على غرار كوجيتو ديكارات الشهير»أنا أفكر إذن أنا موجود» يمكننا أن نقول «لديّ أرشيف إذن أنا موجود».
يحقق الإنسان وجوده بالنضال ضد العدم الذي يتهدده بالمحو والإلغاء، من أجل أن يخلق له سجلاً يحفظ فيه حياته التي خاضها سلماً أو حرباً. سارتر كتب فلسفته (الوجود والعدم) وهو يخوض المقاومة الفرنسية إبان الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، حين كان النازي يلاحق الوجود الفرنسي ليحوله إلى عدم، وجاءت فلسفته (الوجودية) لتحرض الفرنسيين على صنع أرشيف حياة لمقاومة (العدم) النازي. انتصر الأرشيف الفرنسي، وصار جزءًا من ذاكرة وطن كاد يحتضر في لحظة عدمية شديدة السواد.
الأرشيف هو جهد الإنسان في إثبات وجوده على نحو ما، وكل وجود في الحياة يتضمن صراعاً ونزاعا مستمراً مع الغير الذي يريد لوجودك العدم، يظل العدم يلاحق الوجود، والغلبة تكون لمن يملك الأرشيف حياً ناطقاً وشاهداً على الوجود، هكذا يتحقق لوجود الإنسان الانتصار في الحياة.
لقد اخترنا في مركز أوال للدراسات أن نطلق (محرك بحث أرشيف أوال) في يوم الأرشيف العالمي 9يونيو، تحت شعار «الأرشيف: الوجود والعدم» ليكون أحد أدوات النضال من أجل الوجود، ضد عدم الوجود الذي يتهددنا من كل جهة.
لطالما خاض الإنسان صراعات وجودية مريرة، قاوم فيها عمليات تدمير ممنهجة ومنظمة، وقد شكّل (الربيع العربي) والحروب التي تشهدها المنطقة اليوم بعض تجلياتها. دمر العدم فيها جزءًا كبيرًا من ذاكرة أرشيفنا في الجزيرة العربية، وامتدت يده إلى الموصل وتدمر ومصراته وطرابلس وتمبكتو، ووصل الأمر إلى أن تعلن المديرة العامة لليونيسكو (ايرينا بوكوفا) أن هذا الدمار «جريمة حرب» فـ «تدمير تراث ثقافي للبشرية» يعد كذلك «بموجب معاهدة لاهاي».
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: الأرشيف: الوجود والعدم
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا: