يحكي الراوي في رواية اورهان باموك ‘’الحياة الجديدة’’ حكاية حياته الجديدة، بجملة شديدة الكثافة، جملة تقول ‘’ذات يوم قرأت كتاباً غيّر حياتي’’. في رواية بالداسار لأمين معلوف، قصة البطل ترتبط أيضاً بكتاب غير مجرى حياته، بل صارت حياته رحلة ليس لها غاية غير العثور على هذا الكتاب الذي يملك سر نهاية العالم، الكتاب هو (الاسم المئة).
ليست الحوادث وحدها ما يغير وجه الحياة، فالكتب لا تقل فاعلية في تغيير الحياة وتاريخها عن الحوادث السياسية، بل إن الحوادث السياسية تجد أحياناً في الكتب ذريعة لتغيير وجه التاريخ، فالمأمون حين أراد أن يغير وجه الثقافة العربية والإسلامية التي كانت متطابقة مع وجه رواة الأحاديث، وأرادها أن تتطابق مع عقول الفلاسفة، لم يجد غير وجه كتاب جديد يدخله على هذه الثقافة، فابتكر حيلة الحلم بكتاب أرسطو، لغير وجه الواقع، والحكاية كما يرويها ابن النديم في كتابه (فرست) المخصص لفهرست الكتب، تقول ‘’ولما رأى المأمون المنام الذي أخبر به أنه رأى في منامه شيخاً بهي الشكل جالساً على منبر وهو يخطب ويقول: أنا أرسطوطاليس، أتيته في منامه، وسأل عن أرسطو فقيل له رجل حكيم من اليونانيين، فأحضر حنين بن اسحق (توفي 260هـ) إذ لم يجد من يضاهيه في نقله، وسأله نقل كتب الحكماء اليونانيين إلى العربية’’.
إن للكتب حكاياتها، وهي بقدر ما تحمل في بطونها وجهاً للحياة، فإنها تحمل على ظهرها أيضاً حكاية عن الحياة، فكتاب أرسطوطاليس لا يحمل في بطنه المنطق فقط الذي ظل العلماء، علماء الدين والدنيا يرون من خلاله العالم، يحمل أيضاً على ظهره تاريخ الحضارات واللغات التي ترجم إليها، وحكاية حلم المأمون هي واحدة من هذه الحكايات التي من دونها لا يمكن أن نفهم وجه تاريخنا الحضاري والسياسي والديني. لا يمكن أن يكون هناك كتب، ولا تكون معه حكاية تُروى، فالحكاية إن لم تكن هي معناه، فهي معنى من معانيه التي يمكن ان تُروى.
بروفايل الوقت الصيفي، سيكون مخصصاً للكتب وحكاياتها، سنروي عبره حكاية بطونها التي تضمنتها وظهورها التي عبرتها. من كان منكم لديه حكاية مع كتاب غيّره أو خبّأه أو أحرّقه أو عشقه، أو كرهه، أو حذّره أحد منه أو حرّمه عليه أو دعاه لإحراقه أو منعه منه، فليخبرنا بحكايته، بروفايل الصيف بروفايل حكايات مجتمعنا وثقافتنا مع الكتب.