“السفير”: مليون ونصف قصاصة صحافية مفهرسة

المديرة التنفيذية لأرشيف “السفير” اللبنانية :

مليون ونصف قصاصة صحافية مفهرسة

*حسن زراقط

الأرشيف، أو بالإنكليزية Archive، هو “مكان لحفظ الملفَّات والسِّجلات والوثائق أو أيَّة موادٍ لها أهمية تاريخيّة”، بحسب تعريف “معجم المعاني الجامع”[1]. والأرشيف هو “الأثر الوثائقي للنشاط البشري”، هكذا يعِّرفه “المجلس الدولي للأرشيف”[2]. ومن هنا، ونظرًا إلى أهمية الأَرشفة ومراكز المعلومات ودورها في رفد الإنسان بالمعلومات التي يحتاجها، أعدَّ “مركز أوال للدراسات والتوثيق” نشرة بعنوان “أرشيفو” تهتم بقضايا الأرشيف وطرق حفظه وتتضمن مقابلات مع العاملين في أقسام الأرشفة والفهرسة في صحف ومراكز معلومات لبنانية وعربية للتعريف بها وعرض تجربتها والتحديات والصعوبات والإنجازات في عملها. كما تُعرِّف النشرة بالمدونات والمواقع الإلكترونية المهتمة بالوثائق والأرشيف.

لصحيفة “السفير” اللبنانية عمل متراكم في الأرشيف تعود بدايته إلى يوم تأسست الصحيفة في 26 آذار/مارس من العام 1974 حينما تكونت نواته. يرفد أرشيف الصحيفة العاملين فيها من محررين وكتّاب بالمعلومات والصور، كما يرفد بها مراكز معلومات وأبحاث أخرى في لبنان. وتتولى تحديد الأسس والخطط والبرامج والتقنيات التي يقوم عليها القسم، الذي يتضمن قسمين: الأرشفة والفهرسة للنصوص والصور، تتولاه مديرة القسم ربيعة سلمان، ويشرف على تنفيذ الخطط المديرة التنفيذية في القسم زينب سلمان التي تحدثنا عن ضرورة تطوير العامل في هذا القسم لنفسه ومتابعة التقنيات والاستفادة منها. وتكشف سلمان أن أرشيف “السفير” أصبح “أون لاين” منذ تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.

مليون ونصف قصاصة مفهرسة
بدأ أرشيف “السفير” مع العمل الروتيني الورقي، تقول سلمان. فـ”اشترى رئيس تحرير “السفير” طلال سلمان أرشيفا قديما من خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي كي تكون هناك استمرارية للعمل ومادةً قديمة”.

توضح سلمان “بدأنا العمل بطريقة بدائية من خلال اختيار الأخبار ولصقها وفرزها في ملفات، كي نستطيع استرجاع المادة بطريقة سهلة لأنه لم تكن موجودة في ذلك الوقت تقنيات حديثة أو إنترنت، أي كنا نعتمد على الذاكرة أكثر ونعتمد على تقسيمات نخصصها للبلد من أجل تسريع العمل”.

وتشير سلمان إلى أن هناك 13 موظفا في القسم، نسألها “أي أكثر من العدد الذي نتخيله عادة عن قسم الأرشيف؟”، فتجيب “لا، فالعمل اختلف كليا مع دخول التكنولوجيا. لدينا موظفون يجرون فهرسة للصحيفة بحسب رأس الموضوع والتأريخ والكاتب أو الكتب أو النص أو كلمة في النص. وهناك أيضا موظفون يعملون على “المكنز”، (وهو “الأداة التي يَعتمد عليها الباحث أو المستفيد من النظام من أجل استرجاع المعلومات”[3]، حتى إذا أراد أي باحث إيجاد رأس موضوع أو تأريخ أو كلمة ليصل عبرها إلى الخبر يدخل إلى “المكنز” ويختار الكلمة المستعملة ليسترجع المادة المطلوبة. كما أننا نعمل فهرسة للصور”.

تلفت سلمان إلى أن عمل الفهرسة “يتمّ عبر أخذ مادة من الصحف المحلية والعربية والدولية كافة ونفهرسها وندخلها إلى البرنامج، يعني ننشىء لها ربطا مع البرنامج”. بحسب سلمان، فإن مادة “السفير” منذ العام 1974 “مفهرسة وتمّ إدخالها في البرنامج ومرتبطة بـ”المكنز”. وكذلك فإن مادة القصاصات الصحافية مفهرسة وعددها نحو مليون ونصف قصاصة صحافية من مصادر متعددة وتمّ إدخالها أيضا إلى البرنامج وفهرستها، وتستطيع استرجاع أي موضوع من المصادر كافة”. أما الصور، “فتمت فهرسة 40 في المئة من مجملها وبقي 60 في المئة تنتظر المسح (scan) ومن ثم الفهرسة”.

طريقة العمل ..عمل مضنٍ وتحدّ كبير
يتطلب العمل في قسم التوثيق والفهرسة دقة، تقول سلمان. فـ”عندما يقوم الموظفون بالتوثيق فإنهم يعتمدون الأسس العلمية المعتمدة، سواء هنا كانت هنا أو في الجامعة العربية والأمم المتحدة. هي أسس علمية معتمدة لا يقدرون على الابتعاد عنها. أما الباحث من خارج الصحيفة الذي لا يعرف المصطلحات التي نستخدمها فباستطاعته أن يستخدم أي مصطلح ليسترجع المادة. ويستطيع أن يجري بحثا في النص، إذ إن هناك فترات زمنية يستخدمها للبحث فيه، فيستطيع استخدام المصطلح الشعبي المعروف، مثل “داعش”.

تشرح سلمان “نحن عندما نفهرس عن “داعش” نستخدم مصطلح الدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن المصطلح المتعارف عليه هو “داعش”، فيقدر من يبحث في النص استخدام كلمة “داعش” أو أي رأس موضوع يخطر على باله كي يسترجع المادة بواسطة البحث الحر الموجود في برنامجنا ليسترجعها”. في هذا السياق، تذكِّر بأن المواقع مثل “غوغل” “لا تحتوي على مادة من السبعينات، يحتوي فقط على مادة حديثة ابتداء من التسعينات وهي ليست دقيقة كثيرا. وكل شيء تستطيع الإضافة عليه أو الحذف منه يصبح هناك فيه شكا، مثل موسوعة “ويكيبيديا”. إذ توجد معلومات منشورة على المواقع غير صحيحة. عندنا في “السفير” الخبر موثّق بالتأريخ والمصدر ما يعني أن هذا الخبر صحيح. إذا لم يكن هناك خبر موثق بصحة ويجري تحريره فيمكن لأي كان أن يعدّل في الخبر”.  

“إذاً، هل تضعون كل هذه الكلمات ليصل الباحث إلى الباقي؟”، تردّ سلمان : ” يمكن لأي كان أن يعتمد الأسس العلمية نفسها في استخدام المصطلحات ذاتها. لنفترض مصطلح الانتخابات الأميركية، نحن ربما اعتمدنا مصطلح الانتخابات الرئاسية الأميركية، أنت تكتب الانتخابات الأميركية فيدُّلك “المكنز” على أن هذا المصطلح ليس هو المعتمد لدينا”.

الأرشيف “أون لاين”
وتعود سلمان لتقول إن أرشيف “السفير” أصبح “أون لاين”، وهذا يعني إذا كنت تجري بحثا في “السفير” عن “الاتفاقات الأمنية” أو “الوفاق” أو أي شيء في الصحيفة نُشر منذ العام 1974 إلى اليوم يمكنك إيجاده. كل ما عليك فعله أن تعمل اشتراكا بالخبر المطلوب في أرشيف “السفير” الموجود “أون لاين”. وتوضّح “الإشتراك يتمّ على فترة زمنية محددة وبسعر محدد، ويعود تحديد الأسعار إلى مديرة قسم الأرشيف في “السفير” ربيعة سلمان وهي تضع خططا لعام أو عامين بهدف إنجاز العمل المتراكم وإنجاز خطط جديدة في العمل، ونحن من ينفِّذ هذه الخطط وأنا المشرفة على ذلك”.

وبشأن وجود تعاون بين “السفير” وبين مراكز أخرى في مجال الأرشيف، تقول سلمان : “نحن نتعاون مع مراكز الأبحاث الأخرى، نتبادل رؤوس المواضيع التي نستخدمها ونتبادل المعلومات. وطبعاَ في حال كل تطوّر جديد في التقنيات والفهرسة والتوثيق، لدينا تواصل دائم معهم، لكن ليس لدينا مشروع مشترك مع أي مركز للمعلومات. وأعرف المراكز المتخصصة بالأرشيف والمعلومات في لبنان ولكن لا توجد مشاريع مشتركة”.

تعاون وتبادل مع مؤسسات مختلفة
تعطي سلمان مثلا عن التعاون مع مجموعة “أمم” التي تتولى عملا “كلفتها به الأمم المتحدة لتنشىء تنظيما معيّنا في الضاحية الجنوبية لبيروت مضادا لـ”حزب الله”، لكن المشروع لم ينجح. وتستخدم “أمم” مادتنا في الأرشيف والتوثيق والصور، إنهم يتعاونون معنا في شراء المادة، لأنه في نهاية المطاف نحن نبيع مادة”. كما “يأخذ “مركز دراسات الوحدة العربية” مادة ” السفير” وكذلك يفعل كل من “المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق” التابع لـ”حزب الله” و”مؤسسة الدراسات الفلسطينية”. تصف سلمان التعاون مع هذه المراكز الثلاث بأنه “لطيف وممتاز ودائم”. أما “علاقتنا بقسم الأرشيف في صحيفة “النهار” اللبنانية فهي علاقة مهنية فحسب، يعني تبادل أخبار وتعاون على ذلك”. فـ”النهار” لا تحتاج إلى أكثر من هذا المستوى من التعاون فهي صحيفة عمرها يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، فإذا أرادت أن تعمل فهرسة منذ الثلاثينات إلى اليوم فستحتاج إلى 50 سنة إضافية. أما عمر “السفير” فهو صغير من العام 1974 فقدرنا على فهرستها“.

وتلفت إلى أن في “السفير” قسم انتاج “فنحن نصدر نشرة معلومات من مادة الصحيفة منذ العام 2003، نشرة ورقية وإلكترونية، يتغيّر موضوعها كل شهر”.

نسأل سلمان عما إذا استفادت “السفير” من تجارب أخرى في مجال الأرشيف، فتؤكد “نظّمنا ندوات شاركت فيها كل مراكز الأبحاث وكانت المراكز الأخرى تنظم ندوات وكنا نشارك فيها ونستفيد من خبرتها. تعاونا كثيرا مع الأساتذة في الجامعة اللبنانية المتخصصين بالتوثيق أمثال كلود اسطفان، حسانة محيي الدين، عماد بشير، وكل من عمل في التوثيق والفهرسة ساعدنا وأعطانا الأسس العلمية الصحيحة التي نعتمد عليها”.

وتضيف سلمان : “ثلاثة أرباع موظفينا هم خريجو الجامعة اللبنانية في اختصاص التوثيق والإعلام، كلهم ساعدونا إلى أن توصلنا إلى العمل بشكل صحيح. وكذلك أساتذة الجامعة الأميركية إحداهن ساعدتنا في إنشاء “المكنز” وأيضا ساعدنا العاملون في المكتبات مثل عايدة نعمان التي تعمل في مكتبة الجامعة اللبنانية ـ الأميركية (LAU) عن كيفية العمل في المكتبات، فنحن في “السفير” لدينا مكتبة غير متخصصة. نحن منفتحون على كل الأطراف”.

البداية ورحلة العمل مع التكنولوجيا
تعمل سلمان في “السفير” منذ 25 عاما، تعود إلى البدايات التي تمت “بخطوة بدائية اتبعتْها كل مراكز الأبحاث، بدأنا العمل في غرفة صغيرة تحوي “ستاندات” وملفات تمّ تقسيمها إلى تلك المتعلقة بلبنان والعالم العربي، والدوليات حسب الدول وتُعمل لها فهرسة بدائية. أنشأنا نظاما خاصا بنا “من الواحد إلى العشرة”، تاريخ البلد ومؤسساته نجري فزرا لها كي نعطي مادة لقسم التحرير أو للناس بطريقة سريعة”.

كانت قفزة نوعية في التسعينات كما تراها سلمان، حينذاك “بدأت تظهر معالم التكنولوجيا. بدأنا بفهرسة مادتنا قليلا قليلا، فهرسنا مليون ونصف قصاصة، وهذا ما لا يستطيع أحد إنجازه. استعنّا بأشخاص من خارج الصحيفة لمساعدتنا لأننا لا نستطيع أن نفهرسها كلها لوحدنا، وكل المادة التي كانت لدينا أرسلناها إلى خارج الصحيفة لنجري لها “سْكان”، ودفع الأستاذ طلال سلمان مبالغ كبيرة كي نفهرس المادة، أي كل الصحيفة”.

وتضيف سلمان : “بدأنا بالتدريج، إذ استلمنا أول برنامج لم يكن متطوراً كثيرا من سامي منسّى (المدير التنفيذي لـ”بيت المستقبل” اللبناني). لكنه كان البرنامج الوحيد المتوفر في البلد، ثم استلمنا برنامجا آخر، ثم استغنينا عن هذا البرنامج وجلبنا برنامج “أي دي أس” الذي نتعامل به حاليا وهو سريع في العمل. يهمنا كثيرا استرجاع المادة وجمعها. فعندما أجري بحثا عن الاتجار بالبشر، أَكْتب رأس الموضوع “الاتجار بالبشر” كي يعطيني البرنامج المادة التي نشرت عن الموضوع من كل المصادر منذ الثلاثينات إلى اليوم، تُجمع لي عبر رأس الموضوع والتأريخ وأنا أختار ما أريد منها كي أجري بحثي”.

وهكذا، تردف سلمان، “يستطيع الباحث الاستفادة، سواء كان موجودا في لبنان أم في أوروبا، والتكنولوجيا الموجودة تُسهِّل على الباحث وتعطيه مادة غنية من المصادر كافة، من “السفير” ومن غيرها”. ومثلا، “إذا كان الباحث يريد دراسات عن العراق، فيكتب “العراق دراسات” فتعطيه مادة من (صحف) “فايننشال تايمز” و”نيوزويك” و”التايمز” و”الأهرام” وغيرها، تعطيه أهم الدراسات التي نشرت لأهم الكتّاب عن العراق. هذه الطريقة تسهِّل العمل كثيرا”.

محاسن ومساوئ التكنولوجيا
أحيانا تتساءل “كيف كنت أعمل بالطريقة البدائية؟ كيف كنت استرجع المادة؟”. لا عجب فـ”كم كانت ذاكرتي قوية ! ومهما كانت ذاكرتك قوية فإنك لن تسترجع كل المادة. التكنولوجيا شيء عظيم أحببتها كثيرا لأنها سهّلت لي العمل“، تقول سلمان.

قبل مجيء التكنولوجيا كان العمل يحتّم علينا أن نتذكر كل شيء، “لكن إذا قال لي الأستاذ طلال إنه يريد افتتاحية كتبها عن الإسلام السياسي، فلو كان العمل ورقيا كيف سأجد هذه الافتتاحية؟ هل أُخْرِج كل الافتتاحيات التي كَتَبَها منذ إنشاء “السفير” لأجد تلك المقصودة؟. بينما حاليا تكتب “طلال سلمان الإسلام السياسي” فيعطيك البرنامج كل الافتتاحيات التي كَتَبَها الأستاذ طلال عن الإسلام السياسي. وقد يقول لي إنه كتب في زاوية “هوامش” عن محمود درويش فأَكتب “طلال سلمان هوامش محمود درويش” فيعطيني البرنامج فقط الافتتاحيات الثلاثة التي كتبها عن محمود درويش. لكن إذا أردت الاعتماد على الذاكرة فسأبحث في 30 سنة عن الهوامش التي كتب فيها عن درويش، وقد لا أجدها”.

برأي سلمان فإن “التكنولوجيا جيدة في عملنا، من ناحية، غير أنها ليست جيدة، من ناحية أخرى، لأنها خففت التواصل بين الناس وخرّبت العلاقات الاجتماعية. أصبح التواصل بين الناس على “فايسبوك” و”تويتر”، إذا ذهبوا إلى مطعم لا يتحدثون إلى بعضهم البعض، يتسمّرون بالنظر إلى الهاتف فحسب. التكنولوجيا سهّلت العمل على الباحث الذي ليس بحاجة إلى قصد مراكز أبحاث عدة لإيجاد مادة يحتاجها، وقد يجدها ناقصة بنسبة ستين في المئة”.

أما حاليا، “فأؤكد لك أن تسعين في المئة من المادة تكون موجودة ومفهرسة، فتقوم بالبحث ويكون كاملا ومتكاملا. وتستطيع أن تشترك بالنشرة الورقية أو الإلكترونية أو تأخذ مادة “أون لاين” أو على “سي دي” أو تقوم بنسخها (صُوَرا ممسوحة طبق الأصل). الأولاد في هذا العصر بارعون جدا في استخدام التكنولوجيا، فتسأل صبيا عن أسم دواء فيقوم بالبحث عنه وعن سعره ومكان شرائه، أما نحن فتعلمنا التكنولوجيا بعد سنين طويلة”.

لازمة التطور
تتساءل سلمان : “كيف أريد مراقبة عمل موظف وأنا لا أعرف طبيعة هذا العمل؟ كيف أريد أجري بحثا لاسترجاع مادة ثم لا أقدر على استرجاعها؟”، تجيب بحزم “إذا لم أتكيّف مع العصر فسأقدم استقالتي. تعلمنا منذ العام 1995 على الأقل في ما يختص في مجالنا. صحيح أنا لا أتواصل كثيرا على “فايسبوك” ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى لكن في مجال عملي أبحث كثيرا وأدخل إلى كل المواقع للصحف ومراكز الأبحاث لأنها تنفعني في عملي. كل ما يتعلق بالتكنولوجيا والبرامج والأسس التي يفترض أن تؤسس عليها البرامج والأقسام والخطط هو من اختصاص ربيعة سلمان وأنا أشرف على التنفيذ. وهي متخصصة في التكنولوجيا والإدارة وأنا بدأت قبلها في العمل في “السفير”.

مبدأ تؤمن به سلمان وهو أن “العمل ليس روتينيا يوميا في الأرشيف، فيجب على الموظف أن يطوِّر نفسه، أنا أتواصل كثيرا مع قسم التحرير وأنا استبق الأخبار، فمثلا على ذلك لدي حدث الاتفاق النووي الإيراني، فأخرجت من عندي من الأرشيف صفحة كاملة عن بداية الخلافات وكيف بدأ الاتفاق وكل التفاصيل إلى حين توقيعه، أَخْرجتها بشكل “كرونولوجي” قبل أي صحيفة أخرى. أَقْرَأ الصحف وأتوقع الحدث وأرسل مادة إلى التحرير موجودة في “الداتا”.

سلمان تتحدث عن تحدٍ في قبالة التكنولوجيا فتقول: “نحن في عصر إذا لم تسبق التكنولوجيا فإنها تسبقك، وتصبح أنت خارج الزمن. أفكر كثيرا ما هي المادة التي أريد نشرها على الموقع وتفيد الناس، فلا أنشر مئة ألف صفحة عن “داعش” والناس في هذه الأيام بالكاد “تفك الحرف“. ففي هذه الأيام لا أحد يقرأ جيدا، كلٌ يقرأ عن الفنانين والرقص وما شابه“. وهي ترى أن نحو عشرين في المئة فقط من الناس “تريد أن تعرف من هو “داعش“، فلذلك أنشر على الموقع إطارا يحوي معلومات عنه، كيف أُنشأ ومن يموّله بشكل مبسّط يحبّه الجيل الجديد الذي لا يطّلع. فأنا في تفكير دائم حول ماذا سأنشر في وقت أصبحنا نقرأ كتابا كاملا على الهاتف وننجز كل أعمالنا عليه فمن المفروض أن نكون نحن أسرع منه”.

هل تتخيل كيف ستكون التكنولوجيا لاحقا؟”، تسأل سلمان ثم تجيب بنفسها “نعم ستعرف كل شيء من خلال عيناك فقط! هل كنت تتوقع أن تقرأ كتابا على الهاتف؟. جمالية الكتاب أقرأه بأن ألمسه بيداي بحروفه وعناوينه، يَدُلّك برنامج الأرشيف في أي صفحة نشر الخبر لكن تفتقد قراءته رقميا إلى الجمالية. “السفير” صغر حجمها، لكن ثلاث أرباع أخبارها عليك أن تقرأها على الموقع، فأنا أنظر في الصحيفة الورقية لكن بعدها أفتح الموقع على الأنترنت لأن هناك أخبارا منشورة هناك أيضا، ولكن هناك أخبارا أساسية منشورة في النسخة الورقية”.

تعتقد سلمان أن “هناك جيلا يحب الورق حتى في أوروبا وأميركا، إذإ إن الصحافة الورقية في أزمة مالية حاليا لا تُحسد عليها، مع أن بعض الصحف بيعت إلى مالكين جدد لكن نسخها الورقية لم تتوقف عن الصدور. فكما يقال نحن “نلحق” الغرب. طيِّب. فالأميركيون والغربيون لم يوقفوا إصدار النسخ الورقية. لكن مع تقدم الزمن ستتوقف النسخ الورقية عن الصدور تجنبا للخسارة المالية. فعندئذ، سيقلّ عدد الموظفين لأن التكنولوجيا تقلل عددهم ولا تكثرهم”.

فهرسة الصور والنصوص
يعمل في قسم الفهرسة أو “التكشيف” في “السفير” ثلاث سيدات، فاتن أديب المسؤولة عن الصور وإلهام غدّاف وإنعام شمص المسؤولتان في قسم فهرسة أو “تكشيف” النصوص. وقد يبدو أن فهرسة الصور أسهل من فهرسة النصوص، لكن أديب تبيّن أن “هناك مراحل يكون العمل في الصور أصعب منه في النص، الذي قد لا يكون متوافرا لتَعْرف على ماذا تدل هذه الصورة، فعليك أن تتابع الحدث. أمامك نص وتريد فهرسته، لكن الصورة (ليست نصا)، لذا هي أصعب. تنظر إلى الصورة لتعرف ما هي العناصر الموجودة في الصورة”.

تشير أديب إلى صورة أمامها على الحاسوب، “هنا شرطة ونار تريد أن تعرف في أية منطقة أخذت هذه الصورة أمام النص فتقرأه”. وتشير إلى صورة أخرى، “توجد أسفل هذه الصورة أسماء ثلاثة أشخاص: النائب اللبناني ميشال عون ووزير الخارجية والمغتربين اللبناني) جبران باسيل والنائب اللبناني آلان عون، ولكن فعليا يوجد آخرون في الصورة أيضا. يعني إذا لم تكن تعرف الأشخاص فلن تحِّدد خلفية الصورة”.

ونسألها عما إذا كل شيء في الصورة يُحفظ كأرشيف بخلاف النص الذي يفرض نفسه، تقول “العاملون في فهرسة النصوص محكومون بها، ليسوا بحاجة إلى الإضافة أو الحذف. لذلك أجد أن الصورة أصعب من النص. بالنسبة إليّ الصورة معبِّرة أكثر من النص”.

وعن الأصعب في مجال فهرسة الصور، تقول “أُكْتب اسم شخص على الإنترنت لتبحث عن صورة له، ولكن إذا لم تكن تعرفه… لا أثق كثيرا في الصور إلا إذا عرفت الحدث وعرفت الشخص في الصورة”. وتلفت إلى أن البرنامج المخصص للصور يختلف عن ذلك المخصص للنص، ولكن كلاهما يصبّان في البرنامج الأم نفسه. ويوجد تنسيق وتكامل مع قسم فهرسة النصوص. أحيانا استخدم أمورا للصورة لا تستخدم للنص”.

هنا تشرح زميلتها غداف تفصيلا حول الخبر القليل الاستعمال قائلة: “مثلا كلمة “المسبحة” (السُبحة)، قليلاً ما نصادف خبرًا عن “المسبحة” أو “الطربوش” أو بعض الأزياء الشعبية”. تعود فاتن إلى شرحها قائلة “طلب قسم التحرير مع بعض التفاصيل عن الصورة يُسهّل استرجاعها. أحيانا هناك صورة ـ “لقطة” (للحظة معينة) فماذا تسمّيها؟ لذلك خصصنا قسم “صور فوتوغرافية”. ثم تضيف إلهام “الصورة تعطيك خيالا”.

لدى قسم الفهرسة مهمة هي فهرسة مادة “السفير” والصحف الأخرى في لبنان والعالم العربي. توضح غدّاف “نحن نفهرس النص اعتمادا على الكلمات الواردة فيه. الأرشفة تختلف عن الفهرسة، فالأولى هي حفظ كل النصوص التي تحكي عن موضوع الاقتصاد في ملف واحد. في الفهرسة نضع واصفات للخبر لفهرسته. لدينا نظام خاص بنا، كل خمس واصفات في “بلوك” واحد تعبِّر عن موضوع معين في قطعة واحدة تكون متناسقة ومتكاملة. وتلفت غداف إلى أن الفهرسة يوجد فيها عنصر الـtechnique أي التفنن أكثر من الأرشيف”. تشاركها أديب الرأي بالقول “مثلا، قطعة تتكلم عن ثلاثة مواضيع نضع كل منها في قسمه المناسب”.

تتشعب الفهرسة تبعا للخبر، خاصة في العالم العربي “إذ لا يوجد خبر يتحدث عن بلد معيّن”، فمثلا، توضح إلهام، “هناك خبر يتحدث عن جريمة ارتكبتها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والأعداد التي قتلتها من الناس ثم يحكي عن عملية انتحارية حدثت في الموصل. فالخبر متشعّب، فيجب فصل كل قطعة لوحدها”. وترينا إلهام طريقة البحث عن الموضوع المفهرس على حاسبها، فتأحذ الأسلحة النووية مثلا، إذ “نُدخِل كلمة بأية رؤوس مواضيع أو كلمات دالة أو مفتاحية للحصول على نصوص مرتبطة بالبحث”.

وفقا لغدّاف، فإنه “عليك أن تقرأ في خمس دقائق النص وتستخلص ماذا تريد منه بالضبط. أصبح لدينا سرعة في قراءة النص ومعرفة التعامل معه، فنعرف من العنوان ماذا يتضمن النص. لكن الصعوبة تبقى في اختيار الخمسة واصفات للنص”. وترى أن من يعمل في التوثيق يجب أن يتمتع بالثقافة فـ”ليس أيا كان سيعمل معنا، يجب عليك القراءة باستمرار حتى إذا سُئلت عن فلان عليك أن تعرف التفاصيل عنه”.

[1] : (1): معجم المعاني الجامع

[2]  : (2): المجلس الدولي للأرشيف

[3]  : تعريف “المكنز”، من موقع كمال شاتيلا 

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF:مليون ونصف قصاصة صحافية مفهرسة

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو 2 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>