حوار مع الدكتور علي الديري حول كتاب طواش الدير الحاج عبدالله بن عيسى (1888-1961)
مع دخول العقد الثاني من الألفية الثالثة، جرت مياه كثيرة، صار التاريخ موضوعًا عامًّا، يجد الناس فيه ميدانًا للبحث عن هويتهم ووجوههم ووجودهم وذاتهم الآنية المهددة بالموت والمحو والنسيان، بدت فكرة الكتابة عن تاريخ الشخصيات والمجتمع ومعلمات القرآن ورجال القرية والعادات والظواهر الاجتماعية ملحة ومطلوبة. في هذا الحوار مع مجلة (أرشيفو) الصادرة عن مركز أوال للدراسات والتوثيق يحدثنا الدكتور علي الديري عن تجربته في توثيق تاريخ بيت طواش الدير، الحاج عبد الله بن عيسى عبر ثلاثة أجيال: الأب والابنة والحفيد، في سيرة الجد عالم الغوص واللؤلؤ، وفي سيرة الابنة صفحات القرآن وتعليم ألف لا شيلة، وفي سيرة الحفيد التعليم الحديث ودخول عالم شركات النفط والإنشاء والمقاولات لبناء البحرين الحديثة.
أرشيفو:كيف كان شعورك بعد أن رأيت كتاب طواش الدير مطبوعًا؟
الديري: بدأت فكرة الكتاب بحوار مع أبي في 2007م، كنت حينها بسبب تشخيص مرضه أخشى فقده وفقد ذاكرة العائلة التي هي جزء من ذاكرة قرية الدير ببحرها وزرعها. بعد طباعة الكتاب، شعرت أنني احتفظت بأبي، وثبّت جنسيتي، وحققت وصلا بقريتي، وأقررت عين أمي، وأنقذت ذاكرة توشك أن تُنسى. لقد سردت ذاكرة عزيزة على قلبي والسرد أداة وصل بين الأب والابن والجد.
أرشيفو:من هو الطواش حجي عبدالله بن عيسى؟
الديري: هو جد والدي، كان طواشًا معروفًا، فقد سفنه في سنة الطبعة 1925م، إحدى بناته المشهورات هي معلمة القرآن الملاية تقية (ت 2018) التي تتلمذ على يديها جيل كامل من قرية الدير وقد كتبت سيرتها في (ألف لا شيلة)، وأحد أبنائه المعمرين هو الحاج عيسى الشيرازي، توفي في 2006 عن عمر 105 سنوات، وهو من كان يمسك دفاتر أبيه ويكتب حسابات اللؤلؤ.
أرشيفو: هل استعنت بدفاتر طواش الدير في كتابة سيرته؟
الديري: مع الأسف، لم يصلنا شيء منها، أمر قبل وفاته بحرقها والتخلص منها، كي لا يطالب من بعده أحد أحدًا قد يكون معوزًا، كان معروفًا أن عطاءه يكبر ويكثر في الخفاء، لذلك احتفظت بها قلوب كبار السن، ووثقتها في ذاكرتها.
أرشيفو: كيف دخلت على سيرة طواش الدير وقد توفي في 1961 وأنت لم تعاصره؟
الديري: أجريت حوارين مطولين مع أبي قبل وفاته في 2009، لفتني حديثه المستفيض عن جده الطواش، وعن البيت الكبير. وأنا صغير كنت مدهوشًا ببيتنا باتساعه وجماله وألوانه وغرفه وزراعته وزريبة البقر فيه، عرفت من أبي أن هذا البيت الذي قضيت طفولتي فيه هو جزء من بيت أكبر لحجي عبدالله بن عيسى، كان بيت وجاهة وضيافة ويقصده العلماء، ازداد تعلقي بسيرة هذا البيت، فرحت أتقصى سيرته في قلوب الناس وما تبقى من ذاكرتهم.
أرشيفو: هل كنت تكتب تاريخ عائلتك أو تاريخ قريتك؟
الديري: على هذه الجزيرة الصغيرة “البحر هو التاريخ” تاريخ الغواص والبحار والنوخذة والطواش واللؤلؤ، وسيرة حجي عبد الله بن عيسى هي سيرة تاريخ بحر الدير. وذاكرة القرية في جانب منها هي سيرة الأشخاص والعوائل، الوثائق التي نشرتها في هذا الكتاب، هي وثائق ذاكرة قرية الدير، أتمنى أن يُحرّض هذا الكتاب الناس ليكتبوا سير أجدادهم وجداتهم وعوائلهم، ويعملوا على نشر الوثائق التي يتوفرون عليها، هكذا سنكون كتبنا تاريخ القرية الاجتماعي والشفاهي. لقد قررنا نحن عائلة الحاج عبدالله بن عيسى، أن نوقف مبيعات هذا الكتاب لتأسيس صندوق لدعم مشاريع تخدم الذاكرة الاجتماعية والشفاهية تحت (صندوق طواش الدير الحاج عبدالله بن عيسى لدعم مشاريع توثيق الذاكرة الشفاهية).
أرشيفو: هل حصلت على وثائق ذات قيمة تاريخية؟
الديري: كنت أتفاجأ من ازدياد الوثائق التي أعثر عليها كلما تقدم العمل في الكتاب، هناك وثائق لم أتخيل أبدا أن تقع بين يدي، على سبيل المثال، وجدت ختم الطواش حجي عبدالله بن عيسى في وثيقة تعود للثلاثينيات، ووجدت جواز سفره حين كان الجواز ورقة، واكتشفت بين كتب حفيده وابن أخته الحاج سلمان آل عباس رسالة موجهة له من النجف تعود إلى عام 1931، والبحث عن وثائق الغوص قادني للعثور على وثيقة نادرة تعود إلى 1922 وهي دفتر سجل غواصين يخص النوخذة الحاج مكي بن الحاج علي (1885-1950) والد أبو منير، الدكتور عيسى مكي.
أرشيفو: هل كنت ستكتب سيرة طواش الدير، لو لم يكن جد أبيك؟
الديري: هناك محرض شخصي للكتابة، لا بد أن يتوافر ليكون دافعًا لك للإنجاز، لكن ذلك لا يعني أنك تكتب للمفاخرة والمباهاة. لقد كتبت سيرة أم السادة وأنا لا أعرفها، كان هناك دافع شخصي يتعلق بكونها تمثل الثقافة والبيئة الاجتماعية التي أحن إليها وأحبها وأشعر أنها جزء من هويتي، كذلك سيرة مكية بنت منصور العكري وسيرة جدتي سلامة سلوم، وحاليا أنا أكتب سيرة مخطوطات المآتم النسائية والنساخ الذين كتبوها والملايات اللاتي يقتنينها ويقرأنها. بطبيعة الحال جدتي سلامة ونساء مجلسها ومأتمها وتربيتي وسط هذه الطقوس، محرضات شخصية جعلتني متحمسًا للذهاب لهذا المشروع، لذلك أؤكد أهمية المحرض الشخصي في التوثيق والكتابة.
أرشيفو: هل تعتقد أن هناك وثائق موجودة تتعلق بكتاب طواش، ولم تصل إليها؟
الديري: لدي هذا الاعتقاد بعد أن عاينت بنفسي كيف تتكاثر الوثائق وتقود بعضها لبعض، كذلك لدينا الشهادات الشفاهية، وهي تشكل جرءًا مهما من ذاكرتنا، على سبيل المثال بعد أن دفعت بالكتاب للمطبعة، نشرت (قناة الدير للميديا) مقابلة مع المرحوم حسن خليفة، كان يتحدث باستفاضة عن حجي عبدالله بن عيسى، والمثال الآخر الذي يمكن أن أستشهد به، هو سيرة أخت الحاج عبدالله بن عيسى، وهي الحاجية زينب بنت عيسى صاحبة أول مأتم بالقرية، المعروف بمأتم الحاجية وصار يعرف لاحقًا بابنها مأتم حجي سلمان وحاليا باسم حفيدها مأتم حجي عباس. كنت أبحث عن سيرتها كونها معلمة قرآن وملاية وصاحبة مأتم وشخصية لها مكانتها، لم أتوصل مع الأسف حتى لعام وفاتها، لكني بعد طباعة الكتاب، وأثناء العمل على (مخطوطات المآتم النسائية) أجرى فريق العمل مقابلة مع الملاية المعروفة في القرية فطام بنت الزين، فأفادتنا بمعلومات قيمة عنها وأخبرتنا أنها أحاطتها برعايتها وحنانها وأوصت ابنة أختها معلمة القرآن والملاية آمنة بالاهتمام ببنت الزين، فاحتفظت التلميذة بهذا الجميل في ذاكرتها.
أرشيفو: هل لديك ما تود أن تقوله؟
الديري: أتمنى أن يكون هذا الكتاب محفزًا لأهالي قرية الدير، لنعمل على إنتاج سلسلة تاريخية تخص تاريخ القرية، وسيكون جميلًا لو تمكنا سنويًا من طباعة كتاب واحد، لدينا مهتمون بالتاريخ الاجتماعي ومدونون وباحثون، رحم الله الدكتور علي هلال، وأبقى الله لنا أصدقاءه وزملاءه وتلامذته: الدكتور أبو منير، عيسى مكي، الأستاذ أبو صادق، إبراهيم حسن إبراهيم، الأستاذ حسن الوردي، الشاعر سيد سلمان سيد محمد الموسوي، الأستاذة رملة عبدالحميد، وغيرهم.