الأعلى للأسفل أي من الإمام إلى شيعته..ولا يمكن له أن يعد برد أي جواب أو رفع أي سؤال للإمام إلا ما يعطيه إياه الإمام.. من هذا نرى أن وظيفة ومكانة الباب أقل بكثير من السفير.. وأعضاء التنظيم كانوا “في بداية أمرهم” يميزون هذه الفروق بل كانت النيابة هي مجرد وظيفة عادية يمكن أن يعزل صاحبها أو يستبدل ولا تستدعي أي مقاييس معروفة كما في أحد النصوص المعروفة “رب نائب أبعدناه ورب شلو أنبناه”..

8- هل لكِ أن تسردي الوقائع الأولى لتلقي عبد الوهاب أمر الأمام، وتلقي جماعته الأوائل لدعوته؟

يجب أولاً أن أنبه أنني لا أستطيع أن أروي هذه الوقائع كشاهدة عليها.. فأنا رغم الفترة الطويلة التي انتميت فيها إليهم (7 سنوات) إلا أنني لا اعتبر من الأوائل ولم أشهد هذه المرحلة.. فما سأرويه هنا هو مجرد ما سمعته من الآخرين ولا أستبعد فيه التزوير والحذف والإضافة..

بدأت قصة عبد الوهاب الذي كان معروفاً بتاريخه السيئ أخلاقياً بصحوة دينية غمرته مع بدايات الثورة الإيرانية .. سافر بعدها فترة إلى إيران ثم عاد إلى السجن في تهم سياسية (عام 1983) ليبقى 7 سنوات فيه.. هناك في السجن التقى بشخصيات سياسية معروفة تنتمي إلى أحزاب دينية سياسية كحزب الدعوة والجبهة وغيرهم.. في السجن اجتمعت فئة نخبوية كان الاهتمام الديني أهم أولوياتها.. وهناك بدأت الاختلافات تنشأ بينهم نتيجة المدارس المختلفة.. عبد الوهاب كان يشهد هذه الاختلافات بصمت وما كان ليعد صاحب شأن خاص بينهم خصوصا وهو غير مميز لا في علمه ولا أخلاقه .. لكنه بدأ يستثير اهتمامهم عندما بدأ يحدثهم عن بعض الأمور الغيبية.. كالذي سيحدث لهم غداً أو من سيتصل بهم وكانت هذه المغيبات تأتيه أولا عن طريق الرؤى “الأحلام الصادقة”.. البداية كانت في (عام 1986) حيث كان يرى فيها سفير الإمام الثالث “حسين بن روح” ثم صار يرى الإمام نفسه وأخيراً صار يلتقيه في اليقظة.. وفي نفس الوقت كان يأتي ببعض النصوص البليغة التي تتناول مسائل متفرقة ترسي مفهوم المرحلة المقبلة..

وهناك الكثير من الروايات المختلفة عن حقبة السجن.. ولكن المعروف أن معظم من كانوا معه ( حوالي 32 شخصاً)  آمنوا بدعوته وظلوا صامدين بقوة رغم أن المكانة العلمية والنضال السياسي لأغلبهم تفوقه بكثير.. القليل ممن كان معهم في السجن (8 أشخاص) ارتدوا لاحقا عن الإيمان بهذه الدعوة وسربوا معلومات عنها بين الأوساط الدينية ونقل الكثير من القصص عما شهدوه بين جدران السجن والتي لم تكن مقنعة كثيرا نظرا لتناقضها و الإثارة المفتعلة في تفسيرها كقصص السحر والجاسوسية وغيرها .. في (عام 1987) خرج جلال القصاب (الرجل الثاني في التنظيم) ومعه شخص آخر من القياديين و مهدوا  لدعوة عبدالوهاب بين أوساط المتدينين (خصوصا المنتمين إلى الأحزاب الدينية كحزب الدعوة).. وأخيرا خرج باب المولى (عام 1988م) من السجن مع بعض أصحابه و بدأت مع خروجه حقبة الإرهاصات الأولى العنيفة في أوساط المجتمع الديني المذهبي.

9- ما الشبهات التي أثيرت حول فكرة (باب المولى) و حول الشخص الذي يمثلها؟ وكيف تم الرد عليها؟

لقد أثارت الفكرة شبهات كثيرة لا حصر لها ولكن من المهم أن نفرق بين الشبهات العلمية وغير العلمية.. شخصياً أعتقد أن أكثر الشبهات كان منطلقها الخلط بين مفهوم السفارة وباب المولى التي وضحته سابقا.. والشبهات المثارة كان منها ما اعتمد أسلوب النقض لفكرة الحاجة للإعداد والتمهيد لظهور الإمام أو الحاجة إلى الاتصال في هذا الوقت.. أو الرفض المطلق بسبب خطورة هذا الإدعاء – حيث أن الضلال الذي ينشأ عن اتْباع كذّاب مفتر لهذا الأمر لا يمكن أن يفوقه أي ضلال آخر- وبالتالي نأت عن دراسة وتحليل القضية مطلقاً .. وأنا أعتبر أن هذه الشبهات غير علمية لأنها لا تستند إلى منطق معين في حل مسألة موغلة في العمق العقيدي والفكري.. أما الشبهات العلمية -إلى حد ما- فغالباً ما انطلقت من تحليل لبعض النصوص المعروفة عند الشيعة وحاولت نقض الفكرة استنادا عليها.. ومنها مثلاً نص معتبر عند الشيعة وهي من وصية الإمام المهدي للسفير الرابع والذي يذكر فيها “ألا فمن ادعى المشاهدة قبل  خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر..”.. وقد اعتبره الكثير حجة قاطعة في رفض الفكرة بدون النظر المتعمق في آثار هذا الرفض على العقيدة بالإمام أو التصديق بالروايات ومشاهدات أعلام معروفين عند الشيعة.. طبعاً النص معروف وثابت ولكن تأويله مختلف فيه حتى بدون وجود مثل هذه الفكرة.. فإذا كان المقصود بالمشاهدة مجرد الالتقاء بالإمام أو حتى نقل رسائل منه فتاريخ الشيعة تنقل الكثير من الروايات التي تنقض هذا النص والكثير من المشاهدات ممن لا يشك في نزاهته عندهم.. ورسائل الإمام للشيخ المفيد معروفة ويستند الكثير عليها في إثبات إمكانية الاتصال بل وحتى في أخذ بعض الأحكام الفقهية منها.. وهناك من اعتمد في إثارة الشبهات حول المسائل الغيبية -التي يرى الكثير أنها سر الإيمان بهذه الدعوة- و الجدل فيما إذا كانت الرؤى والمشاهدات الغيبية تعتبر دليلا على صدق الدعوة أم لا.. وسر ذلك أن هناك حديث معروف “من رآنا فقد رآنا فإن الشيطان لا يتلبس بنا” يدعم صدق الرؤى التي يشاهد فيها أحد المعصومين وكان الغرض من هذا الجدل تأويل هذا النص وسوق ما يبرر عدم الأخذ به في هذه الحالات.. أما أكثر الشبهات طرحاً فقد كانت تستند إلى سرد سيرة عبدالوهاب الشخصية وتاريخه غير الشريف، والسعي لتأويل إخباره بالمغيبات و إتيانه بالنصوص بالرجوع إلى درس السحر والدجل..أو أن هناك أيدي طولى -أو جهاز سياسي- يدعمه في هذه الأعمال..

السياسة التي اتخذت في داخل التنظيم -في المقابل- كانت سياسة حكيمة إلى حد كبير واعتبر أن النسق الذي أتخذ في رد الشبهات هو أكثر أسباب ترسخ التنظيم.. فمنذ البداية كانت المنهجية التي اتبعها التنظيم -بل إنه مبدأ التنظيم- قائمة على المعرفة.. ويعتبر صدر الدعاء المشهور باسم دعاء زمن الغيبة “اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك.. اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني” شعار ضمني يرفعه التنظيم.. إذن فالتحليل للقضية كان ناشئاً عن سلسلة معرفية تمتد من الإيمان بالله تعالى ومعرفة سننه في الابتلاء والتمحيص.. ومعرفة كيفية اتصال هذه السلسلة بالإمام الحجة.. ومن منطلق هذه السلسلة المعرفية لم تكن تلك الشبهات تشكل هزات حقيقية لأعضاء التنظيم بل كان الرد عليها تلقائياً.. وللتوضيح أعطيك مثالا على ذلك فالعقيدة بوجود الإمام عند الشيعة ثابتة ولكن التعرف على كيفية حياته وسر وجوده في هذه الفترة غائباً ودوره غائب عن عامتهم والقليل من يسعى للتعرف عليه.. وأظن أن عدم حسم هذه القضايا المعرفية كانت وراء  الجدل الدائر حول إمكانية اللقاء به أو الإعداد لظهوره أو فيما إذا كان هذا العصر هو عصر الظهور الأصغر أو لا.. مثل هذا الجدل قد يؤثر على عامة الناس من الخارج ولكن مستوى التفكير والردود في الداخل كانت (من منطلق مدرستهم) شيئأً آخر.. ومسألة تاريخ عبد الوهاب وسيرته الماضية ما كانت تخفي على أحد.. ولكن من منطلق تلك المدرسة أيضاً كان هذا الإشكال محلولا .. فالسنن الإلهية الثابتة في القرآن والسنة والتاريخ تؤكد على حقائق التمحيص للنفوس واختبار تسليمهم بالقضايا الإيمانية رغم اصطدامها بالعرف ونفور الطبع منها والإيمان بأن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له يجعل العقول تتقبل حقيقة أن عبد الوهاب يمكن أن يقبل في هذا المنصب بدون أي اصطدام مع الحقائق التاريخية وفوق كل ذلك كنا نرى بأن اختيار شخص بهذه السيرة هو الذي جعل استمرار هذا الأمر ممكنا على أرض الواقع في الظروف السياسية والاجتماعية الراهنة -إذ يعد اختياره بالذات تغطية مناسبة للنشاط السياسي الذي قد ينتج عنه مطاردة أمنية- .. ويمكنك الرجوع إلى قصتي “منارة العلم” والتي أوضح فيها رؤيتي من الداخل عن سر اختيار هذا الشخص بالذات والقائمة على أسس معرفية ناتجة عن استقراء السنن الإلهية.. والتي فيها أقول :”لماذا أختاره الحكيم بالذات.. ذاك سر أشبه باختيار إبليس ليمثل الجن في السماء.. سنة أو عبرة لا يهم كثيراً ما دام الحكيم قد اختاره بنفسه..”..

10- هل لفكرة (باب المولى) شواهد أو تنظيرات تاريخية في المذهب الشيعي؟

كما أسلفت بأن فكرة “باب المولى” تختص بفترة الظهور الأصغر أو التمهيد

لظهور الإمام وهذه الفترة لم تتكرر في التاريخ حتى يكون لها شواهد تاريخية.. وربما أقرب مثال لها هو السفارة التي قد بينت أوجه الاختلاف والفرق سابقا.. لذا فعندما نتكلم عن هذه الفكرة فنحن نتكلم عن تاريخ معاصر يصعب تحديد وقت بدئه بدقة ولكن يعتبر الكثير أن قيام الجمهورية الإسلامية في إيران أول العلامات الواضحة.. وهذا التحليل لا يستند فقط على التسمية المعروفة عن الجمهورية -في الأوساط الشيعية- بأنها “دولة الإمام المهدي” بل عند الشيعة شواهد وروايات وتنبؤات معروفة ومثبتة في كتبهم تتحدث بإشارات واضحة عن قيام هذه الدولة في إيران والكثير منهم يستدلون على أن تعقيب الإمام الصادق -بعد النبوءة- “أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر” بأن فترة الظهور “الأصغر” وحتى الظهور “الأكبر” تمتد في عمر الإنسان الطبيعي.. إذن يصعب ذكر شواهد تاريخية لنفس الفكرة تماماً ولكن قيام الجمهورية الإسلامية في إيران تستند إلى نفس المبدأ ولكن بصورة مختلفة خصوصاً إذا عرفنا بأن الإمام الخميني -في الأوساط الدينية المحافظة- كان يسمى بنائب الإمام الخاص.. وهناك الكثير من الكتب والأقوال التي تتحدث عن إن مسيرة الإمام الخميني وقيام الدولة والقرارات الهامة كانت بأمر الإمام المهدي مباشرة وإن لم يعلن عن ذلك صراحة فلوجود عوامل سياسية واجتماعية تحتم هذه السرية.. وأظن بأن وجود أمر شبيه بدرجة أكبر لباب المولى محتمل جداً ولكن ربما لم يكشف بعد نتيجة السرية التي تعتبر من مبادئ قيام مثل هذه التنظيمات بناء على قاعدة فقهية معروفة عند الشيعة هي “التقية”..

11- ما النصوص البليغة المتداولة بين أعضاء التنظيم و التي تؤكد صحة مزاعم (باب المولى)؟

أعاني من مشكلة تذكر النصوص حرفياً ..وخصوصا أنه في الفترة الأخيرة قبل خروجي من التنظيم كانت هناك تعليمات مشددة بعدم الاحتفاظ بأي نص لدينا بل كانت النصوص تقرأ وتعاد للمسؤول المباشر للحفاظ على سريتها؛ لذا لا أملك  نصاً واحداً مكتوباً –وإن كنت أتذكر معظمها مضموناً-.. ولكن هناك الكثير من النصوص القديمة التي قد تسربت للعامة – خصوصاً في فترة السجن والإرهاصات التي اتبعتها- وقد اتفق معظم من قرأها من الجمهور على بلاغتها وإتقان تركيباتها اللغوية ..وهذا يبرر ظهور العديد من النظريات في تأويل مصدرها (خصوصا بمعرفة أن الشخص كان جاهلاً ولا يملك أي مقدرة تؤهله لأن يكتب تلك النصوص بنفسه) .. بالنسبة لي أكثر ما يميز النصوص اللاحقة –في الفترة التي انتميت فيها للجماعة- هو بناؤها الفكري العميق واتساق الجوانب المعرفية التي تبنيها في نهج واحد يحتاج لعقلية فذة في تحليل نصوص القرآن والروايات والتاريخ (التي لا أجد أن شخصاً مثل عبد الوهاب يمكن أن يمتلكها يوماً).. وأنا أقر أنه رغم قراءاتي العديدة للكثير من المفكرين والباحثين الإسلاميين لكني لم أجد منهجاً متكاملاً في بناء الفكر والمعرفة كما وجدته في تلك النصوص.. طبعاً أعني النصوص مجردة ولا أقصد الناحية السلوكية والتطبيقية في التنظيم أو قيادته.. ورغم أني لا أتذكر النصوص حرفية ولكني استفدت من بنائها الفكري في الكثير من مقالاتي في الصفحة “كعراقيل التفكير” ،”ولو كانت سلامة النية جياداً..”، “ولمن تكلم القمر” وغيرها.. وبعض الفقرات التي أضعها بين قوسين في مقالاتي هي مقتطفات من تلك النصوص هي إشارات لأعضاء التنظيم المغيبين عن الحقيقة بأن ما تؤمنون به من نصوص هو دليل يثبت لكم خطأ مسيرتكم الحالية.. ويجب أن أقول هنا أن منهاجي ورؤيتي الخاصة بالنصوص تعتبر أول حادثة مرت في تاريخ التنظيم وهذا سر الخطورة التي تستشعره قيادة التنظيم من حركتي في المواجهة وبالتالي سعيها في فرض الحصار علي أولا ثم على اتباعهم حتى لا تنكشف هذه الرؤية الشاملة للنصوص والغيبيات ومسيرة الأمر كله..

12- كيف بدأ اتصالك بالتنظيم؟ و هل هناك أطوار فكرية مررت بها قبل الدخول في هذا التنظيم؟

الواقع أنه لم تكن لي أي اهتمامات في أي تنظيم سياسي أو ديني قبل أن أنتمي إلى هذا التنظيم ؛ وذلك أولا لعدم اقتناعي بأي من التنظيمات والاتجاهات الفكرية المطروحة وثانيا لانشغالي بالبحث الدائم والتحري عن المعرفة التي كانت هي دوما مطلبي الأول في جميع مراحل حياتي.. فمنذ نشوء مداركي الفكرية اتجهت فطريا باتجاه التأمل الذاتي والبحث العميق في مختلف المدارس الفلسفية والفكرية المشهورة وقد استغرق هذا البحث معظم سنوات عمري الدراسية.. كنت في أغلب هذه الفترة متمردة ورافضة لكل القوانين والمدارس الفكرية والدينية لذا لم أنتمِ لأي منها.. ثم كانت فترة الصحوة الإسلامية التي رافقت قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وقد كان لتلك الصحوة أثر كبير علي من ناحية فلسفية أكثر من عقائدية أو مذهبية.. اعتقد أن اكثر ما أثرت فيه الثورة بالنسبة لي أنها أعادت الإسلام كنظرية أو مدرسة فكرية يمكن النظر إليها في البحث عن المعرفة.. والواقع أنني –قبلها- لم أفكر في هذا المنحى جدياً ؛ لأنني كنت أرى الدين في قوالب بشرية جامدة الفكر –من خلال المجتمع الذي أعيش فيه- ولم أكن لاستسيغ طريقة تفكيرها ولا تدينها ولا أسلوب حياتها .. ما ميز هذه الثورة عندي هو الأدب العرفاني الخاص والمميز التي تبنته أنظمة الإعلام بصورة مركزة . وجدت فيه الكثير مما أبحث عنه في معرفة الدين بعيدا عن تعريفه التقليدي المحدود الذي يحصره في الفقه والمعاملات .. ومع هذه الصحوة أخذت دراستي الذاتية تأخذ منحى أكثر استقرارا ركزت فيه على العرفان الإسلامي والحكمة الإلهية الرفيعة وقد وجدت فيه ضالتي إلى حد بعيد.. ولكن نظرا لعدم وجود أية مدرسة أو أستاذ أو حتى مراجع كافية في مجتمعنا ظلت تلك مجرد أفكار لم أرَ مجالا لتطويرها أو تطبيقها.. ولم يكن لي حينها أي اتجاه مذهبي خاص يجعلني أؤمن أو أبحث في مسألة الإمامة والإمام المنتظر.. لذا كنت فترة الإرهاصات الأولى “لأمر المولى” غير ملتفتة أصلا لهذه القضية ولم يُعنني التحقيق فيها.. استقررت فترة في حياتي الأسرية بعد زواجــي ( عام 1989 )وإنجاب ابنتي عام1991 وكنت أعمل في شركة منطق للكمبيوتر ( محللة نظم كمبيوتر ) ما بين عام 1992 و عام 1993  وبدأ اليأس يتسرب إلي – إلى حد ما- في الوصول إلى منفذ عملي أواصل فيه بحثي في المعرفة. في هذا الوقت اتصلت بي صديقة قديمة ربطتني بها علاقة روحية قوية.. كنا من قبل نتشارك نفس الهم في البحث عن غاية للوجود.. تكلمت معي عن ظروف العصر وقضايا مختلفة وعن مسألة الإمامة وإمام الزمان.. لم تستطع أن تقنعني كثيراً بأهمية هذا البحث وخصوصا أن مستوى العمق الفكري بيننا يختلف كثيراً ولكني شعرت بفضول جعلني أقبل أن أمضي معها للنظر في قضية “الأمر” التي قالت لي أنها تريد أن تدرس صحته معي (عرفت بعد ذلك أنها طريقة أرادت من خلالها استدراجي فيها للأمر نتيجة أمر “مباشر” من القيادة).. كان اللقاء مع واحدة من أكبر القياديات في التنظيم النسائي وأعترف لها بالحكمة والصبر.. فقد دخلت معي مجادلات مطولة كنت فيها خصماً عنيداً لا يريد القبول بالتسليم حتى تحل كل العقبات الفكرية.. كان البحث معرفياً ، ولم يُعنيني في البداية أية شبهات سطحية.. عندما وصلت إلى قناعة بإمكانية الأمر قبلت الدخول بحذر عام 1992م .. وظللت لا أقبل فكرة “التسليم” – التي تعتبر من أهم البنود- حتى اطمأننت للمنهج الفكري والأخلاقي للتنظيم . بعدها أصبحت مثالا للتسليم والإيمان القوي بالقضية واستعدادي الفوري لأي أمر مهما كان من أجل خدمة التنظيم .. عموماً يجب أن أذكر هنا أن طريقة إدخالي في الأمر كانت استثنائية في أكثر من مستوى -كما صرحت لي المسؤولة- ولا يمكن أن تقاس بطريقة إدخال باقي أعضاء التنظيم.. لقد كنت “مطلوبة” أي هناك أمر بإدخالي من أعلى الهرم – لسر ما قد نتعرض له لاحقا-.. ثم أنني قد كشفت على أهم الوجوه – السيدة المسؤولة التي قابلتها- وهي التي لا تتعامل عادة مع الأعضاء الجدد لاحتمال عدم قبول الأمر منهم وفضح هويتها السرية.. كما كانت الفترة والجهد المبذول التي قضيتها حتى الإيمان بالقضية طويلة نسبية وكشفت لي الكثير من الأسرار والنصوص السرية منذ البداية.. ومنذ البداية كان التعامل معي مختلفاً إلى حد ما فقد كان كل ما يتعلق بي من أمور ترفع مباشرة لعبد الوهاب نفسه -بتصريح مسؤولتي المباشرة- متجاوزة التسلسل الهرمي الصارم الذي عادة لا يصل الشخص فيه إلى الاتصال المباشر به إلا بعد سنوات خدمة طويلة ولأمر تنظيمي هام في العادة.. أذكر هذا هنا لأن له صلة بالكثير من القصص والحوادث الواقعة التي سأثيرها لاحقاً..

13- ما أهداف التنظيم؟ و ما برنامجه العملي؟

كما أسلفت سابقاً إن أهم أهداف التنظيم هو المعرفة بالإمام والتي هي مقدمة العمل في التمهيد لظهوره.. التمهيد والإعداد يقوم على محورين تمهيد فردي وتمهيد جماعي.. فالتمهيد الفردي غايته تأهيل الكوادر المخلصة القادرة على تسلم مراكز قيادية في عملية الإعداد.. والتمهيد الجماعي أو تمهيد الدولة المقصود به العمل على قيام دولة أو جمهورية من أجل نصرة الإمام عند ظهوره..

وهناك عدة أهداف ثانوية تندرج تحت هذا الهدف الرئيسي وهي:

  1. بناء أفراد التنظيم روحيا، وفكريا، وجسديا، وماديا، واجتماعيا..

  2. تحقيق التكافل الاجتماعي وتوثيق الروابط الأخوية السامية بين أفراد التنظيم..

  3. المحافظة على كيان التنظيم بالكتمان والسرية لهوية أفراده ولتعاليمه وممارساته..

  4. تحقيق التنمية المادية والعلمية والمقدرة السياسية للتنظيم عن طريق عمل المشاريع الحساسة والتي تواكب حركة العصر وتتعلق بالتقنية العالية..

  5. التوسع الحذر بين أفراد المجتمع والتركيز على الطبقات الفكرية العالية والمستويات الاجتماعية الراقية..

أما البرامج العملية لأفراد التنظيم فهي تشمل:

  1. البحث والدراسة والتطبيق للدروس والنصوص التي كانت تتناول جميع جوانب الحياة الفكرية والروحية والسياسية والاجتماعية..

  2. تنمية القدرات والكفاءات والمؤهلات الذاتية وتسخيرها في خدمة “الأمر”..

  3. تنمية القوة الجسدية والروحية من خلال فروض واجبة (كممارسة الرياضة البدنية وبعض الرياضات الروحية)..

  4. توثيق العلاقات الأخوية القوية بين أفراد التنظيم “المكشوفين على بعضهم”..

  5. بناء علاقات متعددة في المجتمع الخارجي والعمل على إعطاء صورة مثالية تجتذب القلوب مع الحفاظ على سرية الهوية..

  6. تنمية الوعي السياسي والاجتماعي والعمل وفق متطلبات العصر..

  7. الخضوع إلى بعض الاختبارات العملية التي تبرز مستوى الأفراد وتمكنهم من احتمال المهمات والمسئوليات الخاصة في التنظيم (مثل الخضوع لأنواع من التعذيب النفسي والجسدي، اتباع أوامر ما غير مفهومة أو مقبولة شرعيا أو عرفا لقياس مدى التسليم…)..

  8. القيام بالمساهمات الفردية المتنوعة التي تخدم التنظيم فكريا أو ماديا أو اجتماعيا ..

14- ما شكله التنظيمي؟  

كما ذكرت التنظيم قائم على صورة هرمية منظمة وتحكمه بنود وقوانين دقيقة.. في قمة الهرم “باب المولى” الذي يمثله عبد الوهاب البصري.. يليه مباشرة ساعده الأيمن والرجل الثاني في التنظيم –الذي التقى بالإمام أيضا ولكن لمرة واحدة- “جلال القصاب”.. وفي الطبقة الأسفل يوجد مسئولون ومسئولات كبار لهم تسميات عديدة –لا أعرفها بالتحديد- ولكن كل مسؤول يختص عمله بجانب معين فهناك مسؤول عن الأمور الاقتصادية، وآخر للقضايا الشخصية وهناك مسئولات عن القسم النسائي.. ثم تأتي الطبقات الأدنى التي تضم مسئولين آخرين أقل رتبة يشرفون على مجموعة من الأعضاء أو العضوات.. وكل عضو عليه أن “يرفع” كل القضايا الخاصة به للمسؤول الذي يتبعه والذي يقرر بدوره أن يرفع القضية لمن يليه أو يحسمها بنفسه..وعملية “الرفع” هذه تعتبر من واجبات الأعضاء جميعا وهي التي تنظم مسيرة وتجانس المجموع.. شكل التنظيم سري وأظنه قد غير مراراً نتيجة تسرب المعلومات إلى الخارج.. لذا فإن غير القياديين المسؤولين –مثلي-لا يعرفون عادة هذا التشكيل بدقة.. وعموماً كحالة استثنائية  –كما أسلفت- كنت ألتقي بالرجلين اللذين هما في قمة الهرم مباشرة بالإضافة إلى مسؤولتي المباشرة التي تعتبر من أعلى القياديات في هذا الهرم..

15- ما المراتب التي ارتقيت فيها أثناء وجودك في التنظيم؟

منذ البداية عرف عني عدم الرغبة في الدخول في السلك التنظيمي.. كانت هناك أكثر من محاولة لمسؤولتي باستلام بعض المسئوليات الإشرافية لبعض العضوات لكني كنت أظهر عدم ارتياحي لذلك.. وذلك حقيقة لأني لا أحب دور الزعامة –خصوصا في الجوانب الدينية- ولا أرى نفسي فيها.. كنت أفضل العمل في مساهمات فكرية وبحوث معرفية وكان ذلك هو ما يميزني في “الأمر” ويرضي تطلعي الخاص.. ونظرا لعملي في الجانب التقني فكرت بخدمة “الأمر” في هذا المجال.. وكنت صاحبة مشروع – مع زوجي السابق- في إنشاء شركة معلومات تقنية – تأسست شركة التنظيم نهاية 1993م – تخدم الأمر وقمت بطرح الفكرة على قيادة التنظيم و أقنعت زوجي بها.. ومنذ البداية كان للتنظيم تطلعات كبيرة وأهداف عالية أراد تحقيقها من هذا المشروع الذي يعتبر أول مشروع تقني عال.. ولذلك فرغت تماماً من بقية الواجبات الأخرى التي على الأعضاء الآخرين القيام بها حتى أعطي كل طاقتي لتطوير هذا المشروع التي كنت أديره تماماً إدارة فنية في البداية ثم إدارة فعلية بعد الانفصال عن زوجي ( عام 1994 ) وتحملي مسؤولية إدارة العمل في الشركة.. “قصة عمل” هي حكايتي ونضالي من أجل إقامة وتثبيت هذه الشركة التي ما أن عرفت حقيقة الانحراف الخطير حتى نفضت يدي منها تماما في يناير 1999 .. وكان جزائي فــــي المقابل -انتقاماً- الجفاء والتنكر لكل الحقوق حتى “شهادة الخبرة”!

طبعاً في هذه الفترة أعتبر عملي في غاية الأهمية للتنظيم وكان يعتبر مجالا حيويا تعرفت فيه على الكثير من أعضائه وساهمت في تدريبهم التقني والإداري في العمل مما كان يحقق أحد أهم أهداف التنظيم العامة.. في نفس الفترة كنت أقوم بكتابة بعض البحوث وشرح بعض النصوص المعرفية العميقة التي كنت ألقي بعضها للمجموعة التي التقي فيها أو ترفع للقيادة العليا ويقرر تعميمها على بقية الأعضاء -حسب عمق البحث-.. ومن أهم تلك البحوث هو البحث في معرفة “القدر” أو الإمام والذي أذكره في “لمن تكلم القمر؟” و”عالم المجانين_1″

16- ما الممارسات اليومية لعضو التنظيم؟

تختلف ممارسات العضو اليومية حسب موقعه ومسئولياته في التنظيم.. كما أن ممارسات العضو في أسرة كاملة في التنظيم –إذ إن هناك الكثير من الأسر أو العوائل في التنظيم- تختلف عن ممارسات العضو المفرد التي تكون ممارساته تكون مقننة ومحسوبة نظراً لإطلاع ومراقبة أسرته له (فالسريّة تعد أهم من أي ممارسة أخرى) .. وهناك -كما أسلفت- ممارسات عامة يجب أن يعمل بها العضو (قد تكون يومية أو أسبوعية أو غير ذلك حسب مسؤولية وموقع العضو في التنظيم) وتتضمن:

  1. الاجتماع مع المسؤول المباشر -عادة أسبوعيا- وخلاله يتم ما يلي: أ- عرض أي قوانين أو تعليمات جديدة من القيادة ، ب- قراءة وشرح أي نص أو درس جديد من “الإمام” أو أحيانا شروحا للدروس من أعضاء التنظيم ، ج- إسناد مهمات خاصة أو إخضاع العضو لاختبارات تقويمية من أجل قياس أهليته لهذه المهمات، ء- عملية “الرفع” وهي واجبة على كل عضو في أي مسألة هامة تتعلق بحياته أو بالمجتمع أو بعلاقاته مع الأعضاء الآخرين..

  2. اجتماعات أخرى مع أعضاء -غالباً- من نفس الرتبة -أسبوعيا أو كل أسبوعين- ويتم خلالها التدارس والمناقشة وعمل الأنشطة الجماعية المفيدة للتنظيم..

3- ممارسة التمارين الرياضية (غالبا ثلاث مرات أسبوعيا)..

4-الاضطلاع على الصحف والمجلات السياسية أو مشاهدة الأخبار التلفزيونية والتي تعتبر من الواجبات الفردية..

5- مهمات خاصة مختلفة : قضاء حوائج الأخوان، الإعداد للمناسبات، تحضير مواضيع أو بحوث خاصة، التدبر في القرآن أو شرح النصوص… وقد أعتبر مثالاً جيداً على عدم أهمية الخضوع لهذه الممارسات اليومية عند تعارض الأولويات.. فقد كنت في بداية الأمر أخضع لهذه الممارسات (عندما كنت أعمل في شركة لا علاقة لها بالتنظيم)، ولكن عندما تحملت مسؤولية إدارة الشركة للتنظيم ألغيت جميع الممارسات -التي يمكن إلغاؤها- مثل الرياضة والمهمات الخاصة والاجتماعات الإضافية حتى أعطي للشركة كل طاقتي.. ولكن تظل المسألة فردية وتتعلق بهمة وحب العضو على العطاء فكنت أقوم ببعض هذه الأمور رغم إسقاطها لكثرة مشاغلي العملية.

17 – كيف كانت حياتكم الاجتماعية؟

الحياة الاجتماعية في التنظيم كانت مميَّزة بجميع المقاييس.. الجميع كان يعيش بروح الأسرة الحقيقية .. الاسم المتداول للأعضاء هو الأخوان والأخوات.. القوانين كانت صارمة ضد انتهاك أي حق من حقوق الأخوان.. والمشاكل الشائكة بين الأعضاء لا بد أن ترفع وتحل من قبل المسؤولين وقد يعاقب المخطئ إذا تكرر خطأه.. ويعد الالتزام بمساعدة الأخوان –مهما كانت حاجتهم- عملاً مقدساً يفوق أي عمل أو عبادة أخرى؛ لذا يتسابق الجميع لنيل شرف المساعدة.. إعالة المعوزين في الأمر وتوفير الأعمال المناسبة لهم تعتبر من واجبات التنظيم نحو أعضائه.. والكثير من النصوص والدروس كانت تطال الجانب الاجتماعي والمعاملات بين الأعضاء.. عموما التنظيم يحرص في شعاراته على التركيز على الإيثار والتفاني في الخدمة والعطاء للإخوان وهذا في اعتقادي من أكثر أسباب رسوخ الأمر ونجاحه العملي..

18-هل لانفصالك عن زوجك علاقة بالتنظيم؟

منذ بداية تعرّفي على زوجي كان الاختلاف في وجهات نظرنا وأولوياتنا واضحة.. كانت حياتنا الزوجية معرضة للفشل في كل لحظة.. وحتى لحظة اكتشافي للحمل بابنتي الوحيدة كنا نتفاوض على الانفصال.. بعد إنجاب ابنتي استقرت الأمور نسبياً وقدمت من طرفي الكثير من التنازلات حتى تسير الحياة بيننا.. عندما دخلت التنظيم واقتنعت به تماماً شعرت بأن من واجبي عرض “الأمر” عليه حتى لا أخدعه وكنت أرجو أن ينال هو أيضاً شرف الانتساب إليه.. استأذنت في ذلك وبعد تردد قُبِل طلبي في التمهيد له حتى يدخل عن طريق أحد الأخوان.. وفعلاً تمكنت من إقناعه بالقضية منطقياً –رغم البعد الشاسع بين رؤيته ورؤيتي في هذه الأمور-.. إلا أن مسيرته في الأمر كانت صعبة لتناقض أسلوب حياته غير الملتزم وتطلعاته المادية مع تعاليم الأمر الصارمة في هذا الجانب.. خلال فترة وجوده في الأمر ، ظهرت فكرة مشروع الشركة إلى الوجود وأسّسناها معاً.. وربما كان هذا هو السبب الوحيد الذي تحمل الأمر وجوده –رغم مشاكله العديدة- وتحمل هو بقاءه لارتباط الشركة التي يديرها بالأمر.. ولم يصمد كثيراً فقد كان له رغبات ونوازع غير مقبولة –حتى بالمنطق الديني العادي- فكيف بخط الأمر الذي يفترض أن يكون أعضاؤه في أعلى درجات الالتزام الأخلاقي.. وكان ذلك سبب طرده من التنظيم بأمر من “الإمام”..علاقتي به طوال هذه الفترة كانت من منطلق أوامر من عبد الوهاب أو “الإمام” نفسه .. انفصلت عنه مرة عام 1994م ثم عدت إليه بناء على طلبه ذلك من الأمر ..ثم كان أخيرا الانفصال النهائي المتوقع عام 1996 -بناء على رغبته- وذلك بعد أن طُرد من الأمر ، وسُحبت الكثير من صلاحياته في الشركة..

19 – ما الذي تعنينه بالأمر؟

التنظيم لا يسمى تنظيماً في الداخل بل يسمى “الأمر” ، وهو اختصار “لأمر المولى” التي تُعبِّر عن أن التنظيم ليس تنظيماً عاديا ،ً بل هو قائم بأمر الإمام ويسير بناءً على أوامره.

20- ما السِّر وراء حرص القيادة على إدخالك التنظيم؟

هناك عدة احتمالات سأترك الترجيح فيها لك حتى أصل في نهاية البحث لرؤيتي المتكاملة عن القضية..

الاحتمال الأول : وهو الرؤية التي يتبناها العضو من الداخل ، وهي تقوم على أسس غيبية -وقد أسلفت سابقاً بأن الأمور الغيبية تعتبر من وسائل الدعوة في التنظيم ، ويستند عليها في الكثير من القرارات-..وهي منطلقة مما سمعته من الآخرين.. صديقتي التي عرضت علي “الأمر” قد أخبرتني لاحقاً -بعد مدة من دخولي الأمر وتسليمي به فعلاً- بأنها في رؤياها “الحلم” رأتني وأنا أبدو كتائهة أبحث عن الطريق ، ورأت الإمام المهدي وهو يدعوها لكي تأخذ بيدي للمسؤولة التي قد أخذتني لها فيما بعد ، وخاطبها قائلاً وهو يشير إليَّ “بأنها منا أهل البيت”.. وهي عبارة قيلت في “سلمان الفارسي” ، ربما لأنه كان معروفا ببحثه طوال عمره عن الحقيقة.. والى هذه الرؤية كنت أشير في “ماذا يصير عندما يكون المدعى عليه قاضياً ؟”.. إضافة إلى ذلك أخبرني عبد الوهاب نفسه في أحد لقاءاتي العديدة به أن دخولي للأمر كان بأمر الإمام نفسه ، وذلك لأن لي دوراً ما “هاما” في المستقبل.. طبعاً الغاية من سوق هذا الاحتمال ليس إثباته أكثر من بيان عقيدة العضو من الداخل ولي في ذلك رؤية خاصة سأعرضها في نهاية هذا البحث..

الاحتمال الثاني : هو معرفة القيادة بي شخصياً عن طريق صديقتي أو تحرٍ معين  وأن هناك بعض الجوانب التي التمسوا فيها خدمة هامة للتنظيم .. ولكني لا أعتقد حقاً أنني كنت حتى ذلك الوقت -على الأقل- أملك مؤهلات بارزة بالشكل الذي يدعو القيادة على التصرف باستثناء معي …

الاحتمال الثالث : أنه لا استثناء بل إنه مجرد زعم زعموه لي لغرض ما ، ولكن يبقى أنني خلال السنوات التي عشتها بينهم لم أرَ تجاوزا في التسلسل ، أو السِّرية  أو طريقة إدخال الأعضاء الجدد.. عموما أنا أترك هذه الخيارات مفتوحة حتى يحين وقت شرحي لرؤيتي الخاصة في الموضوع …

21- هل يعــرف أعضاء التنظيم (الأمر) تفاصيل عن أســــلوب حياة باب ( المولى )؟

عادة لا يعرف الأعضاء العاديّون تفاصيل حياته الخاصة (إلا من له اتصال مباشر به).. ولكن بعض الأحيان تعمم بعض الأمور الخاصة به ، مثل سفره إلى الخارج في مهمات لا بأس بمعرفتها.. وأحياناً تعمم بعض الردود على الشبهات المثارة حول شخصه.. فيما عدا ذلك فإن أسلوب حياته الخاصة غير معروف لمعظم الأعضاء (لكنني كنت أعرف كثيرا منها بحسب اتصالي المباشر به)..

22- هل للقاءاتك بباب المولى طقوس خاصة؟

(مثل ماذا؟!!) لا ليست هناك أي طقوس خاصة ، ولكن هناك طريقة مقنَّنة لهذه اللقاءات .. فنظراً لأهمية السِّرية ، كانت اللقاءات تُرتَّب عن طريق مسؤولتي المباشرة ، وتحدد لي الوقت والمكان والمرافقين (إن وُجدوا) لهذا اللقاء.. طبعا اللقاءات كانت تختلف بحسب الغاية منها.. كنت ألتقي به فردياً لأمور خاصة -سأتعرض لها عند فك الرموز- وأحياناً لزيارات عائلية بحضور زوجته وأطفاله وحضور مسؤولتي (وفي الفترة الأخيرة شقيقتي التي انضمَّت لاحقا إلى التنظيم)..وكانت هناك لقاءات أخرى تختص بالعمل يحضرها فريق العمل في الشركة (المنضمّون للتنظيم).. وحلقات دروس خاصة لمهمات معينة .. قصة “من هو المغرور؟” تتناول إحدى الحلقات الخاصة “الاستثنائية” التي نظمت لمجموعة من العضوات كنت أنا إحداهن ، و كان عبد الوهاب يباشرها بنفسه..

23-  كيف كان عبد الوهاب يبرر استمرار الحاجة إلى الفقهاء مع وجود من يتصل بالإمام ؟ وكيف كان ينظر إلى فتاوى الفقهاء المكذبة له ؟

إجابة القسم الأول تجدها في إجابتي عن الفرق بين “باب المولى” و “السفير”.. فالغرض من “باب المولى” هو المعرفة بالإمام والتمهيد لظهوره ولا علاقة له بالفقه.. واتصال “باب المولى” بالإمام ليس من أجل الأحكام الفقهية ولا ألغي دورهم بل لكل مجاله الخاص.. وهو بذلك يشبه عدم تعارض دور الولي الفقيه ودور الفقهاء..

إما بالنسبة لفتاوى الفقهاء المكذبة فالرد عليه يأتي من جانبين.. الأول وهو الأساسي في رد الموضوع جملة وتفصيلا ، وهو أن دور الفقهاء يتناول القضايا الشرعية لا قضايا العقيدة (لا تقليد في أصول العقيدة) والإمامة ومتعلقاتها من مسائل العقيدة التي لا تقليد فيها بل على المكلف أن يصل إليها بالبحث العقلي تماما كالإيمان بالنبوة والتوحيد وباقي أصول الدين.. والجانب الثاني يتعلق بتفسير هذه الفتاوى أو تبريرها وهو يتضمن عدة تفاسير: أولا ما شرحته في البداية عن اختلاط مواقف علماء الدين والفقهاء بشبهات تعارض المصالح الذي قد يشكك في كون هذه الفتاوى نزيهة أم لا.. وثانيا أن الفتاوى أصدرت بناء على ما يروجه الناس من شائعات كاذبة ورؤية غير صحيحة لحقيقة (الأمر).. وثالثا أن هناك من الفقهاء (كالإمام الخميني) من لم يصدر فتاوى صريحة في ذلك؛ وهو دلالة على عدم أخذه بردود أفعال عامة الفقهاء (لكونه مطلعاً على حقيقة “الأمر”).. طبعا عدم التصريح من قبل هذه الفئة من الفقهاء بالتأييد مطلوب وهام جداً لحماية التنظيم (من الملاحقة في حالة تأييد رجال الدين له)..

24- كيف كانت تبدو سيماء ( باب المولى) ؟

لا أعرف معنى السؤال تحديداً (فالرجل عادي بجميع المقاييس!! وليس من عادتي أن أدقق النظر في الوجوه –رغم الاتصال بيننا-) كما أني لا أضمن أن أجيب على هذا السؤال بتجرد وحياد.. فنظرا لما كان يمثله من “قدسية” عندنا كنت أراه في بداية الأمر بسيماء الصالحين (في تعاقبات العمى).. لاحقا وفي “المواجهة الكبيرة” التي خاطبته فيها باسم (الكلب) كنت أرى سيماه (حقا) كذلك (في تعاقبات البصيرة).. أظن أن أكثر من يستطيع إجابتك على ذلك شخص حيادي لا يعرف هويته ولست أدعي لنفسي ذلك!!

25- كيف كنتم تمارسون أسلوب الدعوة ؟

كما قلت الفترة التي انتميت فيها للأمر كانت فترة ترسيخ للأمر من الداخل.. أسلوب الدعوة كان حذرا جداً ، ويعتمد على المعرفة الشخصية بالأفراد “المستهدفين”.. كنا في هذه الفترة نرفع شعار الإمام “كونوا دعاة لنا بأخلاقكم”.. والواقع أنه رغم خصومة  المعارضين الشديدة فقد كانوا يشهدون للأعضاء (المكشوفين) بالأخلاق العالية ؛ وهذا كان أحد أهم أساليب التأثير نتيجة للثقة بالأشخاص (قبل التعرف على حقيقة انتمائهم).. ترشيح الأعضاء الجدد يمكن أن يأتي من أي عضو عن طريق “الرفع” ، ويجب أن يدعم بأسباب قوية لهذا الترشيح (كما أسلفت أن التركيز كان على المستويات الفكرية العالية والأفراد الفعالين في المجتمع أو المرموقين اجتماعيا).. يدرس الترشيح من قبل القيادة المسؤولة عن الأعضاء الجدد.. تعمل بعض الاختبارات للفرد قبل عرض (الأمر) عليه لقياس درجة تقبله.. ثم يُرسل الشخص المناسب (فكريا) أو الموثوق به عند الشخص ليقوم بمهمة عرض “الأمر” عليه بالصورة التي تناسب عقليته وخلفيته الدينية والمذهبية.. وقد يدعم الداعي بأشخاص آخرين حسب تطلب الحاجة.. ويجب أن أنبِّه على أن هناك مستويات وأغراضاً مختلفة من الأعضاء وبحسب الغرض المطلوب تكون طريقة عرض (الأمر) عليه.. فهناك من الأعضاء الذين تعرفت على أحدهم ممن قضى سنين طويلة يخدم (الأمر) بطريقة معينة ، دون أن يعرف أن هذا الأمر هو نفسه ما يسمى بالسفارة ، وأن القائد هو عبد الوهاب!!

26- هل كان التنظيم في أسلوب عمله و ممارساته في عمليات الإعداد و التهيئة الفردية و الجمـاعية يستفيد من التنظيمات السابقة أو الأخرى ؟

نعم يسلك التنظيم في أسلوب عمله وممارساته الأسلوب العلمي الذي يدرس فيها مختلف الأساليب المطروحة في الساحة ، ويستفيد من تجاربها وأخطائها.. الكثير من التعاليم كانت تحثّ على الاطِّلاع على الأساليب الحضارية وتجارب الآخرين – ليست التنظيمية فقط- والاستفادة منها.. وقد كان من أحد واجبات بعض الأعضاء الخاصة (المؤهلين) القيام بمثل هذه البحوث ، وتقديمها للعمل على تطوير الخدمات والممارسات وأساليب الدعوة وغيرها..

27- من هو المنظر الفعلي للتنظيم ؟ و ما مؤهلاته ؟

لا أعرف المقصود تحديدا بالمنظر الفعلي.. نظرياً –بالنسبة لأعضاء التنظيم- المنظر الفعلي هو “المولى” الذي من خلال نصوصه ودروسه يحدد مسيرة الأمر ، أما بقية الأعضاء (بمن فيهم عبد الوهاب) فهم مجرد ظل يلتمسون تعليماته.. طبعاً التنظيم يشمل أعضاء نشطين فكرياً وعلى قدر كبير من الثقافة (في مختلف أنواعها) وقد يكون الرجل الثاني ( جلال القصاب ) هو أكثر المعروفين بالنشاط الفكري ، والثقافي ، والقدرة على التحليل ، والمناورة والجدال  – حتى قبل انتمائه للأمر- (لكني لا أعرف بالتحديد مؤهلاته العلمية والثقافية).. وله الكثير من المساهمات الفكرية والمعرفية التي تُعمّم على أعضاء التنظيم.. (وأشك – دون اليقين- من أنه هو نفسه مجادليّ البدوي الذي قرأت حواره معي في موقع ( أين ) على الإنترنت لمعرفتي بأسلوبه ومراوغته ، ولِما كشفه لي عن نفسه من أمور خلال الحوار)..

28-هل كانت التربية الحزبية في تنظيمكم تسمح بقراءة كتابات خارج المنظور الديني ؟

التعاليم كانت تدعو إلى الانفتاح الفكري والعقلي على مختلف المدارس الفكرية من أجل التمكن في العقيدة والمعرفة ، ولكن العمل بهذا كان مسؤولية فردية.. كان هناك بعض الواجبات التي تلزم بعض الأفراد بأن يأتوا بمساهمات معينة من خلال الاطلاع على المعلومات الجديدة والمفيدة ، صحية أو سياسية أو أدبية أو اجتماعية..كانت هذه المساهمات تدرس ثم تعمم على باقي الأعضاء لتبني ثقافتهم العامة بصورة سهلة وسريعة..

29- هل تملكون مؤسسات لممارسة أنشطتكم و عقد اجتماعاتكم ؟

يملك التنظيم مؤسسات عمل مختلفة كالمكتبات ودور النشر والمدارس ورياض الأطفال و شركات التقنية وغيرها.. والهدف من تلك المؤسسات مادي ، اجتماعي وسياسي بالدرجة الأولى.. الاجتماعات التنظيمية (حسب علمي) تدور غالبا في البيوت الخاصة.. ولقاءات الأعضاء تدور أيضا في بيوت أحدهم التي نحرص على تغيير أماكنها دوريا ؛ حتى لا تُلفت اللقاءات المتكررة انتباه الآخرين..

30-ما الأفكار التغييرية على مستوى المجتمع و السياسة التي كنتم تتطلعون إليها ؟

ذكرت لك سالفا أن الغرض من التنظيم على المستوى الجماعي هو قيام دولة ممهدة للإمام.. ولكي يتحقق ذلك لا بد أولا من اكتساح المجتمع عدة وعددا.. الطاقات الموجودة كانت تشحذ حتى أجل “معلوم” – كان التنظيم قبل خروجي يعتقد أنه اقترب الآن من هذا الأجل – وذلك لسقوط الرموز الدينية المطروحة على الساحة ، ولتمكُّن التنظيم بدرجة كبيرة عددياً ومادياً وتقنياً.. تناولت هذا الموضوع في مقالي “عالم المجانين-2”.. وفي “أيها المقاولون النصابون..إلى أين تذهبون؟” اللذين أشرت فيهما  إلى حقيقة خطيرة تستدعي الوقوف أمامها ، فالتنظيم حتى الآن  سري ، ولا تعرف أي من نشاطاته بصورة متعمقة.. خروجي من التنظيم وإعلاني الحرب على “عبد الوهاب وانحرافاته” وتحديه علناً (كما تجدها في “المواجهة الكبيرة”) تنطلق من منطلقات تتعلق –  يعرفها هو جيدا بطبيعتي والتزامي بما أقول ، و معرفته بهذا تجعله يجزم بخطورة تحركاتي عليه (الخطورة عليه تأتي من الداخل والخارج) وهذا ما يجعله يخطط للفرار مع المخلصين له (من المقاولين النصابين كجلال القصاب) بأموال الجماعة التي يتبرع بها الجميع من أجل مشروع “الهجرة الكبير”.. وهي نبوءة غيبية -رغم أنها نسخت فيما بعد- فسرت بأن التغيير السياسي المطلوب سوف يكون بعد أن تهاجر القيادة من البحرين إلى “إيران” ، وتعمل من هناك على التمهيد للانقلاب الكبير الذي سيقوم به بقية الأعضاء هنا ، و سيعينهم في هذا الانقلاب  الأعضاء الجدد .

و لديّ شواهد  تثبت أن التنظيم يعمل –هذه الأيام- بقوة على زيادتهم.. ونظراً لحساسية الموضوع –إذ الأعضاء حالياً  لديهم “يقين ” أن عبد الوهاب “قديس” يمثل الإمام- فضلت أن أكشف حقيقة انحرافه للجميع عن طريق الإعلام تلافيا للعنف الذي قد يثير حفيظة المؤمنين به (أو غيرهم) ويعيد المجتمع إلى حالة من الفوضى التي لا يحمد عقباها!!

31- كم يبلغ عدد أفراد التنظيم ؟

يصعب علي أن أحدد أي عدد فهذا الموضوع في “قمة السرية”.. وكما ذكرت فإن كل عضو – غير القيادة العليا – تحدد معرفته بالأعضاء الآخرين في أضيق الحدود حتى يحافظ على كيان التنظيم في حالة سقوطه.. ولكني أجزم لك بثقة أن عددهم أكثر بكثير من أي تقدير رسمي أو عام لهم.. وأدلتي على انتشارهم ونفوذهم في المجتمع قد زادت بعد خروجي من التنظيم لما شهدته من هجمات عنيفة من مختلف المستويات في أوساط المجتمع بتحريض واضح من قيادة التنظيم (أشير إلى ذلك في مقالي “إنها نواقيس الخطر تدق عاليا فهل تسمعونها؟”)..

32-هل يسمح لأحد بالانسحاب ؟

يسمح لأي فرد بالانسحاب من التنظيم (إذ لا شيء يمكن فعله) ولكن يحذر العضو من إفشاء أي معلومات سرية.. طبعا الامتثال لذلك يعتمد على الفرد وسر انسحابه.. ولم تمر سابقة من قبل تستدعي أي استنفار عام من التنظيم ضد عضو منسحب (لتكرر تلك العملية بصورة جعلتها اعتيادية) ولكن حالة خروجي من التنظيم وإعلاني الحرب على عبد الوهاب وزمرته “المنحرفة” تعد حالة “فريدة”  من حيث سبب الخروج وأسلوب الهجوم . وهذا مما يجعل ردات فعل التنظيم  مختلفة تماما عن كل ما سبق.. كما أن الانحراف الفعلي الذي امتد من القيادة إلى الأعضاء ، يجعل من الأساليب غير المشروعة والمستخدمة في الحرب ضدي مقبولة عندهم ولأول مرة بهذا الوضوح.. (أشير لهذا في مقالي الموجه للأعضاء –المغيبين عن الحقيقة- “كيف نكتشف الانحراف؟”)

33- هل كنتم تجرؤون على الاعتراض على أقواله؟

لـ “باب المولى” قدسية في قلوبنا نتيجة اعتقادنا بأنه يمثل الإمام لذلك يندر أن يعترض عليه أحد.. أذكر من خلال مقابلاتي معه  –في بداية الأمر- أنه كان يشجعنا على مناقشته والاعتراض على “آرائه الخاصة” ولكن تدريجيا تغيرت المسألة حتى أنه في الفترة الأخيرة صار أسلوبه نقدياً جارحاً بالنسبة لأي من يتجرأ على الاعتراض عليه وصارت أقواله بمثابة “النصوص” (وأنا أعتبر هذا من الدلائل القوية ليس على انحرافه فحسب بل على انحرافنا “نحن” كأعضاء عندما لم نميِّز هذا التغيير وخطورته)..

34- كيف كانت تبدو شخصيته أثناء لقاءاته بكم؟

بحكم علاقتي الشخصية به رأيت عدة وجوه لعبد الوهاب لا وجهاً واحداً.. في بداية تعرفي عليه مع بدايات دخولي للأمر كان “يبدو” شخصاً متواضعا ومتزناً وبسيطاً إلى حد كبير.. كانت شخصيته مرحة ويتبسط في الحديث حتى ترفع أي هيبة قد تنشأ نتيجة التقديس الذي يحدث في قلوب الأعضاء نتيجة “مكانته”.. بعد عدة سنين (لم التقِِ فيها معه خلالها لسر أذكره لاحقا) رأيته في صورة مختلفة تماما صدمتني لفترة (حتى أنني لم أكن أريد التصديق بأنه ذات الشخص).. شخصيته أمام “الجميع” كانت مختلفة لقد صار متسلطاً إلى حد بعيد.. تحول مرحه إلى نقد عنيف واستهزاء بالآخرين.. لم أرَ أي بقايا “لعفة” في التعامل مع العضوات ولي في ذلك شواهد لا تتعلق بي “فقط”..

35- ما مؤهلات الأعضاء العلمية ؟.. هل كان فيها تخصصات في العلوم الإنسانية مثل علم النفس والاجتماع؟

كما أسلفت لك سابقاً لا أعرف إلا القليل من الأعضاء في طبقات الهرم العليا (عدا الرجلين الكبيرين ومسؤولتي المباشرة) ولا أستطيع أن أحدد مؤهلاتهم العلمية.. عموما هناك تعاليم مؤكدة تشجع كل الأعضاء المؤهلين “بالتخصص” في مجالاتهم وإنهاء دراستهم العليا..واعتقد أن الكثير منهم قد بلغوا ذلك.. وبالنسبة لي    – كمثال – كنت أشجع كثيراً على إنهاء دراستي العليا وفعلا سعيت للامتثال لذلك عن طريق دراسات جانبية – رغم مشاغل العمل الكبيرة- تؤهلني الآن للانتساب الآن إلى دراسة الماجستير في تخصصات إدارية وتقنية..

أمّا المؤهلات العلمية “لباب المولى”؟ فلم أسأل عنها قط.. لكني لا أعتقد أنه كان يملك أية مؤهلات علمية بارزة.. ورؤية الأعضاء له من الداخل أنه كان بسيطا جدا في قدراته الذهنية ومؤهلاته العلمية (قبل أن يصير باباً للمولى).. ولكن بعد ذلك (ومن خلال تعليم المولى له) صار “منارة للعلم”.. والواقع أنني لمست ما يؤكد على التغيير الكبير الذي طرأ عليه في هذا الجانب من خلال مناقشاتي معه في أمور شتى في الفترة التي عرفتها فيه.. والفترة الأخيرة صار “بارزا” في العلوم الإنسانية والتقنية وحتى العملية (أعرف عنه أنه يقضي الكثير من وقته في تجارب وبحوث أمام شاشة كمبيوتره الشخصي)..

36- هل يمكنك التصريح بأسماء المؤسسات والشخصيات الأخرى التي تدير التنظيم؟

كما أسلفت معرفتي بالشخصيات القيادية معرفة شخصية تنحصر بعبد الوهاب وجلال القصاب.. وأعرف أسماء أخرى من الخارج (لأنها مكشوفة فعلا) لكني لم التق بها أصلا.. مسؤولتي المباشرة تعتبر أيضا من العضوات الفعالات التي قد انكشفت فعلا أمام العامة.. بقية الأعضاء الذين أعرفهم مجرد أعضاء وعضوات عاديين لن يضيف شيئا ذكر أسمائهم أكثر من أن يصطنع جداراً بيني وبينهم (أكثر مما هو موجود واقعا) ويحرمني فرصة أن أساعدهم في انتشالهم من الهوّة الخطيرة..

لا أحاول التستر على أحد ولكني أعرف جيدا أين يكمن الخطر! التركيز على كشف سر عبد الوهاب ومساعده الأول وانحرافاته الكبيرة هو الذي يمكن أن يعطي الثمار المرجوة في إنهاء التنظيم (المنحرف) للأبد.. أما بالنسبة للمؤسسات فما أعرفه منها غير شركتي القديمة  –التي لا أحب التصريح باسمها ولا التلويح لولا أهمية المسألة في كشف الحقيقة (ولكن لا يصعب التحقيق في ذلك)- كلها معروفة للجمهور -بل عرفتها أساسا من خلال ما أسمعه من الخارج لا الداخل- وبهذا فإن تصريحي لن يضيف أي جديد بل قد يعتبره الأعضاء حرباً عليهم في رزقهم أو انتقاماً لنفسي (لما فعلوه بي) وأنا أنأى عن إعطاء أي مأخذ في مواجهتي يمكن أن يحول هذه القضية الخطيرة إلى قضية شخصية (وهم يحاولون في إثارة شائعاتهم الإيحاء بذلك لكي تضيع الحقيقة كما بينت في مقالي “ألا من ناصر ينصر الحقيقة؟”)..

37 – ما الأمور الخاصة التي كنت تتباحثين فيها مع عبد الوهاب خلال لقاءاتك الفردية به؟

بعد فترة من دخولي التقيت بعبد الوهاب لأنه أراد أن يتعرف إلي شخصيا وكان اللقاء بحضور مسؤولتي المباشرة.. وكان الحديث الدائر يتناول بعض الأسئلة الشخصية عني وعن مشاكلي مع زوجي السابق (الذي انفصلت عنه بعدها سريعا).. وبعض الإرشادات العامة في كيفية تعاملي معها.. اللقاء الثاني كان بعد مدة.. وكان الاستدعاء لي من قبل مسؤولتي لحلقة دروس خاصة لمجموعة من العضوات مقررة من “الإمام” ويلقيها علينا عبد الوهاب.. حلقة الدروس تلك كان عنوانها “دروس الفراسة” ولم نعرف سرها في ذلك الوقت ولا حتى سر اختيار العضوات (المجموع 7) الذي لم يكن يجمع بيننا أي عامل مشترك يمكن تحديده..مستوى الدروس كان عاليا ويركز على كيفية التعرف على الآخرين من خلال تصرفاتهم وسلوكهم وصفاتهم العامة.. بالإضافة إلى مواضيع متفرقة عن الخوف والرجاء والتوبة التي لم تكن تتسق مع عنوان الحلقة الأساسي.. ولست أنسب لنفسي شيئا إذا قلت بأنني كنت معنية أكثر من أي واحدة بتلك الدروس أولا لتصريح عبد الوهاب بذلك، ثانيا لأني كنت أعاني من مشاكل خاصة (بين المجموعة) تتعلق بمعرفة حقيقة الآخرين (مما كان يصل إلى حد السذاجة) ورفضي التام لمبدأ الخوف والرغبة في بحثي عن المعرفة وثالثا لأن تحليــل عبد الوهاب للاختبارات التي خضناها بعد تلك الدروس كانت تنصب تماما على إجابتي وتقويمها، و أخيرا لأن “النصوص” الخاصة التي قرأت لكل واحدة منا كانت تخصني بينهم بتكليف من (الإمام) بأن أرسم “رؤية” للأمور بناء على ما تعلمته.. وهو النص الوحيد الذي أتذكره (تقريبا) حرفيا لذا سأذكره هنا للفائدة “إذا لم تكن لديك رؤية فابتكري واحدة وابدئي بتمعن لتوسيع أفقك العقلي.. أرغمي عقلك على التغاضي عن الأرض العريضة المنحدرة.. توقعي المعاني الحقيقية للإنجازات المستقبلية الباهرة الآن وهي على طريقها.. واعلمي أنه أحياناً فقط تكون ظلالها ملقاة باتجاهك على سهل الزمن.. خذي الحقائق كما هي عليه اليوم وحاولي استشعار نتيجتها المنطقية لعشر سنوات أو عشرين سنة أو نصف قرن من الآن…” (ولي في تحليل هذا النص رؤية خاصة سأذكرها عند تحليل رؤيتي العامة للموضوع).. في نفس فترة تلك الدروس تم استدعائي لأول مرة للقاء شخصي من قبل عبد الوهاب وفيه أخبرني بأن لي “دوراً ما هاماً” من أجله أدخلت في الأمر.. وأن هناك اختبارات كثيرة سأمر فيها في الأمر حتى أتأهل لذلك الدور.. كنت مسلِّمة تماما ولم أسأل عن ذلك الدور لإيماني بأني يجب أن أتعامل في الموضوع بتلقائية وإن نجاحي في أي اختبار لا يهم قدر أهمية إخلاصي ونيّتي في العمل.. وأريد أن أؤكد هنا على أن “التسليم” بأوامر”الإمام” المطلقة بدون أي تردد أحد أهم البنود عندنا في التنظيم وتحتاج لدرجة إيمانية ويقينية كبيرة يملكها القليل الذي كنت أُمثِّل أحدهم.. وقد يبدو ذلك غريبا جداً عند الناظرين إليه من الخارج ولكن كان لنا في ذلك شواهد عقلية وتاريخية تؤكد على أهمية هذه المسألة في التعامل مع المعصومين.. وطبعاً عبد الوهاب كان يمثل الإمام المعصوم في أي أمر يأتي به من عنده.. لذا فإن كل ما سأتعرض له من أمور غريبة -أعرف أنها ستكون صدمة للناظرين من الخارج وأتفهم سر الصدمة- هو من منطلق هذه الرؤية السائدة عندنا في الداخل وهي تبيِّن خطورة الوضع في حالة الاستغلال لهذا المبدأ الإيماني “التسليم”..

ما حدث بعد ذلك تتناوله قصة “الحسرات” واسم القصة هو لأحد النصوص من (الإمام) والتي فيها يعاتب أطرافا في (الأمر) لتجاوزهم أوامره .. وفيه أيضا ذكر لقصة الكلب الرمزية التي أستشهد بها في قصتي (من أجل إثارة التساؤلات في أعضاء الأمر المغيبين عن تفاصيل هذه القضية خصوصا وإن المعنيين بالنص والواقعة لم تكشف لأحد بعد)..

والقصة (باختصار) أنه استدعاني من أجل عمل بعض الاختبارات التي تؤهلني (للدور المزعوم لي).. قرأ لي (جزءا) من نص للإمام أتذكر مطلعة الذي يقول “ابلغ “فلانة” عني السلام.. وقل لها أني رأيتك في فتنة خطماء متطاولة…” وفي نهاية ما قرأه لي أمر بالامتثال له (أي عبدالوهاب) في عمل اختبارات تقيس درجة تحملي للتعذيب النفسي والجسدي.. ومن أجل رفع الإشكالات الشرعية كان هناك عقد شرعي مؤقت يتيح له التعامل معي كزوجة لمدة ثلاثة أيام.. توقفت بعد ذلك الدروس واللقاءات.. ومررت بعدها بمشاكل مختلفة جعلتني أكتب له وأسأله عن سر توقف الدروس ، وكيف أن الدروس كانت تحقق لي من المعرفة ما يرضي تطلعي.. استدعاني بعدها سريعاً وهو يؤكد لي بأن ما بيننا لم يتغير.. لم أسأله عن المدة “التي نظرياً قد انتهت” لأني لم أكن أشك ولو للحظة في نزاهته.. ظلت العلاقة بيننا لمدة شهر في لقاءات خاصة وأحاديث لا تتعلق كثيرا بالتنظيم ولا بالإمام وهذا أدى لانزعاجي وشعوري بالقلق الروحي.. لقد كانت العلاقة معه كأي علاقة مع أي رجل آخر ولم أرَ فيها شيئا مما أطلبه.. أطلعته على شعوري بالانزعاج والقلق الروحي.. حاول أن يوحي إليَّ بأن القضية مستمرة لأني “أنا” التي طلبتها.. فكتبت له أسأله الابتعاد -ما دامت المسألة كذلك- فلم أكن لأقبل أن تقف نفسي دون وصولي إلى الحق.. كان لي ما أردت (بعد شهر من علاقتنا تلك).. ثم مضت سنون بعدها ولم التق به ، ولم أحاول خلالها تفسير الحادثة من طرفه ، بل اعتبرت نفسي مخطئة لأني انجرفت عاطفيا لمدة معه..

في الفترة الأخيرة التقيت به لقاءات عمل واجتماعات مع أعضاء في حلقات خاصة (كان الغرض منها الوصول إلى غايات “هامة” في التنظيم)..

-38 أريد أن توضحي بصورة مكثفة كيف صاغتك رؤية (الأمر) و كيف كنت ترين من خلالها ذاتك و العالم في كل تجلياته الوجودية؟

كما ذكرت من قبل إنني لم أعرف الحياة العملية لأي فكر أو عقيدة قبل انضمامي “للأمر”.. كنت أبحث طوال عمري عن المعرفة وهذا البحث شغلني عن أي تفاعل حقيقي مع الناس من حولي.. وربما هذا هو سر (سذاجتي) التي كانت مضرب الأمثال في معرفة الآخرين.. عندما شعرت بأنني وصلت إلى بداية الطريق في طريق (العرفان) أصبحت أعاني من الشعور بالفقر إلى معرفة طريق العمل.. وذلك من منطلق إيماني بأن المعرفة بلا عمل كشجر بلا ثمر كما في الآية الكريمة “إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه”.. كنت أشعر بأني كطائر بلا جناح .. لم أكن أشعر بالراحة لفكرة أن العمل المقصود هو عبادات ظاهرة أو تخبط في السير في الحياة وزعم بأن ذلك عمل.. كنت احتاج الدليل!

لذا كانت المرحلة الأولى لي في الأمر هو شعوري أنني قد وصلت الى ذلك الدليل.. كان الأمر بالنسبة لي –حينها- مدرسة أتطلع فيها للمعرفة التطبيقية التي تجعل من عبادة الله (الغني عن العبادة) خدمة لوليه وحجته في الأرض.. وأعطاني هذا الشعور زخما وهدفا للحياة كنت أبحث عنه طويلا.. في البداية كنت شعلة حماس وطموح ورغبة في أن أنهل من (مدرسة الإمام) ما يوصلني (للمعرفة العليا) وكان ذلك مما ميز شخصيتي عندهم.. أسلوبي في التعمق الفكري، النقد الجدلي والتأمل الذاتي -بصورة تشذ عن المجموع- كان يعيقني (إلى حد ما) عن أمور عملية أخرى؛ لذا حاولت مسؤولتي منذ البداية أن تهذبه وتوجهه إلى أمور أكثر عملية.. في البداية قاومت التغيير لكنني بدأت أستسلم للضغوط تدريجيا من أجل أن أندمج وأتفاعل مع المجموعة.. إذن أعطاني “الأمر” في هذه المرحلة رؤية خاصة بالمعرفة تربطها بالعمل والتفاعل مع الآخرين وهذا أول درس كبير كنت أفتقده بشدة في رؤيتي للأمور..

المرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الذنب (الذي أذكره في قصة الحسرات).. كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مررتها في حياتي وأسميها فعلا مرحلة “العمى”.. كنت قد بدأت أفقد قبلها مقاومتي ضد الذوبان في المجموع (وهذا سر الذنب في المرحلة الأولى).. وهذا أخرجني من حالة (التسليم إلى الاستسلام).. في هذه المرحلة كنت أعاني من الإحساس بالذنب والإثم بدرجة رهيبة.. بدأت أشعر بكراهيتي لذاتي وأحطم أي ثقة بها.. لم يمنعني ذلك من العمل من أجل الأمر.. فأنا لم أفقد شيئا من إيماني به ولا “بباب المولى”.. فقط فقدت الثقة بنفسي وبمعرفتها الزائفة.. في هذه الفترة كان “الأمر” بالنسبة لي سجناً.. بل كان وجودي كله سجناً كنت أؤمن بأني استحقه (لشعوري بالذنب الذي سبق ذكره).. حياتي كانت –حينها- كتلة من المشاكل العملية.. مشاكل شخصية مع زوجي السابق (بعد رجوعي إليه بعد الانفصال الأول).. إرهاصات الانفصال الأخير.. رحلات في المحاكم الشرعية وسلسلة من القضايا الشرعية المتعلقة بحضانة ابنتي.. ضغوط كبيرة في العمل وتحملي للمسؤولية الكاملة عن الشركة في أصعب المراحل التي تمر بها.. مشاكل شقيقتي وأمراضها الروحية المتعبة بعد دخولها للتو في “الأمر”.. مسؤولتي المباشرة تخطئ فهم سر الانقطاع المفاجئ بيني وبين “باب المولى” فتتصرف معي على أساس أنني أجرمت في حقه.. و.. ولكني لم أكن أعاني من أي شئ من هذا غير ما كنت أشعره من آثار الذنب وبعدي الروحي عن الله -الذي شعرته لأول مرة بعد بصيرتي الأولى-… هذه الفترة أعطاني “الأمر” رؤية جديدة في معنى السعادة والشقاء.. رأيت الشقاء يتمثل في الإحساس بالذنب والشعور بالخزي أمام الله إذا اختار الإنسان البعد بعد الوصال.. ورأيت السعادة في التعالي على كل الآلام ومواصلة تلمس البصيرة بعد العمى.. هذه الفترة استمرت ما يقارب الثلاث سنوات وحاولت التكفير فيها بالعمل المضني من أجل خدمة “الأمر” في الجانب العملي بناء على تعاليم وتوجيهات الأمر..

المرحلة الثالثة وهي آخر مراحلي في الأمر وأسميها مرحلة بدايات البصيرة وهي قد بدأت قبل خروجي من الأمر ما يقارب السنة.. رؤيتي للأمر ولنفسي بدأت تختلف ولا أستطيع أن أحدد حادثة معينة (مادية) أدت لهذا التغيير أكثر من سلسلة مواجهات وتحديات كبيرة في المجال العملي ونضوج فكري نتيجة أحداث الفترة الماضية.. وربما كان لبعض الدروس الجديدة (نص القدر الذي ذكرته في عالم المجانين-1) دور كبير في نشوء هذه الرؤية الجديدة.. هنا بدأت استرد بعض ثقتي المفقودة وأحاول التغيير في كل ما حولي بناء على رؤيتي لمجريات الأمور… وفعلا كانت أول رؤية صغتها تتعلق بتغيير مسار الشركة (أدت إلى نقلة نوعية  وتطور هام في مسيرتها).. ومرة أخرى بدأت أجري بعض البحوث المعرفية -بعد توقف طوال المرحلة السابقة- التي تتناول عوامل التغيير في الذات وتدريسها للمجموعة التي ألتقي بها (وكانت تمثل رؤية جديدة لأسلوب صياغة الذات).. في هذه المرحلة بدأت أرى نفسي مرة أخرى كائنا مستقلا يملك مقومات نفسه ويملك حرية التفكير والمناقشة والاعتراض.. لم تكن تلك الرؤية وليدة “الأمر” كتنظيم ولكنها تدين في تكونها للنهج والدروس العظيمة التي علمني إياها “القدر” في تلك المدرسة.. وأظن أنه لولا هذه الرؤية التي قد صاغتها مجموعة تعاقبات العمى والبصيرة لما تمكنت يوما من النفاذ من مرحلة العمى أبداً.. لا أعني فقط الخروج من “الأمر” بعد الانحراف فقد كنت في عمى قبله وكان يمكن أن أكون -هكذا- أبدا بدونه!!

39- بمن تأثرت من الكتب و المفكرين ؟

بدأ شغفي بالقراءة منذ سنواتي الأولى في المدرسة الابتدائية.. لم يكن هناك ما يشغلني عن القراءة فعلياً ، فقد كنت أُعْرف بالانعزال والتأمل الذاتي منذ البداية.. وكانت الدروس المدرسية بالنسبة لي مملّة ، ولا تأخذ من طاقتي شيئا يذكر ؛ لذا تفرغت بصورة رئيسية للبحث والقراءة.. أذكر عندما كنت في المدرسة الإعدادية إصرار أمينة المكتبة على منحي وساما خاصا كصديقة المكتبة المميزة ، ورفض المديرة لذلك ؛ لأنها لم تكن تريد الطالبات الأخريات أن يفعلن مثلي (إذ كنت أتسرب من الحصص لأذهب للمكتبة وأقرأ).. ولكني الآن لا أذكر فعلا لمن كنت أقرأ طوال تلك السنين فلم يترك أي مفكر معين  بصماته الفعلية في تفكيري.. أتذكر أن قراءاتي كانت في الفلسفة ، و علم النفس، و الأديان، و الكتب الشيوعية (لفترة)، و التاريخ، و الشعر والأدب..وكنت أفضل التنويع والتنقل في الأساليب والأفكار ؛ لذلك لم ألتزم بمنهج أي مفكر أو كاتب معين.. تلك هي المرحلة الأولى لي كباحثة عن الطريق..

المرحلة الثانية هي بداية تعرفي على المدرسة العرفانية. وهي فترة تركزت فيها قراءاتي على المعرفة ، والعقيدة ، والأصول ، والمنطق ، ولم ألتزم أيضا  بأي مفكر معين أو حتى مذهب إسلامي ما بل كانت قراءاتي تعتمد على الموضوع . وعموما لم يكن -في ذلك الوقت- الكثير من المؤلفات العرفانية التي تجعل الكثير من الخيارات متاحة.. ومن المفكرين الجيدين الذين قرأت لهم مطهري ، وعلي شريعتي ، وملا صدرا والإمام الخميني ، وابن العربي.. (ورغم قراءاتي الكثيرة لم أكمل كتاباً فقهياً حتى الآن!) ..

المرحلة الثالثة هي فترة انضمامي للأمر وقد وجدت في الدروس والنصوص غالبا خلاصات معرفية كانت تشبعني إلى حد كبير (مما قلل من قراءاتي الخارجية وخصوصا مع انشغالاتي العملية في هذه الفترة).. في هذه الفترة كنت أعتمد على التفكر الذاتي، التحليل والتأويل في إطار تلك الدروس التي كانت تتناول جميع النواحي المعرفية والعملية في نهج متسق.. وأنا أدين لتلك الدروس (المعرفية والتطبيقية) إلى حد كبير في بناء نهج معرفي خاص أعتبره أكثر شمولية من كل ما سبق اطلاعي عليه في بحثي السابق..

40- كيف استقبلت المدرسة و الأسرة  أسئلتك الوجودية؟

في قصة “رحلة الكآبة” أنقل حالة مررت بها في بداية بحثي عن الطريق.. كنت أشعر بالغربة إلى درجة كبيرة .. كانت طريقتي في الحياة والتفكير شاذّة بالنسبة للمجتمع الذي أعيش فيه ، ولم أكن أعرف حقا ما الذي يجري بداخلي.. اعتقدت في البداية  أن الجميع يحمل نفس الهم في البحث عن سر الوجود.. ولكني اكتشفت أن  اهتماماتهم مختلفة كثيرة.. كان شعوري بالغربة في هذا العالم كبيراً (أصف ذلك في “الحنين إلى الغربة”).. أدى ذلك إلى اعتزالي عن الآخرين تدريجيا.. وعوضت ذلك برياضات التأمل الذاتي (ابتدعت لي شيئا شبيها باليوغا الشهيرة قبل أن أعرف أنها رياضة روحية موجودة) ولجأت إلى قراءة الكتب ؛ فهي صديقي الوحيد..

في المدرسة كنت أكثر الجدال مع معلماتي عن ( سر الوجود ) منذ أن كنت في الصفوف الأولى.. اعتبرتني المعلمات مشاكسة ومحبة للجدال.. عاملوني على هذا الأساس فزاد تمرّدي على كل قوانين المدرسة.. أذكر أن المديرة كانت تفكر أكثر من مرة أن ترفع تقريراً للوزارة لفصلي (بعد تكرار شكاوي المدرسات) ولكن صعب عليها اتخاذ هذا القرار ؛ لأنني غالبا ما كنت الطالبة الأولى في المدرسة..

أفراد أسرتي عرفوني هكذا منذ البداية.. حاول بعضهم أن يقنن أسلوب حياتي (الذي لا يعجبهم) فتمردت على الجميع بعناد فتركوني لشأني (وتلك المعرفة بي تجعلهم لا يَعْجَبون كثيراً من إصراري على هذه المواجهة اليوم).. كان من الصعب أن أشرح لهم تلك الحاجة الملحة في داخلي ، لأنني لم أكن أستطيع أن أفسِّرها لنفسي..

في تلك الفترة  تعلقت فكرياً بأحد إخواني الذي كان شيوعيا..شخصيته كانت فريدة بينهم وحواره كان مميزاً ؛ لذلك كان أول من فتحت له قلبي وتعاطيت معه في أسئلتي الوجودية.. أعطاني الكثير من الكتب الشيوعية.. قرأتها ولكني لم أتأثر بها فعلا كتأثري بشخصية أخي (المنفتحة).. لقد كنت أبحث عن “رمز” أرى فيه التطبيق.. بعد مدة انهارت شخصية أخي أمام عيني –بعد أن هزمته صدمات الحياة وبدأ يقتل عقله وروحه الشفافة بتعاطي المخدرات- .. هزّني ذلك الأمر كثيراً وعرفت حينها أنني لم أكن أرى في التفكير الشيوعي إلا شخصه.. قرأت صفحة وجداني مرة أخرى وعرفت أني لم أؤمن إلا بالوهم (الرمز) المتمثل في أخي..

في الثانوية بدأت أحاول أن أنخرط في صداقات ما.. تعرفت على بعض المجموعات الملتزمة دينياً.. كان من الصعب حتى ذلك الوقت أن يكلِّمني أحد عن الالتزام الديني ، ولكني ولأني  كنت أعاني من الوحدة حاولت أن أتفاعل معهم بأي صورة. كانت طريقة التفكير مختلفة تماما لكني حاولت أن أنظر في طريقتهم فربما يمنحني ذلك الشعور بالاطمئنان الذي كنت أراهم فيه..  التزمت فعلا لفترة بطريقتهم .. لبست الحجاب وحاولت الالتزام “بشعائر” الدين.. ولكني لم أستطع أن أصمد فترة طويلة.. عشت في هذه الفترة صراعاً مريراً كنت أشعر بأن هناك حقيقة ما في “الدين” ولكن الأسلوب الذي تعرفت فيه (من خلالهم) على الدين  كان ضد كل أساليبي في التفكير.. لم أشعر في أي فترة سابقة بالضيق كشعوري في هذه الفترة فقد كرهت خضوعي واستسلامي للمنطق الديني (البالي) أكثر مما كرهت أي شيء في حياتي .. شعرت أنني أُنافق نفسي ومن حولي بذلك الالتزام الديني المزيَّف  وهنا سقطت في دوامة  الشعور بالذنب و الاكتئاب النفسي الشديد (الذي أصفه في “رحلة الكآبة”).. طبعا عندما خرجت من تلك الحالة كنت قد رفضت الدين مرة أخرى بصورة أقوى.. وألقيت عني كل مظاهر الدين (بل وتماديت في إظهار هذا الرفض أمام الآخرين تحدياً).. فقط تغير الحال مع بداية الصحوة التي عرفت فيها  مدرسة العرفان..

41 -كيف بدأت رحلة خروجك من هذا العمى ؟

كما ذكرت في إجابتي للسؤال السابق، رحلة الخروج من العمى صاغتها مجموع المراحل الماضية.. هنا أحب أن أؤكد أن ما شرحته حتى الآن من طبيعة التنظيم لا يكشف تماما مدى الصعوبة في الوصول  إلى ما وصلت إليه من وجهة نظر عضو من الداخل.. إن ما يجعلني أسهب في الموضوع بتجرد هو كوني (الآن) خارج التنظيم ولو التقيت بي منذ سنة ، لما كان يمكن أن أشرح الأمور بهذا الوضوح.. ما يفتقده الناظر إلى الأمور من الخارج هو الخلفية والتعايش اليومي بواقع كنا نعيشه في الداخل.. واقع كنا نرى الكثير من الدلائل (التي هي من صميم عقيدتنا الإيمانية بل وحتى المنطق العقلي المجرد) التي تجعلنا نوقن بأننا في طريق الحق نسير.. وإذا أردت أن تعرف صعوبة المسألة فحاول أن تنزع إنسانا من عقيدته التي قد ولد عليها وتثبت له (بأي منطق) أن عقيدة (الضد) هي العقيدة الصحيحة.. ما زال هناك الكثير من الأمور التي أحب أن أوضحها عندما أتعرض لرؤيتي في القضية كاملة، ولكني الآن سأذكر بعض المقدمات التي سبقت خروجي من الأمر التي قد تجيب شيئا من هذا السؤال..

أولا كما ذكرت في إجابتي لطريقة دخولي للأمر، أن أسلوبي وطريقتي في الإيمان بالقضية كان منطلقها نهجا معرفيا أكثر من أي حادثة بعينها.. إن خروجي أيضا مبني على تراكمات معرفية صغتها في رؤية متكاملة لولاها لما أمكن لي الخروج أبدا مهما شهدته من حوادث قد تصدم الناظرين من الخارج (كقصة الحسرات) وذلك لأن إيماني ويقيني في هذا الأمر كان قائما على “التسليم” الذي يقضي بوجود الكثير من الأمور التي لا يمكن أن يفسرها عقلي (الآني) أمام العقل الكامل الذي يمثله المعصوم (خليفة الله) وفي قصة موسى والخضر مثال على ذلك.. إذن فأنا لا أعجب كثيرا من رفض الأعضاء (الآن) التصديق بحوادث جزئية على أنها دليل على باطل ما هم فيه لأن أي حوادث جزئية (مهما كان عددها أو نوعها) فإنها بالنسبة لهم لا تصمد أمام مجموع الحوادث التي شهدها معظمهم وعززت يقينهم بالأمر بالإضافة إلى الرؤية التي يملكونها أو النهج المعرفي الذي يعزز هذا الإيمان!! .. إذن فأنا شهدت في فترة بقائي في الأمر والفترة التي سبقت خروجي من الأمر الكثير من القضايا (التي منها ما يصدم) ولكني لم أقف حينها أمامها لأني اعتبرتها شكاً ضد يقين (إذا عرض لك شك في يقين فامضِ على يقينك).. فأي قضية كتلك تحتمل وجهين إما أن تكون القضية من الغيب الذي له تفسير خفي أجهله لحكمة ما (كواقعة خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار الذي قام به الخضر أمام موسى) أو يكون فعلا انحرافاً يجب الوقوف أمامه.. و”المستسلم” لقدسية الأشخاص (الذي لا أساس عقلي ولا شرعي لقدسيتهم) لا يرى هذا الاحتمال لهيبة الموقف!.. ولكني -واعتبر أن ذلك لطف إلهي خاص بي- وبتلك التعاقبات من العمى والبصيرة التي شرحتها في جوابي السابق وبعد صدامات عنيفة مع نفسي وتعاقباتها ومع الكثير من المقربين الذين مروا بتعاقبات شبيهة بالإضافة إلى أثر الدروس الخاصة (دروس الفراسة) وتطبيقاتها العملية في حياتي، قد مكنتني (أخيرا) من انتزاع هذه القدسية الزائفة.. وحينها فقط تمكنت من تفسير شواهد الانحراف بصورة محايدة وعقلانية..

42- هل لك أن تحدثينا الآن عن الانحراف الكبير؟

أعتقد أن الانحراف في أي حركة أو مجتمع أمر طبيعي متوقع بل قد يبدو أحيانا – عند استقراء التاريخ- حتمي لا تشذ عنه أي حركة تغيير.. وذلك لأنه من وجهة نظرة الباحث الاجتماعي أحد الأدوار الطبيعية لدورة حياة الحركات.. التي تبدأ بفكرة وليدة (عادة ما تحارب في البداية) ثم تكبر أو تنمو ببطيء حتى تصل لمرحلة النضج ثم الازدهار..وتبدأ بالاستقرار فترة قبل أن تبدأ عملية الشيخوخة التي تتمثل في التراخي والانحدار حتى الموت.. أو النظرة الإيمانية التي تنطلق من مفهوم السنن الإلهية التي لا تبدل (ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) فإيتاء الكتاب بداية الفكرة أو العقيدة أو الحركة.. وطول الأمد تعبير عن مرحلة النمو والنضج الذي ينتهي لمرحلة الاستقرار.. وقسوة القلوب هي أقرب تشبيه لحالة جمود الفكر والتعصب الأعمى للعقيدة أو الفكر وهي بداية الانحدار (الانحراف الخفي) وأخيرا الفسق وهو الانحراف الفعلي البارز.. إن عدم الاعتراف بهذه الحقيقة من قبل أي حركة أو تنظيم (مهما كان) غرور ومكابرة.. بل إن مسألة ظهور الإمام المهدي قائمة على هذا المبدأ (يخرج ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا..) فهذا الحديث المتفق عليه يؤكد حتمية الانحرافات لا بمعنى السعي فيها من قبل المؤمنين بقضيته أو عدم محاولة رفع الظلم (كما يرى ذلك بعض المتواكلين) بل إنها تقرير لطبيعة الإنسان والمجتمعات القابلة للانحراف على طول الطريق (مهما سعى المصلحون في طريق الإصلاح).. تلك هي مقدمة أحببت أن ألفت الانتباه إليها وقد عبّرت عنها في (مقالي “كيف نكتشف الانحراف؟”) وأرجو أن تنير شيئا في عقول أعضاء (الأمر) الذين يقفون في رفضهم القاطع لحقيقة بسيطة كهذه وعدم محاولة نقاشها أصلا ضد كل قوانين المنطق والإيمان!! أما ما اكتشفته من انحرافات فهي على مستويين: المستوى الأول : هو مستوى القيادة وهو الانحراف الأخطر والأبرز ، و المستوى الثاني على مستوى الأتباع وسأفصل ذلك فيما يلي: أولا ظواهر الانحراف في القيادة: وتتمثـــل أولا فـي عبد الوهاب البصري (وأكثر الدلائل التي أملكها هي ضده شخصيا) ويتبعه جلال القصاب (الذي أعرف معلومات أقل عنه ولكن لقائي به بعد الانحراف وما رأيته من تأييد كــامل لعبد الوهاب –رغم معرفته بكل انحرافاته- وكونه المستفيد الأول بعده من هذه الانحرافات ماديا واجتماعيا يجعله في نفس مرتبة عبد الوهاب أو المرتبة التالية له مباشرة)..

  1. انحرافات سلوكية وشرعية وتتمثل في الاستغلال لمكانته “المقدسة” في التعامل مع (بعض العضوات) إرضاء لنزواته وشهواته المنحرفة.. ويمكن الرجوع إلى “قصة الحسرات” و”الشقيقتان” لتلمس بعض الوقائع (الخاصة).. طبعا المسألة حساسة جداً وفي غاية السرية لذا يصعب معرفة هذه الأمور إلا إذا كانت حوادث شخصية.. وقد سمعت -من أطراف خارجية- أنه قد ضبط (مؤخرا) مع إحدى العضوات النشطات من قبل شرطة الآداب في خلوة مشبوهة مما يؤكد على أن هذه الحوادث في ازدياد مطرد.. وهناك قصة معروفة في بعض الأوساط الخارجية تتحدث عن اعتدائه الجنسي على (أحد محارمه القصر) من عدة سنين.. وأنا لم أسمع بهذا الموضوع إلا من خلال صاحبة الشأن نفسها التي ذكرت الحادثة بتفاصيلها الدقيقة (وكنت حينها صديقة خاصة لها و لم تعرف عن علاقتي به أصلا!).. بعد خروجي تحققت من ذلك وعرفت أن القضية معروفة ومنتشرة ولكنه (عبد الوهاب ال..) -كما ذكرت لي صاحبة الشأن- اتهمها بتهم شائنة وأجبرها على السفر خارج البحرين لتتشرد عدة سنين حتى تهدأ الأمور، وينسى الناس هذه القضية!!!

  2. استغلال مادي جشع لأموال التنظيم في أمور شخصية -التي تجمع من جميع الأتباع لأجل تمويل أنشطة التنظيم وإعانة أفراده المعوزين-.. فعبد الوهاب وجلال القصاب كلاهما عاطل عن العمل فعلياً ، لكنهما يعيشان حياة مرفهة إلى أبعد الحدود.. وتذكر قريبة عبد الوهاب أن صرفه على عائلة والده – إذ كانت تعيش معهم- سخية إلى حد ملفت لانتباه الجميع خصوصا لعلمهم بأنه لا يملك أي موارد معروفة (وكانت تتساءل عن سر غناه الفاحش!)..

3- انحرافات في السلوك العام والأخلاق والتعامل مع الآخرين.. في البداية كان يعرف عن عبد الوهاب أنه (متواضع وبسيط).. ولكنني رأيته بعد سنين في آخر عهدي بالأمر طاغية مغرور.. له نفس (سلطوية) ولسان جارح ينتقد الأتباع “المستسلمين” بقسوة جارحة ويحطم ثقتهم بأنفسهم بصورة لا يمكن أن تكون عفوية وغير مخطط لها.. قريبته تنقل عن عائلته خوفهم الشديد منه وحب السيطرة الشديد عنده على الجميع.. وتذكر لي موقفاً (يصفع) فيها (والدته) بقسوة.. طبعا هذه القريبة قد نالت على يديه الكثير من القسوة بعد أن كشفت معرفتي بقضيتها أمام الأعضاء وهي الآن تحت سلطته المباشرة (وتعمل في المؤسسة التقنية السابقة لي) وزوجها (ذو الشخصية الضعيفة) تحت نفوذه المطلق ..وطبعا تلك الإجراءات هي من أجل إرغامها على إنكار القضية في حالة إثارتها من قبلي.. عموماً موضوعها معروف ومنتشر قبل أن أتكلم فيه وحتى الأعضاء لم ينكروا انتشاره ولكنهم يكررون ما يمليه عليهم (قديسهم)..

4- أما أعجب المفارقات التي رأيتها في آخر الحلقات التي حضرتها برئاســـة عبد الوهاب أنه كان يمنع فيها ذكر أي حديث أو سؤال عن “المولى” والتمهيد له وهو يقود تنظيم “أمر المولى”!! ما لاحظته أنه كان يركز على إبراز مؤهلاته العلمية (الباهرة).. كان يوحي للجميع أنه رمز كبير.. ويدفع الجميع لأن يكونوا نسخاً ممسوخة مثله ويتعمد التركيز على الجوانب العملية التي تدر عليه أموالا أكثر!! ولأول مرة كنت أشاهد من حوله مجرد ظلال مسلوبة الإرادة والفكر مرعوبة من نقده الجارح المتوقع في أي لحظة!!

ثانيا الانحرافات على مستوى الأتباع: لا شك أن انحرافات الاتباع والقيادة مترابطة إلى حد كبير وذلك نتيجة التقليد والاتّباع والتقديس الزائف.. فالتمجيد والقدسية التي يبديها الأتباع لقيادتهم عامل من عوامل نشوء حالة الغرور والتسلط في نفس القيادة.. كما إن مجرد الاتصال بالقيادة المنحرفة أثره في نفس الاتباع والانجراف إلى نفس الطريق(رغم أن التعاليم النظرية المتمثلة في الدروس المثالية تسير في منحى آخر تماما) .. وإلى هذا أشير في “حفاة يمشون على الجمار الملتهبة”.. أما أهم ظواهر الانحراف التي شهدتها في الأتباع فهي:

  1. الغرور وهي صفة عامة تشمل كل ظواهر التعصب للرأي والتعالي على الآخرين والشعور بالتميّز على طبقات المجتمع الأخرى ، والثقة بالنفس إلى حد الاعتداد واستكثار الأعمال (من أجل الإمام) وبالتالي الشعور بعدم إمكانية الضلال لهم (جزاء لما فعلوه).. وهذه أهم وأخطر ما شهدته في الاتباع بصورة عامة ( وهذا ما أذكره بالتفصيل في رسالتي إليهم “نداء إلى الأرانب المذعورة من الحقيقة..”

  2. التساهل الديني إلى درجة مخلّة بالأحكام الشرعية والالتزام الأخلاقي وذلك في سبيل تحقيق أهداف القيادة (أذكر شواهد على ذلك في مقالتي “كيف نكتشف الانحراف؟” و”من هو المفلس؟”).. وأشير فيها إلى قانون جديد مبتدع (الغاية تبرر الوسيلة) كنت أجادل فيه مسؤولتي (بعد إعلاني الخروج) أنه لا يصح استخدامه أبداً فقررت لي بدون أي تردد أن هذا القانون معمول به فعلا..

  3. “الاستسلام” التام لأوامر القيادة.. فقد الهوية الذاتية تماما والانصهار في المجموع الممسوخ!!

43- كيف ترى هذه الرؤية الخاصة بالمعرفة التي تحدثتِ عنها  (الآخر) المختلف معك في الدين أو المذهب أو العرق أو الثقافة أو الفكر؟

أعتقد أن نتيجة مرور أي إنسان بأطوار التفكير المتمردة على القوانين والعرف وتعاقبات العمى والبصيرة في رحلة صادقة من أجل المعرفة، أن يصير منفتحاً على الرأي (الآخر) ليس انفتاح مجاملة وذوق أدبي بل انفتاحاً من أجل صميم المعرفة.. ولقد كنت وما زلت أمثل (الرأي الآخر) –لمعظم إن لم أقل كل من حولي- وذلك في كل مراحل تفكيري الماضية (والحالية).. وليس ذلك حبا في التميز أو العناد بل أعتبرها نتيجة للصدق في الطلب الذي ينفّرني من التوقف عند حد معين (هو الموجود أو المتعارف عليه) من المعرفة أو الرضا بأي رؤية مهما كانت بأنها رؤية متكاملة غير قابلة للتطوير أو للتعديل.. وهذا أكسبني في بداية حياتي منطقاً جدلياً كنت أخضع فيه كل شيء للنقد والتحليل.. عندما دخلت الأمر بهذه النفسية أُنتقدت على ذلك كثيراً من قبل من حولي ربما لفهمهم ذلك على أنه تعالٍ على منطق المجموع “المقدس”.. ولم يقبل طلبي أبداً الذي كنت أكرره في الإعلان عن هويتي (كعضو) في الأمر أمام المجتمع الخارجي.. لقد كنت أرغب في ذلك بصورة رئيسية من أجل أن أثري رؤيتي لحقيقة النفس والآخرين عن طريق استفزازهم بهذه الحقيقة .. في مرحلة العمى (الذنب والاستسلام) فقدت شيئاً من روحي المجادلة النقدية (في الجانب الفكري) ولكني لحسن الحظ عوضته في جوانب إدارية وعملية (إذ كان من عوامل نجاحي في العمل الإداري هو القدرة على الحوار والتفاوض مع المنافسين والعملاء والموظفين).. وهذا ساعدني في الحفاظ بهامش كبير من قدرتي (واستمتاعي) بالحوار وتبادل الآراء حتى مع أكثر الأفكار والثقافات والعقائد بعداً عن فكري وثقافتي وعقيدتي.. تجربتي بعد الخروج من الأمر والصدمات الأولية التي لقيتها في تفهم رفاق الدرب لرؤيتي أعطتني بعدا أكبر في تفهم مشكلة الرؤية الواحدة والتعصب للرأي وعدم تقبل الحوار وهي التي تدفعني اليوم لطلب الحوار مع الجميع مهما كانت خلفياتهم الثقافية والفكرية والعقيدية من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة أكثر تكاملا من رؤيتي أو رؤية الطرف المقابل وحده.. وذلك لحل إشكاليات هامة في المعرفة وعوامل الانحراف وتحليل نتائج (تعاقبات العمى والبصيرة).. و..”فقط الحوار يحسم القضية!” (عنوان لأحد مقالاتي في الصفحة يناسب ذكره هذا المقام!)

44- كيف تقيمين هذه الرؤية الآن؟

أنا أعتبر نفسي رحالة في البحث عن الحقيقة أو لأسميها تسميتك (الرؤية).. وأرجو أن أظل كذلك ما بقى لي من العمر.. رؤيتي التي ذكرتها خلال وجودي في الأمر تعبر عن حدود تجربة وفكر وثقافة وعقيدة كنت أتبناها في ذلك الوقت، وقدرة تحليلية بمستوى معين كنت أقف عنده في تلك المرحلة.. ولي في كل مرحلة ومع كل تجربة وكل مناقشة أو حوار فكري أو تأمل ذاتي جديد بعد آخر وعمق لم يسبق أن سبرت أغواره.. وبالطبع فإني (اليوم) أرى أن رؤيتي بالأمس كانت قاصرة لنقصها الكثير من المعطيات التي اكتملت بعدها ولا شك أنني كنت حينها أفتقد الكثير من النضج الذي جعل من رؤيتي تلك ضيقة وتقف مكانا لم تراوحه.. وربما غداً سوف أخبرك الشيء ذاته عن رؤيتي اليوم.. ولا أرى هذا تذبذبا أو عدم استقرار فكري بل هي مسيرة التكامل الطبيعي للمعرفة.. وأنا أثق بأن أي لحظة أقف فيها عن رؤية الأمور بهذه الصورة ستكون تعاقباً جديداً (للعمى) أرجو أن لا أقع فيه (كثيراً)!!

45- بعيداً عن شخصية عبد الوهاب ، كيف تنظرين الآن إلى فـكرة ( باب المولى ) ؟

أجيب على هذا السؤال من ناحيتين الأولى باب المولى “كفكرة نظرية” تتصل بالعقيدة الإيمانية.. والثانية باب المولى “كتنظيم عملي” أو حركة تغيير دينية أو سياسية أو اجتماعية.. وعقائدياً أنا لا استبعد (الأصل) في فكرة باب المولى أو فكرة شبيهة منه – كما لا أستبعد قضايا إيمانية كثيرة- على أساس إيماني بحت. وكما ذكرت أننا هنا نصطدم بقضية موغلة في العمق العقيدي ومناقشتها تحتاج إلى الخوض في تفاصيل كثيرة أنا مستعدة للحوار فيها وتبادل الرؤى للوصول إلى أغوارها (في مكانها المناسب).. أما “باب المولى” كتنظيم وحركة تغيير فهي لا تختلف عن أي حركة أخرى تمر في تعاقبات طبيعية (أو سنن إلهية) تحكم مسيرتها .. ونظرتي في ذلك قد تشبه النظرة لـ “الولي الفقيه” التي يؤمن الكثير بها (نظرياً) ولكن قد لا يجدون اليوم أن تطبيقها يحقق الفكر الأصلي.. أما شخصية عبد الوهاب في القضية فأنا لا أجد فيه –  كما عبرت عنه في قصة “منارة العلم”- غير صعلوك مناسب لدور الاختبار (العام) للنفوس تماماً كدور إبليس الذي يمثل الجنّ في السماء.. (وهذه قضية إيمانية معقدة أتعرض لها في مقالي “معرفة القدر”)

46- هل يمكن أن يكون هناك باب آخر للمولى؟

هل تعني ما أعتقده أنا أو يعتقده الأعضاء في الأمر؟! وهل تعني تعدد “الأبواب” أو استبدال “الباب” في المستقبل؟! بالنسبة للأمر لقد تربينا فيه (نظريا) على الاحتمالات المفتوحة التي لا تستبعد أياً من هذه الأمور..أي يمكن أن يستبعد “الإمام” الباب في أي وقت، ويستبدل به باباً آخر.. ويمكن أن يرفع “الأمر” تماما (وهناك أحد النصوص التي تنبئ بهذا المضمون “كيف بكم إذا رفع الأمر عنكم وصرتم كقطيع بلا راع”)..

بالنسبة لي لا أستبعد أياً من هذه الأمور (من الناحية النظرية) كما لا أستبعد ظهور (المخلِّص) قبل أي من هذه التداعيات (والمعروف أن أمره بغتة) وأني إذ أقول هذا لا أثبت إلا حقيقة بسيطة بأن لا أحد يعرف أو يمكن أن يتكهن بما يأتي به الغيب!! الشيء الذي أحب التأكيد عليه هو أنني رغم تجربتي المريرة في تعاقبات العمى، لا أحمل ردة فعل معاكسة تجعلني أرفض أي فكر – مهما كان- بدون البحث والتنقيب عن جذوره وذلك بدعوى حماية نفسي من المرور بتجربة شبيهة .. وأعتقد أن التجربة قد جعلتني الآن أكثر قدرة على تحليل القضايا المشابهة ودراستها بعمق أكبر.. وربما أكبر ما تعلمته هو الحذر من نظرتي المثالية للأمور التي تجعلني أقع في فخ كلمات حق يراد بها باطل!!

47- من هو هذا المسافر الغريب الذي يبحث عن بحارة يأخذهم معه إلى الربان في قصتك ( سفر الأبدال ) ؟. هل هو باب آخر للمولى ؟

لا ليس بابا آخر للمولى.. وسَفَر الأبدال قصة رمزية تنظر إلى الأمور نظرة من الداخل ولها واقع في “الأمر” أسوقه الآن لتتضح الرؤية.. كان هناك دوما سفرات يذهب فيها عبد الوهاب وجماعة من التنظيميين أو المكشوفين عادة في عمرة جماعية (برفقة الإمام).. وآخر عمرة كانت تسمى بعمرة الأنوار الربانية وقد كانت عمرة مميزة (بمقاييس الأمر).. فقد تم اختيار جماعة من الأعضاء بأمر من الإمام مباشرة وهذه الجماعة أختيرت على أسس معينة -ذكر عبد الوهاب أن منهم من يعاني من أمراض روحية بحاجة للعلاج- عموما لم أذهب معهم في أي من هذه العمرات.. وكانت شقيقتي من الراحلين على الأساس الذي ذكرته فيما سبق (كما ذكر لي عبد الوهاب).. العمرة هذه كانت مختلفة وقد عبّر عنها الجميع بأنها تمهيد لأمر خطير لم يسبق حدوثه في “الأمر”.. في هذه العمرة كانت النصوص والدروس -التي عادة ما تكون مركزة في العمرات- رمزية إلى حد بعيد ولم يشرح عبد الوهاب منها شيئاً بل قال أنها سرُّ لم يشرحه “الإمام” حتى له.. (وأذكر عناوين لبعضها في نهاية “قصة الحسرات”) في هذه العمرة ولأول مرة لم يزعم فيها عبد الوهاب أنه التقى بالإمام.. (النصوص كانت تصله مكتوبة بطريقة ما).. لأول مرة يأتيه نص يستبعده من إمامة الصلاة بباقي الجماعة ويدعو غيره (لأنه أولى منه بذلك).. ولأول مرة يعطيه الإمام وسام “منارة العلم” (تحدثت عن معنى ذلك في “منارة العلم”).. لماذا أذكر هذه الأمور هنا؟ أولا لأنها حقائق نحتاجها لفهم بعض ملابسات الأمور في الداخل وثانيا لأن رؤيتي العامة ترتبط بمثل هذه التفاصيل..

عموما “عمرة الأنوار الربانية” كانت مجرد تهيئة لعمرة أخرى أعلن عنها سريعا بعد العودة من العمرة السابقة (سماها عمرة الأبدال).. والتفاصيل يمكنك الآن أن تقرأها في سفر الأبدال وأيضا في الطيور المهاجرة.. فتعبير الأبدال كما هو مذكور في أحاديث النبوءات (الموجودة في كتب الشيعة) يدل على استبدال أناس دينهم الحق بالباطل والعكس صحيح.. إذن فهذا المسافر الغريب أو الطيور المهاجرة هو رمز يعبر عن رحلة الخروج من العمى إلى البصيرة.. من انتزاع أو إلقاء القدسية الزائفة لرموز باطلة إلى معرفة “بالقدر” أو الإمام معرفة أصيلة.. ودعوة المسافر الغريب أو الطيور المهاجرة للآخرين تتطلع إلى هذه المسألة أي محاولة استنقاذ المجموع الأعمى من عماه إلى البصيرة.. وليست بحال من الأحوال دعوة إلى باب مولى جديد (وعلى فكرة مهما كان الأمر فلا يمكن أن تكون هناك “بابة للمولى”!!)..

48- توظّف الزعامات الروحية القصص و النبوءات و الأحلام و الأساطير لخلق هالة قدسية حولها ، تمكنها من قيادة متخيلات الجماعة . في ضوء هذا التوظيف أودّ أن توضحي دور النبوءات التي وردت في مقالاتك في تبرير سلوكيات الابتزاز التي مارستها هذه الزعامة مع الجماعة.

لاشك أن أسهل غنيمة للزعامات الروحية هي فئة من الرعاع تتبعها عن طريق إيحاءات وقصص وأساطير موهومة ولا أعتقد أن التوظيف هنا يحتاج للكثير من التفسير والتأويل (فتسخير هذه الأمور ممكن حتى بغير التفاسير المادية).. ولكني ولكي أكون نزيهة في بحثي يجب أن أعلن بصراحة بأن دور هذه الأمور في عملية الابتزاز مصطنع.. مبدأ القدسية للأشخاص العاديين (غير المعصومين) مرفوض بمنطق عقلي وكون هذه النبوءات والقصص موجودة أم لا  لا يغير من هذه الحقيقة..إذن فالمشكلة كما أراها هي في ركوب جياد سلامة النية وليس في الإيمان بهذه المسائل (إيمان مجرد) وهذا ما أبحثه في مقالتي “لو كانت سلامة النية جياداً..”.. أما لماذا أتعرض للمسألة من هذا الجانب فلأني أعتقد بأن النقاش في إثبات كون تلك النبوءات حقيقة أو من قبيل متخيلات الجماعة (لي أو لك أو لأعضاء “الأمر”) قد يكون عبثياً ما لم يتناول الموضوع بالبحث المتعمق الذي يعالج قضايا إيمانية وعلمية تثبت وجود عالم ما وراء الطبيعة وتثبت حقيقة تدخله في الحياة دون أن ترسم بدقة حدود الوهم والحقيقة!! وأنا أحب أن أدخل في حوارات معرفية مع من يملك الرغبة والقدرة (أناقش فيها رؤيتي للقضية ودلائل مفصلة عن دورها في الأمر) والتي أرجو أن تثري هذا الجانب -الذي ما زال بكراً إلى حد بعيد- وتساهم في وضع بعض الخطوط التي تحصِّن الأفراد من الضلال..

49- فصلي موضوع استغلال القصص والأساطير من قبل الزعامة

لا أدري إن كنت تعني بالقصص والأساطير ما ذكرته من نبوءات في بعض قصصي أو إجاباتي السابقة.. إذا كان كذلك فالأمر معقد جداً ويصعب أن أسميه مجرد قصص أو أساطير! لماذا؟ لأن الكثير منه له واقع حقيقي (لا يهمني التفسير الآن) بل أقرر ما حدث فعلاً.. وعلى سبيل المثال ذكرت لك أن من هذه النبوءات مثلا نبوءة تتحدث عن عملية الاستبدال.. (وإذا كانت تلك مجرد فكرة عامة يمكن أن تكون ضربا من الحظ) ولكن التحديد الذي يأتي في نبوءات مكملة كتعيين الوقت الذي تحدث فيه فتنة (الأمر الكبرى) “اتقوا فتنة رمضان” أو النبوءات التي تتحدث عن أشخاص معينين يحملون دور هام (قد يكون هو كشف الانحراف) بل والنبوءات الخاصة برفع (الأمر) وتلميحات انحرافات القيادة (خاطرة “السامري والعجل” قائمة على نبوءة تقول في فلان (الاسم غير محدد) “أنه كالسامري يضل أصحابه!”) كل ذلك يجعل القضية أكثر تعقيداً (عند النظر إليها من الداخل).. ومن منطلق إيماني بحت أقول إن طرح هذه المسائل لا تدعم فكرة معينة أكثر من إثبات حقيقة قرآنية (ما كان الله ليهلك أمة عن جهل حتى يبين لهم ما يتقون) فأي نبوءة (سواء كان مصدرها طريق حق أو باطل تتعلق بغيب لا يمكن تفسيره أو تأويله إلا عند تحقق الواقعة فعلاً)..

ومن الأمثلة العجيبة عن نبوءات مصدرها غريب في القرآن هي قصة صاحب النبي يوسف في السجن إذ إنه اخترع رؤيا كذب وأوَّلها النبي يوسف و”قضي الأمر الذي فيه تستفتيان” والعبرة في النهاية بالحدث وتصرف الإنسان وفقه من منطلقات إيمانه وإخلاصه للمبدأ.. فكل النبوءات التي استفتحت بها اليهود على العرب (بظهور محمد الرسول) لم تغنِ عنهم شيئا..

ولكني من أجل أن أعطيك دافعا في البحث عن هذه المسألة بعمق أروي لك هذه الرواية الحقيقية في الأمر الذي لا يهم كيف تؤولها ولكن المهم أن تتعرف على الجانب الخفي من عالم النبوءات الخفي والساحر.. في “متى يصبح الحلم حقيقة” أتكلم عن نبوءة معروفة في الأمر وهي نبوءة الهجرة الموعودة (هجرة بالمعنى المادي) ,والتي من خلالها يتم حركة التغيير في المجتمع.. النبوءة كانت تحدد أسماء معينة..منها عبد الوهاب وجلال القصاب على أساس أنها – القيادة – التي سترحل من أجل العمل في “فدك الأولى” والمقصود منها الجمهورية الإسلامية بينما يبقى باقي أعضاء التنظيم ليعملوا هنا من أجل تحقيق التغيير في الداخل.. وفي آخر سنواتي في الأمر نسخت تلك النبوءة بنبوءة جديدة تتحدث عن أن رموز الهجرة وكيفيتها اختلفت تماما (بدون بيان السبب) وأن الهجرة ستكون على دفعتين ولأشخاص مغمورين ووجهة الهجرة غير محددة (ربما دلالة على أن الهجرة هذه المرة لن تكون هجرة حقيقية مادية بل إنها رمزية -أي ذات عملية الاستبدال التي شرحتها-).. طبعا بمنطق عادي يمكن أن ننسب هذه النبوءة كاختلاق من عبد الوهاب ولكن يظل السؤال هو لماذا يختلق عبد الوهاب نبوءة كهذه وكيف؟! فمثل هذه النبوءات ورطته حقيقة.. حتى أنه بدأ يستخدم (صلاحياته) لإرغام الأتباع عدم مناقشتها مع أي أحد –بعد توضيح رؤيتي عن هذه النبوءات-.وبعضها أضطر لتأويلها –بما لا يمكن له أن يصمد- كالنزهة البديلة عن عمرة الأبدال (التي ذكرتها في “سفر الأبدال”).. إذن هناك سر وراء هذه النبوءات والقصص قد يفيدنا عند معرفته مساعدة الأعضاء وأمثالهم الذين “يركبون جياد سلامة النية”.. وكما أن لهذه النبوءات أيا – كان مصدرها- يمكن أن تنقذ الأتباع بكشف مسيرة الانحراف ومعرفة تمييز الحق في الفتن.. فهي يمكن أن تستغل وتوظف من قبل الزعامة المنحرفة لتبعث الأتباع على القيام بما يناسبهم من أمور (كالمثال الذي ذكرته في تفسير “أيها المقاولون النصّابون.. إلى أين تذهبون؟”.. المسألة نفسها توظف الآن في تفسير دوري “الهام” المزعوم التي كان أحد النبوءات تقرره على أساس أنني (أنا التي أشعل الفتنة الكبيرة التي هي مقدمة الهجرة الموعودة) ولا تعجب لذلك فإنه نفس منطق معاوية في تفسير قتل عمار الذي كانت النبوءة تقول بأن الفئة الباغية  تقتله (إذ أعلن أن خروجه مع الإمام علي هو سر قتله لذا فالفئة الباغية تتمثل في معسكر الإمام علي!!)..وهكذا نرى أن الباطل دوما له أدواته في التضليل سواء وجدت نبوءات حقيقية أم لا.. ولكني أقول بأن الخطأ الأساسي هو ركوب جياد سلامة النية التي لا يُعذر أصحابها في ذلك.. ولهذا الحديث تكملة سأتعرض له في رؤيتي الخاصة بكل هذه الأمور فيما بعد..

50- هل أنت خارجة على التنظيم بوصفه أسلوب عمل ينطلق من رؤية أيديولوجية ما أم أنت خارجة على التنظيم بوصفه تمثيلا لزعيم معين ؟

لقد أجبت عن هذا السؤال فيما سبق بصورة أخرى ولكني سأعيد صياغته ليلائم صياغة سؤالك..أنا خارجة من التنظيم ليس لأنه يمثل زعيما معينا ، فالزعيم ليس إلا حالة تمثل انحرافاً من أسلوب عمل.. إذن أنا خارجة من منطلق أسلوب العمل المنحرف.. أما الرؤية الأيديولوجية المجردة فهي رؤية عامة لا يمكن أن نحكم على أحد بالدخول أو الخروج منها وكما ذكرت لك فإن كلمة الحق قد يراد بها باطل ، والفطن هو من لا يسمح لنفسه بالانزلاق باتباع أي كلمة حتى لو كانت كلمة حق حتى يرى المراد منها ويوقن أن المراد حق..

51- أشعر أنك تراوغين – ليس بالمعنى الأخلاقي لكن بمعنى أن الخداع والمراوغة يمثلان البنية التي يقوم عليها كل خطاب كما يقول ( فوكو) – في الإجابة عن هذا السؤال . أرجو أن تجيبي يشكل أدق ، هل أنت خارجة عـــن (الأمر ) بوصفه تنظيماً لجماعة فاسدة أم خارجة عنه بوصفه يحمل أيديولوجيا تنبثق من رؤية معرفية خرافية ؟

أشكر صراحتك ولا أنكر ما تعنيه بالمراوغة ولكني أسميه المداراة (وهناك حديث عن الإمام علي يقول “نصف العقل مــداراة الناس “).. يجب أن أذكرك بأني أنتمي لمدرسة فكرية وعقيدية معينة (لا أزعم لها المثالية ولكني أستند عليها في رؤيتي للأمور كما تستند أنت في رؤياك للأمور لمدرسة فكرية وعقيدية ما) وعندما أحاول الإجابة على أمور تتصل بعمق عقيدي معين فلا مناص من أحد خيارين : إما ما تسميه مراوغة أي إعطاء عموميات لا تصطدم بالعمق العقيدي أو صناعة الخلفية المشتركة التي تحتاج إلى هامش من المحاورة المتعمقة التي لا أعتقد أننا نمتلكه في هذا الحوار.. عندما تتكلم عن رؤية معرفية خرافية فإنك تصطدم بعقائد قد لا تعرف مدى عمقها في وجدان “البشر” إلا بعد التعمق في بحث هذه القضية عن طريق حوار منفصل “متخصص” (أعتقد أنني سأجرّك يوما لأن تخوض فيه).. إذن إذا كان الإقرار بأني لا أرى فكرة “باب المولى” (نظرياً) تنبثق من رؤية معرفية خرافية لن يمنعك والآخرين (تعصبا) من اعتبار الفكر (الآخر) متخلفا رجعيا -بدون هامش المحاورة المتروي- فأنا لا أرى داعياً للمراوغة أو المداراة .. فهل هو كذلك؟!

52- عملية الفضح تبدأ بالذات و تعم الجماعة و تنتهي بالمجتمع ، ضمن دوائر الفضح هذه لدي سؤالان :

الأول : إلى أي حد يمكن لكل طرف من هذه الأطراف الموجودة ضمن هذه الدوائر أن يتحمل صدمة أو بغتة الفضح

عملية الفضح بالنسبة لكل الأطراف المعنية ستكون مكلفة جداً.. لقد تعود الجميع على الحياة في كهوفهم بل صار هذا مبدأً وطريقة في صميم ذاتهم واعتبروه أمراً مقدساً كقدسية “أصحابهم”!! فلا أعجب أن عملية الفضح ستكون صدمة قوية قد تخرجهم من حالة الاتزان والتماسك وستدخلهم في إرهاصات جديدة تشبه بداية “الأمر” ولكني أجد أن هذه الصدمة هي الوسيلة الوحيدة التي ستفيدهم في تحريك العقول التي “قد صدأت من كثرة النسيان” وإعادة التفكير “الذي تحجر بعد طول استسلام” (إشارة إلى خاطرة بعنوان “الدجل في آخر الزمان”).

الثاني : ماذا يعني لديك الفضح ؟ هل هو فضح للذوات المتخفية بعباءات التقديس ، أم هو فضح للتوظيفات الأيديولوجية أم هو فضح لطريقة إدارة عقلنا للمعرفة ، أم هو فضح لأقنعة المصالح المتخفية بأردية الحقيقة و التغيير ، أم هو فضح لهشاشة بنيتنا الفكرية ؟

أشكرك لأنك في سؤالك قد أعطيتني الإجابة التي كان علي أن أصيغها لو لم تذكرها أنت.. الفضح عندي هو لكل ما ذكرت..وبالنسبة لي تناول عملية الفضح بصورة أقل عمقا لا يجدي إلا كما يجدي مخدر أو مسكن يزيح الألم لفترة ليعود أكثر قوة في فترة قريبة.. وآلية الفضح عندي هو في كشف الحقائق وتعرية الزيف وإسقاط الأقنعة لا فقط بما يتعلق بالتنظيم وانحرافاته فذلك مجرد حيثية صغيرة كانت وليدة فكر وممارسات مجتمع وأساطير وتجاهل سلبي..و.. كل ما يجب أن نفضحه!!

53- ما التبعات التي ستلاحقك من جماعة التنظيم بعد هذا الخروج العنيف من               ” الأمر ” ؟ و ما حدود قدراتهم على إيذاء الآخرين الذين يشكلون خطراً عليهم ؟

لقد بدأت فعلاً تلك التبعات منذ لحظة خروجي من التنظيم..فبعد “المواجهة الكبيرة” والتي كشفت فيها رؤيتي أمام مجموعة كبيرة من أعضاء التنظيم يرأسها عبد الوهاب وعرَّيت حقيقة انحرافاته أمامهم وكان إعلاني بالمواجهة صريحاً، مما حدا بعبد الوهاب بالتصرف سريعا..أول إجراء تمثل في مقاطعة تامة من جميع أعضاء التنظيم الذين كانوا حقيقة يمثلون أسرتي الفعلية.. تَلَتْ ذلك محاصرة اقتصادية ونفسية واجتماعية..

أما العناصر التي استخدمت في المواجهة فقد كانت أقرب العناصر مني ، وذلك للإمعان في التحطيم النفسي ولفعاليته أكثر في تضليل وتزييف الحقائق.. أول العناصر “أو أسميها الدمى” كانت شقيقتي “الأصغر مني مباشرة” والتي كانت تعيش معي في شقتي.. ولأنها كانت مستسلمة تماما “للقديس” فقد كان وجودي معها يمثل خطرا لذا تركتُ الشقة لها ولجأتُ إلى منزل والدي.. لاحقتني إلى هناك في مسرحية هزلية حاولت إيهام الجميع فيها أنني مصابة بحالة نفسية وأتوهم أشياء لا وجود لها.. تركزت محاولاتها ومحاولات قريبة أخرى كانت لي أختاً أكثر منها على أخي الاستشاري في الطب النفسي.. كانت قصتها ملفقة إلى درجة الإتقان ولكن الصدق كان أكثر إتقانا وإقناعا ( وذكرت حينها شواهد يعرفها الجميع كشفت الكاذب منا).. بعد فشل المحاولة الأولى لجأ التنظيم لمحاولة عزلي عن المجتمع الأكبر بدهاء ؛ لذا تزوجت أختي (التي يعرف الجميع أنها قريبة مني وتعيش معي) من عضو “مكشوف” من نفس المنطقة (السنابس).. وذلك حتى يقاطعني المجتمع (كعادته) مع أفراد عائلتي وبالتالي يحتجب صوتي عنهم.. لم أتأثر بذلك بل نجحت في اجتذاب الكثيرات من المجتمع في حلقات دروس معرفية من أجل توعية المجتمع بأسباب الانحراف تمهيداً لعرض القضية عليهم.. طبعا في نفس الفترة كانت أختي تستخدم وسيلة فعالة في إثارة العواطف في أفراد يمكنها أن تنفذ إليهم في البيت حتى تصعب علي قضية طرح هذا الموضوع (إذ إنني بطرحه لابد أن هوية أختي ستكشف وبالتالي ستكون معرضة للهجوم).. أعاقني (تردد الأسرة ورفضها لحد ما) ولكني كنت أعمل في الفترة ذاتها على فتح قنوات لي في الصحافة حتى أعرض القضية.. وفعلا بمجرد أن نشرت أول قصة ” قصة عمل” استنفر التنظيم طاقاته في الرد عليّ في المجتمع وفي الصحافة –الواقع أنني كنت أستهدف إثارة التنظيم بمهاجمتي بصورة أكثر علنية تكشف انحرافاته أمام الجميع ونجحت فعلا في استدراجه-..المهم كثر اللغط والإشاعات وظاهريا انتصر التنظيم لا لإتقانه المسرحية الساذجة بل للأسف للجهل الغالب في المجتمع (الذي راهن التنظيم عليه وكسب الرهان!)..

الآن الملاحقات مستمرة (من أطراف قريبة غالبا) وأتوقع المزيد وقيادة التنظيم بدأت تعرف جيداً أن كل محاولات الإسكات لن تجدي معي لذا أتوقع الحسم (لا التهديد لأن جلال القصاب وغيره قد هددوني فعلاً) عن طريق محاولة التصفية الفعلية..”اقتلوا من يشعل الفتنة” شعار يحمل في الأمر ولكنه لم يطبق حتى الآن وأظنهم لن يجدوا أفضل من حالتي تطبيقاً عملياً لهذا الشعار!!

بالنسبة لحدود قدراتهم فقد ذكرت من قبل بأن التربية التي خاضها الأتباع تؤهلهم لدور كبير ..لقد شحذت تلك القدرات بتمارين شتى مادية وروحية وخبرة طويلة في الصمود والمقاومة وكل ذلك من أجل لحظة إثبات ولائهم لـ”الأمر” وأظن أن تصفية واحد أو حتى عشرة في الطريق شئ يسير..وما خفي أعظم!!

54- كيف استقبلت قضيتك الأوساط الاجتماعية والدينية و الثقافية ؟

لم أكن أتوقع الكثير من الأوساط الاجتماعية والدينية لخلفيتي السابقة بالسلبية العامة والتعصب الكبير للرأي الموجود في هذه الأوساط.. وفعلا كانت ردة الفعل سلبية إلى حد كبير.. لقد ظهر لي جلياً أن الحرب المعلنة والمقاطعة ضد ما يسمونه (السفارة) مجرد فقاعات صابون.. حاولت اللجوء إلى أكثر من طرف أعرفه (أستنجد) عونه في محاربة الفساد وإيقاف الخطر القادم، ولكن صوتي بح ولم أجد أي ردة فعل ذات شأن.. منهم من يعتبر نفسه نشطاً في المجتمع (دينياً) وضد جماعة السفارة ولكني عندما طلبت منه أن يضم يده إلى يدي من أجل الوقوف بوجه الانحراف الفعلي قال : إن لدى المجتمع (الآن) قضايا أهم ولا يريد تشتيت الجهود في هذه القضية التي يعتبرها بسيطة (قضيته هي رمز آخر لا أعرف كيف نشأت فكرة تقديسه وعلى أي أساس؟!)..هذا هو مستوى النشطين فما بالك بالآخرين السلبيين “أصلاً”.. لقد أعطيتهم الكثير من وقتي وجهدي ومنحتهم حرية الحوار والمناقشة فيما يحبون ودعوتهم لمنزلي في حلقة الدروس ، كن (يقلن) بأنها مميزة وتعطيهم الكثير مما يفتقدون من الانفتاح الفكري والعمق العقيدي.. لذا كان الحضور –في البداية- يزداد يوما بعد يوم حتى ضاق المنزل بهم.. وبدأت الدعوات تنهال عليّ من أجل أن أعطي تلك الدروس في المآتم والمساجد لتعم الفائدة.. إلا أنه وبعد أول اختبار عملي بدأ الحضور ينسحب من الدروس تدريجياً.. ويفرّ خشية أن تناله الإشاعات التي بدأت تلاحق كل من يدخل منزلي (بأنه يروج للسفارة!!).. منهن من ذكر لي صراحة أنهن يخشين انتقام (السفارة) منهن.. دعوتهن للحوار والمواجهة ولكن حتى اليوم لم تحاورني  واحدة منهن.. قلت لهن بأن عليهن مواجهتي بقوة إذا كن يصدقن فعلا أنني أروِّج لعبد الوهاب (لا مجرد مقاطعة الدروس) ولكني لم أرَ منهن أي تأثر.. طالبت (لإثبات الصدق) بموقف جدي نتعاون معا من أجل حماية المجتمع من النفوذ الكبير (للسفارة) ولكني كنت أجادل الهواء!!

في المقابل راهنت على اهتمام الأوساط الثقافية والإعلامية لكني لم أرَ منها ما توقعت.. في بداية نشري للمقالات كانت هناك الكثير من المعوقات..كنت أعلم بأن (في تلك الصحيفة) أيدياً قريبة كان بإمكانها إعاقة نشر المقالات..لذا التقيت شخصياً بالشخص المسؤول عن نشر المقالات وحاولت شرح القضية له.. كان الرد بارداً ورغم أن المقالات كانت تنشر (على مضض) لكن وُضِعت لي الكثير من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها.. المقالات المباشرة التي كانت تكشف ما أتحدث عنه بوضوح كانت تمنع من النشر.. طلبت منه أن يسمح لي بعرض القضية على رئيس التحرير فكان يصعِّب المسألة علي لدرجة شعرت فيها باستحالة تبنّي الصحيفة للقضية..شعرت بعدم التصديق منه وطلبت التحقيق في المسألة لكنه لم يعنَ بالسؤال عن أي تفاصيل!!

لذا أعتبر اليوم أن كل هذه الجهات التي تجاهلت المسألة وتملصت من مسؤوليتها تتحمل قسطا كبير من المسؤولية لما جرى وسيجري قريبا من التمادي في الانحراف والتجاوزات التي ستتعدى وقعها الشخصي علي لتشمل كل المجتمع في المستقبل القريب!!

55- هل ترين الوقت مناسباً لإثارة القضية الآن؟

لا أعتقد أن هناك وقتا مناسبا لطرح القضية أكثر من هذا الوقت.. وذلك لعدة أسباب ذكرتها في ( عالم المجانين-2 ) وتعرضت لها سابقاً في إجاباتي السابقة ولا بأس أن أذكرها مرة أخرى هنا لأهميتها:

1- إن بحثنا (كبشر) عن الرموز مدفون في أعماقنا بصورة خفية يصعب تحليلها وتجنبها ..أتعرض لذلك في خاطرة “السامري والعجل” عندما أقول “وحنين العقائد الموروثة دون الحق يحول.. اجعل لنا آلهة أول الدليل.. أو لعلهم اليوم قالوا اجعل لنا قائداً من ورق كما لهم أولئك الذي كانوا منهم يسخرون” ..الرموز اليوم بدأت تتساقط . ليس هنا فقط بل على مستوى العالم كله.. ولا بد من تحصين المجتمع بعرض الحقائق المخيفة عن خطورة اتخاذ الرموز الخاطئة.. لست أتكلم الآن فقط عن هذا التنظيم فهو مجرد تطبيق واحد يكشف لنا خطورة المسألة.. وأعتقد أن واجب المثقفين والمفكرين أن لا يغفلوا عن دورهم في مناقشة هذه المسألة بعمق ، ووضع الحلول لها..

2- قيادة التنظيم الآن في مرحلة الإحساس بالخطر وقد يدفعها ذلك للتصرف بصورة خطيرة وسريعة ، لكي لا تنكشف حقيقتها ؛ لذلك يجب الإسراع في عرض المسألة على الجميع قبل أن يفوت الأوان..

3- محاولة تطبيق النبوءة التي ذكرتها عن الهجرة صارت قريبة جدا ، ولا بد من مباغتة قيادة التنظيم بنشر القضية قبل أن يطبقها فعلا..

4-التأخير في عرض القضية يمنح التنظيم فترة أكثر لتجنيد أعضاء جدد، خصوصا مع وجود التوجه السياسي الجديد للتنظيم ، وعامل سقوط الرموز الذي ذكرته في النقطة الأولى.

56- ألا يمكن تثير جائزة ( 500 دولار ) – التي أعلنت عنها في صفحتك لمن يملك أقرب تفسير لرموزك – شكوكاً حول إمكانية وجود جهات تدعمك ؟ .

لا شك أن من تقصدهم من قيادة التنظيم(والدمى التي تحركها) ستثير مثل هذه التهمة وغيرها لتنتقص من نزاهة المواجهة.. وهذه ليست أول تهمة ولا آخرها ستحاول بثها بين أوساطها الداخلية والأوساط الخارجية في المجتمع لحرف الأنظار عن القضية الرئيسية.. والأساليب التي استخدمت حتى الآن في صد هجومي كان منطلقه مثل هذه التهم والإشاعات وقد ذكرت أمثلة قليلة منها (في مقالي “من هو المفلس ؟”) الذي تناولت فيه وقائع من أسلوب المواجهة الذي استخدم ضدي (حتى وقت كتابة المقال).. وقيادة التنظيم-ولأول مرة أشعر بإفلاسها المفضوح بهذه الصورة- لم تكن ذكية في استثمار مثل هذه التهم بل أوقعتها في مشاكل غير محسوبة وسأذكر هنا بعض الأمثلة عليها:

  1. عندما تعود إلى الوراء في قراءة صفحة الملتقى في صحيفة الأيام المحلية لمدة شهرين أو ثلاثة (هي الفترة التي كنت أركِّز هجومي فيها من خلال نشر المقالات) سترى الاختلاف النوعي والكمي في الرسائل المضادة التي تستقبلها الصفحة.. كانت تلك المقالات ساذجة (إلى حد ما) ولم تراع الحيطة في ما تتناوله من أمور يمكن ربطها بالقضية لاحقاً.. لقد ركز التنظيم في تلك الفترة على محاولة التشكيك في نزاهتي والطعن الشخصي بصورة مفضوحة لأدنى متأمل.. لقد كثر استخدام مفردة (النرجسية) وظهرت توقيعات عجيبة لأول مرة (مرام النرجس، نرجس المراد، نرجس).. وكانت هناك ردود واضحة على مواضيعي التي تنشر.. مثلا كان رد أحدهم على خاطرتي”لمن تكلم القمر؟” بخاطرة طريفة سماها “عندما بكى القمر”، وكانت الردود على “عالم المجانين-1” التي عرضت فيه تلميحا لتجربتي السابقة في عالم المجانين الرسمي كما سميته (الذي أشرحها بالتفصيل في “رحلة الكآبة”) تتحدث عن الأمراض النفسية وأسبابها وتأثيرها على العقل والوهم.. والكثير من هذه الأمثلة يمكنك أن تقرأها بنفسك وتفهمها بدون حاجة لمن يفك الرموز.. طبعا تصورت القيادة أن ذلك الهجوم قد يؤثر على معنوياتي في المواجهة ولكني –صراحة- كنت سعيدة بذلك الهجوم بل تقصدت الاستفزاز من أجله لكي استثمره في مثل هذا الوقت الذي أكشف فيه الحقائق..

  2. عندما نزلت صفحتي وتوضح للقيادة أنني كنت استدرجهم في مثل هذه المقالات للقيام بهذا الهجوم الشخصي الذي أرَّخته وسائل الإعلام والشائعات المغرضة التي أرَّخها المجتمع المحيط بي، حاولت تدارك الموقف -أيضا- بصورة ساذجة ويمكن بتأمل بسيط إدراك الفرق النوعي والكمي للمقالات المضادة التي يرسلها أفراد التنظيم.. بل اختلفت فجأة شخصيات وأساليب لأقلام كاتبة في حالة تمويه واضحة.. نفس المسألة تستخدم الآن في المجتمع ومحاولة تهدئة الأوضاع وتقهقر “الأيدي الخفية” التي أبرزت الشائعات إلى الوراء هذه الأيام هي من نفس هذا المنطلق الذي لا يصعب تحليله..

  3. بإمكانك أيضا أن تعود للحوارات (العلنية) على الإنترنت حول صفحتي ودوافعها وستعجب أيضا من الأسلوب المستخدم الذي يتعمد حرف الاهتمام عن القضية الأصلية إلى جوانب هامشية تمسخ هوية المواجهة.. على سبيل المثال يمكنك استقراء توجه التنظيم المضاد في حواري مع البدوي (المزعوم) في أين .. والذي كشف لي بأخطاء قاتلة دفة هجوم التنظيم القادمة والتي تتمثل في :

  1. إثارة قضايا تتعلق بشخصي وتاريخي -الذي ذكرته هنا بالتفصيل- والتشكيك في قدراتي العقلية (أنت أصلاً خريجة دار المجانين باعترافك بنفسك)..ومحاولة الإيهام بأني أشكك في الآخرين بدون أسس مفهومة.. طبعا البدوي أخطأ التقدير في بداية حواره واستُدرج إلى تلك المناطق من حيث لا يدري.. وتركيزه على أمور لم يكشف عمقها بعد(إلا من أعضاء التنظيم) قد أوقعته (الشيخ؟ ومساعده؟ وصاحبة الشركة المجنونة؟!) هذه دلالات لا يمكن أن يصل إليها أي قارئ مهما بلغت درجة تحليله لأنها أصلا غير مكتوبة بهذه الصورة.. كما إن تركيزه على (القمر وعاشقي القمر… لا دلالة له إلا في داخل التنظيم نفسه).. وهناك دلائل أخرى في الحوار يمكن للجميع أن يدركها بالتمعن..

  2. إدعاء أن ما أتناوله يعتبر كشفا لأسرار الناس وفضحهم في محاولة لاستثارة جوانب أخلاقية ودينية في المجتمع تجعله يرفض التعاطي مع عملية الفضح (المتعمدة) لقيادة التنظيم وأعضائه الفعالين..

  3. التشكيك في نزاهة الصفحة من خلال إثارة مسألة الجائزة ودوافعها.. وأعتقد أن ردي عليه في النقطة الأولى والثانية كانت كافية على المستوى الإعلامي ولكني لم أرد جدياً عن مسألة الجائزة.. وكان مقال “عقيل سوار” الذي نشر في صحيفة الأيام يتعرض لهذه النقطة بالنقد أيضا مما أشعر قيادة التنظيم (المفلسة الأفكار هذه الأيام) بأنها نقطة ضعف فحاول (أبو آمنة) من خلال منتدى الحوار في صفحتي إثارة هذه النقطة مجدداً..(بالمناسبة يكنى عبد الوهاب البصري بـ “أبو إيمان” ولا أستبعد لمعرفتي بأسلوبه أن يكون هو المتصدي لي هذه المرة في هذا الحوار!).. طبعا كان ردي هذه المرة أكثر قوة لأنني عرفت هذا التوجه الجديد.. (وبإمكانك الاطلاع على الحوار في الصفحة)..

الخلاصة أنني أتوقع مثل هذه التهم وسأكون على استعداد  للتصدي لها (لأنها أكاذيب ولا يصعب كشفها).. وبإمكان أي مهتم بالمسألة التحقيق في كل مسيرة حياتي والتعرف على انتماءاتي الحالية والبحث عن (أي أحد) يدعمني (بأي صورة).. عموما هذا لا يمنع أنني من خلال هذا الحوار أرجو الحصول على بعض الدعم (مهما كان نوعه ومصدره) من أجل خدمة القضية.. وبصراحة أنا لا أملك -غير راتبي الشهري المستهلك قبل نهاية الشهر- أكثر من خمسمائة دولار واحدة ادخرتها عن طريق عمل جمعية مع بعض الأفراد من أجل هذا الهدف!! (وبإمكانك التحقيق في ذلك!!)

57- أشعر من خلال خطاب إجابتك أنك توقعين نفسك في وَهْمٍ مضاعف :

الأول وهم اللغة المبني على مفردات (العمق والدقة والعقل والبحوث المعرفية والمنطق العقلي المجرد و المستويات الفكرية العالية  ) لقد وقعتِ تحت وهم هذه المفردات المراوغة في دلالتها ، وفي تسمياتها ، فهذه المفردات في دلالتها على المفاهيم أقرب إلى النسبية منها إلى الإطلاقية ، وأنت تحت وهم الإطلاقية – التي لا تعرف الحذر ولا الحيطة ولا التوجس من مخاتلات المعنى – تصورتِ أنك كنت عميقة في بحوثك التي تسمينها معرفية لدرجة الإحكام المنطقي والدقة العلمية  وهذا ما جعلك تفكرين تحت سلطة نموذج معرفي مشبع بالمسلمات العقائدية وآليات الإنتاج المعرفي التقليدية .

الثاني : وهم البحث عن حقيقة جوهرية ، صافية ، نقية ، واضحة كالشمس التي وجدتها في مجموعة من الأسطوريات المبنية على خرافات تحمل مسحات عقلية من إنتاج الزعامة التي كانت تتولى إدارة عقلكم .

كيف تقيمين هذا الوهم المضاعف ؟

أتفق معك تماما في مسألة الوهم ليس من أجل الاتفاق ولكنني إن لم أفعل ناقضت كل رؤيتي عن الحقيقة!! ولكني أعتقد أن تفسيري للوهم يأخذ بعدا أكبر من تفسيرك.. الوهم عندي هو ما أسميه بالرمز (والوجود عندي كله رموز لحقائق غائبة) وليس الرمز وهما بما هو عليه بل إن التطبيق العملي لغالبية البشر هو النظر إلى الرمز على أساس أنه حقيقة أو واقع (وتخيل تأثير ذلك في عالم الأدب لترى كيف يوقع الخلط بين الاستعارات والواقع في ضلال بعيد)..إذن فالوهم الذي تتحدث عنه نقع جميعاً تحت سطوته عرفنا بذلك أم لم نعرف.. ولست بهذه المقدمة أسعى للخروج من دائرة المسؤولية الخاصة لأخطائي لأعممها أو أراوغ مرة أخرى فأنا في مقالاتي وحتى إجاباتي في هذا الحوار أكثر حدة في النقد لنفسي (وبدون مراوغة احتاجت إليها معاول وفؤوس نقدك).. ويمكنك أن تشهد ذلك جليا في عالم المجانين1 و2 وفي قصة الحسرات (التي أقول فيها عن نفسي “وكيف صدقت أن ذلك بأمره؟ لقد كانت رغم كل الدروس جاهلة، ساذجة وغبية!!”)..إنني فقط أحاول في تناولي للأمور أن أربطها ببعد معرفي يثمر شيئا جديدا.. أن أحوِّل تجربة قد يراها الآخرون فاشلة إلى درس جديد من أجل التغيير في الذات وتوسيع الرؤية للأمور.. وأحسب أن الغاية من كل التجارب فاشلة كانت أو ناجحة –بالمفهوم الظاهري- هو الوصول إلى هذا النوع من التكامل المعرفي.. بالنسبة للغة التي أستخدمها وتعتقد أنت أنها تدل على مفردات مطلقة لأمور نسبية، أقول : إن قانون النسبية أتفق فيه معك إلى الحد الذي أقول بأن كل ما تراه أنت في مفرداتي مطلقا هو أيضا خاضع للنسبية!!.. فالمفردات اللغوية تخضع لفكر وخلفية عقائدية ومعرفية تقيِّم كونها نسبية أو مطلقة! ألست تقر بذلك في مسألة الجمال والقبح وتعلقه بمدرسة فكرية معينة ! الأمر كذلك بالنسبة لمفرداتي.. وأنا أعي تماما هذه النسبية بل إنني في مقالي الذي يحوي خلاصات عميقة لما أعتقده (الآن) “علمني الزمان كثيرا” أذكر هذه المسألة بوضوح أقول (علمني أن لا أبحث عن المثالية في أي مكان أو شيء في هذا العالم.. فالمثال لا يوجد إلا في عالم المثال.. ولا يمكن أن أصل إليه يوماً إلا إذا غادرت كل محيط الأفلاك إلى اللامكان واللازمان.. وكيف أصل إليه إذا لم أتحرر من كل ما يأسرني في هذا العالم الذي يناقض المثال كلياً؟!).. والمثالية هي ما تعبر عنه أنت بالمطلق.. وأنا أقرر في كلمتي هنا أنه لا وجود لهذا الإطلاق في عالم النسبية أو الرمز.. ولكني أختلف عنك (في التطلع) إلى عالم آخر أؤمن بوجوده (من منطلق مدرستي الفكرية المختلفة).. ووجود ذلك العالم أو عدم وجوده لا شأن له في البحث إذ إن ما تقصده أنت – ولا أختلف فيك معه – هو العالم الذي يعرفه كلانا وهو الذي يجب أن نقيم عليه منطقنا في البحث الفكري عن المعرفة ومتعلقاتها وأنا لا أجد في خطابي ما يوحي أنني أزعم لنفسي المعرفة المطلقة لدرجة الإحكام المنطقي أو الدقة العلمية.. كما أنني لا أظن أن أي مفكر يمكن أن يتحرر في خطابه ورؤيته (تماما) من سلطة النموذج المعرفي التي يخضع تفكيره لمدرسته.. أما الحكم بأن النموذج المعرفي الذي أخضع له مشبّع بمسلمات عقائدية وآليات معرفة تقليدية فاعتقد أنه من قبيل إطلاق الأحكام (المطلقة) التي درج الفكر (الآخر) أن يطلقها على المدارس الفكرية التي لا تلائم تفكيره حتى لو لم يملك دليلاً علمياً عليها (عفوا إذ حولت معاولك عليك!) ..وأعتقد أن الحكم الفصل في هذه الحالات هو حوار منطقي يستند إلى أسس عقلية متفق عليها (في قضية محددة) تظهر حقيقة النماذج المعرفية التي يمثلها أي مفكر!!

الوهم الثاني التي تتحدث عنه هو ما لا أتفق معك فيه (من أجل التغيير!) فأنا لا أعتقد بأن البحث (وهم) بل هو (هم) فكري راقٍ أظنه ما يبعثك ويبعثني على هذا الحوار..وإن كان هناك من أمل في التخلص يوما من (الوهم) الذي تراني فيه وأراه غالبا (على الجميع) فهو على أساس هذا البحث!! (أم ماذا ترى البديل؟).. لست أزعم أنني تناولت تلك الحقيقة أو حتى أنني يمكن أن أتناولها في عمري الزمني المنظور ولكني أجد البحث هو الخط الفاصل بين أن “أكون” خاضعة للوهـم أو “لا أكون” كذلك.. فما دمت أبحث عن الحقيقة الجوهرية (أو واقع الرموز) فذلك يعني أنني لست خاضعة للوهم بل أنقب في كشفه مهما طالت فترة البحث والتنقيب .. وصدقني أنني لم أندم يوما على فترة في حياتي (أعتبر نفسي فعلاً خضعت فيها للوهم) إلا لحظة توقفي عن البحث التي تعتبره – أنت – وهماً! أما ما تصرّ على العودة إليه من الأساطير والقصص التي مازلت تتجاهل فيه ردي الرئيسي في كونه جزئية لبحث عميق ، يتناول أصلا إمكانية وجود عالم آخر(ما وراء الطبيعة) يمكن أن تخضع له هذه الأمور أو لا؟.. وليس إصراري على ذلك ترجيح لكفة معينة (ما) تؤيد كون ما في التنظيم أساطير أم لا.. ولكن لأنني أعتبر الجدال القائم على النظر إلى وجه واحد من العملة هو بحث عقيم ورؤية قاصرة لن تفيد غير من يريد أن يرسخ وجهة نظر (محددة من قبل).. وأظن أن الغرض من هذا الحوار هو دراسة متعمقة لسيرة الذات والجماعة (التي تمثل الفكر الآخر) وإطلاق مثل هذه الأحكام دون الغوص في دراسة فكر وعقيدة (الفكر الآخر) بتعمق يكشف جذور أي تفصيل معين لا يخدم هذا الهدف أبداً..

58-يقول الفيلسوف الفرنسي باشلار “الحقيقة خطأ مصحح ” لو قرأنا بهذه المقولة تجربتك فسنجد أنها في تجربتها الشيوعية كانت خطأً صُحح بالتجربة الدينية التي هي خطأ في صورتها الدينية العامة صحح بالتنظيم السري ، و أنت الآن تكتشفين خطأ هذا التنظيم الذي كان يمثل الحقيقة المصحِحة لأخطاء الحقائق السابقة. بم ستصححين خطأ هذه الحقيقة ؟

لا أعتقد أني أتّفق مع مفكرك الفرنسي في مقولته عن الحقيقة.. فما يعبر عنه بالحقيقة مجرد تعاقب طبيعي في التفكير؛ فالخطأ وتصحيحه قد يكون مجرد نزهة فكرية يمر بها أي مفكر في تفكيره ولا أرى أن تسمية هذا النشاط الفكري البسيط ينطبق على مفهوم الحقيقة.. إنه في أحسن حالاته (الواعية والموجهة) بحث عن الحقيقة وهو الاسم الذي أطلقه على مجموع تجاربي الفكرية والعملية التي مررت بها من الشيوعية إلى (العرفانية) الدينية والتي كانت تجربة التنظيم أحد تطبيقاتها (نظرياً) ..

كما أنني لا أعتبر ما سبق من تجارب في طريق بحثي عن الحقيقة أخطاء (ليس من ناحية المبدأ على الأقل) بل أنظر إليها كلبنات أساسية تمكنت بواسطتها صياغة ” رؤيتي الخاصة” للحقيقة.. وربما لاحظت كثرة استخدامي لمفردة “الرؤية” في خطابي.. وذلك لأنه التعبير الأنسب الذي يبين أن ما أطرحه وما (أعتقد) أنني وصلت إليه من مجموع تجاربي (ومن ضمنها التنظيم) هو “رؤية للحقيقة” لا الحقيقة نفسها كما يزعم باشلار.. ورغم الفرق الشاسع بين المفردتين إلا أنه -حتى الوصول للرؤية- لا أظنه يتيسر بمجرد تصحيح خطأ فكري.. فصياغة الرؤية فنّ يعتمد على الأخذ بالحقائق الجزئية (كما هي عليه) ومحاولة استشعار نتائجها في المستقبل البعيد بالاستعانة بحصيلة الخبرات المعرفية التراكمية من تجارب سابقة ومؤهلات فكرية.. وسبيلي في المستقبل هو المضيّ على تلمس الحقيقة على ضوء هذه الرؤية المصاغة.. ولا شك أن الرؤية تزداد وضوحاً يوماً بعد يوم مع القرب من الهدف وهذا ما أعوِّل عليه في كل خطوة..

وخلاصتي: (1) إنني أسير من أجل الوصول إلى الحقيقة (2)أدواتي هي “الرؤية” التي تم صياغتها من مجموع المعاني الحقيقية في تجاربي الفكرية والعملية السابقة.. الخ (3) وخطواتي في المستقبل ستكون ديناميكية متواصلة بناء على اتضاح الرؤية القابلة للتعديل والتطوير- بناء على تجارب فكرية وعملية جديدة-..

59- لقد أنصت لك طوال هذا الحوار ، واستمتعت – معرفياً – بالتأمل في تجربتك ، لكني أراك الآن لا تنصتين لأسئلتي النقدية ، وتفضلين إشعال آليات الدفاع والتبرير ؛ لتحمين ذاتك المعرفية من عنف سؤالي الرمزي ، ودليلي على ذلك أن أسئلتي لم تفتح إلى الآن ساحة تفكيرك على فضاءات معرفية جديدة . فأنت مازلت تعيدين إشكالاتك المعرفية، وتلوكين أسئلتك الوجودية من دون زحزحتها إلى مناطق جديدة .

أرني الآن كيف ستخرجين ذاتك – المقدسة – من هذا الهجوم .

شكراً لإنصاتك لذاتي (المعرفية) … لقد فعلت (أنت) ذلك لأن هدف هذا الحوار وعنوانه البارز هو سيرة(الذات) التي أمثلها في هذا الحوار (والجماعة) التي تمثلها المدرسة الفكرية الأحادية التي (ترى أن مدرستي الفكرية تمثلها).. ولم نكن منذ البداية بصدد فتح فضاءات معرفية جديدة..

توقعك أن تفتح أسئلتك النقدية بعنفها الرمزي فضاءات معرفية جديدة ليس واقعيا على الصعيد العملي ودليله أسوقه من خلال غوصك (أنت) في إشكالاتك المعرفية لدرجة (يبدو) أنك تراها (مقدسة) و(مسلماً) بها بحيث إن مجرد أسئلة (رمزية) يمكن أن تفعل فعل (السحر) وتجعل خطابي يتلون بها وينتقل عن طريقها إلى مناطق جديدة، في حين أن كل خطابي (المعرفي النرجسي) لم يزحزحك قيد أنملة عن أسئلة نقدية (أظنها قد تخمرت في ذهنك منذ أن عرفت المدرسة الفكرية التي أنتمي لها).. لست أرفض هذه الحركة (إن كانت مبررة) في حوار تتناول فيه (أنت) سيرتك الذاتية والجماعية (لمدرستك الفكرية) وحينها (سأحاول) رد إشكالاتك المعرفية بالغوص فيها (عميقا) وطرح إشكالاتي المعرفية عليها و(سأسعى) في تفهم تجربتك المعرفية التي (قد) تنقلني فيها لفضاءات معرفية جديدة.. فهل تملك الصبر على ذلك؟

60- إعجابك بذاتك – أتحدث عن الذات المعرفية – وبالمعرفة التي تحصلت عليها منحاك ثقة خادعة مُطمئِنة معرفياً ، فأنت ما تزالين وسط هذه المعرفة العرفانية تتعالين على المعارف الإنسانية ، ودليلي على ذلك أنك لا تنصتين لها – رغم ما في الحوار من معنى الإنصات للآخر – ودليلي على أنك لا تنصتين إنني لا أجد في خطابك أية أصداء لأصوات تقع خارج حظيرة معرفتك العرفانية .

وإطارك المرجعي من جانب آخر يبدو طاهراً نقياً لا تشوبه أية هجنة  ثقافية أو فكرية ؛ فهو سليل مدرسة فكرية أحادية،  لا تضج بأصوات نشاز تعكِّر صفو طمأنينتها المعرفية . وبلغ ( التنرجس ) بك حداً جعلك لا تكفين عن وصم الآخرين بالجهل ، وعدم الوعي ، والتخلف ، وعدم القدرة على المواجهة ، وتسبغين على ذاتك – المقدسة !! – صفات الوعي و الانفتاح الفكري والعمق العقيدي  ( حلقات الدروس المميزة والبحوث المعمقة والمستويات الفكرية العالية وتفسيري أكبر من تفسيرك ) .

قليل من التواضع المعرفي خير من التواضع الأخلاقي الذي كنت تمررين عبره عبارات ( السذاجة والجهالة والغباء ) . فهذه العبارات بقدر ما كنت تؤكدينها  كنت تنفينها ، فالسذاجة كانت تخفي وراءها احتفاءً بذات متمردة ، و الجهالة كانت تستبطن إحساساً بوعي معرفي لامع ، والغباء كان يستر إعجاباً بذكاء حاد .

فهل هناك علاقة دلالية بين اسمك وبين (النرجسية ) ؟

هل قرأت قصتي “من هو المغرور” ؟..

إن المعرفة العرفانية (تدعي) أنها تشتمل على المعارف الإنسانية ولست بصدد أن أثبت هذا القول ولكن هذا هو المنطلق الخاص (في مدرستي الفكرية) التي حتى الآن لم تتمكن أسئلتك (العنيفة الرمزية) أن تزحزحني منه إلى فضاءات جديدة.. إنك لا ترى أي صدى لهذه الأصوات لأنك (تتوقع) صوتاً من رحم (مدرستك الفكرية الخاصة).. ولا أريد أن أدخل في جدل لإثبات ذلك ، لأنه مما اتفقنا عليه في تحليلنا السابق صعوبة التجرد (لدرجة الاستحالة) من رؤية معرفية تتحرر من المدارس الفكرية والإعلامية والاجتماعية التي نخضع تحت نفوذها.. وأنا أعي هذه المشكلة في حوارنا لذلك دعوتك أكثر من مرة وما زلت أدعوك لحوار (نحاول أن نجعله بحثا متعمقا) في مثل هذه النقاط الخلافية كتعريف النظرة العرفانية التي (أدّعي) أنها تشتمل على المعارف الإنسانية (بصورة تختلف لكنّها لا تناقض ما تشتمله مدرستك الفكرية التي تتوقع أصداء صوتها).. عندها (أظن) أن حكمك سيكون أكثر إنصافا في تقييم إنصاتي للصوت الآخر..

أما بالنسبة لإطاري المرجعي فقد يكون كما يبدو نقياً طاهراً لا تشوبه هجنة ثقافية أو فكرية (من المدارس التي تعرف أصداء أصواتها) وليس ذلك دليلاً على أنه سليل مدرسة أحادية (فقد تناول خطابي وقائع تثبت أنها ليست كذلك) بل قد يكون دليلاً على ما سميته أنت (طمأنينة معرفية) من نوع ما لا تعتبره (مدرستي الفكرية) عيباً إلا عندما أبدي الرفض في التعاطي والحوار مع ثقافة وفكر (الآخر) من منطلقات مدرسته الفكرية والثقافية (وهذا ليس واقع وهدف حوارنا الآن!!)..

أما وصم الآخرين (من هم الآخرون؟) بالجهل وعدم الوعي والتخلف وعدم القدرة على المواجهة فمنطلقه كمنطلقك الآن (في أسئلتك النقدية الرمزية) وهو عملية الفضح التي تحدثت عنها أو استفزازات الكتابة التي تتحدث أنت عنها.. ومقارنتك ذلك بما أسبغه على ذاتي المقدسة (من صفات الوعي والانفتاح الفكري والعمق العقيدي) غير منصف لأنك بهذا تتجاهل مسألة أساسية أوضحها في الكثير من مقالاتي وفي خطابي هنا وهو أنني أنتمي لهؤلاء (الآخرين) وبالتالي أندرج تحت تلك الصفات العامة (التي أعتقد أن الجميع يندرج تحتها بشكل أو بآخر في حلقات الفضح الأوسع).. المسألة إذن تقع تحت نظرية النسبية التي كنت تنادي بها في أسئلتك السابقة.. أما أدلتك من كلامي (حلقات الدروس المميزة والبحوث المتعمقة والمستويات الفكرية العالية وتفسيري أكبر من تفسيرك) والتي تجمعها معا بصورة ملفقة (عفواً) فلها مدلولاتها الخاصة (في مكانها) وذكرتها (فقط) لأنها تخدم أهداف سيرة الذات والجماعة (الذي نحن  بصدده).. وعندما تتأمل في عموم الخطاب الذي تحويه تلك الكلمات ستعرف أنني لا أنسب لنفسي شيئا (من نفسي) بل أذكر (عادة) كلمات (الآخرين) لا تواضعاً بل لأني أرى كلماتهم (بما) هي عليه من كلمات واقعاً (كشيء مذكور) وإن لم يكن في (دلالته).. في حين أنني أشك في أن ما أنسبه لنفسي له أي واقع (من حيث إنه يتعلق بالدلالة مباشرة).. إذن (فتنرجسي) بهذا المنظور غير مثبت (ولكني قد أعطيك عليه لاحقا إثباتاً آخر إن شئت!)..

أما مقارنتك بين التواضع الأخلاقي والمعرفي فلا أستطيع أن أقرّها (من حيث المبدأ) -وعفوا إذ أسوق لك مقولة من مدرستي الخاصة- يقول الإمام علي “رحم الله امرأً عرف قدر نفسه” وليس في التواضع (الأخلاقي الممدوح) مثل الإمام علي ، ولكنه يقول “اسألوني قبل أن تفقدوني ، فأنا…” . ولا أذكر هذا لدلالته على أي شيء يخصّني (فذلك لا يناسب المقام أبداً) بل لمجرد توضيح ما أختلف فيه معك (من منطلق مدارسنا الفكرية المختلفة)..

أما ما كنت أنتقد به ذاتي (لا دلالة على التواضع الأخلاقي بل لأني أراه “واقعاً” دلّلت عليه في مكانه) فلست أتفق معك في نفيه عني (وإن شكرتك على هذه المحاولة غير الممكنة).. ولا أرى أن السذاجة يمكن أن تحتفي بذات متمردة (يشك في كونها محمودة) أو الجهل (الواقع) بمجرد (إحساس) بوعي معرفي لامع (إن وجد) أو أن الغباء يمكن أن يستر وراءه إعجاباً بذكاء لامع (أين قرأتها؟) فلكل منهم مكانه (الخاص) به. وقراءة سيرة الذات لا يمكن أن تتجاهل إثبات السلبيات (الحقيقية) والإيجابيات (إن وجدت) ، أم ترى كيف يمكنني أن أدخل في حوار كهذا دون أن أدخل في الحديث عن نفسي الذي يتضمن ذكر الصفات الذاتية سلبية كانت أم إيجابية ..؟  ولست أعتب كثيراً على من لا يعرفني أو لا ينتمي إلى مدرستي الفكرية أن يحلله (كنرجسية) ولكني أعتب في خطابي في المقالات على رفاق دربي (السابقين) لأنه (كان ينبغي) أن يعرفوني (بدرجة أكبر) من خلال معاشرتهم الطويلة لي بالإضافة لاشتراكي معهم في مدرسة فكرية واحدة..

أما سؤالك الأخير عن العلاقة الدلالية بين اسمي والنرجسية فأصارحك القول أنني أرى هذه العلاقة جيداً في (حالتي).. لأن لكل فرد (منا) نرجسية (ما) تجعله ينطلق (عفوياً) في تقديس ذاته وأفكاره وينغلق عن أفكار (الآخر).. وأجد أنه من حسن حظي أنني قد نبّهت (باسمي) لهذه المسألة.. لذا (حاولت) طوال مسيرتي الفكرية والعملية أن أركز نظري في دور هذه المسألة على تناولي للقضايا الفكرية والعملية (ولست أزعم أنني حتى “الآن” قد أًفْلَتُّ “نهائيا” من إطارها) ولكن كما قلت فإن حسن حظي أن اسمي ما زال يذكرني في كل لحظة بهذه الحقيقة حتى لا أنساها يوما!!

61- أنا لا أنتمي إلى مدرسة فكرية ؛ لأن الانتماء الفكري إلى مدرسة معينة يعني الوقوع تحت سلطة نموذج فكري واحد ، و أنا أحاول أن أتمرد على أية محاولة لصياغتي في نموذج واحد مهما كان منفتحاً و متحرراً ؛ لذلك أفضل أن أنتمي إلى فضاء معرفي يضم مدارس متعددة و متباينة ، و هذا ربما هو الفرق بيننا . أليس كذلك ؟

من  منطلق مدرستي العرفانية أحترم مدرستك الفكرية ( ؟ ) –التي لا ينتمي أفرادها إلى أي فضاء معرفي محدد-.. وأعتقد أن مشكلة مدرستك الفكرية التي (تبدو ظاهريا منفتحة ومتحررة) هو عدم واقعيتها على الصعيد العملي.. وأظنك –بالتمعن في الحوار- تتفق معي أن مدرستك عجزت أن تضم المدرسة العرفانية (رغم سعة فضائها المعرفي).. والدليل على أن فضاءك المعرفي  الواسع لم يتسع لفهمها يبدو في هذا السؤال واضحاً..  يبدو أنك تتحدث هنا عن مدرسة “حوزوية” مجالها الفقه والمعاملات والحلال والحرام أكثر مما تتحدث عن العرفان.. ولا أعتب عليك في هذا لأن العرفان يعتبر مدرسة غامضة على الكثير وكما قلت لم أجد إلا القليل ممن يعرف عن هذه المدرسة طوال مسيرتي في البحث عنها..

والمدرسة العرفانية لا تتمرد ولا ترفض أي مدرسة فكرية -بما فيها مدرستك- بل إنها تحتوي هذه المدارس نظرا لإحاطتها (المعرفية) بكل ما يتعلق بالخالق وبالوجود الذي أوجده .. فالعرفان هو اتصال المبادئ بالغايات؛ ولذلك فكل المدارس الفكرية خاضعة لتطبيقاتها لأنها لا شك تخضع للمبادئ و الغايات و الوسائل..

وآخر ما تقبله المدرسة العرفانية هو صياغة الإنسان في نموذج واحد مهما كان.. فالعارف هو من يتحرر  من كل سلطان يعيق عقله فكراً كان أو تطبيقاً أو رمزاً.. ولأن العرفان هو أعلى مقصد وأكثر المدارس شمولية وإحاطة فقد قل فيه السالكون أو ضل أكثرهم في المسير فيه عن الوصول إلى تطبيقه الفعلي  –كما كنت لفترة طويلة- ..

أعتقد أن ما كنت تنتقده في خطابي ليس المدرسة التي أنتمي إليها (لأن أفكارها ومنطلقاتها بعد غير واضحة بدليل هذا السؤال) بل اللغة الخطابية التي استخدمها والتي تعتقد أنها تعكس نظرة أحادية ، أو لا تحمل في ثناياها صدى للمدارس الفكرية الأخرى.. وأظن أنني قد أجبت عن هذا الإشكال فلكل مدرسة فكرية مهما كانت لغة خطابية معينة لا تعكس عدم اطلاعها أو احتوائها للعلوم أو المدارس الأخرى أكثر مما تعبر على أن هذه اللغة هي الأقرب إلى توضيح أفكارها..

62- أغبطك على قدراتك التأويلية ، لكني أخشى أن توظفيها – مـن حيث لا تشعرين – في إنتاج إمبريالية معرفية تنفتح على الآخرين ، لا لتقر لهم وتعترف بنقاط تفوقهم ، بل لتختلس بعض قيمهم العقلانية لتتغذى بها من أجل إعادة إنتاج نفسها إنتاجاً تصبح من خلاله جميع المدارس والاتجاهات تحت هيمنة إمبرياليتها (فكل المدارس – كـما تقولين – خاضعة لتطبيقاتها ) .

إن العرفان برؤيته الوجودية  له احترامه الآن عند كثير من اتجاهات ما بعد الحداثة ، وبالمناسبة ابن عربي و الملا صدرا محط اهتمام كبير من قبل الاتجاه الذي تقولين إني أمثله  ولكن العرفان كما يتمثل في لغة خطابك أو في لغة خطاب أي مدرسة من المدارس التي تنتمي إليه لا يمكن أن يستوعب جميع الاتجاهات ، ولا يمكن أن يكون على هذا النحو الذي أخرجته . وإنك تذكرينني الآن بمن يتحدث عن الماركسية برؤية ما بعد الماركسية متناسياً أنه يعيد تأويل الماركسية برؤية ما بعدها ، فيظن أنه يتحدث عن الماركسية ، كما هي قد تجلت في مرحلة تاريخية معينة .

رغم هذا ، فأنا لا أستطيع أن أخفي إعجابي بقدرتك على استثمار القيم المعرفية الحديثة في توسيع دائرة اهتمامك ، لكني أحذِّرك من الثقة المطلقة برؤيتك العرفانية على النحو الذي يدفعك إلى اعتبارها قد جمعت ما أتى به الأولون ، والآخرون؛ خشية أن تتحول إلى نظام شمولي – فهي أكثر المدارس كما تقولين شمولية وإحاطة – يملك تفسيراً لكل شيء ولديه قدرة على احتواء كل جديد . و الآن أيتها الشمولية هل ما زلتِ تريني غير قادر تقبل خطاب مدرستك ، و بالمناسبة العرفان – كما يفهمه جاهل مثلي !!- ليس مدرسة ، و لكن خطابك الذي يمتتح من فضائه يعد مدرسة؟

أشكرك على إطرائك لما تسميه بالقدرات التأويلية لكنني ببساطة لا أؤول النظرة العرفانية بل أسردها كما هي عليه وعندما زعمت الشمولية للنظرة العرفانية قصدت العرفان كمبدأ ونظرية يدرس العلاقات الوجودية بين الله وباقي الخلق والإنسان. و(نظرياً) فإن كل مفرزات عقله (قديمة أو حديثة) خاضعة لهذه العلاقات.. وهي لا تحاول الهيمنة (الإمبريالية) بل توضح العلاقات وتشرحها من منطلق التداخل والترابط بين المعارف الإلهية والإنسانية التي تعجز أي مدرسة فكرية أخرى أن تحيط به.. إن عدم شمولية أي مدرسة تتبنى العرفان (نظرياً) هو نتيجة قصور الإنسان وعدم استخدامه للعقل بجميع طاقاته وهذا ما أتحدث عنه في “لو كانت سلامة النية جياداً”.. ولأصدقك القول –شخصياً- لا أجد في التاريخ من طبَّق هذه النظرية فعلاً إلا القليل الذين أعتبرهم يمثلون (رموزاً حقيقية) كالقائل “وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر..” التي استشهدت بها في مقالي الذي ذكرته الآن.. وأظن أننا اتفقنا معا منذ البداية على أن التطبيق يخالف المبدأ في معظم المدارس الفكرية ولا استثناء في مدرسة العرفان –وعندما أسمِّيها مدرسة فأنا أقصد الجانب التطبيقي في العرفان أكثر من النظري المثالي المطلق الذي قلت أنه لا وجود له فعليا في عالمنا الذي نناقشه الآن-.. فرؤيتي المثالية للعرفان لا تخالف واقعه النظري ولكن تطبيقي الخاص له أحتمل وزره الخاص شخصياً ويحتمله عقلي المقيد (بما لا يقره العرفان).. إذن فأنا أعترف بقصوري عن الشمولية التي تدعو بها مدرستي العرفانية وذلك لا يدل إلا على كوني إما طالبة غير متفوقة في المراحل الدراسية التي خضتها حتى الآن أو أنني لم أتخرج من المراحل النهائية من المدرسة لأمثلها حقيقة أو الاثنان معا -وهو واقع حالي الذي لا اختلف فيه مع الكثير من المنتسبين إلى هذه المدرسة أو غيرها من المدارس-..

63-  أتصور أن استخدامك لمفردة ( الانحراف) سيسبب لك إعاقة تواصلية وذلك لكثرة ما لاكته الاتجاهات الإسلامية التقليدية لهذه المفردة التي أصبحت تعني كل ما يخالف اتجاهها . فهل هناك إمكانية لاستبدالها ؟

أظنك –من منطلق انتمائك اللغوي- أكثر حساسية مني للألفاظ ومدلولاتها.. لا أمانع بأي اقتراح يدل على المفهوم الأوسع الذي شرحت دلالته في “كيف نكتشف الانحراف؟”.. فهل تؤدي هذه الخدمة للقضية حتى لا يحصرها في ما لاكته الاتجاهات الدينية (التقليدية) -التي لا أتفق معها في نظرتها وتعريفاتها للانحراف-؟

64- بعد هذه التجربة كيف تصفين رؤيتك الآن؟

كما ذكرت لك أنا أعتبر تجربتي في التنظيم كمدرسة معرفية صقلتني في جوانب عديدة.. لست أروِّج بهذا للانضمام إلى التنظيمات المنحرفة ، ولكني أشجع على التعرف على المدارس الفكرية المختلفة ، لا الخضوع تحت سيطرة نموذجها المعرفي أو الاستسلام لرموزها الوهمية (فذلك خطأ معرفي وقعت فيه وأحذِّر منه).. إن هذا التعرف هو الذي يمكن المفكرين من حصر نقاط الضعف في المجتمع والعمل على صياغة رؤية مستقبلية تحمي المجتمع من الأخطار المحدقة به و التي من أخطرها اصطناع الرموز الوهمية التي تغتال العقول السليمة ، وتحولها إلى آلات إجرامية مهلكة لذاتها وللآخرين.. إن رؤيتي التي كنت أحاول الترويج لها من خلال الصفحة لا تتعلق فقط بفضح التنظيم وانحرافاته، ولقد تكلمنا من قبل عن دوائر الفضح.. والفضح عندي لمس بواطن الخطأ الفكري والمعرفي الذي يجعل واقعنا أسيراً بأيدي الجهل.. في “عراقيل التفكير” تعرضت باختصار لمجموع العوامل التي تحجب التفكير عن الانطلاق وتسبب انحرافات الفرد والمجموع ، ولكن مسؤوليتنا لا تتمثل في كتابة المقالات فحسب بل الانطلاق من تجارب مجتمعنا والتحليل الدقيق لأسباب انحرافاته واستنفار كل طاقاتنا في رفع هذه العوامل عن عقول أفراد المجتمع .. إن انحرافات هذا التنظيم الخطيرة هي مجرد أجراس تنذرنا بخطورة التجاهل للمعرفة.. المعرفة التي تستند إلى أسس عامة تتفق عليها المدارس الفكرية .. ولا شك أن للمفكرين والمثقفين جزءاً من المسؤولية في التجهيل الحاصل ، واتخاذ الرموز الباطلة ؛ لأن اعتزالهم العملي للمجتمع واكتفاءهم بالنظر إلى هذه العوامل من بروجهم العالية قد أدى لاستفراد فئات (معينة) ساحات توجيه العقول إلى ما يرضي مصالحها الخاصة.. المشكلة هنا أن هناك حاجزاً مفتعلاً بين المفكرين (من غير المدارس الدينية) وأي موضوع له صيغة دينية ,واعتباره “افتراضات ميتة” لا تستحق البحث والحوار.. وكأنهم يتناسون أن الانحرافات الدينية لا تخرج عن إطار أي انحراف فكري أو سلوكي آخر في منطقه و أسبابه وتأثيراته.. إذن منطلق رؤيتي “للحقيقة” قائم على إزالة كل العوائق التي تحجب الحقيقة.. وهذه الإزالة تعتبر مسؤولية عامة على كل أفراد المجتمع.. من خلال هذا الحوار أنا أدعوك وأدعو جميع المفكرين والباحثين مهما كانت مدارسهم الفكرية بالعمل معا في آلية موحدة نساهم فيها بإنقاذ مجتمعاتنا من عوامل انحرافاته.. وأعتبر هذه هي الخطوة الأولى لتحقق رؤيتي عن الحقيقة.. وعموما يمكن استشفاف رؤيتي العامة عن التنظيم من خلال عدة مقالات (وهي رمزية إلى حد كبير) أذكر منها (“قصص تتكرر في التاريخ”، “معرفة القدر”، “الحنين إلى الغربة”، “علمني الزمان كثيراً”..) وسأشرحها حين أعرض رؤيتي كاملة (مع انتهاء المسابقة التي أعرضها على الصفحة).. أما الخطوات الأخرى في رؤيتي فسأتركها لحوارات أخرى ، وسأعرضها كاملة بعد أن أعطي المجال كاملاً لمن يحب أن يحقق في هذه المسألة ويعرض رؤيته الخاصة بها (قبل نهاية المسابقة الفكرية)؛ وذلك لسببين رئيسيين: الأول عدم وجود الخلفية المشتركة بيني وبين الكثير ممن سيطلع على هذا الحوار.. إذن فعرضي للرؤية لن يكون مجدياً في شيء أكثر من افتعال حاجز بيني وبين مدارس فكرية أخرى ، وأنا أفضِّل العمل على إزالة الحواجز المفتعلة من خلال حوارات فكرية متعمقة تسعى للوصول إلى رؤية مشتركة مقبولة للجميع.. الثاني إنني أؤمن بأن رؤيتي لا يمكن أن تكون شاملة ومتكاملة بدون الاستفادة من المدارس الفكرية المختلفة والرأي الآخر.. لذلك تبنيت من خلال الصفحة عروضاً للمثقفين والباحثين بعرض رؤيتهم الخاصة عن الحقيقة من أجل خدمة هذا الهدف.. وأعتقد أن هذا الحوار سيساعد الكثير في تركيز جهودهم الفكرية في إطار أكثر تحديداً .. وفي النهاية أود إعطاء بعض الأمثلة عن البحوث الفكرية والحوارات البناءة التي أعتقد بأهمية إجرائها بين المدارس الفكرية المختلفة حتى تحل منطقياً إشكاليات تتعلق بهذا التنظيم بالذات وما يشابهه في المستقبل..

1- عقيدة (المخلص) عقيدة عامة لا تتعلق بالمسلمين فقط فما مدى واقعيتها؟.. وهل يمكن أن تسبب هذه الفكرة انحرافاً في التفكير أو التطبيق.. والى أي مدى؟ لماذا تعتبر مناقشة هذه الفكرة خاصة بالفقهاء والعلماء والمتدينين -الذين حتى الآن لم يفلحوا في تقديم أي علاج فعلي لهذه القضية- أين دور المفكرين والمثقفين؟ ألا يعتبر أن للدور السلبي للمثقفين والمفكرين في هذه القضايا يداً في تصاعد انحرافات التنظيم طوال هذا الوقت واطمئنانه لذاته؟

2- الأمور الغيبية أو عالم ما وراء الطبيعة حقيقة يقر بها العلم الحديث، ما هو مدى تعلقه بحياتنا؟ ما هي الحدود لما يمكن أن يكون واقعاً أو وهماً أو دجلاً وسحراً ؟ من يتحمّل المسؤولية إن سقط عامة الناس في هذه المسائل الشائكة إذا لم يتحملها المفكرون من مختلف المدارس الفكرية؟ كيف تحل الإشكالات التي هي من هذا القبيل في داخل التنظيم -من خلال ما عرضته في الحوار- من أمور (تبدو غيبية) ؟

3- هل نعيش فعلا في عصر مختلف يسمى بآخر الزمان أم لا ؟ لماذا يتردد هذا القول من مختلف المدارس الفكرية والعلمية ؟ هل هناك إرهاصات خاصة بهذا الزمان وما علاقة هذا التنظيم بهذه الإرهاصات ؟

4- ما حدود مسؤولية الاختلافات المذهبية والفكرية الموجودة في المجتمع بهذه المشكلات العويصة ؟ وما هو الحل لرفع هذه الاختلافات لإنقاذ مجتمعاتنا من الخطر الزاحف (الجهل بصورته العصرية) ؟ وأسئلة أخرى….

وختاماً أرجو أن تكون معنا حتى النهاية في نشر الحقيقة وأن نتعاون من أجل بناء خلفية معرفية موحدة ، نتمكن بواسطتها حل إشكالاتنا المعرفية لنستطيع أن نخدم مجتمعنا وأفراده من هذه الأخطار المحدقة به..