“مركز الدّراسات الفلسطينيّة” أرشيفًا ومكتبة

“مركز الدّراسات الفلسطينيّة” أرشيفًا ومكتبة:

تطوير دائم وسعيٌ لتطبيق معايير “مكتبة الكونغرس”.. ووثائق وصور نادرة

*حسن زراقط

تحتفظ “مؤسَّسة الدّراسات الفلسطينيّة” بأرشيف بعضه نادر. ويكفي احتواؤه  على مواد رقميَّة أو ورقية تتعلّق بفلسطين، حتى يعرف الباحث قيمته. تسعى مكتبة المؤسّسة إلى التطوير المستمر لتطبّق المعايير المتبعة لدى “مكتبة الكونغرس” الأميركية، معتمدةً على تجارب مؤسّسات متخصّصة في الأرشفة والحفظ. ويساهم قسم الأرشيف والمكتبة في المؤسّسة مع الباحثين فيها في إعداد ملفات مهمّة، مثل ملفّ المسجد الأقصى.

تقول أمينة مكتبة “مؤسَّسة الدّراسات الفلسطينيَّة”، جانيت ساروفيم، إنَّ المكتبة تأسَّست مع قيام المؤسَّسة في العام 1963، وتوسّعت لتحتلّ أربعة طوابق من مبنى المركز. يضم الطّابق الّذي تتواجد المكتبة فيه، الكتب المرجعيَّة، ومكانًا للزوار الَّذين يريدون إجراء أبحاث واستخدام الحاسوب.

تقول ساروفيم: “نعمل حاليًا على تنمية الأرشيف وتطويره، ونحاول رقمنة كلّ شيء منذ سنتين، وأنشأنا غرفة خاصَّة ومبردة تضمّ كلّ شيء في الأرشيف”. وتضيف: “يتكوّن الأرشيف لدينا من مجموعة من الصّور والأوراق الخاصّة الّتي وهِبَت للمؤسَّسة أو تمّ شراؤها، ولدينا مجموعة “بوسترز” (ملصقات) وأفلام، وتوجد كتب قديمة صادرة عن فلسطين يعود تاريخ بعضها إلى القرن التاسع. نهتمّ بهذه المواد عبر تنظيفها من الغبار قبل إدخالها إلى غرفة الأرشيف، ولدينا مجموعة كبيرة من “ميكروفيلم” (فيلم مصغّر)، وصحف قديمة على “ميكروفيلم”، قمنا برقمنة جزء منها ووضعناه على “هارد ديسك” (القرص الصلب للحاسوب)”.

هل انتهى استعمال “ميكروفيلم” حاليًا؟ تجيب ساروفيم عن هذا السؤال بالقول: “نستعمله ونحتفظ بالنسخة الأصلية، ونُرَقْمنه كي يصبح استرجاعه أسهل. والصّحف الفلسطينيّة محفوظة عليه”.

تتحدَّث ساروفيم عن انطلاقة العمل في أرشيف المركز وتجهيزه، فتقول إنَّ المؤسسة استشارت أشخاصًا عديدين، “ووقعنا اتفاقات مع مؤسَّسات لرَقْمَنة الصور، ومنها “المؤسَّسة العربيَّة للصّورة”، الَّتي وقعنا معها اتفاقية استشاريَّة ساعدتنا وأعطتنا نصائح ودرّبتنا على أمور عدة. ووقّعنا أيضًا اتفاقيّة مع “جامعة الكسليك”[1]، فأرشفت الصّحف الفلسطينية القديمة وقامت برقمنتها، وهنا يحاول قسم الأرشيف أن يطَّلع على كلّ المعايير العالمية الجديدة للأرشفة والفهرسة، ويحاول أن يعتمد المعايير التي تعتمدها “مكتبة الكونغرس الأميركية”.

عن فترة التَّحضير للأرشيف، تذكر ساروفيم أنّ العمل على أرشفة الصّور بدأ منذ عشر سنوات بإنشاء قاعدة بيانات داخلية، تحتوي وصفًا لكلّ صورة، وبدأنا بِعَمَل “سْكَان” (مسح رقميّ للصور)، والآن نقوم بمسح كلّ شيء رقميًا، كي تكون جودة الصّورة أحسن، كما بدأنا منذ ثلاث سنوات برقمنة الصّور”.

حاليًا، تشير ساروفيم إلى أنّ الأرشيف كلّه “غير متوافر للنّاس، ولكن مع الوقت سيتمّ وضع موادّ من الأرشيف على الإنترنت”. أما بالنسبة إلى أقسامه في المركز، فتوضح ساروفيم أنّ هناك قسمًا للفهرسة مخصّصًا للصّور، وأن هناك فريقاً واحداً يعمل على الفهرسة، وآخر على “سْكَان”.

ولدى المركز شخص متخصّص بِعَمَل “سْكَان”، وهناك مشرف على عمله، تشرح ساروفيم، حيث “يتولّى المتخصّص أيضًا فهرسة المادة، ويتولى عامل في القسم أعمال التنظيف (للمواد)، وكلّ وثيقة نضعها في ورقة حافظة خالية من “الأسيد” على قياسها، ثم نضعها في صناديق حافظة خالية من “الأسيد” أيضًا، وندخلها بعد تنظيفها إلى الغرفة المخصّصة لحفظ المواد”.

وعن الصّعوبات الَّتي واجهها العاملون في القسم عند بداية العمل، تقول ساورفيم: “كنا في البداية فريقًا صغيرًا، وكانت لدينا مسؤوليات أخرى غير الأرشيف، وكذلك كانت هناك صعوبات لناحية تأمين الميزانية، فكان الأمر مكلفًا. مثلًا، ابتعنا للغرفة المبردة آلة تبريد خاصّة تعمل ليلًا نهارًا، ووضعنا في الغرفة أضواء من نوع  “ليد” (LED، وهي اختصار لـlight-emitting diode، أو الصّمام الثنائيّ الباعث للضوء)، ورفوفًا خاصّة لا يطالها الصدأ”.

وتلفت إلى أنّ قسم الأرشيف “لا يقوم بترميم المواد أو الكتب، بل يرسلها إلى “جامعة الكسليك” الّتي تتولى ترميمها”، مضيفةً: “كنا في البداية نعمل على الأرشيف الورقي، حيث أنشأنا قاعدة بيانات للصّور، ولم تكن هناك صعوبات بالمعنى الدقيق للكلمة، لكنَّ العمل كان يستغرق وقتًا لتطوير هذا الأرشيف، لأنّ لدينا كمية كبيرة تتمثل بعشرة آلاف صورة، وكنّا نفهرس الأوراق الخاصّة ورقة تلو أخرى، ثم نقوم بالـ “سْكَان”، ونضعها في الورقة الحافظة، ثم نضع مجموعة من الأوراق في ملفّ من نوع “إكسل شيت”، أو ورقة عمل مخصّصة للاحتفاظ بالبيانات ومعالجتها، ويتمّ تدوين كلّ المعلومات عنها، مثل الكلمات المفتاحية والمحتويات. والآن مشروعنا مستمرّ”.

يعتزم القسم تطوير قاعدة البيانات الخاصّة بأرشيف الصّور، كما تفعل المكتبات، وذلك بفهرسة كلّ صورة، كما  يعمل على برنامج OLIP (برنامج معلومات خاصّ بالمكتبة)، فكلّ المعلومات عن الأوراق الخاصّة يتمّ إدخالها إلى OLIP، الّذي تستعمله حاليًا مكتبة الجامعة اللبنانية-الأميركية.

وفقًا لساروفيم، فإنّ “هناك معلومة عن كلّ صورة، والمنطقة الّتي التقطت فيها، والعدد الموجود منها، والمصوّر الّذي التقطها، والموضوع الذي تتناوله الصورة. كلّ هذا سيجري تطويره، وسنضيف “ديجيتال أي دي” (رقم تعريف مرقمن)، ليصبح على نسق “مكتبة الكونغرس”، وهو جهد يتولاه الفريق نفسه العامل في قسم الأرشيف في المؤسَّسة، وسيساهم في تسريع العمل، وتحديدًا استرجاع الصورة”.

وتردف قائلة: “يستخدم العاملون في القسم برنامجًا داخليًا اسمه OLIP WORD VIEW لفهرسة الكتب، وهو برنامج متكامل نجده سهلًا ومساعدًا لنا، نستطيع أن نطلب من خلاله كتبًا ونسجّل دوريات، وهو أيضًا سهل بالنسبة إلى الباحث الذي يستطيع القدوم إلى المركز واستخدامه”.

وتوضح ساروفيم أنّ الخدمات الّتي يقدّمها المركز للباحثين “تتمّ عبر برنامجOLIP WEB3 خارجيّ يراه الباحث كفهرس إلكتروني على موقع المؤسَّسة على الإنترنت، ويقوم بالبحث من خلاله، فيحصل فقط على معلومات “بيبلوغرافية” (قائمة المراجع) عن نصّ يريده، وليس كلّ النصّ، إذ عليه أن يقصد المركز للحصول على كامل النصّ كخدمة مدفوعة. وفي المستقبل، قد تصبح بعض الأوراق الخاصّة بالمؤسّسة متاحة للعامة من الناس”. وتساعد المكتبة أيضًا في تزويد موقع المؤسّسة على الإنترنت بجزء من الملفات المنشورة عليه، كملف “المسجد الأقصى” الّذي أنجزته.

وتجد ساروفيم أنّ فهرسة الصّورة “تتطلّب جهدًا أكبر. كنا نستخدم الكلمات المفتاحيَّة لفهرستها، وسنطوّر ذلك إلى استخدام “سابجكت هيدينغز” (رؤوس المواضيع)، ونرفقه بنص (text)، وملاحظات (Notes)، لتدلّ مثلًا على أيّ كتاب أُخذت منه الصورة. وطرق البحث عن النصّ تكون باسم المؤلّف أو بالموضوع أو برقم الصنف (class number)، أو باسم الناشر، ونستعمل نظام “ديوي” ( وهو نظام مُخَصص للبحث في الأرشيف)”.

يقدّم المركز خدمات أرشيفيَّة حسب الطلب، فهناك “سياسة للصّور”، كما تسمّيها ساروفيم، إذ “لا يحقّ طلب أكثر من خمس صور، ونطلب بدلًا ماليًا عن كلّ صورة قيمته مئة دولار أميركي”، كما يجب أن “تنسب الصّورة إلى مصدرها “مركز الدراسات الفلسطينية”، وهناك نوع من الاتفاق يوقّع عليه طالبو الصورة وتوافق عليه الإدارة وترسله إليهم. فهذه الصّور الّتي تملكها المؤسَّسة، كانت قد اشترتها، وبالتالي تملك حقوقها، مثل مجموعة المصوِّر خليل رعد، وهي أهم مجموعة للصّور لدينا من سبعينات القرن الماضي”.

تضرب ساروفيم مثلًا هو كتاب “قبل الشتات”، الذي “اطَّلع عليه كثر من الناس وأرادوا صورًا منه، “فيقوم المركز بتقديم الصّورة، حيث نقوم بـ “سْكَان” لها، ثم نرسل إليهم نسخة إلكترونية منها، اعتمادًا على الوضوح الّذي يطلبونه للصّورة. أما الأوراق الخاصّة، فيحتاج الباحث إلى إذن من الإدارة ليطّلع عليها”.

ومن خارج المركز، “يُردف بعض الأشخاص أرشيفه بأوراق خاصّة وصور جديدة، وأحيانًا يأتي أشخاص بكتب خاصة بهم إلى المؤسسة، وقد نأخذها تبعًا للمساحة المتوافرة لدينا”، تقول ساروفيم.

وتضيف: “تأتينا صحف عبرية قديمة مثل “هآرتس” و”جيروزاليم بوست”، وكذلك لدينا مجموعة “كولونيال أوفيس” (COLONIAL OFFICE أو وزارة المستعمرات) بين عامي 1918 و1948، وهي تتضمّن كل مراسلات وزارة المستعمرات البريطانية آنذاك، ومراسلات دبلوماسية أخرى، وكلّها موجودة على “مايكروفيلم”، وهي متاحة لمن يريد الاطّلاع عليها”.

يحصل أحيانًا تبادل هدايا ومنشورات بين المركز وجامعات ومؤسَّسات، فوفقًا لساروفيم، “ليس كلّ شيء يتمّ شراؤه، ويوجد تعاون مع مؤسَّسات أخرى متخصّصة بالأرشفة، مثل مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت الّتي تستشيرها المؤسّسة. وهناك تعاونٌ أيضًا مع “المؤسّسة العربيّة للصّورة”، ومع “جامعة الكسليك” أيضًا، التي تملك اسمًا كبيرًا لتخصُّصِها في رقمنة المواد. وهذه الاتفاقات مع المؤسَّسات هي اتفاقات محدّدة بوقت معين تنتهي بانتهائه”. كما تؤكّد ساروفيم أنّ المؤسّسة “تشارك في ورش عمل للتطوير في كلّ من لبنان والإمارات”.

[1]  مكتبة جامعة الكسليك: مكتبة الجامعة، وهي معهد لبناني كاثوليكيّ، رائدة في توفير المعلومات والأرشفة وحفظ المخطوطات والتراث اللبناني.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: مركز الدّراسات الفلسطينيّة أرشيفًا ومكتبة

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو 3 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>